ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب0%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد الصادقي
الناشر: ناظرين
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 138137
تحميل: 6725

توضيحات:

ما يحتاجه الشباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138137 / تحميل: 6725
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال تعالى في بيان مرحلة ما بعد الولادة:( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً ) (١) .

وهذا الفقر والاحتياج مُلازم للإنسان طوال حياته، ولذا نجد أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) يلهج بالدعاء لبلوغ المرتبة العُليا عند الله فقال:( إلهي أنا الفقيرُ في غناي فكيف لا أكونُ فقيراً في فقري ) (٢) .

وعلى كلّ حال، فإنّ الشعور بالحاجة يُعدُّ امتيازاً، إلاّ أنّه لو ابتلى الفرد بالشعور بالحقارة ولم يبادر إلى علاج نفسه، فإنّ هذا الداء سوف يستفحل ويتحوّل إلى مرض نفسي، وكما يقول علماء النفس: إنّ هذا المرض سيظهر بالدرجة الأولى على شكل آلام نفسية حادّة وأرَق، وعدم الشهيّة للطعام وانعقاد اللسان واعتزال الناس والهروب منهم، والابتلاء بأزمَات عصبية حادّة(٣) !

أسبابُ عُقدة الحقارة

قلنا: إنّ الشعور بالحقارة والضَعة إذا لم يتحوّل إلى إدراك لهذا المرض، ولم يتمَّ وضعهُ في المسار الصحيح، فسوف يتحوّل إلى عُقدة ويصبح مرضاً مزمناً وخطيراً.

فالإنسان منذ طفولته يحتاج إلى أمّه في الرضاعة والنظافة، وما بعد تلك المرحلة يحتاج إلى دخول المدرسة والمجتمع، ويواجه مَشاهِد تؤدّي إلى تحويل شعوره بالحقارة إلى عُقدة الحقارة، ويرى علماء النفس أنّ مجموع العِلل - التي تكون منشأ لظهور عُقدة الحقارة - يمكن تلخيصها في خمسة موارد:

١ - وجود عاهة جسدية: كالبُثور في الوجه، أو حول العين، وقصر القامة عن المستوى الطبيعي وما إلى ذلك.

____________________

(١) سورة النحل: الآية ٧٨.

(٢) دعاء عرفة المروّي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ): مفاتيح الجنان.

(٣) روح بَشر: د. صاحب الزماني، ص٢٤٠.

١٦١

٢ - الفقرُ المادّي والاقتصادي.

٣ - السلوكية العنيفة والعقوبات القاسية.

٤ - الزللُ الأخلاقي وإعادة تذكّره ِ(١) .

٥ - وجود ذكرى مريرة وحادث مأساوي مثل: فقدان أحد الوالدين، أو الطلاق، أو الفيضان، أو الزلزلة، أو الحريق، أو هجوم سارق، أو حيوان مفترس.

وفيما يخصّ هذه الأسباب المُهلكة والمريرة، لابدّ من ذِكر ثلاثة مواضيع:

أ - إنّ أغلب الناس وأعضاء المجتمع البشري على العموم، يعانون من هذه النواقص والحوادث.

ب - إنّ هذه النواقص والموانع لا تشكّل مانعاً أمام تقدّم الإنسان ورُقّيه فبالإمكان تجاوزها.

ج - هناك آلاف الأشخاص من الذين أمكنهم تجاوز هذه العَقَبات، وأمكنهم الوصول إلى السعادة والنجاح، وذكرنا نماذج لذلك في كتابنا( قصصُ العظماء في مراحل الطفولة ) .

طُرق الوقاية

ولكي نضع الطفل - في فترة احتياجه وعجزه حيث تكون روحه رقيقة وحسّاسة - في مساره التربوي الصحيح ونَصونهُ من الأضرار الروحية والأخلاقية، فلابدّ للوالدين من مراعاة سلسلة من التدابير، أهمّها ما يلي:

١ - مراعاةُ العدل والمساواة

بما أنّه قد يُفرّق بين الأولاد من ناحية الذكورة والأُنوثة، أو الكِبر والصغر، أو الذكاء، أو الجمال، فإنّ هذا التفريق في المرحلة الأولى يزيد من ثقل مسؤولية الوالدين في اتخاذ السلوكية العادلة تجاه الأطفال، وقد أولَت التعاليم الإسلامية هذا الموضوع أهمية قصوى وعَدّتهُ مسؤولية أخلاقية وحقوقية.

____________________

(١) عُقدة حقارت وشكستة نفسي: ص١٢ و ١٨.

١٦٢

فقد جاء في الحديث: ( نظرَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى رجلٍ لهُ ابنان فقبّل أحدهما وتركَ الآخر، فقال لهُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):فهلاّ ساويتَ بينهما ) (١) .

وطبعاً لا ينبغي التفريق بين الأولاد من ناحية الذكورة والأنوثة، إلاّ أنّ الطفل إذا كان يتمتّع بذكاء وأدب وكان مطيعاً، وكانت سلوكيّته أفضل من سائر أخوته، فإنّ ذلك سيؤدّي قهراً إلى اهتمام الوالدين به بشكلٍ أكبر، فعن سعد بن سعد الأشعري قال: ( سألتُ أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل يكون بعض ولده أحبّ إليه من بعض، ويُقدِّم بعض ولده على بعض؟ فقال:( نعم، قد فعلَ ذلك أبو عبد الله نحل محمّداً، وفعلَ ذلك أبو الحسن ( عليه السلام ) نحل أحمد شيئاً، فقمتُ أنا به حتّى حزتهُ له، فقلت: جُعلت فداك الرجل يكون بناتهُ أحبّ إليه من بنيه فقال:البنات والبنون في ذلك سواء، إنّما هو بقدر ما ينزلهم الله عزّ وجل ) (٢) .

