البنك اللاربوي في الإسلام

البنك اللاربوي في الإسلام0%

البنك اللاربوي في الإسلام مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 273

البنك اللاربوي في الإسلام

مؤلف: السيد محمد باقر الصدر
تصنيف:

الصفحات: 273
المشاهدات: 32499
تحميل: 5195

توضيحات:

البنك اللاربوي في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 273 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32499 / تحميل: 5195
الحجم الحجم الحجم
البنك اللاربوي في الإسلام

البنك اللاربوي في الإسلام

مؤلف:
العربية

في مالك الآخر بنحو شرط النتيجة فلا بأس به، وكونه معلّقاً غير مضرّ إمّا مطلقاً، أو في باب الشروط خاصّته.

وعلى أيّ حالٍ سواء كان هذا الوجه منطبقاً على القواعد أم لا، فهو خلاف ظاهر الرواية ؛ لأنّ مقتضاه فيما لو لم يحصل من مال الشركة إلاّ دون رأسمال الشريك الأوّل أنّه لا يستحقّ الرجوع على شريكه في الباقي، مع أنّ ظاهر قوله في الرواية: (وعليك التَّوى) أنّ التَّوى بتمامه عليه، وهو يلازم استحقاق القائل للرجوع عليه فيما إذا نقص مال الشركة عن رأسماله، وإلاّ لَما كان التَّوى على الآخر وحده، بل عليهما معاً.

ومنها: ما هو المقصود في المقام، وهو أن يكون محصّل القرار المذكور في الرواية تصدّي أحد الشريكين لضمان قيمة مال شريكه وتعهّده بخسارته، فمال الشركة باقٍ على ملكية الشريكين معاً دون أن ينتقل ملك أحدهما إلى الذمّة أو إلى الكلّي، غير أنّ أحد الشريكين يضمن للآخر مالية مالِه ويجعل على نفسه تدارك الخسارة، وفي مقابل ذلك يُملِّكه الآخر بنحو شرط النتيجة ما ينتقل إليه من الربح، فينحلّ القرار بحسب الحقيقة إلى ضمانٍ بالمعنى المقصود من قِبل أحد الشريكين لمالية حصّة شريكه، واشتراطٍ من قِبله على الآخر بنحو شرط النتيجة، بأن يكون مالكاً لِما زاد من ثمن مال الشركة على أصل المال، لا بأن تنتقل إليه الزيادة ابتداءً، فإنّه خلاف قانون المعاوضة، بل في طول الانتقال إلى شريكه.

وهذا التصوير يحقِّق معنى العبارة في الرواية تماماً ؛ إذ يصدق حينئذٍ أنّ لهذا رأس المال، وذلك له الربح وعليه التَّوى، خلافاً للوجهين السابقين.

وبذلك تكون هذه الرواية دالّةً على مشروعية ضمان مال الغير من الخسارة، أي ضمان ماليته، فيصحّ إنشاؤه في عقد الصلح أو بشرط في ضمن

٢٢١

العقد(١) .

وممّا يدلّ على ذلك أيضاً: روايات الجارية، كرواية رفاعة قال: سألت أبا الحسن عن رجلٍ شارك في جاريةٍ له وقال: إن ربحنا فيها نصف الربح، وإن كان وضيعة فليس عليك شيء فقال: (لا أرى بهذا بأساً إذا طابت نفس صاحب الجارية)(٢) .

____________________

(١) يمكن أن يقال: إنّ التزام أحد الشريكين للآخر برأس ماله على كلّ تقدير إنّما يمكن حمله على الضمان بالمعنى الذي نقصده، أي التعهّد بالمال وماليته فيما لو كان هذا الالتزام قد صدر من الشريك في بداية الشركة، أي حالة احتفاظ مال الشريك الآخر بماليته، مع أنّ ظاهر الرواية كون المقاولة بين الشريكين قد وقعت حين إرادة فسخ الشركة، أي بعد وقوع ما يترقّب من ربح أو خسران، وفي هذا الظرف لا معنى لأن يضمن أحد الشريكين مالية شريكه بذلك المعنى من الضمان ؛ إذ هو فرع وجود المال المضمون خارجاً، مع أنّ من المحتمل أن يكون قد وقع فيه الخسارة أو التلف، فلا بدّ إذن من إرجاع المقاولة إلى المصالحة، بأن يصالح أحد الشريكين الآخر عما يستحقّه في مجموع مال الشركة من أعيانٍ وديونٍ بمقدار رأس ماله من الأعيان الموجودة، ويكون حينئذٍ أجنبياً عن الضمان بالمعنى المقصود.

ولا يرد على تطبيق الرواية على هذا الوجه من الصلح ما أوردناه على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في المتن ؛ لأنّ المصالحة بالنحو الذي تصورناه الآن لا تشتمل على نقل حصّة الشريك إلى الأمة ليكون خلاف ظاهر قوله: (أعطني رأس المال).

