العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة0%

العلويون بين الاسطورة والحقيقة مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 368

  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100523 / تحميل: 11183
الحجم الحجم الحجم
العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال أيضاً: (إنّ المذيع ليس كقاتلنا بسيفه، بل هو أعظم وزراً، بل هو أعظم وزراً، بل هو أعظم وزراً)(1) .

وعقيدة الشيعة في التقية، استغلّها مَن أراد التشنيع على الشيعة، فجعلوها من جملة المطاعن فيهم(2) .

وكذلك:

- القول: (علي في السحاب)....

3- القول باعتقاد النصيرية باثني عشر نقيباً، وبخمسة أيتام.

فالاثنا عشر نقيباً هم الأئمة الاثنا عشر، والاعتقاد بهم هو اعتقاد الشيعة الإمامية، عن الشعبي عن مسروق قال: (بينا نحن عند ابن مسعود نعرض عليه مصاحفنا، إذ قال له فتى: هل عهدَ إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة، قال له: إنّك لَحَديث السِن وإنّ هذا الشيء ما سَألني عنه أحد قبلك! نعم، عهدَ إلينا (صلّى الله عليه وسلّم) أنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل)(3) .

وقال الصادقعليه‌السلام (4) : (روى بإسناد صحيح سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فلمّا نظرَ إليّ قال (صلّى الله عليه وسلّم): (يا سلمان، إنّ الله عزّ وجلّ لن يبعث نبياً ولا رسولاً إلاّ وله اثنا عشر نقيباً.

قال: قلت: يا رسول الله، عرفتَ هذا من أهل الكتابين؟

قال: يا سلمان، هل عرفتَ نقبائي الاثنا عشر الذين اختارهم الله تعالى للإمامة من بعدي؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: يا سلمان، خَلَقني الله تعالى من صفوة نوره ودعاني فأطعتهُ، فخلقَ من نوري علياً ودعاه فأطاعه، فخَلقَ من نوري ونور علي فاطمة، ودعاها

____________________

(1) المرجع السابق.

(2) عقائد الإمامية: محمد رضا المظفر.

(3) المضامير: عبد الحسين الصادق.

(4) مصباح الشريعة: جعفر الصادق.

٢٠١

فأطاعته، فخلقَ مني ومن علي وفاطمة الحسن والحسين، فدعاهما فأطاعاه. فسمّانا الله تعالى بخمسة أسماء من أسمائه، فالله تعالى المحمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله الفاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين. وخلقَ من نور الحسين تسعة أئمة فدعاهم، فأطاعوه من قبل أن يخلق الله تعالى سماء مبنية، وأرضاً مدحية، أو هواء، أو مَلكاً، أو بشراً. وكنّا أنواراً نسبّحهُ ونسمع له ونطيع.

قال: فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ما لِمن عرفَ هؤلاء حقّ معرفتهم؟

فقال: يا سلمان، مَن عَرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم، فوالاهم وتبرّأ من عدوّهم، كان - والله - منّا، يرد حيث نرد ويَكُنُّ حيث نُكِنُّ. فقلت: يا رسول الله، فهل إيمان بغير معرفتهم بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال: لا يا سلمان. قلت: يا رسول الله، فأنّى لي بهم. فقال (صلّى الله عليه وآله سلّم): قد عرفتَ إلى الحسينعليه‌السلام ؟ قلت: نعم.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ثمّ سيد العابدين علي بن الحسين، ثمّ ابنه محمد بن علي، باقر علم الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثمّ جعفر بن محمد لسان الله الصادق، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبر في الله تعالى، ثمّ علي بن موسى الرضا الراضي بسرّ الله تعالى، ثمّ محمد بن علي المختار من خلق الله، ثمّ علي بن محمد الهادي إلى الله، ثمّ الحسن بن علي الصامت الأمين على سرّ الله، ثمّ م ح م د سمّاه بابن الحسن الناطق القائم بحق الله تعالى).

قال سلمان: فبكيتُ ثمّ قلت: يا رسول الله، إنّي مؤجّل إلى عهدهم؟

قال: يا سلمان، اقرأ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً * ثمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) .

قال (رضي الله عنه): فاشتدّ بكائي وشوقي، قلت: يا رسول الله، أبعهدٍ منك.

قال: إي والذي بَعثني وأرسلني لبعهدٍ مني، وبعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وتسعة أئمة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، وبك، ومَن هو منّا ومظلوم فينا، وكلّ مَن محضَ الإيمان محضاً. إي والله يا سلمان، ثمّ ليحضرنّ إبليس وجنوده وكلّ مَن محضَ الكفر محضاً، حتى يؤخذ بالقصاص والأوتار والتِرات، ولا يظلم ربّك أحداً، ونحن تأويل هذه الآية:( وَنُرِيدُ أَن

٢٠٢

نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) .

قال سلمان: فقمتُ من بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما يبالي سلمان كيف لقي الموت أو لقاه).

4 - إنّ الحسين بن حمدان الخصيبي - الذي يعتبره الكثيرون شيخ النصيرية - هو أحد المصنّفين في فقه الإمامية.

5 - يستفاد من أقوال المؤرّخين حول الحملة الكسروانية التي جرت سنة 705هـ - بتحريض من ابن تيمية - أنّه (رفعت أيدي الرافضة) من تلك الجبال.

