العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة0%

العلويون بين الاسطورة والحقيقة مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 368

  • البداية
  • السابق
  • 368 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100504 / تحميل: 11178
الحجم الحجم الحجم
العلويون بين الاسطورة والحقيقة

العلويون بين الاسطورة والحقيقة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيخ إبراهيم عبد اللطيف (ت 1915م)

كم شجيٍّ أسال بين الطلول

حرّ دمعٍ لبينهم مطلولِ

سارت العِيس بالأحبةِ عنه

فتمشّى الفؤادُ إثرَ الحمول

شرق الجفن منه بالدمع لما

شرق الربعُ فيه بعد الرحيل

فهو بين الرسوم يُمسي ويُضحي

رهن حالين زفرةً وعويل

حاضرُ الشخصِ نازحُ القلبِ حيـ

رانُ قصيُّ الحبيب دانِ العذول

مستعيضاً عن الشراب سراباً

وعن الحيّ رثِّ رسمٍ محيل

سائقَ الظعن إنْ مررتَ بنجدٍ

خل عن ذكر حوملٍ والدخول

واعطف الركب نحو حيِّ سعاد

حيث بُرءِ الضنى وبَردِ الغليل

حيث تهوى الركبان فوق قلاص

ضامرات من وخدها والزميل

حيث تهوى القلوب من كلِّ فجٍ

لتنال القبول بالتقبيل

حيث عينٍ المها منيعةُ وصلٍ

بين سمر القنا وبيض النصول

لهفَ نفسي متى أفوز بقربٍ

يشتفي فيه داءُ قلبٍ عليل

ليس إلاّ ولايتي واعتصامي

لسفين النجاة آل الرسول

* * *

الشيخ سليمان الأحمد (ت 1942م)

يا ساكنيْ النجفَ الشريفِ عليكم

من ذي الجلال تحيةٌ وسلامُ

حبِّي لكم في الله يذكي غرسه

بفؤادي الإيمان والإسلام

* * *

فكّرتُ فيما يريحُ الفكرَ من وصبٍ

وينقذُ القلبَ من همٍّ ومن حَزَنِ

فما وجدت فتىً يصفو له زمنٌ

ولا أخا منحةٍ يخلو من المحن

ولم أجدْ راحةً للنفسٍ كاملة

ضمن الشرائع والأسفار والسنن

إلاَّ التقية والتسليم يعضده

صدق الولاء يقيناً في أبي الحسن

* * *

٢٦١

إنْ ترهبِ الموت فما بعدَه

أسرُّ للأنفسِ أو أرهبُ

فاغتنم الوقت لفعل التقى

فإنما عمر الفتى يُنهبُ

* * *

سيأتي عليك اليوم لا ليل بعده

أو الليلة الليلاء ليس لها صبحُ

فمَن ربح التقوى، ولو خسر الدُنى

فإقتاره يُسرٌ وخسرانه ربحُ

* * *

لا يفخرنَّ أخو التنسُّك

بالعبادة والزهاده

أنا في اعتقادي كل فعلِ

الواجبات من العباده

مثْل الفقيه بدينه

مستنبطاً، بذَل اجتهاده

رجلٌ يسود قبيلةً

أدّى بها حقَّ السياده

وأميرُ جيشٍ باذلٍ

دمه يصون به بلاده

ومعلم الأولاد يُكثر

في رقيِّهمُ اجتهاده

وكذاك راعي السِّربِ

يدأب مخلصاً عنه ذياده

كلٌّ يوفَّى حسب منزله

غداً أجر الإجاده

ومن السعادة أن تكون

مُلهماً طلبَ السعاده

* * *

مالي عرفتُ معايبي

فضربت عنها الذكر صفحا

وطفقتُ أشرح ما أرا

ه من عيوب سواي شرحا

وغدوت أسهِب كي أحطَّ

مقامه طعناً وجرحا

هذا وداعي العقل يز

جرني فأطوي عنه كشحا

لم يألني حر الضمير

عن اجتناب القبح نصحا

أبذاك تأمرنا الولا

ية ربنا عفواً وصفحا

* * *

٢٦٢

الشيخ عبد اللطيف سعود (ت 1954م)

تفكَّر إذا صلَّيتَ فيما تقوله

فلَلْنوم خيرٌ من صلاةٍ بلا فكرِ

وإنْ صمت فاطعم جائعاً واكسِ عا

رياً وإلاّ فخلّ الصوم للجاهل الغمر

* * *

إن كنت تطمع بالنجا

ة لدى الإله ولا نجاه

فاعمل بذي وبتلك فيما

قد أُمرت تنل رضاه

ودع الرياء ولا تكن

إلاّ بذكر الله لاه

* * *

أيُّها القائلون بالإلحاد

لا هُديتم إلى سبيلِ الرشادِ

مَن تُرى علَّم الخلائق أم

مَن قد أناط الأرواح في الأجساد

ما هي الروح كيف تحيي مواتاً

هو طبعاً بدونها كالجماد

جمعت فيه بين ماء ونارٍ

وأرته الأشياء ضمن الرقاد

مَن تُرى علَّم الطبيعة حتّى

ألَّفتْ بين هذه الأضداد

* * *

الشيخ أحمد محمد حيدر (ت 1975م)