٢ - اجتنابُ الإفراط في حُبّ الأولاد

إنّ إبراز المحبّة للأطفال وإن كان أمراً ضرورياً وطبيعياً من الناحية الدينية والأخلاقية، إلاّ أنّه برغم ذلك ينبغي أن لا يتجاوز حدود الاعتدال؛ لأنّ الحبّ المُفرط مضافاً إلى أنّه يجعل الطفل ذا شخصية اتكالية، من المحتمل أن تستمرّ، أو أن الطفل سوف يواجه في المدرسة أو المجتمع مَشاهد عنيفة، وفي كلتا الحالتين سوف تترك آثاراً سلبية عليه، وتجعلهُ فريسة لعُقد الحقارة، ومن هنا قال الإمام الباقر ( عليه السلام ):( شرُّ الآباء مَن دعاهُ البرّ إلى الإفراط، وشرّ الأبناء مَن دعاهُ التقصير إلى العقوق ) (٣) .

وقال الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ):( تستحبّ عرامة الغلام في صغره؛ ليكون حليماً في كبره ) (٤) .

____________________

(١) وسائل الشيعة: ١٥ / ٢٠٤.

(٢) فروع الكافي: ٦ / ٥١.

(٣) تاريخ اليعقوبي: ٢ / ٣٢٠.

(٤) فروع الكافي: ٢ / ٥٢، وسائل الشيعة: ١٥ / ١٩٨.

١٦٣

٣ - تجنّبُ العُنف والقسوة

إنّ العقوبة الجسدية وإن كانت لازمة أحياناً في مجال التربية، إلاّ أنّها ينبغي أن لا تكون مصحوبة بالقسوة وعدم الرحمة بحيث تُعدّ جناية، بل ينبغي التعويض عن هذه العقوبة بشكل غير مباشر، حتّى لا يتحوّل الشعور بالحقارة الناتج عن هذه العقوبة إلى( عُقدة الحقارة ) .

٤ - الدعمُ والتشجيع

إنّ الأعمال التي يقوم بها الأطفال واليافعون فيما يتعلّق بمسائل الحياة وتوفير ما تحتاج إليه العائلة، لا ينبغي علينا أن نتوقّع صدورها منهم كاملة كما تصدر من الكبار، فلو أنّهم أدّوا عملاً ولم يبلغ حدَّ الكمال، فلابدّ من تشجيعهم على مقدار طاقتهم، لكي يدفعهم هذا التشجيع إلى رفع النواقص الموجودة في أعمالهم وسلوكياتهم.

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( رَحمَ الله مَن أعانَ ولدهُ على برّه، قال: قلتُ: كيف يُعينهُ على برّه؟ قال:يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يَرهقه ولا يخرق به ) (١) .

كما أنّهُ إذا ارتكبَ خطأً واستحقّ العقوبة فينبغي أن لا تبلغ العقوبة حدّ الإفراط، وأن لا يُذكّره بغلطته مِراراً.

قال الإمام ( عليه السلام ):( الإفراطُ في الملامة يُشِبّ نار اللجاج ) (٢) .

وطبعاً ممّا لا شكّ فيه أنّ الوالدين يبذلان قصارى الجهد والمحبّة في إصلاح أبنائهم وتربيتهم، وذلك ناتج عن إحساسهما بالمسؤولية تجاه مصيرهم ومستقبلهم، إلاّ أنّ تأثير البيئة قد يبلُغ بالطفل حدَّ الانخداع والعناد، فلا تعود معه نصيحة الآباء مؤثّرة، ومن هنا قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( أمهِل صبيَّك حتّى يأتي لهُ ستّ سنين، ثمّ ضمّهُ إليك سبعَ سنين، فأدّبهُ بأدبك، فإن قبلَ وصلُح وإلاّ فخلِّ عنهُ )، فربّما مَن لم يؤدّبه الأبوان أدّبهُ الزمان.

____________________

(١) فروع الكافي: ٢ / ٥٢، وسائل الشيعة: ١٥ / ١٩٨ و ١٩٩.

(٢) تُحف العقول: ص٦٢.

١٦٤

وطبعاً في الظروف الراهنة حيث تغيّر وجه الحياة، لابدّ من إمهال الطفل وضمّه أكثر من سبع سنوات، حتّى تكتمل تربيته وإعداده وتأديبه.

طُرق الحلّ:

ذكرنا فيما سبقَ أهمّ طُرق الوقاية من الصَدَمات الروحية الناتجة عن( عُقدة الحقارة ) ، والآن إذا كان هناك شخص خُصّ في صِغره بالحرمان دون أخوته أو تعرّض إلى معاملة قاسية، أو لم يتمّ تشجيعهُ بالمقدار الكافي، فأُصيبَ - نتيجة للتحقير والفقر وما إلى ذلك من أنواع الحرمان - باضطرابٍ نفسي و( عقدة الحقارة )، فما الذي ينبغي عليه فعله؟

هناك أمام هؤلاء الأشخاص طريقان:

أ - التأسّف على الماضي والتخبّط في أزمَته النفسية واختلاق الأعذار، والتهرّب من المسؤولية وحَمل الضغائن وإضمار الانتقام!

ب - توظيف المقدرة العقلية وإعمال التفكير وطلب العون من الخبراء واستشارتهم، وعَقد النية بشكل جادّ على التحوّل الإيجابي.

