أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي18%

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
تصنيف: كتب
الصفحات: 303

الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96162 / تحميل: 9085
الحجم الحجم الحجم
أصول الفلسفة والمنهج الواقعي

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الآثار الكاملة ٦

أصول الفلسفة

والمنهج الواقعي

تأليف

السيد محمّد حسين الطباطبائي

المجلّد الثاني

تقديم وتعليق: مرتضى مطهري

ترجمة: عمّار أبو رغيف

مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر

١

شعار المؤسّسة

مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر

كافة حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤسّسة

***

مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر

اسم الكتاب: أصول الفلسفة والمنهج الواقعي

تأليف: السيد محمّد حسين الطباطبائي

تقديم وتعليق: مرتضى مطهري

ترجمة: السيد عمّار أبو رغيف

الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر

الطبعة الأولى / شوال ١٤٢١هـ الجزء الثاني

لبنان / بيروت / الغبيري ص ـ ب ٢٧٨ / ٢٥

omalqora@mail.com

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

المقالة السابعة: الوجود وواقع الأشياء

٥

٦

المقدّمة

ينصبّ البحث في هذه المقالة على درس الوجود وواقع الأشياء،وبعبارة أخرى: تتناول هذه المقالة بالدرس بحث " الوجود "، الذي يشمل لوناً من القضايا التي تعرف في الفلسفة بـ: أبحاث الوجود، ونظرية الوجود.

يتداول الباحثون في الفلسفة مصطلح الوجود أكثر من تداولهم لأيّ مفهوم ومصطلح آخر ؛ وآية ذلك أَََنَّ الوجود أو الموجود هو موضوع الفلسفة(راجع المقالة الأولى) ؛ ومن هنا أضحت الفلسفة فنّاً مستقلاً عن سائر الفنون التي تحمل مصطلح " العلم "، والتي يطلق على كلٍّ منها اِسم خاص، ومن الواضح أَنَّ الباحث يتعامل في كلّ فنٍّ من الفنون مع موضوع ذلك الفنِّ بشكلٍ أساس. في هذا الضوء أمكننا أن نسمّي الفلسفة " علم الوجود " مقابل علم الأعداد، وعلم المقادير، وعلم النفس، وعلم الحيوان، وعلم المعادن... أي إنَّ الفلسفة تتعلّق بمفهوم متميّز هو مفهوم الوجود أو الموجود، على غرار تعلّق سائر إنتاج الفكر البشري بمفهوم محدّد.

بدءاً علينا أن نُلفت نظر القارئ المحترم إلى أنَّ مصبَّ درس هذه المقالة " أبحاث الوجود " بابٌ فتحه الحكماء المسلمون إِبّان الحقب الأخيرة في الفلسفة، وعكفوا على تمحيص أطراف هذه البحوث بعمقٍ ودقّةٍ. وقد عدَّ هؤلاء الحكماء هذه البحوث أُصولاً أساسية لسائر أبحاث الفلسفة، إذ يعتقد هؤلاء الحكماء أَنَّ مفتاح سائر المشكلات الفلسفية يمكن العثور عليه عبر هذه

٧

البحوث. وعبر التوفّر على هذا المفتاح يمكن النجاح والحصول على نتائج قطعية في سائر أبحاث الفلسفة.

إنَّ البحث في "الوجود " يضرب في عمق التاريخ العقلي، فقد تناولته مدارس الفلسفة اليونانية بالبحث، كلّ حسب منهجه الخاص. وقد ميّز أرسطو في دائرة معارفه قسماً خاص، عُرف فيما بعد بـ " الفلسفة الأولى " أو العلم الأعلى " الميتافيزيقيا "، تناول بالبحث لوناً خاصاً من المشكلات، وتميّز عن سائر الأقسام الأُخرى، التي يبحث كل منها عن موضوع مستقل، ويكمن سبب هذا التمييز في أنَّ هذا القسم الخاص تدور أبحاثه حول محور الوجود.

لقد صرّح أرسطو في ما بعد الطبيعة (كتاب الحروف )، في مقالة الجيم: أنّ أبحاث هذا القسم لا تتلاءم مع الرياضيات أو أيّ علمٍ من العلوم ؛ لأنّ موضوع البحث في هذا القسم أعمّ من مواضيع الطبيعيات والرياضيات وغيره.

جاءت كلمة "هوية " معادلاً لهذا المعنى الأعم في الترجمة العربية لكتاب الحروف، لكنّ الحكماء المسلمين اِستبدلوها بكلمة " الموجودات "، ولعلّ أوّل من استعمل هذه الكلمة الأخيرة هو أبو نصر الفارابي في رسائله. على أيّ حال يقرّ المحقّقون الغربيون والشرقيون بأنَّ الفلسفة الأولى والعلم الكلّي الذي يشمل أعم المسائل ابتكارٌ أرسطي، وأنَّه بحثٌ عن الوجود والموجود، وموضوعه الوجود المطلق. من هنا فالبحث في الوجود يضرب في عمق التاريخ، بل الفلسفة الأولى من حيث الأساس هي بحثٌ عن الوجود.

لكنّ الأبحاث التي جاءت في الفلسفة الإسلامية تحت عنوان " مسائل الوجود " (والتي تحتل فصلاً مستقلاً اختصت به هذه المقالة) تمثّل لوناً خاصاً من المسائل. ففي ضوء تتبّعنا وعلى هدي المعلومات التي انتهينا إليها اتّضح

٨

لنا أَنَّ هذه الأبحاث دخلت حريم الفلسفة الإسلامية بالتدريج، فجلبت انتباه المحقّقين، حتى أضحت أكثر مسائل الفلسفة جديةً وأصالة، ومن ثمَّ مسكت زمام المبادرة في تحديد مصير الفلسفة الإسلامية.

إنَّ هذه الأبحاث انطلقت من نظريات المتكلّمين واتجاهات العُرفاء، وتأثرت بها بدرجة أكبر من ارتباطها بالمصادر اليونانية وغير اليونانية. على أنَّ هذه الأبحاث طُرحت في دائرة المتكلّمين والعُرفاء بشكل مبسّط وابتدائي، مضافاً إلى افتقارها في هذا الإطار إلى التحليل الفلسفي العقلاني السليم. لكنّها بعد أَن دخلت ميدان البحث الفلسفي وضعت تحت مشرط التحليل والتركيب الفلسفي، فتوفّرت على نضجه، حتى أضحت على صورتها النهائية في القرون الأخيرة. وسوف نشير ضمن إيضاح وتحليل هذه الأبحاث في هذه المقالة إلى وضع هذه الأبحاث لدى المتكلّمين والعُرفاء وتطوّرها في الفلسفة. ونشير إشارة تتناسب مع حجم كتابنا، لنضع بيد القارئ المحترم مفتاح هذه الأبحاث.

أمّا لِمَ لم تقع هذه الأبحاث بمفهومها الشرقي موقع اهتمام الفلسفة الأوربية الحديثة، ولم يتعدّ الأمر دائرة الاشتراك اللفظي في بعض الأبحاث نظير " أصالة الوجود " حيث يتباين مفهومها في الفلسفة الإسلامية عن مفهومها الحديث في الغرب ؟ يعود السبب إلى انقطاع الصلة بين الفلسفة الأُوربية والفلسفة الإسلامية في القرون الأخيرة.

إذا كان قارئنا المحترم مطّلعاً على الكتب العلمية إطلاعاً وافياً فإنّه يعرف السّنّة السائدة لدى الأقدمين في تدوين العلوم، حيث يبدؤون بمقدّمة تطرح ثلاثة أبحاث، تتناول موضوع العلم، وتعريفه، وفائدته ويضيفون أحياناً أُموراً أخرى. وهذه السّنّة جارية في كل العلوم والفنون من الفلسفة وغيره.

