تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني5%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131101 / تحميل: 11533
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

تاريخ الشّيعة

السّياسي الثقافي الدّيني

١

٢

تاريخ الشّيعة

السّياسي الثقافي الدّيني

تأليف

العلاّمة الشّيخ سليمان ظاهر

عضو المجمع العلمي العربي بدمشق

حقّقه وضبطه

عبد الله سليمان ظاهر

المجلّد الأوّل

منشورات

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات

بيروت - لبنان

ص. ب ٧١٢٠

٣

٤

العلاّمة الشيخ سليمان ظاهر

٥

٦

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

مقدمة

بقلم: الأستاذ الكبير

المؤرِّخ السيد حسن الأمين

الشيخ سليمان ظاهر علم من أعلام العرب في القرن العشرين تجمع فيه من الفضائل ما قلَّ أن يتجمع في نظرائه، فكان فقيهاً بين الفقهاء، مؤرخاً بين المؤرخين، شاعراً بين الشعراء، مناضلاً للحرية والاستقلال بين المناضلين.

وكان في كل ذلك متفوقاً يمشي في الصفوف الأولى مرفوع الرأس قوي البأس ثابت العزم. ولو قدّر له أن يعيش في غير الوسط الذي عاش فيه، وأن ينشأ في غير البلدة التي نشأ فيها لكان له من شيوع الذكر وانبساط الأمر ورغد العيش ما لا يقل عن أشهر المشاهير!.

ولكنه عاش في وسط ضيق محدود لا يخرج عن كونه وسطاً قروياً محضاً لا يستطيع فيه أن يخطو الخطوات التي تؤهله لها مواهبه، ونشأ في بلدة لا تعدو يوم نشأ فيها عن أنها قرية لا تحوي ما يشجِّع على العمل وتحقيق المطامح.

ومع ذلك فقد عرفه المجمع العلمي العربي في دمشق فاختاره عضواً من أعضائه، وعرفته الندوات فكان فيها عالي الصوت عميق الأثر.

ولكن ذلك كله ظل ضمن نطاق محدود لا يتفق في شيء مع مواهب

٧

هذا الرجل الموهوب، ولا مع كفاءاته المتعددة الجوانب.

لقد كانت قصيدة الشيخ سليمان ظاهر أول قصيدة ترثي شهداء العرب الذين أعدمهم السفاح جمال باشا، فنظم رائعته على لسان الشهيد عبد الكريم الخليل...

وكانت بعد ذلك قصيدته أول قصيدة بعد يوم (ميسلون) الذي هدم فيه الطاغية الجنرال غورو الاستقلال العربي السوري الناشئ.

لقد كانت القصيدتان فاتحة النضال الشعري العربي الاستقلالي في مجاهدة السفاحين والمستعمرين، ولكن من يعرف في العالم العربي أن الشيخ سليمان ظاهر كان رائد الشعر النضالي في بلاد الشام، وأنه فاتح باب ديوان العرب الوطني فيها بهذا العصر.

ومن هو بين شيوخ العرب وناشئتهم من يستظهر بيتاً واحداً من ذلك الشعر الذي يتدفق بلاغة وحماسة واستنفاراً؟

ذلك أن الوسط الذي عاش فيه الشيخ سليمان ليس وسطاً للنشر والذيوع، فقد كانت القصيدة تنظم ثم تطوى بين الأوراق لا يطلع عليها إلا نفر من أقرب المقرّبين.

وعدا قصيدتيه في رثاء ضحايا السفاح جمال باشا، وفي يوم ميسلون، فقد كان أول من نظم في نكبة دمشق يوم ضربها الفرنسيون بمدافعهم وطائراتهم في الثورة السورية سنة ١٩٢٥.

وإذا كانت قصيدة شوقي وقصيدة الزركلي في الموضوع نفسه قد ذاعتا وشاعتا وغدتا موضع الترنم والاستشهاد؛ فلأنهما ألقيتا في حفل حافل في القاهرة، ثم نشرتا في جرائد القاهرة، عنها تناقلتهما جرائد العرب في كل بلاد العرب.

