تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني10%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131157 / تحميل: 11534
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

عديدة وأنباء كثيرة آلت إلى غلب أبي عبد الله، وانتشار أصحابه من كتامة في البلاد، فصار يقول: المهدي يخرج في هذه الأيام ويملك الأرض فيا طوبى لمن هاجر إلي وأطاعني.

وأخذ يغري الناس بابن الأغلب، ويذكر كرامات المهدي وما يفتح الله له، ويعدهم بأنهم يملكون الأرض كلها. وسيّر إلى عبيد الله بن محمد رجالاً من كتامة ليخبروه بما فتح الله له، وأنه ينتظره.

فوافوا عبيد الله بسلمية من أرض حمص، وكان قد اشتهر بها، وطلبه الخليفة المكتفي، ففرّ منه بابنه أبي القاسم، وسارا إلى مصر، وكان لهما قصص مع النوشزي عامل مصر حتى خلصا منه ولحقا ببلاد المغرب.

وبلغ ابن الأغلب زيادة الله مسير عبيد الله، فأذكى له العيون وأقام له الأعوان حتى قبض عليه بسلجماسة، وكان عليها اليسع بن مدرار، وحُبس بها هو وابنه أبو القاسم.

وبلغ ذلك أبا عبد الله وقد عظم أمره فسار وضايق زيادة الله بن الأغلب وأخذ مدائنه شيئاً بعد شيء. وسار فيما ينيف على مائتي ألف، وألح على القيروان حتى فرّ زيادة الله إلى مصر وملكها أبو عبد الله.

ثم سار إلى رقادة فدخلها أول رجب سنة ست وتسعين ومائتين. وفرق الدور على كتامة، وبعث العمّال إلى البلاد، وجمع الأموال، ولم يخطب باسم أحد. فلما دخل شهر رمضان سار من رقادة، فاهتز لرحيله المغرب بأسره، وخافته زناتة وغيرها، وبعثوا إليه بطاعتهم.

وسار إلى سلجماسة ففرَّ منه اليسع بن مدرار واليها. ودخل البلد فأخرج عبيد الله وابنه من السجن، وقال: هذا المهدي الذي كنت أدعوكم إليه. وأركبه هو وابنه ومشى بسائر رؤساء القبائل بين أيديهما، وهو يقول: هذا مولاكم، ويبكي من شدة الفرح، حتى وصل إلى فسطاط ضرب له فأنزل فيه، وبعث في طلب اليسع فأدركه، وحمل إليه فضربه بالسياط وقتله.

ثم سار المهدي إلى رقادة، فصار بها في آخر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين، ولما تمكَّن قتل أبا عبد الله وأخاه في يوم الاثنين للنصف

٢٠١

من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين، فكان هذا ابتداء أمر الخلفاء الفاطميين.

وما زالت كتامة هي أهل الدولة مدة خلافة المهدي عبيد الله وخلافة ابنه أبي القاسم القائم بأمر الله، وخلافة المنصور بنصر الله إسماعيل بن القاسم وخلافة المُعزّ لدين الله بن المنصور، وبهم أخذ ديار مصر لما سيرهم إليها مع القائد جوهر في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وهم أيضاً كانوا أكابر من قدم معه من المغرب في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.

فلما كان في أيام ولده العزيز بالله نزار اصطنع الديلم والتُّرك وقدَّمهم وجعلهم خاصته، فتنافسوا وصار بينهم وبين كتامة تحاسد إلى أن مات العزيز بالله، وقام من بعده أبو علي المنصور الملقّب بالحاكم بأمر الله، فقدم ابن عمّار الكتامي وولاّه الوساط، وهي في معنى رتبة الوزارة، فاستبد بأمور الدولة وقدم كتامة وأعطاهم، وحط من الغلمان التُّرك والديلم الذين اصطنعهم العزيز، فاجتمعوا إلى برجوان وكان صقلبياً وقد تاقت نفسه إلى الولاية، فأغرى المصطنعة بابن عمّار حتى وضعوا منه واعتزل عن الأمر.

وتقلّد برجوان الوساطة، فاستخدم الغلمان المصطنعين في القصر وزاد في عطاياهم وقوّاهم، ثم قتل الحاكم ابن عمّار وكثيراً من رجال دولة أبيه وجدّه، فضعفت كتامة وقويت الغلمان.

فلما مات الحاكم وقام من بعده ابنه الظاهر لإعزاز دين الله علي أكثر من اللهو ومال إلى التُّرك والمشارقة، فانحط جانب كتامة وما زال ينقص قدرهم ويتلاشى أمرهم حتى ملك المستنصر بعد أبيه الظاهر، فاستكثرت أمه من العبيد، حتى يقال: إنهم بلغوا نحواً من خمسين ألف أسود، واستكثر هو من التُّرك، وتنافس كل منهما مع الآخر فكانت الحرب التي آلت إلى خراب مصر وزوال بهجتها، إلى أن قدم أمير الجيوش بدر الجمالي من عكا وقتل رجال الدولة، وأقام له جنداً وعسكراً من الأرمن، فصار من حينئذ معظم الجيش الأرمن. وذهبت كتامة وصاروا من جملة الرعية بعدما كانوا وجوه الدولة وأكابر أهلها.

٢٠٢

تاريخ بني المصيّب

دولة بني عقيل

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده تعالى ونستعينه ونصلي ونسلم على خيرة رسله والنخبة المختارة من سلالة نبيّه، وبعد فإنا ذاكرون في هذا الجزء من أجزاء تاريخ الشيعة السياسي أخبار دولة بني عقيل، الناشئة في الموصل، ويطلق عليها أسماء ثلاثة: بنو عقيل، بنو المسيب، بنو المقلَّد.

ابتداء أمرها:

قال المؤرخ الكبير ابن خلدون في الجزء الرابع ص٢٥٤ في تاريخه الكبير: كان بنو عقيل وبنو نُمَيْر وبنو خفاجة وكلهم من عامر بن صعصعة، وبنو طيَ من كهلان قد انتشروا ما بين الجزيرة والشام في عدوة الفرات، وكانوا كالرعايا لبني حمدان يؤدون إليهم الإتاوات وينفرون معهم في الحروب. ثم استفحل أمرهم عند فشل دولة بني حمدان وساروا إلى ملك البلاد، ولما انهزم أبو طاهر بن حمدان أمام علي بن مروان بديار بكر سنة ثمانين ولحق بنصيبين، وقد استولى عليها أبو الذوّاد محمد بن المسيب بن رافع بن المقلَّد بن جعفر بن عمر بن مهند أمير بني عقيل بن كعب بن ربيعة ابن عامر، فقتل أبا طاهر وأصحابه وسار إلى الموصل فملكها وبعث إلى بهاء الدولة بن بويه المستبد على الخليفة بالعراق في أن يبعث عاملاً من قبله، والحكم راجع لابن الذوّاد، وأقام على ذلك سنتين وبعث بهاء الدولة سنة اثنتين وثمانين عساكره إلى الموصل مع أبي جعفر الحجاج بن هرمز، فغلب عليها أبا الذوّاد وملكها وزحف لحربه أبو الذوّاد في قومه ومن اجتمع إليه من العرب فكانت بينهم حروب ووقائع.

٢٠٣

مهلك أبي الذوّاد وولاية أخيه المقلَّد:

ثم مات أبو الذوّاد سنة ست وثمانين، وولي إمارة بني عقيل مكانه أخوه علي بعد أن تطاول إليها أخوهما المقلَّد(١) بن المسيب وامتنع بنو عقيل؛ لأن علياً كان أسن منه فصرف المقلَّد وجهه إلى ملك الموصل. واستمال الديلم الذين فيها مع أبي جعفر بن هرمز، فمالوا إليه وكتب إلى بهاء الدولة أن يضمنه الموصل بألفي ألف درهم كل سنة، ثم أظهر لأخيه علي وقومه أن بهاء الدولة قد ولاّه واستمدهم فساروا معه ونزلوا على الموصل وخرج إلى المقلَّد من كان استماله من الديلم، واستأمن إليهم أبو جعفر قائد الديلم، فأمنوه وركب السفن إلى بغداد واتبعوه فلم يظفروا منه بشيء. وتملك المقلَّد ملك الموصل.

فتنة المقلَّد مع بهاء الدولة:

كان المقلَّد يتولّى حماية غربي الفرات، وكان له ببغداد نائب فيه تهوّر، وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة وكان بهاء الدولة مشغولاً بفتنة أخيه فكتب نائب المقلَّد إليه يشكو من أصحاب بهاء الدولة فجاء في العساكر وأوقع بهم ومدَّ يده إلى جباية الأموال. وخرج نائب بهاء الدولة

____________________

(١) هو أبو حسَّان المقلَّد بن المسيب بن رافع بن المقلَّد بن جعفر بن عمرو بن المهنى عبد الرحمان بن يُزيد بالتصغير بن عبد الله بن زيد بن قيس بن حوشة بن طهفة بن حزن بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي الملقَّب حسام الدولة صاحب الموصل، كان أخوه أبو الذوّاد محمد بن المسيب أول من تغلب على الموصل، وملكها من أهل هذا البيت وذلك في سنة ثمانين وثلاثمائة وتزوج بهاء الدولة أبو نصر ابن عضد الدولة بن بويه ابنته فلما مات أبو الذوّاد في سنة سبع وثمانين قام أخوه المقلَّد المذكور بالملك من بعده وكان أعور، قال ابن الأثير في الكامل: إنه كان فيه عقل وسياسة وحسن تدبير فغلب على سقي الفرات واتسعت مملكته، ولقّبه الإمام القادر بالله وكنّاه وأنفذ إليه اللواء والخلع فلبسها بالأنبار واستخدم من الديلم والتُّرك ثلاثة آلاف رجل وأطاعته خفاجة، وكان فيه فضل ومحبة لأهل الأدب وينظم الشعر. حكى أبو الهيجاء أن عمران بن شاهين قال: كنت أساير معتمد الدولة أبا المنيع قرواش بن المقلَّد المذكور ما بين سنجار ونصيبين، فنزلنا ثم استدعاني بعد الزوال وقد نزل بقصر هناك يعرف بقصر العباس بن عمرو الغنوي وكان مطلاًّ على بساتين ومياه كثيرة فدخلت عليه فوجدته قائماً يتأمل كتابة على الحائط فقرأتها فإذا هي (الخ).

٢٠٤

ببغداد وهو أبو علي بن إسماعيل عن ضمان القصر وغيره، فغالط بهاء الدولة وأنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز للقبض على أبي علي بن إسماعيل ومصالحة المقلَّد بن المسيب، فصالحه على أن يحمل إلى بهاء الدولة عشرة آلاف دينار ويخطب له ولأبي جعفر بعده، ويأخذ من البلاد رسم الحماية وأن يخلع على المقلَّد الخلع السلطانية، ويلُقَّب حسام الدولة ويقطع الموصل والكوفة والقصر والجامعين، وجلس له ولأبي جعفر القادر بالله. فاستولى على البلاد وقصده الأعيان والأماثل وعظم قدره. وقبض أبو جعفر على أبي علي بن إسماعيل ثم هرب ولحق بمهذّب الدولة.

القبض على علي بن المسيب:

كان المقلَّد بن المسيب قد وقعت المشاجرة بين أصحابه وأصحاب أخيه في الموصل قبل مسيره إلى العراق. فلما عاد إلى الموصل أجمع الانتقام من أصحاب أخيه. ثم نوى أنه لا يمكنه ذلك مع أخيه فأعمل الحيلة في قبض أخيه وأحضر عسكره من الديلم والأكراد وورى بقصر دقوقا واستحلفهم على الطاعة، ثم نقب دار أخيه وكانت ملاصقة له ودخل إليه، فقبض عليه وبعث زوجته وولديه قرواش وبدران إلى تكريت، واستدعى رؤساء العرب وخلع عليهم وأقام فيهم العطاء، فاجتمعت له زهاء ألفي فارس، وخرجت زوجة أخيه بولديها إلى أخيها الحسن بن المسيب، وكانت أحياؤه قريباً من تكريت، فاستجاش العرب على المقلَّد وسار إليه في عشرة آلاف فخرج المقلَّد عن الموصل واستشار العرب على المقلَّد وسار إليه في عشرة آلاف، فخرج المقلَّد عن الموصل واستشار الناس في محاربة أخيه فأشار رافع بن محمد بن مُعزّ بالحرب، وأشار أخوه غريب بن محمد بالموادعة وصلة الرحم. وبينما هو في ذلك إذ جاءت أخته رميلة بنت المسيب شافعة في أخيها علي، فأطلقه ورد عليه ماله وتوادع الناس وعاد المقلَّد إلى الموصل، وتجهَّز لقتال علي بن مزيد الأسدي بواسط؛ لأنه كان مغضباً لأخيه الحسن، فلما قصد الحلَّة خالفه علي إلى الموصل فدخلها. وعاد إليه المقلَّد وتقدمه أخوه الحسن مشفقاً عليه من كثرة جموع المقلَّد فأصلح ما بينهما. ودخل المقلَّد إلى الموصل وأخواه معه ثم خاف علي فهرب، ثم وقع الصلح بينهما على أن يكون أحدهما بالبلد. ثم هرب علي فقصده المقلَّد ومعه بنو خفاجة فهرب إلى العراق واتبعه المقلَّد فلم يدركه

٢٠٥

ورجع عنه. ثم سار المقلَّد إلى بلد علي بن مزيد فدخله ثانية، ولحق ابن مزيد بمهذّب الدولة صاحب البطيحة فأصلح ما بينهما.

استيلاء المقلَّد على دقوقا:

ولما فرغ المقلَّد من شأن أخويه وابن مزيد سار إلى دقوقا فملكها وكانت لنصرانيّين قد استعبدا أهلها. وملكها من أيديهما جبريل بن محمد من شجعان بغداد أعانه عليها مهذّب الدولة صاحب البطيحة وكان مجاهداً يحب الغزو فملكها وقبض على النصرانيين وعدل في البلد. ثم ملكها المقلَّد من يده وملكها بعده محمد بن نحبان، ثم بعده قرواش بن المقلَّد، ثم انتقلت إلى فخر الملك أبي غالب فعاد جبريل واستجاش بموشك بن حكويه من أمراء الأكراد. وغلب عليها عمال فخر الدولة ثم جاء بدران بن المقلَّد فغلب جبريل وموشك عليها وملكها.

