ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب0%

ما يحتاجه الشباب مؤلف:
الناشر: ناظرين
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 214

ما يحتاجه الشباب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: أحمد الصادقي
الناشر: ناظرين
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 138138
تحميل: 6725

توضيحات:

ما يحتاجه الشباب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138138 / تحميل: 6725
الحجم الحجم الحجم
ما يحتاجه الشباب

ما يحتاجه الشباب

مؤلف:
الناشر: ناظرين
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أجل، إنّ هذا النوع من التأثّر بالمعارف الإنسانية الخالصة، والتأثير من خلالها في الآخرين طوال تاريخ الإسلام - على الخصوص بين جيل الشباب - قد أوجدَ من المعاجز وخلقَ من الأبطال الذين ضحّوا بأنفسهم وتركوا تأثيرهم في المجتمع، نذكر منهم على سبيل المثال النماذج الآتية:

١ - حنظلة غَسيل الملائكة

كان ( أبو عامر ) والد حنظلة راهباً مسيحياً، وكان زعيم الأوس وله طمعٌ في الرئاسة، فلم يستسلم لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وهو الذي أمرَ بتأسيس مسجد ضرار، وحاكَ بعض المؤامرات ضدّ الإسلام، فحكمَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عليه بالفِسق.

إلاّ أنّ ابنهُ حنظلة قد تأثّر بأخلاق الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) وتعاليم الإسلام الخالصة، فأسلمَ على يده وحَسنت صُحبته لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، وفي ليلة زواجه من ( جميلة ) بنت ( عبد الله بن أُبيّ بن سَلول )، أصدرَ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) أمراً بالنفير العام والتوجّه إلى ( أُحد )، فاستأذنَ الرسول بالبقاء إلى حين إتمام الزفاف واللحاق بالجيش بعد ذلك، فنزلَ قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (١) .

فاغتنمَ حنظلة المؤمن سويعات من تلك الليلة وابتَنى بزوجته، إلاّ أنّ ضيق الوقت لم يسمح لهُ بالاغتسال من الجنابة، فانطلقَ إلى المعركة على تلك الحالة واستشهدَ مع نفرٍ من المسلمين.

فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ):( رأيتُ الملائكة تُغسّل حنظلة بين السماء والأرض ) (٢) ، ومن هنا لُقّب حنظلة بغسيل الملائكة.

____________________

(١) سورة النور: الآية ٦٢.

(٢) بحار الأنوار: ٢٠ / ٥٨، ٢٢ / ٩٩.

٦١

٢ - حُذيفة بن حسيل

وهو المعروف بـ ( حُذيفة اليماني )، وقد جاء هو أبوه إلى مكّة لرؤية النبيّ ( صلّى الله عليه وآله )، فتأثّرا به وأسلما على يديه واشتركا في كثيرٍ من الحروب دفاعاً عن حياض الإسلام، وبَذَلا في ذلك كثيراً من التضحيات.

وقد أدّى إيمان حُذيفة وإخلاصه ووفاؤه، أن لا يقع في التيه الذي وقعَ فيه كثير من المسلمين بعد وفاة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله )، بل أخذَ يدعو المخدوعين إلى إرجاع الحقّ إلى أهله ونصرة الإمام ( عليه السلام )، وفي واحدة من خُطبه البليغة شنّع على الذين زووا حقّ الإمام عنه وتمرّدوا على أوامره، وكان بين الجموع التي تستمع إلى خطابه شاب إيراني يُدعى ( مسلم )، أثّرت فيه كلمات حُذيفة فقامَ شاهراً سيفه وقال: سمعنا كلامك وأدركنا أنّ عليّاً ( عليه السلام ) هو المقصود بقوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، ثمّ سَردَ حُذيفة قصّة طويلة بناءً على طلبٍ من هذا الشاب، حول أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) هو الذي لقّب الإمام عليّاً ( عليه السلام ) بـ ( أمير المؤمنين ) دون سواه(٢) .