ولكنّ الإنصاف أنّ ظاهر الاشتراط في قول الإمامعليه‌السلام : (لا بأس إذا اشترطا) هو الاشتراط بالمعنى الحقيقي، أي كون مضمون المقاولة مشترطاً في ضمن العقد ؛ فيرجع محصّلة إلى أنّه لا بأس به إذا اشترط الشريكان هذا في المضمون في عقد الشركة، وهذا معناه التزام أحد الشريكين للآخر بمالية ماله في أول الأمر، وينطبق هذا الالتزام على الضمان بالمعنى المقصود.(المؤلّف قدس‌سره ).

(٢) وسائل الشيعة ١٩: ٦، الباب الأوّل من أبواب الشركة، الحديث ٨.

٢٢٢

فإنّ الظاهر من الرواية أيضاً أنّ أحد الشريكين ضَمِن مالية شريكه وجعل خسارته في عهدته مع بقاء الشركة وملكية الشريكين على حالها ن ولهذا فرض المناصفة في الربح، كما هو مقتضى ملكية الشريكين، فالاحتمال الثالث الذي استظهرناه في الرواية السابقة يكون هنا أوضح.

فاتّضح من كلّ ما تقدّم أنّ مقتضى القواعد هو جواز جعل الضمان على عامل المضاربة بالمعنى الذي عرفته من التعهّد وأخذ المال في العهدة، سواء كان ذلك بعقدٍ مستقلّ أو بشرطٍ في ضمن عقدٍ بنحو شرط النتيجة، وكذلك الحال في سائر الأمناء الآخرين.

ولكن في خصوص عامل المضاربة وردت روايات خاصّة تدلّ على أنّ فرض الضمان عليه يستوجب حرمان المالك من الربح.

ففي خبر محمد بن قيس، عن أبي جعفرعليه‌السلام : أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: (من اتّجر مالاً واشترط نصف الربح فليس عليه ضمان). وقال: (من ضمَّن تاجراً فليس له إلاّ رأسماله، وليس له من الربح شيء)(١) .

والظاهر من هذه الرواية هو أنَّ فرض شيءٍ من الربح لمالك المال مع فرض الضمان على العامل لا يجتمعان في الشريعة.

وقد يحمل قوله: (من ضمَّن تاجراً) على الإقراض، حيث إنّ الإقراض هو التمليك على وجه الضمان، فيدلّ حينئذٍ على أنّ الإقراض يوجب عدم استحقاق المقرِض لشيء ؛ إذ يكون الشيء رباً حينئذٍ، لا أنّ فرض الضمان بأيِّ وجهٍ يوجب ذلك.

ولكنّ هذا الحمل وإن كان ممكناً في نفسه إلاّ أنّه خلاف ظاهر الرواية، فإنّ

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٧: ١٩٠، الحديث ٨٣٩.

٢٢٣

مقتضى إطلاقها أنّ كلّ ما يصدق عليه أنّه تضمين للمال عرفاً لا يجتمع مع استحقاق المالك لشيءٍ من الربح شرعاً، فيشمل التضمين بغير الإقراض، أي التضمين بالشرط، بل قد يدّعى شموله لموارد اشتراط التدارك بنحو شرط الفعل، لا شرط النتيجة أيضاً ؛ لأنّه وإن لم يكن تضميناً بالمعنى الدقيق إلاّ أنّه ممّا يشمله العنوان عرفاً، فيقال عن المالك الذي اشترط على عامل المضاربة أن يدفع من ماله ما يساوي الخسارة إذا وقعت: إنّه ضمنّه.

كما أنّ الرواية قد تُحمل على أنّها في مقام بيان المراد الحقيقي للمتعاملَين - المالك والعامل - واستكشاف أنّ مرادهما في الواقع هو الإقراض في فرض التضمين، ومرادهما في الواقع هو المضاربة في فرض اشتراط نصف الربح للتاجر فقط ؛ ولهذا حكم على كلّ من الفرضين بالحكم المناسب لواقع مرادهما المستكشف بالنحو المذكور.

ولكنّ هذا الحمل وإن كان ممكناً أيضاً ولكن قد لا ينسجم مع ظاهر النصّ الذي يتبادر إلى الذهن منه كون التضمين بعنوانه منشأ شرعاً لعدم استحقاق المالك لشيءٍ من الربح وكون استحقاقه من الربح بعنوانه منشأ شرعاً لعدم الضمان على العامل، ومعناه التنافي بين الأمرين شرعاً.

فرض الضمان على غير عامل المضاربة:

وبناءً على أنّ فرض الضمان على عامل المضاربة لا ينسجم مع مشاركته في الربح من قبل المالك قلنا في الأطروحة: إنّ الضمان يتحمّله شخص ثالث غير العامل والمالك، وهو البنك، وتحمّله له إمّا بإنشائه بعقدٍ خاصّ، أو باشتراطه بنحو شرط النتيجة في عقدٍ آخر.

