ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب0%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد الصادقي
الناشر: ناظرين
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 138268
تحميل: 6728

توضيحات:

ما يحتاجه الشباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138268 / تحميل: 6728
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣ - أقدمَ المتفرّجون في المباراة المُنعقدة بين فريقَي( استقلال طهران ) و( الطيران ) العراقي، إلى الإضرار بمئة وخمسين باصاً، وقد بَلغت قيمة الخسائر أكثر من ٦٤ مليوناً وثلاثة وخمسين ألف ريال(١) .

٤ - قامَ بعض المتفرّجين في المباراة التي أُقيمت بين فريقي( بيروزي ) و( بارس ) ، عصر يوم الجمعة في نادي( آزادي ) بإلحاق الأضرار بسبعة وأربعين باصاً، وقد بلغت قيمة الخسائر أكثر من ١٥ مليون ريال، وكان لبعض المعارِضين للأجواء الرياضية السالمة وأحياناً العناصر المناهِضة للثورة، يد في وقوع مثل هذه الحوادث المريرة(٢) .

٥ - أقدمَ المتفرّجون في العام الجاري إلى الأضرار بـ(١٠٨٩) باصاً، وقد بلغَ مجموع الخسائر المادّية أكثر من(٥٥٧) مليون ريال!(٣) ، وبإضافة الموارد المتقدّمة يكون مجموع الباصات المتضرّرة ١١٣٦.

الأخلاقُ والرياضة

ليست الرياضة سوى استعراض للقابليات والمهارات، والمقاومة والشهامة، وعلى المتفرّجين - مضافاً إلى الاستمتاع بمشاهدة المباراة الرياضية - أن يتحلّوا بخصال الرياضيين التي أهلّتهم للنجاح، لكي يتمكّنوا من السير على طريقهم، ولحُسن الحظّ فإنّ الآثار الفيزيقية والروحية تؤثّران في بعضهما بشكلٍ إيجابي، وكما يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ):( ما ضَعُف بَدن عمّا قويت عليه النية ) (٤) .

وكذلك إذا أقدمَ الإنسان على الرياضة والنشاط الجسدي المنتظم، وظهرت عليه آثار الاعتدال والصحّة، فستظهر بتبع ذلك الآثار الروحية والفضائل الأخلاقية والإنسانية على سلوكه، وأمّا إذا كان الأمر بعكس ذلك فسيظهر عليه العجز والانحطاط، فقد قيل قديماً:( العقلُ السليم في الجسم السليم ) .

____________________

(١) المصدر السابق: العدد ١٦٧٦.

(٢) المصدر السابق: العدد ١٧٩١.

(٣) المصدر السابق: العدد ٢١٦٣.

(٤) وسائل الشيعة: ١ / ٥٣، الحديث ١٤.

١٤١

وعليه: فإذا كان هذا تأثير الرياضة على مَن يمارسها، فينبغي أن تترك نفس التأثير على هواة الرياضة والمتفرّجين فيستشعرون المسؤولية تجاه الشؤون العامّة، وأموال الدولة ويُبادرون إلى المحافظة عليها.

شخصيّاتٌ خالدة

في الوقت الذي عُدَّ فيه اللاعب الأرجنتيني الشهير( دياغو مارادونا ) ، شخصية مكروهة في الأوساط الإيطالية بسبب قيامه ببعض الأعمال المنافية للأخلاق في عام ١٩٩٠م(١) ، فلحُسن الحظّ نجد أنّ الرياضيين الإيرانيين والجمهور الإيراني قد تمّ الثناء عليه بمناسبة كأس العالَم لعام ١٩٩٧، حيث قال( ميلان ارسغان ) رئيس الاتحاد العالَمي للمصارعة: ( تحضى إيران بأكثر وأفضل جمهور للمصارعة في العالَم، وأرى من المناسب هنا أن أغتنم الفرصة وأشكر الجمهور الإيراني أصالةً عن نفسي، ونيابةً عن الأعضاء والعاملين والهيئة الإدارية في منظمة ( فيلا ) للمصارعة في العالم )(٢) .

ولم ننسَ أنّ اتّحاد المصارعة الإيراني، قد قام بإحياء للذكرى السنوية الحادية والثلاثين لبطل المصارعة( غلام رضا تختي ) ، لمَا كان يتحلّى به هذا المصارِع من سجايا أخلاقية، بالقرب من مثواه الأخير في مقبرة( ابن بابويه ) ، حيث اشتركَ في الحفل الأبطال من المتقدّمين والمتأخّرين في المصارعة الوطنية والعالَمية، وتمّ وَضع حجر الأساس لمبنى المصارعة الذي حَمَل اسم ( غلام رضا تختي )، إحياءً لذكراه قريباً من ضريحه(٣) .

____________________

(١) صحيفة رسالت: العدد ١٤٤١.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٦٣٥.

(٣) صحيفة جمهوري إسلامي: العدد ٥٦٧٦.

١٤٢

كما نعلم أنّ بطل العالَم السابق في الملاكمة الأمريكي المسلم( محمد علي كلاي ) ، لِمَا يتمتّع به من مُعتقد وروح محبّة للخير، قامَ بالوقوف بوجه الحصار الاقتصادي الذي فرضتهُ الإدارة الأمريكية ضدّ كوبا ودامَ ٣٥ سنة، فتبرّع من ماله الخاصّ بما يعادل مليون ومئتي ألف دولار من الأدوية والأجهزة الطبية، وأهداهُ إلى مستشفى في هافانا عاصمة كوبا(١) .