ولكي نعرف الأضرار والفوائد المترتّبة على اختيار أحد هذين الطريقين بشكلٍ أعمق، لابدّ من توضيح أكثر:

ردودُ الفعل السلبيّة

لو أنّ الشباب المصاب بعقدة الحقارة اختاروا في مواجهة مشاكل الحياة مقالة ( لا )، التي تبدو سهلة على اللسان، لكنّها تستتبع عواقب قاسية ومأساوية، وحاولوا التهرّب من المسؤولية وعدم إصلاح أنفسهم بقول: لا أعلم، ولا أريد، ولا أستطيع، واتخذوا ردود فعل سلبية، فإنّهم سيبتلون بمسائل عويصة ومدمِّرة منها:

١٦٥

١ - العِزلةُ والكبت

إنّ التهرّب من المسؤولية واختيار العزلة، مضافاً إلى أنّه يحول دون الانسجام مع ظروف الحياة، والمجتمع والنموّ والسموّ الأخلاقي والمعنوي، فإنّه سيلوِّث الأفكار ويضعِّف الجسد.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( اللجاجُ يُفسد الرأي ) (١) .

وقال أيضاً:( الهمّ يُذيب الجسد ) (٢) .

ولأجل الحيلولة دون الابتلاء بمثل هذه المصيبة قال الإمام علي ( عليه السلام ):( طهّروا قلوبكم من الحقد؛ فإنّهُ داءٌ موبئ ) (٣) .

٢ - إهدارُ الطاقات

إنّ الطاقات الشابّة هي ثروات هائلة يعجز غالبية الأفراد في مرحلة الشباب عن إدراكها بشكلٍ كامل، ولذا يُبادر بعضهم إلى التنفيس عن عُقدهم باتخاذ ردود فعل سلبية بهدف السخريّة بأوليائهم الذين يُبدون اهتمامهم بالطاقات الشابّة، فيهدرون هذه الطاقات بمختلف الأعذار! وبذلك فإنّهم - مضافاً إلى عدم حلّ مشاكلهم بهذه التصرّفات - يُزيدون الطين بلّة، وسوف يُسألون يوم القيامة عن شبابهم، وهذه النعمة الربّانية فيمَ أفنوها!

قال تعالى:( ثُمّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) (٤) ، والشباب من جملة النِعَم.

وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( إنّ العبد لا تزول قَدَماه يوم القيامة حتّى يُسأل عن عُمره فيما أفناهُ، وعن شبابه فيما أبلاه... ) (٥) .

____________________

(١) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص٢٥٦.

(٢) غُرر الحِكم: ١ / ٣٠.

(٣) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص٧٣.

(٤) سورة التكاثر: الآية ٨.

(٥) تاريخ اليعقوبي: ٢٠ / ٩٠.

١٦٦

ولذا علينا تدارك الأخطاء واجتناب موارد الزَلل قبل فوات الأوان، وقد قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( ما من شيء أحبّ إلى الله من شابّ تائب ) (١) .

٣ - النزوعُ إلى الانتقام

إنّ من أقبح ردود الفعل التي يلجأ إليها الأشخاص لتسكين عُقدة الحقارة في أنفسهم والتعويض عن ضعفهم وذلّهم:حَمل الضغائن ومشاعر الانتقام ، وهذا ما يُدينه الوجدان السليم والمنطق القويم، وترفضهُ جميع الأديان؛ لِمَا فيه من الأضرار التي لا تُحصى وأهمّها ما يلي:

١ -الظلمُ وتمهيد الأرضية لعذاب الضمير، قال الإمام علي ( عليه السلام ):( مَن أضمرَ الشرَّ لغيره، فقد بَدأ به نفسه ) (٢) .

٢ - إظهارُ عُمق الرذيلة وضِعة النفس، قال الإمام علي ( عليه السلام ):( المُبادرة إلى الانتقام من شيَم اللئام ) (٣) .

٣ -إلحاقُ الأضرار المادّية والمعنوية والفردية والاجتماعية، ويُعدّ موضوع إلقاء ( حامض النتريك ) من قِبل شابّ أخفقَ في خطوبة فتاة من أهلها ونَشرتهُ الإذاعات، خيرُ شاهد بهذا الخصوص، وقد نَشرتهُ إحدى الصُحف تحت عنوان:( المسبّبين لحادث إراقة حامض النتريك يحاكمون في محكمة الثورة، بوصفهم مفسدين في الأرض ) ، ففي الثامن من شهر بهمن من العام المنصرم، وتحديداً في جنوب طهران، بادرَ شابّ يُدعى ( حميد ) رَفضت عائلة البنت تزويجهُ إيّاها، إلى انتقام رهيب، حيث أقدمَ حميد رضا على إعطاء شابّين اسمهما: محمود، وحميد مبلغ مليون تومان؛ ليُلقيا حامض النتريك على وجه الفتاة المدعوّة ( فائزة )، البالغة من العمر ١٧ عاماً،

____________________

(١) مشكاة الأنوار: ص ١١٠، طبع النجف.

(٢) غُرر الحِكم: ٢ / ٦٧٧.

(٣) فهرست الغُرر والدرر للآمدي: ص٣٩٦.

١٦٧

فاستقلاّ درّاجة نارية ووقفا في الساعة السابعة وعشر دقائق صباحاً، في الطريق الذي تسلكهُ فائزة مع أختها ( فتانه )، البالغة من العمر تسع سنوات إلى المدرسة، وهناك ألقى محمود حامض النتريك على وجه الفتاتين!

وعلى أثر ذلك سافرت الفتاتان إلى ألمانيا لإجراء عدّة عمليات جراحية، وقد أصدرَ قاضي المحكمة العامّة في طهران حُكمه على منفّذ الجريمة - يعني محمود -بالقصاص ، ودَفع سُدس الديّة الكاملة وثلاثة ملايين وستمئة ريال كأرش للنقص الحادث، والحَبس لمدّة ١٥ سنة، وسبعين جَلدة، كما حُكمَ على كلّ من: حميد رضا الخطيب الحاقد، وحميد سائق الدرّاجة النارية، باتّهام الضلوع في هذه الجريمة بالسجن مدّة ثلاث سنوات، وسبعين جَلدة أمامَ الملأ العام، ولكنّ هذا الحكم جوبِهَ باعتراض فائزة وفتانه وسائر الناس، ممّا حَدا بالديوان العالي للدولة إلى استئناف الحكم؛ بسبب بثّ الرُعب والخوف والإخلال بالأمن العام، ومحاكمة المدعوّين بوصفهم مُفسدين في الأرض(١) .