والرافضة: لقب عُرِفت به الشيعة فقط من بين مختلف المذاهب الإسلامية.

6 - الأيتام الخمسة هم: المقداد بن أسود الكندي، وأبو ذر الغفاري، وعبد الله بن رواحة الأنصاري، وعثمان بن مظعون النجاشي، وقنبر بن كادان الدوسي، هم من أعيان صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن رجال الشيعة الأوائل.

وكان الغرض من إطلاق اسم (نصيرية) على الشيعة الإمامية: الطعن في الشيعة والتشكيك في عقيدتها، وتشويه سمعة التشيّع وحشر الأباطيل في تعاليمه، وإدخال المنتسبين إلى الشيعة في عداد الفِرَق الضالّة. وهذا ما يفسّر التفنّن في تقسيم الشيعة إلى عدد كبير من الفِرَق، أوصلها البعض إلى أكثر من ثلاثمئة فرقة. وهذا ما يفسّر - أيضاً - الطعن في رجالات الشيعة واتهامهم بالغلو والإلحاد، خدمة لأغراض السياسة، وقد بيّنا نوعية هذه الاتهامات، وتحدّثنا عنها وعن جذورها التاريخية.

ولأنّ هناك بعض نقاط التشابه ما بين أقوال الشيعة وأقوال

٢٠٣

الإسماعيلية، فإنّ المؤرّخين القدامى عندما تحدّثوا عن النصيرية، خلطوا ما بينها وبين الإسماعيلية من حيث لا يدرون، وجاراهم في ذلك أغلبية المؤرّخين المعاصرين.

* * *

٢٠٤

النصيريةُ بين الغنوصية والعلي الَّهية والبكتاشية

تحت تأثير كتابات المستشرقين عن الفِرق الإسلامية، أخذنا نقرأ كلمات تَعتبر (غلاة الشيعة) من الغنوصية، كما نقرأ كلمات تَعتبر النصيرية هي (العلي الَّهية).

وهذا يحتّم علينا البحث في الغنوصية، والعلي الَّهية، ونقارن ما بين أقوال كلّ منهما مع أقوال النصيرية.

الغنوصية:

من المصطلحات التي دخلت إلى لغتنا العربية، وشاعَ استعمالها في الكتابات الفلسفية بخاصة، مصطلح غامض، هو غنص (gnose ) وغنوصية (gnostieisme ).

وكلمة(غنص) : تعني في اللغة العربية ضيق الصدر، ويبدو أنّ العاملين في مجالَي الثقافة والفكر عندنا، عجزوا عن إيجاد ما يقابل كلمة (gnose ) و(gonstieisme )، فنقلوها إلى لغتنا العربية بلفظها الأجنبي.

ونظراً لعدم اتفاقهم على صيغة واحدة لهذه الكلمة، فقد تعدّدت

٢٠٥

مترادفاتها التي تؤدي إلى معناها: غنوصية، غنوتيسية، غنوستيسية، غنوسطية، الأدرية، العرفانية، الإشراقية أو اللاأدرية، المعرفة، مذهب العرفان...

وغنوص وغنوصية، هي الأكثر استعمالاً.

وكان الدكتور حسن إبراهيم ومحمد زكي إبراهيم، أول مَن تحدّثا عن الغنوصية من المؤلّفين العرب، وذلك في هامش الصفحة (75) من الترجمة العربية لكتاب فان فلوتن (السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات) المطبوع في سنة 1934م. بَيْد أنّهما لم يستعملا لفظة غنوصية، في مقابل كلمة (gnostieisme )، بل ترجما هذه الكلمة بمعنى (الإشراقية أو اللاأدرية). أمّا أول مَن استعملَ لفظة (غنوطسية)، فهو محمد عبد الهادي أبو ريدة، في هامش الصفحة (12) من الترجمة العربية لكتاب دي بور (تاريخ الفلسفة في الإسلام) المطبوع سنة 1938م.

وإذا تتبّعنا أقوال مؤلّفينا عن الغنوصية، رأيناها تبتعد عن بعضها البعض، وتختلف اختلافاً كبيراً، بحيث يبدو مصطلح (غنوصية) لِمن يقرأ هذه المؤلّفات، غامضاً، مبهماً، ويطول بنا الحديث، إذا تتبّعنا كلّ ما كُتب عن الغنوصية. لذلك سنكتفي بما ذكرَ عنها في المعاجم والموسوعات العربية اختصاراً للوقت.

* يقولمجدي وهبه في (معجم مصطلحات الأدب):

(الغنوصية: مذهب تلفيقي يجمع بين الفلسفة والدين، ويقوم على أساس فكرة الصدور ومزج المعارف الإنسانية بعضها ببعض، ويشتمل على طائفة من الآراء المضنون بها على غير أهلها، وفيه تلتقي الأفكار القبالية بالأفلاطونية الحديثة، وبعض التعاليم الشرقية: كالمزدكية، والمانوية، وكان له أثره في التفكير الفلسفي في المسيحية والإسلام).

* ويقولمحمد شفيق غربال في (الموسوعة العربية الميسّرة):

٢٠٦

(غنوصية نسبة إلى غنوصيص، أي المعرفة. وهي حركة فلسفية ودينية نشأت في العصر الهلينستي، وأساسها: أنّ الخلاص يتمّ بالمعرفة أكثر ممّا يتمّ بالإيمان والأعمال الخيّرة. ويقول الغنوصيون بالثنائية، أي بالتمييز بين الخير والشر، المعتبرين عنصرَين أساسيين للوجود، وأدمجوا في تعاليمهم شيئاً من السحر والشعوذة.