مقتل المقلَّد وولاية ابنه قرواش:

كان للمقلَّد مَوالٍ من التُّرك فهربوا منه واتبعهم، فظفر بهم وقتل وقطع وأفحش في المثلة فخاف إخوانهم منه، واغتنموا غفلته فقتلوه فيها بالأنبار سنة إحدى وسبعين، وكان قد عظم شأنه وطمع في ملك بغداد. ولما قتل كان ولده الأكبر قرواش غائباً وكانت أمواله بالأنبار، فخاف نائبه فيها عبد الله بن إبراهيم بن شارويه بادرة عمه الحسن، وراسل أبا منصور بن قراد وكان بالسندية وقاسمه في مخلف المقلَّد على أن يدافع الحسن إن قصده، فأجابه إلى ذلك وأرسل عبد الله إلى قرواش يستحثُّه، فوصل ووفى لابن قراد بما عاهده عليه نائبه عبد الله، وأقام ابن قراد عنده، ثم إن الحسن بن المسيب جاء إلى مشايخ بني عقيل شاكياً مما فعله قرواش وابن قراد عنده، فسعوا بينهم في الصلح، واتفق الحسن وقرواش على الغدر بابن قراد وأن يسير أحدهما إلى الآخر متحاربين فإذا تلاقيا قبضا على ابن قراد ففعلا ذلك. فلما تراءى الجمعان نُمي الخبر إلى ابن قراد، فهرب واتبعه قرواش والحسن ولم يدركاه، ورجع قرواش إلى بيوته فأخذها بما فيها من الأموال، فوجه الأموال إلى أن أخذها أبو جعفر الحجاج بن هُرمز.

٢٠٦

فتنة قرواش مع بهاء الدولة بن بويه

ولما كانت سنة اثنتين وتسعين بعث قرواش بن المقلَّد جمعاً من بني عقيل إلى المدائن فحصروها. فبعث أبو جعفر بن الحجا بن هرمز نائب بهاء الدولة ببغداد عسكراً إليهم فدفعوهم عنها. فاجتمعت بنو عقيل وبنو أسد وأميرهم علي بن مزيد. وخرج أبو جعفر إليهم واستجاش بخفاجة وأحضرهم من الشام، فانهزم واستبيح عسكره وقُتل وأُسر من الديلم والتُّرك كثير. ثم جمع العساكر ثانياً ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وقتل وأسر، وسار إلى أحياء بني مزيد ونهب منها ما لا يقدر قدره. ثم سار قرواش إلى الكوفة سنة سبع وتسعين، وكانت لأبي علي بن ثُمال الخفاجي وكان غائباً عنها، فدخل قرواش الكوفة وصادرهم ثم قتل أبو علي سنة تسع وتسعين، وكان الحاكم صاحب مصر قد ولاّه الرحبة فسار إليها، وخرج إليه عيسى بن خلاط العقيلي، فقتله وملكها بعده غيره إلى أن ولي أمرها صالح بن مرداس الكِلابي صاحب حَلب.

قبض قرواش على وزرائه:

كان معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد قد استوزر أبا القاسم الحسين بن علي بن الحسين المغربي. وكان من خبره أن أباه من أصحاب سيف الدولة بن حمدان، فذهب عنه إلى مصر وولي بها الأعمال. ووُلِدَ ابنه أبا القاسم ونشأ هنالك ثم قتله الحاكم، فلحق أبو القاسم بحسَّان بن مُفرج بن الجراح الطائي بالشام، وأغراه بالانتقاض والبيعة لأبي الفتوح الحسن بن جعفر صاحب مكة، ففعل ذلك ولم يتم أمر أبي الفتوح، ورجع إلى مكة ولحق أبو القاسم المغربي بالعراق واتصل بفخر الملك فارتاب به القادر؛ لانتسابه إلى العلوية فأبعده فخر الملك، فقصد قرواش بالموصل فاستوزره، ثم قبض عليه سنة إحدى عشرة وأربعمائة وصادره على مال زعم أنه ببغداد والكوفة، فأحضره وترك سبيله فعاد إلى بغداد ووزر لشرف الدولة بن بويه بعد وزيره مؤيد الملك الرجيحي، وكان مداخلاً لعنبر الخادم الملَّقب بالأثير المستولي على الدولة يومئذ. ثم سخطه التُّرك وسخطوا الأبهر فأشار عليه بالخروج عن بغداد، فخرج الوزير وأبو القاسم معه إلى السندية وبها قرواش فأنزلهم وساروا إلى أوانا، وبعث التُّرك إلى الأثير عنبر

٢٠٧

بالاستعتاب فاستعتب ورجع وهرب أبو القاسم المغربي إلى قرواش سنة خمس عشرة لعشرة أشهر من وزارته. ثم وقعت فتنة بالكوفة كان منشؤها من صهره ابن أبي طالب فأرسل الخليفة إلى قرواش في إبعاده عنه فأبعده، وسار إلى ابن مروان إلى ديار بكر، ثم قبض معتمد الدولة قرواش على أبي القاسم سليمان بن فهر عامل الموصل له ولأبيه، وكان من خبره أنه كان يكتب في حداثته بين يدي أبي إسحاق الصابي، ثم اتصل بالمقلَّد بن المسيّب وأصعد معه إلى الموصل. واقتنى بها الضياع ثم استعمله قرواش على الجبايات فظلم أهلها وصادرهم فحبسه وطالبه بالمال فعجز وقُتِل.

حروب قرواش مع العرب وعساكر بغداد:

وفي سنة إحدى عشرة اجتمع العرب على فتن قرواش، وسار إليه دُبيس بن علي بن مزيد الأسَدِي وغريب بن معن، وجاءهم العسكر من بغداد. فقاتلوه عند سُرَّ من رأى، ومعه رافع بن الحسين فانهزم ونهبت أثقاله وخزائنه وحصل في أسرهم، وفتحوا تكريت عنوة من أعماله. ورجعت عساكر بغداد إليها واستجار قرواش بغريب بن معن فأطلقه، ولحق بسلطان بن الحسن من عمال أمير خفاجة، واتبعه عسكر من التُّرك وقاتلهم غربي الفرات وانهزم هو وسلطان. وعاث العسكر في أعماله فبعث إلى بغداد بمراجعة الطاعة وقبل. ثم كانت الفتنة بينه وبين أبي أسد وخفاجة سنة سبع عشرة؛ لأن خفاجة تعرضوا لأعماله بالسواد فسار إليهم من الموصل وأميرهم أبو الفتيان منيع بن حسَّان فاستجاش بدُبيس بن علي بن مزيد فجاءه في قومه بني أسد وعسكر من بغداد والتقوا بظاهر الكوفة وهو يومئذ لقرواش. فخام قرواش عن لقائهم وأجفل ليلاً للأنبار واتبعوه فرحل عنها إلى حلله واستولى القوم على الأنبار، وملكوها ثم فارقوها وافترقوا فاستعادها قرواش. ثم كانت الحرب بينه وبين بني عقيل في هذه السنة، وكان سببها أن الأثير عنبر الخادم حاكم دولة بني بويه انتقض عليه الجند وخافهم على نفسه فلحق بقرواش فجاء قرواش وأخذ له أقطاعه وأملاكه بالقيروان، فجمع مجد الدولة بن قراد ورافع بن الحسين جمعاً كبيراً من بني عقيل وانضم إليهم بدران أخو قرواش وساروا لحربه. وقد اجتمع هو وغريب بن معن والأثير عنبر، وأمدهم ابن مروان فكانوا في ثلاثة عشر ألفاً، والتقوا

٢٠٨

عند بلدهم فلما تصافوا والتحم القتال خرج بدران بن المقلَّد إلى أخيه قرواش، فصالحه وسط المصاف، وفعل ثوران بن قراد كذلك مع غريب بن معن، فتوادعوا جميعاً واصطلحوا. وأعاد قرواش إلى أخيه بدران الموصل، ثم وقعت الحرب بين قرواش وبين خفاجة ثانياً؛ وكان سببها أن منيع بن حسَّان أمير خفاجة وصاحب الكوفة سار إلى الجامعين بلد دُبيس ونهبها، فخرج دُبيس في طلبه إلى الكوفة فقصد الأنبار ونهبها هو وقومه فسار قرواش إليهم ومعه غريب بن معن إلى الأنبار، ثم مضى في اتِّباعهم إلى القصر فخالفوه إلى الأنبار ونهبوها وأحرقوها، واجتمع قرواش ودُبيس في عشرة آلاف وخاموا عن لقاء خفاجة، فلم يكن من قرواش إلاّ بناء السور على الأنبار ثم سار منيع بن حسَّان الخفاجي إلى الملك كليجار والتزم الطاعة وخطب له بالكوفة وأزال حكم بني عقيل عن سقي الفرات. ثم سار بدران بن المقلَّد في جموع من العرب إلى نصيبين، وحاصرها وهي لنصر الدولة بن مروان، فجهَّز لهم الجند وبعثهم إليها، فقاتلوا بدران فانهزم أولاً، ثم عطف عليهم فانهزموا وأثخن فيهم، وبلغه الخبر أن أخاه قرواش قد وصل إلى الموصل فأجفل خوفاً منه.

استيلاء الغز على الموصل:

كان هؤلاء الغز من شعوب التُّرك بمفازة بخارى وكثر فسادهم في جهاتها. فأجاز إليهم محمود بن سبكتكين وهرب صاحب بخارى، وحضر عنده أميرهم ارسلان بن سلجوق، فقبض عليه وحبسه بالهند ونهب أحياءهم وقتل كثيراً منهم، فهربوا إلى خراسان وأفسدوا ونهبوا، فبعث إليهم العساكر فأثخنوا فيهم وأجلوهم عن خراسان، ولحق كثير منهم بأصبهان وقاتلوا صاحبها وذلك سنة عشرين وأبعمائة، ثم افترقوا في البلاد بين خوارزم واذربيجان ومراغة وقزوين وأرمينية والدينور، وعاثوا فيها سنة ثلاثين، واجتمع الغز الذين بأرمينية وساروا نحو بلاد الموصل والذين كانوا منهم في الري قصدوا ديار بكر والموصل سنة ثلاث وثلاثين ونزلوا جزيرة ابن عمر ونهبوا باقردى وبازندى والحسنية، وغدر سليمان بن نصير الدولة بن مروان بأمير منهم وحبسه، وافترق أصحابه في كل جهة. وبعث نصير الدولة بن مروان عسكراً في اتّباعهم، وأمدهم قرواش صاحب الموصل بعسكر آخر وانضم

٢٠٩

إليهم الأكراد البثنوية أصحاب فتك فأدركوهم، فاستمات الغز وقاتلوهم ثم تحاجزوا. وتوجَّهت العرب إلى العراق للمشتى وأخربت الغز ديار بكر ودخل قرواش الموصل؛ ليدفعهم عنها لما بلغه أن طائفة منهم قصدوا بلده، فلما نزلوا برقعيد عزم على الإغارة عليهم فتقدموا إليه فرجع إلى مصانعتهم بالمال على ما شرطوه، وبينما هو يجمع المال لهم وصلوا إلى الموصل، فخرج قرواش في عسكره وقاتلهم عامة يومه. وعادوا للقتال من الغد فانهزمت العرب وأهل البلد، وركب قرواش سفينة في الفرات وخلف جميع ماله. ودخل الغز البلد ونهبوا ما لا يحصى من المال والجوهر والحِلْي والأثاث. ونجا قرواش إلى السند وبعث إلى الملك جلال الدولة يستنجده وإلى دُبيس بن علي بن مزيد وأمراء العرب والأكراد يستمدهم، وأفحش الغز في أهل الموصل قتلاً ونهباً وعيثاً في الحرم وصانع بعض الدروب والمحال منها عن أنفسهم بمال ضمنوه، فكفوا عنهم وسلموا وفرضوا على أهل المدينة عشرين ألف دينار، فقبضوها ثم فرضوا أربعة آلاف أُخرى وشرعوا في تحصيلها، فثار بهم أهل الموصل وقتلوا من وجدوا منهم في البلد. ولما سمع إخوانهم اجتمعوا ودخلوا البلد عنوة منتصف سنة خمس وثلاثين ووضعوا السيف في الناس واستباحوها اثني عشر يوماً، وانسدت الطرق من كثرة القتلى حتى واروهم جماعات في الحفائر وطلبوا الخطبة للخليفة ثم لطغرلبك وطال مقامهم بالبلد. فكتب الملك جلال الدولة بن بويه ونصير الدولة بن مروان إلى السلطان طغرلبك يشكون منهم، فكتب إلى جلال الدولة معتذراً بأنهم كانوا عبيداً وخدماً لنا فأفسدوا في جهات الري، فخافوا على أنفسهم وشردوا ويعده بأنه يبعث العساكر إليهم، وكتب إلى نصير الدولة بن مروان يقول له: بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك فصانعتهم بالمال وأنت صاحب ثغور ينبغي أن تعطي ما تستعين به على الجهاد ويعده أنه يرسل من يدفعهم عن بلاده. ثم سار دُبيس بن مزيد إلى قرواش واجتمعت إليه بنو عقيل وساروا من السن إلى الموصل فتأخر الغز إلى تل أعفر وأرسلوا إلى أصحابهم بديار بكر ومقدمهم ناصفلي وبوقا فوصلوا إليهم و تزاحفوا مع قرواش في رمضان سنة خمس وثلاثين، فقاتلوهم إلى الظهر وكشفوا العرب عن حللهم. ثم استماتت العرب، فانهزمت الغز وأخذهم السيف ونهب العرب أحياءهم وبعثوا برؤوس القتلى إلى بغداد

٢١٠

واتّبعهم قرواش إلى نصيبين ورجع عنهم، وقصدوا ديار بكر فنهبوها ثم أرزن الروم كذلك ثم أذربيجان ورجع قرواش إلى الموصل.