وقد نشرَت هذه الصحيفة صوراً للفتاتين توضِّح حالتيهما قبل الحادث وبعده، وقد رَقّ لمظهرهما الجميع.

فهذا النوع من الانتقام للتنفيس عن العُقد بدلاً من أن يحلّ المشكلة، خَلقَ إلى جانبها مئات المشاكل الأخرى.

وللأسف الشديد، فإنّ تَبَعات( عُقدة الحقارة ) للتعويض عن الإخفاق الذي يصيب الأفراد في مراحل الطفولة، تتجلّى على مختلف الصور، وتُعرّض أرواح وأموال العديد إلى الخطر، منها: أنّ بعض المصابين بهذه العُقدة ينتحلون مهنة الطبّ كِذباً، ويرتكبون من الأخطاء ما لا يمكن تلافيه، وطبقاً لتقرير فإنّ هناك ٧،٧٧% من الأطبّاء المزيّفين هم من المصابين بعُقدة الحقارة(٢) !

____________________

(١) صحيفة إيران: العدد ٥ - ٨.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ٦٧٣.

١٦٨

(٢١)

عُقدة الحَقارة وطُرق علاجها

عَرفنا في المقال المتقدّم: إنّما يقوم به بعض الأفراد من أعمالٍ للتعويض عن النقص الحاصل لديهم، ومعالجة ما يسمّى بعُقدة الحقارة، لا ينفع في حلّ مشاكلهم، بل يؤدّي إلى ظهور مشاكل أخرى! فما الذي ينبغي فعله؟

من خلال الرجوع إلى:القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، والأُسس العلمية، والتجارب العملية ، سنستعرض فيما يلي الطُرق التي تنفع في رفع النواقص، وحلّ المشاكل الروحية ومعالجة عُقدة الحقارة:

ألف - تقويمُ النفس

ما أكثر الكفاءات والطاقات والقابليات الكامنة في وجودنا والتي يمكن استثمارها؟ فهل تدبّرنا في كلّ هذه القابليات؟

تقدّموليَم جيمس وهو أبرز علماء النفس في أمريكا بدراسةٍ قال فيها:إنّ الإنسان لا يستثمر سوى ١٠% من قابلياته وكفاءاته.

ثمّ جاءت بعدهُ الباحثة الاجتماعية الشهيرة( مارغريت ميد ) ، فقامت بخفض هذه النسبة إلى ٦%، بينما يرى( هربرت أوتو ) أنّ الإنسان لا يستثمر سوى ٤% من كفاءاته حيث قال: ( إنّ هذه النِسب المئوية آخذة بالنقصان؛ لأنّنا نكتشف يومياً طاقات كامنة في الإنسان هي أكثر وأقوى ممّا كنّا نعرفهُ من الطاقات )(١) .

 ____________________

(١) صحيفة همشهري: العدد ١٧٥٧.

١٦٩

فإذا واجهنا مشكلة وأثّرت علينا سلبياً، فلماذا نواصل النظر إلى هذه الجهة؟ ونفكّر فيها على الدوام؟ فلا نستفيد من الطاقات الفاعلة في أنفسنا، ولا نتعرّض لنور الهداية الذي ينقدح أحياناً أمام أعيننا؟

فلنطالع القصّتين الآتيتين اللتين اغتنمَ بطلاهما كفاءاتهما وانتهيا إلى النجاح.

١ - العملُ بالفم والأسنان!

هناك شخص اسمهُ السيّد حسن الحسيني، ولِد وهو مصاب بشللٍ في يديه ورجليه، وقد تمكّن بعد أربع سنوات من الجهد المتواصل، من إصلاح الساعات الرقمية بواسطة فَمه وأسنانه، وقد ذَكر في مقابلةٍ لهُ أجراها قسم الأخبار في الإذاعة: إنّه شاهدَ في عام ١٣٦٠ فيلماً سينمائياً بثّه تلفزيون الجمهورية الإسلامية، وكان عنوانهُ( نوريكو ) ، فعقدَ العزم من حينها على ممارسة النشاطات الاجتماعية، والآن - مضافاً إلى تمكّنه من انجاز كافّة أعماله الشخصية من قبيل الكتابة والسواك - يُمكنه أيضاً انجاز أعمال أصعب مثل: إصلاح الساعات الرقمية والطباعة، كما نجحَ في صنع مروحة ومثقاب بواسطة استخدام أسنانه، والاستفادة من يديه كعَتَلة للإسناد، دون أن يُساعده شخصٍ آخر(٢) !

٢ - شاهدتهُ فحصّلتُ السعادة

بعد مضي سنة على زواجي، أُصبتُ بنكبة أضاعت جميع ثروتي، فأخذتُ أنظر إلى الحياة ولا أرى سوى الظلام، وفي أحد الأيام كنتُ أمشي في الشارع على غير هدىً، ولم يكن عندي سوى مئة تومان، فشاهدتُ رجلاً قد فقدَ كلتا رجليه وهو جالس على كرسيه المتنقّل يدفع عَجلاته بيديه، وبعد أن اجتازَ التقاطع ووصلَ إلى رصيف المارّة،

____________________

(٢) صحيفة كيهان: العدد ١٧٨٤٣.