والبنك بنفسه وإن كان أميناً بالمعنى الأعمِّ على الودائع التي يأخذها من

٢٢٤

أصحابها ويتوكّل عنهم في المضاربة عليها مع التجّار ولكنّا قد بيّنّا أنّ قرض الضمان بالمعنى الذي حقّقناه على الأمين صحيح على مقتضى القاعدة، واشتراطه بنحو شرط النتيجة نافذ. وإنّما فصّلنا الكلام في حكم اشتراط الضمان على مقتضى القواعد لينفعنا ذلك في المقام

ولو فرض البناء على عدم تعقل الضمان بالمعنى الذي حقّقناه، وعدم صحة اشتراط الضمان على الأمين بمقتضى القواعد، وإنّما يقتصر في الصحة على الموارد المنصوصة، للاشتراط كما في العارية لو فرض البناء على ذلك، فيمكن في المقام تصوير الاشتراط على البنك بنحو شرط الفعل في ضمن عقد، وذلك بأن يشترط عليه المودع في ضمن عقدٍ أن يدفع إليه مقداراً من المال مساوياً للخسارة التي تقع في وديعته عند المضاربة بها.

٢٢٥

الملحق (٣)

[ التخريج الفقهي لأرباح البنك من المضاربة ]

حوّلنا في الأطروحة أخذ البنك للودائع الثابتة وإقراضها إلى مضاربة يكون المالك فيها هو المودع والعامل هو التاجر الذي يقترض، والبنك وسيط في هذه المضاربة ووكيل عن المالك في إنجازها والإشراف عليها. وقد فرضنا على هذا الأساس أنّ للبنك حصّةً من الربح، وفي هذا الملحق ندرس التخريج الفقهي لهذه الحصّة التي تُفرض للبنك بالرغم من عدم كونه العامل ولا المالك.

إنّ الحصّة المحدّدة بنسبةٍ مئويةٍ من الربح التي فرضناها للبنك اللاربوي لا يمكن أن تكون بمقتضى عقد المضاربة ؛ لأنّ عقد المضاربة لا يقتضي إلاّ فرض حصّته من الربح للعامل من مجموع الربح الذي هو ملك لمالك المال بمقتضى طبعه الأوّلي، والبنك في المقام ليس هو عامل المضاربة، بل العامل هو التاجر الذي يأخذ مالاً من البنك.

ولا يمكن فرض مضاربتين: إحداهما بين المودع والبنك، والاُخرى بين البنك والتاجر، بناءً على أنّ عامل المضاربة يمكنه أن يضارب بدوره عاملاً آخر.

٢٢٦

وتكون الحصّة التي يأخذها البنك قائمةً على أساس كونه عاملاً في المضاربة الأولى.

والوجه في عدم إمكان افتراض مضاربتين كذلك هو أنّ لازم جعل البنك عاملاً في المضاربة مع المالك عدم إمكان تحميله ضمان المال، بناءً على ما تقدّم من أنّ عامل المضاربة لا يضمن، فلا بدّ من جعل البنك شخصاً أجنبياً عن المضاربة لكي يمكن أن يتحمّل ضمان المال، ويكون دوره في العقد دور الوسيط فحسب.

كما أنّ الحصّة المذكورة لا يمكن أن تكون أجرة للبنك من قبل المودع في عقد إجارة ؛ بمعنى أنّ المودع استأجر البنك على إنجاز المضاربة والإشراف عليها بأُجرةٍ هي نسبة مئوية من الربح، وذلك:

أولاً : لأنّ الأجرة مجهولة، ويشترط في الإجارة معلومية الأجرة، ولا أُريد بأنّ الأجرة مجهولة أنّها مشكوكة ؛ لأنّ الربح قد لا يحصل، حيث إنّنا ذكرنا في الأطروحة أنّ الغالب عادةً كون مطلق الربح متيقّناً، وشرحنا الوجه في ذلك. بل أُريد أنّ الأجرة مجهولة من حيث القدر، فتبطل الإجارة.

ثانياً : لأنّ الأجير يملك الأجرة بنفس عقد الإجارة، فلا بدّ أن تكون قابلةً لذلك حين العقد، إمّا بأن تكون شيئاً خارجياً مملوكاً للمستأجر بالفعل فيملكه الأجير بالعقد، وإمّا بأن تكون شيئاً ثابتاً في ذمّة المستأجر للأجير.

وفي المقام النسبة المئوية من الربح المفروض في المستقبل لا هي شيء خارجي مملوك بالفعل للمودع حتّى يملّكه للبنك بعقد الإجارة، ولا شيء يفرض في ذمّته، بل هي شيء سوف يملكه في المستقبل، فلا تعقل الإجارة.