كما كان مُسلم الشابّ من أنصار الإمام علي ( عليه السلام ) الأوفياء والمؤمنين، وقد بقى على صُحبته إلى حين استشهاده في واقعة الجمل سنة ٣٦ للهجرة، التي فرضها الناكثون على الإمام علي ( عليه السلام )، حيث كان مسلم في عِداد الذين أرسلهم الإمام لموعظة مُثيري الفتن.

وقد ذَكر التاريخ إيمان هذا الشابّ بدينه وإمامه في صَفحات مُشرقة، جاء في بعضها: أنّ الإمام ( عليه السلام ) أراد الحيلولة دون نزف الدماء، فعمدَ مراراً إلى إرسال بعض أصحابه إلى الأعداء بُغية صدّهم عن الحرب، ودعوتهم إلى حِقن الدماء، وكان مسلم في كلّ مرّة يعلن عن تطوّعه لهذه المهمّة، برغم أنّ الإمام كان يُصرّح لأصحابه بأنّ الذي يتولّى القيام بهذه المهمّة سيُعرّض حياته للخطر،

____________________

(١) سورة المائدة: الآية ٥٥.

(٢) بحار الأنوار: ٢٨ / ٩٠، ٣٧ / ٣٢٥.

٦٢

 إلاّ أنّ مُسلماً أصرَّ على موقفه، وتوجّه نحو جموع الأعداء الذين كانوا يرشقون معسكر الإمام ( عليه السلام ) بوابِل سهامهم، فوقفَ أمامهم رافعاً كتاب الله بيده اليمنى ودعاهم إلى اتّباع القرآن والانصياع لأحكامه، إلاّ أنّهم قَطعوا كلتا يديه ثمّ مزّقوه برماحهم، فاستشهدَ وهو يضمّ القرآن إلى صدره!

فقال الإمام علي ( عليه السلام ) فيه:( إنّ الفتى ( مُسلم ) ممّن حشا الله قلبهُ نوراً وإيماناً ) (١) .

٣ - زكريا بن إبراهيم

والنموذج الآخر للتأثّر بالحقّ والتأثير من خلاله عَبر السلوكية الحسنة، نجدهُ في شخصية زكريا بن إبراهيم، كان زكريا من أهل الكوفة وقد عاشَ وسط عائلة نصرانية، وقد وردَ عنه في أصول الكافي أنّه قال: ( كنتُ نصرانياً فأسلمتُ وحَجَجتُ، فدخلتُ على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقلت: إنّي كنتُ على النصرانية وإنّي أسلمتُ، فقال:( وأيّ شيء رأيتَ في الإسلام؟ قلتُ: قول الله عزّ وجل:( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإيمَان وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء ) (٢) ، فقال:لقد هداك الله، ثمّ قال:اللهمّ اهدهِ ثلاثاً، ثمّ قال:سَل عمّا شئت يا بُني، فقلت: إنّ أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي، وأمّي مكفوفة البصر، فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ فقال:يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا، ولا يمسّونه، فقال:لا بأس، فانظر أمّك فبرّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كُن أنت الذي تقوم بشأنها، ولا تُخبرنَّ أحداً أنّك أتيتني حتّى تأتيني بمِنى إن شاء الله، قال: فأتيتهُ بمنى والناس حولهُ كأنّه معلّم صبيان، هذا يسأله وهذا يسأله، فلمّا قَدمتُ الكوفة ألطفتُ لأمّي وكنت أُطعمها، وأُفلي ثوبها ورأسها وأخدمها، فقالت لي: يا بني، ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني، فما الذي أرى منك منذ هاجرتَ فدخلت في الحُنيفية؟ فقلت: رجل من وِلد نبيّنا أمرَني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبيّ؟ فقلت: لا، ولكنّه ابن نبي،

____________________

(١) بحار الأنوار: ٢٨ / ٩٠، ٣٧ / ٣٢٥.

