تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني20%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 130966 / تحميل: 11533
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

تاريخ الشّيعة

السّياسي الثقافي الدّيني

١

٢

تاريخ الشّيعة

السّياسي الثقافي الدّيني

تأليف

العلاّمة الشّيخ سليمان ظاهر

عضو المجمع العلمي العربي بدمشق

حقّقه وضبطه

عبد الله سليمان ظاهر

المجلّد الأوّل

منشورات

مؤسسة الأعلمي للمطبوعات

بيروت - لبنان

ص. ب ٧١٢٠

٣

٤

العلاّمة الشيخ سليمان ظاهر

٥

٦

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

مقدمة

بقلم: الأستاذ الكبير

المؤرِّخ السيد حسن الأمين

الشيخ سليمان ظاهر علم من أعلام العرب في القرن العشرين تجمع فيه من الفضائل ما قلَّ أن يتجمع في نظرائه، فكان فقيهاً بين الفقهاء، مؤرخاً بين المؤرخين، شاعراً بين الشعراء، مناضلاً للحرية والاستقلال بين المناضلين.

وكان في كل ذلك متفوقاً يمشي في الصفوف الأولى مرفوع الرأس قوي البأس ثابت العزم. ولو قدّر له أن يعيش في غير الوسط الذي عاش فيه، وأن ينشأ في غير البلدة التي نشأ فيها لكان له من شيوع الذكر وانبساط الأمر ورغد العيش ما لا يقل عن أشهر المشاهير!.

ولكنه عاش في وسط ضيق محدود لا يخرج عن كونه وسطاً قروياً محضاً لا يستطيع فيه أن يخطو الخطوات التي تؤهله لها مواهبه، ونشأ في بلدة لا تعدو يوم نشأ فيها عن أنها قرية لا تحوي ما يشجِّع على العمل وتحقيق المطامح.

ومع ذلك فقد عرفه المجمع العلمي العربي في دمشق فاختاره عضواً من أعضائه، وعرفته الندوات فكان فيها عالي الصوت عميق الأثر.

ولكن ذلك كله ظل ضمن نطاق محدود لا يتفق في شيء مع مواهب

٧

هذا الرجل الموهوب، ولا مع كفاءاته المتعددة الجوانب.

لقد كانت قصيدة الشيخ سليمان ظاهر أول قصيدة ترثي شهداء العرب الذين أعدمهم السفاح جمال باشا، فنظم رائعته على لسان الشهيد عبد الكريم الخليل...

وكانت بعد ذلك قصيدته أول قصيدة بعد يوم (ميسلون) الذي هدم فيه الطاغية الجنرال غورو الاستقلال العربي السوري الناشئ.

لقد كانت القصيدتان فاتحة النضال الشعري العربي الاستقلالي في مجاهدة السفاحين والمستعمرين، ولكن من يعرف في العالم العربي أن الشيخ سليمان ظاهر كان رائد الشعر النضالي في بلاد الشام، وأنه فاتح باب ديوان العرب الوطني فيها بهذا العصر.

ومن هو بين شيوخ العرب وناشئتهم من يستظهر بيتاً واحداً من ذلك الشعر الذي يتدفق بلاغة وحماسة واستنفاراً؟

ذلك أن الوسط الذي عاش فيه الشيخ سليمان ليس وسطاً للنشر والذيوع، فقد كانت القصيدة تنظم ثم تطوى بين الأوراق لا يطلع عليها إلا نفر من أقرب المقرّبين.

وعدا قصيدتيه في رثاء ضحايا السفاح جمال باشا، وفي يوم ميسلون، فقد كان أول من نظم في نكبة دمشق يوم ضربها الفرنسيون بمدافعهم وطائراتهم في الثورة السورية سنة ١٩٢٥.

وإذا كانت قصيدة شوقي وقصيدة الزركلي في الموضوع نفسه قد ذاعتا وشاعتا وغدتا موضع الترنم والاستشهاد؛ فلأنهما ألقيتا في حفل حافل في القاهرة، ثم نشرتا في جرائد القاهرة، عنها تناقلتهما جرائد العرب في كل بلاد العرب.

