فلسفة الصلاة

فلسفة الصلاة0%

فلسفة الصلاة مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 257

فلسفة الصلاة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علي الكوراني
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 57541
تحميل: 6793

توضيحات:

فلسفة الصلاة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57541 / تحميل: 6793
الحجم الحجم الحجم
فلسفة الصلاة

فلسفة الصلاة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فلسفة الصّلاة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

الفصل الأوّل

أضواءٌ على الصّلاة

* معنى العبادة

* معنى الصّلاة

* الصّلاة في الشرائع الإلهيّة

* لماذا الصّلاة

* الصّلاة والإنسان والنسيان

* الصّلاة والإنسان والغيب

٥

٦

معنى العبادة

للعبادة أربعة معانٍ:

1 - المعنى اللغوي ، والمحصّل من كتب اللغة العربية أنّ كلمة (عَبَدَ) تعني: مزيجاً من الطّاعة والخضوع، وكلمة العبادة تعني: العمل الذي يُطاع به المَعبود، كما نجد في مراجع اللغة كأساس البلاغة، ولسان العرب، وتاج العروس... ومن ذلك استعملوا كلمة (عبّد) بالتشديد فقالوا: عبَّد الطريق وعبّد الشخص، بمعنى أخضعَهما وذلّلهما.

وبهذا المعنى لا تشمل العبادة كلّ سلوك الإنسان، ولا يُسمى الإنسان عابداً إلاّ إذا أطاع في عمله معبوداً، إلهاً أو شخصاً، وأمّا إذا كان عمله إطاعة لأمر نفسه مثلاً وليس إطاعة لأَمر أحد فلا يسمّى عبادة.

2 - المعنى القرآني، أو المفهوم الإسلامي للعبادة، حيث تتّسع دائرة المعنى في مادّة - عَبَدَ - ومشتقّاتها، فتشمل كلّ أعمال الناس، فما السلوك البشري في رأي هذا المفهوم إلاّ استجابةً خاضعة.

والاستجابة الخاضعة هي: العبادة، والناس كلّهم جميعاً عابدون، أتقى المؤمنين وأكفر الكافرين في ذلك سواء، فألوان سلوكهم استجابات لأمر آمر، وإنّما الفرق في نوعيّة المعبود، فبعضهم عَبد شخصاً، وبعضهم عَبد هواه، وبعضهم عَبد الشيطان، وبعضهم عَبد وثناً، وبعضهم عَبد الله الواحد الأحد.

يدلّنا على هذا الشمول في مصطلح العبادة الإسلامي:

أ - عدّة آياتٍ سمّت الدعوة إلى الإسلام دعوة إلى عبادة الله، كقوله تعالى: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللَّهَ ) 64 - آل عمران، وقوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ

٧

الدِّينَ ) 11 - الزّمر.

وهذه الدّعوة إلى عبادة الله تعالى تعني، الدعوة إلى إطاعة كافّة المفاهيم والشرائع الإسلامية.

ب - قوله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ) 28 - 29 يونس.

فقد اعتبرت الآيتان إطاعة الأتباع لأَسيادهم عبادة لهم، وإن لم يشعروا بها.

جـ - بعض النصوص التي فسّرت معنى العبادة في القرآن الكريم، منها عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ.. ) ، قال: (أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لمَا أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً، وحرّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون).

وفي نصّ آخر عنه (عليه السلام) قال: (من أطاع رجلاً في معصيةٍ فقد عَبده) الكافي جـ 2 ص398.

د - قوله تعالى: ( يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً ) 44 - مريم.

حيث اعتبر عبادة آزر للصّنم عبادة للشيطان؛ لأنّه المؤثّر الخارجي على النفس، فكان هو المعبود بالحقيقة (1).

هـ قوله تعالى: ( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ) 43 - الفرقان.

حيث اعتبرت أهواء النفس إلهاً معبوداً.