وما يمكن أن نُخرّج على أساسه تلك الحصّة التي يستحقّها البنك من الربح أحد وجوه:

٢٢٧

منها: الجُعالة، بأن تكون تلك الحصّة جُعلاً يجعله المودع للبنك إذا أنجز المضاربة وواصل الإشراف عليها إلى حين انتهاء مدّتها، ولا يرد حينئذٍ كلا الإشكالين المتقدمين في تصوير الإجارة:

أما الأوّل، وهو أنّ الحصّة مجهولة القدر، فهذا مضرّ في الإجارة وغير مضرّ في الجُعالة.

وأمّا الثاني، وهو أنّ الحصّة لا هي أمر في ذمّة المودع، ولا أمر خارجيّ مملوك للمودع بالفعل لكي يجعله أجرة للبنك، فهذا أيضاً لا يرد على الجُعالة ؛ لأنّ المجعول له لا يملك الجُعل بنفس إنشاء الجُعالة من الجاعل، بل بعد إنجاز العمل المفروض، فلابدّ أن يكون الجُعل قابلاً للتمليك من الجاعل في هذا الظرف. والمفروض في المقام أنّ المودع يجعل للبنك حصّةً من الربح إذا أنجز المضاربة وواصل الإشراف عليها إلى نهايتها، وفي هذا الظرف تكون تلك الحصّة من الربح مالاً خارجياً مثلاً مملوكاً للجاعل وقابلاً للتمليك من ناحيته. ويكفي هذا في صحة الجُعالة.

وقد جاء نظير ذلك في الأخبار، ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في رجلٍ قال لرجل: بعْ ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، قالعليه‌السلام : (ليس به بأس)(١) .

ورواية زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ما تقول في رجلٍ يُعطي المتاع فيقول: ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ؟ فقالعليه‌السلام : (لا بأس)(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٥٦، الباب ١٠ من أبواب أحكام العقود، الحديث الأوّل.

(٢) المصدر السابق: ٥٨، الحديث ٤.

٢٢٨

ومثلهما غيرها من الروايات(١) التي فرض فيها الجعل جزءاً من الثمن على تقدير زيادته، وهو شيء غير مملوكٍ بالفعل للجاعل، وإنّما يكون مملوكاً له في ظرف إنجاز العمل، كالحصّة التي يجعلها المودع للبنك في المقام.

ومنها : تخريج ذلك على أساس الشرط في ضمن العقد.

والشرط: إمّا أن نتصوّره بنحو شرط النتيجة، بأن يشترط البنك على المودِع في عقدٍ ما أن يكون مالكاً لحصّةٍ معيَّنةٍ من الربح على تقدير ظهوره. ولا مانع من التعليق في الشرط، كما أنّ كون المودع غير مالكٍ بالفعل للربح غير مانعٍ عن نفوذ تمليكه المُنشَأ شرطاً ؛ لأنّ تمليكه معلّق على ظهور الربح ودخوله في ملكه، والمعتبر في نفوذ التمليك من شخصٍ أن يكون مالكاً لِما يملكه بلحاظ ظرف الجعل وإنشاء الملكية، ولهذا التزم المحقّق النائينيقدس‌سره (٢) بصحة تقدير ظهوره، مع عدم كون الآخر مالكاً بالفعل - حين الاشتراط - للربح، وليس ذلك إلاّ لعدم قيام دليلٍ على اشتراط ذلك.

وإمّا أن نتصوّر الشرط بنحو شرط الفعل، أي شرط التمليك، لا شرط أن يكون مالكاً، ولا إشكال فيه.

____________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ٥٤، الباب ٩ من أبواب أحكام العقود.

(٢) اُنظر منية الطالب ٢: ٢١٩ وما بعدها.

٢٢٩

الملحق (٤)

[ التخريج الفقهي لبقاء رأس المال وحدّ أدنى من الربح لدى المستثمر ]

قلنا في الأطروحة: إنّ عامل المضاربة قد يتلاعب على البنك فيَدّعي تلف المال أو عدم الربح كذباً، ولهذا اقترحنا أن يسير البنك معه بموجب أصلٍ عامّ يقرّر أنّ المفروض بقاء رأس المال وحدّ أدنى من الربح ما لم يثبت الخلاف بالقرائن المعيّنة، ونريد في هذا الملحق أن نشير إلى التخريج الفقهي لهذا الأصل.

إنّ هذا الأصل على خلاف قاعدة قبول قول الأمين في ما جعله المالك تحت يده من مالٍ وأذنَ له بالاتّجار به. وعلى هذا الأساس لا بدّ أن نخرِّج هذا الأصل إمّا بنحو شرط الفعل في ضمن عقدٍ يشترط فيه البنك على العامل أن يدفع من المال ما يعادل المقدار الذي يدّعي خسارته في حالة عدم إقامة القرائن المحدّدة من قبل البنك على الخسارة، وإمّا بنحو الجعالة ؛ وذلك بأن يجعل العامل للبنك جُعلاً على تحصيل رأسمالٍ له للمضاربة عليه، والجُعل عبارة عن مقدارٍ يساوي قيمة رأس المال مع الحدّ الأدنى من ربحه المفروض، ومع زيادةٍ تمثّل الأجر الثابت الذي فرضناه في الأطروحة، ناقصاً قيمة ما سوف يعترف العامل بوجوده من رأس المال وربحه الأدنى، أو يقيم القرائن المحدّدة على خسارته.