أما قصيدة الشيخ سليمان ظاهر فأين تلقى وأين تنشر؟!..

وما نقوله عن الشعر نقوله عن غيره من مواهب الشيخ سليمان ظاهر.

فإن هذا الشاعر المبدع كان في الوقت نفسه مؤرخاً كتب بحوثاً تاريخية كان مجال نشرها مجلة (العرفان) التي كانت تصدر في مدينة صيدا. ومن يعود إلى مجلدات العرفان ويتتبع في أجزائها ما كتبه الشيخ سليمان في شتى

٨

المواضيع التاريخية لا سيما عن تاريخ جبل عامل يرى ما انطوى عليه هذا الرجل من الجَلَد على التتبع والعمق في البحث وقوة الاستنتاج مما هو الأداة الواجبة للمؤرخ الناجح.

وكان مما عني به من مواضيع التاريخ تاريخ الشيعة. وليس مبعث هذه العناية نزعة مذهبية كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، بل كان مبعثها الحرص على تاريخ الإسلام وتاريخ العرب بإبراز جانب مشرق من هذا التاريخ عملت في القديم عوامل شتى على طمسه، فكان في هذا الطمس خسارة كبرى للحقيقة وللعلم وللإنسانية.

بهذا الحافز وحده - حافز الحرص على نصاعة التاريخ الإسلامي والتاريخ العربي - انصرف الشيخ سليمان ظاهر إلى التحقيق في جانب ثريٍ من جوانب تاريخ هذه الأمة، فكان له ما أراد من كشف كنوز كان في سترها خسارة أية خسارة...

لقد كان من أكبر العوامل في التفرق بين المسلمين أن كل فريق يجهل حقيقة الفريق الآخر، فيبني أحكامه عليه مستنداً إلى أضاليل بثتها أيادٍ ذات أغراض منوعة فانطلت على المسلمين، فنظر كل فريق إلى الفريق الآخر نظرة سوء كان من عواقبها ما عانته الأمة من شرور التشتت والتمزق.

والشيخ سليمان ظاهر حين يكتب تاريخ الشيعة إنما يحاول أن يبرز الوجه الصحيح لهذا الفريق من المسلمين؛ ليرى الفريق الآخر أن ليس هناك ما يبعث على الفرقة والتباعد، فيكون بذلك عاملاً من أقوى عوامل جمع الشمل ولمِّ التشتت، وداعياً من أنجح دعاة التوحيد والتُوفِّيق.

فهو يقول في مقدمة كتابه موضحاً هدفه: (وفي احتدام تلك المعمعة الجدلية وفيما جال حول الشيعة من الظنون وما عزي إلى الإمامية منهم ما لم يعتقدوه دار في خُلْدي أن أفرد كتاباً بالتأليف في تاريخ الشيعة الديني والسياسي تاركاً تدوين تاريخها الأدبي).

فهو في هذا الكتاب يريد أن يجلو الحقائق وأن يزيل من الأذهان ما عَلَقَ بها من غير الحقائق لتصفو النفوس وتطيب القلوب.

٩

ثم هو حين يشرح طريقته في التأليف يشير إلى ما سيختمه به قائلاً: (.... خاتمة تتضمن دعوة المسلمين كافة إلى التحرر من التعصب الممقوت للمذهب والعقيدة الذي أدى إلى ذهاب ريحهم وتفرقهم قِدداً...).

إن في هذا الكتاب مما يثير الاهتمام جمعه لأخبار الدولة الإدريسية في المغرب التي ظلت معظم أخبارها ضائعة، وظل الكثير منها مطموساً مع ما كان لها من الفضل العميم في نشر الإسلام في بقاع ظلت أمداً طويلاً على غير الإسلام حتى جاء الحكم الإدريسي الصالح فتجرد فيما تجرد له، لدعوة النافرين من الإسلام إلى الأخذ به فاستجابوا بعدما رأوا صلاح الحكم وحسن سيرة الحكام، فكان أن عمَّ الإسلام شمال إفريقيا كله، وقد كان تاريخ الأدارسة كما وصفه الدكتور حسن مؤنس: (ما زالت الدولة الإدريسية تنتظر من يكتب تاريخها ويحدد دورها في بناء المغرب العربي).