استيلاء بدران بن المقلَّد على نصيبين:

قد تقدم لنا محاصرة بدران نصيبين ورحيله عنها من أخيه قرواش، ثم اصطلحا بعد ذلك واتفقا وتزوج نصير الدولة ابنة قرواش، فلم يعدل بينها وبين نسائه، وشكت إلى أبيها، فبعث عنها ثم هرب بعض عمال ابن مروان إلى قرواش وأطمعه في الجزيرة، فتعلل عليه قرواش بصداق ابنته وهو عشرون ألف دينار، وطلب الجزيرة ونصيبين لأخيه بدران فامتنع ابن مروان من ذلك، فبعث قرواش جيشاً لحصار الجزيرة وآخر مع أخيه بدران، لحصار نصيبين. ثم جاء بنفسه وحاصرها مع أخيه وامتنعت عليه، وتسللت العرب والأكراد إلى نصير الدولة بن مروان بميافارقين وطلب منه نصيبين فسلمه إليه وأعطى قرواش من صداق ابنته خمسة عشر ألف دينار وكان ملك ابن مروان في دقوقا، فزحف إليه أبو الشوك من أمراء الأكراد، فحاصره بها وأخذها من يده عنوة وعفا عن أصحابه ثم تُوفِّي بدران سنة خمس وعشرين. وجاء ابنه عمر إلى قرواش فأقره على ولاية نصيبين وكان بنو نمير قد طمعوا فيها وحاصروه، فسار إليهم ودافعهم عنها.

الفتنة بين قرواش وغريب بن معن:

كانت تكريت لأبي المسيّب رافع بن الحسين من بني عقيل، فجمع غريب جمعاً من العرب والأكراد وأمدَّه جلال الدولة بعسكر وسار إلى تكريت، فحاصرها، وكان رافع بن الحسين عند قرواش بالموصل، فسار لنصره بالعساكر ولقيه غريب في نواحي تكريت، فانهزم واتبعه قرواش ورافع ولم يتعرضوا لمحلته وماله ثم تراسلوا واصطلحوا.

فتنة قرواش وجلال الدولة:

كان قرواش قد بعث عسكره سنة إحدى وثلاثين لحصار خميس بن تغلب بتكريت، واستجار خميس بجلال الدولة، فبعث إليه بالكف عنه، فلم يفعل فسار بنفسه يحاصره وكتب إلى التُّرك ببغداد يستفسدهم عن جلال

٢١١

الدولة. وسار جلال الدولة إلى الأنبار فامتنعت عليه وسار قرواش للقائه وأعوزت عساكر جلال الدولة الأقوات ثم اختلفت عقيل على قرواش وبعث إلى جلال الدولة بمعاودة الطاعة فتحالفا وعاد كل إلى بلده.

الوحشة بين قرواش والأكراد:

انتهت الوحشة بين الأكراد وقرواش بتسليمه قلاعه التي كانوا قد تصرفوا فيها وتقاسموها.

خلع قرواش بأخيه أبي كامل ثم عوده:

ثم وقعت الفتنة بين معتمد الدولة وقرواش وأخيه زعيم الدولة أبي كامل وكان سببها أن قريشاً بن أخيهما بدران فتن عمه أبا كامل، وجمع عليه الجموع وأعانه عمه الآخر واستمد قرواش بنصير الدولة بن مروان، فبعث إليه بابنه سليمان وأمدَّه حسن بن عكشان وغيرهما من الأكراد، وساروا إلى معلايا فنهبوها وأحرقوها، ثم اقتتلوا في المحرم سنة إحدى وأربعين يوماً وثانياً. ووقفت الأكراد ناحية عن المصاف ولم يغشوا المجال وتسلل عن قرواش بعض جموعه من العرب إلى أخيه وبلغه أن شيعة أخيه أبي كامل بالأنبار وثبوا فيها وملكوها. فضعف أمره وأحسّ من نفسه الظهور عليه ولم يبرح، فركب أخوه أبو كامل وقص حلته فركب قرواش للقائه وجاء به أبو كامل لحلته، ثم بعث به إلى الموصل ووكل به وملك أبو كامل الموصل واشتط عليه العرب، فخاف العجز والفضيحة أن يراجعوا طاعة أخيه، فسبقهم إليها وأعاده إلى ملكه وبايعه على الطاعة. ورجع قرواش إلى ملكه وكان أبو كامل قد أحدث الفتنة بين البساسيري كافل الخلافة ببغداد وملك الأمراء بها لما فعله بنو عقيل في عراق العجم من التعرض لإقطاعه، فسار إليهم البساسيري وجمع أبو كامل بني عقيل ولقيه، فاقتتلوا قتالاً شديداً ثم تحاجزوا، فلما رجع قرواش إلى ملكه نزع جماعة من أهل الأنبار إلى البساسيري وجمع أبو كامل بني عقيل ولقيه، فاقتتلوا قتالاً شديداً ثم تحاجزوا، فلما رجع قرواش إلى ملكه نزع جماعة من أهل الأنبار إلى البساسيري شاكرين شاكين سيرة قرواش وطلبوا أن يبعث معهم عسكراً وعاملاً إلى بلدهم ففعل ذلك وملكها من يد قرواش وأظهر فيهم العدل.

٢١٢

خلع قرواش ثانية واعتقاله:

كان قرواش لما أطاعه أخوه أبو كامل بقي معه كالوزير يتصرف، إلا أن قرواش أنف من ذلك وأعمل الحيلة في التخلص منه، فخرج من الموصل سائراً إلى بغداد وشق ذلك على أخيه أبي كامل، فأرسل إليه أعيان قومه يرده طوعاً أو كرهاً. فلاطفوه أولاً وشعر منهم بالدخيلة فأجاب إلى العود وشرط سكنى دار الإمارة فلما جاء إلى أبي كامل قام بمبرته وإكرامه ووكل به من يمنعه التصرف.

وفاة أبي كامل وولاية قريش بن بدران:

لما ملك قريش بن بدران وحبس عمه بقلعة الجراحية ارتحل يطلب العراق سنة أربع وأربعين. فانتقض عليه أخوه المقلَّد وسار إلى نور الدولة دُبيس بن مزيد، فنهب قريش حلله وعاد إلى الموصل واختلف العرب عليه ونهب عمال الملك الرحيم ما كان لقريش بنواحي العراق. ثم استمال قريش العرب عليه ونهب عمال الملك الرحيم ما كان لقريش بن المسيب صاحب الحظيرة مخالفاً عليه. وبعث قريش بعض أصحابه فلقيهم، وأوقع بهم فسار إليه قريش ولقيه فهزمه واتبعه إلى حلل بلاد ابن غريب ونهبها ودخل العراق وبعث إلى عمال الملك الرحيم بالطاعة وضمان ما كان عليه في أعماله فأجابوه إلى ذلك لشغل الملك الرحيم بخوزستان فاستقر أمره وقوي.

وفاة قرواش:

وفي سنة أربع وأربعين هذه تُوفِّي معتمد الدولة أبو منيع قرواش بن المقلَّد بمحبسه في قلعة الجراحية وحمل إلى الموصل ودفن بها ببلد نينوى شرقيها وكان من رجال العرب.

استيلاء قريش على الأنبار:

وفي سنة ست وأربعين زحف قريش بن بدران من الموصل، ففتح مدينة الأنبار وملكها من يد عمال البساسيري وسار البساسيري إلى الأنبار فاستعادها.

٢١٣

حرب قريش بن بدران والبساسيري ثم اتفاقهما:

كان قريش بن بدران قد بعث بطاعته إلى طغرلبك وهو بالري، وخطب له بجميع أعماله وقبض على الملك الرحيم. وكان قريش معه فنهب معسكره واختفى. وسمع به السلطان فأمنه ووصل إليه، فأكرمه وردَّه إلى عمله. وكان البساسيري قد فارق الملك الرحيم عند مسيره من واسط إلى بغداد ومسير طغرلبك من حلوان. وقصد نور الدولة دُبيس بن مزيد للمصاهرة بينهما، وكان سبب مفارقة البساسيري للملك الرحيم كتاب القائم له بإبعاده لاطلاعه على كتابه إلى خليفة مصر. فلما وصل قريش بن بدران إلى بغداد وعظم استيلاء السلطان طغرلبك على الدولة بعث جيشاً وزحف البساسيري للقائهم ومعه نور الدولة دُبيس، فالتقوا بسنجار، فانهزم قريش وقطلمش وأصحابهما، وقتل كثير منهم وعاث أهل سنجار فيهم وسار بهم إلى الموصل وخطب بها للمستنصر خليفة مصر وقد كانوا بعثوا إليه بطاعتهم من قبل فبعث إليهم بالخلع ولقريش جملتهم.

استيلاء طغرلبك على الموصل وولاية أخيه نيال عليها:

كان السلطان طغرلبك لما طال مقامه ببغداد وساء أثر عساكره في الرعايا فبعث القائم وزيره رئيس الرؤساء أن يحضر عميد الملك الكندري وزير طغرلبك ويعظه في ذلك ويهدده برحيل القائم عن بغداد، فبلغه خلال ذلك شأن الموصل فرحل إليها وحاصر تكريت، ففتحها وقبل من صاحبها نصر بن عيسى من بني عقيل ما لابد له منه ورحل عنه، فمات نصر وولي بعده أبو الغنائم بن البحَلبان، فأصلح حاله مع رئيس الرؤساء ورحل السلطان من البواريج. وكان في انتظار أخيه ياقوتي بن تنكير ثم توجه السلطان إلى نصيبين وبعث هزارسب إلى البرية لقتال العرب وفيهم قريش ودُبيس وأصحاب حران والرقة من نمير، فأوقع بهم ونال منهم وأسر جماعة فقتلهم. وعاد إلى السلطان طغرلبك، فبعث إليه قريش ودُبيس بطاعتهما وأن يتوسط لهما عند السلطان، فعفا السلطان عنهما، وقال للبساسيري: ردهما إلى الخليفة فيرى ما عندهما. فرحل البساسيري عند ذلك إلى الرحبة وتبعه أتراك بغداد ومقبل بن المقلَّد وجماعة من بني عقيل، فبعث السلطان إلى قريش ودُبيس هزارسب بن تنكير ليقضي ما

٢١٤

عندهما ويحضرهما وكان ذلك بطلبهما، ثم خافا على أنفسهما فبعث قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ودُبيس ابنه بهاء الدولة منصوراً، فقبلهما السلطان وكتب لهما بأعمالهما. وكان لقريش من الأعمال الموصل ونصيبين وتكريت، وأوانا ونهر بيطروهيت والأنبار، وبادرونا ونهر الملك، ثم قصد السلطان ديار بكر ووصل إليه أخوه إبراهيم نيال، وأرسل هزارسب إلى قريش ودُبيس يحذرهما منه. وسار لسنجار؛ لأجل واقعته مع قريش ودُبيس فبعث العساكر إليها واستباحوها، وقتل أميرها علي بن مرحا وخلق كثير من أهلها رجالاً ونساء، وشفع إبراهيم نيال في الباقين فكف عنهم وأقطع سنجار والموصل وتلك الأعمال كلها لأخيه إبراهيم نيال وعاد إلى بغداد، فدخلها في ذي القعدة سنة تسع وأربعين.

مفارقة نيال الموصل وما كان لقريش فيها:

وفي سنة خمسين وأربعمائة خرج إبراهيم نيال من الموصل إلى بلاد الروم، فخشي طغرلبك أن يكون منتقضاً، وبادر بكتابه وكتاب الخليفة إليه فرجع وخرج الوزير الكندري للقائه، وخالفه البساسيري وقريش إلى الموصل، فملكها وحاصر القلعة حتى استأمن أهلها على يد ابن موسك وصاحب أربد فأمناهم وهدما القلعة وسار السلطان طغرلبك من وقته إلى الموصل، ففارقهما واتبعهما إلى نصيبين، ففارقه أخوه نيال في رمضان سنة ٦٠. وسار السلطان طغرلبك في أثره، وحاصره بهَمَذان وجاء البساسيري إلى بغداد، وكان هزارسب بواسط ودُبيس ببغداد قد استدعاه الخليفة للدفاع، فسئم المقام ورجع إلى بلده وجاء البساسيري وقريش ووزير بني بويه أبو الحسن بن عبد الرحيم، ونزلوا بجوانب بغداد ونزل عميد العراق بالعسكر قبالة البساسيري ورئيس الرؤساء وزير الخليفة قبالة الآخرين. وخطب البساسيري للمستنصر صاحب مصر بجوامع بغداد وأذّن بحيّ على خير العمل. ثم استعجل رئيس الرؤساء الحرب فاستجده القوم ثم كروا عليه، فهزموه واقتحموا حريم الخلافة وملكوا القصور بما فيها. وركب الخليفة، فوجد عميد العراق قد استأمن إلى قريش بن بدران فاستأمن هو كذلك وأمنهما قريش وأعادهما، وعذله البساسيري في الانفراد بذلك دونه وقد تعاهدا على خلاف ذلك، فاستعتب له بالوزير رئيس الرؤساء ودفعه إليه وأقام الخليفة

٢١٥

والعميد عنده. فقتل البساسيري الوزير ابن عبد الرحيم وبعث قريش بالخليفة القائم مع ابن عمه مُهارش بن تجلى إلى حديثة عانة، فأنزله بها مع أهله وحرمه وحاشيته حتى إذا فرغ السلطان طغرلبك من أمر أخيه نيال وقتله ورجع إلى بغداد بعث البساسيري وقريش في إعادة القائم إلى داره، فامتنع وأجفل عن بغداد في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين. وشمل النهب مدينة بغداد وضواحيها من بني شيبان وغيرهم، وبعث السلطان طغرلبك الإمام أبا بكر محمد بن فورك إلى قريش بن بدران يشكره على فعله بالخليفة وبابنة أخيه زوجة الخليفة ارسلان خاتون، وأنه بعث ابن فورك لإحضارهما. وكتب قريش إلى مُهارش ابن عمه بأن يلحق به هو والخليفة في البرية، فأبى وسار بالخليفة إلى العراق وجعل طريقه على الري ومر ببدر بن مهلهل، فخدم القائم وخرج السلطان للقاء الخليفة وقدم إليه الأموال والآلات، وعرضه أرباب الوظائف ولقيه بالنهروان، وجاء معه إلى قصره وبعث السلطان خبارتكين الطغرائي في العساكر لاتِّباع البساسيري والعرب، وجاء إلى الكوفة واستصحب سرايا ابن منيع ببني خفاجة، وسار السلطان في أثرهم وصبحت السرية البساسيري في حلة دُبيس بن يزيد، فنهبوها وفرَّ دُبيس وقاتل البساسيري وأصحابه، فقُتِل في المعركة.

