الشيعة وفنون الاسلام

الشيعة وفنون الاسلام0%

الشيعة وفنون الاسلام مؤلف:
الناشر: دار المعلم للطباعة
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 184

الشيعة وفنون الاسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الصدر
الناشر: دار المعلم للطباعة
تصنيف: الصفحات: 184
المشاهدات: 58364
تحميل: 5285

توضيحات:

الشيعة وفنون الاسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 184 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58364 / تحميل: 5285
الحجم الحجم الحجم
الشيعة وفنون الاسلام

الشيعة وفنون الاسلام

مؤلف:
الناشر: دار المعلم للطباعة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشّيعة وفنون الإسلام

تأليف: المرجع الدّيني الأكبر آية الله السيد حسن الصّدر

مؤلّف كتاب تأسيس الشّيعة لعلوم الإسلام

قدّم له

الدكتور سليمان دنيا

أُستاذ الفلسفة بكليّة أُصول الدين

مطبوعات النجاح بالقاهرة

١

الطبعة الرابعة

١٣٩٦ هـ. - ١٩٧٦ م

حقوق الطبع والنشر محفوظة للناشر

مطبعة دار المعلم للطباعة

٨ شارع جنان الزهرى - المبتديان

السيدة زينب

٢

تقديم الكتاب

للدكتور سليمان دنيا

أُستاذ الفلسفة بكليّة أصول الدين

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول اللّه خير الخلق، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين.

أمّا بعد فمنذ بضعة أعوام خلت كتبت رسالة صغيرة بعنوان ( بين الشيعة وأهل السنّة ) ضمنتها أملاً كبيراً، ورغبة ملحّة، في أن يتلاقى الشيعة وأهل السنّة، عند مبادئ الأُخوّة والمحبّة، والمودّة، والمصافاة، ونبذ ما غرسه أعداء الفريقين في النفوس من عوامل الفرقة والشقاق.

ودعوت إلى أن ينظر كل فريق إلى وجهه نظر الفريق الآخر، نظرة العالم الذي يبحث عن الحق، ويدرك أنّ الحق أحق أن يُتّبع.

وقلت: إنّه إذا كان الأثر الذي توارثناه عن سلفنا الصالح قد أكّد ضرورة الحرص على الحق أين وُجد، وأعلن أنّ الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها التقطها ولو من فم كافر، وأوضح أنّ العاقل لا يُعرف الحق بالرجال، وإنّما يُعرف الحق بالدلائل والبراهين، فإذا عرفه عرف به أهله، فقد أصبح لزاماً علينا - نحن أبناء هذا الجيل - أن نحرص على الحق، وأن نأخذ أنفسنا للدعوة إليه، وأن نجتمع حوله، غير ناظرين إلى مَن دعانا إليه وعرّفنا به، اللّهمّ إلاّ نظرة إكبار وإعظام وإجلال.

ومن المسلّم به لديهم أيضاً ضرورة احترام كل واحد من الباحثين لوجهة نظر الآخرين في المسائل المتحملة لضروب من العراك الفكري، حتى أنّهم ليختلفون ويكونون في ذات الوقت أصدقاء وأحبّاء وأصفياء. ورحم اللّه مَن يقول:( اختلاف الرأي لا يُفسد للودّ قضيّة ) .

٤

ولقد رفع الإسلام راية السماحة عالية، فقال في كتابه الكريم:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) .

وإذا كان الإنسان يحب لنفسه أن يستمتع بالحرية، فيقول ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره، فلا يليق به أن ينكر على إنسان مثله حقّه في أن يقول ويعلن ما يهديه إليه بحثه وتفكيره كذلك.

وحسب المسلمين فخاراً أنّهم اجتمعوا على أصول دينهم لم يختلفوا فيها: فالإلوهية في أسمى مكان من التقديس في نفوس المسلمين.

وعقيدة البعث، والإقرار بالنبوّة، وحاجة البشر إليها، وختامها بسيد ولد آدم ( محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ).

وصدق القرآن الكريم، وما صح منه حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

كل أُولئك يحتل من نفوس جميع المسلين مكانة لا تطاولها قداسة أيّ دين آخر في نفوس أتباعه.