وها هو الشيخ سليمان ظاهر قد فعل - فيما فعل - في هذا الكتاب أن وضع الأساس لمن يريد الإفاضة في تاريخ الأدارسة الذين لم يكن الدكتور حسين مؤنس وحده قد شكا من ضياع تاريخهم، بل شاركه في ذلك كثيرون.

والأمر نفسه فيما يتعلق بتاريخ الحَمْدانيين وبطلهم، بل بطل العرب في عصره (سيف الدولة)، وما كان منه من مناضلة البيزنطيين النضال الطويل المرير، ودفعهم عن بلاد الشام وحماية العروبة والإسلام فيها.

فقد كان تاريخ تلك الفترة المجيدة مبعثراً لا يكاد يُهتدى إليه، وها هو اليوم في هذا الكتاب واضح المعالم مجموع الأحداث.

ونحن هنا لا نريد أن نستقصي كل حسنات الكتاب، بل نريد أن نشير إشارات عابرة إلى ملامح من تلك الحسنات، ونترك للقارئ أن يعكف على مطالعته لتستبين له صور من التاريخ ما كانت لتستبين مجموعة لو لا الجهد الذي بذله المؤلف.

ومن حسنات الكتاب أنه أبرز للقراء تاريخ إمارات عربيّة طمس الإهمال تاريخها مع ما في هذا التاريخ من مفاخر ومآثر في السياسية والأدب والشعر بخاصة، من أمثال العقيليين والخفاجيين وبني شاهين وغيرهم.

١٠

وحين نذكر هذا فإنه لابد لنا من أن نشير إلى أنه كان لتاريخ لبنان النصيب الوافر في هذا الكتاب، ففي تاريخ لبنان صفحات مطوية لم تجد من يكشف عنها حتى جاء الشيخ سليمان ظاهر يتحدث - فيما يتحدث عنه - عن الحرافشة الذين كان لهم في تاريخ لبنان العسكري والأدبي ما كان يجب أن يطول الحديث عنه، ولكن أحداً لم يتحدث عنه حتى همْساً.

ومن مزاياه أنه تجاوز تاريخ الدول والإمارات إلى تاريخ أسر علمية تأصل فيها العلم وتسلسل في أزمنة متباعدة فكان من حقها أن يُجلى تاريخها وأن يُعرف فضلها في النهضات العلمية الإسلامية، ونذكر مثالاً لذلك (بني زُهرة) الحَلبيين الذين وفاهم حقهم وأبرز دورهم بعدما كان من العسير على المتتبع أن يهتدي إلى ما يجب أن يهتدي إليه.

لا يمكن في هذه المقدمة الموجزة أن أستوعب كل ما في الكتاب من حسنات، والقارئ وحده سيستطيع أن يتعرف على الشيخ سليمان ظاهر مؤرخاً باحثاً بعيد الغور.

وإذا كان في هذا الكتاب تعريف بالشيخ سليمان المؤرخ، فمتى يحين الوقت الذي يتعرف فيه العرب على الشيخ سليمان شاعر العرب؟

ومتى يطبع ديوانه الذي يعرّفهم عليه شاعراً عربياً أصيلاً بلغ بالشعر العربي في عصره المدى القصير في الإجادة والموضوعية والنضال...

بيروت في ١/١/٢٠٠٠

حسن الأمين

١١

١٢

نبذة عَن حيَاة المؤلف

نسبه ومولده ونشأته:

هو سليمان بن محمد بن علي بن إبراهيم بن حمود بن ظاهر زين الدين العاملي النبطي(١) ، ولد في النبطيّة من أبوين صالحين في العاشر من المحرم الحرام سنة ١٢٩٠هـ ١٨٧٣م، وتُوفِّيت والدته وهو في الثالثة من عمره، فكفلته خالته زوجة أبيه، فأحسنت كفالته وتربيته.