وفاة قريش بن بدران وولاية ابنه مسلم:

ثم تُوفِّي قريش بن بدران سنة ثلاث وخمسين، ودفن بنصيبين، وجاء فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير من دارا، وجمع بني عقيل على ابنه أبي المكارم مسلم بن قريش، فولّوه عليهم واستقام أمره، وأقطعه السلطان سنة ثمان وخمسين الأنبار وهيت وحريم والسن والبواريج ووصل إلى بغداد، فركب الوزير ابن جهير في المركب للقائه، ثم سار سنة ستين وأربعمائة إلى الرحبة، فقاتل بها بني كِلاب وهم في طاعة المستنصر العلوي، فهزمهم وأخذ أسلابهم وبعث بأشلائهم وعليها سمات العلوية فطيف بها منكَّسة ببغداد.

استيلاء مسلم بن قريش على حَلب:

وفي سنة اثنتين وسبعين سار شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب

٢١٦

الموصل إلى مدينة حَلب فحاصرها، ثم أفرج عنها فحاصرها تُتُش بن البارسلان، وقد كان ملك الشام سنة إحدى وسبعين قبلها، فأقام عليها أياماً ثم أفرج عنها وملك بزاغة والبيرة، وبعث أهل حَلب إلى مسلم بن قريش بأن يمكِّنوه من بلدهم، ورئيسها يومئذ ابن الحسين العباسي. فلما قرب منهم امتنعوا من ذلك، فترصَّد لهم بعض التُّركمان وهو صاحب حصن بنواحيها، وأقام كذلك أياماً حتى صادف ابن الحسين يتصيَّد في ضيعته فأسره وبعث به إلى مسلم بن قريش، فأطلقه على أن يسلِّموا له البلد. فلما عاد إلى البلد تمَّ له ذلك وسُلِم له البلد، فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة، واستنزل منها سابغاً ووثاباً ابني محمد بن مرداس، وبعث ابنه إبراهيم وهو ابن عمة السلطان إلى السلطان يخبره بملك حَلب، وسأل أن يقدر عليه ضمانه، فأجابه السلطان إلى ذلك، وأقطع ابنه محمداً مدينة بالس، ثم سار مسلم إلى حران وأخذها من بني وثاب النميريين وأطاعه صاحب الرها ونقش السكة باسمه.

حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه:

وفي سنة ست وسبعين سار شرف الدولة إلى دمشق، فحاصرها وصاحبها تُتُش، فخرج في عسكره وهزم مسلم بن قريش، فارتحل عنها راجعاً إلى بلاده، وكان قد استمد أهل مصر فلم يمدوه، وبلغه الخبر بأن أهل حران نقضوا الطاعة، وأن ابن عطية وقاضيها ابن حلية عازمان على تسليم البلد للترك، فبادر إلى حران وصالح في طريقه ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سليمة ورفسة، وحاصر حران وخرب أسوارها، واقتحمها عنوة وقتل القاضي وابنه.

حرب ابن جهير مع مسلم بن قريش واستيلاؤه على الموصل ثم عودها إليه:

كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن أحمد بن جُهير من أهل الموصل، واتصل بخدمة بني المقلَّد، ثم استوحش من قريش بن بدران، واستجار ببعض رؤساء بني عقيل فأجاروه منه. ومضى إلى حَلب فاستوزره معز الدولة أبو ثمال بن صالح، ثم فارقه إلى نصر الدولة بن مروان بديار بكر فاستوزره. ولما عزل القائم وزيره أبا الفتح محمد بن منصور بن دارس

٢١٧

استدعاه للوزارة، فتحيل في المسير إلى بغداد واتّبعه ابن مروان فلم يدركه، ولما وصل إلى بغداد استوزره القائم سنة أربع وخمسين، وطغرلبك يومئذ هو السلطان المستبد على الخلفاء. واستمرت وزارته وتخللها العزل في بعض المرات إلى أن مات القائم، وولي المقتدي وصارت السلطنة إلى ملك شاه. فعزله المقتدي سنة إحدى وسبعين بشكوى نظام الملك إلى الخليفة، وسؤاله عزله فعزله. وسار ابنه عميد الدولة إلى نظام الملك بأصفهان، واستصلحه وشفع فيه إلى المقتدي، فأعاد ابنه عميد الدولة. ثم عزله سنة ست وسبعين، فبعث السلطان ملك شاه ونظام الملك إلى المقتدي بتخلية سبيل بني جهير إليه، فوفدوا عليه بأصفهان ولقوا منه مبرة وتكرمة. وعقد السلطان ملك شاه لفخر الدولة على ديار بكر. وبعث معه العساكر، وأمره أن يأخذ البلاد من ابن مروان، وأن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة كذلك، فسار لذلك وتوسط ديار بكر ثم أردفه السلطان سنة سبع وسبعين بالعساكر مع الأمير أرتق جد الملوك بماردين لهذا العهد، وكان ابن مروان عندما أحس بمسير العساكر إليه، بعث إلى شرف الدولة مسلم بن ريش يستنجده على أن يعطيه آمد من أعماله فجاء إلى آمد، وفخر الدولة بنواحيها، وقد ارتاب من اجتماع العرب على نصرة ابن مروان، ففتر عزمه عن لقائهم. وسارت عساكر التُّرك الذين معه، فصبَّحوا العرب في أحيائهم، فانهزموا وغنموا أموالهم ومواشيهم، ونجا شرف الدولة إلى آمد، وحاصره فخر الدولة فيمن معه من العساكر، وبعث مسلم بن قريش إلى الأمير أرتق يغضي عنه في الخروج من آمد على مال بذله له، فأغضى له وخرج إلى الرقة وسار أحمد بن جهير إلى ميافارقين بلد ابن مروان لحصارها. ففارقه بهاء الدولة منصور بن مزيد وابنه سيف الدولة صدقة إلى العراق. وسار ابن جهير إلى خلاط وكان السلطان ملك شاه لما بلغه انحصار مسلم بن قريش بآمد بعث عميد الدولة اقسنقر، جد الملك العادل محمود في عساكر التُّرك، ولقيهم الأمير أرتق في طريقهم سائراً إلى العراق، فعاد معهم وجاؤوا إلى الموصل فملكوها وسار السلطان في عساكره إلى بلاد مسلم بن قريش، وانتهى إلى البواريج. وقد خلص مسلم بن قريش من الحصار بآمد، ووصل إلى الرحبة، وقد ملكت عليه الموصل وذهبت أمواله، فراسل مؤيد الملك بن نظام الملك، فتوسل به فتقبَّل وسيلته وأذن له في الوصول إلى السلطان بعد

٢١٨

أن أعطاه من العهد ما رضي به. وسار مسلم بن قريش من الرحبة فأحضره مؤيد الملك عند السلطان، وقدم هدية فاخرة من الخيل وغيرها ومن جملتها فرسه الذي نجا عليه، وكان لا يجارى فوقع من السلطان موقعاً وصالحه وأقره على بلاده، فرجع إلى الموصل وعاد السلطان إلى ما كان بسبيله.

مقتل مسلم بن قريش وولاية ابنه إبراهيم:

قد قدمنا ذكر قطلمش قريب السلطان طغرلبك، وكان سار إلى بلاد الروم فملكها واستولى على قونية وأقصراي ومات، فملك مكانه ابنه سليمان وسار إلى أنطاكية سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وأخذها من يد الروم وكان لشرف الدولة مسلم بن قريش بإنطاكية جزية يؤديها إليه صاحبها القردروس(١) من زعماء الروم، فلما ملكها سليمان بن قطلمش بعث إليه يطالبه بتلك الجزية ويخوفه معصية السلطان، فأجابه بأني على طاعة السلطان وأمري فيها غير خفي. وأما الجزية فكانت مضروبة على قوم كفّار يعطونها عن رؤوسهم، وقد أدال الله منهم بالمسلمين ولا جزية عليهم فسار شرف الدولة ونهب جهات أنطاكية، وسار سليمان فنهب جهات حَلب وشكت إليه الرعايا فرد عليهم. ثم جمع شرف الدولة جموع العرب وجموع التُّركمان مع أميرهم جُقّ وسار إلى أنطاكية، فسار سليمان للقائه والتقيا في أعمال أنطاكية سنة ثمان وسبعين. ولما التقوا مال الأمير جق بمن معه من التُّركمان إلى سليمان، فاختل مصاف مسلم بن قريش وانهزمت العرب عنه، وثبت فقتل في أربعمائة من أصحابه، وكان ملكه قد اتسع من نهر عيسى وجميع ما كان لأبيه وعمه قرواش من البلاد، وكانت أعماله في غاية الخصب والأمن، وكان حسن السياسة كثير العدل. ولما قتل مسلم اجتمع بنو عقيل وأخرجوا أخاه إبراهيم من محبسه بعد أن مكث فيه سنين مقيداً حتى أفسد القيد مشيته، فأطلقوه وولّوه على أنفسهم مكان أخيه مسلم. ولما قتل مسلم سار سليمان بن قطلمش إلى أنطاكية وحاصرها شهرين فامتنعت عليه ورجع. وفي سنة

____________________

(١) كذا وصوابها: ألكسندروس.

٢١٩

تسع وسبعين بعدها بعث عميد العراق عسكراً إلى الأنبار، فملكها من يد بني عقيل، وفيها أقطع السلطان ملك شاه مدينة الرحبة وأعمالها وحران وسروج والرقة والخابور لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش، وزوَّجه بأخته خاتون زليخة، فتسلَّم جميع هذه البلاد وامتنع محمد بن المشاطر من تسليم حران فأكرهه السلطان على تسليمها.

تنازع محمد وعلي ابني مسلم على ملك الموصل بعد إبراهيم:

لم يزل إبراهيم بن قريش ملكاً بالموصل وأميراً على قومه بني عقيل حتى استدعاه السلطان ملك شاه سنة اثنتين وثمانين، فلما حضر اعتقله وبعث فخر الدولة بن جُهير على البلاد، فملك الموصل وغيرها وأقطع السلطان عمته صفية مدينة بلد وكانت زوجاً لمسلم بن قريش ولها منه ابنه علي، وتزوجت بعده بأخيه إبراهيم، فلما مات ملك شاه ارتحلت صفية إلى الموصل ومعها ابنها علي بن مسلم، وجاءه أخوه محمد بن مسلم وتنازعا في ملك الموصل، وانقسمت العرب عليها واقتتلوا على الموصل، فانهزم محمد وملك علي، ودخل الموصل انتزعها من يد ابن جهير.

عود إبراهيم إلى ملك الموصل ومقتله:

لما مات ملك شاه واستبدت تركان خاتون بعده بالأمور، وأطلقت إبراهيم من الاعتقال بادر إلى الموصل، فلما قاربها سمع أن علي بن أخيه مسلم قد ملكها ومعه أمه صفية عمة ملك شاه، فبعث إليها وتلطَّف بها، فدفعت إليه ملك الموصل فدخلها وكان تُتش صاحب الشام أخو ملك شاه قد طمع في ملك العراق واجتمع إليه الأمراء بالشام وجاء أقسنقر صاحب حَلب وسار إلى نصيبين، فملكها وبعث إلى إبراهيم أن يخطب له، ويُسهل طريقه إلى بغداد، فامتنع إبراهيم من ذلك فسار تُتُش ومعه أقسنقر وجموع التُّرك، وخرج إبراهيم للقائه في ثلاثين ألفاً. والتقى الفريقان بالمغيم فانهزم إبراهيم، وقُتِل وغنم التُّرك حللهم، وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن خوفاً من الفضيحة واستولى تُتُش على الموصل.

٢٢٠

ولاية علي بن مسلم على الموصل ثم انتزاعها منه وانقراض أمر بني المسيب من الموصل:

ولما قتل إبراهيم وملك تُتُش الموصل ولّى عليها علي بن أخيه مسلم بن قريش، فدخلها مع أمه صفية عند ملك شاه، واستقرت هي وأعمالها في ولايته، وسار تُتُش إلى ديار بكر فملكها، ثم إلى أذربيجان فاستولى عليها. وزحف إليه بركيارق وابن أخيه ملك شاه وتقاتلا فانهزم تُتُش، وقام بمكانه ابنه رضوان وملك حَلب وأمره السلطان بركيارق بإطلاق كربوقا فأطلقه. واجتمعت عليه رجال، وجاء إلى حران فملكها، فكاتبه محمد بن مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعه توران بن وهيب وأبو الهيجاء الكردي يستنصرونه على علي بن مسلم بن قريش بالموصل، فسار إليهم وقبض على محمد بن مسلم وسار به إلى نصيبين فملكها. ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه ورجع إلى مدينة بلد. وقتل بها محمد بن مسلم غريقاً، وعاد إلى حصار الموصل، واستنجد علي بن مسلم بالأمير جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر، فسار إليه منجداً له، وبعث كربوقا إليه عسكراً مع أخيه ألتوتناش، فرده مهزوماً إلى الجزيرة، فتمسك بطاعة كربوقا وجاء مدداً له على حصار الموصل، واشتد الحصار بعلي بن مسلم، فخرج من الموصل ولحق بصدقة بن مزيد بالحلَّة وملك كربوقا بلد الموصل بعد حصار تسعة أشهر. وانقرض ملك بني المسيب من الموصل وأعمالها واستولى عليها ملوك الغز من السلجوقية أمراؤهم والبقاء لله وحده.