أما قصيدة الشيخ سليمان ظاهر فأين تلقى وأين تنشر؟!..

وما نقوله عن الشعر نقوله عن غيره من مواهب الشيخ سليمان ظاهر.

فإن هذا الشاعر المبدع كان في الوقت نفسه مؤرخاً كتب بحوثاً تاريخية كان مجال نشرها مجلة (العرفان) التي كانت تصدر في مدينة صيدا. ومن يعود إلى مجلدات العرفان ويتتبع في أجزائها ما كتبه الشيخ سليمان في شتى

٨

المواضيع التاريخية لا سيما عن تاريخ جبل عامل يرى ما انطوى عليه هذا الرجل من الجَلَد على التتبع والعمق في البحث وقوة الاستنتاج مما هو الأداة الواجبة للمؤرخ الناجح.

وكان مما عني به من مواضيع التاريخ تاريخ الشيعة. وليس مبعث هذه العناية نزعة مذهبية كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، بل كان مبعثها الحرص على تاريخ الإسلام وتاريخ العرب بإبراز جانب مشرق من هذا التاريخ عملت في القديم عوامل شتى على طمسه، فكان في هذا الطمس خسارة كبرى للحقيقة وللعلم وللإنسانية.

بهذا الحافز وحده - حافز الحرص على نصاعة التاريخ الإسلامي والتاريخ العربي - انصرف الشيخ سليمان ظاهر إلى التحقيق في جانب ثريٍ من جوانب تاريخ هذه الأمة، فكان له ما أراد من كشف كنوز كان في سترها خسارة أية خسارة...

لقد كان من أكبر العوامل في التفرق بين المسلمين أن كل فريق يجهل حقيقة الفريق الآخر، فيبني أحكامه عليه مستنداً إلى أضاليل بثتها أيادٍ ذات أغراض منوعة فانطلت على المسلمين، فنظر كل فريق إلى الفريق الآخر نظرة سوء كان من عواقبها ما عانته الأمة من شرور التشتت والتمزق.

والشيخ سليمان ظاهر حين يكتب تاريخ الشيعة إنما يحاول أن يبرز الوجه الصحيح لهذا الفريق من المسلمين؛ ليرى الفريق الآخر أن ليس هناك ما يبعث على الفرقة والتباعد، فيكون بذلك عاملاً من أقوى عوامل جمع الشمل ولمِّ التشتت، وداعياً من أنجح دعاة التوحيد والتُوفِّيق.

فهو يقول في مقدمة كتابه موضحاً هدفه: (وفي احتدام تلك المعمعة الجدلية وفيما جال حول الشيعة من الظنون وما عزي إلى الإمامية منهم ما لم يعتقدوه دار في خُلْدي أن أفرد كتاباً بالتأليف في تاريخ الشيعة الديني والسياسي تاركاً تدوين تاريخها الأدبي).

فهو في هذا الكتاب يريد أن يجلو الحقائق وأن يزيل من الأذهان ما عَلَقَ بها من غير الحقائق لتصفو النفوس وتطيب القلوب.

٩

ثم هو حين يشرح طريقته في التأليف يشير إلى ما سيختمه به قائلاً: (.... خاتمة تتضمن دعوة المسلمين كافة إلى التحرر من التعصب الممقوت للمذهب والعقيدة الذي أدى إلى ذهاب ريحهم وتفرقهم قِدداً...).

إن في هذا الكتاب مما يثير الاهتمام جمعه لأخبار الدولة الإدريسية في المغرب التي ظلت معظم أخبارها ضائعة، وظل الكثير منها مطموساً مع ما كان لها من الفضل العميم في نشر الإسلام في بقاع ظلت أمداً طويلاً على غير الإسلام حتى جاء الحكم الإدريسي الصالح فتجرد فيما تجرد له، لدعوة النافرين من الإسلام إلى الأخذ به فاستجابوا بعدما رأوا صلاح الحكم وحسن سيرة الحكام، فكان أن عمَّ الإسلام شمال إفريقيا كله، وقد كان تاريخ الأدارسة كما وصفه الدكتور حسن مؤنس: (ما زالت الدولة الإدريسية تنتظر من يكتب تاريخها ويحدد دورها في بناء المغرب العربي).