ولما بلغ العاشرة قرأ القرآن المجيد وتعلم شيئاً من الخط والإملاء، وهو كل ما كان يظفر به بعض أترابه في ذلك العهد في الكتاتيب العاملية التي لم تكن لِتُخرِّجَ إلا أنصاف الأميين الذين لم تبلغ نسبتهم المئوية من مجموع سكان جبل عامل أكثر من اثنين في المائة عهد ذاك؛ إذ لم تكن الدولة العثمانية في ذلك الحين لتعنى في نشر العلم ومحاربة الأُمية والجهل وخاصة في القرى والرساتيق البعيدة عن المدائن والحواضر، ولو لا قيام رهط صالح من العلماء في القطر العاملي بإشادة بعض المدارس الخاصة الدينية وتعليمهم المجّاني للناشئين، وإنفاقهم على الفقراء منهم وجلّهم من الفقراء لانقطعت سلسلة العلم من البلاد ولطغى عليها الجهل المطبق، على أن كل ما يستهدفه ذلك الرهط من التعليم في مدارسهم ولا سيما في المائة الثالثة عشرة وأوائل المائة الرابعة عشرة كاد يتمحض لتعليم علوم الفقه وأصوله والتوحيد والنحو والصرف والبيان والمنطق، وما عدا ذلك من

____________________

(١) ينتمي إلى الإمام فقيد الإمامية زين الدين الشهيد الثاني المتوفّى قتيلاً وهو في طريق الاعتقال إلى القِسْطَنْطِينيّة في قونيّة سنة ٩٦٥هـ.

١٣

العلوم الأخرى المثقِّفة ولمهذّبة للنفوس ولو بأساليبها القديمة فلم تكن منها لا في العِيِر ولا في النَفير.

خرج المترَجْم له من كتّابه وهو لم يتزود منه غير بلغة يسيرة لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي نفسه نزوع إلى ارتشاف مناهل العلم التي غرسها فيه والده الذي كان على جانب من التقى والصلاح ومحبة العلم والعلماء، ولم يمنعه سن الأربعين أن يتلقى القرآن الكريم في صفوف الناشئين في كتّابهم، وأن يسعى لاكتساب ما ينفقه على أسرته.

لاحظ الوالد ميل ولده سليمان للتعليم الذي وجّهه إليه وهو يرى وسائله مفقودة في بلده، والرحلة إلى غيره خارجة عن حدود طاقته، والمدارس الدينية الخاصة قد أقفل أكثرها، ولم يبق منها في البلاد سوى مدرستين أو ثلاث، والرحلة إليها شاقة متعذرة على ناشئ في الحادية عشرة من عمره، فلم يجد وسيلة لقضاء حاجة ولده الملحّة في طلب العلم أقرب من أن يلتمس من صديقه السيد محمد نور الدين الموسوي وهو من العلماء الأجلّة المقيم في قرية النبطية الفوقا على بعد ميل وبعض الميل من بلده منحه جزءاً من وقته يلقنه به مبادئ النحو، فأجابه إلى ما التمسه، فأخذ يتردُّد عليه صباح كل يوم ويقرأ عليه بعض المتون في علم النحو، وثابر على ذلك مدة من الزمن إلى أن تهيأت له الرحلة مع رفيق له إلى مدرسة العلامة السيد حسن آل إبراهيم الحسيني التي أنشأها في قرية النميرية في أعمال مقاطعة الشومر على بعد سبعة أميال من النبطية.

مكث سليمان في هذه القرية بضعة أشهر يدرس في مدرستها مبادئ علمي النحو والصرف، ثم أقفلت تلك المدرسة لأسباب لا مجال لذكرها، فعاد إلى بلده وعاود الدرس على أستاذه الأول مع بعض رفاقه حتى سنة ١٣٠٣هـ. التي قدم فيها النبطية تلبية لدعوة من أهلها السيد محمد آل إبراهيم للتعليم والإرشاد، فلازمه وقرأ عليه شطراً من العلوم العربية وآدابها وطرفاً من رسائل ابن سينا وشيئاً من الإلهيات وعلوم الكلام وقسماً من أمالي الشريف المرتضى، وكان لهذا الأُستاذ الفضل الكبير في إذكاء قريحة سليمان لنظم القريض وممارسة الكتابة وتوجيهه للتجديد وقبول الجديد، وفي تلك الأيام علا شأن مدرسة بنت جبيل في القسم الجنوبي من جبل عامل لمؤسسها المصلح الكبير الشيخ موسى شرارة، فارتحل إليها وأقام بها

١٤

بضعة أشهر، وعاد في أيام عطلتها، وكان ذلك آخر عهده بها لوفاة مؤسسها.