تأثّرت بالغنوصيين بعض الفِرَق اليهودية، مثل: الأسينيين الذي رفضوا فكرة الإله العادل، واستبدلوا لها الحكمة الإلهية. ونبذت الغنوصية المسيحية الأولى الأُسس اليهودية للمسيحية، وكذلك العهد القديم، ونادت في القرن الثاني بأنّ الخلاص يتم عن طريق الحكمة (صوفيا)، وقسّمت الناس إلى ثلاث طبقات: الغنوصيون وخلاصهم مضمون، والمسيحيين غير الغنوصيين، ويمكنهم أن يُخلصوا أنفسهم بالإيمان، ومَن عدا هؤلاء وأولئك هالكون.

وانتهى الأمر بالغنوصية إلى إدماجها في المانوية، بقية من الغنوصية استمرّت إلى اليوم. كان للغنوصية أثرها في المسيحية، فقد حَملتها على تجديد العقيدة ومحاربة الهرطقة والإلحاد. ومعلوماتنا عن الغنوصية مستمدّة في أغلبها من نصوص قبطية وجِدت بنجع حمادي، وبعض كتب الحكمة المستمدّة من السودييروفا).

* وعن الغنوصية، يقول الدكتورجميل صليبا في (المعجم الفلسفي):

العرفان: هو العلم بأسرار الحقائق الدينية، وهو أرقى من العلم الذي يحصل لعامة المؤمنين أو لأهل الظاهر من رجال الدين. والعرفاني (gnostique ): هو الذي لا يقنع بظاهر الحقيقة الدينية، بل يغوص على باطنها لمعرفة أسرارها: كالعارفين من اليهود، والأفلوطينيين، والمسيحيين وغيرهم. وهم خمس فِرق: 1 - الفلسطينيون، 2 - والسريانيون، 3 - والمصريون، 4 - والآسيويون، 5 - وأنصار الأفلاطونية الحديثة الذي أخذوا بنظرية

٢٠٧

التوفيق بين العقائد المختلفة.

ويُطلق اسم العرفانية أو الغنوصية (gnostieisme ) على المذهب الذي انتشرَ في القرنين الثاني والثالث للميلاد، وامتدّ بطريق الأفلاطونية الحديثة إلى فلاسفة الإسلام، وخلاصته: أنّ العقل البشري قادر على معرفة الحقائق الإلهية، وأنّ الحقيقة واحدة وإن اختلف تعليمها، وأنّ الموجودات فاضت عن الواحد ولها مراتب مختلفة أعلاها مرتبة العقول المفارقة، وأدناها مرتبة المادّة التي هي مقرّ الشر والعدم.

أمّا النفس التي هبطت إلى هذا العالم، فإنّه لا خلاصَ لها إلاّ بالمعرفة، بل الخلاص بالمعرفة أفضل من الخلاص بالإيمان والأعمال الصالحة. ومع أنّ بعض العرفانيين يقولون بالاثنينية ويمزجون تعليمهم بشيء من الوهم والخيال، فإنّ العرفانية المسيحية تقول: إنّ الخلاص لا يتم إلاّ بطريق الحكمة. وللناس في نظرهم ثلاث مراتب: أولاها مرتبة العارفين وخلاصهم بالحكمة، وثانيتها مرتبة المؤمنين وخلاصهم بالإيمان، وثالثتها مرتبة الجهّال وهم هالكون لا محالة. وكلّ مذهب يزعم أنّه يمكن تفسير حقائق الوجود تفسيراً عقلانياً فهو مذهب عرفاني...).

ولمـّا كان ثَمَّة مَن يشير صراحة إلى أنّه تلتقي في الغنوصية الأفكار القبالية بالأفلاطونية الحديثة، وبعض التعاليم الشرقية: كالمزدكية، والمانوية، فقد باتَ من الضروري الوقوف عند أقوال كلّ من: المزدكية، والمانوية، والأفلاطونية الحديثة، ومقارنتها بأقوال الغنوصيين للتثبّت من صحّة هذا الزعم.

المانوية:

أهم مرجع في العربية عن المانوية هو:(الفهرست) لابن النديم (ت 483هـ)، الذي بسطَ القول في هذا المذهب، وفصّله تفصيلاً وافياً.

وابن النديم يسمّي مذهب ماني (المنانية)، وهو ينقل ما كتبهُ عن هذا المذهب عن محمد بن إسحاق، قال ماني: إنّ مبدأ العالَم كونين: أحدهما

٢٠٨

نور، والآخر ظلمة، كلّ واحد منهما منفصل عن الآخر. فالنور هو العظيم الأول ليس بالعدد، وهو الإله ملك جنان النور، وله خمسة أعضاء: الحلم، والعلم، والعقل، والغيب، والفطنة. وخمسة أُخر روحانية، وهي: الحب، والإيمان، والوفاء، والمروءة، والحكمة. وزعمَ أنّه بصفاته هذه أزلي. ومعه شيئان اثنان أزليان: أحدهما الجو، والآخر الأرض. وأعضاء الجو خمسة: الحلم، والعلم، والعقل، والغيب، والفطنة. وأعضاء الأرض: النسيم، والريح، والنور، والماء، والنار.