وها هو الشيخ سليمان ظاهر قد فعل - فيما فعل - في هذا الكتاب أن وضع الأساس لمن يريد الإفاضة في تاريخ الأدارسة الذين لم يكن الدكتور حسين مؤنس وحده قد شكا من ضياع تاريخهم، بل شاركه في ذلك كثيرون.

والأمر نفسه فيما يتعلق بتاريخ الحَمْدانيين وبطلهم، بل بطل العرب في عصره (سيف الدولة)، وما كان منه من مناضلة البيزنطيين النضال الطويل المرير، ودفعهم عن بلاد الشام وحماية العروبة والإسلام فيها.

فقد كان تاريخ تلك الفترة المجيدة مبعثراً لا يكاد يُهتدى إليه، وها هو اليوم في هذا الكتاب واضح المعالم مجموع الأحداث.

ونحن هنا لا نريد أن نستقصي كل حسنات الكتاب، بل نريد أن نشير إشارات عابرة إلى ملامح من تلك الحسنات، ونترك للقارئ أن يعكف على مطالعته لتستبين له صور من التاريخ ما كانت لتستبين مجموعة لو لا الجهد الذي بذله المؤلف.

ومن حسنات الكتاب أنه أبرز للقراء تاريخ إمارات عربيّة طمس الإهمال تاريخها مع ما في هذا التاريخ من مفاخر ومآثر في السياسية والأدب والشعر بخاصة، من أمثال العقيليين والخفاجيين وبني شاهين وغيرهم.

١٠

وحين نذكر هذا فإنه لابد لنا من أن نشير إلى أنه كان لتاريخ لبنان النصيب الوافر في هذا الكتاب، ففي تاريخ لبنان صفحات مطوية لم تجد من يكشف عنها حتى جاء الشيخ سليمان ظاهر يتحدث - فيما يتحدث عنه - عن الحرافشة الذين كان لهم في تاريخ لبنان العسكري والأدبي ما كان يجب أن يطول الحديث عنه، ولكن أحداً لم يتحدث عنه حتى همْساً.

ومن مزاياه أنه تجاوز تاريخ الدول والإمارات إلى تاريخ أسر علمية تأصل فيها العلم وتسلسل في أزمنة متباعدة فكان من حقها أن يُجلى تاريخها وأن يُعرف فضلها في النهضات العلمية الإسلامية، ونذكر مثالاً لذلك (بني زُهرة) الحَلبيين الذين وفاهم حقهم وأبرز دورهم بعدما كان من العسير على المتتبع أن يهتدي إلى ما يجب أن يهتدي إليه.

لا يمكن في هذه المقدمة الموجزة أن أستوعب كل ما في الكتاب من حسنات، والقارئ وحده سيستطيع أن يتعرف على الشيخ سليمان ظاهر مؤرخاً باحثاً بعيد الغور.

وإذا كان في هذا الكتاب تعريف بالشيخ سليمان المؤرخ، فمتى يحين الوقت الذي يتعرف فيه العرب على الشيخ سليمان شاعر العرب؟

ومتى يطبع ديوانه الذي يعرّفهم عليه شاعراً عربياً أصيلاً بلغ بالشعر العربي في عصره المدى القصير في الإجادة والموضوعية والنضال...

بيروت في ١/١/٢٠٠٠

حسن الأمين

١١

١٢

نبذة عَن حيَاة المؤلف

نسبه ومولده ونشأته:

هو سليمان بن محمد بن علي بن إبراهيم بن حمود بن ظاهر زين الدين العاملي النبطي(١) ، ولد في النبطيّة من أبوين صالحين في العاشر من المحرم الحرام سنة ١٢٩٠هـ ١٨٧٣م، وتُوفِّيت والدته وهو في الثالثة من عمره، فكفلته خالته زوجة أبيه، فأحسنت كفالته وتربيته.