قلت ذلك وأكثر من ذلك في رسالتي ( بين الشيعة وأهل السنّة ) رغم أنّي لم أقل في هذه الرسالة كل ما أُحب أن أقوله؛ نظراً لظروف الطبع وقت ذاك.

والآن يسعدني أن تتاح لي فرصة التقديم لكتاب: (الشيعة وفنون الإسلام ) الذي نحا فيه مؤلّفه السيد الشريف (الحسن أبو محمد ) منحى ربّما يبدو غريباً لدى أهل السنّة. وكنت أريد أن أدرس الكتاب دراسة موضوعية؛ لأتبيّن بالدلائل والشواهد مبلغ صدق القضية التي يعالجها الكتاب، ولكنّي رأيت الأمر فوق طاقتي؛ لأنّ المؤلّف - رضي اللّه عنه - واسع الاتباع غزير الاطلاع، يعرض لسائر العلوم الإسلامية والعربية، ويحكم عليها حكم المحيط بها، الواقف على أسرارها، العارف بعوامل نشأتها، ومراحل نموّها. ومتابعة هذه العوامل، وتلكم المراحل تتطلّب حشد

٥

المتخصّصين في هذه العلوم، ليتابع كل متخصص مادّة تخصّصه، ويوافق المؤلّف عن بينة، أو يخالفه عن بينة.

وإذا فاتني أن أخوض في هذا المجال، وإن أعرض لموضوع الكتاب عرضاً تحليلياً اتكالاً على همّة المتخصّصين الذين أطمع في أن يتناولوا الكتاب بكل ما هو جدير به منه عناية واهتمام، فما أحب أن يفوتني أن أقول كلمة ما أراها إلاّ متابعة لما جاء في رسالتي ( بين الشيعة وأهل السنّة ) تلكم هي أنّ المؤلّف - رضي اللّه عنه - يدّعي سبق الشيعة في تأسيس العلوم الدينية والعربية ويقدّم بين يدي دعواه أدلّة تبرّرها، ويدور كتابه حول بسط هذه الدعوى، وإيضاح أدلّتها.

والناس أمام هذه الدعوى فريقان:

فريق المتعلّمين: وهؤلاء لا يهتمّون بواضع العلوم ومؤسّسيها، وإنّما يهتمون بالعلوم نفسها، ويستوي لديهم أن يكون المؤسّسون لهذه العلوم هم الشيعة وحدهم أو هم أهل السنّة وحدهم، أو هؤلاء وهؤلاء.

وفريق العلماء: وهؤلاء كما يهتمون بالعلوم ذاتها، يهتمون بنشأتها ومنشئيها والأطوار التي تواردت عليها، إذ إنّ العلوم لها نشأة كنشأة عظماء الرجال؛ لهذا كان لها تاريخ كتاريخ عظماء الرجال كذلك.

ولهؤلاء أقول: إنّ كتاب ( الشيعة وفنون الإسلام ) جهد مشكور قام به صاحبه رضي الله عنه مساهمة منه في المهمّة المنوطة بأعناق علماء الإسلام تلكم هي التاريخ لعلوم الإسلام، وما تستتبعه من علوم أخرى فلا ينبغي أن يقابل هذا الجهد الجبّار بنظرة سطحيّة تعتمد على عدم المبالاة وعدم الاكتراث. لا ينبغي أن يقال مثلاً ( هذه عصبية ) أو ( هذا تحدٍّ ) أو نحو ذلك من أساليب القول التي يحتمي بها مَن لا يريد أن يجشّم نفسه مشقّة البحث والنظر. نعم، لا ينبغي أن يقال هذا ولا شيء منه؛ لأنّه لا داعي للعصبية، ولا داعي للتحدّي؛ لأنّ الشيعة كأهل السنّة مسلمون،

٦

واختلافهم مع أهل السنّة إنّما هو في مسائل لا ترتقي إلى مستوى الأصول، وإذن فهم إخوة مسلمون، وسبقهم في بعض العلوم إنّما هو كسبق الأخ لأخيه، إن أثار تنافساً، فإنّه لا يثير خصومة، ولا عداء.

وإذن فلا مناص من إحدى اثنتين:

إمّا أن نطأطئ الرأس إجلالاً واحتراماً، لما بذل المؤلّف من جهد، ولما انتهى إليه من نتائج.