٩

ويضيفون في مقدّمة البحث عن الفلسفة (العلم الكلّي أو الفلسفة العليا حسب مصطلح المتقدّمين) وأحياناً في كتب المنطق (كما هو الحال في منطق الشفاء) أموراً أُخرى: تقسيمات العلوم، تمايز العلوم، ماهية موضوع العلم... وغيره.

وقف العلماء باستمرار على أَنَّ مقدمة كلّ علم، أي تحديد موضوعه وتعريفه وتحديد فائدته، لا يمكن أن تكون جزءاً من ذلك العلم، وأنَّ تقسيمات العلوم ليست جزءاً من الفلسفة أو المنطق، وسرّ هذا الأمر واضح، وسيتضح بشكلٍ أكبر عبر القادم من البحث. ولكن ليس هناك علم يتكفّل بشكلٍ مستقل درس هذه المواضيع، وما هو مألوف الآن في مقدّمة كلّ علم لم يكن متداولاً في الدراسات القديمة.

لقد خطى العلماء المُحدَثُون خطوة مثمرة ـ ضمن خطواتهم المثمرة العديدة ـ في عالم الفلسفة والمنطق. فاستحدثوا فنّاً مستقلاً تكفّل إيضاح المواضيع المتقدّمة، وأضافوا فقرات مهمة أُخرى، نظير " الأصول المتعارفة " و " الأصول الموضوعة " التي تستخدم في كلّ علم، والمنهج الذي يستخدم في كلّ علم من العلوم بُغية تطوير البحث في ذلك العلم.

والموضوع الأخير أهم المواضيع التي تنبّه إليها هؤلاء الباحثون، أعني بيان اختلاف العلوم من زاوية المنهج، وتحديد الأسلوب الفكري الذي يسلكه كلّ علم للوصول إلى النتائج المطلوبة. وذهب هؤلاء الباحثون إلى أنَّ العلوم فتحت باب التكامل والتطوّر حينما تحدّدت مناهج البحث، وأنَّ علّة ركود العلوم في العصور الماضية ترجع إلى غياب المنهج السليم والمطلوب لكلّ علم، ويتجلّى هذا الغياب في استخدامهم المنهج العقلي البرهاني في الحقول التي يجب أن يستخدم فيها المنهج التجريبي.

١٠

على أيّ حالٍ، تطوّر البحث في هذا الموضوع حتى طغى على سائر المواضيع الأُخرى، وظهر إلى الوجود علمٌ جديد أطلقوا عليه " مناهج البحث ". وقد ذهب هؤلاء الباحثون إلى أَنَّ الفائدة المترتّبة على معرفة مناهج البحث أكبر بكثير من الفائدة التي تترتب على معرفة صورة الاستدلال. ومن هنا قسّموا المنطق إلى حقلين: المنطق الصوري ـ وهو منطق أرسطو ذاته ـ، ومناهج البحث، التي تتكفّل تصنيف العلوم وتعريفها وتحديد موضوعاتها وفوائدها ومناهجها وأُصولها المتعارفة والموضوعة.

بديهي أَنَّ استقصاء البحث في ما يُعرف اليوم بـ " مناهج العلوم " لا علاقة له بالبحوث المطلوبة في مجموعة مقالات هذا الكتاب. إلا أَنَّنا نضطر إلى بيان الموضوعات التي ترتبط مباشرة بالبحث الفلسفي، والتي يؤدي تركها وعدم بيان وجهة نظرنا فيها إلى خلق إشكالات في ذهن القارئ المحترم. خصوصاً وأنّ بعض هذه الموضوعات ـ حسب تتبّعنا ـ لم تدرس حتى الآن.

طرحنا في المقالة الأُولى تعريف الفلسفة وموضوعها وفائدتها، وبحثنا في المقالة الخامسة حول سلامة المنهج العقلي الذي تعتمده الفلسفة. وبحكم أَنَّ المسائل المطروحة في هذه المقالة ـ كما أشرنا ـ تمثل أساس سائر المسائل الفلسفية، وتعد مفتاح البحث الفلسفي، نعكف في المقدّمة على إيضاح سائر الموضوعات الضرورية التي تشمل ما يلي:

١ـ تمايز العلوم.

٢ ـ ماهية الموضوع.

٣ ـ منطلقات مسائل العلوم أو المبادئ التصورية والتصديقية.

١١

٤ ـ منطلقات الفلسفة أو مبادئ الفلسفة.

٥ ـ المنهج في الفلسفة.

٦ ـ اختلاف العلوم من زاوية الأصول المتعارفة والموضوعة والمنهج.

* * *

تمايز العلوم:

يبدأ كلّ علمٍ بمجموعة مسائل بسيطاً محدودا، ثمّ يأخذ بالنمو والاتّساع. وقد سعى الإنسان منذ القدم إلى تصنيف المسائل العلمية، وإطلاق اسمٍ على كلّ صنفٍ منها: طبٌ، هندسة، حساب، منطق، فلسفة...، وكأنّه يجد أفراد كلّ صنفٍ من الأصناف بمثابة أفراد أُسرةٍ واحدة، تنشعّب من أَصلٍ واحدٍ وتعود إلى جذر واحد، وهذه هي جهة تميّزها عن سائر أفراد الأصناف الأُخرى. وتتكاثر هذه الأُسر بالتدريج، أي عبر جهود الباحثين المتواصلة وتنجب أفراداً أُخرى من الجذر الواحد مباشرة.

ونلاحظ أحياناً ترابطاً بين أفراد بعض الأسر وأفراد أُسر أُخرى رغم تمايزها، ترابطاً يبدو أسرياً أيضاً، ممّا يحكي قرابة العِلمين وارتباطهما، نظير الارتباط القائم بين علم الحساب وعلم الهندسة، ونلاحظ أيضاً ارتباطا بين الأُسر يشبه الارتباط العرقي، نظير الارتباط بين العلوم النظرية مع بعضها، مقابل الارتباط بين العلوم العملية.

دفع هذا الارتباط العائلي والعرقي الباحثين إلى تقسيم وتصنيف العلوم. وأوّل تقسيم وتصنيف نضع اليد عليه هو التقسيم الأرسطي المعروف منذ القِدم. وأوضح ابن سينا هذا التصنيف بأفضل صورة، وقام بتطويره. وقد

١٢

اعترض بعض الحكماء، كشيخ الإشراق، باعتراضات على هذا التصنيف، ودافع بعض آخر عن هذا التصنيف أمام اعتراضات شيخ الإشراق. وكل ذلك محرّر في الدراسات المعدّة لهذا الموضوع، ولا داعي للإطالة هنا في بيان ذلك.

إنَّما المهم هنا أن نوضح الأصل الذي يفضي إلى توحيد أفراد العلم الواحد تحت إطار أُسرة واحدة، ويؤدّي إلى خلق رابطة ذاتية بين هذه الأفراد. وأَن نوضح أيضاً سرّ القرابة الأُسرية والعرقية بين الأُسر العلمية. وهل تتفرع كلّ أعراق العلوم حقيقةً وواقعاً من جدٍ أعلى، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو هذا الجدّ وما هي حقيقته ؟

لقد انتهى المنطقيون والفلاسفة بعد مزيد من البحث والتحقيق إلى أَنَّ أيّ علمٍ من العلوم لا يخلو من موضوع، وأنَّ الذي يوحّد بين مسائل كلّ علم هو موضوع ذلك العلم، وأنَّ سر القرابة الأُسرية والعرقية يكمن في القرابة بين موضوعات العلوم. وإذا آمنا بوجود جدٍ أعلى للعلوم فهو يرتبط أيضاً بموضوعات العلوم.

