العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة0%

العلويون بين الاسطورة والحقيقة مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 368

  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100501 / تحميل: 11177
الحجم الحجم الحجم
العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أ - الذين بقوا تابعين للباب السيد أبي شعيب محمد بن نصير.

ب - الذين اتّبعوا أبا يعقوب النخعي الملقّب بالأحمر، وقد كان من أصحاب الحسن العسكري، ثمّ ادّعى أنّه هو الباب فاتّبعه بعض العلويين، وهؤلاء هم الإسحاقية.

ج - الذين لم يتّبعوا محمد بن نصير، ولا إسحاق الأحمر، بل بقوا على ما جاء في كتب جعفر الصادق بدون أن يكون لهم رئيس ديني وكيلاً للباب، وقد سمّوهم الجعفرية.

والمآخذ على كتاب الطويل أكثر من أن تُعد وتحصى، وها نحن نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: إنّ الطويل في حديثه عن مدلول كلمة (علويين) يناقض نفسه بنفسه. فهو يطلق لفظة علويين على العلويين نَسباً، الذين هم بنظره (النصيرية) كما يُفهم من قوله: (ولكنّني في تاريخي هذا لا أُطلق لفظة علويين إلاّ على العلويين العرب نَسباً (أي النصيرية). أمّا بقية فِرَق الشيعة، فسأُطلق عليها أسماءها المعروفة المتداولة: كالزيدية، والإسماعيلية، والدرزية، وغير ذلك).

ثمّ رأيناه يذكر أنّ (العلوية المحضة هي الاثنا عشرية التي تمتّ بنسبها إلى النبعة العربية الصافية، وهي موضوع تاريخنا هذا).

والاثنا عشرية - كما يُفهم ممّا جاء في كتابه - هي: الجعفرية، والعلويين، والمتأولة.

لكنّنا إذا قارنّا كلامه هذا بقوله: (إنّ العلويين بعد الأئمة اتخذوا الباب مرجعاً لهم، ولكنّهم لم يكونوا متّحدين في ذلك، لذلك انقسموا إلى ثلاثة أقسام أساسية هي:

1 - العلويون الذين هم موضوع هذا التاريخ، فهؤلاء بقوا تابعين للباب، أي للسيد أبي شعيب...

٢٢١

2 - الذين اتّبعوا أبا يعقوب إسحاق النخعي الملقّب بالأحمر،.... وهؤلاء هم الإسحاقية.

3 - الذين لم يتّبعوا الباب ولم يتّبعوا إسحاق الأحمر، بل بقوا على ما جاء في كتب جعفر الصادق، بدون أن يكون لهم رئيس ديني وكيلاً للباب، وقد سمّوهم الجعفرية).

تبيّن لنا أنّ الجعفرية ليسوا من العلويين العرب نَسباً ؛ لأنّ الكتاب مقصور على العلويين الذين تابعوا الباب السيد أبي شعيب... وهذا ما يتناقض مع قوله: (إنّ العلوية المحضة هي الاثنا عشرية)، وإنّ (الاثني عشرية هي: الجعفرية، والعلويين، والمتأولة).

ثانياً: يَعتبر الطويل أنّ الصوفي الشهير محيي الدين ابن عربي (علوياً)، إذ يقول: (هدّمَ تربة يزيد التي كانت بتلك الأيام مظهراً للتوقير والاحترام، وأخذَ عن القبر الشبكة المصنعة ووضعها على قبر العلوي العظيم محيي الدين العربي)...

وهذا قول غريب ؛ لأنّ الذين ترجَموا لابن عربي - ومنهم ابن مسدي - قالوا: إنّه كان ظاهري المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات. وعلى فرض أنّه كان باطنياً، فليس كلّ باطني بعلوي.

وكذلك فإنّه يَعتبر الصوفي الشهير إبراهيم بن أدهم علوياً، وهذا ما لم يقله أحد.

ثالثاً: إنّ الطويل يتكلّم عن أمورٍ لا دليل عليها، من ذلك مثلاً: أنّه يَعتبر دولة بني بويه الديلمية (علوية)، وكذلك دولة بني حمود في الأندلس ودولة بني الأحمر...

ومن ذلك أيضاً: اعتباره المؤرّخ أبي الفداء عَلوياً.

رابعاً: في الكتاب نقاط كثيرة تحتاج إلى إيضاح، أشارَ إليها المؤلّف إشارة عابرة، من دون أيّة تفاصيل، منها على سبيل المثال (الطريقة

٢٢٢

الجنبلانية)، التي أحدَثها بين العلوي أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني. وكان عليه أن يبيّن أُسس هذه الطريقة ومقوّماتها، ليستطيع القارئ - من خلال ذلك - تكوين فكرة عامّة عنها، ويقارن ما بينها وبين النصيرية، وبماذا تختلف الواحدة منهما عن الأخرى.

وكذلك بالنسبة إلى حديثه عن الجرانة، والغيبية، والكلازية، والحيدرية، والماخوسية، والنياصفة، والظهوراتية، وما ذكرهُ من افتراقٍ بينها لا ينقع غليلاً، ولا يعطي أيّة فكرة عن طبيعة هذا الافتراق.

يقول: (لم يكن بين العلويين افتراق مذهبي قطعاً، ولكن في أيام الفترة، أي ما بين سنة ستمئة إلى سبعمئة هجرية، وعند مجيء الأتراك الصابئية، اشتدّت الحالة على العلويين فاعتقدوا إذ ذاك أنّ المصائب لم تكن إلاّ من الله لتربيتهم، وأحبّوا أن يُصلحوا أعمالهم ويأتوا بدعاء خاص يخلّصهم من بلواهم، فبحثوا عن وجوه التقوى فلم يروا وجهاً تاماً لها ؛ لأنّ كلّ حاجاتهم كانت من صُنع أهل بقية المذاهب، وكانوا إذا نووا الصيام لم يكونوا يجدوا وعاء من صنعهم لوضع الأكل أو لشرب الماء، فكانوا يشربون منه أيام دعائهم، وقد سمّي أصحاب هذا العمل الأتقياء"جرانة" أي الذين شربوا من الأجران أثناء العبادة، وهذا الاسم كان يدلّ على التوسّع في التوسّل لإرضاء الله.