ما جاء من أخبارهم بتاريخ أبي الفداء الجزء الثالث:

في هذه السنة (٣٨٠) استولى أبو الذوّاد محمد بن المسيب بن رافع بن المقلَّد بن جعفر أمير بني عقيل على الموصل، وقتل أبا الطاهر ابن ناصر الدولة بن حمدان، وقتل أولاده وعدة من قواده بعد قتال جرى بينهما واستقر أمر أبي الذوّاد بالموصل.

وفي سنة ٣٨٦ مات أبو ذَوّاد بن المسيب أمير الموصل وولي بعده أخوه المقلَّد بن المسيب.

وفي سنة ٣٩١ قتل حسام الدولة المقلَّد بن المسيب بن رافع بن

٢٢١

المقلَّد بن جعفر بن عمر بن مهنا بن يُزَيدْ (بالتصغير) بن عبد الله بن زيد من ولد ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي، وكان المقلَّد المذكور أعور، وأخوه أبو الذوّاد محمد بن المسيب هو أول من استولى منهم على الموصل وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة. واستمر مالكها حتى قتل في هذه السنة، قتله مماليكه التُّرك بالأنبار وكان قد عظم شأنه، ولما مات قام مقامه ابنه قرواش بن المقلَّد بن المسيب. وفي هذه الصفحة في حوادث سنة ٣٩٢ جرى بين قرواش بن المقلَّد بن المسيب العقيلي وبين عسكر بهاء الدولة حروب انتصر فيها قرواش، ثم انتصر عسكر بهاء الدولة.

وفي حوادث سنة ٤١١ في الموصل قبض معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد على وزيره أبي القاسم المغربي، ثم أطلقه فيما بعد وقبض أيضاً على سليمان بن فهد، وكان ابن فهد في حداثته بين يدي الصابي ببغداد، ثم صعد إلى الموصل وخدم المقلَّد بن المسيب والد قرواش، ثم نظر في ضياع قرواش فظلم أهلها، ثم سخط قرواش عليه وحبسه، ثم قتله وهو المذكور في شعر ابن الزمكدم في أبياته وهي:

ولـيل كـوجه البرقعيدي مظلم وبـرد أغـانيه وطـول قرونه

سـريت ونومي فيه نوم مشرد كـعقل سـليمان بن فهد ودينه

عـلى أولـق فـيه التفات كأنه أبـو جـابر في خطبه وجنونه

إلـى أن بدا نور الصباح كأنه سنى وجه قرواش وضوء جبينه

وكان من حديث هذه الأبيات أن قرواشاً جلس في مجلس شرابه في ليلة شاتية، وكان عنده المذكورون، وهم البرقعيدي وكان مغنياً لقرواش وسليمان بن فهد الوزير المذكور، وأبو جابر وكان حاجباً لقرواش. فأمر قرواش الزمكدم أن يهجو المذكورين ويمدحه فقال هذه الأبيات البديهية.

في حوادث سنة ٤٢٥ وفيها تُوفِّي بدران بن المقلَّد صاحب نصيبين فقصد ولده قريش عمه قرواشاً، فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين واستقر قريش بها.

في حوادث سنة ٤٣٧ قتل عيسى بن موسى لهَمَذاني صاحب أربل،

٢٢٢

قتله ابنا أخ له وملكا قلعة أربل، وكان لعيسى أخ آخر اسمه سلار بن موسى قد نزل على قرواش صاحب الموصل لوحشة كانت بين سلار وأخيه عيسى. فلما بلغه قتل أخيه سار قرواش إلى أربل ومعه سلار فملكها وتسلمها سلار وعاد قرواش إلى الموصل.

في حوادث سنة ٤٤٢ استولى أبو كامل بركة بن المقلَّد، على أخيه قرواش بن المقلَّد، ولم يبق لقرواش مع أخيه المذكور تصرف في المملكة وغلب عليها أبو كامل المذكور ولقبُه زعيم الدولة.

في حوادث سنة ٤٤٣ تُوفِّي بركة بن المقلَّد بن المسيب بتكريت، واجتمع العرب وكبراء الدولة على إقامة ابن أخيه قريش بن بدران بن المقلَّد وكان بدران بن المقلَّد المذكور صاحب نصيبين، ثم صارت لقريش المذكور بعده. وكان قرواش تحت الاعتقال منذ اعتقله أخوه بركة مع القيام بوظائفه ورواتبه، فلما تولّى قريش نقل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتقله بها.

في حوادث سنة ٤٤٤ مستهل رجب تُوفِّي معتمد الدولة، أو منيع قرواش بن المقلَّد بن المسيب العقيلي الذي كان صاحب الموصل، وكان محبوساً بقلعة الجراحية من أعمال الموصل، وحمل فدفن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل. وقيل: إن ابن أخيه قريش بن بدران المذكور أحضر عمه قرواشاً المذكور من الحبس إلى مجلسه وقتله فيه. وكان قرواش من ذوي العقل وله شعر حسن منه:

لـلـه در الـنـائبات فـإنه صدأ القلوب وصيقل الأحرار

مـا كنت إلاَّ زبرة فطبعنني سيفاً وأطلق صرفهن غراري

وجمع قرواش المذكور بين أختين في نكاحه، فقيل له: إن الشريعة تحرم ذلك، فقال: وأي شيء عندنا تجيزه الشريعة. وقال مرة: ما برقبتي غير خمسة أو ستة قتلتهم من البادية، وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم.

في حوادث سنة ٤٥٠ سار إبراهيم نيال بعد انفصاله عن الموصل إلى هَمَذان وسار طغرلبك من بغداد في أثر أخيه أيضاً إلى هَمَذان، وتبعه من كان ببغداد من التُّرك، فقصد البساسيري بغداد ومعه قريش بن بدران

٢٢٣

العقيلي في مائتي فارس، ووصل إليها يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام ونزل بمشرعة الزوايا. وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي خليفة مصر، وأمر فأذّن بحي على خير العمل ثم عبر عسكره إلى الزاهر، وخطب بالجمعة الأُخرى من وصوله للمصري بجامع الرصافة أيضاً، وجرى بينه وبين مخالفيه حروب في أثناء الأسبوع. وجمع البساسيري جماعته ونهب الحريم، ودخل الباب النوبي فركب الخليفة القائم لابساً للسواد، وعلى كتفه البردة وبيده سيف وعلى رأسه اللواء، وحوله زمرة من العباسيين والخدم بالسيوف المسلولة وسرى النهب إلى باب الفردوس من داره، فلما رأى القائم ذلك رجع إلى ورائه، ثم صعد إلى المنظرة ومع القائم رئيس الرؤساء، وقال رئيس الرؤساء لقريش بن بدران: يا علم الدين أمير المؤمنين القائم يستذم بذمامك وذمام رسول الله وذمام العربية على نفسه وماله وأهل وأصحابه، فأعطى قريش بحضرته ذماماً، فنزل القائم ورئيس الرؤساء إلى قريش من الباب المقابل لباب الحَلبة وسارا معه، فأرسل البساسيري إلى قريش، وقال له: أتخالف ما استقر بيننا وتنقض ما تعاهدنا عليه، وكانا قد تعاهدا على المشاركة وأن لا يستبد أحدهما دون الآخر. ثم اتفقا على أن يسلم رئيس الرؤساء إلى البساسيري؛ لأنه عدوه ويبقى الخليفة عند قريش. وحمل قريش الخليفة إلى معسكره ببردته والقضيب ولوائه، ونهبت دار الخليفة وحريمها أياماً، ثم سلم قريش الخليفة إلى ابن عمه مهارس. وسار به مهارس والخليفة في هودج إلى حديثة عانة، فنزل بها وسار أصحاب الخليفة إلى طغرلـبك، وأما البساسيري فإنه ركب يوم عيد النحر إلى المصلّى بالجانب الشرقي وعلى رأسه ألوية خليفة مصر، وأحسن إلى الناس، ولم يتعصب لمذهب، وكانت والدة القائم باقية، وقد قاربت تسعين سنة، فأفرد لها البساسيري داراً وأعطاها جاريتين من جواريها، وأجرى لها الجِراية، وكان قد حبس البساسيري رئيس الرؤساء، فأحضره من الحبس، فقال رئيس الرؤساء: العفو، فقال له البساسيري: أنت قدرت فما عفوت، وأنت صاحب طيلسان وفعلت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي. وجرى على رئيس الرؤساء أمور من التشهير الممقوت ما ندع ذكره، ومات تعذيباً وصلباً وأرسل البساسيري إلى المستنصر العلوي بمصر يعرِّفه بإقامة الخطبة له بالعراق، وكان الوزير هناك ابن أخي أبي القاسم المغربي، وهو ممن هرب

٢٢٤

من البساسيري. فبرَّد فعل البساسيري وخوف من عاقبته فتركت أجوبته مدة ثم عادت بخلاف ما أمله. ثم سار البساسيري من بغداد إلى واسط والبصرة فملكها. وأما طغرلبك فكان قد خرج عليه أخوه إبراهيم نيال وجرى بينه وبينه قتال، وآخره أن طغرلبك انتصر على أخيه إبراهيم نيال وأسره وخنقه بوتر، وكان قد خرج عليه مراراً وطغرلبك يعفو عنه، فلم يعف عنه في هذه المرة. وفي هذه السنة أعاد طغرلبك القائم إلى مقر ملكه وانتهى الأمر بقتل البساسيري.

في سنة ٤٥٢ تُوفِّي قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب الموصل ونصيبين، وكانت وفاته بنصيبين، وقام بالأمر بعده ابنه شرف الدولة أبو المكارم مسلم بن قريش.

في سنة ٤٥٨ أقطع ألب ارسلان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب الموصل، الأنبار، وتكريت زيادة على الموصل.

في سنة ٤٧٧ سار فخر الدولة بن جهير بعساكر السلطان ملكشاه إلى قتال شرف الدولة مسلم بن قريش، ثم سير السلطان ملكشاه إلى فخر الدولة جيشاً آخر فيهم الأمير أرتق بن أكسك، وقيل: أكسب، والأول أصح جد الملوك لأرتقية، فانهزم شرف الدولة مسلم وانحصر في آمد ونزل الأمير أرتق على آمد فحصره، فبذل له مسلم بن قريش مالاً جليلاً ليمكِّنه من الخروج من آمد، فأذن له أرتق وخرج شرف الدولة من آمد في حادي عشرين ربيع الأول من هذه السنة، فسار إلى الرقة وبعث إلى أرتق ما وعده به ثم سير السلطان عميد الدولة إلى الموصل، فاستولى عليها عميد الدولة، وهذا اقسنقر هو والد عماد الدولة زنكي، ثم أرسل مؤيد الملك بن نظام الملك إلى شرف الدولة بالعهود يستدعيه إلى السلطان. فقدم شرف الدولة إليه وأحضره عند السلطان ملكشاه بالبوازيج وكان قد ذهبت أمواله فاقترض شرف الدولة مسلم ما خدم به السلطان وقدم إليه خيلاً من جملتها فرسه الذي نجا عليه في المعركة، وكان اسم الفرس بشّار، وكان سابقاً وسابق به السلطان الخيل، فجاء سابقاً فقام السلطان قائماً لما تداخله من العجب فرضي السلطان على مسلم وخلع عليه وأقرَّه على بلاده.

٢٢٥

في حوادث هذه السنة نفسها قال: لما ملك سليمان بن قطلومش أنطاكية أرسل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحَلب يطلب منه ما كان يحمله إليه أهل أنطاكية، فأنكر سليمان ذلك. وقال: إن صاحب أنطاكية كان نصرانياً فكنت تأخذ منه ذلك على سبيل الجزية. ولم يعطه شيئاً، فجمعا واقتتلا في الرابع والعشرين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربعمائة في طرف أعمال أنطاكية، فانهزم عسكر مسلم، وقتل شرف الدولة مسلم في المعركة، وقُتِل بين يدي أربعمائة غلام من أحداث حَلب. وكان شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب أحول، واتسع ملكه، وزاد على ملك من تقدمه من أهل بيته، فإنه ملك السندية التي على نهر عيسى إلى منبج، وديار ربيعة ومضر عن الجزيرة وحَلب وما كان لأبيه وعمه قرواش من الموصل وغيرها. وكان مسلم يسوس مملكته سياسة حسنة بالأمر والعدل. ولما قتل قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش وهو محبوس، فأخرجوه وملَّكوه، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة بحيث صار لم يقدر على المشي لما خرج.

وأما قلعة حَلب فكان بها منذ قتل مسلم بن قريش سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وهو ابن عم شرف الدولة مسلم، فحاصر تُتُش القلعة سبعة عشر يوماً، فبلغه وصول مقدمة أخيه السلطان ملكشاه.

ولما قتل سليمان بن قطلومش مسلم بن قريش أرسل إلى ابن الْحُتَّيتي العباسي مقدم أهل حَلب يطلب منه تسليمها، فاستمهله إلى أن يكاتب السلطان ملكشاه، وأرسل ابن الْحُتَّيتي استدعى تُتُش إلى حَلب، وكان مع تُتُش أرتق بن أكسك؛ وقد فارق خدمة ملكشاه خوفاً من إطلاق مسلم بن قريش من آمد، وكان ابن الْحُتَّيتي قد كاتب السلطان ملكشاه في أمر حَلب فسار إليها من أصفهان في جمادى الآخرة، فملك في طريقه حران وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش. ثم سار إلى الرها فملكها وملك قلعة جعبر، ثم ملك منبج وسار إلى حَلب فلما قاربها رحل أخوه تُتُش عنها على البرية وتوجَّه إلى دمشق، ووصل السلطان إلى حَلب وتسلمها وتسلم القلعة من سالم بن مالك بن بدران العقيلي على أن يعوضه بقلعة جعبر

٢٢٦

فبقيت بيده ويد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي.