ما هو الموضوع ؟

موضوع كلّ علم عبارة عن ما يُبحث في كلّ علم عن أحواله وعوارضه والقضايا المرتبطة به. إِنَّ التأمل في مسائل أيّ علمٍ وتحليل تلك المسائل يوضح أنَّ جميع تلك المسائل تتكفّل بيان أحكام وآثار وعوارض وحالات شيءٍ خاص، وهذا الشيء الخاص هو الذي يصيّر جميع تلك المسائل أفراداً لأسرة واحدة، ونسمّيه موضوع ذلك العلم.

١٣

وهنا تُطرح أمام الفلاسفة والمنطقيين إشكالية، وهي: بحكم أنَّ موضوعات العلوم لا تتباين من جميع الجهات، بل هناك قرابة بين موضوعات العلوم ـ كما أَشرنا فيما تقدّم ـ وهذه القرابة تفضي إلى قرابة أُسرية وعرقية بين العلوم. فالكم المنفصل الذي هو موضوع علم الحساب والكم المتّصل الذي هو موضوع علم الهندسة بينهما قرابة جنسية، أي إنّهما يرجعان إلى جنسٍ واحدٍ وهو الكم.

هذا من جهة، ومن جهة أًخرى فما يسمّى موضوعاً لعلمٍ له أَنواع وأقسام، وكلّ نوع وقسم يختص بمجموعة أحكام وعوارض وحالات، نظير موضوع الهندسة، حيث قرّروا أَنّه " الكم المتّصل "، الذي ينقسم إلى الخطّ والسطح والحجم، ولكلّ واحد من هذه الأقسام عوارض وأحوال خاصة به. ثمّ أَنَّ " العوارض والأحكام " مصطلح مَرِن، فما يُعد عارضاً على قسم من أقسام الموضوع يعدّ عارضاً على ذات الموضوع أيضاً.

حينئذٍ إمّا أَن نعدّ جميع العلوم علماً واحداً، أيّ نعدُ مسائل جميع العلوم بمثابة أفراد أُسرة واحدة، تتفرع من أصل واحدٍ، وننكر الاختلافات الأُسرية والعرقية بين العلوم، ونعد اختلاف العلوم مع بعضها اختلافاً وضعياً اعتبارياً، وإمّا أن نكثر العلوم تبعاً لتنوّع وانقسام الموضوعات، مثلاً نعتبر الهندسة مجموعة من ثلاثة علوم: علم الخط، علم السطح، علم الحجم. بل أن نقسٍّم هذه الأقسام إلى علوم، بحكم إمكانيتها للانقسام، نظير قسمة الخط إلى منحني ومستقيم.

أضف إلى ذلك أنَّ موضوعات العلوم لا تتباين من جميع الجهات، وبينها وجه اشتراك. فنجد أحياناً أنَّ موضوع العلم الواحد ذاته جامع مشترك

١٤

لموضوع علم آخر مع مجموعة أشياء أُخرى، فمثلاً موضوع علم النبات جامع مشترك لموضوع علم الحيوان ومجموعة من الأشياء، وهكذا...

أجاب المنطقيون والفلاسفة على هذه الإشكالية،وخلاصة الجواب: أنَّ العوارض والأحكام التي تنسب إلى شيءٍ من الأشياء تنقسم إلى قسمين: عوارض أولية أو ذاتية، وعوارض ثانوية أو غريبة. وبصدد تمييز العوارض الذاتية عن العوارض الغريبة هناك تحقيقات جيدة وجليلة، وأخصبها وأفضلها ما قام به ابن سينا في كتبه المنطقية، وخصوصاً في منطق الشفاء، رغم أنَّ بعض المتأخّرين لم يهضموا ما انتهى إليه من ملاحظات ضرورية، وسلكوا مسالك أُخرى، أدّت إلى تشويش واختلافات كثيرة في هذه المسألة، حتى أَدلى بعض الغرباء على المنطق بآراء غريبة هوجاء في هذا الميدان.

اتّضح أَنَّ مسألة تمييز العلوم وتصنيفها مهمّة حساسة من وجهة النظر المنطقية، واتّضح أيضاً أنَّ تمييز العوارض الذاتية عن الغريبة مهمّة حساسة من الزاوية المنطقية. وتمييز هذه الجهة يتطلّب مقدّمات منطقية كثيرة، لا تستوعبها هذه المقدّمة وهذه المقالة، وعلى الراغبين في الاطلاع مراجعة الكتب المنطقية، خصوصاً دراسات ابن سينا.

ولكن ينبغي هنا أن نوضح الملاحظة التالية: بحكم أنَّ العوارض الذاتية لكلّ موضوع إمّا أن يدركها الذهن بداهة ويتعرّف على ارتباطها بالموضوع بشكل مباشر، وبدون إقامة برهان، أو يدركها بواسطة برهان وعبر "الحدّ الأوسط "، فمن المحتّم أَن يكون الارتباط بين كلّ موضوع وبين عوارضه الذاتية ارتباطاً واقعياً وليس اعتبارياً، ومن المحتّم أَن يكون الموضوع كلّياً وليس جزئيا.

١٥

على هذا الأساس فالعلاقة بين موضوعات العلوم الاعتبارية ومحمولاتها علاقة اعتبارية وليست واقعية، نظير علم القانون والفقه وأصول الفقه والنحو والصرف، وكذلك الحال في العلوم التي تتشكّل مسائلها من قضايا شخصية، كاللغة والتاريخ والجغرافية. والعلوم الاعتبارية خارج مقولات المناطقة ؛ إذ الحديث عن تمايز وتصنيف العلوم إنّما يوضح العلاقة الواقعية في مجال العلوم الحقيقية لا العلوم الاعتبارية. مضافاً أَنّ مجال هذا الحديث هو الكلّيات التي يمكن للذهن أَن يستدلّ ويستنتج من خلالها، لا الجزئيات التي هي على حدّ تعبير المنطقيين " لا كاسبة ولا مُكتسَبة ". ومن ثمّ فالحديث ينصب في مجال العلوم التي يجري فيها البرهان بمفهومه المنطقي، نظير جميع العلوم العقلية المحضة والعلوم التجريبية.

أمّا بالنسبة إلى العلوم التجريبية والمختبرية فرغم أنَّ البرهان غير جارٍ فيها بشكل مباشر، لكن يقينية البحث في هذه العلوم وكلّية نتائجها ـ كما تقدم في المقالة الخامسة ـ رهن مجموعة براهين عقلية تتّكئ عليها هذه العلوم ضمنياً.

منطلقات مسائل العلوم " المبادئ التصوّرية والتصديقية ":

اتّضح مقياس معرفة " مسائل العلم " في ضوء ما تقدّم من تعريف موضوع العلم، فالمسألة في كلّ علم عبارة عن القضية التي تكشف عن العلاقة بين موضوع ذلك العلم وأحد عوارضه وأحكامه. ومن هنا فكلّ علم عبارة عن مجموعة مسائل تتضمّن موضوعاً ومحمولاً ونسبة. وتتخّذ المسألة طابع " القانون " حينما تكون كلّية أولاً، وحينما يذعن الذهن اضطراراً بثبوت المحمول للموضوع ثانياً.

١٦

ويحصل هذا الإذعان والتصديق بشرطين:

أوّلاً ـ أَن يكون للذهن تصوّر واضح عن موضوع المسألة ومحمولها ليتعرّف على مورد حكمه.