وقرية جرانة: هي في جبال بشراغي التابعة لجبلة بجانب قرية الحمام، وبعض العلويين توسّعوا في التوكل والانقياد للتقادير، فلذلك سمّيت هذه الفرقة"الغيبية" ، أي الذين آمنوا بالله ورضوا على ما كُتب عليهم في الغيب، وتركوا التوسّل والتحرّي.

ثمّ ظهرَ أخيراً رجل من الجرانة وشرحَ فضائل حزبه، اسمه الشيخ محمد بن يونس كلازو، من قرية كلازو التابعة لأنطاكية وذلك في سنة 1011 هجرية، فتغلّب اسم"الكلازية" على الجرانة.

وظهرَ رجل في القرن التاسع في جهات أنطاكية اسمه الشيخ علي

٢٢٣

حيدر، وقد دافعَ هذا عن فضائل الغيبيين وكثرَ حزبه بين المشايخ، وغلبَ على الغيبيين اسم"الحيدرية" .

وافترقَ رجل من بين الكلازية، وهو الشيخ علي الماخوس، فاتّبع الحيدرية فسمّي مَن اتّبعوه في أقواله"الماخوسية" ، وهي اسم قرية في جهات اللاذقية.

ثمّ اشتهرَ رجل في جهات جبل الحلو ودافعَ عن أقوال الغيبية حتى بقيَ له اسم، ولمـّا كان اسمه الشيخ ناصر الحاصوري من نيصاف سمّي مَن اتّبعوه النياصفة.

واشتهرَ رجل يُدعى الشيخ يوسف بن إبراهيم العبيدي المسمّى بالظهور، وجاهرَ ببعض الأقوال، فسمّي مَن اتّبعوا أقواله"الظهوراتية" ).

هذا الكلام يجعلنا نتساءل عن الفرق ما بين الحيدرية والنياصفة؟ لأنّ الطويل لم يذكر لنا أيّ شيء عن ذلك، وكلّ ما قاله إنّه ظهرَ رجل اسمه الشيخ علي حيدر دافعَ عن فضائل الغيبيين، فكثرَ حزبه وغلبَ على الغيبية اسم (الحيدرية). وكذلك اشتهرَ رجل اسمه الشيخ ناصر الحاصوري، دافعَ عن أقوال الغيبية فسمّي مَن اتّبعوه (النياصفة). وكذلك لم يبيّن لنا الطويل ما هي أقوال الشيخ علي الماخوس، والفرق بين أقواله وأقوال الكلازية الذين افترقَ عنهم...

وعلى الرغم من المآخذ التي تؤخذ على (تاريخ العلويين)، فقد طارَ الكتاب شرقاً ومغرباً وذاعَ صيته، واعتبرهُ الباحثون والمؤرّخون أحد المراجع الهامّة عن العلويين.

وبعد الطويل نشطت أقلام العلويين في الخروج من قمقمها، وبدأت تنهمر على الصحف والمجلاّت المقالات التي تهدف إلى التعريف بحقيقة العلويين ومعتقداتهم، وأهمّ هذه المقالات: ما نُشر على صفحات مجلّتي

٢٢٤

الأمان (1) ، والنهضة (2) . وأغلبها يدور في فلك الطويل، ويعالج الفكرتين اللتين عالجهما كتاب (تاريخ العلويين) وهما: عروبة العلويين وإسلاميّتهم، وهذه وقفة قصيرة مع تلك المقالات، نتناول فيها أهم الأفكار التي تضمّنتها.

أولاً: مقالات مجلّة "الأماني".

بدءاً من العدد الأول من مجلّة (الأماني) الصادر في مطلع شهر تشرين الأول 1930م، أخذَ الشيخ عيسى سعود - قاضي العلويين في اللاذقية - ينشر سلسلة مقالات بعنوان: (ما أغفلهُ التاريخ... العلويون أو النصيرية)، على مدار ستة أعداد هي: 1 (ت 1/ 1930)، 2 (ت 2/ 1930)، 3 (ك 1/1930)، 6 (آذار /1931)، 7 (نيسان /1931)، 8 (أيار /1931). وقد تركّزت هذه المقالات حول نقطتين اثنتين:

الأولى: حقيقة العلويين وسبب نَعتهم بالنصيرية.

الثانية: الخمسة الأيتام وسبب اعتقاد العلويين بهم.

يقول الشيخ عيسى سعود:

(العلويون فرقة شيعية انسلخت عن جماعة السنّة لأسباب سياسية أكثر منها دينية، وذلك على عهد معاوية بن أبي سفيان،... وهي مخلصة الولاء لأهل البيت، شديدة الحرص على وفائهم، عُرفت بالعلوية لفَرط حبّها ومفاداتها لعليعليه‌السلام ، وصدْقِ عواطفها له في مواقفه الحربيّة والدينية، وقد استخلصها واصطفاها من قبائل شتّى ودعاها بأهل خاصّته.

وأمّا نعتها بالنصيرية، فيعود إلى عهد السيد أبي شعيب محمد بن نصير

____________________

(1) أصدرها في اللاذقية: إبراهيم عثمان سنة 1930.

(2) أصدرها في طرطوس: الدكتور وجيه محيي الدين سنة 1937.

٢٢٥

النميري العلوي، بوّاب الإمام الحسن الآخر العسكري سنة 250هـ، الذي جمعَ شتاتها بمساعدة الإمام الموما إليه بعد أن كادت تمزّقها الحروب والأيام.

