ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب0%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد الصادقي
الناشر: ناظرين
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 138281
تحميل: 6728

توضيحات:

ما يحتاجه الشباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138281 / تحميل: 6728
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣ - أخافُ منه

قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ): إنّ رجلاً ركب البحرَ بأهله، فكُسِر بهم، فلم ينجُ ممّن كان في السفينة إلاّ امرأة الرجل، فإنّها نَجت على لوح من ألواح السفينة، حتّى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر، وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق، ولم يَدَعْ لله حرمة إلاّ انتهكها، فلم يَعلم إلاّ والمرأة قائمة على رأسه، فرفعَ رأسهُ إليها وقال: إنسيّة أم جنّية؟ فقالت: إنسيّة، فلم يكلّمها كلمة حتّى جلسَ منها مجلس الرجل من أهله، فلمّا أن همَّ بها اضطرَبت.

فقال لها: مالَكِ تضطربين؟

فقالت: أفرَقُ من هذا - وأومَأت بيدها إلى السماء -.

قال: فصَنعتِ من هذا شيئاً؟

قالت: لا، وعزّته.

قال: فأنتِ تَفرقين منه هذا الفَرَق، ولم تصنعي من هذا شيئاً، وإنّما استكرهتكِ استكراهاً، فأنا واللهِ أولى بهذا الفرق والخوف وأحقّ منكَ.

قال: فقام ولم يُحدث شيئاً، ورجع إلى أهله، وليست لهُ همّة إلاّ التوبة والمراجعة، فبينما هو يمشي إذ صادفهُ راهب يمشي في الطريق، فَحَميت عليهما الشمسُ، فقال الراهب للشابّ:

- اُدعُ الله يُظلّنا بغمامة، فقد حَميت علينا الشمس.

فقال الشابّ: ما أعلمُ أنّ لي عند ربّي حسنة فأتجاسر على أن أسألهُ شيئاً.

قال: فأدعو أنا، وتؤمِّن أنت.

قال: نعم.

فأقبلَ الراهب يدعو، والشابُّ يؤمِّن، فما كان بأسرع من أن أظلّتهما غمامة، فمشيا تحتها مليّاً من النهار، ثمّ تفرّقت الجادّة جادّتين، فأخذَ الشابّ في واحدةٍ، وأخذ الراهب في واحدة، فإذا السحابة مع الشابّ، فقال الراهب:

- أنت خيرٌ منّي، لك استُجيب ولم يُستجب لي، فأخبِرني ما قصّتك؟

١٢١

فأخبرهُ بخبر المرأة.

فقال: غُفرَ لك ما مضى حيث دَخَلك الخوف، فانظُر كيف تكون فيما تستقبل(١) .

قال الشاعر سعدي:

لو ذُقتَ لذّةَ تركِ اللذّة

لما عُدْتَ تعتبرُ لذّةَ النفس لذّةً

دعْ طائرَ النفسِ يُحلّق في العُلا

لكي تُحرّرها من معاقل الطمع

فإذا نَما في حديقةِ أُنسك نبتٌ

سيكون نبتُك بستاناً من الوردِ

هذه وصيّتي لك يا أخي الحبيب

فلا تَهدر الوقتَ مهما استطعت

____________________

(١) أصول الكافي: ٢ / ٥٦ - ٥٧، باب الخوف والرجاء.

١٢٢

(١٦)

اجتيازُ العَقبات

إنّ القلق والاضطراب والكآبة، من الأمور المؤلِمة التي تُنغّص حياة مجاميع كثيرة من الشباب.

وهذه الأعراض المرضية النفسية، التي تَتّخذ في البداية شكل خيوط العنكبوت، إذا لم يُسيطَر عليها عن طريق العلاج، فإنّها تتحوّل بمرور الزمان إلى حبالٍ مُحكمةٍ تُقيّد أعصاب الإنسان وروحه، وتَحرمه لذّة النوم والطعام، وتُسلّمه إلى مشاعر الخوف والاضطراب والضياع، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، وعدم الإقبال على الدراسة والعمل، وتُنمّي لديه روح التشاؤم وفقدان الأمل، وتنتهي به إلى أمراضٍ نفسيّة متجذّرة، وتُحوّل حياتهُ إلى ظلمة ونار محرقة.

ولأجل أن لا نقع عرضة لهذه الأمراض التي تنتهي بنا إلى مضايق وطُرق مسدودة، لابدّ أن نتوجّه إلى موضوعَين على جانبٍ من الأهمية، وهما:

أوّلاً: إنّنا لسنا وحدنا مُعرّضين للابتلاء بهذا النوع من المعاناة والقلق، بل هناك مَن يُعانون مثلنا في المدينة والقرية، بعيداً وقريباً، في المدارس والأسواق والمعامل، وباختصار: في كثيرٍ من الأمكنة والأزمنة، رأينا شباباً يعانون أكثر ممّا نعاني من مشاعر القلق، لكنّهم ثبتوا أمامها وكافحوها حتّى تغلّبوا عليها وتجاوزوا مهاويها المُظلمة، وساروا في طريق الاستقامة والضياء، وتمكّنوا من تحصيل رزقهم وتحقيق آمالهم.