(٢) سورة الشورى: الآية ٥٢.

٦٣

 فقالت: يا بُني إنّ هذا نبيّ، إنّ هذه وصايا الأنبياء، فقلتُ: يا أُمَّي، إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبي، ولكنّه ابنه، فقالت: يا بُني، دينك خير دين، اعرِضهُ عليّ، فعرَضتهُ عليها فَدَخلت في الإسلام وعلّمتُها، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثمّ عَرضَ لها عارض في الليل، فقالت: يا بُني، أعِد عليَّ ما علّمتَني، فأعدتهُ عليها، فأقرّت به وماتت، فلمّا أصبَحت كان المسلمون الذين غسّلوها، وكنتُ أنا الذي صلّيتُ عليها ونزلتُ في قبرها )(١) .

٤ - الفُضيل بن عيّاض

إنّ الفُضيل بن عيّاض من نماذج التغيير والتحوّل من أودية الضلالة والانحطاط إلى ساحل النجاة والشموخ.

ولِد الفُضيل بن عيّاض بن مسعود التميمي عام ١٠٥ للهجرة في سمرقند، وهو كوفي، وكانت وفاته عام ١٨٧ للهجرة في مكّة المكرّمة، وكانت حياته مليئة بالمنعطفات وخلاصتها كما يلي:

كان الفُضيل في بداية شبابه قاطع طريق وسارقاً، ثمّ تزعّمَ جماعة من قطّاع الطُرق!

وكان الناس - وعلى الخصوص التجّار الذين كانوا ينقلون قوافلهم التجارية وبضائعهم من بلدٍ إلى بلد - قد ضاقوا ذَرعاً من انعدام الأمن، ونهب أموالهم على يد الفُضيل وأصحابه!

وقد كان لجاره في الكوفة فتاة فطمعَ بها، ولمّا رآها ذات يوم قال لها: سنقتحمُ داركم في هذه الليلة ( وطبعاً إنّ مَن كان بهذا المستوى من الوقاحة والاستهتار ويخافهُ الناس، يكون مصداقاً لقول الإمام علي ( عليه السلام) بأنّه أسوأ الناس )(٢) .

____________________

(١) أصول الكافي: ٢ / باب البرّ بالوالدين، ص١٢٨، الحديث ١١.

(٢) غُرر الحِكم: ١ / ٤٤٧.

٦٤

وعلى أيّ حالٍ، حينما قاربَ الفُضيل ذلك البيت سمعَ شخصاً يقرأ القرآن ويتلو هذه الآية:( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) (١) .

فأصغى الفُضيل بشكلٍ جيّد وفكّر فيها مليّاً، فقال مُلبياً أمْرَ الله تعالى: ( قد حانَ وقتُ خشوع قلبي )، ثمّ بكى بكاءً عالياً، وتركَ السَرقة، ولدى عودتهُ صادفَ خَربة وقد نَزَلت بها بعض القوافل، وسمعَ شخصاً يقول لآخر: انتبهوا في هذه الليلة جيّداً؛ فإنّ الفُضيل بن عيّاض كامنٌ لنا في الطريق! فتألّم الفُضيل بشدّة وقال في نفسه: كم بَلَغت بك الشقاوة يا فُضيل حتّى أفزَعتَ الناس؟ وأخذَ هنا أيضاً بالتضرّع والابتهال إلى الله والتوبة، وقال لأصحاب القافلة: لقد تابَ الفُضيل، فليس هناك من خطرٍ يعتريكم من جانبه بعد هذا اليوم! ثمّ تركَ الكوفة متوجّهاً إلى مكّة حيث أقام هناك، وانشغل بالعبادة وإصلاح نفسه حتّى صار من مشاهير العُرفاء(٢) .

____________________

(١) سورة الحديد: الآية ١٦٠.

(٢) تفسير منهج الصادقين: ٩ / ١٦٩.