وفي أيام إمارة بيت الدولة في حلب سنة 283هـ، نبغَ من العلويين شيخهم المعروف بالحسين بن حمدان الخصيبي، أحد أقارب سيف الدولة علي بن حمدان ممدوح المتنبّي، وصاحب كتاب الهداية الكبرى، فساعَده هذا الأمير على بثّ دعوته وجمع كلمة هذه الطائفة، والتفّ حوله من الأمراء والشعراء والمؤلّفين العدد الكثير، فأخذوا عنه ونشروا دعوته في: سوريا، والعراق، ومصر، وبلاد العجم، وفارس، وغيرها من البلدان...).

وعن تأسيس هذه الفرقة قال:

(إنّ الإمام علياًعليه‌السلام هو مؤسّس هذه الأمّة، والعامل على إرشادها إلى التعاليم النبوية، وقد اجتمعَ حوله طائفة من الأنصار الذين برزوا في عالم الإسلام: كأبي عبد الله سلمان الفارسي، والمقداد بن أسود الكندي، وأبي ذر جندب بن جنادة بن سكن الغفاري، وعبد الله بن رواحة الأنصاري، وعثمان بن مظعون النجاشي، وقنبر بن كادان الدوسي، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي الهيثم مالك بن تيهان الأشهلي، والمنذر بن عمر بن كناس بن لوزان الساعدي،....

والعلويون ينظرون إلى خمسة من أولئك المجاهدين نظرة عالية مشبعة بالاحترام. وقد أُطلقَ عليهم اسم الخمسة الأيتام الكرام، وهم: المقداد بن أسود الكندي، وأبي ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعبد الله بن رواحة الأنصاري، وعثمان بن مظعون النجاشي، وقنبر بن كادان الدوسي. عُرفوا بالأيتام لاتخاذهم من سلمان الفارسي أباً صادقاً يغمرهم بعطفه وحنوّه، وقد عُرفوا - لفرط إذعانهم لأقواله - بأيتام سلمان ليس إلاّ.

وبعض رجال العلويين رُموا بوصمات مختلفة وعقائد متباينة: كالقرمطة، والزندقة، والحلول وغيرها... والعلويون بُراء من ذلك، وقد حُبس شيخهم الكبير الحسين بن حمدان الخصيبي من أجل القرمطة، فقال وهو في سجن

٢٢٦

بغداد:

ليس حبسي بضائري أن أتاحَ اللَّه

من بعد طولِ حيناً بفضله

صرتُ أُدعى ومذهب الحقّ ديني

قرمَطياً وصرتُ أُعزى بدَخله

حسبي الله والنبي وخمس

بعد سبع فهم مناهج سُبله

وسلامي على تقيٍ نقيٍ

يتولاّهمُ بصالح عقله

وكان تدخّل العلويين البيئات في أدوار مختلفة تضطرّهم إلى الظهور بمظهر الوسط الذي يعيشون فيه، غير أنّ سرّ المحافظة على مبدئهم بقيَ يلهب نفوسهم رغم ظاهراتهم الاجتماعية البيّنة، وقد قال في ذلك أحد أكابر شعرائهم:

وموسوي مسيحي أنا وإلى

محمّد رِحتُ عن قصدٍ ببرهانِ

فَسمِّني وادعني في كلّ نازلةٍ

بمسلمٍ ويهوديٍّ ونصراني

وخلِّني ويقيني في أبي حسنٍ

فليس شانك في حُكم الهوى شاني

وعن معتقدات العلويين قال:

(ويعتقد العلويون أنّ مَن ماتَ منهم أو قُتل في سبيل مبدأ، ماتَ شهيداً وتحوّل إلى دار البقاء، ولديهم من المخطوطات القيّمة ما يرجع تاريخها إلى ما قبل القرن الثاني عشر للهجرة، لم تختلف أحكامها شيئاً عن أحكام الكتاب والسنّة، ولم يتناولها التأويل كبقية الكتب في المذاهب المختلفة، بل بقيت مثالاً صادقاً للرسالة الهاشمية الغرّاء، ولأسبابٍ قاهرة بقيت تلك الأسفار في ضمير الخفاء حتى اليوم، وهذا ما شجّعَ كلّ فرد على اتهامهم بما يصوّره له الخيال).

وأوّل ما يلاحَظ على هذا المقال: أنّ هناك اختلافاً ما بينه وبين ما جاء في (تاريخ العلويين) حول سبب تسمية العلويين بالنصيرية، ونتيجة لهذا الاختلاف البيّن بِتنا لا نعرف وجه الصواب في أصل هذه التسمية ؛ لأنّ كِلا القولين غير مقنع.

٢٢٧

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى كنّا نتمنّى أن يذكر لنا الشيخ عيسى سعود الحروب والأيام التي كادت تمزّق النصيرية أو العلويين، ومتى حصلت؟! لأنّه ليس في المصادر التي بين أيدينا أيّة إشارة إليها!

وكذلك مَن هم الأمراء والشعراء والمؤلّفون الذين التفّوا حول الخصيبي وأخذوا عنه، ونشروا دعوته في سوريا والعراق ومصر وبلاد العجم؟!... ليت الشيخ ذكرَ لنا اسم واحد منهم.

ثانياً: مقالات مجلّة "النهضة".

في عام 1937 طالعتنا مجلّة (النهضة) بمقالٍ طويل بعنوان(يقظة المسلمين العلويين) ، كتبهُ الأستاذ عبد الرحمان الخير، تَوزّع على أربعة أعداد هي: 3 (ك 2/1937)، 4 (شباط /1937)، 5 (آذار /1937)، 7 (أيار /1937)، 8 (تموز /1937) عالجَ فيه النقاط التالية:

مَن هم العلويون، أسباب الجمود والانحطاط، بشائر اليقظة الأولى، بشائر اليقظة الثانية، خاتمة.