ثانياً ـ وجود لون من الدليل والحجّة يكون سنداً للحكم، بحيث يُلزم الذهن بالتصديق والإذعان. و " التعريفات " في العلوم تؤدّي دور تحقيق الشرط الأوّل، أمّا الذي يؤدّي تحقيق الشرط الثاني ويستند الذهن إليه في الحكم فهو مجموعة من " الأصول المتعارفة " أو " الأصول الموضوعة " أو ما يتّكئ على هذه الأصول من مسائل.

يطلق على مجموع التعريفات والأصول المتعارفة والأصول الموضوعة في كلّ علم مصطلح " المبادئ "، وتسمّى التعريفات " مبادئ تصوّرية "، والأُصول المتعارفة والموضوعة " مبادئ تصديقية ". وأمر التعريفات واضح نظير ما يستخدم في تعريف الخط والسطح والحجم والدائرة والمربع والمثلث وغيره في الهندسة. ولكن ينبغي هنا إيضاح الفرق بين الأُصول المتعارفة والأُصول الموضوعية:

الأصول المتعارفة عبارة عن أصل أو مجموعة أُصول تقوم على أساسها براهين وأدلة العلم، وهذه الأُصول ذاتها بديهية، ولا يجيز أي ذهن الشك فيها. نظير قانون " الكل أكبر من الجزء " , " المقداران المساويان لمقدار واحد متساويان " في الهندسة، ونظير قانون استحالة التناقض في المنطق والفلسفة.

أمّا الأُصول الموضوعية فهي عبارة عن أصل أو مجموعة أُصول تتّكئ عليها أدلّة العلم، وهذه الأُصول ليست بديهية قطعية، وليس هناك دليل بالفعل على صحتها، لكنّها تؤخذ مصادرات مفروضة الصحة. على أَنّه يمكن

١٧

أن تتَّخذ بعض الأُصول طابعاً فرضياً وضعياً في علم، لكنّها أُصولٌ قام الدليل عليها في علمٍ آخر. نظير القواعد الفلسفية حينما تستخدم في العلوم، أو اتّخاذ قواعد الرياضة والطبيعيات مصادرات في البحث الفلسفي.

إذن؛ تختلف الأُصول المتعارفة عن الأُصول الموضوعة في كون الأصل المتعارف بذاته أصلاً قطعياً ويقينيا، ولا يجيز الذهن خلافه. أمّا الأَصل الموضوع فهو ليس يقينياً بذاته، ويجيز الذهن خلافه، سواء أكان فرضياً بحتاً أم كان مستدلاً عليه في علم آخر غير العلم الذي اُتخذ مصادرةً فيه.

إنَّ معالجة موضوع التعريفات والأُصول الموضوعية والمتعارفة وبيان الفروق بينها، وبيان أقسام الأُصول المتعارفة(العامة والخاصة)، وتحديد الأُصول الموضوعية والمتعارفة في كلّ علمٍ، من أَنفع الأَبحاث التي يجب أن يعالجه المنطق. وقد بذل المناطقة المحدّثون جهوداً جليلة في هذا المجال، و "كَنْت " أحد الحكماء الذين أماطوا اللثام عن الأُصول المتعارفة والأُصول الموضوعة (المبادئ القبلية والمصادرات) لعلوم عصره. يهمّنا هنا أن نشير إلى المبادئ التصورية والتصديقية الفلسفية.

المبادئ الفلسفية:

اتّضح في ضوء ما تقدّم أنَّ المبادئ التصورية والتصديقية لكلّ فنٍّ تمثل نقاط اتكائه، وتعدّ من جهة أُخرى أدواته ووسائله. ومن هنا ينبغي أَن نتعرّف على وضع المبادئ التصورية والتصديقية للفلسفة، أي التعريفات والأُصول المتعارفة والموضوعة للفلسفة.

١٨

إنَّ الفلسفة أَغنى الفنون من زاوية التعريفات؛ لأَنَّ المفاهيم التي تشكّل موضوعات ومحمولات المسائل الفلسفية ( نظير: مفهوم الوجود، العدم، الوحدة، الكثرة، الوجوب، الإمكان، الامتناع، العِلّة، المعلول، المتناهي، اللامتناهي، الحادث القديم، القوة والفعل... ) مفاهيم بسيطة، ومن ثمَّ فهي بديهية التصوّر، وفي غنىً عن التعريف. ولإيضاح بساطة مفاهيم الفلسفة وإثبات عدم تركيبها، وأنَّ المفهوم البسيط مستغنٍ عن التعريف (راجع المقالة الثامنة).

الأُصول الفلسفية المتعارفة : تحديد جميع الأُصول الفلسفية المتعارفة أمر مفيد جداً وهامٌّ أيضا، لكن استقصاء كلّ هذه الأُصول أَمرٌ لا يخلو من الصعوبة. ولم نجد حتى الآن من قام بهذه المهمة. ولعلنا نوفّق في فرصة أُخرى إلى عرض هذه الأصول بعد استقصائها، وتحديد مواضع الإفادة منها.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أَهم أصلين متعارفين في الفلسفة، حيث يعدّان نقطة انطلاق المسيرة الفلسفية. وسيتضح عبر هذه المقالة (التي تتضمّن مباحث الوجود، أي المسائل الأساسية للفلسفة) أنَّ البحث ينطلق من أحد هذين الأصلين، وهما عبارة عن:

الأوّل: امتناع التناقض

لا شكّ في أنَّ هذا الأصل هو أشدّ أُصول الفلسفة إِحكاما. وهو ضرورة قائمة في كلّ العلوم وفي الفلسفة بوجهٍ خاص. وقد تناوله بالبحث أرسطو، وابن سينا في أوائل إلهيات الشفاء، وصدر المتألهين في أبحاث العقل والمعقول، وتناول الفلاسفة الآخرون قديماً وحديثاً البحث حول هذا الأصل الذي أطلقوا عليه " أصل الأُصول " و " أُمّ القضايا ". وقد أَشبعنا البحث حول هذا الأَصل في المقالة الثانية والخامسة، وتناولنا

١٩

شبهات المنكرين بالردّ، وأثبتنا أنَّ استقرار العلم بأيّ حقيقة أمر متعذّر دون الإذعان بهذا الأصل. ولا حاجة بنا للتكرار هنا.

الثاني: إثبات الواقع :

اتّضح في ضوء المقالات السابقة أنَّ السفسطة تقوم على أساس إنكار واقعية الوجود، وأَنّ كلّ شيء خواء في خواء وباطل وكاذب. وقد أقام السوفسطائي اليوناني الشهير "جورجياس " برهاناً لإثبات استحالة الوجود. والسوفسطائي اليوناني الآخر "بروتاجوراس " تنتهي عبارته المشهورة " الإنسان مقياس كلّ شيء " إلى نفس هذه النتيجة. وآخرون انتهوا إلى وهمية جميع الإدراكات على أساس وقوع الخطأ فيها.

واتّضح أيضاً أنّ الحدّ الفاصل بين الواقعية والمثالية أو بين الفلسفة والسفسطة هو الإيمان بواقع الوجود، أي الإذعان بأنّ هناك واقعا. ونحن نصطلح على هذه الحقيقة بـ " أصل إِثبات الواقع ". ولا يستطيع كلّ ذي إحساس وشعور إنكار هذا الأصل الفطري في عمق وجدانه الذهني، وحتى أكثر السوفسطائيين سفسطة وأكثر الشكّاكيين شكّيةً ـ كما تقدّم في المقالة الثانية ـ يتابع عملياً فطرته ويمارس ممارسة واقعية، وعلى حدّ تعبير "باسكال " ليس هناك شكّاك واقعي.