١٢٣

ثانياً: إنّ تعرّف جذور القلق والاضطراب، ينتهي إلى معرفة الذات، ويجعل العلاج أسهل، وطبعاً لابدّ من الانتباه إلى أنّ البحث عن جذور القلق، تتطلّب همّة عالية وسِعة من الوقت، لنكتشف منشأ ما نعانيه، وهل مردّه إلى وضعنا العائلي، أم لتعرّضنا لهجوم البيئة ورفاق السوء، وإنّ عدم وعينا للأمور راجع إلى توقّعاتنا غير المنطقيّة، أم إلى الأنانية والغرور واستغراقنا في التخيّلات، وبالنتيجة هل أنّ معصيتنا وطغياننا هو الذي أدّى إلى ابتلائنا بهذا الوضع المؤلِم؟ وباختصار: هل أنّ سبب معاناتنا كامنٌ فينا وراجع إلينا؟

وعلى أيّة حال - سواء كان الآخرون هم منشأ تعاسَتنا، أم كان سببها أنّهم لم يسعوا لنجدتنا - فإنّ بوسعنا أن نتعرّف الأرضية التي تجعل نفوسنا قابلة للتحطيم، ونتعرّف أيضاً عواملها الواقعية، ونتمكّن من رَفعها بالشجاعة والإرادة الصلبة.

وجديرٌ بالذكر، أنّنا نُلقي على غيرنا كثيراً من حالات التعاسة والقنوط التي تواجهنا في حياتنا، ونَعدّ الآخرين مقصّرين بحقّنا، ولو أنّنا فكّرنا بدقّةٍ، وحرّرنا عقولنا من مشاعر العصبيّة والخيالات الكاذبة، وطهّرنا نفوسنا من اللجاجة والعُنف، لنحكم في ضوء الوجدان النظيف، فإنّنا سنُدرك حتماً أنّنا نحن الذين هيّأنا أرضية هجوم الآخرين علينا، وإنّه لا يَحسُن بنا الفرار من تحمّل المسؤولية، وإلقاء ذنوبنا على الآخرين.

من دخيلتنا السيّئة يكون العالَم كجهنّم

ولولم يكن باطنُنا مظلماً لكانت الدنيا جنّة

فلأجل معرفة عوامل القلق والاضطراب في الحياة، والتي مردّها بصورة عامّة إلى الإنسان نفسه، ولأجل تشخيص طريقة علاجها، لابدّ أن نبحث ذلك في ضوء آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.

١٢٤

ألف - الغفلةُ عن الله تعالى

إنّ من أهمّ عوامل القلق والكآبة في حياة الإنسان:فقدان الإيمان بالله وبالقيَم المعنوية .

يقول تعالى في القرآن الكريم:( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ) (١) ، ويقول تعالى أيضاً:( أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٢) .

ورويَ عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( ذِكرُ الله شفاء القلوب ) (٣) .

وفي علم النفس ثبتَ أيضاً أنّ الارتباط بالمبدأ الأعلى لعالَم الوجود، يُقلّل من نسبة القلق والاضطراب(٤) .

إنّ ذكرَ الله سبحانه يمنح الإنسان الأمل والثقة بالنفس، وإنّ الأمل يفتح طريق ارتباط الإنسان بالله سبحانه، والانسجام مع تعاليمه وتوجيهاته، التي تهدي الإنسان وتُنير له الطريق في مختلف مراحل ومجالات الحياة، الشاملة للفكر والعمل والسلوك، بالاستفادة من هذه التوجيهات يتمكّن الإنسان من تفادي بُؤر السقوط، وعدم سلوك الطُرق المسدودة، والاستقامة على طريق الخير والصلاح.

ب - المعصية والتمرّد

إنّ الإنسان يصل إلى الطمأنينة والاستقرار الروحي بمقدار ما يذكر الله ويُطيع أوامره، وإنّ التمرّد ومعصية شريعة الله، نتيجته الأمراض الروحيّة المؤلمة، والانتهاء إلى الطُرق الموصدة، والابتلاء بالغُصص وتحطيم الأعصاب.

وإنّ قصّة أولئك الأشخاص الثلاثة الذين رفضوا الاشتراك في حرب( تبوك ) في العام التاسع للهجرة، هي نموذج واضح لِمَا تؤدّي إليه المعصية من الابتلاء بالأزَمات الروحية والانتهاء إلى الطريق المسدود.

____________________

(١) سورة طه: الآية ١٢٤.

(٢) سورة الرعد: الآية ٢٨.

(٣) نهج الفصاحة: ص٣٣٦.

(٤) الطمأنينة بعد القلق: ص١٤١.

١٢٥

وقصّة أولئك الأشخاص الثلاثة، وهم:كعب بن مالك، ومعهُ شخصان آخران، كما يقصّها القرآن الكريم ويُبيّنها المفسّرون، أنّهم لم يشتركوا مع المسلمين في الحرب، وفضّلوا البقاء في المدينة، الأمر الذي أدّى إلى سَخط المسلمين عليهم وقَطع علاقة الجميع بهم، بحيث ضاقت عليهم الأرض على سعتها، بل ضاقت عليهم أنفسهم أيضاً، إذ أصدرَ النبيّ أمراً بعدم مخالطتهم ومعاملتهم، فالتزمَ جميع المسلمين بهذا الأمر حتّى أبناء أولئك الثلاثة وزوجاتهم، فعاشوا حالة من الضغط الروحي والنفسي، أجبرتهم على اللجوء إلى الصحراء، وقيّدوا أنفسهم هناك وحَبسوها حتّى يتوب الله تعالى عليهم.