١٧٠

صادفَ هناك صديقاً له فابتسمَ في وجهه، وقال لهُ والحبور يملأ جوانحه: السلام عليكم، إنّهُ صباح جميل! أليس كذلك؟!

فشعرتُ حينها وأنا أنظر إليه بمقدار ثروتي، إذ كنتُ أمتلك رِجلَين، وكان بإمكاني أن أمشي، فخجلتُ من عدم شكري للنعمة، وقلتُ في نفسي: إذا أمكنَ لهذا الرجل أن يكون سعيداً وفرحاً برغم إصابته، فلماذا لا أكون أنا سعيداً؟

وفجأة أحسستُ بالشجاعة والأمل يملآن وجودي، فاقترضتُ مئة ألف تومان من صديقٍ لي جعلتها رأس مالي، فاشتريتُ بها ماكنة خياطة مستَعمَلة وقطعاً من القماش الزائد وخيوطاً وأشرطة، وقمتُ بمساعدة زوجتي بخياطة ملابس للأطفال، وأنا اليوم أمتلك - بفضل تلك الثروة القليلة - مَعملاً لخياطة ثياب الأطفال واستعدتُ النجاح، وأنا حالياً أشكر الله على الدوام؛ لأنّه وضَعَ ذلك الرجل في طريقي.

ب - لنَفتح النوافذ

إنّ الشعور بالذلّ والعجز إذا غدا بسبب الجهل والعناد شعوراً بالضياع وعُقدة الحقارة، يسدّ على الفرد جميع نوافذ الحياة، حتّى يرى كلّ شيء وكلّ شخص عدوّاً لهُ، ويرى العالَم المضيء مظلماً!

وهنا يجدر بمثل هؤلاء المرضى أن يتحرّروا من حصار هذه الأوهام، ويفتحوا نافذة النور المطلّة على العالَم الفسيح والجميل، وينظروا إلى المَشاهد الخلاّبة للطبيعة، ليعود لهم صفاء القلب والأمل.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( أطلِق عن الناس عُقدة كلّ حِقد، واقطَع عنكَ سبب كُلِّ وتر ) (١) .

وذكر الدكتورب. رامبينسون : ( إذا أيقنَ الإنسان بحقارته وعدم كفاءته، يكون قد حَكمَ على نفسه بالسجن، فيرى نفسه دائماً في منتهى الضَعف، وبما أنّه يرى الآخرين أفضل منه، تراهُ يسير وفقاً لرغبات الآخرين،

____________________

(١) نهج البلاغة: الكتاب ٥٣، وهو المعروف بعهد الأشتر.

١٧١

وبذلك يفرض على نفسه طوقاً آخر، وكم هو مُحزن أن يعيش الإنسان دون أن يدرك حقيقته وحقيقة الآخرين؟ ولا يمكن مُعالجة هذا المرض إلاّ بواسطة ذهن وقّاد ومنفتح، فلسنا ملزَمين بالسماح لذهننا المنغلق أن يصدّنا عن السموّ والتكامل، يمكننا أن ندرس الحياة ونبحث عن المَواطن التي تُعيق تكاملنا، وكلّما يمرّ يوم يمكننا أن نفتح أذهاننا على تجربة جديدة )(١) ، ومن خلال مشاهدة الجمال والنجاح الموجود في رقعة الحياة، نُبادر إلى بلوغ حياة جديدة ونصرٍ جديد.

ج - نعمةُ النسيان!

إنّ استذكار الحوادث المريرة والمؤلِمة في أيّام الطفولة وما بعدها، بمثابة المرض الفتّاك الذي ينتشر سريعاً، فإنّه يُعمّق الكآبة ويُشدّد عُقدة الحقارة، ويجعل صدر الإنسان يغلي كالأتون، ويسلبهُ القدرة على اتخاذ القرار، ويُفقده الأمل والنشاط.

ولكن علينا أن نُدرك أنّ الله سبحانه وتعالى حيث نظّم جميع مصالحنا، فقد ألهمَنا نعمة النسيان أيضاً، لكي نتمكّن بواسطتها من بلوغ الأمل والسكينة.

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ، النعمة في النسيان؛ فإنّه لولا النسيان ما سلا أحد عن مصيبة، ولا انقضت لهُ حسرة، ولا ماتَ له حِقد، ولا استمتعَ بشيء من متاع الدنيا مع تذكّر الآفات ) (٢) .

وعليه: يكون التغافل ونعمة النسيان خطوة مؤثّرة لتسكين الآلام وحلّ العُقد والاضطرابات الروحية، ولكن هل هذا ممكن؟ نعم؛ لأنّ الله قد ألهمَ الإنسان نعمة النسيان،والمهمّ في البين: هو أن يتمكّن الإنسان من الاستفادة من هذه النعمة الكبيرة، وذلك بأن يبذر مزرعة الذهن بالورد والرياحين، ويملأها باللآليء الأفكار السامية والمتعالية، وأن يأخذ بالحسبان ما أشدّ صعوبة في مسار الحياة، وأن يكون على مستوى المسؤولية للاستمرار في الحياة وتحمّل ثقل ذلك، واللجوء إلى قراءة الكتب المناسبة، وتغيير المكان والعمل والحرفة، ومزاولة السفر الترفيهي، للحيلولة دون أن يغدو ذهننا مَسرحاً للأفكار والوساوس الشيطانية؛ لأنّ مثل هذه الأفكار قَمين بأن يُدمّر الحياة ويجعلها حالِكة.

____________________

(١) صحيفة همشهري: ٨ بهمن، العدد ١٧٥٣، ص١٢.

(٢) توحيد المفضّل: ص٧٨، بحار الأنوار: ٣ / ٨١.