ولما بلغ العاشرة قرأ القرآن المجيد وتعلم شيئاً من الخط والإملاء، وهو كل ما كان يظفر به بعض أترابه في ذلك العهد في الكتاتيب العاملية التي لم تكن لِتُخرِّجَ إلا أنصاف الأميين الذين لم تبلغ نسبتهم المئوية من مجموع سكان جبل عامل أكثر من اثنين في المائة عهد ذاك؛ إذ لم تكن الدولة العثمانية في ذلك الحين لتعنى في نشر العلم ومحاربة الأُمية والجهل وخاصة في القرى والرساتيق البعيدة عن المدائن والحواضر، ولو لا قيام رهط صالح من العلماء في القطر العاملي بإشادة بعض المدارس الخاصة الدينية وتعليمهم المجّاني للناشئين، وإنفاقهم على الفقراء منهم وجلّهم من الفقراء لانقطعت سلسلة العلم من البلاد ولطغى عليها الجهل المطبق، على أن كل ما يستهدفه ذلك الرهط من التعليم في مدارسهم ولا سيما في المائة الثالثة عشرة وأوائل المائة الرابعة عشرة كاد يتمحض لتعليم علوم الفقه وأصوله والتوحيد والنحو والصرف والبيان والمنطق، وما عدا ذلك من

____________________

(١) ينتمي إلى الإمام فقيد الإمامية زين الدين الشهيد الثاني المتوفّى قتيلاً وهو في طريق الاعتقال إلى القِسْطَنْطِينيّة في قونيّة سنة ٩٦٥هـ.

١٣

العلوم الأخرى المثقِّفة ولمهذّبة للنفوس ولو بأساليبها القديمة فلم تكن منها لا في العِيِر ولا في النَفير.

خرج المترَجْم له من كتّابه وهو لم يتزود منه غير بلغة يسيرة لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي نفسه نزوع إلى ارتشاف مناهل العلم التي غرسها فيه والده الذي كان على جانب من التقى والصلاح ومحبة العلم والعلماء، ولم يمنعه سن الأربعين أن يتلقى القرآن الكريم في صفوف الناشئين في كتّابهم، وأن يسعى لاكتساب ما ينفقه على أسرته.

لاحظ الوالد ميل ولده سليمان للتعليم الذي وجّهه إليه وهو يرى وسائله مفقودة في بلده، والرحلة إلى غيره خارجة عن حدود طاقته، والمدارس الدينية الخاصة قد أقفل أكثرها، ولم يبق منها في البلاد سوى مدرستين أو ثلاث، والرحلة إليها شاقة متعذرة على ناشئ في الحادية عشرة من عمره، فلم يجد وسيلة لقضاء حاجة ولده الملحّة في طلب العلم أقرب من أن يلتمس من صديقه السيد محمد نور الدين الموسوي وهو من العلماء الأجلّة المقيم في قرية النبطية الفوقا على بعد ميل وبعض الميل من بلده منحه جزءاً من وقته يلقنه به مبادئ النحو، فأجابه إلى ما التمسه، فأخذ يتردُّد عليه صباح كل يوم ويقرأ عليه بعض المتون في علم النحو، وثابر على ذلك مدة من الزمن إلى أن تهيأت له الرحلة مع رفيق له إلى مدرسة العلامة السيد حسن آل إبراهيم الحسيني التي أنشأها في قرية النميرية في أعمال مقاطعة الشومر على بعد سبعة أميال من النبطية.

مكث سليمان في هذه القرية بضعة أشهر يدرس في مدرستها مبادئ علمي النحو والصرف، ثم أقفلت تلك المدرسة لأسباب لا مجال لذكرها، فعاد إلى بلده وعاود الدرس على أستاذه الأول مع بعض رفاقه حتى سنة ١٣٠٣هـ. التي قدم فيها النبطية تلبية لدعوة من أهلها السيد محمد آل إبراهيم للتعليم والإرشاد، فلازمه وقرأ عليه شطراً من العلوم العربية وآدابها وطرفاً من رسائل ابن سينا وشيئاً من الإلهيات وعلوم الكلام وقسماً من أمالي الشريف المرتضى، وكان لهذا الأُستاذ الفضل الكبير في إذكاء قريحة سليمان لنظم القريض وممارسة الكتابة وتوجيهه للتجديد وقبول الجديد، وفي تلك الأيام علا شأن مدرسة بنت جبيل في القسم الجنوبي من جبل عامل لمؤسسها المصلح الكبير الشيخ موسى شرارة، فارتحل إليها وأقام بها

١٤

بضعة أشهر، وعاد في أيام عطلتها، وكان ذلك آخر عهده بها لوفاة مؤسسها.