والكون الآخر هو الظلمة، وأعضاؤها خمسة: الضباب، والحريق، والسموم، والسم، والظلمة. وذلك الكون النيّر مجاور للكون المظلم، ولا حاجز بينهما، والنور يلقي الظلمة بصفحته، ولا نهاية للنور من علوه، ولا يمنته، ولا يسرته، ولا نهاية للظلمة في السفل، ولا اليمنة، ولا اليسرة.

ومن تلك الأرض المظلمة كان الشيطان، فلمّا تكوّن هذا الشيطان من الظلمة تسمّى إبليس القديم:ازدرد، واسترط، وأفسد، ومرّ يمنة ويسرة، ونزلَ إلى السفل في كل ذلك يُفسد ويُهلك مَن غالَبه. ثمّ إنّه رامَ العلو فَعلِمت الأرض النيّرة بأمر الشيطان، وما هم به من القتال والفساد. فلمّا عَلِمت به، عَلِم به عالم الفطنة، ثمّ عالم العلم، ثمّ عالم الغيب، ثمّ عالم العقل، ثمّ عالم الحلم، ثمّ عَلم به ملك جنان النور فاحتالَ لقهره، وأراد أن يتولّى ذلك بنفسه فأولدَ - بروح يمنته، وبخمسة عاليه وبعناصره الاثني عشر - مولوداً، هو الإنسان القديم، ونَدَبه لقتال الظلمة. وتدرّع الإنسان القديم بالأجناس الخمسة، وهي الآلهة: النسيم، والريح، والنور، والماء، والنار، واتّخذهم سلاحاً. وعمدَ إبليس إلى أجناسه الخمسة، وهي: الدخان، والحريق، والظلمة، والسموم، والضباب، فتدرّعها وجعلها جنّة له ولقيَ الإنسان القديم. فاقتتلوا مدّة طويلة، واستظهرَ إبليس القديم على الإنسان القديم واسترط من نوره، وأحاطَ به مع أجناسه وعناصره، وأتبعهُ ملك جنان النور بآلهة أُخر (حبيب الأنوار) واستنقذه واستظهرَ على الظلمة. فلمّا شابك إبليس القديم بالإنسان القديم بالمحاربة، اختلطَ من أجزاء النور الخمسة بأجزاء الظلمة الخمسة، وأمرَ ملك عالَم النور بعض ملائكته بخلق هذا العالَم وبنائه من تلك الأجزاء الممتزجة، لتخلّص تلك الأجزاء النورية من الأجزاء الظلمية، فبنى عشر

٢٠٩

سماوات وثماني أرضين، ووكل مَلكاً يحمل السماوات، وآخر يرفع الأرضين. وجعلَ لكل سماء أبواباً اثني عشر، كل واحد من الأبواب بإزاء صاحبه وقبالته، ووصلَ الجو بأسفل الأرضين على السماوات، وجعلَ حول هذا العالم خندقاً، ليطرح فيه الظلام الذي يستصفى من النور، وجعلَ خلف ذلك الخندق سوراً لكي لا يذهب شيء من تلك الظلمة المفردة عن النور.

وبحسب شريعة "ماني" ينبغي للذي يريد الدخول في الدين أن يمتحن نفسه، فإن رآها تقدر على قمع الشهوة والحرص، وترك أكل اللحمان، وشرب الخمر والتناكح، وتركَ أذية الماء والنار والسحر والرياء، فليدخل الدين. وإن لم يقدر على ذلك كلّه، فلا يدخل في الدين. وإن كان يحبّ الدين ولم يقدر على قمع الشهوة والحرص، فليغتنم حفظ الدين والصدّيقين، ولكن له بإزاء أفعاله القبيحة أوقات يتَّجر فيها للعمل والبرّ والتهجّد والمسألة والتضرّع، فإنّ ذلك يقنعه في عاجله وآجله، ويكون صورته الصورة الثانية في المعاد.

وقد فرضَ "ماني" على أصحابه عشر فرائض على السماعين ويتبعها ثلاث خواتيم، وصيام سبعة أيام أبداً في كل شهر. فالفرائض هي الإيمان بالعظائم الأربعة: الله، ونوره، وقوّته، وحكمته. فالله جلّ اسمه ملك جنان النور، ونوره الشمس والقمر، وقوّته الأملاك الخمسة، وهي: النسيم والريح والنور والماء والنار. وحكمته الدين المقدّس، وهو على خمسة معانٍ: المعلّمين أبناء الحلم، المشمسين أبناء العلم، القسّيسين أبناء العقل، الصدّيقين أبناء الغيب، السمّاعين أبناء الفطنة. والفرائض العشر: ترك عبادة الأصنام، ترك الكذب، ترك البخل، ترك القتل، ترك الزنا، ترك السرقة، وتعليم العِلل والسحر، والقيام بهمَّتين: وهو الشك في الدين والاسترخاء والتواني في العلم.

المزدكية:

وهم أصحاب مزدك، أمرَهم بتناول اللذات والانعكاف على بلوغ الشهوات والأكل والشرب والمواساة والاختلاط، وترك الاستبداد بعضهم

٢١٠

على بعض، ولهم مشاركة في الحرم والأهل، لا يمتنع الواحد منهم من حرمة الآخر ولا يمنعه. ومع هذه الحال فيرون أفعال الخير، وترك القتل، وإدخال الآلام على النفوس، وإذا ضافوا إنساناً لا يمنعوه من شيء يلتمسه كائناً ما كان(1) .