النفس البئيسة

بين نعمى العرفان والتوحيد

إهنأي في عوالم من خلودِ

وافتحي العين للضياء فقد

أشرق ملء الرُّبى وملء النجود

تستنيري بومضة العلم، رفَّتها

معاني الإيقان، والتجريد

فتكوِّني من شُعَّة القدس

رعشاتِ ضياءٍ بمظلمات وجودي

آه يا نفس والطريق وعير

آمتٌ بين مهْبَطٍ وصعود

وثغور الورود آهٍ من الأشواك

تُنحَّي على ثغور الورود

واشتباك الأحراج يمنع ضوء الشـ

مس رغم الضحى البهير المديد

وزئير الأسود تمزج فيه

نغمات التلحين، والتغريد

٢٦٣

آهٍ للمفرد البئيس إذا ما

اجتاز بيداءَ عن آلافِ بيد

سائر والكلال يأخذ منه

بين شقَّي أساود وأسود

عضه الويل، والمخاوف والضر

بأدهى سلاسل وقيود

مَن وُبِيء المزاج، من مزعجات

الجسم، يأوي إلى المقر اللدود

أين منه الإخلاص، أيسر ما ير

جوه، من دونه طويل الهجود

لا ينال الخلاص، إلاَّ ولاء

عارف، جلَّ عن خمود الجمود

عمَّ آفاق نفسه فهو منها

مشرق الشمس بالرُبى والنجود

كل أعماله الوضيئات تنساب

عليها حلاوة التوحيد

لذة بارتشافها، ما تراءت

لأخي الشوق، بالشتيت البرود

يشرق الليل من سناها فيضحي

كالضحى، في سنائه المشهود

* * *

آية الرشد

ليس دونيَ بابُ الهداية يوصد

مذ تدرّعت حبّ آل محمّدِ

فهم العروة التي راح يلقى اللْـ

لَه مستمسكاً بها كل مهتد

إنَّما الكائنات سفر عليهم

أبداً لا يزال يثنى ويحمد

فنجوم السماء لولا ولاهم

لم أخَلْ أن نورها يتوقّد

وبهم تلكم الكوائن ما زالت

وما إن تزال تشقى وتسعد

لي فيهم وفي سواهم حديث

لا يعيه العقل الجهول المبلَّد

إنهم سر نشأة الكون والو

حي إلى الأنبياء بذلك يشهد

آية الرشد والصلاح ولاهم

لا فروض لها يقام ويقعد

* * *

أسيرة البدن

أأسيرة الأبدان هل نعمت بغربتها أسيره

فارقت مأواك النضير وتلكم الحال النضيرة

لا تكتمي عني الحديث، وأحسني إعلانه

فأنا الكتوم إذا أردت على المدى كتمانه

٢٦٤

ليس الوفي فتىً يكاتم سرَّه.. خلاَّنه

ارتكت روض القدس رنَّحتْ الصَبا أغصانه

والطير في سمع الأزاهر ساكباً ألحانه

والحور تشجي في أحاديث الهوى ولْدانه

أتركت مجبرة رياض القدس والنعم الوفيره؟!

أم كنت راضية بما جرت عليك يد الجريره؟!

مالي أراك نثرت هذا الدمع؟ مالك باكيه؟!

أتركت ذياك الترفه والحياة الصافيه؟!

أتركت ما قد كان من، دنيا الخلود النائيه؟!

أذكرتهن لذا دموعك لا تني متتاليه؟!

سيري على وضح الطريق، وجانبي تلك الوعوره

فلقد أنار لقاصديه، ومهد السبل الوعيره

فترفّقي بي إنما، أشقيتني وشقيت بي

واستوبئي يا نفس هذا العيش، والعمر الوبي

وتجمّلي بالصالحات، وآثِرِي شرْع النبي

مَن ضلَّ عنه، ضلَّ عن سنن المآل الطيب

ما زلت في بهماء مظلمة الجوانب سبسب

ما فاز في الدارين إلَّا المخلص الصافي السريره

كلا ولا غير الذي تخذ الولا... بهما ذخيره

* * *

٢٦٥

الهبطة

(مقاطع مختارة)

تنازعني حيناً وجوبي وممكني

ففاز وجوبي بي، وتمَّ له الغلب

ومذْ أشرقتْ شمسي تكبّدت الضحى

وجلّت بأن ينتابها الشرق والغرب

فكنت لعمر الله مجلى مظاهر

تنافس في إكبارها العجم والعرب

وقد كُشفتْ عنِّي ستورٌ دجنتي

فأبصرتُ لا ستر هناك ولا حجب

فلا لبّ إلاَّ وهو لبي وإن يكن

فسري له سر، ولبي له لب

ولا أذن إلاَّ من سماعي صماخها

ولا قلب إلاَّ من فؤادي له قلب

ولا ناظر إلاَّ وعقلي شعاعه

ولا من رحى إلاَّ وكوني لها قطب

فيوضاتُ أسماء الإله تبرّجت

عليَّ تحاماها الجلالة والعجب

هبطت إلى ذي الدار أمتار ريعها

بما سنه المختار والآل والصحب

هبطت وليس الذنب مصدر هبطتي

وفي جنب عفو الله يحتقر الذنب

ولا باعتراضي قيل عنه كناية

وأخبر عنها الله والرسل والكتب

هبطت ليعطى الكون في كماله

وأكمل فيه هكذا حكم الرب

وأبصرت آيات الإله سوافراً

يضاحكني في ظلها الأمل الرطب

تعاقب أبداني على الروح ريثما

تطهر والتكرير يحتاجه العذب

علمت بأني في بلائي فائز

بنعمى جلال القدس فاستسهل الصعب

فإن تك بي تلك المصائب صبّة

فإنّي بها من ذلكم مغرم صب

وإن نفضتني الحادثات فريعها

بكفي أسلاب وإنتاجها نهب

وإن حبست روحي بجسمي فإنها

مع القيد بالإطلاق منزلها رحب

* * *

الشيخ محمد ياسين (ت 1976م)