من هذه الآيات المتقدّمة وغيرها يتّضح؛ أنّ مصطلح العبادة الإسلامي يشمل كلّ عمل يقوم به الإنسان، حتى ما كان استجابة للشيطان والدوافع

________________________

(1) ورد في القرآن الكريم تعبيرُ إبراهيم (عليه السلام)، عن آزرَ بالأب؛ لأنّه كان عمّه ومُربيه، وقد ورد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أنّ الأَبَ هنا ليست بمعنى الوالد، بدليل قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ) ، 114 - التّوبة، وقد وقع هذا الاستغفار وبعده التبرؤ في بابل قبل هجرة إبراهيم (عليه السلام)، ثمّ ذكر تعالى - استغفار إبراهيم لوالديه عند بناء البيت المحرّم في أُخريات حياته -: ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ، 41 - إبراهيم، فلَزم أن المُستغفَر لهما (الوالدين) غير المُتبَرّأ منه، ويؤيّد ذلك توسّع العرب في استعمال كلمة الأب دون الوالد.

٨

والنّوازع النفسيّة، فكلّ أعمال الناس بهذا المعنى عبادات، والعبادة التي دعا إليها الإسلام تعني صدور كافّة أعمال الناس عن أوامر الله تعالى نواهيه.

فالمجتمع المسلم الذي يستجيب لهذه الدعوة ويَصدر في سلوكه عن أحكام الإسلام، مجتمعٌ عابد لله في كل النشاطات اللازمة لحياته، سواء في ذلك تطبيقه لصيغة الحكم الإسلامي، وتصريف الجهاز الحاكم لقضايا الأُمّة، وتطبيقه لنظام الإنتاج والتوزيع وتطبيقه لفرائص الصلاة والصيام والجهاد... إلخ، فكلّها ألوان من العبادات، يتعبّد المسلمون فيها بأمر الله تعالى، ويصدرون فيها عن إرادته.

3 - المعنى الفقهي، فعندما أخذ الفقهاء بدراسة أحكام الشريعة الإسلامية واستنباطها، رأوا أن يقسّموها إلى أقسام متميّزة، عملاً بالتبويب المتّبع في البحث والتأليف، فلاحظوا أنّ من الواجبات الإسلامية ما يَشترط فيها الإسلام أن يكون الدافع إليها نيّة القُربة إلى الله عزّ وجلّ، أو نيّة امتثال أمره... إلخ، أي أن تصدر عن وعي والتفات لتكليف الله تعالى بهذا الواجب، وإلاّ اعتُبرت باطلة ووجب إعادتها أو قضاؤها.

ومنها واجبات لم يَشترط فيها الإسلام مثل هذا الاستحضار، بل طلب مجرّد حصولها بقطع النّظر عن الدافع إليها، فاختاروا لهذا القسم الثاني اسم (الواجبات التوصّليّة)؛ لأنّ المطلوب مجرّد التوصّل إليها، وكان نصيب القسم الأوّل (الواجبات العباديّة، أو العبادات)، كالصلاة، والصيام، والصدقات، والخُمس...

4 - المعنى العُرفي للعبادة ، الذي يعني: الصلاة، والصيام، والحج، والدعاء، والتسبيح، وما شابه... وهذا المعنى للعبادة والعابد أضيق المعاني المتقدّمة دائرةً على الإطلاق، وهو أقرب إلى المعنى اللغوي.

أمّا بالقياس إلى المعنى القرآني الشامل، فنسبته واضحة، وأمّا بالقياس إلى المعنى الفقهي، فإنّ واجب الضرائب الماليّة (الزكاة والخُمس) والذي هو واجب عباديّ بالاصطلاح الفقهي - لأنّه يُشترط فيه قصد القُربة - لا يشمله هذا المعنى العرفي... هذا وربما نجد استعمال العبادة في بعض أحاديث السنّة الشريفة بالمعنى العرفي، وهو استعمال للكلمة في مصداقها البارز لدى الناس.

* * *

٩

أمّا لماذا تقلّص مفهوم العبادة الإسلامي في أذهان المسلمين إلى المعنى العرفيّ الضيّق؟! فمردّ ذلك بشكل أساسي إلى فترة الانحطاط الفكري العام الذي أصاب المسلمين، فقلّص العديد من مفاهيم الإسلام في أذهانهم، وحلّت محلّها مفاهيم ضيّقة جامدة أو مفاهيم مُتخلّفة، حتى غزتْنا المفاهيم الغربيّة المعادية للإسلام.

وبذل أعداؤنا المستعمرون المتسلّطون وعملاؤهم من حكّام الأمّة جهوداً متواصلة في تحريف وتشويه وإقصاء مفاهيم الإسلام، وتربية أبناء الأمّة عليها بمناهجهم التربويّة المسمومة ووسائل إعلامهم المُختلفة.