كما طالبَمحمد علي كلاي - في مقابلة لهُ أجرتها قناة تلفاز الشباب الأمريكي - بنبذ العُنف، والتحلّي بالرأفة والسجايا الإنسانية الكريمة، وأضافَ: إنّ جميع الكُتب السماوية دَعت أتباعها للالتزام جانب الرأفة، وأنكرت العُنف بشدّة(٢) .

ومهما كان فينبغي للرياضة أن تترك على الرياضي والمشاهِد - مضافاً إلى البطولة الظاهرية - روح الشهامة والصلاح والأمانة، وأن تُغرس فيه الفضائل الأخلاقية والإنسانية، وقد رويَ عن مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه قال:( أشجعُ الناس مَن غَلب هواهُ ) (٣) .

____________________

(١) صحيفة خبر: العدد ٤٢٦.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٨٢٠.

(٣) سفينة البحار: ٢ / ٨١٠، طبع آستان قُدس رضوي.

١٤٣

(١٨)

أبطالُ الإيمان

إنّ النشاط والعُنفوان والحيوّية والسعي والقدرة وصفاء القلب ورقّته، وحُبّ التطلّع والفضيلة والتأسّي، من الصفات التي يتحلّى بها الإنسان في مرحلة الشباب.

وقد استرعت هذه الصفات الروحية والأخلاقية اهتمام أئمّة الإسلام ( عليهم السلام )، بوصفها سلسلة تُمهّد الأرضية لاستجابة الشباب وتلبية حاجاتهم العاطفية والعقلية، ونودّ أن نشير هنا إلى نموذجين لذلك:

الأوّل: قال الإمام الباقر ( عليه السلام ):( إنّ عليّاً ( عليه السلام ) أتى سوق البزّازين، فوقفَ على غلام فأخذَ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم، والآخر بدرهمين، وقال لخادمه: يا قنبر، خذ الذي بثلاث، فقال: أنتَ أولى به، تَصعد المنبر وتَخطب الناس، فقال ( عليه السلام ): وأنت شابٌّ ولك شَرَه الشباب، وأنا أستحي من ربّي أن أتفضّل عليك، سمعتُ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يقول: ألبِسوهم ممّا تَلبسون، وأطعِموهم ممّا تأكلون ) (١) .

الثاني: كان محمّد بن علي النعمان الكوفي، يُلقّب بـ( مؤمن الطاق ) و( الأحول ) ، وكان كثير العلم حَسن الخاطر، وكان دكّانه في طاق المحامل بالكوفة يُرجع إليه في النقد، وكان برغم ذلك دائباً في طلب العلم،

 ____________________

(١) بحار الأنوار: ٤٠ / ٣٢٤.

١٤٤

فقد رويَ عن أبي خالد الكابلي قال:رأيتُ أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة، قد قطعَ أهل المدينة إزاره وهو دائب يجيبهم ويسألونه .

وذات مرّة كان محمّد عائداً إلى المدينة من سفرة تبليغية قضاها في البصرة، فقال لهُ الإمام الصادق ( عليه السلام ):( كيف رأيتَ مُسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنّهم لقليل، فقال ( عليه السلام ):عليك بالأحداث؛ فإنّهم أسرع إلى كلّ خير ) (١) .

أجل، إنّ مثل هذه الأرضية الروحية الملائمة التي تنشأ من الفطرة الطاهرة، توجِد ظروفاً مؤاتية في الشباب، وتَجعلهم على استعداد لتقبّل الأحكام الإلهيّة والإيمان بالعقائد الحقّة.

ومن هنا وردَ عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنّهُ قال:( مَن قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن، اختلطَ القرآن بلحمه ودَمه ) (٢) .

ولأجل هذه الأرضية المساعِدة وللحيلولة دون الجهل بأحكام الدين الذي يؤدّي إلى الضياع، قال الإمام الباقر ( عليه السلام ):( لو أُتيت بشابٍ من شباب الشيعة لا يتفقّه في الدين، لأوجَعتهُ ) (٣) .

وفي بيان الأثر العميق الذي يتركهُ التعلّم في عهد الشباب قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( مَن تَعلّم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحَجر، ومَن تَعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتابة على وجه الماء ) (٤) .

أجل، إنّنا إذا التفتنا إلى التعاليم السماوية عَبر التاريخ، وعلى الخصوص الدين الإسلامي الحنيف، لوجدنا ما في الفطرة الطاهرة الموجودة عند الشباب من طاقات جبّارة جَعلت منهم قدوة تُحتذى، وإليك فيما يلي نماذج من هؤلاء الشباب على سبيل المثال دون الحصر:

____________________

(١) بحار الأنوار: ٢٣ / ٢٣٦.

(٢) بحار الأنوار: ٧ / ٣٠٥.

(٣) سفينة البحار: ٢ / ٧٨٨.

(٤) نوادر الراوندي: ص٧٠، سفينة البحار: ٢ / ٢٢٢.