تحت عنوان(مَن هم العلويون؟) كتبَ يقول:

النصيريون (كما كانوا يُدعون من قبل) والعلويون (كما دُعوا في عصر الاحتلال) هم إحدى فِرَق الإسلام، رضيَ السفهاء المغرضون أم كرهوا، وأقرّوا بذلك أم نفوه، مسلمون إماميون، عرب أقحاح، قضت عليهم أسباب جمّة أهمّها: ضغط بعض الحكّام الظالمين في عصور التاريخ الإسلامي أن يتجمّعوا في جبال هذه البلاد منذ بضعة قرون ونيّف، ملتجئين من جور السياسة الخرقاء والتعصّب الأعمى إلى أحراج البلاد ومعاقلها المنيعة، وإلى التكتّم في إقامة شعائرهم الإسلامية الخاصّة، والتساهل في التظاهر ببعض شعائر الأقوياء المسيطرين يومئذٍ، حفظاً لكيانهم الطائفي وحقناً لدمائهم.

وعلى توالي الأيام أصبح التكتّم شبه غريزة فيهم، ودخلَ ذلك في التظاهر

٢٢٨

ببعض الشعائر الأجنبية عن الإسلام في عداد عاداتهم، لا ينكره جمهورهم ولا تقرّه خاصتهم، وهذا ما جعلَ الظنون تحوم حول معتقداتهم، وذهاب الآراء في التخمين والتقوّل كلّ مذهب.

وإنّا لا نعلم بالتدقيق تاريخ تظاهرهم بالعادات الغريبة عن الإسلام، ولكنّا نرجّح أنّ بعضه كان على عهد الصليبيين، نستند في ترجيحنا هذا إلى أنّ السَلف لم يكونوا ليعترفوا بهذه العادات كشعائر مذهبية ؛ لأنّها لم ترد البتّة في أشعارهم ولا رسائلهم التي بين أيدينا، ولأنّه في بعض نواحي البلاد لا أثرَ البتّة لهذه العادات...).

وعن خصائص العلويين وثقافاتهم ومظاهرهم الفكرية، يقول:

(أبين ما عُرِف به العلويون: تخصّصهم للاشتغال الدائم - منذ أقدم أيامهم حتى اليوم - بعلم التوحيد، أي: معرفة الله بالبراهين العقلية المستندة إلى الشواهد النقلية من النص الكريم والحديث الشريف وروايات الأئمة من آل الرسول (صلّى الله عليه وسلّم). فإنّ تبويب هذا العلم، والتوسّع فيه وتعليمه إلى أتقياء الطلبة المجتهدين، رافقَ خاصتهم منذ افتراقهم عن سواهم من الفِرَق الإسلامية حتى عصرنا هذا.

وممّا لا يترك مجالاً للتردّد في صحة هذا القول، كثرة ما عندهم من المؤلّفات القيّمة التي يرجع تاريخ أسبقها إلى صدر الإسلام، ولم ينقطع حتى اليوم ظهورها، وكلّها تدور تقريباً حول المسائل الآتية: إثبات وجود الخالق سبحانه بالمعقول والمنقول، إثبات النبوّة عن طريق البرهان والدليل، إثبات الإمامة بالحجج العقلية والنقلية، اللفظ والمعنى وعلاقتهما بصفات الخالق، وجوب صفات الكمال للباري تعالى، تنزيهه عن صفات المحدثات، أصل الشر، آداب العبادة والرياضة الروحية، المعاد، حدوث الكون وفناؤه... إلخ.

ومن أظهر ما يُعرف به العلويون: عنايتهم بالفلسفة الروحية العالمية ومقابلتها بالأديان الإلهية، وتوفيق ما يمكن توفيقه، وردَ ما يختلف إلى البدع والهرطقات التي كان يلفّقها معارضو الدين والفلسفة الصحيحة، ويستنتجون من كل ذلك: وحدة الأديان، ووحدة غايتها التي جاء الإسلام.

٢٢٩

الحنيف بالبرهان عليها ودعمها بالحجج).

أمّا أسباب جمود وانحطاط العلويين، فقد ردّها كاتب المقال إلى ما يلي:

1 - توالي الاعتداءات على هذه الطائفة، اعتداءات كان يستهلك بعضُها كلّ ما تملك، فتُنهَب مواشيها وأموالها وتُحرق بيوتها، ويُقتل علماؤها ومشاهيرها ؛ الأمر الذي أضاعَ آثارها الفكرية القديمة إلاّ ما حفظته صدور الحفظة من رجالها، أو ما وعاه علماؤها.

2 - الانزواء في هذه الجبال والعيش الفطري.

3 - القول بكراهية طلب أيّ فرعٍ كان من العلوم غير علم معرفة الله.

4 - مبالغة علمائهم في الزهد وهربهم من الشهرة، وتعمّدهم عيشة الخمول والتقشّف.

5 - ومن الأسباب الحديثة العهد في العمل على انحطاط العلويين، اعتبارِهم منذ زمن قريب المشيخة - أي الرئاسة الدينية - وراثية، وإغداقهم الهبات باسم "الزكاة" على... ممّن ينتمي إليها ولو بشارة فقط... وإنزال سوادهم الخرافات من الروايات منزلة الحقائق المسلّم بها، الأمر الذي سمحَ لكثيرٍ من الممخرِقين أن يلعبوا بالعقول الساذجة ما شاءت لهم الغايات والجهل.