قال تعالى:( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أنْ لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثمّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (١) .

وعليه: فإنّ المعصية والإثم والسير خلافاً للوجدان ونداء الفطرة الإنسانية، هي أعمال منشؤها الإنسان، وضحيّتها بالدرجة الأولى هو الإنسان نفسه، إذ إنّها ترتد على الإنسان بالألم والعذاب الروحي، وتتركهُ يعيش حياة عصيبة مظلمة.

ويجدر بنا أن نترنّم هنا بأبياتٍ من شعر العارف المشهور في القرن الخامس للهجرة( بابا طاهر عريان ) ، إذ يقول مُصوّراً الآثار الضارّة للذنوب في الدنيا والآخرة؟

لا تفعل ما يُعيقك عن التحرّك

فتضيقُ عليك الأرض على سَعتِها

فحينما يقرؤون غداً صحيفتك

ستكون قراءتها سبباً لمساءَتك

____________________

(١) سورة التوبة: الآية ١١٨.

١٢٦

ج - الوسوسة والتشاؤم

الوسواس من الأمراض النفسية التي تؤدّي إلى سيطرة التصوّرات الكاذبة على تصرّفات الإنسان، وتُفقده الوعي والإحساس بالمسؤولية، وتنتهي إلى تحطيم روح الإنسان، وفقدهُ الثقة بكلّ الأشياء والأشخاص الذين يحيطون به، سيّما المقرّبون إليه.

وإذا لم ينتبه الشباب وأقرباؤهم عاجلاً إلى هذا المرض الخطير، ويسعون لمعالجته مبكّراً، فإنّ ساحة الوسوسة والتشاؤم ستأخذ بالاتّساع، وقد تتحوّل إلى مرضٍ مُزمن، يلازم الإنسان طيلة حياته.

ويلاحَظ أنّ الأشخاص المبتلون بالوساوس، يفكّرون أساساً بتفصيلات الحياة، ويبذلون جهدهم استكناه حقائقها، إلاّ أنّهم يظلّون متخلّفين عن الوصول إلى الأفكار العميقة والممارسة الأصولية للحياة، ولأجل تفكيرهم الساذج وتهرّبهم من المسؤوليات الأساسية، يكونون عرضة لنفور الآخرين وقسوتهم، وهذا ممّا يقوّي لديهم روح التشاؤم وسوء الظنّ، ويُضاعف فيهم الشعور بالوحدة والخواء، وحينما يشعرون بالاغتراب عن ذويهم، فإنّهم يَشرعون في البحث عن ملجأ لدى الأباعد بوصفهم أصدقاء مخلصين، إلاّ أنّهم لا يتمكّنون من تحقيق نجاح يُذكر في هذا المجال أيضاً، بسبب ما يعانونه من وسوسة وتشاؤم.

وعليه، فما العمل؟

كما ذكرنا آنفاً: بما أنّ مرض الوسواس والتشاؤم بدأ من داخل نفوسهم، فعليهم أن يَشرعوا بمعالجة أنفسهم، ليتمكّنوا من التخلّص من القيود التي صنعوها لأرواحهم، ويخرجوا إلى دنيا جديدة واسعة.

أجل، لابدّ للتحرّر من أزمات الكآبة والوسوسة وسوء الظنّ الذي يشمل حتّى الأبوين والأقرباء، لابدّ من التأمّل والتفكير.

وبشأن مرافقة الأصدقاء الطيّبين، الذين يُقدّمون للإنسان عوناً روحيّاً، فإنّ الوعي والحذر، يجب أن لا يبلغ حَدّ الوسوسة،

١٢٧

ويجب إقامة علاقات الصداقة مع أولئك الذين لا يبخلون بتقديم النصيحة الخالصة عند استشارتهم، وهم عادةَ يكونون من المتدينين وذوي الأخلاق الطيّبة، فعن هذا الطريق يتخلّص الإنسان من الإحساس بالوحدة والغربة.

يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ):( لا تغشَّ الناس فتبقى بلا صديق ) (١) .

د - التفكير السامي

إنّ التفكير السامي من ضروريات الحياة، ومن الامتيازات العظيمة للشباب، ولذا سنتحدّث بشأنه أيضاً، فلأجل تجاوز العَقَبات والخروج من الطُرق المسدودة، وتحقيق جانب من الطموحات، يُوصى بالاستفادة من الأصدقاء الصالحين، ولكن ينبغي مراعاة الحذر في حدود المعقول؛ إذ قلّما يوجد صديق يخلو من عيب.

يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ):( مَن طلبَ في زماننا هذا صديقاً بلا عيب، بَقي بلا صديق ) (٢) .

ويقول الشاعر ميرزا محمّد علي المعروف بـ( صائب التبريزي ) ، المولود عام ١٠١٦ للهجرة، والمتوفّى عام ١٠٨٧ للهجرة في أصفهان:

لا تتعمّق كثيراً في تجربة الأصدقاء

وإلاّ بقيتَ يا صائب بلا صديق

وعليه: فلو تمعّنا بالتفكير المتسامي حول كلِّ هدف، فإنّ هذا عمل ممدوح، ولو أنّنا لم نوفّق في الحصول على الأصدقاء النموذجيين، فلا ينبغي أن يُسلمنا اليأس إلى القلق والعذاب النفسي، وإنّما يجب أن نلتفت إلى أنّ أمور الحياة نسبيّة، وعلينا أن نبذل جهدنا في انتخاب الصديق الأفضل من غيره.