وإمّا أن نقابل الجهد بجهد مثله. ونتقدّم بما نظفر به من نتائج مؤيّدة بأدلة سليمة مقبولة.

وإنّي أتوجّه إلى الله جلّت قدرته راجياً أن يطهّر النفوس ممّا علق بها من شوائب، وأن يملأها بمعاني الحب والتعاطف والتآخي، وأن يعيد للمسلمين وحدتهم، وأن يفقّههم في دينهم، ويبصّرهم بعاقبة أمرهم، ويوفّقهم للاهتداء بهدى الإسلام في سلوكهم ومعاملاتهم، ولتبليغ دعوة دينهم إلى خلق الله كافة، مبرهنين على جمالها وكمالها بالتزامهم لها ووقوفهم عند حدودها.

وفي هذا المقام يحلو لي أن أشير إلى مفخرة من مفاخر المسلمين، يحق لنا أن نعتني بها ونفاخر، تلكم هي كتب السيد (محمد باقر الصدر ) التي ما أظن أنّ الزمان قد جاء بمثلها في مثل الظروف التي وجدت فيها، لقد أنتجت عبقريته الفذة الكتب الآتية: (فلسفتنا ) و (اقتصادنا ).

تلكم الكتب التي تعرض عقيدة الإسلام، ونظم معاملاته، عرضاً تبدو إلى جانبه الآراء التي تشمخ بها أنوف الكفرة والملاحدة من الغربيين وأذنابهم ممّن ينتسبون إلى الإسلام وهو منهم براء، وكأنّها فقاقيع قد طفت على سطح الماء، ثم لم تلبث أن اختفت وكأنّها لم توجد.

٧

ألا فليقرأ هذه الكتب أولئكم الذين حشوا رؤوسهم بهراء من القول وزيف من الخيال؛ ليتطهّروا بطهور الحق من رجس الباطل، وليبصروا نور الوجود، بعدما ضلّوا في بيداء العدم، وليجدوا أنفسهم بعد أن فقدوا.

ألا فليقرأ هذه الكتب شباب الإسلام المخدوع ببريق المدينة الكاذبة، وكيف يتيسّر لهم قراءتها، وقد شغلوا بالهزل عن الجد، وبالباطل عن الحق؛ لأنّ الهزل والباطل قد اقتحما عليهم عقولهم وقلوبهم في غفلة من الجد والحق.

ألا فليتعرف على هذه الكتب المربون ليقوّموا بها نفوساً قد اعوجّت، وقلوباً قد أظلت، وعقولاً قد أقفرت وأجدبت حتى هانت الدنيا على أصحابها، فسخروا منها لأنّهم لم يحسّوا لها طعماً، ولم يعرفوا لها قدراً، فساءت أحوالهم، وانحرف بهم سلوكهم وضلّت عنهم آمالهم، وأصبحوا بحالة تستوجب أن يخلقوا خلقاً جديداً.

وأنّه لا يسعني في ختام هذه الكلمة إلاّ أن أشكر الأخ الفاضل السيد ( مرتضى الرضوي ) صاحب مكتبة النجاح، بالنجف الأشرف، بالجمهورية العراقية، على جهوده الموفّقة المشكورة في نشر العلم، والتعريف بكنوزه الدفينة، وعلى ما أتاح لي من فرصة الاطلاع على هذا السِّفْر القيّم (الشيعة وفنون الإسلام ) ويقيني أنّ هذا الكتاب سوف يكون موضوع دراسة هامّة من أهل العلم، حينما تصل إلى أيديهم طبعته الجديدة إن شاء الله.

كتبه

سليمان دنيا

أوّل يناير ١٩٦٧

٨

حياة المؤلّف

بقلم:

صاحب السماحة آية الله الشيخ مرتضى آل يس

رئيس جماعة العلماء في النجف الأشرف

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة المؤلّف

ولادته:

تولّد - دام ظلّه - في بلد الكاظمية عند الزوال من يوم الجمعة، الموافق ليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك من سنة ١٢٧٢ هجرية.