وفي سنة ١٣٠٦هـ. جدّد أول أساتذته السيد محمد نور الدين مدرسة في النبطية الفوقا، فأقبل عليها الطلاب من كل حدب وصوب، وانتقل سليمان إليها ودرس فيها على الأستاذ الفاضل الشيخ جواد آل السبيتي بعض شروح الشمسيات للقطب الرازي في المنطق وشرح التلخيص للسعد التفتزاني في المعاني والبيان إلى سنة ١٣٠٩هـ. التي قدم فيها النبطية من النجف الأشرف لدعوة من سكانها العلامة الكبير السيد حسن يوسف مكي، وأنشأ فيها مدرسة حفلت بالطلاب من مختلف الأنحاء العاملية واللبنانية ومن بعض قرى بعلبك، فكانت من خيرة المدارس العاملية، بل كانت فتح عهد جديد بعد التراجع العلمي وبعد الفترة التي كادت تندثر فيها البقية الباقية من المدارس العاملية التي لم تنقطع لها صلة في البلاد منذ المائة الثامنة للهجرة.

وبعد تأسيس هذه المدرسة بثلاث سنوات افتتحت عدة مدارس في شقراء وعيثا وعيناثا وجباع وغيرها. وقد أمَّ مدرسة النبطية فريق من الفضلاء الذين تخرجوا من مدرسة حنويه ومدرسة بنت جبيل، وكان من جملة الوافدين على مدرسة النبطية الأستاذ الشيخ أحمد مروّة المحقّق، فدرس سليمان عليه تتمة شرحي الشمسية والتلخيص ومقدمة معالم الدين في أصول الفقه والشرائع في الفقه وبعض كتب الكلام، ودرس كتب العلامة الأصولي المجدّد الشيخ مرتضى الأنصاري في الأصول وكتابيه الطهارة والمكاسب في الفقه، والقوانين في الأصول للميرزا القمي، وشرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني على رئيس المدرسة، وكان مع تلقيه هذه الدروس يُلقي على الطلاب دروس المنطق والمعاني والبيان والأصول والفقه والكلام والتوحيد إلى سنة ١٣٢٤هـ. وهي السنة التي تُوفِّي فيها آخر أساتذته، فتفرق شمل الطلاب وكان ذلك آخر عهده بالطلب، ولكنه عكف على المراجعة والمطالعة ودرس على نفسه من مبادئ العلوم التي لم تكن تدرّس في مدارس ذلك العهد ما كان له به بعض المشاركة لدارسيها، وأولع بمطالعة الكتب العصرية والمجلات العلمية والأدبية التي كانت تصدر في ذلك الزمن في مصر وبيروت كمجلة المقتطف ومجلة الهلال ومجلة

١٥

المنار وغيرها، فكانت له في ذلك قدم صالحة وفتحت له آفاق جديدة لم يكن للعامليين عهد بها.

نشأته الأدبية:

نما فيه الميل إلى مزاولة الأدب وممارسة الكتابة والتمرن على أساليبها العصرية نابذاً الطريقة القديمة العقيمة التي كانت مُتَّبَعَةً في جبل عامل، فلم ينتقص حظه من ثمرة اجتهاده، وتحرى طريقة الكرام الكاتبين من أبناء عصره، وراسل بعض الصحف البيروتيّة خاصة واللبنانية والدمشقية عامة، وتولّى كتابة المقالات الافتتاحية في جريدة المرج التي أصدرها في أوائل الانقلاب العثماني في جديدة مرجعيون صديقه الطبيب أسعد رحّال إلى أن حجبتها الحرب العامة.