١٤٥

١ - بطلُ العفّة

كلّنا يَعرف قصّة يوسف الصدّيق ( عليه السلام )، بطل العفّة والاحتشام الواردة في القرآن الكريم ضمن سورة معروفة باسمه، حيث ينتقل يوسف ( عليه السلام ) من( كنعان ) إلى( مصر ) ، وبالتحديد إلى قصر( بوتيفار ) عزيز مصر، وقد تحتمّ عليه أن يعيش هناك، إلاّ أنّ شدّة جماله أوقعت( زليخا ) زوجة العزيز في حُبّه حتّى طلَبت منه الفاحشة، إلاّ أنّ يوسف كان مطهّراً وسليلاً للأنبياء فقاومها بشدّة وقال:( مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) (١) .

وكان جزاء يوسف ( عليه السلام ) - عن عدم استجابته لطلب زليخا صاحبة القصر، وثباتهُ على إيمانه - أن أودِعَ السجنَ وأمضى فيه سنيناً، ولكن ما أن اتّضحت براءتهُ للجميع وأطلقَ سراحه حتّى صار وزيراً وعزيزاً لمصر، في حين تحوّلت زليخا إلى عجوز تفترش تراب المذلّة(٢) !

٢ - جذوةُ الإيمان والإباء

إنّ الذي يميّز الإنسان عن سائر المخلوقات هو ما يمتلكه من قدرة على التفكير والتدبير، وهناك آيات كثيرة في القرآن تحثّ الإنسان على التعقّل والتفكّر، بل يرى الإسلام أنّ التفكير من أفضل أنواع العبادة، قال الإمام الرضا ( عليه السلام ):( أفضلُ العبادة: إدمانُ التفكير في الله وفي قدرته ) (٣) .

وقال الإمام علي ( عليه السلام ):( الفكرُ مرآة صافية ) (٤) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( تفكّر ساعة خيرٌ من قيام ليلة ) (٥) .

وإنّ قصّة أصحاب الكهف نموذج مهمّ للتفكير والتعقّل، وقد وردت قصّتهم في الآيات من ٩ إلى ٢٧ من سورة الكهف، وطبقاً لِمَا ورد في القرآن والأحاديث،

____________________

(١) سورة يوسف: الآية ٢٣.

(٢) بحار الأنوار: ١٢ / ٢٥٣ و ٢٩٦.

(٣) أصول الكافي: ٢ / ٤٥، بحار الأنوار: ٦٨ / ٣٢٥.

(٤) نهج البلاغة: صُبحي الصالح، الحِكمة رقم ٥.

(٥) أصول الكافي: ٢ / ٤٥، بحار الأنوار: ٤٨ / ٣٢٨.

١٤٦

 فإنّ عددهم كان سبعة(١) ، وكانوا يعيشون في عهد( دقيانوس ) المولود سنة ٢٠١م، والمتوفّى سنة ٢٥١م، والذي حَكمَ الروم لثلاث سنوات سامَ فيها النصارى ويلاً وثُبوراً.

وقد كان أصحاب الكهف من حاشية المَلك ووزرائه، وقد رويَ عن الإمام علي ( عليه السلام ):( إنّ أصحاب الكهف كانوا كهولاً فسمّاهم الله فتية بإيمانهم ) .

وخلاصة قصّة أصحاب الكهف - طبقاً لِمَا هو المنقول عن الإمام علي ( عليه السلام ) - أنّهم كانوا ستّة نفر اتّخذهم دقيانوس وزراءه، فبينما هم ذات يوم في عيد والبطارقة عن يمينه، والهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبرهُ أنّ عساكر الفرس قد غشيته، فاغتمّ لذلك حتّى سقطَ التاج عن رأسه، فنظرَ إليه تلميخا فقال في نفسه:لو كان دقيانوس إلهاً كما يزعم إذاً ما كان يغتمّ ولا يفزع، ثمّ جَمعَ بعدها الفتية وقال لهم:أطلتُ الفكر في الأرض... فأدركتُ أنّ لها صانعاً ومدبّراً غير دقيانوس المَلك ، فقال له الفتية:بكَ هدانا الله تعالى من الضلالة إلى الهدى فأشِر علينا ، فوثبَ تلميخا فباعَ تمراً من حائط لهُ وركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة(٢) .

وطبعاً ليس من السهل ترك المناصب، إلاّ أنّ العقيدة والإيمان كانا من القوّة بحيث تنكّروا لجميع العلائق المادّية، وتوجّهوا نحو الكهف بعد أن قطعوا مسافة طويلة ركوباً ومشياً على الأقدام، وهناك ناموا نومتهم ليستيقظوا بعد ٣٠٩ سنوات بقدرة الله؛ ليجسّدوا عَظمة الإيمان والمَعاد.

٣ - التغلّبُ على هوى النفس

وإنّلمحمّد بن سيرين صاحب كتاب ( تفسير الأحلام ) المعروف، قصّة مشابِهة لقصّة يوسف الصدّيق ( عليه السلام )، وقد عاشَ محمّد بن سيرين في القرن الهجري الأوّل، وكانت وفاتهُ سنة ١١٠ للهجرة(٣) .

____________________

(١) سورة الكهف: الآية ١٢٢.

(٢) سفينة البحار: ٢ / ٣٨٢.

(٣) تتمّة المُنتهى: ص٨٤.