اتّخذت الفلسفة هذا الأصل أصلاً متعارفاً لها، وسيتّضح أنّ أهم مسائل الفلسفة، أي " مسائل الوجود "، وتبعاً لها سائر المسائل الفلسفية الهامة تُستنبط من هذا الأصل.

أمّا أصل امتناع التناقض فهو موضع استفادة كلّ العلوم؛ بحكم كونه القاعدة التحتية لكلّ الأُصول الفكرية البشرية (راجع المقالة الخامسة)، ومن ثمّ فهو من الأصول المتعارفة العامة. لكنّ أصل إثبات الواقع يُتخذ في الفلسفة فحسب كأصل متعارف.

٢٠

وأمّا التربة ، فإنّها من التراب ، وكما يعلم الجميع فإنّ من شرط السجود أن يكون على شيء طاهر ، فاتخاذ التربة أمر يتيقّن المصلّي منه بطهارة موضع سجوده.

وأمّا بخصوص كون هذه اللبنة والتربة من كربلاء ، فإنّه ليس بواجب ـ بل كما قلنا فإنّه يجب السجود على الأرض أو ما أنبتته ـ ولكن هو أمر مستحبّ ، لورود روايات عن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام بذلك ، وكذلك ورود روايات عن أهل السنّة تروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ جبرائيل أخبره بمقتل الحسينعليه‌السلام ، وأتى له بتربة كربلاء ، وكذلك كانت تربة كربلاء عند أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأمّ سلمة ، وهي التربة التي كان الزوّار يعرفون بشم رائحتها قبر الحسينعليه‌السلام ، لما أخفاه خلفاء الجور عنهم(١) .

( محمّد السعيد ـ البحرين ـ )

يوجب الاطمئنان من طهارتها :

س : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟

الشيعة تسجد على التربة ، وحجّتهم أنّه لا يجوز السجود على ما يلبس أو يأكل ، لذا لا يسجدون على السجّاد ، فلماذا لا يسجدون على ثمانية ترب بعدد المساجد الثمانية؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا أعمال ما تشتهيه أنفسنا.

____________

١ ـ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ و ١٩١ ، مسند أحمد ١ / ٨٥ ، ذخائر العقبى : ١٤٨ ، الآحاد والمثاني ١ / ٣٠٩ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٨ ، كنز العمّال ١٢ / ١٢٧ و ١٣ / ٦٥٥ ، تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٨٨ ، تهذيب الكمال ٦ / ٤٠٧ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠ ، جواهر المطالب ٢ / ٢٩٠ ، سبل الهدى والنجاة ١١ / ٧٤.

٢١

فالسجود ثابت في الشريعة ، بأنّه لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض ، من غير المأكول والملبوس ، وأن يكون موضع السجود طاهر ، فيمكن للمصلّي أن يسجد على الأرض ، أو على ورق الأشجار ، وسعيف النخل و... ، والشيعة اتخذت قطعة من الأرض لتسجد عليها ، ولتطمئن من طهارتها ، فلا يأتيس : لماذا لا يسجدون على ثمان ترب بعدد المساجد الثمانية؟

( موالي ـ الكويت ـ ١٩ سنة ـ طالب )

السجود على الثوب مع العذر :

السؤال : عن أنس بن مالك : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ ، طرح ثوبه ثمّ سجد عليه (١) ، ألا تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر؟ ودمتم سالمين.

ج : تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر كشدّة الحرّ ، لا جوازه مطلقاً.

وأمّا الشيعة فعندهم عدم جواز السجود على غير الأرض ، أو ما أنبتته من غير المأكول والملبوس ، إلاّ لعذر شرعي كحال التقية ، وأدلّتهم على ذلك روايات وردت في هذا المضمار عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام .

( عماد ـ البحرين ـ ٢٦ سنة ـ طالب ثانوية )

سجود الشيعة على التربة الحسينية :

س : هناك بعض الأشخاص لديهم بعض الاستغراب ، من أنّا نصلّي على التربة الحسينية ، فلماذا نصلّي على التربة؟ وليس على الأرض مباشرة؟

____________

١ ـ السنن الكبرى للبيهقي ٢ / ١٠٦.

٢٢

ج : تختصّ الشيعة الإمامية بالقول باستحباب السجود على تربة قبر الإمام الحسينعليه‌السلام تبعاً لأئمّتهم ، بل اتباعاً لمنهج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ومنهج أهل البيت هو منهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يخالفونه قيد شعرة أبداً ـ في تكريمه للحسين سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وتكريم تربة قبره.

فاللازم علينا إذاً ، هو الإتيان ببعض الأحاديث عن أهل البيتعليهم‌السلام أوّلاً ، وبيان منهج الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ثانياً ، فهاك نصوص كلمات أهل البيتعليهم‌السلام :

١ ـ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « السجود على طين قبر الحسينعليه‌السلام ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبح بها »(١) .

٢ ـ قال الإمام الكاظمعليه‌السلام : « لا يستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام »(٢) .

٣ ـ عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد اللهعليه‌السلام خريطة ديباج صفراء ، فيها من تربة أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قالعليه‌السلام : «إنّ السجود على تربة أبي عبد الله عليه‌السلام يخرق الحجب السبع »(٣) .

٤ ـ كان الإمام الصادقعليه‌السلام لا يسجد إلاّ على تربة الحسينعليه‌السلام تذلّلاً لله ، واستكانة إليه(٤) .

٥ ـ سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن استعمال التربتين ، من طين قبر حمزة وقبر الحسينعليهما‌السلام ، والتفاضل بينهما ، فقالعليه‌السلام : «السبحة التي من طين قبر الحسين عليه‌السلام تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح »(٥) .

____________

١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦٨ ، وسائل الشيعة ٥ / ٣٦٥.

٢ ـ وسائل الشيعة ٥ / ٣٥٩.

٣ ـ المصدر السابق ٥ / ٣٦٦.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ المصدر السابق ٦ / ٤٥٥.

٢٣

٦ ـ عن محمّد بن عبد الله بن الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب : «يسبّح الرجل به ، فما من شيء من السبح أفضل منه »(١) .

والظاهر أنّ المراد من القبر قبر الحسينعليه‌السلام ، والألف واللام للعهد ؛ لكون ذلك معهوداً مشهوراً عند أهل البيتعليهم‌السلام وشيعتهم.

٧ ـ عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام أسأله : عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل؟ فأجابعليه‌السلام : « يجوز ذلك ، وفيه الفضل »(٢) .

ولا غرو أن يجعل الله سبحانه الفضل في السجود على تربة سيّد الشهداءعليه‌السلام ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وقرّة عين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومهجة فاطمة البتولعليها‌السلام ، وابن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأحد أصحاب الكساء ، وهو وأخوه المراد من الأبناء في الكتاب الكريم في قصّة المباهلة ، وهو شريك أبيه وأُمّه في سورة هل أتى ، وأحد الأئمّة الكرام الهداة ، وأحد الخلفاء الاثني عشر ، وهو مصباح الهدى ، وسفينة النجاة.

فأيّ مانع من تشريف الله تعالى له وتكريمه إيّاه بتفضيل السجود على تربته؟

وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءقدس‌سره في كتابه « الأرض والتربة الحسينية » في بيان حكمة إيجاب السجود على الأرض ، واستحباب السجود على التربة الشريفة :

ولعلّ السرّ في إلزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومضافاً إلى أنّها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبوراي ، الحصر الملوّثة والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كُلّ ذلك ، فلعلّه

____________

١ ـ الاحتجاج ٢ / ٣١٢.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٢٤

من جهة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية أن يتذكّر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته ، والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد.

ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وفي الحديث «أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد »(١) ، مناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية ، أُولئك الذين جعلوا أجسامهم عليها ضحايا للحقّ ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة.

ولعلّ هذا المقصود من أنّ السجود عليها يخرق الحجب السبعة ـ كما في الخبر الآتي ذكره ـ فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب ، إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار(٢) .

( حسين مردان ـ العراق ـ ٣٩ سنة ـ مهندس )

لا يقاس بالتيمّم :

س : إذا كان التيمّم عند عدم وجود الماء يجوز ، حتّى لو مسحت يدك بتراب الجدران ، أو أيّ أثاث في البيت بقصد الصلاة ، فلماذا لا يجوز الصلاة على السجّادة بدون التربة الحسينية؟ هذا السؤال كثيراً ما يثار معي في النقاش مع أهل السنّة ، أجيبونا أثابكم الله.

ج : نجيب على هذا السؤال بعدّة نقاط :

١ ـ إنّ هذا الإشكال مبنيّ على القياس ، وهو مردود صغرى وكبرى :

أ ـ أمّا الكبرى : فالقياس باطل عندنا ، فقد نهى أئمّتناعليهم‌السلام عن اتخاذ القياس دليلاً على الأحكام الشرعية ، فإنّ دين الله لا يقاس بالعقول ، وأوّل من قاس إبليس ( لعنه الله ).

____________

١ ـ ثواب الأعمال وعقابها : ٣٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة ٨ / ٢١١ ، كنز العمّال ٧ / ٢٩٢.

٢ ـ الأرض والتربة الحسينية : ٣٢.

٢٥

ب ـ ثمّ إنّ هذا القياس غير صحيح ، لأنّ الطهارة الترابية بدل اضطراري عن الطهارة المائية ، أي إنّ النوبة تصل إلى التيمّم بعد فقد الماء وعدم التمكّن من الوضوء ، فيتيمّم بغبار الجدران ، أو أثاث البيت إذا عجز عن التيمّم بالأرض ، فالمقاس عليه اضطرار في اضطرار.

فكيف يقاس عليه السجود على السجّادة في حالة الاختيار ، الذي هو مفروض السؤال ، وهو المتبع عند أهل السنّة.

٢ ـ إنّ حكم السجود عندنا هو : وجوب السجود على ما يصدق عليه أنّه أرض ، ومنه التربة الحسينية ، لا ما يتوهّمه الآخرون من وجوب السجود على التربة الحسينية.

نعم ، السجود عليها مستحبّ لورود روايات في استحبابها.

٣ ـ إنّ طريقة طرح السؤال غير صحيحة من البداية ، إذ لا يجوز أن يعترض على مذهب مخالف من خلال الاعتماد على قواعد يعتمدها المذهب الآخر ، بل يجب أمّا أن يبنى على قواعد متّفق عليها ، أو أن يبنى على قواعد نفس المذهب المعترض عليه.

٢٦

سرية أُسامة :

( ناصر ـ أمريكا ـ )

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها :

س : ما هي الكتب التي تقول : لعن الله من تخلّف عن حملة أُسامة بن زيد ، غير كتاب الملل والنحل ، والسقيفة للجوهري؟

ج : إنّ المتتبّع يجد ، أنّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء ما وقع منها في زمن الرسالة أو بعده ـ لم يصل لنا إلاّ القليل منه ، أمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا مسلّمة ، ووجود روايات كثيرة في القرن الأوّل ، فضلاً عمّا بعده ممّا لا يقبل الإنكار.

فإنّ مسألة جيش أُسامة من المسلّمات عند جميع المسلمين ، وقد تناقلوه في أكثر كتبهم.

وأمّا ورود الحديث في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، فهو في المصادر الشيعية كثير ، وأمّا المصادر السنّية ، فإنّها لم ترد بعد تفحّصنا إلاّ فيما ذكرته من وجودها في كتاب الملل والنحل(١) وكتاب السقيفة ، فإنّ المسائل التي فيها طعن على أيّ واحد من الصحابة أو التابعين تحذف من تاريخ الإسلام ، فضلاً من الخلفاء ، وهذا شيء طبيعي.

____________

١ ـ الملل والنحل ١ / ٢٣.

٢٧

فتحصيل شيء من هذا القبيل من الصعوبة جدّاً أن يبقيه التاريخ ، لأنّ الذي ينقل الطعن يتّهم بالرفض والزندقة ، وكُلّ التهم التي تترتّب عليه ، حتّى أنّ الأيادي الأثيمة قد بدّلت عبارة اللعن على المتخلّف عن جيش أُسامة ـ في كتب التاريخ ـ بفقرة أُخرى وهي : اللعن من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ، وهو كما ترى خيانة وتحريف للحقائق ، إذ لا علاقة بين موضوع خطاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندئذ ، وبين الصلاة عند القبور(١) .

وعلى كُلّ حال ، فإنّ ما ورد في كتاب الملل والنحل وكتاب السقيفة فيهما الكفاية في إثبات ما ورد من الحديث ، في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، وذلك :

لأنّ الشهرستاني في الملل والنحل ، أرسل الحديث إرسال المسلّمات ، والشهرستاني ـ مع نصبه وعداوته المعروفة لأهل البيت وشيعتهم ـ لمّا يرسل مثل هذا الحديث إرسال المسلّمات ، يكون حجّة وأيّ حجّة؟

ولأنّ الجوهري في كتابه السقيفة ـ كما نقله عنه ابن الحديد في الشرح(٢) ـ أورده بسند متّصل معتبر : عن أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن أحمد بن سيّار ، عن سعيد بن كثير الأنصاري ، عن رجاله ، عن عبد الله بن عبد الرحمن.

ثمّ من جانب آخر ، فإنّ طاعة الرسول واجبة ، وعليه فالتخلّف عن جيش أُسامة تخلّف عن طاعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتخلّف عن طاعة رسول الله يوجب أذى رسول الله ، وأذية رسول الله توجب اللعنة بنصّ القرآن الكريم :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٣) .

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ أبا بكر وعمر تخلّفا عن جيش أُسامة ، فسواء ثبت حديث لعن المتخلّف عن جيش أُسامة أو لم يثبت فإنّ اللعنة

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣١ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ / ٤٧.

٢ ـ شرح ابن أبي الحديد ٦ / ٥٢.

٣ ـ الأحزاب : ٥٧.

٢٨

شاملة لكُلّ من تخلَّف ، باستثناء من خرج بالدليل عن شمول الالتحاق ، وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام والفضل بن العباس.

( أُمّ بدر ـ ـ )

عدم خروج علي فيها :

س : لماذا لم يخرج الإمام علي عليه‌السلام مع جيش أُسامة؟ وظلّ بالمدينة حتّى موت الرسول الأعظم ، وحتّى عندما خرج جيش أُسامة بعد موت الرسول ، هل خرج علي بن أبي طالب معهم؟ وهل أُسامة خرج بعد موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ج : ذكر التاريخ أسماء كبار الصحابة ، الذين أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج مع جيش أُسامة ، ومنهم أبو بكر وعمر وآخرون ، ومن المعلوم وممّا لاشكّ فيه : أنّ علياًعليه‌السلام كان من كبارهم ، ولكن التاريخ لم يذكر اسمه في ضمن صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أمروا بالخروج ، وهذا دليل على عدم أمر النبيّ له بالخروج.

مضافاً إلى أنّه لو كان مأموراً بالخروج ولم يخرج ، لشنّ عليه أعداؤه حملة لا هوادة فيها ، للتقليل من شأنه ، بينما لا نجد ولا أيّ كتاب تاريخي يذكر أنّه تخلّف ، خلافاً لبقية الصحابة الكبار.