هذا أهمّ ما في مقال الأستاذ عبد الرحمان الخير. ونحن إذا قارنّاه بما كتبهُ الطويل في(تاريخ العلويين) ، وجدنا بعض نقاط الاختلاف فيما بينهما، أهمّها: السبب في تكتّم العلويين. فعلى حين يذكر الطويل أنّه (لمـّا أُعلن كمال الإسلام كان لا يزال بعض العقائد مكتوماً وخفياً، ولذلك بقيَ إلى هذا اليوم مكتوماً لخصوصيته، وهذا هو تعليل تكتّم العلويين في عقيدتهم)، نرى عبد الرحمان الخير يقول: إنّ جور السياسة الخرقاء والتعصّب الأعمى قضت عليهم أن يتجمّعوا في جبال هذه البلاد، و(إلى التكتّم في

٢٣٠

إقامة شعائرهم الإسلامية الخاصة،... وعلى توالي الأيام أصبحَ التكتّم شبه غريزة فيهم).

وفي عام 1938، أصدرت مجلّة "النهضة" أيضاً، عدداً خاصّاً عن العلويين هو العدد الثامن الصادر في تموز 1938، تضمّن المقالات التالية:

-منشأ العلويين للدكتور وجيه محيي الدين (صاحب المجلّة)

-العلويون عرب خُلّص للأستاذ منير الشريف (صاحب كتاب العلويون مَن هم وأين هم؟)

-عروبة العلويين وإسلاميَّتهم لعلي حمدان الزاوي قاضي العلويين في طرطوس

-العلويون بين المسلمين والإسلام لأحمد سلمان إبراهيم

-العلويون شيعيون لمحمد ياسين

-الشباب العلوي ليوسف تقلا

-نشأة العلويين لحامد حسن

-مستقبل العلويين لمحمد علي علوش

-أزواج محمد (صلّى الله عليه وسلّم) وعلي عليه‌السلام وأولادهما لمحمود إبراهيم حسن جابر

-كلمتي إلى الشباب لحامد المحمد

-حصانة العلويين الطائفية أمام التيار الاجتماعي لعبود أحمد

-إلى صفين بيت من الشِعر يبدّل وجه التاريخ لمحمد فاضل

-العلويون والإسلام لمحمد محمود قرفول

-حكومات العلويين الماضية لخديجة الحامد

وهذه وقفة عند أهم الأفكار التي عالجتها هذه المقالات.

منشأ العلويين:

عالجَ الدكتور وجيه محيي الدين في هذا المقال ثلاث نقاط هي:منشأ العلويين، دين العلويين، عروبتهم ونسبهم.

عن منشأ العلويين قال:

٢٣١

(... ساعة السقيفة تشكّل الحزبُ العلوي القريشي الهاشمي، هذا الحزب الذي اختصّ بآل البيت وفضَّل آل هاشم على أُميّة وحرب، وجعل من دمه قرباناً، ومن قلبه مسكناً، ومن عقله وعلمه وماله وسيلة لتوحيد ملكهم وإعلاء شأنهم، فالحزب العلوي خُلقَ في فجر الرسالة. والحزب العلوي - كبقية الأحزاب - ابتدأ بفكرة هي: تفضيل هاشم على أُميّة، وانتهى بعقيدة يستمات في سبيلها هي أفضلية آل البيت، وعلى رأسهم عليعليه‌السلام على بقية الأصحاب والمقرّبين...).

وعن دين العلويين قال:

(إنّهم شيعة يَعتبرون علياًعليه‌السلام رئيسهم الأعلى، مفضّليه على كلّ عربي بعد محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، مؤتمّين بإمامته وإمامة بنيه وأحفاده بعده، مبتدئين بالحسن والحسين، منتهين بالإمام محمد بن الحسن الحجّة،... وإنّ تعاليمهم مستمدّة من إرشاداتهم، وأحكامهم الشرعية مأخوذة عن تعاليمهم، وخصوصاً الإمام الكبير جعفر بن محمد الباقر الملقّب بالصادق، نابذين ما نبذوه، محلّلين ما حلّلوه، محرّمين ما حرّموه، فهم والحالة هذه شيعة متمسّكون بجميع طقوسها، ومتعصّبون لمبادئها).

عروبة العلويين وإسلاميّتهم:

يدور هذا المقال حول فكرتين:عروبة العلويين، وإسلاميتهم .

عن عروبة العلويين، قال كاتب المقال: (العلويون منحدرون من أعرق بطون العرب: كربيعة، ومضر، وبكر، وتغلب، وغسّان...).

وعن سبب تسميتهم بالعلويين يقول: (فالعلويون دُعوا علويين ؛ لتمسّكهم بولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . والمذهب العلوي شعاره: الاعتقاد أنّ الدين عند الله الإسلام،

٢٣٢

وتمسّكهم بعلي وأهل بيته بالدرجة الأولى، ورأيهم الخاص بأفضليّته، وأخذهم التعاليم عن حفيده الإمام جعفر الصادق).

العلويون بين المسلمين والإسلام:

هذا المقال زفرة حرى من قلبٍ محزون، وعتابٍ شديد وجّهه أحمد سلمان إبراهيم إلى الإخوان في الدين، وها نحن نستعرض أهمّ ما فيه من فقرات:

(ما أنكد حظّ هذه الطائفة العلوية، وما أقلّ إنصاف جيرانها لها. وقلّة الإنصاف ممّن؟ أمِن التاريخ الذي سوّد صحائفه بمذمّتنا وانتقاصنا!! أم من الدهر الظالم الذي عبثَ بقوانا وهدّم أركان رابطتنا، وسارَ بنا إلى حيث الانحطاط السحيق!! أم من إخواننا في الدين الذي ناصرناه في سائر الوقائع وشتّى الميادين؟ ظلم! نعم، ظلم ولماذا؟ ألأنّنا هدّمنا أركان الكعبة، ورَجمنا قبر النبي، وقَتلنا وسبينا آله ونساءه وسِرنا بهنّ من الكوفة إلى الشام سوافر لواطم الوجوه؟ اللهمّ لا!!