٢٣٠

٢٣١

الملحق (٥)

[ فوائد الودائع الثابتة ]

إنّ الودائع التي تتسلّمها البنوك الربوية اليوم من أصحاب الأموال وتعطي عليها فوائد تسمّى بالودائع لأجَل، أو الودائع الثابتة، وهي ليست ودائع في الحقيقة، بل قروضاً ربوية كما بيّنا ذلك في الأطروحة. ونريد أن نبحث في هذا الملحق أنّه هل يمكن نظرياً من ناحية الصناعة الفقهية تصوير كونها ودائع مع ما عليه البنك من التصرّف بها ؛ لكي تخرج الفوائد المدفوعة على تلك الودائع للمودعين عن كونها فوائد ربويةً على القرض ؟

إنّ الودائع التي تحصل عليها البنوك الربوية ليست في الحقيقة ودائع بالمعنى الفقهي، لا تامّةً ولا ناقصة، وإنّما هي قروض، ولذا تصبح المبالغ التي يتقاضاها المودعين فوائد ربويةً على القرض.

ولكنّ هذا لا يعني استحالة تصوير كونها ودائع فقهياً بحيث تخرج الفوائد عن كونها فوائد ربويةً على القرض، بل إنّ هذا التصوير ممكن وإن كان مجرّد تصويرٍ نظري.

ومن هنا يتّضح أنّنا لا نتّفق مع وجهة نظر بعض الأعلام (دامت بركاته)(١) ،

____________________

(١) اُنظر: بحوث فقهية، تقرير بحوث الشيخ حسين الحلّيقدس‌سره : ١٠٢.

٢٣٢

إذ أفاد في المقام ما ملخّصه: أنّ الوادائع المصرفية لا يمكن تصوير كونها ودائع حقيقيةً بحيث تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربويةً على القرض ؛ لأنّ الودائع المصرفية يأذن المالك للبنك بالتصرّف بها، ولا يراد بهذا الإذن السماح للبنك بالتصرّف مع بقاء الوديعة على ملك صاحبها ؛ إذ يلزم حينئذٍ عود الثمن والربح إلى المالك بحكم قانون المعاوضة، لا إلى البنك، بل يراد بالإذن المذكور السماح للبنك بتملّك الوديعة على وجه الضمان، وهو معنى القرض، فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودع فوائد ربويةً على القرض.

والتحقيق: أنّ تصوير هذه الودائع بنحوٍ تكون ودائع حقيقيةً وتخرج فوائدها عن الربوية يتمّ بعدّة وجوه:

منها : أن نفرض كون الوديعة باقيةً على ملك صاحبها، وأنّ الإذن بالتصرّف فيها إنّما هو مع احتفاظ المودع بملكيته للوديعة، ومع هذا نصوّر في المقام الأمور الثلاثة التي يقوم على أساسها تعامل البنك في الودائع الثابتة، وهي ضمان الوديعة، والاستئثار بأرباحها، ودفع مقدارٍ محدّدٍ إلى المودع.

أمّا ضمان الوديعة فهو متصوّر لا بالقرض لكي يجيء محذور الربا، بل بعقد الضمان بمعناه الذي فصّلنا الكلام فيه في الملحق الثاني، إذ ذكرنا أنّ الضمان العقدي له سنخ معنىً لا يختصّ بالديون، بل يشمل الأموال الخارجية أيضاً، وهو غير المعنى الآخر للضمان الذي يختصّ بباب الديون ويعبّر عنه بالنقل من ذمّةٍ إلى ذمة، فبإنشاء البنك للضمان وتعاقده مع المودع على ذلك تصبح الوديعة في عهدة البنك مع بقائها على ملك المودع. وبذلك ثبت الأمر الأوّل.

وأمّا الأمر الثاني وهو استئثار البنك بالأرباح فيمكن تتميمه عن طريق الشرط في ضمن عقد الضمان، أو عقد الشركة، أو أيّ عقدٍ آخر بين البنك والمودع ؛ إذ يشترط البنك فيه على المودع أن يكون الثمن ملكاً له بنحو الشرط

٢٣٣

النتيجة، لا بان ينتقل إليه ابتداءً، فإنّه يكون حينئذٍ شرطاً على خلاف قانون المعاوضة شرعاً، بل بأن ينتقل إليه الثمن في طول انتقاله إلى المودع. وقد ذهب المحقق النائينيقدس‌سره في بحث الشروط إلى صحة مثل هذا الشرط، وقد تقدّم الكلام عنه سابقاً.