سنة ٤٨٦ وفيها تحرك تُتُش من دمشق لطلب السلطنة بعد موت أخيه ملكشاه، واتفق معه اقسنقر صاحب حَلب، وخطب له باغي سيان صاحب أنطاكية وبران صاحب الرها. وسار تُتُش ومعه اقسنقر فافتتح نصيبين عنوة ثم قصد الموصل، وكنا قد ذكرنا (أبو الفداء) في سنة سبع وسبعين وأربعمائة أنه لما قتل شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل وحَلب وغيرهما استولى على الموصل إبراهيم بن قريش أخو مسلم. ثم إن ملكشاه قبض على إبراهيم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وأخذ منه الموصل، وبقي إبراهيم معه حتى مات ملكشاه، فأطلق إبراهيم وسار إلى الموصل وملكها. فلما قصد تُتُش في هذه السنة الموصل خرج إبراهيم لقتاله، والتقوا بالمضيّع من أعمال الموصل، وجرى بينهم قتال شديد انهزمت فيه المواصلة، وأخذ إبراهيم بن قريش أسيراً وجماعة من أمراء العرب، فقُتلوا وملك تُتُش الموصل، واستثاب عليها علي بن مسلم بن قريش وأمه صفية عمة تُتُش، وأرسل تُتُش إلى بغداد يطلب الخطبة فتوقفوا فيها. ثم سار تُتُش واستولى على ديار بكر.

في سنة ٤٨٩ بعد مقتل تُتُش سنة ٤٨٨ قصد كربوغا نصيبين، وبها محمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش، فطلع محمد إلى كربوغا واستحلفه ثم غدر كربوغا بمحمد، وقبض عليه وحاصر نصيبين وملكها، ثم سار إلى الموصل وقتل في طريقه محمد بن مسلم بن قريش بن بدران بن المقلَّد بن المسيب، وحصر الموصل وبها علي بن مسلم أخو محمد المذكور من حين استنابه بها تتش، فلما ضاق عليه الأمر هرب من الموصل إلى صدقة بن مزيد بالحلَّة بعد حصار تسعة أشهر.

سنة ٥١٩ وفيها مات سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب صاحب قلعة جعبر، وملكها بعده ابنه مالك بن سالم.

الجزء الثالث ص١٨ سنة (٥٤١) سار عماد الدين زنكي، ونزل على قلعة جعبر وحصرها وصاحبها علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وأرسل عسكراً إلى قلعة فنك وهي تجاور جزيرة ابن عمر، فحصرها أيضاً وصاحبها حسام الدين الكردي البشنوي.

٢٢٧

ولما طال على زنكي منازلة قلعة جعبر أرسل مع حسَّان البعلبكي الذي كان صاحب منبج يقول لصاحب قلعة جعبر: قل لي من يخلصك مني،فقال صاحب قلعة جعبر لحسَّان: يخلصني منك الذي خلصك من بلك بن بهرام بن أرتق، وكان بلك محاصراً منبج، فجاءه سهم قتله فرجع حسَّان إلى زنكي ولم يخبره بذلك فاستمر زنكي منازلاً قلعة جعبر، فوثب عليه جماعة من مماليكه وقتلوه في خامس ربيع الآخر من هذه السنة بالليل وهربوا إلى قلعة جعبر، فصاح من بها على العسكر وأعلموهم بقتل زنكي فدخل أصحابه إليه وبه رمق ودفن بالرقة.

سنة ٥٦٤ في هذه السنة ملك نور الدين محمود قلعة جعبر وأخذها من صاحبها شهاب الدين مالك بن علي بن مالك بن سالم بن مالك بن بدران بن المقلَّد بن المسيب العقيلي، وكانت بأيديهم من أيام السلطان ملكشاه، ولم يقدر نور الدين على أخذها إلا بعد أن أسر صاحبها مالك المذكور بنو كِلاب، وأحضروه إلى نور الدين محمود، واجتهد به على تسليمها فلم يفعل، فأرسل عسكراً مقدمهم فخر الدين مسعود بن أبي علي الزعفراني وردفه بعسكر آخر مع مجد الدين أبي بكر المعروف بابن الداية، وكان رضيع نور الدين وحصروا قلعة جعبر، فلم يظفروا منها بشيء وما زالوا على صاحبها مالك حتى سلمها وأخذ عنها عوضاً مدينة سروج بأعمالها والملوحة من بلد حَلب وعشرين ألف دينار معجلة وباب بزاعة.

ما جاء في كامل ابن الأثير من أوليتهم وأخبارهم

الجزء التاسع في سنة ٣٠٨ لما ملك أبو طاهر والحسين ابنا حمدان بلاد الموصل طمع فيها باذ وجمع الأكراد، فأكثر وممن أطاعه الأكراد البشنوية أصحاب قلعة فنك، وكانوا كثيراً وكاتب أهل الموصل فاستمالهم فأجابه بعضهم، فسار إليهم ونزل بالجانب الشرقي فضعفا عنه. وراسلا أبا الذوّاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل واستنصراه، فطلب منهما جزيرة ابن عمر ونصيبين وبلداً غير ذلك. فأجاباه إلى ما طلب، وانتهى الأمر بانتصار الأميرين الحماديين بمناصرة أبي الذوّاد على باذ، فكانت هذه أول إمرة لبني عقيل في دولة بني حمدان.

في سنة ٣٨٠ لما انهزم أبو طاهر بن حمدان من أبي علي بن مروان

٢٢٨

سار إلى نصيبين في قلة من أصحابه وكانوا قد تفرقوا، فطمع فيه أبو الذوّاد محمد بن المسيب أمير بني عقيل، وكان صاحب نصيبين حينئذ، فثار بأبي طاهر، فأسره وأسر ولده وعدة من قوادهم، وقتلهم وسار إلى الموصل فملكها وأعمالها، وكاتب بهاء الدولة يسأله أن ينفذ إليه من يقيم عنده من أصحابه يتولّى الأمور. فسيَّر إليه قائداً من قواده وكان بهاء الدولة قد سار من العراق إلى الأهواز، وأقام نائب بهاء الدولة وليس له من الأمر شيء، ولا يحكم إلا فيما يريده أبو الذوَّاد.

في سنة (٣٨٢) كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، فملكها آخر سنة إحدى وثمانين، فاجتمعت عقيل وأميرهم أبو الذواد محمد بن المسيب على حربه، فجرى بينهم عدة وقائع ظهر من أبي جعفر فيها بأس شديد حتى أنه كان يضع له كرسياً بين الصفين ويجلس عليه. فهابه العرب، واستمد من بهاء الدولة عسكراً فأمده بالوزير أبي القاسم علي بن أحمد، وكان مسيره أول هذه السنة. فلما وصل إلى العسكر كتب بهاء الدولة إلى أبي جعفر بالقبض عليه، فعلم أبو جعفر أنه إن قبض عليه اختلف العسكر وظفر به العرب، فتراجع في أمره. وكان سبب ذلك أن ابن المعلم كان عدواً له، فسعى به عند بهاء الدولة فأمر بقبضه، وكان بهاء الدولة أذناً يسمع ما يقال له ويفعل به، وعلم الوزير الخبر، فشرع في صلح أبي الذوّاد وأخذ رهائنه والعود إلى بغداد فأشار عليه أصحابه باللحاق بأبي الذوّاد، فلم يفعل أنفة وحسن عهد فلما وصل إلى بغداد رأى ابن المعلم قد قُبِض وقُتِل وكُفِي شره. ولما أتاه خبر قبض ابن المعلم وقتله ظهر عليه الانكسار، فقال له خواصه: ما هذا الهم وقد كفيت شر عدوك، فقال: إن ملكاً قرب رجلاً كما قرب بهاء الدولة ابن المعلم، ثم فعل به هذا لحقيق بأن تخاف ملابسته. وكان بهاء الدولة قد أرسل الشريف أبا أحمد الموسوي رسولاً إلى أبي الذوّاد فأسره العرب ثم أطلقوه، فورد إلى الموصل وانحدر إلى بغداد.

سنة (٣٨٦) في هذه السنة ملك المقلَّد بن المسيب مدينة الموصل، وكان سبب ذلك أن أخاه أبا الذَّوّاد تُوفِّي في هذه السنة، فطمع المقلَّد في الإمارة فلم تساعده عقيل على ذلك، وقلدوا أخاه علياً؛ لأنه أكبر منه فشرع المقلَّد واستمال الديلم الذين كانوا مع أبي جعفر الحجاج بالموصل فمال

٢٢٩

إليه بعضهم، وكتب إلى بهاء الدولة يضمن منه البلد بألفي ألف درهم كل سنة، ثم حضر عند أخيه علي وأظهر له أن بهاء الدولة قد ولاه الموصل وسأله مساعدته على أبي جعفر؛ لأنه قد منعه عنها، فساروا ونزلوا على الموصل، فخرج إليهم كل من استماله المقلَّد من الديلم، وضعف الحجاج وطلب منهم الأمان فأمنوه ووعدهم يوماً يخرج إليهم فيه. ثم إنه انحدر في السفن قبل ذلك اليوم، فلم يشعروا به إلا بعد انحداره، فتبعوه فلم ينالوا منه شيئاً ونجا بماله منهم، وسار إلى بهاء الدولة ودخل المقلَّد البلد. واستقر الأمر بينه وبين أخيه على أن يخطب لهما ويقدِّم علي لكبره ويكون له معه نائب يجبي المال، واشتركا في البلد والولاية وسار علي إلى البر وأقام المقلَّد وجرى الأمر على ذلك مدة مديدة، ثم تشاجروا واختصموا وكان المقلَّد يتولّى حماية غربي الفرات من أرض العراق، وكان له ببغداد نائب فيه تهور، فجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة، فكتب إلى المقلَّد يشكو، فانحدر من الموصل في عساكره وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة حرب انهزموا فيها. وكتب إلى بهاء الدولة يعتذر وطلب إنفاذ من يعقد عليه ضمان القصر وغيره، وكان بهاء الدولة مشغولاً بمن يقاتله من عساكر أخيه، فاضطر إلى المغالطة، ومد المقلَّد يده فأخذ الأموال، فبرز نائب بهاء الدولة ببغداد وهو حينئذ أبو علي بن إسماعيل، وخرج إلى حرب المقلَّد، فبلغ الخبر إليه فأنفذ أصحابه ليلاً فاقتتلوا وعادوا إلى المقلَّد، فلما بلغ الخبر إلى بهاء الدولة بمجيء أصحاب المقلَّد إلى بغداد أنفذ أبا جعفر الحجاج إلى بغداد وأمره بمصالحة المقلَّد والقبض على أبي علي بن إسماعيل. فسار إلى بغداد في آخر ذي الحجَّة، فلما وصل إليها أرسله المقلَّد في الصلح، فاصطلحا على أن يحمل لبهاء الدولة عشرة آلاف دينار، ولا يأخذ من البلاد إلا رسم الحماية، ويخطب لأبي جعفر بعد بهاء الدولة، وأن يخلع على المقلَّد الخلع السلطانية،ويُلقَّب بحسام الدولة، ويقطع الموصل والكوفة والقصر والجامعين. واستقر الأمر على ذلك، وجلس القادر بالله له ولم يف المقلَّد من ذلك بشيء إلا بحمل المال، واستولى على البلاد ومد يده في المال وقصده المتصرفون والأماثل وعظم قدره.

سنة (٣٨٧): في هذه السنة قبض المقلَّد على أخيه علي؛ وكان سبب ذلك ما تقدم ذكره من الاختلاف الواقع بين أصحابهما واشتغل المقلَّد بما

٢٣٠

سبق بيانه بالعراق، فلما خلا وجهه وعاد إلى الموصل عزم على الانتقام من أصحاب أخيه، ثم خافه وعمل الحيلة في قبض أخيه، فأحضر عسكره من الديلم والأكراد، وأعلمهم أنه يريد قصد دقوقا وحلَّفهم على الطاعة، وكانت داره ملاصقة دار أخيه، فنقب في الحائط ودخل عليه وهو سكران فأخذه وأدخله الخزانة، وقبض عليه وأرسل إلى زوجته يأمرها بأخذ ولديه قرواش وبدران واللحاق بتكريت قبل أن يسمع أخوه الحسن الخبر. ففعلت ذلك وخلصت، وكانت في الحلَّة التي له على أربعة فراسخ من تكريت وسمع الحسن الخبر، فبادر إلى الحلَّة ليقبض أولاد أخيه فلم يجدهم. وأقام المقلَّد بالموصل يستدعي رؤساء العرب ويخلع عليهم، واجتمع عنده زهاء ألفي فارس، وسار الحسن إلى حلل أخيه ومعه أولاد أخيه علي وحرمه ويستنفرهم على المقلَّد، واجتمع معهم نحو عشرة آلاف وراسل المقلَّد يؤذنه بالحرب، فسار عن الموصل وبقي بينهم، فنزل واحد ونزل بإزاء العلث، فحضره وجوه العرب واختلفوا عليه، فمنهم من أشار بالحرب منهم رافع بن محمد بن مقن، ومنهم من أشار بالكف عن القتال وصلة الرحم منهم غريب بن محمد بن مقن، وتنازع هو وأخوه فبينما هم في ذلك قيل للمقلَّد: إنّ أختك رهيلة بنت المسيب تريد لقاءك وقد جاءتك، فركب وخرج إليها، فلم تزل معه حتى أطلق أخاه علياً ورد إليه ماله ومثله معه وأنزله في خيم ضربها له. فسر الناس بذلك، وتحالفا وعاد إلى حلته وعاد المقلَّد إلى الموصل، وتجهَّز للمسير إلى أبي الحسن علي بن مزيد الأسدي؛ لأنه تعصب لأخيه علي وقصد ولاية المقلَّد بالأذى فسار إليه. ولما خرج علي من محبسه اجتمع العرب إليه، وأشاروا عليه بقصد أخيه المقلَّد فسار إلى الموصل، وبها أصحاب المقلَّد وامتنعوا عليه فافتتحها، فسمع المقلَّد بذلك فعاد إليه، واجتاز في طريقه بحلة أخيه الحسن، فخرج إليه ورأى كثرة عسكره، فخاف على أخيه علي منه، فأشار عليه بالوقوف ليصلح الأمر، وسار إلى أخيه علي، وقال له: إن الأعور يعني المقلَّد قد أتاك بحده وحديده وأنت غافل، وأمره بإفساد عسكر المقلَّد، فكتب إليهم فظفر المقلَّد بالكتب، فأخذها وسار مجدِّاً إلى الموصل، فخرج إليه أخواه علي والحسن وصالحاه ودخل الموصل وهما معه. ثم خاف علي فهرب من الموصل ليلاً وتبعه الحسن وتردُّدت الرسل بينهم، فاصطلحوا على أن يدخل أحدهما البلد في غيبة الآخر، وبقوا كذلك

٢٣١

إلى سنة تسع وثمانين ومات علي سنة تسعين وقام الحسن مقامه، فقصده المقلَّد ومعه بنو خفاجة، فهرب الحسن إلى العراق وتبعه المقلَّد، فلم يدركه فعاد، ولما استقر أمر المقلَّد بعد أخيه علي سار إلى بلد علي بن مزيد الأسدي، فدخله ثانية والتجأ ابن مزيد إلى مهذّب الدولة، فتوسط ما بينه وبين المقلَّد. وأصلح الأمر معه، وسار المقلَّد إلى دقوقا فملكها ثم ملكها عليه جبريل بن محمد، ثم عادت إلى المقلَّد، ثم ملكها محمد بن عناز بعده، ثم أخذها بعده قرواش، ثم انتقلت إلى فخر الدولة أبي غالب ثم إلى جبريل وموصك بن جكويه من أمراء الأكراد، ثم قصدها بدران بن المقلَّد وأخذها منهما.