١٧٢

د - العلمُ والمعرفة

إنّ ادّخار العلم والمعرفة من الطُرق الأخرى التي تُغيّر رؤية المصابين بعُقدة الحقارة، فإنّ الشباب الذين يَقدِمون على السرقة والأعمال المنافية للأخلاق تنفيساً عن عُقدهم، هم في الغالب من الأميّين، أو الذين أخفقوا في دراستهم الذين يعيشون في ضمن أُسر محرومة من العلم والمعرفة!

إنّ العلم والمعرفة يمنحان الإنسان قدرة الاستفادة من أفكاره للعثور على حلولٍ لمشاكله!

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( العلمُ سلطان، مَن وجدهُ صالَ به، ومَن لم يجدهُ صيلَ عليه ) (١) .

وأيّاً كان، فإنّ العلم والمعرفة يُنيران الذهن ويقومان بدعم الإرادة، حتّى إذا احتدمَ الصراع بين النفس والأوهام الواهية والداعية إلى التنفيس عن العُقد، فإنّ الإنسان سوف يسعى إلى إيجاد الحلول وعلاج نفسه، ويقوم بإخراج الأشواك العالقة في رِجله بتعقّل ورويّة.

أجل، في ظلّ مثل هذا العلم والمعرفة التي تُعدّ حالياً من الطُرق المهمّة لبلوغ السعادة والحياة الطيّبة، يمكن للإنسان أن يستعيد ثقتهُ بنفسه ويُبادر إلى معالجتها.

يقول الدكتور( مارتين شيارد ) بشأن هذا النوع من الطبّ النفسي: ( إنّ هذه الطريقة تهدف بشكلٍ عام إلى أمرين:الوقاية من الألم، ومعالجته بواسطة المصاب نفسه، وأساس ذلك يقوم على شيئين: البدء بالنفس بأن يكون الإنسان صادقاً مع نفسه والآخرين، وإنّ أكثر الآلام النفسية بما لها من الآثار الفردية والاجتماعية ناتجة عن إهمال هذين الأمرين، إنّ هذه الطريقة تقول: إنّ منشأ جميع الشرور والخيرات راجع إلى الإنسان نفسه، وحيثما يظهر الشرّ يكون من ورائه عدم الصلاح )(٢) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٣٩١، الحديث ٦٠٠.

(٢) صحيفة همشهري: العدد ١٧٦٨.

١٧٣

هـ - الجِدّ والعمل

لا تندهشوا إذا اعتبرنا بذل الجُهد والعمل الجسدي أفضل وأكثر الطُرق تأثيراً في معالجة الضَعف والنقص وعُقدة الحقارة؛ ذلك أنّ الخصوصية الأولى للعمل والمجهود الجسدي: هي أنّه يُشغل فكر الإنسان ويجعلهُ مُنهمكاً فيه، حتّى لا يترك له فرصة الحقد والتنفيس عن العُقد.

إنّ العمل مضافاً إلى أنّه يدرّ علينا أرباحاً مادّية ويُنشّط جسمنا، فإنّه يبعث الأمل فينا بحيث يسدّ علينا طُرق التفكير في الانتقام واحتقار الآخرين، ولا يدع لنا فرصة حَمل الضغائن والتنفيس عن العُقد تجاه الآخرين.

وقد قال الدكتور( صموئيل سمايلز ) بشأن القيمة العلاجية لبذل الجُهد والعمل: ( إذا اعتاد الشباب على العمل اليدوي، فإنّهم بذلك سوف يُتقنون صنعة ويضمنون سلامتهم الجسدية، ومضافاً إلى ذلك ينمو في أنفسهم حُبّ العمل والنفور من الكسل، ويَظهر عليهم النشاط والخفّة )(١) .

وعلى كلّ حال؛ فإنّ الاحتياج المادّي يُعدّ أرضية مناسِبة لذلّة الإنسان، ويفتح أمامهُ الطريق إلى تحقير الآخرين، وعلاج ذلك يكمن في العمل الذي يدرّ على صاحبه الأرباح المادّية، ويسدّ لهُ باب تحقير الآخرين.

إنّ( كولين ) الكيميائي الشهير، لم تكن عنده الثياب الكافية حينما كان يذهب إلى المدرسة، إلاّ أنّ بوادر الذكاء عليه جَعلت مُعلّمه يُكثر من الثناء عليه، وفيما بعد اشتغلَ في صيدلية فانتبهَ صاحب الصيدلية إلى قوّة ساعدَيه، فأوكلَ إليه عملية سَحق بعض الأدوية، إلاّ أنّ ذلك أدّى به إلى ترك الدراسة، فاضطرّ إلى ترك العمل وانتقل إلى باريس، إلاّ أنّه مرضَ هناك بسبب البطالة والجوع،

____________________

(١) اعتماد بنفس: ترجمة علي، ص١٩٩.

١٧٤

ولكن بعد أن أُرسلَ إلى المستشفى وتمّ علاجه هناك تعرّف على( فوكروي ) الكيميائي المعروف، والذي ما أن رأى كفاءة( كولين ) حتّى أولاهُ احترامه وتكريمه، وفي آخر الأمر اكتسب كولين مهارة عالية في مادّة الكيمياء، جَعلتهُ يحلّ محلّ أُستاذه بعد وفاته(١) .

كان( اندرو جاكسن ) موضعاً لسخريّة الآخرين بسبب عمله في الخياطة، إلاّ أنّه كان من الدقّة والمهارة وحفظ العهد بمكانٍ، أهّله إلى أن يتولّى فيما بعد منصب رئاسة الجمهورية في( اتاروني ) ، وحينما استمرّ مُنافسوه بالسخريّة منه، قال في بعض خطاباته:لم يكن هناك من بأسٍ في عملي، فقد كنتُ حينها معروفاً على ما أنا عليه حالياً من الكفاءة وأداء الأمانة (٢) .