ألأنّنا كفرنا بالله وأعلنا مسبّة الأئمة الأطهار من أعلى المنابر، وكذّبنا بوحي القرآن، وعطّلنا شريعة المسلمين والإسلام؟ اللهمّ لا، ولكن لأنّنا قلنا ولا نزال نقول: إنّ علي بن أبي طالب هو صاحب الحق الأول في زعامة المسلمين الدينية والزمنية بعد النبي (صلّى الله عليه وسلّم). نعم ؛ لأنّنا نؤمن بأنّ علياً هو الأحقّ بالخلافة من سواه، وأنّه وصيّ النبي ووزيره. لهذا فقط يقوم إخواننا في الدين - الذي ناصرناه كما ناصروه وآمنّا به قبل أن يؤمنوا - فيوجّهون إلينا أقسى المظالم وأفدح الاضطهادات.

مظالم! أجل، مظالم هي: قتل في النفوس، وسلب في الأموال، وحرمان في الحقوق، وتبرئة في الدين، أبعد بهذه المظالم من مظالم؟!

اضطهدونا، طعنونا في الصميم، وقوّلونا ما لم نقل، ونسبوا لنا الزيغ والضلال، اتّهمونا بالمروق عن الإسلام ولم يجيزوا الرجوع، ليستلزم

٢٣٣

القتل، في حين أنّنا ما كنّا - ولن نكون بحمد الله - إلاّ على جادّة الهدى، وما نحن من الإسلام إلاّ كالأصل من الفرع. لم ندرِ نحن العلويين - وأيم الله - لماذا تُبعدوننا أيها الإخوان ونحن الأقربون، وتُقصوننا ونحن الأدنون! فيا ترى هل الإسلام إلاّ شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسوله ونبيه، والتمسّك والاعتصام بأوامره ونواهيه، والقيام بما افترضه علينا من الحدود الخَمس، وهي: الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والجهاد.

أليسَ الإيمان بمحمد والقرآن هو عين الإسلام؟ نحن نقول بصدقٍ وإخلاص: إنّ كلّ علوي يؤمن بهذا الإيمان ويقرّ به في السرّ والعَلن، ويتبرّأ إلى الله من كلّ ما ينعتهُ به أهل الزور والبهتان.

وأمّا القول في أنّ العلويين ينقصهم القيام بمراسيم الإسلام، فهذا نقص يشعر به العلويون قبل سواهم، وكم هو ألّمَ مفكريهم شديداً لهذا النقص، ولكنّ الشلل الاجتماعي الذي أصابَ العلويين - بسبب ما انتابهم من ويلات ونكبات - دبّ في قلوبهم اليأس.

وبعد، فليعلم الذين لا يريدون أن يعلموا: أنّ العلويين هم من صميم الإسلام، وأنّ نزاعهم وإخوانهم المسلمين، لا يعني نزاعهم والإسلام ؛ لأنّ المسلمين أمّة، والإسلام دين، ولا غرابة في أن يكون بين أتباع الدين الواحد تباين في النظر، لا يخرجهم عن كونهم أبناء أمّة واحدة باعتبارهم أتباع دين واحد).

العلويون شيعيون:

في هذا المقال، يبيّن الشيخ محمد ياسين الأسباب التي حَدت بالعلويين إلى اتّباع مذهب آل البيت، ويدافع عن إسلام العلويين، ويردّ بنفس الوقت على الذين ينكرون إسلام العلويين، وفيما يلي أهمّ فقرات المقال:

(لمـّا كان أمير المؤمنين علي وصي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وخليفته، وأخاه،

٢٣٤

وصهره، وابن عمّه، وناصره، وقاضي دَينه، ومنجز وعده، ومفرّج كربه، وأوّل الناس إسلاماً وأعلاهم سابقة، وأفضل الصحابة، وأعلمهم، وأعبدهم، وأحلمهم، وأشجعهم، وأزهدهم، وأقضاهم، وأسخاهم، وأتقاهم، هامَت به فرقة من المسلمين وأحبّته حبّاً عظيماً، فسُمّوا علويين نسبة إليه، وغلبَ عليهم هذا الوصف حتى صارَ خاصّاً بهم، وهم هذا الشعب العلوي - الذي نحن بصدده والذي كلمتنا فيه - وحده.

ونسبةُ العلويين إلى علي لفظية لا تتعدّى أنّهم يحبّونه ويتوّلونه، فهي لا تتناول أنّ لعلي ديناً غير الإسلام تابعهُ العلويون عليه.

وتوالى العلويون بعد أمير المؤمنين، الأئمة من الحسن المجتبى إلى المهدي صاحب الزمان، وبذلك سمّوا إماميين، وبتقليدهم الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام سادس الأئمة في أحكام الصلاة والفقه، سُمّوا جعفريين.

وإنّ حبّ العلويين لأهل البيت كان أكبر ذنوبهم عند أعدائهم، ولقد جرّ عليهم هذا الحبّ كثيراً من النكبات، فكم من أخيارٍ قُتلوا وعُذّبوا وليس لهم ذنب إلاّ أنّهم يحبّون الوصي ويوالون آل النبي.

والعَجب أنّ أُناساً من المسلمين ينعون علينا اقتداءنا بأهل البيت، وتقليدنا إياهم ورجوعنا إليهم [ في ] المشاكل المشكلة والمسائل الخلافية، ولا ينعون على أنفسهم ترك الأئمة الأطهار، وتقليدهم مالكاً وأبا حنيفة وابن حنبل، وأضرابهم ممّن هم - مع الاحترام لهم - دون الأئمة بدرجات، ونسبتهم إليهم نسبة القطرة إلى البحر والحصاة إلى البدر.