وقد وجد أعداء الإسلام في شبهة المعنى العرفي للعبادة مَدخلاً لإبعاد الإسلام والمسلمين عن مقاومة سيطرتهم، فقالوا: ما دام الإسلام دعوةٌ إلى عبادة الله، وعبادة الله هي القيام بالعبادات الإسلامية...

فما عليكم أيّها المسلمون إلاّ أن تعبدوا ربّكم بكلّ حريّتكم، فتصوموا، وتحجّوا، وتصلّوا، وتقرأوا القرآن ما بدا لكم، وتعيشوا مع الله في جوّ روحي وديع، وتكفّوا إسلامكم عن حركة الحياة في المصنع، والمتجر، والحقل، والموقف معنا، فإنّ ذلك لا يتّصل بدعوة عبادة الله التي هي دعوة دينكم.

كم يحلوا لأعداء ديننا وأمّتنا أن نتنازل عن مفهوم التعّبد الإسلامي، الذي يعني التعّبد لله بإقامة حياة الأمّة كلاًّ على أساس هُداه وتشريعه... ونحجر مفهوم التعّبد في جوانب معيّنة معزولة عن الحياة.

يتناسى هؤلاء أنّ الله تعالى قال لرسوله (صلى الله عليه وآله):

( إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ... ) ، ولم يَقل له: إنّا أنزلنا إليك الكتاب لتُهرب أنت ومن اتّبعك من واقع الحياة وتعيشوا في جوّ روحي حالم، وبذلك تعبدون الله.

فلو كانت دعوة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، إلى عبادة الله عزّ وجلّ تعني ما يُريده لنا هؤلاء المستعمرون... إذاً لاتّخذ الرسول سبيله بمن تبعه في أرض من أرض الله وقضوا حياتهم في (عبادة الله)، وما تجشّموا بأمر الله هذه الجهود والحروب والمجابهات.

إنّ عبادة الله في مفهوم الإسلام إنّما هي مع الصلاة والصيام، وبالصلاة

١٠

والصيام، جهاد بمنهج تغييري شامل لإقامة أوضاع جديدة في مختلف شؤون الحياة.

وتشريعات الإسلام - من حيث صلتها بعبادة الله - على درجةٍ واحدة، من دون فرقٍ بين أحكام توزيع الثروة، وأحكام جهاد أعداء الله ورفع سيطرتهم عن الأمّة، وأحكام الصلاة، والصيام، وتلاوة القرآن... فجميعها أحكام للحياة لاستقرار صلاحها وسعادتها، وجميعها أحكام يتلّقاها المجتمع المسلم من الله ويتعّبد له بتطبيقها... وبالتالي فكلّها عبادات لله، وبكلّها تتّسق إنسانية هذا الإنسان وتسير قِدماً في تكامُلها.

ومن طريف حكمة الله عزّ وجلّ أن تكون الواجبات التي اشترط فيها نيّة القُربة أنواعاً مختلفة...

* فكما أنّ منها: الصلاة وهي عمل خُشوعي تربوي.

* كذلك منها: الصيام، وهو فريضة امتناع وكفّ للنفس عن العادات اللصيقة بالإنسان.

* ومنها: الحجّ الذي هو سفر إلى أرض الله المقدّسة وأداء لمناسك معيّنة.

* ومنها: أداء الصدقات والخُمس، وهما ضريبتان ماليّتان.

* ومنها الاغتسال والتوضؤ، وهما عملان تطهيريّان...

ممّا يدلّنا على أنّ الله تعالى يُريد للإنسان أنّ يعيش في قسم متنّوع من أعماله، حالة الوعي لربّه والاستحضار لصدوره عن أمره وهداه.

وحينما ننظر إلى الصلاة - موضوع البحث - نجد أنّها من فئةِ التعّبدات التي اشترط فيها الإسلام أن تؤدّى عن وعيٍ لله، وصدور عن أمره وإرادته (نيّة القُربة)، وهي ميزة لهذه الفريضة تُضاف إلى مِيَز من مقوّماتها فترتفع بها إلى حدّ الإبداع، وبأثرها في نفس الإنسان وحياته إلى حدّ الإعجاز....