اسمه ونسبه:

هو الحسن أبو محمد الشهير بالسيد حسن صدر الدين ابن السيد هادي ابن السيد محمد علي ابن السيد صالح ابن السيد محمد ابن السيد زين العابدين ابن السيد نور الدين ابن السيد علي ابن السيد حسين ابن السيد علي ابن السيد محمد أبي الحسن عباس بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن حمزة الأصغر بن سعد الله بن حمزة الأكبر بن محمد أبي السعادات ابن أبي الحرث محمد ابن أبي الحسن علي ابن أبي طاهر عبد الله ابن أبي الحسن محمد المحدث ابن أبي الطيب طاهر بن الحسين القطعي ابن موسى أبي سبحة ابن إبراهيم الأصغر ابن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه وعليهم الصلاة والسلام.

نشأته:

نشأ - أيّده الله - منشأً راقياً قلّما رقته قدم الاجتهاد، ولو لم يكن ذلك باقتضاء من فطرته السامية فقط؛ إذ إنّ الفطرة بمفردها لا تساعد إلاّ حيث تصادف محيطاً مناسباً وإلاّ فإنّها قد تفسد بالعرض، في حين أنّها صالحة بالذات.

كان ذلك باقتضاء منها، ومساعدة من حجر أبيه السيد العلاّمة معاً، ذلك الحجر المدرسي الذي شذّ ما وجد في الآباء نظيره، وحسبه فضلاً أن نجد مثل السيد

١١

المؤلّف خريجاً لتلك المدرسة الراقية، التي جعلته مثالاً لتربيتها الصحيحة، ونموذجاً لتهذيبها المتين.

وهكذا تتلمذ السيد المؤلّف على السيد العلاّمة أبيه، حتى شبّ وترعرع وبلغ من العمر مبلغ الفتى الصغير، وعند ذاك نزعت نفسه الشريفة إلى طلاّب العلم وتحصيل الفضل، وكذلك النفوس الكبيرة فإنّها تنزع العمل بلا باعث، كما أنّها تنتقي بذاتها أحسن العمل، ومن حينه لبّى دعوتها بالارتياح وأنعمها جواباً بالقول الصراح، ثم أكبّ على العلم مجتهداً في التحصيل والاشتغال، حتى كان من أمره اليوم أنّه أمسى فاقد الندّ وعديم المثال.

اجتهاده في التحصيل:

ليس الاجتهاد ممّا يفهمه الكثيرون، بل لم يكن هو في حين من الدهر مفهوماً واضحاً لكل أحد، بل إنّ ما يزعمه الكثيرون اجتهاداً ليس من الاجتهاد في شيء، وهذا الزعم هو الذي ذهب بفضل المجتهد الصادق، وجعل الأمر ممّا يشكل بينه وبين المجتهد الكاذب، حتى صار لقب المجتهد ممّا يكال كيل المتاع بكل لسان، لكل إنسان.

أجل إنّ الاجتهاد الصحيح ممّا يعسر فهمه على النفوس الصغيرة، فأحرى بها ألاّ تستطيع إلى اتخاذه سبيلاً، فعبثاً أن تنتحل لقب المجتهد لأنفسها باطلاً، ما دامت تنظر إلى ما حولها، فتجد هناك رجال الجد والعمل، كيف يجدون ويجتهدون؟

بل إنّهم كيف يلقون إليها دروساً من العمل الصادق، ما لو أنّها كانت تقتنع، لأقنعتها هي ببطلان ذلك الزعم الفاسد منذ زمن بعيد.

تلك هي النفوس الكبيرة، بل أُولئك هم رجال الجد والاجتهاد، ومن تلك النفوس نفس سيّدنا المؤلّف الكبير، الذي أصبح مصداقاً واضحاً لذلك المفهوم المشكل، لقد كنت أسمع من السيد المؤلّف زمان كان شاباً قويّ العضلات أنّه كان لا يكاد ينام الليل في سبيل تحصيله، كما أنّه لا يعرف القيلولة في النهار.

١٢

ولكنّي بدل أن أسمع ذلك عنه في زمن شبيبته، فقد شاهدت ذلك منه بأُمّ عيني في زمن شيخوخته، وإنّ مكتبته التي يأوي إليها الليل والنهار، ويجلس هناك بيمناه القلم وبيسراه القرطاس؛ لهي الشاهد الفذ بأنّ عيني صاحبها المفتوحتين في الليل لا يطبق أجفانها الكرى في النهار، ولئن جاءها الكرى فإنّما يجيئها حثاثاً لا يكاد يلبث حتى يزول.