حكى الورّاق(2) : إنّ قول المزدكية كقول كثير من المانوية في الكونين والأصلين، إلاّ أنّ مزدك كان يقول: إنّ النور يفعل بالقصد والاختيار، والظلمة تفعل على الخبط والاتفاق، والنور عالَم حسّاس والظلام جاهل أعمى، وإنّ المزاج كان على الاتفاق، والخبط لا بالقصد والاختيار، وكذلك الخلاص إنّما يقع بالاتفاق دون الاختيار.

ومذهبهُ في الأصول والأركان أنّها ثلاثة: الماء والأرض والنار. ولمـّا اختلطت حدَث عنها مدبّر الخير ومدبّر الشر، فما كان من صفوها فهو مدبّر الخير، وما كان من كدرها فهو مدبّر الشر. وروى عن مزدك: أنّ معبوده قاعد على كرسيه في العالم الأعلى، وبين يديه أربع قوى: قوى التمييز، والفهم، والحفظ، والسرور. وتلك الأربع يدبّرون أمر العالم بسبعة من ورائهم، وهذه السبعة تدور في اثني عشر روحانيين، وكلّ إنسان اجتمعت له هذه القوى الأربع والسبع والاثنا عشر، صارَ ربّانياً في العالم السفلي وارتفعَ عنه التكليف.

وشتّان ما بين المانوية والمزدكية، فعلى حين أنّ المزدكية مذهب إباحي يَطلق العنان للشهوات ويبيح الزنا، فإنّ المانوية على العكس من ذلك، تقوم على قمع الشهوات وترك التناكح والزنا، هذا إلى جانب الاختلافات الكثيرة الأُخرى.

____________________

(1) ابن النديم: الفهرست.

(2) الشهرستاني: الملل والنحل.

٢١١

الأفلاطونية الجديدة: Neo – platonistes, Neo-platonisme

الأفلاطونية الجديدة أو الحديثة، أو المحدَثة، أو المستحدَثة: هي محاولة لوضع فلسفة دينية أو دين مفلسف، وهي مذهب قام على أصول أفلاطونية، وتمثّل عناصر من جميع المذاهب: فلسفية ودينية، يونانية وشرقية، بما في ذلك السحر والتنجيم والعرافة(1) . ويمثّل هذا المذهب: نومينوس، أمونيوس، ساكاس، أفلوطين، فرفو ريوس، يا مبليخوس، أبروقلوس.

ويمكن تقسيم فلسفة أفلوطين إلى أقسام:

الأول: نظرية الفيض، النفس الإنسانية، الاتحاد، العالم المحسوس(2) .

وزبدة تعاليم الأفلاطونية الجديدة: أنّ العالَم بما فيه يُشتق من الله ويرجع إليه، وفوق جميع الموجودات يوجد (الواحد)، وليس هو كائن محدود، ولا فكر محدود، ولكنّه شيء فوق الكائنات والأفكار، وبتمخّض داخلي ضروري اشتقّ منه الروح، محور الأفكار الإلهية، ومن الروح انبثقت نفس الكون العامة التي تُحيي وتنظّم وتحرّك سائر الكائنات، وهذه الكائنات تنبثق من الواحد بتمخّض داخلي دائم ؛ لأنّها ليست إلاّ لمعان النفس الإلهية العامة للكون كلّه، وهذه الكائنات تحِن دائماً للرجوع إلى الله، فالامتزاج بذاته الأزلية(3) .

وما دمنا بصدد الحديث عن الأفلاطونية الجديدة، فلابدّ من الإشارة إلى أنّ فكرة الصدور - التي هي فكرة غنوصية شرقية - كانت واسعة الانتشار في عهد أفلوطين، لكن هناك فرقاً بين صدور أفلوطين وصدور الغنوصيين. فالغنوصيون(4) لم يبيّنوا كيفية هذا الصدور، بل عمدوا إلى الرمزية

____________________

(1) يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية.

(2) أحمد أمين وزكي نجيب محمود: قصّة الفلسفة اليونانية.

(3) الأب نعمة الله العنداري: تاريخ الفلسفة العربية.

(4) المرجع السابق.

٢١٢

والأسطورة والتهاويل والتصوّرات الغامضة، إذ هم يشبّهون الصدور بعملية الولادة، ويتحدّثون عنه بتعابير مأخوذة من لغة الولادة، وبهذا تفوّقَ عليهم أفلوطين، فقد استطاعَ أن يبيّن لنا في دقّة وإحكام كيفية صدور الموجودات عن الأول، ونشوء الكثرة عن الواحد، وتسلسل الموجودات بعضها عن بعض، وأن يرتّب ذلك كلّه في نظام منطقي معقول كأنّه نسج واحد محكم الأجزاء(1) .

النتيجة التي نصل إليها، هي: أنّ مؤلِّفينا - وهذا أمرٌ يؤسف له - عندما انبروا للحديث عن الغنوصية، أخذوا أقوال المستشرقين كما هي في مظانّها، وفي دوائر المعارف الأجنبية، ونقلوها على علاّتها من دون تدقيق، ومن دون الوقوف على خلفيات هذه الأقوال والقصد منها، فوقعوا من حيث لا يدرون في أحابيل المستشرقين، وانطلت عليهم مراميهم التي قصدوا منها ربط جذور الفكر العربي - بشتّى مناحيها - بجذور وثنية ويهودية.