* * *

١١

معنى كلمة الصّلاة

تذكر مصادر اللغة العربية أنّ لفظة الصلاة تعني: الدعاء والتعظيم والرحمة والبركة، ويذكر بعض اللغويين أنّها مشتقّة من (صلّى واصطلى) بمعنى لَزِم الشيء، ويذكر بعضهم أنّها مشتقّة من (صلّى) بمعنى أزال عن نفسه الصّلى، أي النار.

ويرى بعضهم أنّ أصل الكلمة عربي، وأنّ هذه العبادة المُشتملة على الركوع والسجود كانت معروفة لدى العرب... بينما يرى بعضهم أنّ أصلها عبريّ، من لفظة - صلوتا - بمعنى مكان الصلاة.

والذي أُرجّحه أنّ الصلاة في الأصل كلمة بابليّة جُعلت اسماً لعبادة معيّنة في شريعة إبراهيم (عليه السلام)، وأنّها دخلت إلى اللغة العربية بهجرة إسماعيل (عليه السلام)، وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم أنّه أسكن من ذريّته عند البيت المحرّم ليُقيموا الصلاة، فلا بدّ أنّهم أقاموها وعلّموها، فدخل اسمها في العربية.

وأمّا لفظة - صلوتا وصلوت - العبرانيّة بمعنى مكان الصلاة، فهي من نفس الأصل البابلي، وقد ورد جمعها في القرآن الكريم على صلوات، قال الله تعالى: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً ) 40 - الحج.

ويساعد على هذا الترجيح أنّ اللغة العربية واللغة العبريّة تكونتا في زمانين متباعدين، وفي بيئتين متباعدتين، فقد تكوّنت اللغة العربية الجنوبيّة الأُولى من البابليّة ولغاتٍ أخرى، وبعد قرون من نمّوها وتطوّرها تفاعلت مع الثروة اللفظية التي حملتها إليها من البابليّة أيضاً، هجرة إسماعيل (عليه السلام) واستقراره مع أبنائه في الجزيرة... وفي هذه المرحلة المتأخرة تكوّنت اللغة

١٢

العبريّة من البابليّة والقبطية وغيرهما في مصر بين أبناء يعقوب (عليه السلام).

أمّا التفاعل بين اللغتين العربيّة والعبريّة فهو بعيدٌ جداً، حيث لم تربط العرب باليهود علاقات ثقافية أو تجارية أو سياسية، إلاّ العلاقات التجارية المتأخرة بعد ميلاد المسيح (عليه السلام)، عندما هاجر قسم من اليهود إلى الجزيرة العربية، ينتظرون ظهور النبيّ الموعود...

وقد كانت اللغة العربيّة عندئذٍ في أعلى مراحل اكتمالها ونُضجها، وكانت اللغة العبريّة منطوية داخل الأقليّات اليهودية التي تتكلّم وتتعامل مع محيطها باللغة العربية.

وبهذا الترجيح يكون المعنى الأساسي لكلمة الصّلاة هو: عبادة إسماعيل (عليه السلام)، التي يُفهم من القرآن الكريم أنّها كانت تتضمّن ركوعاً وسجوداً وتلاوة، قال عزّ وجلّ: ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) ، 125 - البقرة.

ومن القريب أنّ التطوّر الذي طرأ على معنى الكلمة بعد إسماعيل (عليه السلام)، قد جعلها تفقد اختصاصها بتلك العبادة، التي ضُيّعت فيما ضُيّع من شريعة إبراهيم (عليه السلام)، وأصبحت الصلاة اسماً لكلّ تعبّد وذكْرٍ بين يدي إله... ويؤيّد ذلك قوله تعالى: ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى ) 9 - 10 العَلق.

حيث إنّ هذه الآية من أوائل ما خُوطب به المجتمع المكّي من القرآن، ولم تكن الصلاة الإسلامية معروفة أو مشرّعة آنذاك.

أمّا أن يكون المعنى الذي استقرّت عليه الكلمة قبل الإسلام هو: مُطلق الدعاء، بحيث يصحّ لدى العربيّ أن يُقال: صلّيتُ أن يردّ الله عليّ ضالّتي، بمعنى: دعوتُ فهو بعيد، وكذلك أن يكون معناها: مطلق التعظيم، أو مطلق الرحمة والبركة...

وأمّا صحّة استعمالها عند العرب بهذه المعاني، فهو بملاحظة أن ذكر الإنسان للإله يتضمّن عادة الدعاء والتعظيم ويُطلب به الرحمة والبركة.