اقتدينا بهؤلاء الأئمة الأبرار دون سواهم للأسباب الآتية:

أولاً: لقربهم من جدّهم رسول الله صلوات الله عليه.

ثانياً: لأنّ علومهم وآثارهم مهذّبة صادقة يأخذها بالتسلسل الآخر عن الأول، واللاحق عن السابق.

٢٣٥

ثالثاً: لأنّهم كانوا يختارون الرواة الصادقين ويُفضون إليهم بأحاديثهم، ويوصونهم بأن لا يودعوها إلاّ لِمن يحقّقون إيمانهم واستقامتهم، وبهذه الطريقة صينت رواياتهم من التحريف والتبديل، فجاءتنا نقيّة سالمة، كما قالوها.

رابعاً: لأنّهم معصومون، والعصمة هي: التنزّه عن الخطأ والشوائب البشريّة قولاً وفعلاً، سهواً وعمداً.

خامساً: لأنّهم كانوا يمتازون عن أهل زمانهم وعمّن تقدّمهم وتأخّر عنهم: نَسباً وفضلاً وعلماً وتُقى وزهداً، لا يساويهم في هذه الخصائص مساوٍ.

سادساً: لأنّ كلاً منهم نصّ على إمامة الآخر، وهذا النص وحده كافٍ لإثبات إمامتهم، وهو ثابت بالتواتر، رواه صادق عن صادق.

سابعاً: لأنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قرَنهم بالقرآن، وأمرَ بالاقتداء بهم دون سواهم.

لهذه الأسباب ونحوها نقتدي بهؤلاء الأئمة ونفضّلهم ونأخذ عنهم، نتلقّى ما يرد عنهم بالقبول، معتقدين أنّ ما يرد عنهم وارد عن الله.

من الغريب أنّ فريقاً من أهل الأغراض ينكرون إسلام العلويين، ويعلّلون أقوالهم بتعاليل كذّابة، ويستندون إلى أقوال مختلقة، وأغرب منه موافقة فئة من المسلمين أنفسهم لهذه الأقوال وشكّهم في إسلامنا. لنتساءل ما هو الإسلام؟

هو بلا ريب: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، والالتزام بأحكام الشرع. وكلّ مَن قال هذا القول مسلم، وكلّ علوي في الدنيا يقوله، فإذاً كلّ علوي مسلم.

كان النبي (صلّى الله عليه وسلّم) في بدء دعوته يضمن لكلّ مَن ينطق بالشهادة الجنّة، وكان يَقنع بإسلام مَن يتظاهر بالإسلام وهو يُضمر النفاق والكفر، ويقول (صلّى الله عليه وسلّم): (علينا ما ظهرَ وعلى الله ما بطن...). وإذا كان ما جرى مثل هذا

٢٣٦

الإغضاء والتساهل من النبي... على العلم واليقين، فكيف يجوز اتّهام العلويين بعدم الإسلام على الظنّ والشك؟! ولِمَ لا تعترف بقيّة فِرَق المسلمين بإسلام العلويين وهم ينطقون بالشهادتين، ويقرءون القرآن، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويأمرون بالمعروف ويأتمرون به، وينهون عن المنكر وينتهون عنه، ويحلّلون ما حلّل الله ورسوله، ويحرّمون ما حرّم الله، ويوالون في الله، ويعادون في الله، ويقطعون في الله، ويعظّمون حُرمات الله، ويجاهدون في سبيل الله.. فإذا لم يكونوا بعد هذا مسلمين، فأين المسلمون وما هم المسلمون؟! وإذا لم يكن هذا هو الإسلام فما هو الإسلام؟!

وإذا كانت الرغبة والرهبة دعتا بعض المنافقين إلى التظاهر بالإسلام قديماً، فأيّ شيء يدعو العلويين إلى ادّعائه حديثاً، وإذا كانت أسباب الرغبة والرهبة متوفّرة هنالك، فأين أسباب الرغبة والرهبة هنا؟! إذا كان لغير الإسلام مصلحة في نفي إسلاميّة العلويين، فما هي مصلحة بعض المسلمين يا ترى؟! على أنّنا رغم الظروف العصيبة التي تعاقبت علينا ما برحنا محافظين على شعائر الدين الإسلامي وآدابه وتعاليمه وتقاليده، شأننا في ذلك شأن بقية الفِرَق الإسلامية، لم يسبقونا في شيء إلاّ اثنين:بناء المساجد، وحج البيت .

وللعلويين بعض العذر في هذين:

أمّا عذرهم في الأول: فإنّهم أصحاب قرى فقراء، وأكثرهم عاملون وأعمالهم خارج القرى، فلا يمكن لأحدهم أن يترك عمله ويأتي المسجد كلّما حانَ وقت الصلاة، فيصلّي حيث يكون، معتقداً أنّ الأرض لله وأنّ الله يقبل صلاته أينما كان، ومَن كان في القرية من الكهول والشيوخ صلّى في بيته، فكلّ محل عندهم مسجد متى كان نظيفاً.

وهذا العذر وإن كان مقبولاً من أكثر نواحيه، فإنّه لا ينفي وجوب بناء مسجد في كلّ قرية يصلّي فيها أهلها العاملون أثناء فراغهم، والمتفرّغون في كل وقت.

وعذرهم في الثاني: أنّ أكثرهم فقراء والحج يحتاج إلى سعة واسعة، فيندر بينهم مَن يقدر أن يقوم بنفقات الحج. وعسى أن يهتمّ هذا الشعب بهذين الواجبين، فيبني المساجد، ويؤدي موسروه فريضة الحج، فيكون قد سدّ هذا الخلل

٢٣٧

وماثلَ إخوانه المسلمين من سائر الجهات، فلا يعيّر بنقص ولا يُعاب على تقصير...).