كما أنّ عدم خروج الإمام علي بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مع جيش أُسامة ، لأنّ الإمام لا يرى الشرعية في بعث جيش أُسامة من قبل أبي بكر ، لأنّه يعتبر نفسه الخليفة الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

كما أنّ المعروف والمتّفق عليه تاريخياً : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤمّر على عليعليه‌السلام أحداً طيلة حياة النبيّ ، وهذا من ضمن الموارد ، وفي ذلك دلالة واضحة على رسول الله لا يريد أن يجعل شخصاً فوق عليعليه‌السلام وأميراً عليه ، ممّا يدل على أفضلية عليعليه‌السلام على غيره من الصحابة.

٢٩

( باسم علية ـ تونس ـ )

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات :

س : أودّ أن أسألكم عن الأسباب الخفية لتجنيد كبار الصحابة في جيش أُسامة ، ولماذا أصرّ الرسول الأكرم على إرسال أُسامة بالذات قائداً للجيش؟ مع الشكر والامتنان.

ج : إنّ الإسلام دين الحقّيقة والمعاملة مع الواقع العملي ، وعليه فالكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات التي كانت عليها قريش في الجاهلية ، فالكفاءة إذا كانت في شاب فهو المقدّم.

وفي هذا درس عظيم لنا ، أن نتعامل مع الواقع ، ولا تغلبنا الاعتبارات الأُخرى التي هي أقرب ما تكون إلى البعد عن الواقع العملي.

وعليه ، فتبطل نظرية أبي بكر عندما سئل بأنّ الخليفة الحقّ هو علي؟ فأجابهم : بأنّه أكبر منه سناً!!

وفي مسألة جيش أُسامة وتأميره على كبار الصحابة ، واستثناء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنينعليه‌السلام للبقاء معه ، ولعنه من تخلّف عن جيش أُسامة ، في كُلّ هذه دروس وعبر لمن اعتبر ، بالأخصّ في مسألة الإمامة.

وفي هذه الأيّام ، طلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالدواة والقلم ليكتب لهم وصيّته ، فوقف أمامها عمر بن الخطّاب ـ الذي تخلّف عن جيش أُسامة ـ وحال دون كتابة النبيّ لهذه الوصية.

( فاضل السبع ـ البحرين ـ ٢٢ سنة ـ طالب )

خروج جميع الصحابة فيها :

س : أشكر القائمين على هذا الموقع المبارك ، وأتمنّى لكم مزيد من التقدّم.

٣٠

عندي سؤال : هل أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وجميع صحابة عليعليه‌السلام الخلّص ، كانوا ضمن جيش أُسامة؟ أم أنّهم بقوا في مدينة الرسول؟

وهل بالإمكان معرفة أسماء الصحابة المتخلّفين عن جيش أُسامة؟ مع كتابة المصادر الدالّة على ذلك من كتب أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً.

ج : ذكرت كتب الفريقين أنّ جميع المهاجرين ووجوه الأنصار خرجوا في جيش أُسامة إلاّ الإمام عليعليه‌السلام ، ومن هذا الإطلاق يعلم : أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وكُلّ صحابة الإمام عليعليه‌السلام ، خرجوا في جيش أُسامة امتثالاً لأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يتخلّفوا عنه ، وعسكروا في منطقة الجرف قرب المدينة المنوّرة ، وبعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجعوا إلى المدينة ، وفوجئوا بقضية السقيفة ، ومبايعة أبي بكر للخلافة.

وأمّا بالنسبة إلى ذكر أسماء من تخلّف عن جيش أُسامة ـ خصوصاً من كتب أهل السنّة ـ فهذا غير ممكن ، لأنّ كُلّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية ـ سواء ما وقع منها في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو بعده ـ لم يصل لنا منه إلاّ القليل ، إمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم ، أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا كانت من المسلّمات ، ومن تلك القضايا مسألة تخلّف بعض الصحابة عن جيش أُسامة.

نعم ، ورد في بعضها : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة وطلحة والزبير كانوا ممّن نفذ في جيش أُسامة ، ولكن في نفس الوقت نجد هؤلاء كانوا في سقيفة بني ساعدة ، بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ممّا يدلّل أنّهم تخلّفوا عن الجيش.

٣١
٣٢

السقيفة :

( علي طاهر ـ السعودية ـ ٤٠ سنة )

كما في الاحتجاج للطبرسي :

س : ذكر الرواة بأنّ بعض الأنصار كان في السقيفة ، مع أنّ مصادر الشيعة يذكرون بأنّ الأنصار كانوا مع الإمام عليعليه‌السلام ما عدا ثلاثة أو خمسة ، ومنهم بشير الأنصاري أبو النعمان.

هل الصحابي سعد بن عبادة يريد أن يأخذ الخلافة؟ لأنّه كان موجوداً وعشيرته تريد أن تبايعه ، أم أنّه شعر بريحة الخيانة من جهة عمر؟ أو علم من الأخبار لأنّه رئيس عشيرة وعيونه أخبرته بنية القوم؟

ودمتم موفّقين ، والله يحفظكم من كُلّ شرّ ، ويجعلكم نوراً يستضئ به المؤمنون.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، كما ذكرت ذلك كتب الفريقين ، والظاهر أنّ المقصود من الاجتماع ، اجتماع بعضهم لا اجتماع كُلّهم من أوسهم وخزرجهم ، ولكن كم مقدارهم؟ فبعض كتبنا كالاحتجاج للعلاّمة الطبرسيقدس‌سره عبّرت هكذا : « وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض »(١) .

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٩١.

٣٣

ويمكن أن بعض كتبنا ذكرت مجموعة قليلة ، وسواء قلنا إنّهم كانوا خلقاً كثيراً أم أنّهم كانوا مجموعة قليلة ، كان المعروف بينهم أنّ الخليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الإمام عليعليه‌السلام .

وأمّا بالنسبة إلى قضية سعد بن عبادة ، فتتّضح من خلال ما نقله العلاّمة الطبرسي في الاحتجاج حول قصّة السقيفة ، حيث قال :

« ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم ، فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً.

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر ، وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.

فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ، فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ونرضى به ، على أنّه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار.

فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وأنتم يا معشر الأنصار ، ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء.

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم.

وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإنّ أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير.

٣٤

فقام عمر بن الخطّاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأُلو الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيّن ، فيما ينازعنا سلطان محمّد ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف بإثم ، أو متورّط في الهلكة محبّ للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وإن أبوا أن يكون منّا أمير ومنهم أمير ، فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحقّ به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت ، من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، والله لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

قال عمر بن الخطّاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنّه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فنهاني رسول الله عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً.

قال عمر لأبي عبيدة : تكلّم ، فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش ، وحثّ الناس كُلّهم لاسيّما الأنصار على الرضا ، بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيّهما شئتم؟

فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك أمدد يدك نبايعك.

فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيّدها بشير ، وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد ، أكبّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزحمة ، وهو بينهم على فراشه مريض.

٣٥

فقال : قتلتموني ، قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله ، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال : والله يا بن صهّاك ، الجبان في الحرب ، والفرّار الليث في الملا والأمن ، لو حرّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة.

فقال أبو بكر : مهلا يا عمر مهلا ، فإنّ الرفق أبلغ وأفضل ، فقال سعد : يا بن صهّاك الحبشية ، أما والله لو أنّ لي قوّة النهوض ، لسمعتها منّي في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولالحقّنكما بقوم كنتما فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما.