عقيدة العلي الَّهية:

يدين بهذه العقيدة أقوام من: كردستان الشرقي، وزهاب، وخوزستان، ونظراً لأنّ هؤلاء يؤلّهون علياً، فقد سُمّيت نِحلتهم بـ(العلي الَّهية).

ويقول هؤلاء(2) : بما أنّ سيدنا جبريل ظهرَ في صورة دحية الكلبي، فإنّ هذا يدلّ على إمكان ظهور الروحانية في ثوب الجسمانية، وصارَ من الجائز أن يحلّ الله سبحانه وتعالى في صورة جسمانية، فحلّ سبحانه وتعالى في جسم سيدنا عليعليه‌السلام تفضّلاً منه على الإنسانية.

ويعتقد العلي الَّهية: بأنّ النبي محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُرسل إلى البشر هادياً من قِبل علي، وأنّ القرآن المتداول بين الناس لا يُعتدّ به ؛ لأنّه ليس القرآن الذي أوحاه عليعليه‌السلام

____________________

(1) الدكتور محمد عبد الرحمان مرحبا: من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الإسلامية.

(2) محمد أمين زكي بك: خلاصة تاريخ الكرد والكردستان.

٢١٣

إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كما يعتقدون: أنّ علياً رُفعَ إلى السماء حتى اندمجَ في الشمس، فلذا يقولون: إنّ الشمس لا تتحرّك ولا تصدر إلاّ بأمر عليعليه‌السلام الذي هو عين الشمس، فيطلقون على الشمس (علي الله)، وعلى الفلك الرابع (دلدل)، اسم الجواد الذي كان يركبه سيدنا عليعليه‌السلام (1) .

وعندهم قَتل الكائنات الحيّة غير جائز، وأكل اللحوم حرام ؛ لأنّ علياً الله قال: لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات.

وعلى رأي العلي الَّهية: أنّ روح الإلوهية حلّت على التوالي في أبدان بعض الأشخاص مثل: بنيامين، موسى، إلياس، داوود، عيسى، علي وخلفائه: سلمان الفارسي، والإمام الحسين، وهفت تن أي: الرجال السبعة، فما هؤلاء الأشخاص إلاّ أرواح إلهية متجسّدة.

وعندهم غير هذا أولياء كثيرون يعتبرونهم ممثّلين ووكلاء لخالق الكائنات، حيث يقدّسونهم ويقدّمون لهم الطاعات والعبادات.

البكتاشية:

أمّا البكتاشية، فقد اعتُبروا من غلاة الشيعة(2) يؤلّهون علياً، ويذمّون أبا بكر وعمر وعثمان، ويعترفون بالأئمة الاثني عشر، ويبجّلون من بينهم بصفة خاصة الإمام جعفر الصادق، وينظرون بعين الإكبار إلى الشهداء الأربعة عشر وجلّهم من آل علي (معصوم باك) أي: الأطفال الأبرياء الأطهار.

والبكتاشية يجلّون قبور الأولياء، إلى حد أنّهم يضعون الدعاء لهم في مرتبة الشعائر الدينية. وعندهم عقيدة التثليث، وقد أحلّوا فيها علياً مكان

____________________

(1) دبستان مذاهب.

(2) دائرة المعارف الإسلامية، ج7.

٢١٤

عيسى (الله، محمد، علي)(1) ، ومن النادر أن تجد عندهم أسماء أبي بكر وعمر وعثمان. وهم يعتبرون الجنّة والنار من اختراع الفقهاء، ويصومون ثلاثة أيام في رمضان، ولكنّهم يصومون تسعة أيام أخرى في شهر محرّم، وتقول الشهادة لديهم:(لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، وعلي ولي الله) .

وتبيح شريعتهم شرب الخمر، وقد أقرّ مؤتمرهم الكبير المنعقد في سنة 1921، ألاّ تزيد الخمر التي تُشرب قبل النوم عن كمية معيّنة.

ويؤمنون كذلك بتقمّص الأرواح وبأنّ للحيوان روحاً، ويصلّون في مكان خاص ليس بالمسجد (عبادة خانه)، حيث تُشعل (12) قنديلاً رمزاً عن الأئمة، ولا يتوضئون أو يركعون أو يسجدون، بل يجلسون حول الدرويش وينحنون على فترات منتظمة.

على ضوء ما تقدّم، يمكننا القول:

إنّ النصيرية - بالاستناد إلى الأقوال التي وصلتنا عنها - ليس غنوصية ؛ لاختلاف مقالتها عن مقالة الغنوصية. لكنّها تشبه العلي الَّهية في نقطة واحدة فقط هي: القول بإمكان ظهور الروحاني بالجسد الجسماني.

أمّا بالنسبة للبكتاشية، فهناك تطابق شبه تام بين أقوالها وأقوال النصيرية، على الرغم من أنّ البكتاشيين يقولون عن أنفسهم إنّهم سنّيون.

* * *

____________________

(1) مجلّة دراسات عربية: العدد (5)، آذار 1980.