مالي سوى حب النبي وآله

حرز غداً نار الجحيم يقيني

يا رب زدني في ولاهم رغبة

وتمسّكاً وهوىً وحسن يقيني

* * *

٢٦٦

مَن اتخذ الحطام الدهر كسباً

فإن ولا أمير النحل كسبي

عقدت على محبته ضميري

وأخلصت الولاء له وحسبي

* * *

إذا قيل لي ماذا تزوَّدتَ للقا

أقول مبيناً مقصدي ومرادي

تزوَّدتُ حب الغر آل محمد

وحسبي به زاداً ليوم معادي

نشأت عليه مذ نشأت وإنني

عليه أُوالي مَن أرى وأُعادي

فيا رب ثبتني عليه وأبقه

بلبِّي ما دام المدى وفؤادي

* * *

سألتك يا مَن عن دواعي الفنا جلاّ

ويا مَن لإرشاد الورى أرَسَل الرُسلا

ويا ذاري الأكوان قدماً بأيده

ويا كافياً مِن خلقه البعض والكلاَّ

ويا مسبغ النعمى على الناس رحمة

ومثقلهم طولاً وموسعهم بذلا

دعوتك لا إني أمت بصالح

ولا إنني فرضاً أقمت ولا نفلا

ولا إن لي ما أستعين به سوى

محبة أهل البيت أعلى الورى نبلا

شموس الهدى الغر الألى من أحبهم

وأخلص عن علم فقد فاز واستعلى

أئمتنا الأطهار بشرى لكل مَن

بهديهم المولى له وَصَلَ الحبلا

هداة البرايا آل أحمد من بهم

وطاب رجائي قد تأملت أن تملا

أُولي النسب العالي الأولى بولائهم

بحشري لميزاني غداً أرتجي الثقلا

محمد سبطاه علي محمد

وجعفر موسى فالرضا ذكره جلا

محمد فالهادي علي حسن محمد

القائم المهدي مَن ينشر العدلا

إليك بهم ربي توسّلت ضارعاً

ودمعي خوفُ الذنب وجهي قد بلا

فكن لي وللإخوان يا رب سامعاً

فإنك مولانا ويا حبَّذا المولى

بلطفك ما نرجوه من فضلك أحبنا

وانجز لنا الميعاد واجمع لنا الشملا

وصفِّ نوايانا وقوِّ ضعيفنا

وبلْعِز فابدل يا كريم لنا الذلا

وسُقْنَا لِمَا ترضاه واغفر ذنوبنا

وبالكثر بدّل يا رحيم لنا القلا

وبدد جيوش البؤس عنا وخصَّنا

بعونك وامنحنا الفضيلة والفَضلا

٢٦٧

وكفِّر خطايانا واغْنِ فقيرنا

وأنجح مساعينا وحْسِن لنا الفعلا

وطهِّر من الأدناس لطفاً قلوبنا

وللمجد فاجْعلنا إله الورى أهلا

وبالعلم والإيمان فاشْرح صدورنا

ونوِّر لنا يا ذا العُلى الذهن والعقلا

وأتمم لنا يا خالق الخلق نورنا

وسامح لـمَن منّا على غَرةٍ ذلاَّ

وأصلح لنا الأحوال فضلاً واعطنا

أجلَّ العطايا والمآرب والسؤلا

وشد أيا مبدي الوجود محالنا

بيوم به عدلاً سرائرنا تبلى

وحقّق بك اللَّهُم ربِ ظنوننا

ودر علينا خيرك الوافر الجزلا

ولا تُقصنا عن سرعة الحق وأهدنا

كما أنت مولانا طريقتك المثلا

وفي هذه الدنيا فَسِر خالقي بنا

على الوجهة البيضاء والخطة الفضلى

وإن نقض فانقلنا لجنتك التي

جديد علاها لا يرِثُّ ولا يبلى

وسدِّد مرامينا ومِن عفوك اسقنا

شراباً من الماذي في طعمه أحلى

* * *

الشيخ محمد حمدان الخير (ت: 1978م)