وكان لي زميل في المدرسة، كان بعض المغرورين من الذين يرون أنفسهم من أبناء الذوات، يسخرونَ منهُ بسبب عمل والده البسيط والمتواضع، إلاّ أنّ ذلك الشابّ لم يعبأ بما كانوا يقولون، وواصلَ دراستهُ حتّى صارَ طبيباً حاذقاً يُشار إليه بالبَنان، وله عيادة حالياً في طهران يُراجعه فيها آلاف المرضى بما فيهم أولئك الذي سَخروا منه.

فالذي نريد قوله هو:إنّ العمل يوجِب الرفعة والشرف، ويراهُ الإسلام عبادة وعزّةً وسموّاً .

وأمّا بشأن اختيار نوع العمل فلابدّ من مراعاة أمرين:

١ - اتّخاذ مهنة الأب

إذا أمكنَ لشخصٍ المُضي على ما كان عليه أبوهُ من صناعة، فسيكون عملهُ أكثر فائدة، وذلك من خلال الالتفات إلى الأرضية الممهّدة، والحفاظ على شؤون الأسرة والظروف الاجتماعية، خاصّةً وأنّ الأب قد قطعَ أشواطاً في تلك الصَنعة، وتحمّل الصِعاب حتّى اكتسبَ التجارب فيها،

____________________

(١) المصدر المتقدّم: ص٢٢ - ٢٦.

(٢) المصدر المتقدّم.

١٧٥

وحصلَ من جرّاء ذلك على ثروة مادّية ومعنوية، هذا مضافاً إلى أنّ أصدقاء والده والمرتبطين به - بشكلٍ من الأشكال - سوف لا يُضنون عليه بالإرشاد والمؤازرة.

قال الإمام علي ( عليه السلام ):( مَن عملَ عَمَل أبيه، كُفيَ نصف التَعب ) (١) .

٢ - لابدّ دون الشهد من...

وعلى العموم، فإنّ العمل والجدّ من الأمور التي لا تأتي إلى الإنسان طواعية، خاصّةً إذا لم يكن للشخص مهارة فيه، بل على الإنسان أن يسعى وراء العمل من خلال حصوله على المعلومات الكافية، والمثابرة في المجال الذي يريد أن يعمل فيه، وفي الحركة البركة، ومَن جدَّ وجَد وقيل أيضاً:لابدّ دون الشهد من إبر النَحل .

و - جزاءُ الإساءة

يندر أن لا يتعرّض شخص إلى إساءة من قِبل أقربائه، أو غيرهم عمداً أو سهواً، فما الذي ينبغي فعلهُ في مثل هذه الموارد؟ هل من الصحيح أن نَحمل الحِقد والضغينة لمَن أساء لنا ونردّ على الإساءة بمثلها؟

لا شكّ في أنّ الإساءة لا تُثمر سوى الإساءة، وإذا استمرّ ذلك فسيحتلّ مساحة واسعة، وستغدو الحياة منغّصة، إذاً فليس من المعقول أن نُعالج الإساءة بمثلها، فإنّ إضمار الشرّ وردود الفعل التي يراد منها إظهار الغلبة، لا تحلّ المشكلة، بل تزيد من اتّساع رقعة الشرّ، وتشجّع المعتدي على الاعتداء أكثر من خلال سلوكيته في بثّ الخوف والذعر، ليُثبت أنّه أشدّ قسوة وأكثر من تعرّضه أفعاله للعنة الناس وخالقهم!

قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( إنّ شرّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، مَن يخاف الناس شرّه ) (٢) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ٢٠ / ٣٣٥.

(٢) كنز العمّال: ٣ / ٥٠٢.

١٧٦

وعلى كلّ حال، فلا ينبغي لأحدٍ أن يوجّه إهانةً إلى أخيه، حتّى لا يؤذيه ويُسبّب له عُقدة الحقارة، ولكن إذا وجّه شخص إساءة إلى أخيه، فلا ينبغي للأخير أن يضمر لهُ الحقد ويتربّص به الدوائر ليقابله بمثل إساءته، وإنّما من أنجح طُرق العلاج وأنفعها:مقابلة الإساءة بالإحسان، قال تعالى في محكم كتابه الكريم:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (١) .

ولذا فمن أجل التقليل من التحقير والتوهين ورفع النواقص والتخلّفات ومعالجة عُقدة الحقارة، لابدّ من العلم بأنَّ أيّاً من إضمار الحقد والجريمة وردود الفعل السلبية سوف لا تجلب نفعاً، بل ستزيد من حجم المشكلة وتعقيدها، بل تسدّ طريق الحياة أحياناً، وإنّما لعلاج ذلك ينبغي اللجوء إلى النظر إلى الأمور بواقعية مصحوبة بالأمل، ونسيان الذكريات المرّة، والتسلّح بسلاح العلم والمعرفة وإشباع الذهن بالأفكار الايجابية السامية، وانجاز الأعمال الجسديّة الممتعة والنافعة، ومقابلة الإساءة بالإحسان بُغية القضاء على عُقدة الحقارة، وإذا كانت المشكلة أعمق بحيث لم يمكن معالجتها بالشكل العادي، واضطربت السلسلة العصبية بشكلٍ وخيم، فلابدّ حينها من مراجعة الطبيب المختصّ، إلاّ أنّ أفضل الطُرق وأقلّها كُلفة وأكثرها تأثيراً لمعالجة عقدة الحقارة، هو ما تقدّم أن ذكرناه في هذا المقال.

____________________

(١) سورة المؤمنون: الآية ٩٦.

١٧٧

(٢٢)

الزواجُ المدروس

إنّ الاقتران العاطفي والمتناغِم بين الرجل والمرأة - الذي يهدف لسدّ الحاجة الجنسية والنفسية، ويحقّق الشعور بالطمأنينة، وينتهي إلى تكثير النسل - هو ما ندعوه بعَقد الزواج.