____________________

(١) بحار الأنوار: ٧١ / ٢٨٦.

(٢) بحار الأنوار: ٧١ / ٢٨٢.

١٢٨

ويجب أن لا ننسى أنّ ظاهرة الاضطراب واليأس من الحياة، تنشأ أوّل مرّة من داخل نفوسنا، يقول الإمام علي ( عليه السلام ):( مَن تعدّى الحقّ ضاقَ مذهبهُ ) (١) ، وينبغي أن نتأمّل جيّداً في ما قاله الحكيمناصر خسرو ، المتولّد عام ٣٩٤ للهجرة، والمتوفّى عام ٤٨١ للهجرة، بشأن المنشأ الأصلي لمعاناتنا، التي هي من صُنع أيدينا، وما نُقدّمه من تبريرات وأعذار للتنصّل من ذلك:

لا تذمَنَّ عجلة الفلك

وتحرّر من الغرور والكبرياء

وإذا ما تسبّبتَ بسوء طالعك

فلا تتوقّع أن يرى الكون طالعك حسناً

وعليه: فإنّ جذور القلق والضيق الذي يواجهنا في الحياة، تكمن في داخلنا، ويجب علينا مراجعة ذوي الاختصاص، والاستفادة من الأساليب والنصائح التي ذكرنا بعضها آنفاً، لنتمكّن من إصلاح أنفسنا وعلاجها، ورفع نواقصها، وأن لا ننسى أنّ ما نفعلهُ يرتدّ إلينا، إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشرّ.

____________________

(١) ناسخ التواريخ: ج٥، ص٣٨٠.

١٢٩

(١٧)

الإسلامُ والرياضة

أصبحت الرياضة في عصرنا من ضروريات الحياة؛ ذلك أنّ حياة المُدن جَعلت معظم الناس يواجهون ظروفاً تسلبهم فرصة مزاولة النشاط والفعاليّات البدنية في محيط صحّي، ونَجمَ عن ذلك معاناتهم من الضعف البدني والعصبي، وتدنّي القابليات الفكرية والعلمية.

وقد تنامى الشعور في عصرنا الحاضر، بأهمية مزاولة الشباب للرياضة البدنية، إذا مورست حسب القواعد والأصول العلمية، وإنّ الأمراض المختلفة التي يعاني منها الكبار مرجعها إمّا إلى إهمالهم الرياضة، وإمّا إلى عدم مزاولتهم الأعمال التي تتطلّب فعّالية وحركة بدنية.

وعلاوة على الآثار الخطيرة التي يتركها عدم مزاولة الرياضة، هناك الأضرار التي تَنجم عن مزاولة السلوك غير الطبيعي، وتلوّث البيئة، والاختلالات العصبية، وسكنى المُدن، والحياة الميكانيكية، وهي أمور نلمسها جميعاً.

وفي تقريرٍ أصدرهُ أحد مراكز التحقيق بهذا الشأن، طُرحت الآثار الباعثة على القلق على صعيد عالَمي، في هذا المجال.

١٣٠

فنقرأ في بعض التقارير: إنّ أكثر من ٢٠٠ مليون شخص في العالَم، يعانون من مشكلة السمنة، وإنّ ظاهرة السمنة قد ارتفعت في العشرين سنة الأخيرة بنسبة ٢٠٠ % في بريطانيا، وألمانيا، وكندا، والبرازيل وغيرها.

وعلى أساس تقرير آخر، نعلم أنّ ٤٠% من نتائج الإحصاء المتقدّم توجد في البلدان العربية، التي يكثر فيها تناول الأطعمة الغنيّة بالدهون والشحوم.

يقول( محمد شماعة ) وهو من الخبراء في مجال الأغذية في لبنان: إنّ تلوّث البيئة، والقلق الداخلي، وتناول الأقراص المسكّنة الحاوية على الكورتيزون، وأقراص منع الحمل، مضافاً إلى عدم الفعاليّات البدنية، من العوامل المؤدّية إلى الابتلاء بالسمنة.

وتعتقد السيّدة( سلوى مصطفى ) خبيرة مكافحة السمنة: إنّ ١٧% من الطلبة، و٦٠% من الطالبات، و٥٦% من السيّدات، و٢٩% من الرجال، يعانون من مشكلة السمنة(١) .

بدايةُ الحاجة إلى الحركة

المُشاهَد أنّ الحاجة إلى الحركة تبدأ منذ الولادة، فإنّ الطفل بدافع غريزي يحاول أن يحرّك يديه ورجليه، ويحاول تخليصهما من قيد القِماط، وإنّه ليشعُر بمتعة كبيرة وهو يحرّك أعضاءه ويضرب بها.

إنّ الاحتياج إلى الحركة ينبع من كونها غذاءً نفسيّاً، ومن تأثيرها المباشر في نموّ الطفل ونضجه، ممّا يفرض أن نوفّر لهُ أجواء ممارسة الحركة والرياضة؛ لأنّها تشكّل أرضيّة تربيته الروحية والجسميّة.