٦٥

(٩)

الأشجارُ الخضراء

إنّ قافلة الإنسانية في مسيرة دائمة نحو التقدّم والرُقي، وإنّ مصير كلّ مَن تخلّف عن هذه القافلة هو: التخلّف، والضياع، والاغتراب.

ولكي لا نقع في معرض التخلّف عن هذه القافلة، لابدّ لنا من الوعي والبصيرة، وأن نُحسن الاستفادة من وسائل الرُقي والتقدّم بشكلٍ كامل.

وإذا تجاوزنا إرشادات الأنبياء ( عليهم السلام ) والحُكماء والفلاسفة، وجدنا الكثير من الأدوات في رقعة الحياة ومهد الطبيعة، ممّا يُلهمنا العِبر والدروس، ويُخلّصنا من الركود والضياع، ويهدينا نحو الخير والصلاح.

وطبعاً قد تبدو الأمور المطروحة هنا سهلة وسطحية، إذا قورِنت بالظروف الراهنة وبأعمار الشباب، ولكن لو دقّقتم النظر ستُذعنون بخلاف ذلك.

وإضافة لمَا ذُكر، فإنّ القصّة الآتية تُبيّن أهمية تعلّم مسائل الحياة الراهنة والمستقبلية بُغية تحقّقها:

٦٦

عن الإمام الحسن ( عليه السلام ):( إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) دعا بَنيه وبني أخيه فقال: إنّكم صغار قوم، ويوشك أن تكونوا كبار قومٍ آخرين، فتعلّموا العلم، فمَن لم يستطع منكم أن يحفظهُ، فليكتبهُ وليضعهُ في بيته ) (١) .

وعلاوة على ذلك، فإنّ في رقعة الكائنات الحيّة نماذج مختلفة أوصى أئمّة الإسلام بالتدبّر فيها، كما يَحكم العقل والوجدان بالتدبّر فيها أيضاً؛ لنستلهم الدروس ونتعلّم سُبل العِبر والاستقامة والسعي وصولاً إلى النجاح في حياتنا، ومن هذه النماذج:

١ - الديك

رويَ عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( تعلّموا من الديك خمس خِصال: محافظتهُ على أوقات الصلاة، والغِيرة، والسَخاء، والشجاعة، وكثرةُ الطَروقة ) (٢) .

٢ - الغُراب

إنّ طريقة الغراب في العيش تحتوي على خصال نافعة وتربوية أُوصينا بالتدبّر فيها، إذ إنّ الاستفادة منها تساعدنا على صقل شخصيتنا واستلهام العِبر منها.

رويَ عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ):( تعلّموا من الغُراب خصالاً ثلاثاً: استتارهُ بالسِفاد، وبُكوره في طلب الرزق، وحذرهُ ) (٣) .

٣ - النملة

اشتملت سورة النمل على قصّة النملة مع سليمان ( عليه السلام )، ومن هنا اشتهرت هذه السورة باسم سورة النمل.

وقد عدّ الإمام علي ( عليه السلام )، والإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أسرار حياة النملة، دليلاً على وجود خصوصيات استثنائية لدى هذا الكائن الصغير الذكي، ونموذجاً من حِكمة الخالق وقدرته(٤) .

____________________

(١) بحار الأنوار: ٢ / ١٥٢.

(٢) مكارم الأخلاق: ص٢٩٣، بحار الأنوار: ٦٢ / ٣٧٠.

(٣) بحار الأنوار: ٦٨ / ٣٣٩.

(٤) نهج البلاغة: صبحي الصالح، ص٢٠٧، خطبة ١٨٥، توحيد المفضّل: ١١١.

٦٧

إنّ أسرار حياة هذا المخلوق العجيب أدّت بعلماء الأحياء من قبيل ( موريس ميتر لينغ )، العالِم البلجيكي الشهير ضمن إقراره بإحصاء ستّة آلاف نوع من النمل، إلى تأليف كتاب حول ( النمل )، وعجائب حياته المُذهلة في ١٦٠ صفحة، وإذا أراد الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن يستنهض هِمم المُتقاعسين والكُسالى وأراد حثّهم إلى السعي والجدّ قال لهم:( أيعجزُ أحدَكم أن يكون مثل النملة؛ فإنّ النملة تجرّ إلى جُحرها ) (١) .