سنة (٣٩١): في هذه السنة قتل حسام الدولة المقلَّد بن المسيب العقيلي غيلة قتله مماليك له ترك. وكان سبب قتله أن هؤلاء الغلمان كانوا قد هربوا منه فتبعهم وظفر بهم وقتل منهم وقطع وأعاد الباقين، فخافوه على نفوسهم فاغتنم بعضهم غفلته وقتلوه بالأنبار. وكان قد عظم أمره وراسل وجوه العساكر ببغداد، وأراد التغلب على الملك، فأتاه الله من حيث لا يشعر. ولما قُتِل كان ولده الأكبر قرواش غائباً، وكانت أمواله وخزائنه بالأنبار فخاف نائبه عبد الله بن إبراهيم بن شهرويه بادرة الجند، فراسل أبا منصور بن قراد اللديد، وكان بالسندية فاستدعاه إليه، وقال له: أن أجعل بينك وبين قراوش عهداً وأُزوجه ابنتك، وأقاسمك على ما خلفه أبوه وتساعده على عمه الحسن إن قصده وطمع فيه. فأجابه إلى ذلك وحمى الخزائن والبلد، وأرسل عبد الله إلى قرواش يحثه على الوصول، فوصل وقاسمه على المال وأقام قراد عنده، ثم إن الحسن بن المسيب جمع مشايخ عقيل وشكا قرواشاً إليهم وما صنع مع قراد، فقالوا له: خوفُه منك حمله على ذلك، فبذل من نفسه الموافقة له والوقوف عند رضاه، وسفر المشايخ بينهما فاصطلحا، واتفقا على أن يسير الحسن إلى قرواش شبه المحارب ويخرج هو وقراد لقتاله، فإذا لقي بعضهم بعضاً عادوا جميعاً على قراد فأخذوه. فسار الحسن وخرج قرواش وقراد لقتاله. فلما تراءى الجمعان جاء بعض أصحاب قراد إليه فأعلمه الحال، فهرب على فرس له وتبعه قرواش والحسن فلم يدركاه، وعاد قرواش إلى بيت قراد، فأخذ ما فيه من الأموال التي أخذها من قرواش وهي بحالها. وسار قرواش إلى الكوفة فأوقع بخفاجة

٢٣٢

عندها وقعة عظيمة، فساروا بعدها إلى الشام، فأقاموا هناك حتى أحضرهم أبو جعفر الحجاج.

سنة (٣٩٢): في هذه السنة سيَّر قرواش بن المقلَّد جمعاً من عقيل إلى المدائن، فحصروها فسيَّر إليهم أبو جعفر نائب بهاء الدولة جيشاً فأزالوهم عنها، فاجتمعت عقيل وأبو الحسن مزيد في بني أسد وقويت شوكتهم. فخرج الحجاج إليهم واستنجد خفاجة وأحضرهم من الشام فاجتمعوا معه واقتتلوا بنواحي (باكرم) في رمضان، فانهزمت الديلم والتُّرك وأُسر منهم خلق كثير واستبيح عسكرهم، فجمع أبو جعفر من عنده من العسكر وخرج إلى بني عقيل وابن مزيد، وقتل من أصحابهم خلق كثير وأسر مثلهم وسار إلى حلل ابن مزيد فأوقع بمن فيها فانهزموا أيضاً، فنهبت الحلل والبيوت والأموال، ورأوا فيها من العين والمصاغ والثياب ما لا يقدر قدره.

سنة (٣٩٧): في المحرم جرت وقعة بين معتمد الدولة أبي المنيع قرواش بن المقلَّد العقيلي وبين أبي علي بن ثمال الخفاجي. وكان سببها أن قرواش جمع جمعاً كثيراً وسار إلى الكوفة وأبو علي غائب عنها، فدخلها ونزل بها وعرف أبو علي الخبر فسار إليه فالتقوا واقتتلوا، فانهزم قرواش وعاد إلى الأنبار مغلولاً، وملك أبو علي الكوفة وأخذ أصحاب قرواش فصادرهم.

سنة (٣٩٩): في هذه السنة قتل عيسى بن خلاط العقيلي أبا علي بن ثمال الخفاجي الذي كان والياً للحاكم بأمر الله صاحب مصر على الرحبة، وملكها، وأقام فيها مدة ثم قصده بدران بن المقلَّد، فأخذها منه وبقيت لبدران، فأمر الحاكم بأمر الله نائبه بدمشق لؤلؤاً البشاري بالمسير إليها، فقصد الرقة أولاً وملكها، ثم سار إلى الرحبة وملكها، ثم انتهى أمر ملكها إلى صالح بن مرداس صاحب حَلب.

سنة (٤٠١): في هذه السنة أيضاً خطب قرواش بن المقلَّد أمير بني عقيل للحاكم بأمر الله العلوي صاحب مصر بأعماله كلها، وهي الموصل والأنبار والمدائن والكوفة وغيرها، وكان ابتداء الخطبة بالموصل: (الحمد لله الذي انجلت بنوره غمرات الغضب، وانهدَّت بقدرته أركان النصب، وأطلع

٢٣٣

بنوره شمس الحق من العرب. فأرسل القادر بالله أمير المؤمنين القاضي أبا بكر بن الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك، وأن العلويين والعباسيين انتقلوا من الكوفة إلى بغداد، فأكرم بهاء الدولة القاضي أبا بكر، وكتب إلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إلى حرب قرواش، وأطلق له مائة ألف دينار ينفقها في العسكر، وخلع على القاضي أبي بكر وولاّه قضاء عمان والسواحل، وسار عميد الجيوش إلى حرب قرواش، فأرسل يعتذر وقطع خطبة العلويين وأعاد خطبة القادر بالله.

سنة (٤٠١): وفيها تُوفِّي أبو عبد الله محمد بن مقن بن مقلد بن جعفر بن عمر بن المهيا العقيلي، وفي مقلد يجتمع آل المسيب وآل مقن، وكان عمره مائة وعشرة سنين، وكان بخيلاً شديد البخل وشهد مع القرامطة أخذ الحجر الأسود.

سنة (٤١٧): في هذه السنة اجتمع دُبيس بن علي بن مزيد الأسدي وأبو الفتيان منيع بن حسَّان أمير خفاجة، وجمعا عشائرهما وغيرهم، وانضاف إليهما عسكر بغداد على قتال قرواش بن المقلَّد العقيلي؛ وكان سببه أن خفاجة تعرضوا إلى السواد وما بيد قرواش منه، فانحدر من الموصل لدفعهم فاستعانوا بدُبيس، فسار إليهم واجتمعوا، فأتاهم عسكر بغداد فالتقوا بظاهر الكوفة وهي لقرواش، فجرى بين مقدمته ومقدمتهما مناوشة وعلم قرواش أنه لا طاقة له بهم، فسار ليلاً جريدة في نفر يسير وعلم أصحابه بذلك فتبعوه منهزمين، فوصلوا إلى الأنبار وسارت أسد وخفاجة خلفهم. فلما قاربوا الأنبار فارقها قرواش إلى حلله، فلم يمكنهم الإقدام عليه واستولوا على الأنبار ثم تفرقوا.

وفي هذه السنة أصعد الأثير عنبر إلى الموصل من بغداد، وكان سببه أن الأثير كان حاكماً في الدولة البويهية ماضي الحكم نافذ الأمر والجند من أطوع الناس له وأسمعهم لقوله. فلما كان الآن زال ذلك وخالفه الجند فزالت طاعته عنهم، فلم يلتفتوا إليه فخافهم على نفسه، فسار إلى قرواش فندم الجند على ذلك وسألوه أن يعود فلم يفعل. وأصعد إلى الموصل مع قرواش فأخذ ملكه وإقطاعه بالعراق. ثم إن نجدة الدولة بن قراد ورافع بن الحسين جمعا جمعاً كثيراً من عقيل، وانضم إليهم بدران أخو قرواش وساروا يريدون حرب قرواش. وكان قرواش لما سمع خبرهم قد اجتمع

٢٣٤

هو وغريب بن معن والأثير عنبر، وأتاه مدد من ابن مروان، فاجتمع في ثلاثة عشر ألف مقاتل، فالتقوا عند بلد واقتتلوا وثبت بعضهم لبعض وكثر القتل. ففعل ثروان بن قراد فعلا جميلاً، وذلك أنه قصد غريباً في وسط المصاف واعتنقه وصالحه، وفعل أبو الفضل بدران بن المقلَّد بأخيه قرواش كذلك، فاصطلح الجميع وأعاد قرواش إلى أخيه بدران مدينة نصيبين.

الصفحة نفسها والسنة نفسها سار منيع بن حسَّان أمير خفاجة في الجامعين وهي لنور الدولة دُبيس فنهبها، فسار دُبيس في طلبه إلى الكوفة، ففارقها وقصد الأنبار، وهي لقرواش كان استعادها بعد ما ذكرناه قبل. فلما نازلها منيع قاتله أهلها، فلم يكن لهم بخفاجة طاقة، فدخل جنود خفاجة الأنبار ونهبوها وأحرقوا أسواقها، فانحدر قرواش إليهم ليمنعهم، وكان مريضاً ومعه غريب والأثير عنبر، ثم تركها ومضى إلى القصر فاشتد طمع جنود خفاجة وعادوا إلى الأنبار فأحرقوها مرة ثانية. وسار قرواش إلى الجامعين فاجتمع هو ونور الدولة دُبيس بن مزيد في عشرة آلاف مقاتل. فلم يقدر قرواش في ذلك الجيش العظيم على هذه الألف، وشرع أهل الأنبار في بناء سور على البلد وأعادهم قرواش، وأقام عندهم الشتاء، ثم إن منيع بن حسَّان سار إلى الملك أبي كاليجار فأطاعه، فخلع عليه وأتى منيع الخفاجي إلى الكوفة، فخطب فيها لأبي كاليجار وأزال حكم عقيل عن سقي الفرات.

سنة (٤١٩): في هذه السنة في جمادى الأولى سار بدران بن المقلَّد العقيلي في جمع من العرب إلى نصيبين وحصرها، وكانت لنصر الدولة بن مروان، فخرج إليه عسكر نصر الدولة الذين بها وقاتلوه، فهزمهم واستظهر عليهم، وقتل جماعة من أهل نصيبين والعسكر، فسيَّر نصر الدولة عسكراً آخر نجدة لمن بنصيبين، فأرسل إليهم بدران عسكراً فلقوهم فقاتلوهم وهزموهم وقتلوا أكثرهم، فأزعج ذلك ابن مروان وأقلقه، فسير عسكراً آخر ثلاثة آلاف فارس، فدخلوا نصيبين واجتمعوا بمن فيها وخرجوا إلى بدران فاقتتلوا، فانهزم بدران ومن معه بعد قتال شديد وقت الظهر وتبعهم عسكر ابن مروان، ثم عطف عليهم بدران وأصحابه، فلم يثبتوا له. فأكثر فيهم القتل والأسر وغنم الأموال، فعاد عسكر ابن مروان مغلوبين، فدخلوا نصيبين فاجتمعوا بها، واقتتلوا مرة أُخرى وكانوا على السواء. ثم سمع بدران بأن

٢٣٥

أخاه قرواشاً قد وصل إلى الموصل، فرحل خوفاً منه؛ لأنهما كانا مختلفين.

في سنة (٤٢٠) يذكر دخول الغز ديار بكر ومقاومة قرواش لهم ويذكر ملكهم مدينة الموصل ومقاومة قرواش لهم وانكساره، ثم يذكر ظفر قرواش بهم ص ١٦٣ مما يجب أن يضم إلى أخبار بني المقلَّد مع ما ذكر في ص١٦٤.