١٤٧

وقد كان محمّد بن سيرين بزّازاً جميل المُحيّا، فَعشقتهُ امرأة وطلبتهُ لتشتري منه بزّاً، فأدخلتهُ دارها وطلبَت منهُ الحرام، قال:معاذ الله، وشَرعَ في ذمّ الزنا، فلم ينفع ذلك، فخرجَ من عندها إلى الكنيف فلطّخَ بَدنهُ بالقذارات، فلمّا رأتهُ المرأة بتلك الهيئة القبيحة تنفّرت منهُ فأخرجتهُ من دارها.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( مَن قَدَر على امرأة أو جارية حراماً فترَكها مخافة الله، حرّم الله عزّ وجل عليه النار، وآمَنهُ الله تعالى من الفزع الأكبر وأدخلهُ الله الجنّة ) (١) .

أجل، لقد مَنعَ هذا الشاب دينهُ وتقواه من ارتكاب هذا العمل القبيح، ولأجل ذلك ألهمَهُ الله هذا العلم، فَقدّمت مؤلّفاته خَدَمات في مجال تفسير الأحلام والإرشاد، ولا زالت مؤلّفاته من الكتب المعتمَدة.

٤ - اجتنابُ أكل الحرام

إنّ الشريعة الإسلامية تمنع أكل الحرام، وإنّ الذي يأكل الحرام - مضافاً إلى عدم انتفاعه بعبادته - سيعاقَب في الآخرة أيضاً.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( مَن أكل لقمةً من حرام، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة ) (٢) .

وقال أيضاً:( إذا وقَعت اللقمة من حرام في جوف العبد، لَعنهُ كلّ مَلَك في السماوات والأرض ) (٣) .

وقال أيضاً:( العبادةُ مع أكل الحرام كالبناء على الرمل ) (٤) .

إنّ مسألة اجتناب أكل الحرام من المسائل التي شَغلت اهتمام المؤمنين طوال التاريخ الإسلامي، على الخصوص إذا كان مصدر هذا الطعام الحاكم الظالم الذي يحاول شراء الذِمم، وإيمان الناس عن هذا الطريق.

____________________

(١) عقابُ الأعمال: ص٣٣٤، وسائل الشيعة: ١١ / ١٩٩.

(٢) كنز العمّال: ٤ / ١٥.

(٣) مشكاة الأنوار: ص٣١٥، بحار الأنوار: ١٠٠ / ١٢.

(٤) بحار الأنوار: ١٠٠ / ص١٦.

١٤٨

يُحدّثنا التاريخ بأنّ معاوية بن أبي سفيان كان يشتري إيمان أصحاب علي ( عليه السلام )، وتفريقهم عنهُ بواسطة ما يبعثهُ إليهم من شهيّ الطعام ولذيذه.

ومن تلك الموارد: قصّة العسل الذي بعثهُ إلى( أبي الأسود الدؤلي ) ، وهو من خُلّص أصحاب الإمام، والذي يُنسب إليه وَضع علم النحو بإشارة من الإمام علي ( عليه السلام )، وقد بيَّن فضائل الإمام ( عليه السلام ) ومناقبهُ في شعره وأدبه.

( يُروى أنّ معاوية أرسل إليه هدية منها حلواء، يريد بذلك استمالتهُ وصرفهُ عن حُبّ علي ( عليه السلام )، فدَخلت ابنة صغيرة لهُ في الخامسة أو السادسة، فأخذَت لقمة من تلك الحلواء وجَعلتها في فمها، فقال لها أبو الأسود:يا بنتي، ألقيهِ فإنّه سمّ، هذه حلواء أرسلها إلينا معاوية ليخدعنا عن أمير المؤمنين ( عليه السلام )، ويردّنا عن محبّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فقالت الصَبية:قبّحهُ الله يَخدعنا عن السيّد المطهّر بالشهد المزعفَر، تبّاً لمرسله وآكله ، فعالَجت نفسها حتّى قائت ما أكلَت، ثمّ قالت:

أبا الشهد المزعفَر يا بن هند

نبيعُ عليك أحساباً ودينا

معاذَ الله كيف يكون هذا

ومولانا أمير المؤمنينا

وبعد ذلك حَمل أبو الأسود الرسالة التي كان معاوية قد بعثَ بها إليه مع العسل، واصطحبَ ابنته وسارا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحدّثاه بالخبر، فابتسمَ الإمام ودَعا لهما، وأباحَ لهما العسل بعد أن ضمّه في بيت المال ليكون حلالاً عليهما )(١) .

ومهما كان، فإنّ استخدام العقل والفكر وقدرة الإيمان عند مواجهة الشهوات والميول النفسية، من الصفات التي يتحلّى بها الشباب، ومن خلال الالتفات إلى هذه الحقيقة قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( خيرُ شبابكم مَن تشبّه بكهولكم ) (٢) .

آثارُ الإيمان وأضرار المعاصي

إنّا وإن تعرّضنا في طيّات هذه المقالة للأثر البنّاء الذي يلعبهُ الإيمان في الردع عن الوقوع في المعاصي والضلال، وهذا ما ثبتَ لنا بالتجربة أيضاً، إلاّ أنّه من المناسب أيضاً أن نتعرّض في الختام إلى آراء عددٍ من العلماء في هذا الخصوص:

____________________

(١) الكُنى والألقاب: ١ / ٩، سفينة البحار: ٢ / ٦٦٩.