والملاحَظ أنّ كُلاً من حاجة الأطفال إلى اللعب والفعّاليات البدينة، ومن ضرورة توفير الوالدين لمجال ممارسة ذلك للأطفال، قد وقَعت مورد عناية واهتمام أئمّة المسلمين ( عليهم السلام )، فقد مارسوا ذلك بأنفسهم، وقاموا بتوجيه أتباعهم إليه أيضاً.

____________________

(١) جريدة جمهوري إسلامي: ٩ آذر ١٣٧٧، العدد ٥٦٤٤، ص٥.

١٣١

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( الغلامُ يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين ) (١) .

وقال في حديثٍ آخر:( دَع ابنك يلعب سبع سنين ) (٢) .

إنّ التأثير المباشر للرياضة واللعب والنشاط، وباختصار: الحركة وفعّالية البدن على الأطفال واليافعين والشباب، إذا مورسَ بشكل متوازن ومحسوب، لا ينحصر في سلامة البدن وتناسب الأعضاء، وإنّما يمتدُّ إلى تقوية الذهن والحافظة والإرادة وصحّة الأعصاب، وإنّ جميع هذه التأثيرات الإيجابية قد ثَبتت عن طريق العلم والتجربة.

والخلاصة: إنّ ممارسة اللعب والرياضة حقّ طبيعي وقانونيٌ للأطفال واليافعين، كما أنّه ضرورة لا يمكن تجاهلها لأجل الحياة الاجتماعية، ولكن لابدّ في مجال ممارسة هذا الحقّ الطبيعي والضروري، من الملاحظة الدقيقة لأمرَي مهمّين من الناحية الأخلاقية والقانونية، وهما:

١ - لابدّ من اختيار مكان وزمان مناسب لمزاولة اللعب والرياضة، بنحوٍ لا يؤدّي إلى إزعاج الآخرين ومضايقتهم، ولا يكون سبباً في حرمان الآخرين من فرصة الراحة والهدوء، فإنّه طبقاً لتوجيهات النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وتعليمات الدين، ثبتَ أنّ إيذاء الناس وإزعاجهم من عوامل إضعاف الإيمان بالله ورسوله(٣) ، وأنّ إيذاء الناس وسلب راحتهم بمثابة محاربة الله تعالى(٤) .

هذا مضافاً إلى ما يجرّه من نزاعات ومشاكل اجتماعية مُرّة.

٢ - يجب الحذر من ممارسة الرياضات الخطرة وغير العقلائية، التي تؤدّي إلى أضرار مالية وخسائر في الأرواح، أو بتر عضو من أعضاء الإنسان، وإنّني أكتُب هذه الكلمات وأمامي إحدى الجرائد التي عبّرت عن إحدى الألعاب الرياضية بعنوان( اللعب مع الموت ) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٦ / ٤٧.

(٢) المصدر نفسه: ٦ / ٤٦.

(٣) بحار الأنوار: ٧١ / ١٥١.

(٤) المصدر نفسه: ٦٢ / ١٤٦، المحاسن للبرقي: ص١٣٦.

١٣٢

أقسامُ الرياضة:

بعد أن أشرنا إلى ضرورة مزاولة الرياضة في حياتنا المعاصرة، نتساءل:

ما هو الأفضل من أنواع الرياضات المختلفة؟ هذا الأمر يرتبط برغبات الأفراد وشرائط حياتهم ومدى قدراتهم، ولكنَّ ما يبقى ثابتاً أنّه يجب على كلّ شخص أن يمارس نوعاً من الألعاب والرياضة البدنية، يتناسب مع عمره، بنحوٍ يضمن له السلامة في مجالَي الروح والبدن.

وإنّ التذكير بهذا الموضوع يستمدّ أهميته في الوقت الحاضر من تعدّد أنواع الألعاب الرياضية، وحتّى الرياضة التقليدية أخذت تخطو نحو التطوّر، وعليه يجب على مَن يريد ممارسة نوع معيّن من الرياضة، أن لا يغفل عن ضرورة الاتّصال بأهل الاختصاص واستشارتهم، لأجل الاستفادة من معلوماتهم وتوجيهاتهم؛ ذلك أنّ تطوّر العلوم الإنسانية وعلم البيئة، يجعل انتخاب نوع الرياضة ضرورياً، لأجل الوقاية من الأخطار وعدم هَدر الوقت والجهد.

وبما أنّنا قدّمنا أهمية الرياضة في نظر أئمّة المسلمين، وأنّها وقعت مورداً لتوجيهاتهم من حيث التشجيع عليها والتأكيد على ممارسة بعض أنواعها، يتعيّن علينا الآن أن نُقدّم بعض النماذج شواهد على ما ذكرناه:

١ - العمل والسعي

يلاحَظ: أنّ أئمّة المسلمين، لم يقتصروا على أداء مسؤولياتهم في مجالهم الأساسي وهو هداية الناس وإرشادهم، ومساعيهم الحميدة في مجالات العلم والثقافة، وإجاباتهم عن الرسائل أو الأسئلة التي يطرحها المسلمون عليهم مباشرة، وعَقدهم لجلسات الموعظة والإرشاد، بل إنّ اهتمامهم تعدّى ذلك إلى مجالات أخرى، كالنشاطات البدنية الرياضيّة، التي ليست لها جنبة عبادية أو اقتصاديّة.