٢١٥

العلويون من خلال آثارهم

العلويون - كأي شعبٍ من الشعوب، أو أُمّة من الأمم - أنتجوا أدباً، شعراً كان أو نثراً، ضمنوه تاريخهم ومعتقداتهم، وقد رجعنا إلى كتاباتهم لنتعرّف منها على تاريخهم وأصلهم ومعتقداتهم:

1 - النثر:

وأوّل دراسة عن العلويين بقلم أحد رجالاتهم وصلت إلينا، هي ما كتبه محمد أمين غالب الطويل في كتابه الموسوم (تاريخ العلويين)، الذي نَشره أولاً باللغة التركية قبل عام 1919م، ثمّ نُشر ثانية باللغة العربية سنة 1925م.

وأوّل ما يلاحَظ: أنّ الأستاذ الطويل استعملَ كلمة علوي وشيعي ونصيري بمعنى واحد، وهذا ما يتّضح من فصول الكتاب التي تحدّث فيها عن: الإمام عند العلويين، ودولة الفاطميين العلوية، ودولة بني حمدان العلوية، وحكومة التنوخيين العلوية، وإبراهيم باشا المصري وتأثيره على العلويين، و...

ويبدو جلياً من فصول الكتاب أنّ الطويل حرصَ على توكيد فكرتين رئيسيتين هما: عروبة العلويين، وإسلاميَّتهم.

وحرصه على توكيد عروبة العلويين، جعلهُ يقصر كتابه على (العلويين

٢١٦

العرب نسباً)، وهذا ما عبّر عنه صراحة بقوله في الصفحة (12): (ولكنّني في تاريخي هذا لا أُطلق لفظة العلويين إلاّ على العلويين العرب نسباً (أي النصيرية). أمّا بقية فِرَق الشيعة، فسأطلقُ عليها أسماءها المعروفة المتداولة: كالزيدية، والإسماعيلية، والدرزية وغير ذلك. وفضلاً عن ذلك فتاريخي هذا لا يتناول البحث عن العلويين المنتمين إلى عناصر أخرى غير العناصر العربية، ولو كانت متحدة في عقائدها مع النصيرية: كعَلَويي خراسان وفارس، وعَلَويي الأتراك القاطنين في أذربيجان والألبانيين الطوسقة، وعلويي البلغار والروم إيلي وغيرها...).

ويقصد الطويل بالعلويين (العرب نسباً): الفرقة التي تابعت الباب السيد أبا شعيب، كما يستفاد من قوله: (إنّ العلويين بعد الأئمة اتخذوا الباب مرجعاً لهم، ولكنّهم لم يكونوا متّحدين في ذلك، لذلك انقسموا إلى ثلاثة أقسام أساسية هي:

1 - العلويون الذين هم موضوع هذا التاريخ، فهؤلاء بقوا تابعين للباب، أي للسيد أبي شعيب عمر البصري النميري...) ص200.

ويفهم ممّا جاء في (تاريخ العلويين): أنّ العلوية بدأت يوم بيعة غدير خم، وأنّ العلويين هم (عرب خلّص أجدادهم من: بني غسان، والتنوخيين، والفينيقيين من بني قحطان، والمحارزة، والمضرية، وبني ربيعة، ومن بني عدنان، وقليلاً من الجراكسة والأتراك) ص46.

وسبب تسميتهم بالنصيرية هي أنّه: (لمـّا فُتحت جهات بعلبك وحمص، استمدّ أبو عبيدة نجدة، فأتاه من العراق خالد بن الوليد، ومن مصر عمرو بن العاص، وأتاه من المدينة جماعة من العلويين وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم، وهم من الأنصار، وعددهم يزيد على أربعمئة وخمسين مجاهداً. ولمـّا وصلت هذه النجدة والتحقت بالجيش، نجحَ نجاحاً جزئياً، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة (نصيرة). وإذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأراضي التي يفتحها الجيش إلى ذلك الجيش نفسه، فقد سمّيت الأراضي

٢١٧

التي امتلكها جماعة (النصيرة)(جبل النصيرة) : وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن، ثمّ أصبحَ هذا الاسم عَلماً خاصاً لكلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى أنطاكية) ص 87.

وأول ما يلاحظه الباحث المدقّق: أنّ الطويل لم يتحدّث عن عقائد العلويين بشكل مستقل مترابط، وإنّما بثّها هنا وهناك في صفحات الكتاب وهو يعالج فكرة ما.

وما أُورده في هذا الصدد يكفي في إعطاء فكرة مجملة عن عقائد العلويين، ومنها:

1 - يقول العلويون: إنّ إيمان مَن آمنَ من قريش بعد التحاق عليعليه‌السلام بالنبي (صلّى الله عليه وسلّم) في قبا غير كامل، وإنّهم يعتبرون العباس نفسه غير كامل الإيمان ؛ لأنّه أسلمَ بعد التحاق عليعليه‌السلام بالرسول (صلّى الله عليه وسلّم).

2 - إنّ العلويين لا يُصدّقون إسلام أبي سفيان، وابنه معاوية، وزوجته هند.

3 - يقول العلويون: إنّ أبا سفيان ومعاوية ويزيد هم كرجل واحد، وإنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) لعَنهم جميعاً، إذ كان أبو سفيان راكباً حماراً ومعاوية يسوقه من ورائه ويزيد يقوده من أمامه، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم) لمـّا رآهم: (لعنَ الله الراكب، والقائد، والسائق).

4 - ليلة الفراش - أي يوم بات علي في فراش الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) - ذات شأن كبير عند العلويين، وهم يقدّسون مثل تلك الليلة في كلّ عام ويحتفلون بها، وكذلك يوم بيعة غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة، أعظم يوم لدى العلويين، وهم ينظرون إليها كأعظم حادثة تاريخية.