(٢) مشكاة الأنوار: ص١٧٠.

١٤٩

قال الفيلسوف الغربي الشهير( وليم جيمس ): إنّ الإيمان من القِوى التي تساعد الإنسان على الحياة، وفقدانهُ يعني الموت والفناء (١) !

وقد ذَكر الدكتور( آفيبوري ) العالِم الانجليزي المعروف، أضرار اتّباع الشباب للهوى الناتج عن فقدان الإيمان فقال: إنّ الشابّ الذي لا يسيطر على جماح نفسه، سوف يكون مصيرهُ الندم والحسرة في أيّام الشيخوخة والهَرم، إنّنا إذا تمكّنا من السيطرة على أهوائنا فستغدوا جميع المشاكل سهلة، إلاّ أنّ السيطرة على النفس بحاجة إلى جهدٍ كبير، إنّ المعاصي هي مصدر الأمراض النفسية، يتصوّر الكثير إمكان التخلّص من العواقب السيئة للذنوب عن طريق التوبة، إلاّ أنّ هذا التصوّر ليس صحيحاً، إنّ للّهو والصَخب تَبَعات خطيرة تُحتّم علينا التخلّي عن هذه اللذّة المؤقّتة التي تعود علينا بالأضرار الكبيرة، وعلينا أن نعلم جيّداً أنّ الحياة مقرونة بالآلام والمِحن، وإذا أردنا أحياناً أن نسير في اتجاه معاكس لهذا القانون الثابت - من خلال الانغماس في الملذّات الخادعة - فإنّنا سرعان ما سنجني ثمار ذلك(٢) .

____________________

(١) جكونه تَشويش ونِكراني را دُور كنيم؟ ص٢٢٧.

(٢) در جُست وجوي خوشبَختي: ص١٣، ١٦، ٢٢، ٣٩.

١٥٠

(١٩)

العملُ والبطالة

إنّ البطالة وعوارضها المؤلمة، من الأمور التي تُثير القلق على الخصوص بالنسبة إلى جيل الشباب الذين يتطلّعون إلى مستقبل زاهر.

إنّ شبحَ البطالة القبيح لدى الجميع يُعدُّ حالياً مُعضلة عالَمية، وإنّ أزمة البطالة تُهدّد حالياً سبعة من الدول الصناعية المعروفة بـ( مجموعة السبعة ) وهي:بريطانيا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والولايات المتّحدة الأمريكية ، فإنّ ٣٠% من الأيدي العاملة عاطلة عن العمل أو قليلة العمل(١) .

فما هو سبب هذه البطالة العالمية التي تُخلّف الفقر والاضطرابات الكثيرة؟

لا شكّ أنّ من أهمّ أسباب العمل والسعي هي: الأموال التي يُستهلك الجزء الأعظم منها - مع الأسف في السنوات الأخيرة - في صُنع الطائرات وملايين الألغام والقنابل والصواريخ، على يد القوى الاستعمارية ليتمّ استخدامها في الحروب، وإلقاؤها على المُدن والشعوب المظلومة.

فلابدّ في مثل هذه الظروف من حُلول عالمية جادّة، ولكي نبدأ بأنفسنا ونُبدّل البطالة إلى عملٍ حثيث، ونُقلّل من تَبعاتها الفظيعة، لابدّ لنا من الانتباه بدقّة لنتعرّف أسباب البطالة، لنضع الحلول التي تقضي عليها أو تحدّ منها، وبما أنّ البطالة حالياً تُعدّ من الأسباب الرئيسة التي تحول دون زواج الشباب، فإنّنا نستعرض المطالب والحلول الآتية:

____________________

(١) صحيفة كيهان: العدد ١٤٩٩٦.

١٥١

ذُلّ البطالة وعزّة العمل

إنّ البطالة وإن كانت من بواعث القلق، ولكن في الوقت نفسه فإنّ النظر إلى البطالة بوصفها أمراً قبيحاً، والعمل بوصفه عزّة وشرفاً، يمكنه أن يوضّح لنا الحلول اللازمة.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( ملعونٌ مَن ألقى كَلّهُ على الناس ) (١) .

وعن ابن عبّاس قال: ( كان رسول الله إذا نظرَ إلى الرجل فأعجبهُ قال:هل له حِرفة؟ فإن قالوا: لا، قال:سَقطَ من عيني، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال:لأنّ المؤمن إذا لم يكن لهُ حرفة يعيش بدينه ) (٢) .

وعن زرارة قال: إنّ رجلاً أتى أبا عبد الله ( عليه السلام ) فقال: إنّي لا أُحسن أن أعمل عَملاً بيدي، ولا أُحسن أن أتّجر، وأنا مُحارف محتاج، فقال:( اعمَل فاحمِل على رأسك واستغنِ عن الناس؛ فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قد حَملَ حَجراً على عاتقه، فوضعهُ في حائطٍ له من حيطانه، وإنّ الحجر لفي مكانه ولا يدري كم عُمقه ) (٣) .

ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الإسلام يرى أنّ العمل الذي يوجِب الكسب وتأمين المعاش، واجبٌ شرعاً، فقد وردَ عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال:( طلبُ الحلال فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ) (٤) .

وفي روايةٍ أخرى عنهُ ( صلّى الله عليه وآله ):( العبادةُ سبعون جزءاً أفضلُها طلبُ الحلال ) (٥) .