وبهذا تكون تسمية العبادة الإسلامية باسم (الصلاة) من باب تسمية الخاصّ باسم العامّ، وليس من باب تسمية الكلّ باسم الجزء، كما هو شائع بين اللغويين.

١٣

استعمالات كلمة الصّلاة في الإسلام

استعملت كلمة الصلاة في القرآن الكريم والسنّة الشريفة في عدّة معانٍ:

1- المعنى اللغوي : الذي رجّحنا أنّه ذكْر الإنسان للإله في مقام التعبّد، وبه جاء قوله تعالى: ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً صَلَّى ) العلق

وقوله تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) 14 - 15 - الأعلى.

وقوله تعالى: ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ) 31 - القيامة.

وقوله تعالى: ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) 41 - النّور.

فالصلاة في هذه الآيات خاصّة، بملاحظة الفاء في قوله تعالى: ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) ، بمعنى: ذكر الله تعالى في مقام التعبّد.

2- المعنى الشّرعي : وهو الصلاة الإسلامية المعيّنة، وبه جاءت أكثر النصوص الإسلامية، كقوله تعالى: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةََ ) ،

وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (الصّلاة عمود الدّين) .

3 - صلاة الله تعالى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وعلى المؤمنين : وهي بمعنى الرحمة والبركة قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) 43 - الأحزاب.

وقال تعالى: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) 157 - البقرة.

4 - صلاة المخلوق على المخلوق: كصلاة الإنسان على الإنسان الحيّ والميّت، وصلاته على الملائكة، وصلاة الملائكة على الناس، وهي بمعنى: الطلب من الله تعالى أن يُبارك على المدعوّ له.

فعن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن قول الله عزّ وجلّ: ( ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ؟ فقال: (الصّلاة من الله عزّ وجلّ رحمة، ومن الملائكة تزكية، ومن الناس دعاء، وأمّا قوله عزّ وجلّ: ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، فإنّه يعني التسليم له فيما ورد عنه...). الوسائل، ج7، ح1213.

وبهذا المعنى جاء قوله تعالى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) 103 - التوبة، أي: أدعُ الله

١٤

عزّ وجلّ أن يبارك عليهم، وهذه الصلاة جائزة على كلّ المؤمنين، وخاصّة الأنبياء والأئمّة والملائكة (صلّى الله عليهم) (1).

وقد تُستعمل صلاة المخلوق على المخلوق بمعنى: أداء الصلاة بين يدي الله عزّ وجلّ، كأنّها نيابةٌ عن الغير لإحداث الرحمة والبركة عليه، ومنها صلاة النافلة عن الأحياء والأموات.

ومنها الصلاة على الميّت كما في قوله تعالى - ناهياً رسوله صلّى الله عليه وآله، أن يصلّي على المنافقين -: ( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِِ ) 84 - التوبة.

والمعنى المشهور للصلاة هو: الصلاة الشرعيّة التي نحن بصددها، وهو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق كلمة (الصلاة)؛ ولذلك أصبحت المعاني الأُخر تحتاج إلى قرينة تدلّ على أنّها مقصودةُ الكلمة.

________________________

(1) قال الزمخشري: (القياس جواز الصلاة على كل مؤمن؛ لقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ) ، وقوله تعالى: ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) ، وقوله (صلى الله عليه وآله): (اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى)، ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك؛ وهو: أنّها إن كانت على سبيل التبع كقولك: (صلّى الله على النبيّ وآله)، فلا كلام فيها، وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة، كما يُفرد فمكروه؛ لأنّ ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله (صلّى الله عيه وآله)؛ ولأنّه يؤدّي إلى الاتّهام بالرفض؟! قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقفنّ مواقف التّهم)، تفسيرالكشاف - ج3، ص558، وهو كما ترى.

١٥

الصّلاة في الشرائع الإلهيّة

يُفهم من عدد من النصوص الإسلامية، أنّ الدين الإلهي بدأ مع نُشوء المجتمع الإنساني الأوّل، على يد آدم (عليه السلام)، على شكل مفاهيم وتعاليم إلهيّة، ثمّ استمر في هذه المرحة التمهيديّة مع نمو المجتمع الإنساني، وكان إدريس (عليه السلام)، من أنبياء هذه المرحلة.