وأمّا الأمر الثالث وهو دفع البنك مبلغاً محدّداً للمودع فيمكن تفسيره على أساس أنّه استثناء من شرط النتيجة المتقدّم، بمعنى أنّ البنك يشترط أن يكون مالكاً لما يزيد على المقدار الذي يدفعه إلى المودع من الربح ؛ لأنّ البنك يعلم أنّ الزيادة في الثمن التي تعبّر عن الربح هي أكثر عادةً من المقدار الذي يدفعه إلى المودعين، فهو يشترط بنحو شرط النتيجة أن يملك ما زاد على ذلك المقدار من الربح.

ويمكن التوصّل في المقام إلى فكرة الضمان عن طريقٍ آخر، وهو أن يتّفق البنك والمودع على تحويل المبلغ الشخصي الذي يملكه المودع إلى الكلّي في المعيّن، فمودع الألف دينارٍ يحوِّل مملوكه من هذه الألف الشخصية إلى ألفٍ كلّيةٍ في مجموع الأموال التي يملكها البنك(١) ، وهذا نظير ما تقدّم من صاحب الجواهرقدس‌سره في الملحق الثاني عند توجيهه للرواية الدالّة على اصطلاح الشريكين على أن يكون لأحدهما رأس المال والآخر له الربح وعليه التوى، فإنّهقدس‌سره ذكر في توجيه ذلك: أنّ أحد الشريكين يحوّل مملوكه إلى كلّي في المعيّن. ومحصّل ذلك: أنّه كما يمكن تحويل الكلّي في المعيّن إلى عينٍ شخصيةٍ، كذلك يمكن تحويل العين الشخصية إلى الكلّي في المعيّن إمّا بإرجاع ذلك إلى تمليك

____________________

(١) نقصد بالأموال التي يملكها البنك: أمواله الأصلية مع الودائع المتحرّكة التي لا يدفع عنها فوائد، فإنّ هذه الودائع تعتبر قروضاً دون لزوم محذور الربا ؛ لعدم دفع فوائد عنها. والودائع الثابتة التي يدفع البنك عنها فوائد تتحوّل إلى كلِّي في مجموع تلك الأموال. (المؤلّف قدس‌سره ).

٢٣٤

الخصوصية مع التحفّظ على أصل الكلّي، أو إلى نحوٍ من المبادلة.

وأثر هذا الاتّفاق على تحويل الوديعة إلى الكلّي في المعيّن: أن لا يتحمّل المودع شيئاً من التلف مادام يوجد في الباقي من أموال البنك ما يكون بإزاء ذلك الكلّي، كما تقتضيه قواعد ملكية الكلّي في المعيّن.

ويشترط المودع على البنك في اتّفاقهما الحفاظ على مالية الوديعة التي أصبحت كلّياً في المعيّن، بمعنى أنّ البنك يلتزم متى أراد إجراء المعاوضة على شيءٍ من الأموال التي في حوزته، والتي يملك المودع منها كلّياً في المعيّن، أن يقصد وقوع جزءٍ من الثمن بإزاء ذلك الكلّي لا يقلّ عن مالية ذلك الكلّي. فلو فرض أنّ البنك باع عشرة آلاف دينارٍ بخمسة آلافٍ بيعاً خاسراً، وكان للمودع كلّي ألف دينارٍ في المجموع، فمقتضى طبع التقسيط وإن كان هو شمول النقص له، ولكن بالإمكان إلزام البنك بالشرط بأن يقصد بيع كلّي ألف دينارٍ في العشرة بكلّي ألف دينارٍ في الخمسة، وبيع أشخاص المال في العشرة آلاف بأشخاص المال في الخمسة آلاف، وبذلك يبقى ملك المودع محفوظ المالية حتى مع وقوع الخسارة على البنك.

كما أنّ المودع يكون له على هذا الأساس حصّة من الربح ؛ لكونه مالكاً للكلّي في المعيّن من المال، ويمكن للبنك حينئذٍ أن يشترط عليه بنحو شرط النتيجة أن يكون مالكاً لِمَا زاد عن المقدار المقرّر إلى المودع من أرباح ذلك الكلّي في المعين.

ولا نريد بشرط النتيجة هذا - كما عرفت - أن ينتقل الثمن الواقع بإزاء الكلّي ابتداءً إلى البنك، بل ينتقل إليه في طول انتقاله إلى البنك.

وبهذا أمكن تصوير بقاء الودائع على ملك أصحابها وإخراجها عن كونها قروضاً. وبذلك تخرج الفوائد المدفوعة إلى المودعين عن كونها فوائد ربويةً على القرض.