ثمّ قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر ، أن قد بايع الناس فبايع ، فقال : لا والله حتّى أرميكم بكُلّ سهم في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما أقلّت يدي ، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ، ثمّ وأيم الله لو اجتمع الجنّ والأنس عليّ لما بايعتكما ، أيّها الغاصبان حتّى أعرض على ربّي ، وأعلم ما حسابي.

فلمّا جاءهم كلامه ، قال عمر : لا بدّ من بيعته ، فقال بشير بن سعد : إنّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه فليس تركه بضائر ، فقبلوا قوله وتركوا سعداً ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم ، فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر ، ثمّ ولي عمر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً.

وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله ، وزعم أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً أنّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل له عليه ، وروي أنّه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد » إلى نهاية كلامهقدس‌سره .

٣٦

الشطرنج :

( حمد النصّار ـ الكويت ـ )

سبب تحريمها :

س : ما هو سبب تحريم الشطرنج؟ مع أنّها قد تفيد الإنسان ذهنياً عن طريق التفكير ، ونفسياً عن طريق الترفيه ، وشتّان بين الضرر الذي يسبّبه السجائر والضرر الذي يسبّبه الشطرنج؟ ومع ذلك لم يحرّم علماؤنا السجائر مع ثبات الضرر الذي تحقّقه ، أفيدونا يرحمكم الله؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، أي يجب العمل بها تعبّداً ، سواء في ذلك توصّلنا إلى فلسفة الأحكام أو لم نتوصّل ، بل حتّى تلك الأحكام التي توصّلنا إلى فلسفتها ، فهي لا تعبّر بالضرورة الفلسفة الحقّيقية للحكم ، بل تعبّر عن بعض ما توصّلنا إليه.

ويعتبر تحريم الشطرنج من هذا القبيل ، فهو حكم تعبّدي ، حتّى فسّرت آية( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ ) (١) بالشطرنج ، كما ورد في الكثير من الأحاديث(٢) .

____________

١ ـ الحجّ : ٣٠.

٢ ـ أُنظر : الكافي ٦ / ٤٣٥ ، دعائم الإسلام ٢ / ٢١٠ ، من لا يحضره الفقيه ٤ / ٥٨ ، معاني الأخبار : ٣٤٩ ، تفسير القمّي ٢ / ٨٤.

٣٧

ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر الله ، حتّى أنّه قيل : أنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

وكما قلنا لك : الأحكام تعبّدية ، وما ذكر من الأسباب مجرّد احتمال.

هذا ، وبالأخص إذا عدّ عرفاً الشطرنج من آلات القمار ، والمؤمنون لا يقتربون آلة تعدّ عرفاً من آلات القمار التي يقامر بها من لا دين له ، ويكون كتحريم الجلوس على مائدة فيها خمر ، وإن كان الجالس لا يشرب الخمر.

( أحمد ـ العراق ـ ٢٩ سنة ـ طالب حوزة )

مصادر حرمتها :

س : لدي سؤال لو سمحتم :

١ ـ هل من الممكن أن تدلّونا على أسماء الكتب التي تذكر فلسفة تحريم الشطرنج؟ ويا حبّذا لو تدلّونا على مواقعها في الإنترنت.

٢ ـ تفضّلتم قائلين : ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر الله ، حتّى أنّه قيل : إنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

فيا حبّذا لو تذكروا لنا المصدر في ذلك ، مع جزيل الشكر ، ووفّقكم الله لما يحبّ ويرضى.

٣٨

ج : لقد ذكرت مسألة حرمة الشطرنج في المكاسب المحرّمة عند أغلب بحوث علمائنا ، كما وردت عن المعصومينعليهم‌السلام روايات كثيرة في تلك المسألة ، فارجع إلى الكتب الآتية : « المكاسب المحرّمة» للسيّد الخميني ، « مصباح الفقاهة» للسيّد الخوئي ، كتاب « المكاسب» للشيخ الأنصاري ، « جواهر الكلام» للشيخ الجواهري ، « الكافي» للشيخ الكليني ، « من لا يحضره الفقيه» للشيخ الصدوق ، « وسائل الشيعة» للشيخ الحرّ العاملي ، « بحار الأنوار» للعلاّمة المجلسي(١) .

أمّا ما يتعلّق بسبب تحريم الشطرنج ، فكما تعرف قد ذكرنا ما يتعلّق بالموضوع في موقعنا ، وما ذكر ما هي إلاّ استنتاجات مستفادة من أقوال بعض الرواة والعلماء ، والسيّد الخميني لم يحلّل الشطرنج الذي هو من آلات القمار ، بل قالقدس‌سره : « إنّ الشطرنج إن كان قد خرج عن كونه من آلات القمار جاز اللعب به» ، وهذه قضية تعليقية شرطية ، أي أنّ حرمة الشطرنج ترتفع إذا تبدّل العنوان وصار الشطرنج ليس من آلات المقامرة ، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.

( جواد ـ السعودية ـ )

حكم اللعب بها وبالنرد :

س : إن سمحتم لدي سؤال وهو : من المعروف أنّ النرد والشطرنج من المحرّمات ، وسمعت أنّ هنالك حديث ينصّ على أنّ اللعب بالنرد مثل الزاني بفرج أُمّه؟ فما مدى سند هذا الحديث وصحّته؟ علماً بأنّي سمعت من أحد الأشخاص يقول : بأنّ سند هذا الحديث غير صحيح ، أو أنّه ضعيف ، أفيدونا أفادكم الله.

____________

١ ـ مأساة الزهراء ١ / ١٦٢.

٣٩

ج : الآلات التي يلعب بها بعض منها ورد نصّ على تحريمها ، وبعض لم يرد نصّ.

أمّا الآلات التي لم يرد نصّ على تحريمها ، فاللعب بها مع الرهان حرام قطعاً ، وأمّا بدون الرهان ، فإن كان اللعب بها في الأعم الأغلب مع الرهان بحيث سمّيت عرفاً آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان حرام قطعاً ، وإن كان العرف لا يسمّيها آلة قمار ، فإنّ اللعب بها بدون رهان جائز شرعاً.

وأمّا الآلات التي ورد نصّ في تحريمها ـ كالنرد والشطرنج ـ فمشهور العلماء يذهب إلى أنّ موضوع الحرمة هو نفس الآلة ، مع غض النظر عن صدق القمارية عليه وعدمه ، وعليه يحرم اللعب بها مطلقاً.

ولكن ذهب بعض إلى أن موضوع الحرمة هو صدق القمارية عرفاً ، فإذا كان العرف لا يعدّها آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان جائز ، وإن اختلفوا في كيفية الصدق العرفي لخروج الآلة عن اسم القمار.

فذهب بعض إلى أنّ الآلة لا يمكن أن تخرج عرفاً عن اسم القمار ، إلاّ بعد أن يترك الجميع اللعب بها مع الرهان ، فلو كان شخص واحد يلعب بها مع الرهان ، فالآلة عرفاً تبقى على اسم القمار ، ويحرم اللعب بها من دون رهان.

وبعض ذهب إلى أنّ الأعم الأغلب إذا ترك اللعب بها مع الرهان ، فعرفاً تخرج عن اسم آلة القمار ، ويكون حكمها كالخمر إذا انقلب خلاً.

هذا هو موجز تفاصيل المسألة ، وعلى كُلّ فرد أن يرجع في هذه المسألة إلى مرجع تقليده ، والاحتياط في الاجتناب عن اللعب بالآلات التي ورد فيها النصّ على الحرمة ـ كالنرد والشطرنج ـ لا يترك.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303