____________________

(١) تُحف العقول: ص٣٢، فروع الكافي: ٥ / ٧٢.

(٢) بحار الأنوار: ١٠٠ / ٩، الحديث ٣٨، جامع الأخبار: ص١٣٩.

(٣) فروع الكافي: ٥ / ٧٧، وسائل الشيعة: ١٢ / ١٢.

(٤) جامع الأخبار: ص١٣٩، بحار الأنوار: ١٠٠ / ٩، الحديث ٣٥.

(٥) فروع الكافي: ٥ / ٧٨، الحديث ٦.

١٥٢

وبإسنادٍ عن المعلّى بن خنيس قال: ( رآني أبو عبد الله ( عليه السلام ) وقد تأخّرتُ عن السوق، فقال:( أُغدُ إلى عزّك ) (١) .

أسبابُ البطالة

لا شكّ أنّ الدولة المستعمَرَة هي السبب الرئيسي الكامن وراء البطالة، فإنّها تمكّنت طوال قرنين من تنفيذ مخطّطاتها الاستعمارية على الشعوب بمختلف الأساليب الصناعية والثقافية.

ونحن نرمي من خلال التأكيد على مخطّطات الاستعمار العالَمي إلى أمرين:

 الأوّل: أن لا نغفل المؤامرات التي يحوكها الأعداء،والثاني: رفع مستوى الثقة بالنفس، إلاّ أنّه لا ينبغي لنا إلقاء اللوم في شيوع البطالة على العدوّ الخارجي فقط، ونغفل الأسباب الأخرى التي تنشأ بسبب التقصير أو القصور من جانبنا.

وبما أنّ معرفة أسباب المرض تساعد على معالجته بشكلٍ أفضل، فيمكننا أن نذكر المسائل الاجتماعية التالية مع بيان الحلول:

أ - ازديادُ السكّان

لا شكّ أنّ ارتفاع عدد السكّان قد أوجدَ في مجتمعنا أزمة البطالة وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل، وفي كلّ محافظة هناك نقابة التوظيف العالي التي تهدف إلى رفع هذه المُعضلة الاجتماعية.

قال المدير العام للعمل والأمور الاجتماعية في آذربيجان الشرقية: يوجد حالياً مليون ونصف عاطل عن العمل في البلاد، وأنّ عدد الأفراد الذين تفوق أعمارهم العشر سنوات يبلغ ١٥ مليون نسمة، لابدّ أن يدخلوا مجال العمل في السنوات القادمة، ولابدّ من إعداد فُرص العمل لهم(٢) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١٢ / ٣، الحديث ٢.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٧٠٨.

١٥٣

ب - عدمُ التخطيط المناسب

تعمل المجتمعات المتقدّمة على البحث والتخطيط الدقيق والمناسب اجتماعياً، فحتّى بعد الحرب العالمية الثانية بادرت دول مثل:ألمانيا، واليابان في زمن الحرب، إلى توظيف القوى والطاقات التي تخرج من سوح القتال وتعود إلى حياة المُدن، لتجعلهم يعملون وفقاً لظروفهم الروحية وقابلياتهم الجسديّة، وبذلك تتمّ الحيلولة دون ضياع الجهود والطاقات.

إلاّ أنّ هذا الشيء لم يحصل في بلادنا بالشكل المطلوب لأسباب مختلفة، وأنّ احتراق الغابات وتدمير المصادر الطبيعية، والأضرار التي لحقت البلاد بفعل الحرب المفروضة من قِبل العراق على إيران الإسلامية، وما خلّفتهُ من نسبة عالية من المعوّقين، وعدم التوازن في تربية الطاقات الإنسانية في المجتمع، من العوامل التي وسّعت حدود البطالة، حتّى بلغت نسبة البطالة ١٤%(١) .

أجل، إنّ عدم الاعتدال وعدم التخطيط، أدّى بالمسؤولين المعنيين إلى الاعتراف بأنَّ هناك أكثر من ٣٠٠ ألف خرّيج جامعي يرزح تحت وطأة البطالة، وفي عم ١٣٧٥ تمكّن ٣٠٢٢ شخصاً فقط من مجموع ١٢٨ ألفاً، من الحصول على عمل ووظيفة(٢) .

ج - قيامُ الآلة مقام اليد العاملة

لا شكّ أنّ الماكنة والآلات الكهربائية برغم الخدمات التي قدّمتها للبشرية، قد زاحمت مساحة عظمى من الطاقات الإنسانية، وكان من نتيجة ذلك أن تَعطّلَ جزء كبير من القوى الإنسانية العاملة!

أي في كلّ موردٍ من الصناعة، والبناء، والمناجم، والحمل والنقل، وتعبيد الطُرق والفلاحة، نجد أنّ ماكنة واحدة قد تحلّ محلّ عشرين شخصاً وتجعلهم عاطلين عن العمل.

____________________

(١) المصدر المتقدّم.

(٢) صحيفة إيران: العدد ٨٦٨.

١٥٤

وطبعاً هذه نتيجة قهرية، ولا نريد بذلك أن ندعو إلى إلغاء الصناعة وتطوير الآلة، ولكن كما تقدّم أن قلنا يمكن التغلّب على هذه المشكلة من خلال التخطيط الصحيح والمدروس لبناء مجتمع سليم، ولكن على كلّ حال فإنّ الماكنة قد شكّلت حاجزاً وعَقَبة أمام اشتغال الأفراد.