وفي سنة ١٣٠٦هـ. جدّد أول أساتذته السيد محمد نور الدين مدرسة في النبطية الفوقا، فأقبل عليها الطلاب من كل حدب وصوب، وانتقل سليمان إليها ودرس فيها على الأستاذ الفاضل الشيخ جواد آل السبيتي بعض شروح الشمسيات للقطب الرازي في المنطق وشرح التلخيص للسعد التفتزاني في المعاني والبيان إلى سنة ١٣٠٩هـ. التي قدم فيها النبطية من النجف الأشرف لدعوة من سكانها العلامة الكبير السيد حسن يوسف مكي، وأنشأ فيها مدرسة حفلت بالطلاب من مختلف الأنحاء العاملية واللبنانية ومن بعض قرى بعلبك، فكانت من خيرة المدارس العاملية، بل كانت فتح عهد جديد بعد التراجع العلمي وبعد الفترة التي كادت تندثر فيها البقية الباقية من المدارس العاملية التي لم تنقطع لها صلة في البلاد منذ المائة الثامنة للهجرة.

وبعد تأسيس هذه المدرسة بثلاث سنوات افتتحت عدة مدارس في شقراء وعيثا وعيناثا وجباع وغيرها. وقد أمَّ مدرسة النبطية فريق من الفضلاء الذين تخرجوا من مدرسة حنويه ومدرسة بنت جبيل، وكان من جملة الوافدين على مدرسة النبطية الأستاذ الشيخ أحمد مروّة المحقّق، فدرس سليمان عليه تتمة شرحي الشمسية والتلخيص ومقدمة معالم الدين في أصول الفقه والشرائع في الفقه وبعض كتب الكلام، ودرس كتب العلامة الأصولي المجدّد الشيخ مرتضى الأنصاري في الأصول وكتابيه الطهارة والمكاسب في الفقه، والقوانين في الأصول للميرزا القمي، وشرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني على رئيس المدرسة، وكان مع تلقيه هذه الدروس يُلقي على الطلاب دروس المنطق والمعاني والبيان والأصول والفقه والكلام والتوحيد إلى سنة ١٣٢٤هـ. وهي السنة التي تُوفِّي فيها آخر أساتذته، فتفرق شمل الطلاب وكان ذلك آخر عهده بالطلب، ولكنه عكف على المراجعة والمطالعة ودرس على نفسه من مبادئ العلوم التي لم تكن تدرّس في مدارس ذلك العهد ما كان له به بعض المشاركة لدارسيها، وأولع بمطالعة الكتب العصرية والمجلات العلمية والأدبية التي كانت تصدر في ذلك الزمن في مصر وبيروت كمجلة المقتطف ومجلة الهلال ومجلة

١٥

المنار وغيرها، فكانت له في ذلك قدم صالحة وفتحت له آفاق جديدة لم يكن للعامليين عهد بها.

نشأته الأدبية:

نما فيه الميل إلى مزاولة الأدب وممارسة الكتابة والتمرن على أساليبها العصرية نابذاً الطريقة القديمة العقيمة التي كانت مُتَّبَعَةً في جبل عامل، فلم ينتقص حظه من ثمرة اجتهاده، وتحرى طريقة الكرام الكاتبين من أبناء عصره، وراسل بعض الصحف البيروتيّة خاصة واللبنانية والدمشقية عامة، وتولّى كتابة المقالات الافتتاحية في جريدة المرج التي أصدرها في أوائل الانقلاب العثماني في جديدة مرجعيون صديقه الطبيب أسعد رحّال إلى أن حجبتها الحرب العامة.