حقّاً أقول: إنّ السيد المؤلّف قد نام ربعاً من عمره الشريف، وسهر الباقي، ولكنّ الكثير الأكثر من الناس قد سهروا الربع وناموا الباقي.

علومه ومعارفه:

قلّ ما يوجد في علماء الدين رجل متفنّن، يجمع بين علم الأحكام وغيره، وإنّي لا أعرف لذلك سبباً مقبولاً، يصلح لأن يكون عاذراً لجميعهم عند المعترض؛ لأنّ علم الأحكام، وإن كان عميق الغور، بعيداً ما بين طرفيه، بيد أنّ ذلك لا يكاد يعترض طريق الهمام، فإنّ الصعاب مهما كبرت لا تكون إلاّ مسترذلة عند كبار النفوس، ولعلّ المستقبل يكفينا مؤنة الدعوة والاستنهاض، فيضطرّهم يوماً ما إلى التفنّن في معارفهم بالرغم من إرجاف المتساهلين، فتصبح أفواههم عند ذلك تتدفّق عسلاً ولبناً.

على أنّ الواجب الديني اليوم هو الذي يدعوهم إلى التوسّع في المعلومات، فإنّ العلم الواحد لا يصلح أن يكون مروّجاً للديانة أبداً، في حين أنّ الظروف لا تكاد تكون واحدة، فكما تتفاوت الظروف يجب أن تتفاوت رجال العلم في العلوم، وليس علم الأحكام اليوم ممّا يقوم بمفرده في ترويج الديانة ترويجاً معجباً، ما لم يصافح قسماً من الفنون الضرورية، فإنّ الحالة الدينية اليوم غير الحالة الدينية بالأمس، كما قد علم ذلك بسطاء العامّة، فضلاً عن المفكّرين من الخاصة.

فعسى أنّ جماعة العلماء يلفتون إلى ذلك بعض النظر، كما التفت إليه قبل اليوم

١٣

شرذمة منهم يسيرة لا تبلغ عدد الآحاد، نهضت بأعباء الدين، وقامت بواجب الإسلام والمسلمين.

وكان من تلك الشرذمة المباركة حضرة سيّدنا المؤلّف الكبير - أيّده الله - فإنّه لم يقصر همّه على تحصيل علم الأحكام فقط، بل قد ضمّ إليه كثيراً من العلوم المتنوّعة، اللاتي يستغربها غيره من العلماء الدينيين، فكان ما حصل عليه من العلوم: النحو، والصرف، والمنطق، والمعاني، والبيان، والبديع، والهيئة، والحساب، والتفسير، والرجال، والتأريخ، والحكمة، والكلام، والأخلاق، والحديث، والفقه، وأُصول الفقه.

أساتذته في القراءة:

أوّل مَن قرأ عليه النحو والصرف هو: الشيخ الثقة الشيخ باقر(١) ابن حجّة الإسلام الشيخ محمد حسن آل يس، ثم قرأهما على السيد الفاضل السيد باقر(٢) ابن السيد حيدر.

وقرا: ( علم المعاني والبيان والبديع ) على الشيخ أحمد العطار(٣) .

( والمنطق ) على الشيخ محمد(٤) ابن الحاج كاظم، وعلى الميرزا باقر(٥) السلماسي.

وفرغ من هذه العلوم وهو في الرابعة عشرة من سني عمره، وبعد أن فرغ منها طفق يقرأ متون الفقه، وعلم ( أصول الفقه )؛ وكان يومئذ بعد لم يرتحل عن مسقط رأسه ( الكاظمية ) فقرأهما على علمائها حتى فرغ من قراءة ( الشرائع )،

____________________

(١) توفّي عام ١٢٩٠ هـ.

(٢) توفّي عام ١٢٩٧ هـ.

(٣) توفّي عام ١٢٩٩ هـ.

(٤) توفّي عام ١٣١٤ هـ.

(٥) توفّي عام ١٣٠١ هـ.