د - الهجرة

إنّ الهجرات الواسعة التي تُسبّب البطالة على نوعين:الهجرة من القرى إلى المُدن، والهجرة من الخارج إلى داخل القطر .

لا شكّ أنّ الهجرة من القرى إلى المُدن تؤدّي إلى البطالة، أو اللجوء إلى الحِرف الوهمية، وأحياناً تؤدّي إلى مشاكل أخلاقية واجتماعية، ومن جهةٍ أخرى - كما شاهدنا في مناطق كثيرة - تؤدّي إلى تحطيم العمران وضياع مصادر الإنتاج من الزراعة ورعي الماشية، وهما عنصران مهمّان في الحياة الاقتصادية.

كما أنّ هجرة الأجانب - مضافاً إلى ما فيها من التَبَعات الأخلاقية والاجتماعية - تؤدّي إلى إشغال فُرص العمل وبطالة أفراد المجتمع.

صرّحَ وزير الدولة بأنّه:يُقيم حالياً في إيران حوالي مليون ونصف لاجئ من الأفغان والعراقيين وسائر الدول، وقد شغلوا في العام المنصرم ٨٠٠ ألف فرصة عمل من مجموع ٨٣٥ ألف فرصة (١) .

وقال مدير الدائرة للعمل والأمور الاجتماعية في محافظة أصفهان: إنّ عدد الأجانب العاملين في أصفهان يفوق العاطلين عن العمل بمقدار ضعفٍ ونصف، فإذا تمّ التغلّب على مشكلة الأجانب فستُحلّ مشاكل البطالة في محافظة أصفهان بنسبة ٨٠%(٢) .

____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٧٠٧.

(٢) المصدر المتقدّم: العدد ١٧٠٤.

١٥٥

هـ - عدمُ الكفاءة اللازمة

ومن بين المشاكل التي تؤدّي إلى ظهور البطالة في المجتمع ظاهرة الأميّة، أو انعدام الدراسات العُليا، وعدم اكتساب المهارات والكفاءات التخصّصية للعمل النافع، وقد ذَكر المدير العام لوزارة العمل والأمور الاجتماعية بهذا الخصوص: في السنة الماضية تمكّن أربعة آلاف ومئتان وثمانون شخصاً من بين٥٢٧ ألف متطوّع للعمل، من الحصول على وظيفة وكان ٧١% منهم فاقداً للكفاءات العملية(١) .

وقال المدير العام للعمل والأمور الاجتماعية في محافظة آذربيجان الشرقية: إنّ أكثر الذين يُعلنون عن رغبتهم في الحصول على عملٍ، يفتقرون إلى المهارات التخصّصية اللازمة(٢) .

و - المشكلة الثقافية

إنّنا في الوقت الذي يتعيّن علينا أن نَعدّ المشكلة الثقافية جزءاً من عدم التخطيط الدقيق لبُنية المجتمع، لابدّ لنا من أن نُضيف: أنّه ما دامت الفكرة السائدة بشأن التعلّم هي الحصول على الشهادة بهدف الحصول على وظيفة، فإنّ ذلك إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على عدم الفهم الصحيح لمعنى العمل ومفهوم السعي والمثابرة.

ذلك أنّ هذا النوع من الفهم يؤدّي عموماً إلى شدّ القوى المعنوية للعلم إلى الدعة، ممّا يُقلّل من العطاء المفيد، ويتمّ الإعلان بصراحة:( هناك مليون عامل في الأجهزة الحكومية لا يؤدّون خدمة حقيقية ) (٣) .

أجل، إنّ هذه المشكلة الثقافية حَدت بالرئيس العام للمنظّمة الطبيّة إلى أن يقول: ( هناك حالياً ٢٣١٣ غرفة طبية خالية من الطبيب، بسبب مشكلة إصدار الترخيص في العمل،

____________________

(١) المصدر المتقدّم: العدد ١٥٤٩.

(٢) المصدر المتقدّم: العدد ١٧٠٨.

(٣) صحيفة كيهان: العدد ١٦٢٧٨.

١٥٦

 ولحدّ الآن لم يتمكّن خمسة آلاف طبيب عاطل من الحصول على ترخيص لمباشرة أعمالهم الطبية )(١) .

وممّا لابدّ من إضافته: أنّ البلدان المتقدّمة ترى أنّ الدراسة إنّما يراد منها الحصول على الشهادة واكتساب الكفاءة، لاستثمارها في الأسواق الحرّة، وليست بهدف الحصول على وظيفة حكومية والجلوس خلف الطاولات.

ز - القناعةُ والإبداع

برغم وصايانا المتكرّرة للشباب الأعزاء، بالتحلّي بروح الأمل والسعي والهمّة العالية لنيل الأعمال الكبيرة، ولكن ما الذي ينبغي فعلهُ حينما يصرّح وزير الدولة بأنّ نسبة البطالة في البلاد تبلغ ١١%، وأنّ نسبتها في المحافظات ١٩%، وفي بعض المُدن ٢٨%، وفي إحدى المدن ٤٢%(٢) ؟

في مثل هذه الموارد بل وسائر مراحل الحياة، في الوقت الذي يتعيّن على الدولة أن تسعى إلى إصلاح البُنية الاجتماعية، ينبغي على أفراد المجتمع - على الخصوص جيل الشباب بوصفهم واحداً من طرق العلاج - أن يتحلّوا بروح القناعة مع الإبداع.