أجل، إنّ أشهر خصال ( النمل ) هي: صفة الصبر والمثابرة، قال الأمير ( تيمور كوركان ) القائد المغولي الشهير ( المولود في عام ٧٣٦، والمتوفّى عام ٨٠٧، وحَكَم مدّة ٣٦ سنة ): ( لقد تعلّمت دروس الصبر والنجاح من نملة رأيتُها تحمل حبّة في فَمها، وتحاول الصعود بها من خلال جدارٍ إلى ثقبها، إلاّ أنّها لم تكن لتبلغ منتصف الجدار حتّى تسقط إلى الأرض، إلاّ أنّها كانت تُكرّر العملية حتّى بلغت محاولاتها ٦٤ محاولة، تكلّلت آخرها بالنجاح، فتعلّمتُ منها كيفية الصبر في الحروب والانتصار فيها )(٢) .

٤ - القطّ

يُنقل عن ( بزركهر ) الحكيم والعالِم ووزير أنوشيراوان ( ت: ٦٠٣، أو ٦١٠م )، والمعروف في تدبيره وحكمته أنّه قال: كنتُ أتعلّم الخصال الحسنة في أيّ شيء صادفتهُ، فتعلّمتها حتّى من الكلب، والقطّ، والخنزير، والغراب!

فقيل لهُ: ما هي الخصال الحسنة التي تعلّمتها من هذه الحيوانات؟ فقال: تعلّمت من الكلب الوفاء والأُنس بصاحبه، ومن الغراب الحيطة والحَذر، ومن الخنزير الخروج في الصباح الباكر طلباً للرزق، ومن القطّ نعومة موائه وتواضعه للوصول إلى هدفه ومُبتغاه(٣) .

____________________

(١) فروع الكافي: ٥ / ٧٩.

(٢) مكتب إسلام: ١ / ٢٠١، حسين عماد زادة.

(٣) تتمّة المُنتهى: ص٢٣٠.

٦٨

٥ - الجُعَل

كان أبو حجّاج الأقصري من كبار العُرفاء والزاهدين، مُحبّاً للصحابة والتابعين، وقد بلغَ في العرفان والزهد مقاماً شامخاً، وتُعدّ أقواله وسلوكياته درساً يَحتذي به الآخرون.

وذات يوم قيل له: مَن شيخك؟

قال: شيخي أبو جَعران، أي: الجِعل.

فظنّوا أنّه يمزح، فقال: لستُ أمزح.

فقيل له: كيف؟

فقال: كنتُ ليلة من ليالي الشتاء سهران، وإذا بأبي جعران يصعد منارة السراج فيزلق لكونها ملساء، ثمّ يرجع، فعددتُ عليه سبعمئة زلقة، يرجع بعدها ولا يكلّ، فتعجّبتُ في نفسي، فخرجتُ إلى صلاة الصبح ثمّ رجعتُ، فإذا هو جالس فوق المنارة بجنب الفتيلة، فأخذتُ من ذلك ما أخذت(١) .

٦ - حوارُ لقمان وعيسى ( عليه السلام )

قيل للقمان: ممّن تعلّمتَ الأدب؟

فقال: تعلّمتهُ من الذين يفتقرون إلى الأدب، إذ كانوا يُجسّدون لي قُبح سلوكياتهم، فكنتُ أعتبِر بهم فأتجنّب القبيح(٢) .

وقيل لعيسى ( عليه السلام ): مَن أدّبك؟

قال:( ما أدّبني أحد، رأيتُ قُبح الجهل فجانبتهُ ) (٣) .

____________________

(١) الكنى والألقاب: ١ / ٤٤.