في سنة (٤٢١) قد ذكرنا محاصرة بدران نصيبين، وأنه رحل عنها خوفاً من قرواش، فلما رحل شرع في إصلاح الحال معه فاصطلحا، ثم جرى بين قرواش ونصر الدولة بن مروان نفرة كان سببها أن نصر الدولة كان قد تزوج ابنة قرواش، فآثر عليها غيرها فأرسلت إلى أبيها تشكو منه، فأرسل يطلبها إليه، فسيرها فأقامت بالموصل، ثم إن ولد مستحفظ جزيرة ابن عمر وهي لابن مروان هرب إلى قرواش، وأطمعه في الجزيرة، فأرسل إلى نصر الدولة يطلب منه صداق ابنته، وهو عشرون ألف دينار ويطلب الجزيرة لنفقتها، ويطلب نصيبين لأخيه بدران ويحتج بما أخرج بسببها عام أول، وتردُّدت الرسل بينهما في ذلك، فلم يستقر حال فسير جيشاً لمحاصرة الجزيرة وجيشاً مع أخيه بدران إلى نصيبين، فحصرها بدران وأتاه قرواش، فحصرها معه فلم يُمْلَك واحِد من البلدين، وتفرق من كان معه من العرب والأكراد. فلما رأى بدران تفرق الناس عن أخيه سار إلى نصر الدولة بن مروان بميافارقين يطلب منه نصيبين، فسلمها إليه وأرسل من صداق ابنة قرواش خمسة عشر ألف دينار واصطلحا.

وفي هذه السنة في جمادى الأولى اختلف قرواش وغريب بن مقن؛ وكان سبب ذلك أن غريباً جمع جمعاً كثيراً من العرب والأكراد، واستمد جلال الدولة فأمده بجملة صالحة من العسكر، فسار إلى تكريت فحصرها وهي لأبي المسيب رافع بن الحسين، وكان قد توجه إلى الموصل وسأل قرواشاً النجدة، فجمعا وحشدا وسارا منحدرين فيمن معهما، فبلغا الدكة وغريب يحاصر تكريت، وقد ضيَّق على من بها وأهلها يطلبون منه الأمان فلم يؤمنهم، فحفظوا نفوسهم وقاتلوا أشد قتال. فلما بلغه وصول قرواش ورافع سار إليهم، فالتقوا بالدكة واقتتلوا، فغدر بغريب بعض من معه ونهبوا سواده وسواد الأجناد الجلالية، فانهزم وتبعهم قرواش ورافع، ثم كفوا عنه وعن أصحابه ولم يتعرضوا إلى حلته وماله فيها وحفظوا ذلك أجمع، ثم إنهم تراسلوا واصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه من الوفاق.

٢٣٦

سنة (٤٢٥): وفيها تُوفِّي بدران بن المقلَّد وقصد ولده عمه قرواشاً، فأقر عليه حاله وماله وولاية نصيبين، وكان بنو نُمير قد طمعوا فيها وحصروها، فسار إليهم ابن بدران فدفعهم عنها.

سنة (٤٣٣) يذكر الحلف بين جلال الدولة وقرواش صاحب الموصل.

سنة (٤٤٠) ذكر الحلف بين قرواش والأكراد الحميدية والهذبانية. وفيها كانت الوحشة بين معتمد الدولة قرواش بن المقلَّد وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل بن المقلَّد، فانضاف قريش بن بدران بن المقلَّد إلى عمّه قرواش وجمع جمعاً، وقاتل عمه أبا كامل، فظفر ونصر وانهزم أبو كامل ولم يزل قريش يغري قرواشاً بأخيه حتى تأكدت الوحشة وتفاقم الشر بينهما.

ظهور الخلاف بين قرواش وأخيه أبي كامل وصلحهما:

سنة (٤٤١): في هذه السنة ظهر الخلاف بين معتمد الدولة قرواش وبين أخيه زعيم الدولة أبي كامل ظهوراً آل إلى المحاربة، وقد تقدم سبب ذلك. فلما اشتد الأمر وفسد الحال فساداً لا يمكن إصلاحه جمع كل منهما جمعاً لمحاربة صاحبه، وسار قرواش في المحرم وعبر دجلة بنواحي بلد، وجاءه سليمان بن نصر الدولة بن مروان، وأبو الحسن بن عيسكان الحميدي وغيرهما من الأكراد، وساروا إلى معلثايا، فأخرجوا المدينة ونهبوها ونزلوا بالمُغيثة، وجاء أبو كامل فيمن معه من العرب وآل المسيب فنزلوا بمرج بابنيثا وبين الطائفتين نحو فرسخ واقتتلوا يوم السبت ثاني عشر المحرم، وافترقوا من غير ظفر، ثم اقتتلوا يوم الأحد كذلك ولم يلابس الحرب سليمان بن مروان بل كان ناحية، ووافقه أبو الحسن الحُميدي وساروا عن قرواش، وفارقه جمع من العرب وقصدوا أخاه، فضعف أمر قرواش وبقي في حلته وليس معه إلا نفر يسير فركبت العرب من أصحاب أبي كامل لقصده، فمنعهم وأسفر الصبح يوم الاثنين، وقد تسرع بعضهم ونهب بعضاً من عرب قرواش، وجاء أبو كامل إلى قرواش واجتمع به ونقله إلى حلته وأحسن عشرته، ثم أنفذه إلى الموصل محجوراً عليه وجعل معه بعض زوجاته في دار. وكان مما فت في عضد قرواش وأضعف نفسه أنه كان قد قبض على قوم من الصيادين بالأنبار؛ لسوء طريقهم وفسادهم فهرب الباقون

٢٣٧

منهم وبقي بعضهم بالسندية، فلما كان الآن سار جماعة منهم إلى الأنبار وتسلقوا السور ليلة خامس المحرم من هذه السنة، وقتلوا حارساً وفتحوا الباب ونادوا بشعار أبي كامل، فانضاف إليهم أهلوهم وأصدقاؤهم ومن له هوى في أبي كامل، فكثروا وثار بهم أصحاب قرواش، فاقتتلوا فظفروا وقتلوا من أصحاب معتمد الدولة قرواش جماعة وهرب الباقون. فبلغه خبر استيلاء أخيه، ولم يبلغه عود أصحابه. ثم إن المسيب وأمراء العرب كلفوا أبا كامل ما يعجز عنه واشتطوا عليه، فخاف أن يؤول الأمر بهم إلى طاعة قرواش وإعادته إلى مملكته، فبادرهم إليه وقبل يده، وقال له: إنني وإن كنت أخاك فإنني عبدك وما جرى هذا إلا بسبب من أفسد رأيك فيَّ وأشعرك الوحشة مني، والآن فأنت الأمير وأنا الطائع لأمرك والتابع لك. فقال له قرواش: بل أنت الأخ والأمر لك مسلّم، وأنت أقوم به مني، وصلح الحال بينهما وعاد قرواش إلى التصرف على حكم اختياره. وكان أبو كامل قد أقطع بلال بن غريب بن مقن حربى وأوانا، فلما اصطلح أبو كامل وقرواش أرسلا إلى حربى من منع بلالاً عنها، فتظاهر بلال بالخلاف عليهما وجمع إلى نفسه جمعاً، وقاتل أصحاب قرواش وأخذ حربى وأوانا بغير اختيارهما، فانحدر قرواش من الموصل إليهما وحصرهما وأخذهما.

وفي هذه السنة سار جمع من بني عقيل إلى بلد العجم من أعمال العراق وبادوريا، فنهبوها وأخذوا من الأموال الكثير وكانا في إقطاع البساسيري، فسار من بغداد بعد عوده من فارس إليهم، فالتقوا هم وزعيم الدولة أبو كامل بن المقلَّد، واقتتلوا قتالاً شديداً أبلى الفريقان فيه بلاء حسناً وصبرا صبراً جميلاً وقُتل جماعة من الفريقين.

في هذه السنة في ذي القعدة ملك البساسيري الأنبار ودخلها أصحابه، وكان سبب ملكها أن قرواشاً أساء السيرة في أهلها، ومد يده إلى أموالهم فسار جماعة من أهلها إلى البساسيري ببغداد، وسألوه أن ينفذ معهم عسكراً يسلمون إليه الأنبار. فأجابهم إلى ذلك وسيّر معهم جيشاً، فتسلموا الأنبار ولحقهم البساسيري، وأحسن إلى أهلها وعدل فيهم ولم يمكن أحداً من أصحابه أن يأخذ رطل الخبز بغير ثمنه. وأقام فيها إلى أن أصلح حالها وقرر قواعدها وعاد إلى بغداد.

سنة (٤٤٢) وفي هذه السنة في جمادى الأولى استولى زعيم الدولة

٢٣٨

أبو كامل بركة بن المقلَّد على أخيه قرواش، وحجر عليه ومنعه من التصرف على اختياره؛ وسبب ذلك أن قرواشاً كان قد أنف من تحكم أخيه في البلاد، وأنه قد صار لا حكم له فعمل على الانحدار إلى بغداد ومفارقة أخيه. وسار عن الموصل، فشق ذلك على بركة وعظم عنده، ثم أرسل إليه نفراً من أعيان أصحابه يشيرون عليه بالعود واجتماع الكلمة ويحذرونه من الفرقة والاختلاف، فلما بلّغوه ذلك امتنع عليهم، فقالوا: أنت ممنوع عن فعلك والرأي لك القبول والعود ما دامت الرغبة إليك، فعلم حينئذ أنه يُمنع قهراً، فأجاب إلى العود على شرط أن يسكن دار الإمارة بالموصل، وسار معهم. فلما قارب حلة أخيه زعيم الدولة لقيه وأنزله عنده، فهرب أصحابه وأهله خوفاً فأمّنهم زعيم الدولة، وحضر عنده وخدمه وأظهر له الخدمة وجعل عليه من يمنعه من التصرف على اختياره.

سنة (٤٤٣) وفي هذه السنة في شهر رمضان تُوفِّي زعيم الدولة أبو كامل بركة بن المقلَّد بتكريت، وكان انحدر إليها في حلله قاصداً نحو العراق لينازع النواب به عن الملك الرحيم وينهب البلاد. فلما بلغها انتقض عليه جرح كان أصابه من الغز لما ملكوا الموصل، فتُوفِّي ودفن بمشهد الخضر بتكريت. واجتمعت العرب من أصحابه على تأمير علم الدين أبي المعالي قريش بن بدران بن المقلَّد، فعاد بالحلل والعرب إلى الموصل وأرسل إلى عمه قرواش، وهو تحت الاعتقال يعلمه بوفاة زعيم الدولة وقيامه بالإمارة، وأنه يتصرف على اختياره ويقوم بالأمر نيابة عنه. فلما وصل قريش إلى الموصل جرى بينه وبين عمه قرواش منازعة ضعف فيها قرواش وقوي ابن أخيه ومالت العرب إليه، واستقرت الإمارة له وعاد عمه إلى ما كان عليه من الاعتقال الجميل والاقتصار به على قليل من الحاشية والنساء والنفقة، ثم نقله إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل فاعتُقل بها.

سنة (٤٤٤): في هذه السنة جرى حِلف بين علم الدين قريش بن بدران وبين أخيه المقلَّد، وكان قريش قد نقل عمه قرواشاً إلى قلعة الجراحية من أعمال الموصل وسجنه بها وارتحل يطلب العراق، فجرى بينه وبين أخيه المقلَّد منازعة أدت إلى الاختلاف، فسار المقلَّد إلى نور الدولة دُبيس بن مزيد ملتجئاً إليه فحمل أخاه الغيظ منه على أن نهب حلته وعاد

٢٣٩

إلى الموصل، واختلَّت أحواله واختلفت العرب عليه، وأخرج نواب الملك الرحيم ببغداد إلى ما كان بيد قريش من العراق بالجانب الشرقي من عُكبرا والعلث وغيرهما من قبض غلته، وسلم الجانب الغربي من أوانا ونهر بيطر إلى أبي الهندي بلال بن غريب. ثم إن قريشاً استمال العرب وأصلحهم، فأذعنوا له بعد وفاة عمه قرواش، فإنه تُوفِّي هذه الأيام، وانحدر إلى العراق؛ ليستعيد ما أخذ منه، فوصل إلى الصالحية وسير بعض أصحابه إلى ناحية الحظيرة وما والاها، فنهبوا ما هناك وعادوا فلقوا كامل بن محمد بن المسيّب صاحب الحظيرة، فأوقع بهم وقاتلهم فأرسلوا إلى قريش يعرفونه الحال، فسار إليهم في عدة كثيرة من العرب والأكراد، فانهزم كامل وتبعه قريش فلم يلحقه، فقصد حلل بلال بن غريب وهي خالية من الرجال، فنهبها وقاتله بلال وأبلى بلاء حسناً فجرح ثم انهزم، وراسل قريش نواب الملك الرحيم يطلب ببذل الطاعة ويطلب تقرير ما كان له عليه، فأجابوه إلى ذلك على كره؛ لقوته وضعفهم واشتغال الملك الرحيم بخوزستان عنهم، فاستقر أمره وقوي شأنه. وفي هذه الصفحة: وفي السنة نفسها مستهل رجب تُوفِّي معتمد الدولة أبو المنيع قرواش بن المقلَّد العُقيلي الذي كان صاحب الموصل محبوساً بقلعة الجراحية من أعمال الموصل، وحُمل ميتاً إلى الموصل، ودفن بتل توبة من مدينة نينوى شرقي الموصل. وكان من رجال العرب وذوي العقل منهم وله شعر حسن. وأورد له عن (دمية القصر) البيتين المنقولين عن تاريخ ابن خلدون وهذه الأبيات التي لم يوردها ابن خلدون:

مـن كان يحمد أو يذم موّرث لـلمال مـن آبـائه وجدوده

إنـي امـرؤ لـله أشكر وحده شـكراً كـثيراً جـالباً لمزيده

لـي أشقرٌ سمح العنان مغاور يعطيك ما يرضيك من مجهوده

ومـهند عـضب إذا جـردته خلت البروق تموج في تجريده

ومـثقف لـدنُ الـسنان كأنم أم الـمنايا رُكـبت في عوده

وبـذا حـويُت المال إلا أنني سـلّطت جود يدي على تبديده

وفي هذه السنة ورد سعدي بن أبي الشوك في جيش من عند السلطان طغرلبك إلى نواحي العراق، فدوَّخ كثيراً منها وأسرف في

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391