ونقصد بالقناعة : أنّه إذا لم يحصل الفرد على الوظيفة التي يطمح إليها، فليقنع بما هو دونها من الوظائف الصغيرة، وأن يسير بخطى بطيئة، وأن يدأب على ذلك ويثابر، وأن يضع لنفسه موطأ قَدم واضح يساعده على الانطلاق إلى ما هو أوسع وأفضل.

كما نقصد بالإبداع: أن لا نكون دائماً بانتظار العمل، بل علينا أن نسعى وراء العمل.

____________________

(١) صحيفة إسلام: العدد ٢٠٦١.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٧٠٧.

١٥٧

طبعاً مع الالتفات إلى نفسيات الشباب يبدو من الصعب تطبيق ذلك على الواقع العملي، ولكن لابدّ من الالتفات إلى أنّ هذه الصعاب بمثابة العَقَبات التي أمكنَ لكثير من الناس تجاوزها والوصول إلى أهدافهم.

زراعةُ عليّ ( عليه السلام )

وفي هذا الخصوص هناك قصص وشواهد تاريخية كثيرة، منها: أنّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) حينما أُبعدَ عن حقّه في الخلافة كان يخرج ومعهُ أحمال النوى، فيقال له: يا أبا الحسن، ما هذا معك؟ فيقول:( نَخل إن شاء الله ) ، فيَغرسهُ فلم يغادر منه واحدة(١) ، ولم يكن يرى عاراً في ذلك بل يراه واجباً.

وعلى كلّ حال، فإنّ الدَعة وطلب الراحة يُعدّان آفة وذلاً لكلّ كائن حيّ.

وليعلم الشباب المعاصر أنّهم إنّما حصلوا على ما هم عليه حالياً بفضل الجهود التي بذلها الآباء والأمّهات، وما تجرّعوه من مرارة وغُصص، وما تحمّلوه من مشاقٍ، وما سهروهُ من الليالي.

الأمّهات المضحيّات

وقد سمعتُ شخصياً من بعض الآباء والأمّهات قَصصاً تدعو إلى الفخر والمُباهاة.

منها: إنّني شاهدتُ أمّاً في قرية تَجمع حبّات الحنطة المتناثرة والمتروكة على الأرض حبّة حبّة، بعد أن تبحث عنها بين الحجارة، فيجتمع عندها مقدار كيلو أو ثلاثة فتقوم ببيعه، وعن هذا الطريق قامت بإعالة طفلها اليتيم حتّى كبرَ، وبَنت له بيتاً وزوّجتهُ.

كما رأيتُ امرأة أخرى في طهران كانت مُثابِرة ومُجدّة، إذ كانت تذهب إلى سوق الخُضَر فتجمع الخضروات المتروكة، وتحملها على رأسها وتمضي بها عدّة كيلو مترات إلى بيتها مشياً، ثمّ تقوم بتخليل ما جَمعتهُ وتبيعه إلى أصحاب الدكاكين، وحثّت أبناءها على العمل وحَصلت على كثيرٍ من الزبائن،

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٧٥.

١٥٨

واجتمعت لديها ثروة كبيرة اشترت بها سيارة لحمل منتجاتها، وأدّت ما عليها من الحقوق الشرعية والخُمس، وجدّدت بناء بيتها ومصنعها، ومضافاً إلى إعالتها نفسها وأبناءها، وفّرَت لعددٍ من النساء فُرصاً للعمل وأمكنها الذهاب إلى حجّ بيت الله.

وقد وردَ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أيعجزُ أحدكم أن يكون مثل النملة؛ فإنّ النملة تجرّ إلى جحرها ) (١) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٧٩.

١٥٩

(٢٠)

عُقَد الحَقارة ومَخاطرها

إنّ أنواع الضُعف والذلّ والنقص والفاقة والعجز والتخلّف في الحياة، من المسائل التي تؤدّي بالفرد إلى الشعور بالحَقارة والضَعة، وإذا وجدَ هذا الشعور أرضية ملائمة يدرك فيها المصاب مخاطر هذه العُقدة، فإنّه سوف يسعى إلى علاجها بشكلٍ أفضل، وعندها يصبح بالإمكان الاقتناع بما قالهُ العالِم النفساني المعروف( مك برايد ) : ( كلّنا يعاني إلى حدّ ما من الشعور بالحقارة دون أن نتمكّن من التغلّب على هذا الشعور، وفي المقابل فقد وهَبَنا الله قابليات وكفاءات أخرى تساعدنا على الوصول إلى أهدافنا النافعة والمشروعة، فلابدّ من استثمار هذه الطاقات، وأن لا نسمح للشعور بالحقارة أن يقف سدّاً منيعاً دون الوصول إلى الهدف، وإلى تحقيق آمالنا من خلال تقوية الشعور بعزّة النفس ).

إنّ الإنسان خُلقَ ضعيفاً ومحتاجاً.

وقد قال تعالى:( وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ) (١) .

____________________

(١) سورة النساء: الآية ٢٨.

١٦٠