* * *

بعد هذه الطفرة الكتابية سكتت الأقلام وأخلدت إلى السكينة، فلم نعُد نقرأ شيئاً ذا علاقة بالعلويين، إلى أن صدرَ كتاب الشيخ محمود الصالح(النبأ اليقين عن العلويين) المطبوع سنة 1961م، الذي أعادنا إلى جو (تاريخ العلويين) ؛ نظراً للتشابه في المواضيع بين الكتابين، فالشيخ محمود الصالح تكلّم في كتابه(النبأ اليقين) عن المواضيع التالية:

تعريف العلوي، دين العلوي ومذهبه، معتقدات العلويين، عادات العلويين، في ذكر بعض رجال الفكر القدماء في العلويين، في الأدوار التاريخية التي تعاقبت على العلويين، في نهضة العلويين.

ومن إلقاء نظرة سريعة على مضمون الكتاب، يتبيّن أنّ مؤلّفه - خلافاً للطويل في(تاريخ العلويين) - تحدّث عن دين العلويين ومذهبهم ومعتقداتهم في فصل مستقل، لكن ما كتبهُ بهذا الخصوص أقلّ سعة وشمولية وتفصيلاً ممّا كتبهُ الطويل عن دين العلوي ومذهبه يقول:

(فدينُ العلوي: التوحيد المحض، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق، والإقرار بنبوّة سيّد الرسل محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، والاعتقاد بالمعاد، والعمل بدعائم الإسلام الخمس. ويتَّفق وجميع الشيعة الإمامية على زيادة ركن خامس على هذه الأركان الأربعة، ألا وهو: الاعتقاد بالإمامة، يعني أنّ العلوي يعتقد أنّ الإمامة منصب إلهي يختار الله لها مَن يشاء اختياره للنبوّة والرسالة. وكما أنّ تأييد النبي بالمعجزة نصّ عليه من الله، فالبارئ سبحانه يأمر نبيه بالنصّ على مَن يُنصّبه إماماً للناس من بعده ؛ للقيام بالوظائف التي كان يقوم بها النبي، سوى أنّ الإمام لا يوحى إليه.

والأئمة عند العلويين اثنا عشر، كل سابق ينصّ على اللاحق، والاعتقاد بعصمتهم شرط في صحة إمامتهم، وإلاّ لزالت الثقة بهم. وأولهم آخر الأوصياء لآخر الأنبياء الإمام علي المرتضى، فالحسن المجتبى،

٢٣٨

فالحسين شهيد كربلاء، فعلي زين العابدين، فمحمّد الباقر، فجعفر الصادق، فموسى الكاظم، فعلي الرضا، فمحمد الجواد، فعلي الهادي، فالحسن العسكري، فمحمد بن الحسن المعروف بالمهدي، القائم المنتظر، حجّة العصر والزمان.. صلوات الله عليهم أجمعين.

والعلوي شديد التمسّك بولائهم، حريص على الاعتقاد بأنّهم أمناء الله في أرضه وخزَنة علمه، وحججه على خلقه، وأنّهم أئمة معصومون.

وقصارى القول: فالعلوي مسلم مؤمن يدين لله دين الحق دين الإسلام، كتابه القرآن، وقبلته الكعبة. يعرف ما افترضهُ الله عليه في يومه وعامه وعمره، فيؤدّي من ذلك ما يستطيع. يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُصلح ما أمكنه الإصلاح. ويحلّل ما حلّل الله ورسوله، ويحرّم ما حرّم الله ورسوله، لا يخاف في الله لومة لائم. جعفري، يرجع في فتاويه المذهبية ومسائله الفقهية إلى أحكام مذهب الإمام أبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، وعن هذا الإمام المعصوم يأخذ العلوي الفقه ويروي العلم، وعلى مذهبه يقيم الصلاة، وفيه يؤلّف مصنّفاته).

وعن معتقدات العلويين يقول:

(لا خلاف البتّة بين المسلمين العلويين وبين بقية إخوانهم المسلمين في جوهر الدين وأصوله، فأصول الدين عندهم هي نفسها الأصول الخمسة عند جميع الإماميين، وهي: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد.

يعتقد المسلمون العلويون: أنّ الله عزّ شأنه خلقَ العبد ومَنحه الاستطاعة على الفعل والترك قطعاً، لعذره في ترك ما يؤمر به أو فعل ما يُنهى عنه، وأوجَدهُ مختاراً له حرّية الإرادة والمشيئة في أفعاله الشخصية، فهي منه وله، وهو موكول في أعماله إلى نفسه بعد أن وضحت له مناهج الخير والشر.

ويعتقد العلويون: أنّ ما ينزل بالعباد من مصائب ويحيق بهم من مكاره، هو نتيجة ما كسبوا، وجزاء ما عملوا ؛ لثبوت اعتبار العدل الإلهي أصلاً من

٢٣٩

أصول الدين عندهم.

وقد حرصَ المؤلّف على تعريفنا بأسماء بعض فقهاء وأدباء العلويين القدماء، فعرفنا منهم:

1 - الفقهاء:

- أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، صاحب كتاب (تُحف العقول عن آل الرسول).

- أبو محمد يزيد بن شعبة.

- أبو الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمنشد.

- أبو حمزة الكتاني.

- أبو الحسن علي بن بطّة الحلبي.

- حيدر بن محمد القطيعي.

- عبد الرحمان الجرجري.

2 - الأدباء:

- أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري.

- الوزير أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني، المعروف بالصاحب.

- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الخطيب الخصيبي.

- أبو الفتح عثمان بن جني النحوي.

- أبو محمد عبد الله بن عمرو بن محمد الفياض، كاتب سيف الدولة ونديمه.

- السري بن أحمد الكندي، المعروف بالسري الرفاء.

- أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان، المعروف بالخبّاز البلدي.

- الأمير حسن بن مكزون السنجاري.

٢٤٠