حتّى إذا تكوّنت الحضارة الأُولى، دخل الدين على عهد نوح (عليه السلام)، المرحلة الأُولى، وأخذ صفة عقيدة وشريعة مُتكاملة، تفي بحاجات العلاقات والأوضاع الاجتماعية المُستجدّة التي طرأ عليها التشعّب والتعقيد: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ) 13 - الشورى.

وقد أقام نبيّ الله نوح (عليه السلام)، المجتمع الإنساني بعد الطُّوفان على هذه الشريعة، والصُّحف الإلهيّة التي أُنزلت عليه، وجاء الأنبياء من بعد نوح (عليهم السلام)، يدعون إلى شريعته وصُحفه، وكان من أنبياء هذه المرحلة هود وصالح (عليهما السلام)، في حضارتي عادٍ وثمود.

ثمّ دخل الدين المرحة الثانية على يد إبراهيم (عليه السلام)، والثالثة على يد موسى (عليه السلام)، والرابعة على يد عيسى (عليه السلام)... ثمّ تنزّل بصيغته النهائية في المرحة الخامسة على يد خَاتم النبيين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم).

ونُلاحظ في هذه الخطّة المرحليّة المتدرّجة في تنزيل الدين، أنّها تُراعي نموّ الاستيعاب، وتفتّح الآفاق الفكريّة والنفسيّة للأجيال الإنسانيّة، هذا النمو الذي يتوقّف على المرور بالتجارب الرساليّة والاجتماعيّة والحضاريّة، ومعايشة نتائجها وأخطائها وصوابها... وهذه سنّته عزّ وجلّ في أمور الكون والناس.

١٦

كما نلاحظ أنّ المُتغيرات في الدين الإلهي في المراحل الخَمْس قليلة بالنسبة إلى الثوابت، ولذا كانت الصفة العامّة لشرائع الأنبياء أولي العزم (عليهم السلام)، أنّها مصدّقة لمَا سبقها: ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ) 46 - المائدة.

( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ) 48 - المائدة.

وقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قال: مَثَلي ومَثل الأنبياء قبلي، كقوم شادوا بناءً، فبقي فيه موضعُ لَبِنة، فجئت لأَضعها ، وقال: (إنّما بعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق) .

أمّا باعتبار المتغيّرات التي هي تفصيل، وإكمال، وتبديل لأحكام ظرفيّة، فإنّ الشريعة اللاحقة تكون ناسخة للشريعة السابقة وحاكمةً عليها: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) .

ويكشف كون التشريع ثابتاً في كل المراحل عن أنّه من الاحتياجات الإنسانيّة الأساسية الدائمة في كل الظروف والأجيال، كما هو الأمر في فريضة الصلاة.

بل من غير المُستبعد ثبات تشريع فريضة الصلاة عبر مراحل الدين في مضمونها وفي أكثر شكلها أيضاً، وأنّ التغيير الذي حدث على شكلها وتوقيتها في الشرائع اللاّحقة قليل، ففي سورة مريم يستعرض عزّ وجلّ عدداً من الأنبياء، والأُمم المؤمنة في أوليّات التاريخ، ثمّ يذكر انحراف ذرّياتهم من بعدهم وتضييعهم للصلاة.

فيقول عزّ وجلّ: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) 58 - 59 مريم.

وإبراهيم أبو النبوّات (صلّى الله عليه وآله)، كان يؤدّي الصلاة ويحرص عليها ويدعوا ربّه: ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) ، 40 - إبراهيم.

وإسماعيل (عليه السلام)، كان على رسالة أبيه: ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ ) ، 55 - مريم.

١٧

وشعيب (عليه السلام)، كان يُعيّره قومه بصلاته: ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) 87 - هود.

وموسى وهارون: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ) 87 - يونس.

ولقمان الحكيم رضي الله عنه، كان يَعي أهميّة الصلاة، ويوصي ابنه: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) 17 - لقمان.

وبنو إسرائيل تكفّل الله لهم بالْعَون، بشرط أن يُقيموا الصلاة: ( وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي ) 12 - المائدة.

وعيسى (عليه السلام)، حينما كلّم الناس في المَهد قال: ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ) 30 - مريم.

...هذا الموكب الإنساني الواعي مُنذ أقدم التاريخ، وفي أمكنة مُختلفة من الأرض، وفي بيئات وظروف اجتماعيّة وحضاريّة متنوّعة... كان مكلّفاً بالصلاة، وكان لالتزامه بهذه الفريضة المهمّة في آفاقه الفكريّة والنفسيّة، وفي انجازاته الضخمة في حياة البشريّة... أكبر التأثير.