إنّ الزواج القائم في نظام الخلقة وعالَم الوجود بهدف استمرار الحياة، هو سنّة فطرية وغريزية، يُعدّ التخلّف عنها تخلّفاً عن المسار الطبيعي لنظام الخلقة.

ولا نرى ضرورة للبحث عن أهمية الزواج في المجتمع؛ ذلك أنّ الشباب والمسؤولين في المجتمع والآباء والأمّهات يدركون جميعاً ضرورة الاقتران، وأهميّته في تحقيق الحياة المستقرّة السليمة، ويعتقدون بأنّ الامتناع عن الزواج مُخالَفة لسنّة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )؛ وذلك لأنّه ( صلّى الله عليه وآله ) يقول:( مَن أحبّ أن يتّبع سُنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج ) (١) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( رَكعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب ) (٢) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٣٢٩.

(٢) روضة المتقين: ٨ / ٨٦.

١٧٨

وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أيضاً:( مَن تزوّج فقد أحرزَ نصفَ دينه، فليتقِ الله في النصف الآخر ) (١) .

وقال( سيلفانوس استال ) عالِم الأحياء الفرنسي الشهير: ( إنّ الرجل الذي لا يتزوّج لا يُعدّ مخطئاً في حقّ نفسه فحسب، بل هو يَحكم أيضاً على فتاة بأن تعيش على انفرادٍ، هي بحاجة إلى عون الرجل وعطفه وحنانه )(٢) .

ولكن للأسف الشديد، فإنّ الإحصائيات المنشورة في الصُحف تقول: في الأشهر الثلاثة الأولى من عام ١٣٧٤ هجري شمسي، تمّ تسجيل ١٢٥٠٧٥ حالة زواج، ولكن في عام ١٣٧٥ تشير الإحصائيات إلى انخفاض حالات الزواج في المدّة المشابهة، وارتفاع نسبة الطلاق في المدّة نفسها من عام ١٣٧٦، كما سُجّلت حوالي ١٤٢٢٥٥ حالة زواج، و٧٧٢١ حالة طلاق في الأشهر الأربعة الأولى من عام ١٣٧٧ هجري شمسي(٣) .

فإنّ انخفاض حالات الزواج وارتفاع نسبة الطلاق، وارتفاع سنّ الزواج بين الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي، أمرٌ يدعو إلى القلق، ولابدّ من التفكير في معالجته بشكلٍ جذري.

هناك عدّة أسباب لانخفاض الزواج وارتفاع حالات الطلاق كالظروف الثقافية والاقتصادية، وهو ما سنبحثهُ في هذا الفصل وما يليه، ولكنّنا نقترح على الذين تجاوزوا العَقبات المادّية - التي تحول دون زواجهم - أن يُحدّدوا غايتهم من الزواج، والخصوصيات التي يتوخّونها في شريك حياتهم، وأن يأخذوا بنظر الاعتبار مطالبهم المشروعة ويفكّروا فيها جيّداً.

وفي المرحلة الثانية، لابدّ لأسرة الزوج والزوجة أن يكونوا على معرفة تامّة؛ وذلك لأنّ عدم المعرفة أو المعرفة السطحية والظاهرية والعابرة لا تُجدي شيئاً، بل هي مضرّة وخطيرة أحياناً.

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٣٢٩.

(٢) آنجة يك جوان بايد بداند: ص١٧٠.

(٣) صحيفة إيران: العدد ١٥٥، وهمشهري: العدد ١٠٤٤ و ١٦٢٩.

١٧٩

طُرق المعرفة

قلنا: إنّ المعرفة العابرة والسطحية لا تفي بالزواج السالم الذي يُراد له الدوام، فإذا لم تكن بين الأسرتين قرابة أو جِوار أو شراكة عمل، فلابدّ من التمهّل واجتناب التسرّع - وإن كان خيرُ البرّ عاجلهُ - ليتمَّ التعرّف على شرف العائلة ودينها، وأخلاقها وثقافتها ووضعيتها الاقتصادية، وذلك باتّباع الطُرق الآتية:

١ - إنّ العشيرة والأقرباء الصالحين طريق إلى المعرفة اللازمة.

٢ - يمكن للشركاء في العمل والمدرسة والأساتذة أن يكونوا مصادر مفيدة في المعرفة.

٣ - ويمكن أحياناً للجار أن يكون مفيداً من هذه الناحية إذا كان صاحب تجربة ولم يكن متّهماً.

وفي جميع هذه الموارد التي نسمّيها بالاستفسار أو المشاورة، لابدّ من مراعاة النقاط الآتية بشكلٍ دقيق:

أ - التأكّد من سلامة وأمانة مَن نستشيرهم.

ب - إذا أيقنّا بأمانتهم فلابدّ لنا من مصارحتهم بما نريد الإقدام عليه.

ج - على الذين يقعونَ طرَفاً للاستشارة - على الخصوص في مسألة الزواج - أن يكونوا صادقين حافظين للأسرار، وأن يتجنّبوا هتك الآخرين وإظهار عيوبهم؛ وذلك لأنّ أسرار الآخرين أمانة في أعناقنا وكما وردَ عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، فإنّ إظهارها يُعدّ خيانة(١) .

د - علينا أن نلتفت - على الخصوص في الظروف الراهنة من حياة المُدن - إلى أنّ تحصيل المعرفة بالنسبة إلى طرَفي الزواج، يحضى بأهمية قصوى من الناحية العرفية والعقلائية، وعلى الخصوص الدينية، فلابدّ من التحقيق بشأن هذه الأمور بشكلٍ كامل.

____________________

(١) بحار الأنوار: ٧٤ / ١٨٩.

١٨٠