١٣٣

عن ابن أبي حمزة عن أبيه عن الصادق ( عليه السلام ):( إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وأمير المؤمنين، وآبائي ( عليهم السلام ) كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين ) (١) .

٢ - المسابقات

مضافاً إلى السعي والعمل، خاصّةً في المزارع والهواء الطلق، الذي هو أفضل وأنفع الفعّاليات لبدن الإنسان، هناك المسابقات التي تُعدّ من أنواع الرياضة المفيدة البنّاءة.

وإنّ بعض المسابقات وقَعت مورداً لتشجيع أئمّة الإسلام، على ممارستها واعتبارها مقدّمة للجهاد والدفاع عن العقيدة والمجتمع الإسلامي.

وقد اعتبر النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) تعلّم الرماية من مصاديق قوله تعالى:( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) (٢) .

وإنّ قصّة أبناء نبيّ الله يعقوب ( عليه السلام ) الذين قالوا لأبيهم:( يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا ) (٣) ، دليلٌ قرآني على مشروعية المسابقات على الإبل والخيول، ورمي السهام(٤) .

وإنّ نبيّ الإسلام ( صلّى الله عليه وآله ) نفسه اشتركَ في السباق على الجمال والخيول، وكان يقول:( لا سبقَ إلاّ في خُفٍ، أو حافر، أو نصل ) (٥) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٧٦، وسائل الشيعة: ١٢ / ١٢٣.

(٢) سورة الأنفال: الآية ٦٠.

(٣) سورة يوسف: الآية ١٧.

(٤) وسائل الشيعة: ١٣ / ٣٢٩.

(٥) فروع الكافي: ج٥، ص٤٩.

١٣٤

وقال في حديث آخر:( إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ، والحافر، والريش ) (١) .

إنّ الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) إنّما اشتركَ في أمثال هذه المسابقات، من أجل تشجيع المسلمين على ممارسة الترويح عن النفس في أجواء نظيفة، ومن أجل اكتسابهم الخبرات التي تفيدهم في الدفاع عن أنفسهم وعقيدتهم، وفيما يلي بعض الشواهد في هذا المجال.

أ - لقد اشتهرت ناقة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) العضباء بسرعة الركض، ولأجل ذلك قَدِم أحد الأعراب من البادية، وطلبَ من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أن يُسابقه، وقد استجاب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) لهذا الطلب، وكان الناس يعتقدون بأنّ ناقة رسول الله تَحرز قصب السبق في كلّ مسابقة، فحضروا ميدان السباق خارج المدينة، لكنّهم فوجؤوا بناقة الإعرابي تتقدّم على ناقة الرسول، وتَحرز قصب السبق، فتألّموا لذلك كثيرا، إلاّ أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال لهم:( إنّكم رَفَعتموها فأحبّ الله أن يَضعها ) (٢) .

ب - قال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ):( حينما رجعَ جيش الإسلام إلى المدينة بعد انتهاء معركة تبوك، أعطى الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ناقتهُ العضباء لأسامة بن زيد فسبقت العضباء وعليها أسامة بن زيد، فَجعل الناس يقولون: سبق رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يقول: سبقَ أسامة ) (٣) .

ج - وروى الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه ( عليه السلام ):( إنّ رسول لله ( صلّى الله عليه وآله ) أجرى الخيل التي أضمرت من الحفياء (٤) إلى مسجد بني زريق، وسبقها من ثلاث نخلات، فأعطى السابق عَذقاً، وأعطى المصلي عَذقاً، وأعطى الثالث عَذقاً ) .

وفي مسابقة أخرى عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال:( إنّ رسول ( صلّى الله عليه وآله ) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضة ) (٥) .

____________________

(١) شرائع الإسلام: ص ١٥٩ الطبعة القديمة، جواهر الكلام: ٢٨/ ٢١٩.

(٢) بحار الأنوار: ١٠٠/ ١٩١.

(٣) قرب الإسناد: ١٢٢، وسائل الشيعة: ١٣/ ٣٥١.

(٤) وفي مصدر: الحصباء.

(٥)الكافي: ٥/ ٤٨ - ٤٩، الوسائل: ١٣/ ٣٥٠.

١٣٥

٣ - رَمي السهام

إنّ رمي السهام من الرياضات التي تحتاج إلى مهارة فكرية وقوّة بدنيّة، وقد أكّد أئمّة الدين ( عليهم السلام ) ضرورة الاهتمام بهذه الرياضة وتعلُّم فنونها والبراعة فيها.

وقد اعتبر نبيّ الإسلام ( صلّى الله عليه وآله ) تعليم الرماية للأبناء من الحقوق الأساسيّة الثابتة لهم، وأنَّ تعليمهم هذه الرياضة تكليف واجب على الأبوين.

فقد قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( عَلِّموا أولادكم السباحة والرماية ) (١) ، وقال أيضاً:( مَن ترك الرمي بعد ما عَلِمهُ رغبةً عنه، فإنّها نعمة كفرها ) (٢) .

وإنّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال:( الرمي سهمٌ من سهام الإسلام ) (٣) .

وقد مدحَ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) صانع السهم، وبائعه، وراميه، ووعدهم الجنّة، ومردّ ذلك إلى الاستفادة من السهم في الجهاد، والدفاع عن الإسلام وحفظ أرواح المسلمين.