١٨

لماذا الصّلاة؟

حينما يصنّف الإسلام عملاً في قسم (الواجبات)، فذلك يعني أنّه يحكم بضرورة هذا العمل، وحينما يَعتبر الصلاة واحدة من القواعد التي يُقيم عليها منْهجه السلوكي، فذلك يعني أنّها من صنف الضرورات الأُولى لحياة الإنسان.

فمن أي الحقائق تنبع ضرورة هذا النشاط اليومي في رأي الإسلام؟

ولماذا كان من الضروري للإنسان أن يقوم بعمليّة تعبّد رَتِيبة خمْس مرّات كلّ يوم؟!

إنّ الصلاة الإسلامية مع ما يلزمها من تطهّر تستغرق من وقت الإنسان يوميّاً مدّة ساعةٍ تقريباً، وبما أنّ أوقاتها موزّعة على اليوم، تُصبح الساعة ساعتين، هذا سوى العناء النفسي الحاصل من هذا الالتزام الدائم، أمّا إذا أضفنا إليها الصلوات المستحبة - النوافل - فقد استهلكنا من وقت الإنسان ثلاث أو أربع ساعات كل يوم.

وإذا أخذنا هذا الرقم بذهنيّة الصين المشبّعة بتعاليم الثورة الثقافيّة، فستكون النتيجة خسارة ملايين ومليارات من ساعات الإنتاج والدخل القومي!

قد نُقنع أصحاب الاتجاه الكمّي الاقتصادي بخطأ النظرة الميكانيكيّة الكميّة لعلم الإنسان وإنتاجه، وصحّة النظرة الإنسانية للإنسان، والنظرة النوعيّة لإنتاجه قبل النظرة الكميّة أو معها... وبأنّ ملايين الساعات التي يصرفها المجتمع المصلّي يوفّرها بالإقلاع عن الخمور والمخدّرات والإسراف في الجنس واللهو...

١٩

قد نُقنع هؤلاء بعدم وجود كارثة على الدخل القومي من الصلاة... ولكنّ السؤال يبقى: هل من ضرورة لإنفاق هذا الوقت، وتحمّل هذا العناء اليومي من أجل الصلاة؟!.

إنّ الإجابة على سؤال (لماذا الصلاة)، يصعُب أن تكون مُقنعة لغير المسلم، كما يصعب أن تكون مقنعة للمسلم البعيد عن أجواء الإسلام وعن المسلمين المصلّين، فالاقتناع الكامل بالإجابة يتوقّف على فهم النظرة الإسلامية للكون والإنسان، وعلى لمس تأثير الصلاة في النفس والناس.

لو أجبنا على سؤال: لماذا الصلاة كلّ يوم:

بأنّه يشبه السؤال: لماذا الطعام للإنسان كلّ يوم؟

* فكما إنّ الطعام ضرورة دائمة للجسم، فالصلاة ضرورة دائمة للعقل والنفس، أو كما يقال: غذاء للروح.

* أو بأنّ الصلاة: شُحنة يوميّة للشخصيّة، كشحنة الوقود للسيّارة.

* أو بأنّ الصلاة: ارتباط يومي ضروري للإنسان الكائن المحدود بالله الخالق المطلق.

* أو بأنّ الصلاة: إعادة توازن يوميّة لنفس الإنسان ممّا يطرأ عليها من اختلال، كما إنّ الحجّ عمليّة إعادة توازن لشخصيّة الإنسان ووجوده ككلّ.

* أو بأنّ الصلاة: تغسل النفس يوميّاً من أدران الذنوب وتَحلّ عُقد النفس الحاصلة من الذنوب، (تحتّ الذنوب حتّ الورق، وتُطْلقها إطلاق الربق).

* أو بأنّ الصلاة: تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر.

* أو بأنّ الصلاة: معراج المؤمن، وقُربان كلّ تقي...

فسيكون وقْع هذه الإجابات متفاوتاً بين غير المسلم وبينه، إذا كان له صديق مسلم مصلّ، وبين المسلم البعيد عن أجواء الإسلام والمصلّين، والمسلم القريب من هذه الأجواء، وبين المسلم الساهي عن صلاته، أو المُلتزم

٢٠