١٤

و( الروضة ) في الفقه والمعالم ( والقوانين ) في الأصول، وهو إذ ذاك ابن ثماني عشرة سنة، وعندئذ تاقت نفسه إلى ( النجف الأشرف ) فزمّ إليها ركائبه، وهناك قرأ ( الحكمة والكلام ) على الفاضل الشكي(١) ، والمولى الشيخ محمد تقي الكلبايكاني(٢) ، وقرأ خارج الفقه على فقهاء النجف من تلامذة الشيخ محمد حسن صاحب ( الجواهر )(٣) ، وخارج الأصول على أفاضل تلامذة الشيخ مرتضى الأنصاري(٤) ، وقرأ علم الحديث على جملة من علماء الحديث في النجف.

ثم ما زال في النجف عاكفاً على الاشتغال، ومكبّاً على التحصيل يرتضع ثدي العلم ويستدرّ ضروع الفضل، حتى سنة سبع وتسعين ومئتين بعد الألف هجرية، فهاجر من النجف إلى سامراء حيث يقيم هناك في ربوعها أكبر أساتذته العظام الذي عليهم تتلمذ، ومنه أخذ حجّة الإسلام الشيرازي الميرزا محمد حسن المتوفّى سنة ١٣١٢ هـ.

وما فتئ منذ ألقى لديها عصا السير مجدّاً ومجتهداً، ومدرّساً ومؤلّفاً حتى سنة ١٣١٤ هـ، أي إلى ما بعد وفاة أُستاذه السيد الشيرازي بعامين، وعندها قفل راجعاً إلى ( الكاظمية ) مسقط رأسه، فأقام بها إلى اليوم، غرّة لجبينها، وقرّة لعيونها، ملاذاً للمسلمين، ومفزعاً للمؤمنين في أُمور الدنيا والدين.

مشايخه في الرواية:

مشايخه في الرواية على صنفين: منهم مَن يروي عنهم بطريق السماع والقراءة فقط دون الإجازة، ومنهم مَن يروي عنهم بطريق الإجازة العامّة.

أمّا مشايخه من الصنف الأوّل فمنهم - وهو أجلّ مَن يروي عنه - حجّة

____________________

(١) توفّي عام ١٢٩٠ هـ.

(٢) توفّي عام ١٢٩٣ هـ.

(٣) توفّي عام ١٢٦٦ هـ.

(٤) توفّي عام ١٢٨١ هـ.

١٥

الإسلام الميرزا محمد حسن الشيرازي الغروي العسكري المتوفّي سنة ١٣١٢ هـ، ومنهم الشيخ المحقّق المؤسّس الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي الغروي صاحب كتاب ( بدائع الأُصول ) المتوفّى ١٣١٣ هـ، ومنهم الشيخ محمد حسين بن هاشم الكاظمي النجفي شارح ( كتاب الشرايع ) المتوفّى سنة ١٣٠٨ هـ، ومنهم الفاضل المتبحّر المولى محمد الأيرواني النجفي المتوفّى بعد المئة الثالثة عشرة، ومنهم شيخ الإسلام الشيخ محمد حسن آل يس الكاظمي صاحب كتاب ( أسرار الفقاهة ) المتوفّى سنة ١٣٠٨ هـ، ومنهم والده السيد الشريف السيد هادي المتوفّى ١٣١٨ هـ.

وأمّا مشايخه من الصنف الثاني فهم جماعة من العلماء منهم: المولى الفقيه علي الميرزا خليل الرازي الغروي - المتوفّى سنة ١٢٩٧ هـ، ومنهم السيد المتبحّر المهدي القزويني الحلّي الغروي - المصنّف المكثر - المتوفّى سنة ثلاثمئة بعد الألف، ومنهم المولى المحقّق المتبحّر الميرزا محمد هاشم بن زين العابدين الأصفهاني المتوفّى في النجف سنة ١٣١٨ هـ.

وقد ذكر تراجمهم على طرز مبسوط في إجازاته المطوّلات، واستقصى فيها جميع مشايخه بما لا مزيد عليه.