(٢) كلّيات سعدي: ص٥٨ و ٤٩.

(٣) بحار الأنوار: ١٤ / ٣٢٩.

٦٩

وصَنعَ عيسى ( عليه السلام ) للحواريين طعاماً، فلمّا أكلوا وضّأهم بنفسه، قالوا: يا روح الله، نحن أولى أن نفعلهُ منك، قال: ( إنّما فعلتُ هذا لتفعلوه بمَن تعلّمون )(١) .

وعلى كلّ حال، فإنّ الاعتبار بما ذُكر من الموارد وعشرات الموارد الأخرى التي يصادفها الإنسان في حياته الاجتماعية، واستلهام الدروس منها، يَفتح أمام الإنسان آفاقاً جديدة لتحديد مسيرة حياته ومصيره، بل يُعدّ له أرضية واسعة لمعرفة الله وتكامله الإنساني.

____________________

(١) بحار الأنوار: ١٤ / ٣٢٩.

٧٠

(١٠)

آفاتُ الشباب الأخلاقية

يبلغ عدد الشباب واليافعين في بلادنا حاليّاً ٢٥ مليون نسمة من مجموع سكّان البلاد، فلو تمتّع هذا العدد الكبير بالفاعلية المطلوبة فإنّهم سيُبشّروننا بمستقبلٍ مُشرق.

إلاّ أنّ الوصول إلى هذا المستقبل المشرق يتوقّف على شرطين:

١ - التخطيط، التوجيه، الهداية، الرقابة والصيانة التي على الأوصياء والمسؤولين في المجتمع أن يقوموا بها بدقّة.

٢ - معرفة الذات واكتشافها، والشعور بالمسؤولية والالتفات إلى القابليات والكفاءات، والاستفادة من الثروات وإنعاش ( شخصيتنا الذاتية )؛ فإنّ هذه الأمور حسّاسة جدّاً وعلى الشباب واليافعين أنفسهم أن يقوموا بها.

وقد تحدّثنا حول الشرط الأوّل في مواطن مختلفة من هذا الكتاب، وسيأتي الكلام حولهُ أيضاً، كما أنّنا تحدّثنا في بعض الفصول المتقدّمة حول الشرط الثاني، ولكن بما أنّ الشباب طبقة استثنائية وأنّ مرحلة الشباب شديدة الحسّاسيّة والتأثّر، ولأجل العوامل المختلفة من الأعداء في الداخل والخارج الكامنين لهذه الطبقة العظيمة بُغية الهجوم عليها هجوماً غادراً، سنتعرّض لبعض موارد موضوع( الآفات الأخلاقية ) ، الذي هو موضوع واسع يرتبط بالدرجة الأولى بالشباب أنفسهم، ونَعقد بحثاً مستقلاً من خلال الالتفات إلى الأمور الضرورية والاستعانة بتوجيهات أئمّة الدين ( عليهم السلام ):

٧١

ألف: الغرورُ والعُجب

إنّ الغرور والعُجب مرضٌ نفسي ينخدع به الإنسان فيقع فريسة التوهّم والتصوّرات غير الواقعية، فلا يعود مُدركاً لحقائق الحياة، والغرور والعُجب ناشئان من الجهل وعدم إدراك الواقعيات وحقائق الحياة ومسائل عالَم الوجود، ولذلك كلّما زادت القدرة الفكرية والعقلية لدى الإنسان، واتّسعت معلوماته وتجاربه وأصبح واعياً وعالِماً، قلّت عنده نسبة الغرور والعُجب والأنانيّة.

يقولأبو حامد الغزالي :( كلّ ما وردَ في فضل العلم وذمّ الجهل، فهو دليلٌ على ذمّ الغرور؛ لأنّ الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل ) (١) .

وبرغم أنّ هذه الصفة القبيحة قد تكون لها جذور وراثية، وتساعد عليها الظروف الخاصّة لمرحلة الشباب، ولكن لكي يسعى الإنسان إلى معالجتها والوقاية من أخطارها، عليه أن يبحث عن جذورها في وجوده بُغية القضاء عليها.