5 - يقول العلويون: إنّ الإسلامية لم تقرّر على شكلها المعروف دفعة واحدة، وإنّما كانت ترتّب تدريجاً. فإنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) ابتدأ ببيان دعوته تحت طي الكتمان، ولم يبح بها في أول الأمر إلاّ إلى أهل بيته، ثمّ

٢١٨

تدرّج إلى بعض الأفراد، ولم تُعلن كلمة الشهادة إلاّ بعد أن بلغَ عدد المسلمين أربعين، واقتصرَ في أول الأمر على إعلان الشهادة، ثمّ بعض الأحكام من القرآن، وبقيت البقية مخفيّة فلم تُعلن إلاّ تدريجاً وبانتظام تام.

ويقول العلويون أيضاً: إنّه لمـّا أُعلن كمال الإسلام، كان لا يزال بعض العقائد مكتوماً وخفياً، ولذلك بقيَ إلى هذا اليوم مكتوماً لخصوصيته.. وهذا هو تعليل تكتّم العلويين في عقيدتهم.

وهم يقولون أيضاً: إنّ بني هاشم كانوا يَعرفون في زمن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أحكاماً ما كان يعرفها الأمويون، وإنّ أهل البيت تعلّموا علوماً لم يسمعها غيرهم، وهنا مبدأ أسرار العلويين.

6 - أمّ سلمى هي أمّ العلويين، وروايتها أهم مستنداتهم، وكذلك فإنّ أبا ذر من أعاظم الرجال المؤسّسين للعلوية، والعلويون يقدّسونه ويبجّلونه، وكذلك حجر بن عدي الكندي.

7 - يقول العلويون: إنّه عندما استلّ عمر سيفه وقصدَ علياً لحمله على مبايعة أبي بكر، عارَضته فاطمة في الباب ومَنعته من الدخول، لطمَها فكسرَ سوارها وجُرحت أُذنها، وأنّها كانت حامل فولِدت بسبب هذه الحادثة جنيناً لم يُكمل مدّة الحمل وسمّي (المحسن)، ولكنّه توفِّي بسبب هذه الحادثة، وكان مع عمر خالد بن الوليد وسعد وسعيد، ولهذا فإنّ العلويين يكرهونهم.

8 - اتّخذ العلويون المسبّة لِمن خالفوا الرسول وأهل البيت فريضة إلى يوم الدين، وهم يشملون بالمسبّة كلّ مَن عادى الرسول ولو أسلمَ بعد ذلك، وكلّ مَن عادى علياً ولو كان من أصحاب الرسول، وكلّ مَن عادى فاطمة ولو صاحبَ علياً، وكلّ مَن عادى الحسين ولو صاحبَ آبائهم، وكلّ مَن عادى بقية الأئمة الاثني عشر، وسبب ذلك: اعتقاد العلويين أنّ الأئمة الاثني عشر وآبائهم معصومون، فالمخالفة لأحدهم تكون مخالفة للعصمة، ومعاداة أحدهم معاداة لِمن هو صاحب الحق.

9 - أهمّ مباحث تاريخ العلويين: هو ما يتعلّق منه بصفات وقدسية

٢١٩

 الأئمة الاثني عشر، وأنّ العلويين يخصّصون كلمة الإمام بالأئمة الاثني عشر فقط، وللأئمة عند العلويين ميزات خصوصية، بمعنى أنّهم يمتازون على بقية البشر من حيث مزاياهم الروحية.

والعلويون يخصّصون كلمة العلم - الكاملة المعنى - في علوم أهل البيت، وهم يرون أنّ حقّ تفسير القرآن منحصر بأهل البيت الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنّ الإصابة في تفسير القرآن منحصرة بهم.

10 - يستند العلويون في معاملاتهم على أقوال الأئمة الاثني عشر، ولكنّهم يعتمدون في الأكثر على أقوال ومؤلّفات جعفر الصادق.

11 - يرى العلويون أنّ كلّ إمام من الأئمة الاثني عشر اتّخذ لنفسه باباً، والأبواب هم:

الإمام علي بن أبي طالب        وبابه: سلمان الفارسي

الإمام الحسن المجتبى               وبابه: قيس بن ورقة المعروف بالسفينة

الإمام الحسين الشهيد            وبابه: رشيد الهجري

الإمام علي زين العابدين          وبابه: عبد الله الغالب الكابلي وكنيته كنكر

الإمام محمد الباقر                 وبابه: يحيى بن معمر بن أم الطويل الثمالي

الإمام جعفر الصادق             وبابه: جابر بن يزيد الجعفي

الإمام موسى الكاظم             وبابه: محمد بن أبي زينب الكاهلي

الإمام علي الرضا                 وبابه: المفضل بن عمر

الإمام محمد الجواد                وبابه: محمد بن المفضل بن عمر

الإمام علي الهادي                وبابه: عمر بن الفرات المشهور بالكاتب

الإمام حسن العسكري           وبابه: أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري

أمّا الإمام محمد المهدي، فلم يكن له باب، بل بقيت صفة الباب مع السيد أبي شعيب، والباب من جملة التشكيلات الدينية الأساسية. والعلويون اتّخذوا بعد الأئمة البابَ مرجعاً لهم، ولكنّهم لم يكونوا متّحدين في ذلك، ولهذا انقسموا إلى ثلاثة أقسام:

٢٢٠