أتحسب أنني يا دهر آسى

على فقد الطعام أو الشراب

كفاني من نعيم العيش أنّي

أُوالي المصطفى وأبا تراب

وكلُّ مرفَّهٍ بمتاعِ دنيا

فذلك لم يرد غير السراب

* * *

رضيت الأخذ بالثقلين ديناً

ولم أعدل عن النص الصريح

ولم أسبغ على وحيٍ غشاءً

كثيفاً من إبطيل الشروح

ولا أوردتُ فجَّ الغي قومي

ولا سرحت بواديه سروحي

ولا هبّت على أبناء طه

بنار الحقد والشنآن ريحي

ولكن بالقلى طهّرت نفسي

كما بهواهم نجّيت روحي

هنائي بالأذى فيهم فزدني

ولا تأل النكاية من جروحي

* * *

٢٦٨

لا تدعونّي للوفاق على الهدى

بيني وبينك في الولاء فراسخ

نَسَخَ الكتابُ القِبلةَ الأُولى فهل

للحب في القربى كتابٌ ناسخ

هيهات يدنو الزيغ مني بعد ما

هو في من سر الولاية راسخ

وتقول أنت أخي ويغرّق في الأذى

بدمي ولحمي منك ناب فاسخ

ولقد علمت بأنه سبحانه

مستدرج للمعتدين وماسخ

* * *

مالي تفيَّأت من مخضلِّ عاجلتي

ظلاً فما رفَّ بالنعمى ولا ورفا

وما بكيت شبابي حين ودّعني

إنّي لأبكيه إذ ضيّعتُه ترفا

ألْقيتُ حبل غروري أبتغي قنصاً

فما أصبتُ ولم أحبِس له طرفا

صرفتُ جِدة عمري غيرَ مقتصدٍ

وهل يَئُوب من الأيام ما انصرفا

حتَّام ركب الليالي ينتحي أجلي

كالسيل يجرف حسب السيل ما جرفا

قلْ للشباب الذي خرمت بردته

هذا المشيب لما خرقت منه رفا

عاجت على الشاطئ المأمون راحلتي

وكم تقحّم بي إيغالها جرفا

لأهدين بني الزهراء من عمري

بقية تستميح الفوز والشرفا

تمحو الولاية ما تأتيه آثمة

نفسي الولي وتذرو كل ما اقترفا

وكيف يوجِس خوفاً مَن أعَدَّ له

خلائف المصطفى من أمنهم غُرفا

غاليت فيهم على علم وبيِّنة

ليس المغالاة في آل الهدى سرفا

وحاشى للهِ ما أنكرت وحدته

إن الوجود ومَن فيه بها اعترفا

لكنّهم سفراء في خليقته

معرفون فلولاهم لَمَا عُرفا

وما استقام به والله في مقة

حيران عن غيرهم لم يلفِ منحرفا

ولا رعى الحب قلباً راح قارفُه

من الطفوف يداوي منه ما قرفا

وربَّما غرَّت المفتون غيّته

فما ارعوى بل بما لم يدره هرفا

لا تكرعنّ هداك الله من نهر

ما فاز شاربه إلاّ مَن اغترفا

ليس الأوائل شراً من أواخرها

إنّ البكار تلون الجلة الشرفا

* * *

هذه هي الطائفة العلوية، أو (النصيرية) كما يحلو للبعض أن يسمِّيها

٢٦٩

تجنِّياً، التي حار بأمرها المؤرّخون، وذهبت أقوالهم فيها كل مذهب. والتي اعتبرها فيليب حتّى (اللغز الديني الذي لم يحل حلاً كاملاً في الشرق الأدنى)(1) .

وفي الحقيقة ليست هي باللغز، بل فرقة إسلامية، إمامية، جعفرية، إثنا عشرية، تدين بمذهب آل البيت، وعقائدها واضحة تفصح عنها أشعارهم وكتاباتهم.

* * *

____________________

(1) تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج2، ص219.

٢٧٠

كتاب الهداية الكبرى(1)

للشيخ أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي

هذا الكتاب يشتمل على أسماء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، في السرياني والعبراني والعربي وجميع اللغات المختلفة، وأسماء فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وعلى الأئمة الراشدين الحسن والحسين ابنا علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن الحجّة، سَمّي جدّه

____________________

(1) يقول بروكلمان في (تاريخ الأدب العربي) ج3: (إنّ الخصيبي قدّم كتاب (الهداية الكبرى) وكتاب آخر اسمه (المائدة)، إلى سيف الدولة الحمداني ونوّه بأنّ الكتابين مفقودان). وذكرَ بروكلمان - نقلاً عن ماسينيون - أنّ كتاب الهداية ما زال يُقرأ في إيران.

والنسخة التي بين أيدينا كثيرة الأخطاء ؛ تدلّ على جهل ناسخها باللغة العربية وقواعدها، ولم يتسنَّ لنا الحصول على نسخة أخرى لمطابقتها بالنسخة التي لدينا، ولذلك رأينا أن ننشر الفصل محاولين جهد المستطاع تصحيح بعض الأخطاء، تاركين الأخطاء الأخرى ليرى القارئ ما أصاب هذه المخطوطات من تحريف بسبب النسّاخة.

٢٧١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكنيته كنية جدّه، ولقبه: المهدي، والغائب، والمنتظر، صلوات الله عليهم أجمعين،... وأسمائهم وكناهم، والخاص والعام منهم، وأسماء أُمهاتهم ومواليدهم وأولادهم ودلائلهم وبراهينهم في الأوقات، ووفراً من كلامهم وشاهدهم وأبوابهم، والدلالة من كتاب الله عزّ وجل والأخبار المروية المأثورة بالأسانيد الصحيحة، وفضل شيعتهم...

باب: مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام وعلى آل بيته وذريته الطاهرين.

مضى أمير المؤمنين وله ثلاثة وخمسون سنة، في عام الأربعين من أول سِني الهجرة، وكان مقامه بمكّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة في ظهور الرسالة، وقامَ معه بالمدينة عشرة سنين، ثمّ قُبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقامَ بعده أيام أبي بكر سنتين وشهور، وأيام عمر تسع سنين وشهور، وأيام عثمان اثنتي عشرة سنة، وأيامهعليه‌السلام ست سنوات، الجميع ثلاثون سنة.

ومضى عليعليه‌السلام بضربة من عبد الرحمان بن ملجم المرادي، في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، ورووا أنّ شَبهه وقعَ على شبث بن ربعي الخيبري وكان اسمه علي، وفي القرآن مبيّن، وقوله في قصّة إبراهيمعليه‌السلام :( وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ) ، وقوله تعالى إجابة لإبراهيمعليه‌السلام :( وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِن رّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ) ، وقوله:( وَإِنّهُ فِي أُمّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيّ حَكِيمٌ ) .