بل إنّ الأئمّة ( عليهم السلام ) كانوا أنفسهم يمارسون رياضة رمي السهام، إذ يَنقل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه الإمام الباقر ( عليه السلام ):( إنّهُ حينما استدعاهُ هشام بن عبد الملك بن مروان إلى الشام، أُدخِل على هشام وهو جالس على الأريكة يحيط به قادة جيشه وحاشيته، فأراد هشام أن يوجّه لوالدي ضربة نفسيّة، فدعاهُ إلى الاشتراك في مسابقة رماية السهام.

وقد اعتذر والدي عن ذلك، نظراً لتقدّمه في السنّ، ولكنّ هشام أقسمَ عليه أن يشترك في السباق، وأوعزَ إلى أحد أتباعه أن يُحضر لوالدي قوساً وسهماً، فأخذَهما والدي وسدّد السهم ثمّ أطلقهُ ليقع في مركز الهدف، ثمّ رَمى الثاني فشقّ الأوّل ليقع في مركز الهدف أيضاً، وهكذا فعلَ بتسعة سهام، الأمر الذي أثارَ دهشة وعجب هشام، حتّى أنّه لقّب والدي بأنّه أمهر رُماة العرب والعجم، وسألهُ: من أين تعلّمتَ هذا التسديد المُحكم للسهام، وفي أيّ وقت؟ فأجابهُ والدي: اعلَم أنّ رماية السهم من الفنون المتعارفة في المدينة، وأنّه تعلّمها في مرحلة الشباب ).

____________________

(١) الكافي: ٦ / ٤٧.

(٢) كنز العمّال: ٤ / ٣٥١.

(٣) الكافي: ٥ / ٤٩، الوسائل: ١٣ / ٣٤٨.

١٣٦

٤ - سباقُ الخيل

إنّ سباق الخيل من الألعاب الرياضية والترفيهية، التي وقعت مورداً لتأييد الدين الإسلامي وتشجيعه، وقد عدَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) تربية الخيول ورمي السهام من الأمور المحمودة.

وقد قال الرسول الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ):( كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه من قوسه، وملاعبته امرأته فإنّها حقّ ) (١) .

٥ - الفروسيّة

تُعدّ رياضة الفروسية من المسائل الضرورية في الحياة، وقد حثّ عليها الإسلام ودعا إليها.

فقد ورد عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال:( كلّ لهو المؤمن باطل إلاّ في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه من قوسه، و... ) (٢) .

وفي رواية أخرى عنهُ ( صلّى الله عليه وآله ):( أحبّ اللهو إلى الله تعالى، إجراء الخيل والرمي ).

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أغارَ المشركون على سرح المدينة، فنادى فيها منادٍ: يا سوء صباحاه، فسمعها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) في الخيل، فركب فرسهُ في طلب العدوّ، وكان أوّل أصحابه، لَحقهُ أبو قتادة على فرسٍ لهُ، وكان تحت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) سَرج دفّتاه ليف ليس فيه أشر ولا بطر، فطلب العدوّ فلم يلقوا أحداً، وتتابعت الخيل، فقال أبو قتادة: يا رسول الله، إنّ العدوّ قد انصرفَ فإن رأيتَ أن نستبق،

____________________

(١) كنز العمّال: ٤ / ٣٣٨، الكافي: ج٥، ص٥٠.

(٢) فروع الكافي: ٥ / ٥٠.

١٣٧

فقال: نعم، فاستَبقوا فخرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عليهم، فقال: أنا ابن العواتك من قريش، إنّه لهو الجواد البحر - يعني فرسه - ) (١) .

أجل، إنّ الفروسية بوصفها رياضة مفيدة يراد منها الاستعداد للدفاع عن بيضة الإسلام، لها مكانة مرموقة في التاريخ الإسلامي، فقد ذَكرجرجي زيدان : ( ولمّا تحضّروا بعد الإسلام بالَغوا في اتّخاذ الميادين، واستكثروا من الخيول وتفنّنوا في تضميرها، وكان لمعاوية حلبة يخرجون إليها في أيّام معيّنة للسباق فمَن حازَ قصب السبق أجازوه، وقصبَ السبق قصبة يغرسونها في آخر الحلبة، فمَن سبقَ إليها وأطلعها فهو الفائز )(٢) .

٦ - السِباحة

ومن بين الرياضات التي تُعدّ فنّاً في حدِّ ذاتها وتؤثّر في سلامة الإنسان تأثيراً إيجابياً رياضة السباحة.

إنّ السباحة تقوّي في الإنسان دفاعه وحفظه لنفسه، وهي رياضة مسلّية تؤثّر في صحّة الإنسان وسلامته، وقد اعتبر الإسلام أنّ من واجب الآباء أن يُعلّموا أبناءهم هذه الرياضة، فقد وردَ عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( علِّموا أولادكم السباحة والرماية ) (٣) .

وقد كتبوا في الفوائد الصحّية للسباحة: ( بما أنّ الماء يُعدّ من عوامل التبريد والتطهير، فهو يؤدّي إلى نشاط الجسد وخفّة الروح، ويجعل الجِلد جميلاً وطريّاً، كما أنّ ملامسة الماء للجسم تؤدّي إلى التخفيف من الاضطرابات الناتجة عن التعب اليومي، وتُعيد للإنسان اطمئنانه واسترخاءه، وفوق ذلك فإنّ التحرّك في الماء يقوّي العضلات الدخيلة في الحركة والنشاط حين السباحة )(٤) .