٢٣٥

المحلق (٦)

[ التخريج الفقهي لتحصيل قيمة الشيك ]

يشرح هذا الملحق التخريجات الفقهية المتصوّرة لتحصيل قيمة الشيك (الصكّ) من غير البنك المسحوب عليه: أنّ شخصاً قد يكتب لدائنه شيكاً على بنكٍ فيأخذه الدائن ويذهب إلى بنكٍ آخر فيحصل منه على قيمته.إنّ المستفيد من الشيك الذي يتقدّم إلى بنكٍ غير البنك المسحوب عليه يعتبر مالكاً لقيمة الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه بموجب إحالة محرّر الشيك له على ذلك البنك. فحين يختار المستفيد أن يذهب إلى بنكٍ آخر لتحصيل قيمة الشيك بدلاً عن الذهاب إلى البنك المدين له المسحوب عليه الشيك ابتداء يمكن أن يفسّر ذلك فقهياً بعدّة وجوه:

منها: أن يكون طلبه من البنك تحصيل قيمة الشيك، بمعنى أنّه يطلب منه الاتّصال بالبنك المسحوب عليه الشيك وتكليفه بأن يحوّل عليه الدين الذي يملكه المستفيد في ذمّته، فتكون هناك حوالتان:

إحداهما: الحوالة التي يمثّلها الشيك، وهي حوالة ساحب الشيك على

٢٣٦

البنك المسحوب عليه.

والأخرى: حوالة البنك المسحوب عليه دائنه (أي المستفيد) على البنك المحصّل.

والبنك المحصّل يجوز له أن يأخذ عمولةً في هذا الفرض لقاء قبوله بالاتّصال بالبنك المسحوب عليه وتكليفه بالتحويل عليه.

ومنها: أن يكون طلب المستفيد من البنك تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنكٍ آخر، بمعنى أنّه يبيع الدين الذي يملكه بموجب الشيك في ذمّة البنك الآخر، والبنك المحصّل يشتري منه هذا الدين بقيمته نقداً، ويصبح هو بدوره دائناً للبنك المسحوب عليه الشيك بمقدار قيمته.

وفي هذا الفرض قد يقال: إنّ البنك المحصّل ليس له أن يأخذ من المستفيد بالشيك أجرة على تحصيل قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه ذلك الشيك ؛ لأنّه بعد أن يشتري الدين من المستفيد يصبح هو المالك للدين، فيُحصِّله لنفسه لا للمستفيد، ولا معنى عندئذٍ لمطالبة المستفيد (أي بائع الدين) باُجرةٍ على ذلك.

وقد تصحّح العمولة في هذا الفرض بعد إرجاعه إلى بيع الدين، بإنقاص مقدار العمولة من الثمن الذي يبيع المستفيد دينه به، أو بإضافة هذا المقدار إلى الثمن الذي يبيعه، بمعنى أنّه يبيع من البنك المحصّل دينه ومقدار العمولة بثمنٍ قدره قيمة الشيك.

ولكنّ ذلك يتوقّف على جواز بيع الدين بأقلّ منه، ولا يصحّ بناءً على عدم الجواز. غير أنّه مع البناء على عدم جواز بيع الدين بأقلّ منه يمكن تصحيح العمولة من دون إرجاع البيع المفروض إلى بيع بأقلّ منه ؛ وذلك بأن يفرض أنّ البنك المشتري للدين من صاحب الشيك يشترط عليه في عقد البيع أن يحصّل له الدين من البنك المسحوب عليه، وهذا لا يجعل شراءه للدين من شراء الدين

٢٣٧

بأقلّ منه. ونظراً إلى أنّ بائع الدين الذي بيده الشيك لا يريد أن يحصّل الدين بنفسه (أي قيمة الشيك) من البنك المسحوب عليه، وإلاّ لذهب إليه ابتداءً، فله أن يطالب البنك المشتري للدين منه بأن يرفع يده عن المطالبة بالشرط المذكور لقاء مالٍ معيَّن.

ومنها : أن يكون طلب المستفيد بالشيك من البنك تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنكٍ آخر مجرّد توكيلٍ له في قبض الدين الذي يملكه المستفيد من الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه. وفي هذا الفرض يجوز للبنك قبول هذا التوكيل في القبض لقاء أجرة معيّنة، ولا يصبح البنك المطالب بتحصيل الشيك مديناً للمستفيد كما هو الحال في الوجه الأوّل، ولا دائناً للبنك المسحوب عليه كما هو الحال في الوجه الثاني، بل يبقى الدائن والمدين (وهما المستفيد من الشيك والبنك المسحوب عليه) على حالهما، ويقوم البنك المحصّل بدور الوسيط بينهما لتسلّم المبلغ نقداً من المدين.