وله في القرآن ثلاثمئة اسم، وروت الأسانيد الصحيحة. ووجدتُ في قرآن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه)، الذي قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مَن أراد أن يسمع القرآن غضّاً طريّاً كما أنزلهُ الله تعالى، فليسمعه من فم أُم عبد الله) (هي أُم عبد الله بن مسعود)، وبهذا كان يدعوه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبيه، ففي قرآنه: إنّ علياً جَمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه، ثمّ إنّ علياً بيانه). وقوله تعالى:( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، والمنذر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

٢٧٢

والهادي عليعليه‌السلام . وقوله تعالى:( أَفَمَن كَانَ عَلَى‏ بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ) ، والشاهد منه عليعليه‌السلام . وقوله تعالى:( عَمّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَبأ الْعَظِيمِ * الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) .

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام لعلي بن دراع الأسدي، وقد دخلَ عليه وهو محتبي في جامع الكوفة، فوقفَ بين يديه فقالعليه‌السلام : (أرقتَ مدى ليلتك)، فقال له: ما أعلمك يا أمير المؤمنين بأرَقي؟ قال: (ذكرتني والله في أرقك، فإن شئتَ ذكّرتك وأخبرتُك به)، فقال علي بن دراع: أنعِم عليَّ يا أمير المؤمنين بذلك، فقال له: (ذكرتَ في ليلتك هذه قول الله عزّ وجل:( عَمّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَبأ الْعَظِيمِ * الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) فأرقك وفكّرت فيه. وتالله يا علي، ما اختلفَ الملأ إلاّ بي، وما لله نبي هو أعظم مني، ولي ثلاثمئة اسم ما لا يمكن التصريح بها ؛ لئلاّ يكبر على قومٍ لا يؤمنون بفضل الله عزّ وجل على رسوله وأمير المؤمنين والأئمة الراشدين).

واسمه عليه‌السلام في صحف شيث، وإدريس، ونوح، وإبراهيم، وبالسرياني: مبين. وباللسان العبراني: الهيولى، والأمين، والثبات، والبيان، واليقين، والإيمان. وفي التوراة: إليا. وفي الزبور: أريا. وبلغة الزنج: جينا. وبلسان الحبشة: تبريك. وسُمّي يوم القليب - وقد سقطَ عثمان في البير من ذاته الهلالية فعلُق أمير المؤمنين برجله وأخرجه فسمته -: ميموناً، وبلسان الأرمن: إفرقيا، وباللسان العربي: حيدرة. وسمّاه أبو طالب، وهو صغير يصرع أكابر إخوته: ظهيراً، وكنّاه: أبو الحسن والحسين، وأبو شبّر، وأبو شبير، وأبو الأتراب، وأبو النور، وأبو السبطين، وأبو الأئمّة.

وألقابه: أمير المؤمنين، وهو اللقب الأعظم الذي خصّه الله به وحده، ولم يُسمّ أحداً قبله ولا يسمّى به أحد بعده، وإلاّ كان مأفوناً في عقله ومأبوناً في ذاته، وأمير النَحل، والنحل هم المؤمنون، والوصي، والإمام، والخليفة، وسيد الوصيين، والصدّيق الأعظم، والفاروق الأكبر، وقسيم الجنّة والنار، وقاضي الدَين، ومنجز الوعد، والمحنة الكبرى، وصاحب اللواء، والراد عن الحوض، ومهلك الجان الأعظم، الأنزع البطين، الأصلع الأمين، وكاشف

٢٧٣

الكرب، ويعسوب الدين، وباب حطة، وباب المقام، وحجّة الخصام، ودابة الأرض، وصاحب القضايا، وفاصل القضاء، وسفينة النجاة، والمنهج الواضح، والمحجّة البيضاء، وقصد السبيل، وجرارة قريش، ومُفتي القرون، ومكر الكرات، ومديل الدولات، وراجع الرجعات، والقرم الحديد الذي هو في الله أبداً جديداً.

وأُمّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، ولم يكن في زمانه هاشمي ابن هاشمية غيره وغير إخوته: جعفر، وطالب، وعقيل، وابنيه الحسن والحسين، وابنتيه زينب وأُم كلثومعليهم‌السلام .

ومشهده في الذكوات البيض بالغريّين غربي الكوفة. وفي مشهده خبر، قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدّثني أحمد بن صالح، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الإمام التاسععليه‌السلام ، عن أبيه علي الرضا وموسى الكاظم وجعفر الصادقعليهم‌السلام ، أنّ الصادقعليه‌السلام قال للشيعة بالكوفة، وقد سألوه عن فضل الغريّين والبقعة التي دُفن فيها أمير المؤمنين (ولِمَ سُمّي الغريّان غريين)، فقال: (إنّ الجبّار المعروف بالنعمان بن المنذر كان يَقتل أكابر العرب ومَن ناوأهُ من جبابرتهم وكبرائهم، وكان الغريان على يمين الجادّة، فإذا قَتلَ رجلاً أمرَ بحمل دمه إلى جادّة العلمين حتى يغريانه، يريد بذلك يشهده المقتول إذا رأى دمه على العلمين، من أجل ذلك سُمّي الغريان).

وأمّا البقعة التي فيها قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فإنّ نوحاً (صلوات الله عليه) لمـّا طافت بهم السفينة وأُهبط جبرائيلعليه‌السلام على نوح، فقال: (إنّ الله يأمرك أن تنزل ما بين السفينة والركن اليماني، فإذا استقرّت قَدماك على الأرض فابحث بيدك هناك ؛ فإنّه يخرج تابوت آدم فاحمِله معك في السفينة، فإذا غاصَ فابحث بيدك الماء، فادفنه بظهر النجف بين الذكوات البيض والكوفة ؛ لأنّها بقعة اخترتُها لك يا نوح، ولعلي بن أبي طالب وصي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففعلَ نوح ذلك ووصّى ابنه سام أن يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم، فإذا زُرتم مشهد أمير المؤمنين فزوروا آدم ونوح وعلي بن أبي طالبعليهم‌السلام ).