____________________

(١) الكافي: ٥ / ٥١.

(٢) تاريخ التمدّن الإسلامي: ج٥.

(٣) فروع الكافي: ٩ / ٤٧ , ٤٩.

(٤) صحيفة همشهري: العدد ١٧٧٧، ص١٢.

١٣٨

٧ - رفعُ الأثقال

إنّ اختبار القوّة ورفع الأثقال الذي يجري حالياً في مختلف أنحاء العالم، هو رياضة معقولة ونافعة، تَعاملَ الإسلام معها بشكلٍ إيجابي، فقد وردَ في الحديث أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) مرّ بقومٍ يرفعون حجراً، فقال لهم:( ما يدعوكم إلى هذا؟ فقالا: لنعرف أشدّنا وأقوانا، فلم يعترض النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) على ذلك، لكنّه أراد أن يستفيد من المناسبة، ويرفع من مستوى الوعي لديهم، فقال ( صلّى الله عليه وآله ):ألا أُخبركم بأشدّكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال:أشدّكم وأقواكم الذي إذا رضيَ لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخطَ لم يُخرجه سخطهُ من قول الحقّ، وإذا قَدر لم يتعاطَ ما ليس بحقّ ) (١) .

٨ - تسلّقُ الجبال

كان تسلّق الجبال في السابق جزءاً من حياة الإنسان التقليدية والقروّية، فكان يتعيّن على الناس - وفقاً لظروف الحياة - أن يتسلّقوا الجبال لرعي الأغنام، وجَمع الحطب والعِشب والأدوية، بل ونقل البضائع والسفر، وأمّا في الوقت الراهن حيث اتّسعت رقعة المُدن، فقد حُرِم أغلب الناس من هذه النعمة، فغدا لا يستفيد من هذه الفرصة سوى القليل من الناس، في حين أنّهُ مع الأخذ بنظر الاعتبار ما تستتبعهُ حياة المُدن من التأثير السلبي على حياة الإنسان من جهة، وما في تسلّق الجبال من التأثير الايجابي على صحّة الفرد من جهةٍ أخرى، يتعيّن على الشباب أيضاً أن يستفيدوا من فوائد تسلّق الجبال وإن كان لبضع ساعات في الأسبوع.

فقد جاء في مقالٍ لبعض المنظّرين تحت عنوان( الجبل كفيلٌ بسلامة الإنسان وخير علاج للآلام ) : ( إنّ الجبل خيرُ مكان للقضاء على الأمراض الناشئة من الركود والكسل وقلّة الحركة، وأمّا بالنسبة إلى كبار السنّ فيُعتبر تسلّق الجبال خير وسيلة لعلاج المصابين بداء السكّر، حيث يمكنهم أن يسيطروا على نسبة السكّر في دمائهم عن طريق التسلّق مرّتين في الأسبوع، لمدّة ساعتين أو ساعتين ونصف في كلّ مرّة،

____________________

(١) مشكاة الأنوار: ص٢١٨.

١٣٩

 كما ينفع التسلّق لعلاج المصابين بالكولسترول، والسِمنة، وضغط الدم، والذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، كما يمكن إزالة السموم الراسبة في الرئتين بفعل استنشاق الهواء الملوّث في المُدن، عن طريق الاستنشاق العميق للهواء النقي الموجود في المناطق الجبلية، وبذلك يتمّ القضاء على الكآبة والاسترخاء والترهّل والكسل ليحلّ منها النشاط والجدّ، ممّا يؤدّي إلى حُسن العشرة وطلاقة الوجه في معاملة الآخرين ومعاشرتهم.

أخبارٌ مأساوية!

في الوقت الذي تقوم فيه الفِرَق الرياضية من خلال فوزها بتحقيق الرفعة والاعتزاز لبلدانها، حيث ينبغي أن يقوّي ذلك من الروح الرياضية والإنسانية في هواة الرياضة والمتفرّجين، إلاّ أنّهُ وللأسف الشديد نشاهد بعض المتفرّجين يقومون ببعض الأعمال القبيحة، حيث يبادرون إلى تحطيم وسائط النقل العامّة وبيت مال المسلمين، وفيما يلي نشير إلى نماذج منها:

١ - تزامناً مع إجراء المسابقات بين فريقي( استقلال طهران ) و( صنعة نفط عبادان ) في يوم الجمعة، تمّ توفير مئتي باص لنقل المتفرّجين، فألحقت أضراراً بأكثر من ثمانين باصاً، وقد بلغت قيمة الخسارة المادّية سبعين مليون ريال(١) .

٢ - أقدمَ عدد من المتفرّجين في مسابقتين لكرة القدم أُقيمتا في اليوم ٢٧ من ( شهريور )، والثالث من شهر ( مهر ) في ملعب( آزادي ) على الأضرار بمئة وخمسين باصاً، الأمر الذي اضطرّ معه المسؤولون إلى إرسال أكثرها إلى الورشات بهدف إصلاحها(٢) !

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٦٤٧.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٦٥٥.

١٤٠