وكتب في جريدة القبس المحتجبة وفي مجلة العرفان لصديقه الأستاذ الشيخ أحمد عارف الزين، وفي جريدته جبل عامل المحتجبة، أبحاثاً في السياسة والاجتماع والأخلاق والتاريخ، وكتب في غيرها من الصحف والمجلات.

أولع بنظم الشعر وهو ابن خمس عشرة سنة، ولكنه نهج فيه منهجاً وسطاً بين القديم والجديد، وجُلُّ منظوماته في الأخلاق والاجتماع والوصف وذم مساوئ المدنية الحاضرة.

مؤلفاته:

أحب التأليف وهو في عهد الطلب والتحصيل، وكلما خطا في مراحل التعليم خطوة نما فيه ذلك الحب، ولكن كان يعترض طريقه حب التجدّد والتزيّد في الموضوع الذي يحاول التأليف فيه، وهو يتطلب المصادر الكثيرة وهي غير متوفرة لديه، فكان هذا السبب هو الذي صرفه عن عزمه على التأليف مقتنعاً بما كان يكتبه من المقالات في مختلف الموضوعات في الصحف إلى أن تستكمل له مواد التأليف، حتى إذا جمع مكتبة تحتوي على زهاء ألف كتاب بعد أن أدرك سن الكهولة انصرف إلى التأليف،

فكان مما ألّفه من المطبوع:

١٦

١ - تاريخ قلعة الشقيف، وقد استأذنه بعض الأدباء في نقله إلى اللغة الإنكليزية.

٢ - بنو زهرة الحَلبيون.

٣ - معجم قرى جبل عامل نشر في مقالات.

٤ - الذخيرة وقد طبع على حدة.

٥ - الإلهيات: أحد أجزاء ديوان شعره.

٦ - الفلسطينيات: أحد أجزاء ديوان شعره.

ومما ألّفه من غير المطبوع:

٧ - تاريخ الشيعة السياسي.

٨ - الرحلة العراقية: وهي قصيدة تبلغ زهاء ٥٠٠ بيت وصف فيها مشاهداته في العراق يوم سافر إليه مع الوفد العاملي لحضور حفلة أربعين المرحوم الملك فيصل بن الحسين سنة ١٣٥٢هـ.

٩ - الحسين بن علي: يبحث فيه عن أسباب شهادته.

١٠ - الرحلة الإيرانية.

١١ - الملحمة الإسلامية الكبرى. (شعر)

١٢ - الشعر والنثر العامليان المنسيان.

١٣ - مجموع ما دار بينه وبين رهط من أعاظم العلماء وأكابر الأدباء من المراجعات الشعرية.

١٤ - عدة مجامع أدبية.

١٥ - ديوان شعره وهو ينيف على عشرين ألف بيت.

١٦ - القصائد النبوية.

١٧ - نقض مذهب داروين.

١٨ - رسالة في أحوال أبي الأسود الدؤلي وهو أحد جامعي العراقيات.

١٩ - تاريخ جبل عامل القديم والحديث.

١٧

حياته السياسية:

عني بالسياسة منذ الصغر ولا سيما ما يتعلق منها بوطنه، ونُكب في سبيلها نكبات في الحرب العالمية الأولى، وكان في القافلة الأولى بين مسجوني عاليه سنة ١٣٣٣هـ. وبعد سجنه ثلاثة وخمسين يوماً خرج مع رهط من إخوانه مبرّءاً من التهم السياسية، ولم يسلم بعد تلك الحرب من أذاها.

في الجمعيات والمؤتمرات:

دخل عضواً في جمعية التعاون الخيري العام سنة ١٣١٦هـ. وهو أحد مؤسسي المحفل العلمي العاملي في العهد الحميدي، ولكنه لم يُكتب له أسّس في بلدة النبطية في أوائل الانقلاب العثماني، وكان عضواً في الجمعية الخيرية العاملية التي أُسست في النبطية سنة ١٣٣١هـ. وعضواً في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي أسسها هو ورهط من فضلاء بلده لنشر العلم وإنشاء وقوف ثابتة لها من التبرعات ومن شتى الوجوه، وكان للمرحوم تُوفِّيق بك الميداني من وجهاء دمشق أيام كان مديراً في ناحية الشقيف يد بيضاء في مساعدتها وتنمية وارداتها، ثم انتخب سليمان رئيساً للجمعية المذكورة التي أصبح لها من الأملاك المبنية ما يقوم ريعها في الإنفاق على مدرستها التي أقامتها على أنقاض المدرسة الحميدية التي أسسها العلامة الكبير المرحوم السيد حسن يوسف مكي، وجدّد داثرها الأخوان المحسنان الحاج حسين الزين ويوسف بك الزين، وكان عدد تلامذتها في ذلك الحين زهاء المائتين، وتولى المترَجْم له رئاسة جمعية نشر العلم في صيداء بعد الحرب العالمية الأولى، وكان أحد أعضاء المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد في القدس الشريف سنة ١٣٥١هـ. وكان عضواً في مؤتمر بلودان، وعضواً في أكثر المؤتمرات الوطنية التي عُقدت في بيروت وغيرها، وكان أحد أعضاء جمعية العلماء العاملية، وعضو شرف في جمعية الرابطة الأدبية النجفيّة، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق.

١٨

رحلاته:

كان في سنة ١٣٥٢هـ. في الوفد العاملي الذي سافر إلى بغداد مع وفود الأقطار السورية واللبنانية والفلسطينية لحضور حفلة التأبين الكبرى بعد مرور أربعين يوماً على وفاة الملك فيصل الأول، وقد أحاط نجله الملك غازي الأول هذا الوفد برعايته الخاصة، كما لقي كثيراً من الاحتفاء والتكريم في مدن الفرات الأوسط كربلاء والنجف والكوفة والحلَّة.

وفي سنة ١٣٥٣هـ. قام برحلة إلى العراق وإيران استغرقت ستة أشهر، وكان محاطاً بعطف العراقيين والإيرانيين، ووضع مذكرات في هذه الرحلة، ووصف البلاد التي طاف فيها وصفاً جامعاً. ودُعي لحفلة تأبين ياسين باشا الهاشمي في بغداد، وكان من المتكلمين فيها، ودُعي لحفلة تأبين الملك غازي الأول، وإلى عدة مؤتمرات وحفلات لا مجال لذكرها.

في التجارة والوظائف:

مارس التجارة مع اشتغاله بالعلم والكتابة فلم يفلح، ونُدب إلى الوظائف العدلية، فكان قاضي تحقيق في صيدا في بدء الاحتلال الفرنسي، ثم اضطر إلى التخلي عن الوظيفة بسبب نزعته الاستقلالية ونصرته القضية العربية، ثم اعتقل عام ١٩٢٢م، وعُيّن بعدها مستشاراً في محكمة بداية كسروان، ثم حاكم صلح في الهرمل والنبطية، ولكنه ما عتم أن فُصل من الوظيفة لأسباب سياسية، وهو نفسه لم يكن راغباً في الوظيفة التي حمل عليها مكرهاً، فحمد ذلك الإخراج منها؛ لأنه كان سبباً لانصرافه إلى ما هو أهم منها، وإلى ما هو ميسّر له من المطالعة والتأليف.

أعماله:

عمل كثيراً مع رهط صالح من بلاده وخاصة بلدته النبطية، فكانوا هم أساس النهضة العلمية العاملية الجديدة التي آتت أُكلها، وباعثين روح التجديد فيها. وقد أنفق معظم أوقاته في هذه الناحية، وفي ناحية الكتابة وفي تأليف كتابه تاريخ الشيعة، والملحمة الإسلامية الكبرى وغيرها، وفيما يفيد وطنه مما يبلغه وسعه.

١٩

وفاته:

وقضى باقي سني حياته منكباً على المطالعة والكتابة ونظم الشعر، مهتماً بتثقيف أبناء منطقته وخدمتهم، وإذكاء الروح الوطنية في النشء، متعاوناً في ذلك مع رهط من العامليين المجاهدين، ومضى في ذلك قدماً إلى أن أقعده المرض وقد بلغ السابعة والثمانين، وتوفاه الله نهار الاثنين الواقع في السادس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٨٠هـ الموافق للخامس من شهر كانون الأول سنة ١٩٦٠م.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391