٢٧٤

وُلِد لأمير المؤمنينعليه‌السلام من فاطمةعليها‌السلام : الحسن، والحسين، ومحسن الذي مات صغيراً، وزينب وأُم كلثوم (عليهم السلام جميعاً). وكان له من خولة الحنفية: أبو هاشم محمد بن الحنفية. وكان له: عبد الله، والعباس، وجعفر، وعثمان من أُم البنين، وهي جعدة بنت خالد بن زيد الكلابية. وكان له من أم عمر التغلبية: عمر، ورقية، وهي من سبي خالد بن الوليد. وكان له يحيى من أسماء بنت عميس الخثعمية. وكان له محمد الأصغر من أم ولد. وكان له الحسين ورملة وأُمهما أُم شعيب المخزومية. وكان له: أبا بكر، وعبد الله، وأُمّهما المهلا بنت مسعود النهشلية. والذي أعقبَ من ولد أمير المؤمنين الحسن والحسين عليه وعليهما السلام، ومحمد بن الحنفية، والعباس، وعمر.

قال: ومضى أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلّف منهنّ: أمامة بنت زينب ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليلى التميمية، وأسماء بنت عميس الخثعمية، وأم البنين الكلابية، وثمانية عشر ولَداً، ولم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوّج وتمتّع بحرّة ولا بأمَة في حياة خديجةعليها‌السلام إلاّ بعد وفاتها، وكذلك أمير المؤمنين ما تزوّج ولا تمتّع بحرّة ولا بأمَة في حياة فاطمةعليها‌السلام إلاّ بعد وفاتها.

وكان اسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (إنّا أهل بيت نبوّة ورسالة وإمامة، وإنّه لا تقبلنا عند ولادتنا القوابل، وإنّ الإمام لا يتولّى ولادته ووفاته وتغميضه وتغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه، إلاّ الإمام الذي يتولّى بعده).

وقد تولّى وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتغميضه عليعليه‌السلام ، وغسّله وكفّنه وصلّى عليه، وتولّى أمر أمير المؤمنينعليه‌السلام ولَداه الحسن والحسينعليهما‌السلام ، توليا تغميضه وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، ولم يحضر أحد غيرهما ودفناه ليلاً، ولم يظهر على مشهده أحد إلاّ بدلالة صفوان الجمّال، وكان جمّال دلّه الصادقعليه‌السلام ، ثمّ دلّت عليه الأئمة من موسى بن جعفر، وعلي الرضا، ومحمد المختار، وعلي الهادي، والحسن العسكري، ورواه شيعتهم،

٢٧٥

وكان دلالة صفوان على مشهد أمير المؤمنين وله دلالة ظهرت للناس.

قال الحسين بن حمدان: حدّثني محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن جمهور القمي، عن عبد الله الكرخي، عن علي بن مهران الأهوازي، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان الزاهري، عن المفضّل بن عمر الجعفي، عن مولانا الصادقعليه‌السلام ، قال المفضّل: دعاني سيدي الصادق في جنح الليل وهو مقتم أسود، فحضرتُ داره وهي تزهو نوراً بلا ظلمة، فلمّا مثلتُ بين يديه قال: (يا مفضّل، مُر صفواناً أن يصلح لي على ناقتي السعداء رحلها وأقم في الباب إلى وقت رجوعي إليك)، ثمّ خرجَ مولاي الصادقعليه‌السلام وقد أحضرَ صفوان الناقة، وأصلحَ رحلها فاستوى عليها وأثارها، ثمّ قال: (يا صفوان، خذ بحقاب الناقة وارتدف)، قال: ففعلَ صفوان ذلك ومرّت الناقة كالبرق الخاطف وكاللحظ السريع، وجلسَ بالباب حتى مضى من الليل سبع ساعات من وقت ركوب سيدي الصادقعليه‌السلام .

قال المفضّل: فرأيتُ الناقة - وهي كجناح الطير - وقد انقضت إلى الباب ونزلَ عنها مولايعليه‌السلام ، فانقلبَ صفوان إلى الأرض خافتاً، فأمهلتهُ وأقبلتُ أنظر إلى الناقة وهي تخفق والعرق يجري منها حتى أنابَ صفوان، فقلت: خذ ناقتك إليك وعُد، إلى أن خرجَ مغيث خادم مولاي الصادق فقال: سَل يا مفضّل صفوان عمّا رأى، ويا صفوان حدّثه ولا تكتمهُ.