وإذا كان المستفيد قد تسلّم مبلغاً يساوي قيمة الشيك من البنك المحصّل قبل أن يحصل هذا البنك على قيمة الشيك فيمكن أن يعتبر هذا المبلغ إقراضاً من البنك المحصّل للمستفيد، ويستوفي البنك المحصّل دينه هذا من قيمة الشيك التي يحصل عليه من البنك المسحوب عليه، ولا يعتبر أخذ البنك المحصّل للعمولة فائدةً على ذلك القرض لكي يصبح ربوياً، وإنمّا هي أجرة على تحصيل الدين لصاحب الشيك، كما عرفت.

وهذا التخريج الفقهي يجعل عملية التحصيل مرتبطةً بتسلّم المبلغ نقداً من البنك المسحوب عليه ؛ لأنّ البنك المحصّل ليس إلاّ وكيلاً في القبض، وهو خلاف ما يجري غالباً في واقع الأمر.

ومنها : أن يفترض تكوّن عملية التحصيل من إقراضِ وحوالة، بمعنى أنّ

٢٣٨

المستفيد من الشيك يتّصل ببنكٍ غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك، فيقترض منه ما يساوي قيمة الشيك ويصبح المستفيد بذلك مديناً بهذه القيمة للبنك الذي اتّصل به، فيحوّله حوالةً على البنك المسحوب عليه، فيكون من حوالة المدين دائنه على مدينه، وهي حوالة صحيحة شرعاً. وأخذ البنك للعمولة في هذا الفرض جائز ؛ لأنّه بإقراضه لصاحب الشيك أصبح دائناً له، وصاحب الشيك يريد أن يُحيله على البنك المسحوب عليه، وهو (أي البنك المقرِض) بوصفه دائناً غير ملزمٍ بقبول هذه الحوالة، بل له أن يطالب صاحب الشيك بالوفاء نقداً، فيمكن والحالة هذه أن يجعل صاحب الشيك له عمولةً ومبلغاً خاصّاً لقاء تنازله عن المطالبة بالوفاء النقدي وقبوله بالتحويل، وليس هذا من قبيل ما يأخذه الدائن بإزاء إبقاء الدين وتأجيله ليكون رباً، فإنّا نفرض أنّ الدائن في المقام لا يطالب بمالٍ بإزاء بقاء الدين في ذمّة المدين، وإنمّا يطالب بمالٍ لكي يقبل بانتقال هذا الدين من ذمّةٍ إلى ذمّةٍ أخرى بالحوالة.

وهكذا يتّضح ممّا حقّقناه أنّ عملية تحصيل الشيك من بنكٍ غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك يمكن تفسيرها فقهياً بأحد هذه الوجوه الأربعة، وعلى جميع هذه الوجوه يمكن للبنك من الناحية الفقهية أخذ العمولة.

وبما حقّقناه ظهر حال ما أفاده بعض الأعلام(١) من أنّ تحصيل الشيك في محلّ الكلام فرع من فروع الحوالة ؛ لأنّ حامل الصكّ يحوّل من يشتريه (أي يحوّل البنك المحصّل) بتسلّم المبلغ المذكور من البنك المسحوب عليه فتجري على ذلك أحكام الحوالة. وقد أختار في الحوالة أنّ البنك لا يجوز له أن يأخذ عمولةً في حالة أخذ شخصٍ منه مالاً وتحويله له على جهةٍ أخرى لتسلّم المبلغ

____________________

(١) بحوث فقهية: ١١٦.

٢٣٩

منه ؛ لأنّ البنك في هذه الحالة يكون دائناً فيصبح أخذه عمولةً من الزيادة الربوية.

ولا يعلم ما هو نوع التخريج الفقهي الذي كان يتصوّره لعملية تحصيل الشيك حين افتراض أنّ البنك المحصّل يشتري الشيك من صاحبه وأنّ صاحب الشيك يحوّله على البنك المسحوب عليه.

فإن كان يتصوّر أنّ صاحب الشيك يبيع الشيك فهذا معناه أنّه يبيع الدين الذي يملكه في ذمّة البنك المسحوب عليه ؛ لأنّ الشيك بما هو ليس له قيمة مالية. وحينئذٍ فيملك البنك بموجب عقد البيع هذا الدين الذي كان صاحب الشيك يملكه في ذمّة البنك المسحوب عليه. ولا مجال لافتراض الحوالة على هذا التقدير ؛ لأنّ الدين الثابت في ذمّة البنك المسحوب عليه يملكه البنك المحصّل بالشراء، لا بالحوالة، فما معنى افتراض الحوالة بعد افتراض الشراء ؟

وإن كان يتصوّر أنّ صاحب الشيك يقترض من البنك مالاً ثمّ يحوّله على البنك المسحوب عليه الشيك، فليس هناك شراء للشيك، بل إقراض من البنك ثمّ تحويله من المقترض.

وكيف ما كان التخريج الفقهي لعملية التحصيل فقد عرفت أنّ أخذ البنك للعمولة من صاحب الشيك يمكن تبريره من الناحية الفقهية على جميع التخريجات المتقدّمة.

٢٤٠