مصنّفاته ومؤلّفاته

يندر في العلماء المصنّفون، كما يندر المصنّفون من العلماء، فهم: إمّا عالم غير مصنّف، أو مصنّف غير عالم، أمّا العالم والمصنّف معاً، فقليل ما هو، وليس هو إلاّ مَن جمع بين فضيلتي العلم والقلم، وحيث خسر أحدهما كان واحداً من الاثنين، ولا مراء أنّ خسران أحدهما لا يكون طبيعياً إلاّ في نادر منهم ممّن لا تساعدهم الفطرة، كما لا يستطيعون مقاومتها، بل الحق أنّ جلّ السبب في جلّهم هو التساهل، وعدم الاهتمام بكلتا الفضيلتين معاً، في حين أنّه ليس هناك مانع فطري، أو رادع طبعي، وليس العلم النافع على ما أعتقد إلاّ ما حوته السطور لا ما حفظته الصدور، وما هو في الصدور إلاّ كمعاني مجرّدة بعد لم تفرغ في قوالب الألفاظ.

١٦

نعم إنّ العلم المدوّن هو الذي يحفظ لصاحبه ذكره، ويخلّد له بعد موته أمره، فكم من علماء أحياء ظلّوا كأنّهم قوم ميّتون، وكم من علماء أموات ظلّوا كأنّهم أحياء يُرزقون.

على أنّي لا أعرف من أُولئك كثيرين ممّن حازوا الفضيلتين، وبرعوا في الصناعتين، ولكنّهم مع هذا كلّه لم يشئوا أن يعملوا أحديهما بالأُخرى، بل إنّك لتجدنّهم ممّن يفضلون الإهمال على الإعمال، وهم يعتمدون فيما يعتقدون على أوهام لا ظل لها من الصواب، بل هي محض خيالات ليس إلاّ.

ولهذا السبب ولتلك الأسباب قلّ في العلماء المصنّفون، كما قلّ المصنّفون من العلماء، حتى أصبح المصنّف العالم، أو العالم المصنّف - وبالأخص المكثر - واحداً من خوارق العادة أو ما وراء الطبيعة، وما سيّدنا المؤلّف اليوم إلاّ واحد من تلك الخوارق التي أصبحت أعجوبة القرن الرابع عشر، ولاغرو فإنّه ربّ العلم والصناعة، وسلطان القلم واليراعة.

وإليك ما صدر من نفثات قلمه إلى اليوم فإنّك تجدها تناهز الخمسين مصنّفاً ما بين ضخم كبير، وآخر مختصر صغير ودونك هي نصّاً:

في الفقه:

سبيل الرشاد في شرح نجاة العباد، بطريق البسط.

سبيل النجاة في فقه المعاملات، بطريق المتن والتفريع لعمل المقلّدين.

تبيين مدارك السداد للحواشي والمتن من نجاة العباد، خرج منه كتاب الطهارة، والصلاة، والمراد من الحواشي خصوص حواشي الشيخ المرتضى، وأُستاذه السيد الشيرازي.

الدر النظيم في مسألة التتميم. أي تتميم ماء الكر بالماء النجس.

رسالة تبيين الإباحة في مشكوك ما لا يؤكل لحمه للمصلّين.

رسالة إبانة الصدور في موقوفة ابن أُذينة المأثورة في مسألة إرث ذات الولد من الرباع.

١٧

رسالة لزوم صوم ما فات في سنة الفوات.

رسالة كشف الالتباس عن قاعدة الناس. يعني قاعدة الناس مسلّطون على أموالهم.

رسالة الغرر في قاعدة نفي الضرر.

رسالة تبيين الرشاد في لبس السواد على الأئمّة الأمجاد ( رسالة فارسية ).

الغالية لأهل الأنظار العالية في تحريم حلق اللحية ( رسالة فارسية ).

رسالة في حكم الشكوك غير المنصوصة.

رسالة في حكم الشك في الأفعال.

ويوجد للسيد المؤلّف غير ذلك من الرسائل ممّا كتبت في أجوبة بعض المسائل.

في أُصول الفقه:

رسالة في تعارض الاستصحابين.

اللباب في شرح رسالة الاستصحاب للشيخ العلاّمة المرتضى رحمه الله.

كتاب الحواشي على فرائد الأُصول للشيخ المرتضى رحمه الله.

حدائق الوصول إلى علم الأُصول. لم يتم بعد.

في الأُصول الدينية:

الدرر الموسوية في شرح العقائد الجعفرية. ضمّنها جميع أُصول الدين.