قال: فجلس صفوان بين يدي وقال: يا مفضّل، أُخبرك بالذي رأيتُ الليلة، قد أذِن لي مولاي، قال: نعم، قال: أمرَني سيديعليه‌السلام فارتدفت على الناقة ولم أعلم أنا في سماء أم في أرض، غير أنّي أحسّ بالناقة وكأنّها الكوكب المنقض حتى أناخت، ونزلَ مولايعليه‌السلام ونزلتُ وصلّى ركعتين وقال: (يا صفوان، صلِّ واعلم أنّك في بيت الله الحرام)، قال: فصلّيت ثمّ ركبتُ وارتدفت، وهبّت الناقة كهبوب الريح العاصف ثمّ انقضّت فأناخت فنزلَ مولايعليه‌السلام فقال: (صلِّ يا صفوان ركعتين واعلم أنّك في المسجد الأقصى)، قال: ثمّ ركبَ وارتدفت وسارت الناقة وهبطت فأناخت فنزلَ عنها ونزلتُ، ثمّ قال: (صلِّ يا صفوان واعلَم أنّك بين قبر جدّيعليه‌السلام

٢٧٦

ومنبره)، قال: فصلّيت فقال: (يا صفوان، ارتدف من ورائي)، فارتدفتُ فسارت مثل سيرها وانقضت منزل مولايعليه‌السلام وصلّى وصلّيت، فقال: (يا صفوان، أنت على جبل طور سيناء الذي كلّم الله عليه موسى بن عمرانعليه‌السلام ، ثمّ ركبَ وارتدفت وانقضت فنزلَ عنها ونزلتُ، فإذا هو يحمر بالبكاء يقول: (جَللتَ من مقامٍ ما أعظمك، ومصرع ما أجلّك، أنت والله البقعة المباركة والربوة ذات قرار ومعين، وفيك والله كانت الشجرة التي كلّم الله منها موسىعليه‌السلام بكربلا، ما أطول حزننا بمصابنا فيك إلى أن يأخذ الله بحقّنا).

قال: وتكلّم بكلام خفي عنّي، ثمّ صلّى ركعتين وأنا أبكي وأُخفي بكاي، ثمّ ركبَ وارتدفتُ فنزلَ عن قريب ونزلتُ، وصلّى وصليت، فقال: (يا صفوان، هل تعلم أين أنت)، قلت: يا مولاي، عرّفني حتى أعرف، قال: (أنت بالغريّين في الذكوات البيض، في البقعة التي دُفن فيها أمير المؤمنين عليعليه‌السلام )، قال: فقلت: يا مولاي، فاجعل لي إليها دليلاً، قال: (ويحكَ بعهدي أو بعدي)، قال: فقلت: يا مولاي بعهدك وبعدك، قال: (على أنّك لا تدلّ عليها ولا تزورها إلاّ بأمري)، قال: فقلت: يا مولاي، إنّي لا أدلّ عليها ولا أزورها إلاّ بأمرك، قال: (يا صفوان، خذ من الشعير الذي تزوّدته الناقة، فانثُر منه حبّاً إلى مسجد السهلة وبكِّر عليه ؛ تستدلّ وتعرف البقعة بعينها، وزرها إذا شئتَ ولا تظهرها إلى أحد إلاّ مَن تثِق به، ومَن يتلوني من الأئمةعليهم‌السلام إلى وقت ظهور مهديّنا أهل البيت (صلوات الله عليه)، ثمّ يكون الأمر إلى الله ويظهر فيها ما يشاء حتى تكون معقلاً لشيعتنا وتضرّعاً إلى الله ووسيلة للمؤمنين).

قال المفضّل: فظلتُ باقي ليلتي راكعاً وساجداً أسأل الله إلى صباح ذلك اليوم، فلمّا أصبحتُ دخلت على مولايعليه‌السلام ، فقلت: أُريد الفوز العظيم والسعي إلى البقعة التي بين الذكوات البيض في الغريّين، قال: (امضِ وفّقك الله يا مفضّل وصفوان معك).

قال المفضّل: فأخذَ بيدي وقصدَ مسجد السهلة، ثمّ استدللنا بحبّات الشعير المنثور حتى وردنا البقعة، فلذنا بها وزرنا وصلّينا ورجعنا، وأنفسنا مريضة خوفاً من أن لا نكون وردنا البقعة بعينها، قال: ودخلنا من مزارنا منها إلى مولانا الصادقعليه‌السلام فوقفنا بين

٢٧٧

يديه، فقال: (والله، يا مفضّل ويا صفوان، ما خرجتما عن البقعة عقداً واحداً، ولا نقصتما عنها قدماً)، فقلنا: الحمد لله ولك يا مولانا، الشكر لهذه النعمة وقرأ:( كُلّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) .

وروى بهذه الإسناد عن الصادقعليه‌السلام ، عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال: دخلَ سلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبو الذر جندب الغفاري، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليماني، وأبو الهيثم مالك بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر: على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم، فقالوا: فديناك بالآباء والأمّهات يا رسول الله، إنّا نسمع في أخيكعليه‌السلام ما يحزننا سماعه، وإنّا نستأذنك في الرد عليهم، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وما عساهم يقولون في أخي علي، فقالوا: يا رسول الله، إنّهم يقولون أي فضيلة له في سبقه إلى الإسلام، وإنّما أدركه الإسلام طفلاً ونحو هذا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا ما يحزنكم، قالوا: نعم، يا رسول الله، فقال:

أسألكم بالله، هل عَلمتم من الكتب الأُولى أنّ إبراهيمعليه‌السلام هربت به أُمّه وهو طفل من عدو الله وعدوّه النمرود في عهده، فوضعتهُ أُمه بين ثلاث أشجار بشاطئ نهر يتدفّق يقال له: حوران، وهو بين غروب الشمس وإقبال الليل، فلمّا وضعته أُمّه واستقرّ على وجه الأرض قامَ من تحتها فمسحَ رأسه ووجهه وسائر بدنه، وهو يكثر من الشهادة بالله وبالوحدانية، ثمّ أخذَ ثوباً فاتشح به وأُمّه ترى ما يفعل فرَعبت منه رعباً شديداً، فهرولَ من بين يديها مادّاً عينيه إلى السماء فكان منه ما قال الله عزّ وجل:( فَلَمّا جَنّ عَلَيْهِ اللّيْلُ رَأى‏ كَوْكَباً قَالَ هذَا رَبّي ) ، وقصّة الشمس والقمر إلى قوله تعالى:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .

وعَلِمتم أنّ موسى بن عمرانعليه‌السلام كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل ويذبح الأطفال لقتل موسىعليه‌السلام ، فلمّا ولدتهُ أُمّه أوحى إليها أن يأخذوه من تحتها وتلقيه في التابوت وتقذفه في اليَم، فبقيت حيرانة حتى كلّمها موسى وقال لها: يا أُم اقذفيني في التابوت، فقالت له هي من كلامه: يا بني إنّي أخاف عليك من الغرق، فقال لها: لا تخافي، إنّ الله رادَّني

٢٧٨

إليك، ففعلتْ ذلك، فبقيَ التابوت في اليَم إلى أن ألقاه على الساحل، وردَّ إلى أُمّه، وهو برهة لا يطعم طعاماً ولا يشرب شراباً معصوماً، وروي أنّ المدّة كانت سبعين يوماً، وروي أنّها كانت تسعة أشهر، وقال الله تعالى في حال طفوليته: ( وَلِتُصْنَعَ عَلَى‏ عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ ) .

وهذا عيسى بن مريمعليه‌السلام ، قال الله تعالى:( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ) إلى آخر الآية، فكلّم أُمه وقت مولده فقال لها:( فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنّ مِنَ الْبَـشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً ) ، وقال:( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنّي عَبْدُ اللّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيّاً ) ، فتكلّم عيسى بن مريمعليه‌السلام في وقت ولادته فأُعطي الكتاب والنبوّة، وأُوصي بالصلاة والزكاة في ساعة مولده، وكلّمه الناس في اليوم الثالث.

وقد عَلمتم جميعاً خلقني الله وعلياً من نور، ونوري ونوره نوراً واحداً، وكنّا كذلك نسبّح الله ونقدّسه ونمجّده ونسبّحه ونهلّله ونكبّره قبل أن يخلق الملائكة والسماوات والأرضين والهواء ثمّ العرش، وكتبَ أسماءنا بالنور عليه ثمّ أسكَننا صلب آدم، ولم نَزل ننتقل في أصلاب الرجال المؤمنين وفي أرحام النساء الصالحات، يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كلّ عهد وعصر وزمان إلى أبي عبد المطّلب، فإنّ نورنا يظهر في بلجات وجوه آبائنا وأمهاتنا حتى ثبتت أسماؤنا مخطوطة بالنور على جباههم. فلمّا افترقنا نصفين: في عبد الله نصف، وفي أبي طالب عمّي نصف، كان تسبيحنا في ظهريهما، فكان عمّي وأبي إذا جلسا في ملأ من الناس ناجى نوري من صلب أبي نور علي من صلب أبيه، إلى أن خَرجنا من صلب أبوينا وبطنَيْ أُمّينا.

وقد علم جبريلعليه‌السلام في وقت ولادة علي وهو يقول: هذا أول

٢٧٩

ظهور نبوّتك، وإعلان وحيك، وكشف رسالتك، إذ أيّدك الله بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك، ومَن شَدَدّتُ به أزرك وأعلنتُ به ذكرك: علي بن أبي طالب، فقمتُ مبادراً فوجدتُ فاطمة بنت أسد - أم علي بن أبي طالب - وقد جاءها المخاض، فوجدتها بين النساء والقوابل من حولها، فقال حبيبي جبريل: اسجف بينها وبين النساء سجافاً، فإذا وضعتْ علي فتلقّاه بيدك اليمين، ففعلتُ ما أمرَني به ومددتُ يدي اليمين نحو أمّه، فإذا بعلي قائلاً على يدي واضعاً يده اليمين في أذنه يؤذِّن ويقيم بالحقّية، ويشهد بوحدانية الله عزّ وجل وبرسالتي، ثمّ أشار إليّ فقال: يا رسول الله اقرأ، قلت: أقرأ، والذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله على آدم وابنه شيث، فتلاها حتى تمّت من أول حرف إلى آخر حرف حتى لو حضرَ شيث، لأقرَّ بأنّه أقرأُ لها منه، ثمّ تلا صحف

(مفقودة الصفحات من 59 إلى 64)

قال الحسين بن حمدان: حدّثني جعفر بن مالك، عن محمد بن خلف، عن المخول بن إبراهيم، عن زيد الشحّام، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد بن عبد الله بن حزام الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان، ونعمان، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، بالحديث الذي كان لحذيفة بن اليمان مع أبي بكر، وقصدَ داره بهؤلاء الثلاثة في يوم جمعة، في أول يوم من شهر رمضان فُرِضَ على المسلمين صيامه، وأكل أبي بكر الطعام، وشربه الخمرة، وقوله الشعر الذي لزمه الكفر بالله عزّ وجل وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واجتمعت تميم وهي قبيلة أبي بكر، وعدي وهي قبيلة عمر، وأميّة وهي قبيلة عثمان، وزهرة وهي قبيلة عبد الرحمان بن عوف الزهري، والكل من قريش، فقالوا: يا رسول الله، ما لأبي بكر ذنب فلا تحرّم علينا الخمرة، فهَبْ لنا ذنبه واقبل منا الكفّارة، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا حُكم إلاّ حكم الله، وأنا منتظر ما يأتي به جبريلعليه‌السلام من الله عزّ وجل)، فأنزلَ الله تبارك وتعالى:( وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً ) ، ونهى بذلك.

وكثر سؤال الناس عن الخمرة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن شرب الخمر

٢٨٠