وكتب في جريدة القبس المحتجبة وفي مجلة العرفان لصديقه الأستاذ الشيخ أحمد عارف الزين، وفي جريدته جبل عامل المحتجبة، أبحاثاً في السياسة والاجتماع والأخلاق والتاريخ، وكتب في غيرها من الصحف والمجلات.

أولع بنظم الشعر وهو ابن خمس عشرة سنة، ولكنه نهج فيه منهجاً وسطاً بين القديم والجديد، وجُلُّ منظوماته في الأخلاق والاجتماع والوصف وذم مساوئ المدنية الحاضرة.

مؤلفاته:

أحب التأليف وهو في عهد الطلب والتحصيل، وكلما خطا في مراحل التعليم خطوة نما فيه ذلك الحب، ولكن كان يعترض طريقه حب التجدّد والتزيّد في الموضوع الذي يحاول التأليف فيه، وهو يتطلب المصادر الكثيرة وهي غير متوفرة لديه، فكان هذا السبب هو الذي صرفه عن عزمه على التأليف مقتنعاً بما كان يكتبه من المقالات في مختلف الموضوعات في الصحف إلى أن تستكمل له مواد التأليف، حتى إذا جمع مكتبة تحتوي على زهاء ألف كتاب بعد أن أدرك سن الكهولة انصرف إلى التأليف،

فكان مما ألّفه من المطبوع:

١٦

١ - تاريخ قلعة الشقيف، وقد استأذنه بعض الأدباء في نقله إلى اللغة الإنكليزية.

٢ - بنو زهرة الحَلبيون.

٣ - معجم قرى جبل عامل نشر في مقالات.

٤ - الذخيرة وقد طبع على حدة.

٥ - الإلهيات: أحد أجزاء ديوان شعره.

٦ - الفلسطينيات: أحد أجزاء ديوان شعره.

ومما ألّفه من غير المطبوع:

٧ - تاريخ الشيعة السياسي.

٨ - الرحلة العراقية: وهي قصيدة تبلغ زهاء ٥٠٠ بيت وصف فيها مشاهداته في العراق يوم سافر إليه مع الوفد العاملي لحضور حفلة أربعين المرحوم الملك فيصل بن الحسين سنة ١٣٥٢هـ.

٩ - الحسين بن علي: يبحث فيه عن أسباب شهادته.

١٠ - الرحلة الإيرانية.

١١ - الملحمة الإسلامية الكبرى. (شعر)

١٢ - الشعر والنثر العامليان المنسيان.

١٣ - مجموع ما دار بينه وبين رهط من أعاظم العلماء وأكابر الأدباء من المراجعات الشعرية.

١٤ - عدة مجامع أدبية.

١٥ - ديوان شعره وهو ينيف على عشرين ألف بيت.

١٦ - القصائد النبوية.

١٧ - نقض مذهب داروين.

١٨ - رسالة في أحوال أبي الأسود الدؤلي وهو أحد جامعي العراقيات.

١٩ - تاريخ جبل عامل القديم والحديث.

١٧

حياته السياسية:

عني بالسياسة منذ الصغر ولا سيما ما يتعلق منها بوطنه، ونُكب في سبيلها نكبات في الحرب العالمية الأولى، وكان في القافلة الأولى بين مسجوني عاليه سنة ١٣٣٣هـ. وبعد سجنه ثلاثة وخمسين يوماً خرج مع رهط من إخوانه مبرّءاً من التهم السياسية، ولم يسلم بعد تلك الحرب من أذاها.

في الجمعيات والمؤتمرات:

دخل عضواً في جمعية التعاون الخيري العام سنة ١٣١٦هـ. وهو أحد مؤسسي المحفل العلمي العاملي في العهد الحميدي، ولكنه لم يُكتب له أسّس في بلدة النبطية في أوائل الانقلاب العثماني، وكان عضواً في الجمعية الخيرية العاملية التي أُسست في النبطية سنة ١٣٣١هـ. وعضواً في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية التي أسسها هو ورهط من فضلاء بلده لنشر العلم وإنشاء وقوف ثابتة لها من التبرعات ومن شتى الوجوه، وكان للمرحوم تُوفِّيق بك الميداني من وجهاء دمشق أيام كان مديراً في ناحية الشقيف يد بيضاء في مساعدتها وتنمية وارداتها، ثم انتخب سليمان رئيساً للجمعية المذكورة التي أصبح لها من الأملاك المبنية ما يقوم ريعها في الإنفاق على مدرستها التي أقامتها على أنقاض المدرسة الحميدية التي أسسها العلامة الكبير المرحوم السيد حسن يوسف مكي، وجدّد داثرها الأخوان المحسنان الحاج حسين الزين ويوسف بك الزين، وكان عدد تلامذتها في ذلك الحين زهاء المائتين، وتولى المترَجْم له رئاسة جمعية نشر العلم في صيداء بعد الحرب العالمية الأولى، وكان أحد أعضاء المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد في القدس الشريف سنة ١٣٥١هـ. وكان عضواً في مؤتمر بلودان، وعضواً في أكثر المؤتمرات الوطنية التي عُقدت في بيروت وغيرها، وكان أحد أعضاء جمعية العلماء العاملية، وعضو شرف في جمعية الرابطة الأدبية النجفيّة، وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق.

١٨

رحلاته:

كان في سنة ١٣٥٢هـ. في الوفد العاملي الذي سافر إلى بغداد مع وفود الأقطار السورية واللبنانية والفلسطينية لحضور حفلة التأبين الكبرى بعد مرور أربعين يوماً على وفاة الملك فيصل الأول، وقد أحاط نجله الملك غازي الأول هذا الوفد برعايته الخاصة، كما لقي كثيراً من الاحتفاء والتكريم في مدن الفرات الأوسط كربلاء والنجف والكوفة والحلَّة.

وفي سنة ١٣٥٣هـ. قام برحلة إلى العراق وإيران استغرقت ستة أشهر، وكان محاطاً بعطف العراقيين والإيرانيين، ووضع مذكرات في هذه الرحلة، ووصف البلاد التي طاف فيها وصفاً جامعاً. ودُعي لحفلة تأبين ياسين باشا الهاشمي في بغداد، وكان من المتكلمين فيها، ودُعي لحفلة تأبين الملك غازي الأول، وإلى عدة مؤتمرات وحفلات لا مجال لذكرها.

في التجارة والوظائف:

مارس التجارة مع اشتغاله بالعلم والكتابة فلم يفلح، ونُدب إلى الوظائف العدلية، فكان قاضي تحقيق في صيدا في بدء الاحتلال الفرنسي، ثم اضطر إلى التخلي عن الوظيفة بسبب نزعته الاستقلالية ونصرته القضية العربية، ثم اعتقل عام ١٩٢٢م، وعُيّن بعدها مستشاراً في محكمة بداية كسروان، ثم حاكم صلح في الهرمل والنبطية، ولكنه ما عتم أن فُصل من الوظيفة لأسباب سياسية، وهو نفسه لم يكن راغباً في الوظيفة التي حمل عليها مكرهاً، فحمد ذلك الإخراج منها؛ لأنه كان سبباً لانصرافه إلى ما هو أهم منها، وإلى ما هو ميسّر له من المطالعة والتأليف.

أعماله:

عمل كثيراً مع رهط صالح من بلاده وخاصة بلدته النبطية، فكانوا هم أساس النهضة العلمية العاملية الجديدة التي آتت أُكلها، وباعثين روح التجديد فيها. وقد أنفق معظم أوقاته في هذه الناحية، وفي ناحية الكتابة وفي تأليف كتابه تاريخ الشيعة، والملحمة الإسلامية الكبرى وغيرها، وفيما يفيد وطنه مما يبلغه وسعه.

١٩

وفاته:

وقضى باقي سني حياته منكباً على المطالعة والكتابة ونظم الشعر، مهتماً بتثقيف أبناء منطقته وخدمتهم، وإذكاء الروح الوطنية في النشء، متعاوناً في ذلك مع رهط من العامليين المجاهدين، ومضى في ذلك قدماً إلى أن أقعده المرض وقد بلغ السابعة والثمانين، وتوفاه الله نهار الاثنين الواقع في السادس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٨٠هـ الموافق للخامس من شهر كانون الأول سنة ١٩٦٠م.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391