في التاريخ:

تأسيس الشيعة الكرام لسائر فنون الإسلام.

الشيعة وفنون الإسلام ( مختصر من الأوّل ) وهو هذا الكتاب.

في علم الرجال:

كتاب مختلف الرجال، وهو كتاب جليل، دوّن فيه علم الرجال على نحو سائر العلوم المدوّنة: من ذكر التعريف، والموضوع، والغاية، والمبادئ التصوّرية، والمبادئ التصديقية، والمطالب، والحواشي الرجالية على منتهى المقال في أحوال الرجال.

١٨

الحواشي على تلخيص الرجال

الإبانة عن كتاب الخزانة.

الحواشي على أمل الآمل.

نكث الرجال.

حاشية على رجال أبي علي الحايري.

بغية الوعاة في طبقات مشايخ الإجازات.

رسالة في النصوص المأثورة في الحجّة صاحب الزمان عليه السلام.

انتخاب القريب من التقريب لابن حجر.

ذكرى المحسنين.

رسالة في أحوال السيد المحقّق السيد محسن الأعرجي المقدّس البغدادي صاحب ( المحصول وشرح الوافية في الأُصول ).

في علم الأخلاق:

إحياء النفوس بآداب السيد ابن طاووس.

سبيل الصالحين في السلوك وبيان طريق العبودية ( مختصر ).

متفرقات في الحديث:

نهاية الدراية في أُصول علم الحديث وآدابه.

رسالة في إثبات الجمع بين الصلاتين في الحضر من طريق أصحاب الصحاح الستّة.

رسالة في مناقب آل الرسول، من طريق الجمهور.

رسالة أُخرى في المناقب أيضاً على ترتيب الحروف، مستخرجة من الجامع الصغير.

مجالس المؤمنين في وفيات الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

١٩

تعريف الجنان في حقوق الإخوان.

نزهة أهل الحرمين في تواريخ تعميرات المشهدين - أي النجف وكربلاء.

فصل القضا في الكتاب المشتهر بفقه الرضا. كشف فيه حال هذا الكتاب بما لا مزيد عليه، وأثبت أنّه كتاب التكليف المعروف للشلمغاني، وأوضح في ذلك وجه الاشتباه بما لم يسبقه إليه أحد سواه.

قاطعة اللجاج في إبطال طريقة أهل الاعوجاج - يعني بهم الإخبارية المنكرين للاجتهاد والتقليد في الفروع.

وللسيّد المؤلّف أيضاً كتاب ضخم في بيان ما انفرد به أحمد بن تيمية عن علماء الإسلام.

وآخر اسمه مفتاح السعادة في المهم من أدعية اليوم والليلة والشهر والسنة وعمل المشاهد المشرّفة.

أخلاقه الفاضلة ونعوته الممتازة:

الخلق الفاضل سجيّة كريمة، وهو كما يكون طبيعياً في بعض، يكون اصطناعياً في آخرين، وشتّان بين الخلقين، وما مثل مصطنعه إلاّ كشارب الدواء وهو مريض، يكرهه في حين أنّه يصلحه، وليس ذلك إلاّ لأنّه ليس جبلياً له بالذات، بل إنّه ليتكلّفه بالعرض، والتكلّف على النفس ثقيل عبثه، فربما أجهد به صاحبه فرمى به إلى حيث لا يعود إلى حمله.

لا ضير فإنّه عرض يتخلّف عن الذات، ولكن ما بالذات يتخلّف عن الذات، ولكن ما بالذات يتخلّف عنها.

كلا.. تلك لهي شيمة العظماء والكبار، شيمة الأتقياء والأبرار، تلك هي الشيمة التي نجدها مجسّمة في شخص سيّدنا المؤلّف الكبير، ذلك العظيم الذي ما رأيناه منذ يوم رأيناه إلاّ رجلاً عظيم الخلق، كريم الطبع، طلق المحيّا، باسم الثغر، غضوباً في الله، في حين أنّه حليم في نفسه، رؤوف بالصغير، عطوف على الكبير، سيّان عنده الغني والفقير، وهو مع ذلك صبيح الوجه، مهيب المنظر، قوي الحجّة في مناظراته، شديد اللهجة في محاوراته، امتاز بكثرة الحفظ، واتقاد

٢٠