وكما قلنا فإنّ أهمّ ما يدعو إلى الغرور هو:الجهل وعدم الوعي ، وهو كامنٌ في وجود الإنسان ويُخلّف آثاراً مُدمّرة.

قال الإمام علي ( عليه السلام ) بشأن خصلة الجهل القبيحة:( أعظمُ الجهل، جهلُ الإنسان أمرَ نفسه ) (٢) .

ومع الالتفات إلى أنّ المغرور - خاصّةً في مرحة الشباب والمراهقة - يُبتلى بنوعٍ من السذَاجة والأنانية المُفرطة، ويذهب به الخيال إلى درجاته القصوى، فيتصوّر نفسه عظيماً وعالِماً وفاهماً وأنّه أعقل من الجميع، ويرى غيره متخلّفاً وجاهلاً ولا يَعدل شيئاً، وبذلك يَحرُم نفسه من الاستفادة من تجارب غيره، ولا يسعى إلى رفع نواقصه.

____________________

(١) المحجّة البيضاء: ٦ / ١٩٢.

(٢) غُرر الحِكم: ١ / ٢٣٣ ( مكتب الإعلام الإسلامي ).

٧٢

وقد وصفَ الإمام علي ( عليه السلام ) الغرور بأنّه نوعٌ من السُكر المُزمن وقال:( سُكر الغفلة والغرور، أبعدُ إفاقة من سكر الخمور ) (١) .

وقالموريس دبس : ( إنّ جنون العَظَمة مثل: حُبّ الشباب يُعدُّ من أمراض فترة الشباب، إذ إنّ الإفراط وسوء الاستفادة من الاستدلالات التي تبدو منطقية في ظاهرها - على الخصوص جَدلهم وأقيستهم غير الصحيحة - تجعل أفكار الشباب قبيحة للغاية، فيغترّون بقوّة استدلالهم على إثبات أحقّيتهم، ويتكلّمون بضرسٍ قاطع، بل يُبتلى بعضهم بالانهماك في المقارنة والضدّ والنقيض! )(٢) .

ومع الالتفات إلى هذه المخاطر والأضرار الأخلاقية الناشئة عن الغرور والعُجب، تتجلّى ضرورة البحث في أهمّ عوارضه وأضراره بُغية إيجاد الحلول اللازمة:

١ - الأنا والاعتزال

إنّ المغرورين يقعون في أسر التصوّرات الخاطئة، ويحبسون أنفسهم في بيوتٍ عنكبوتية من الأوهام، حتّى ينكرون كلَّ ما سواهم.

وفي ظلّ هذه الظروف، يرى المغرور نفسه ممتازاً عن الآخرين، ممّا يؤدّي بالآخرين إلى تجنّبه والاستياء منه، وبذلك يبقى وحيداً فريداً، ومن ثمّ تجرّه هذه الوحدة إلى الأمراض النفسية والعُقد الروحية!

٢ - الجهل

إنّ منشأ الغرور وإن كان هو الجهل وانعدام الوعي، إلاّ أنّ التمادي في الغرور وحُبّ الذات يؤدّي بالمغرور - سواءٌ كان شابّاً متعلّماً، أو في أيّ مستوىً آخر - إلى الوقوع في شباك التكبّر والنخوة والاستغناء عن الآخرين، فيمتنع حتّى من

____________________

(١) غُرر الحِكم: ٢٦٦ ( مكتب الإعلام الإسلامي ).

(٢) جوان أز نظر عقل وإحساسات: ١ / ١٣٤، بلوغ: موريس دبس، ترجمة: إسحاق لاله زاري، ص١٧٦.

٧٣

الاستفهام والاستفسار من الآخرين، برغم جَهله واحتياجاته العملية في الحياة، فيبقى على ما هو عليه من الجهل! فعلى هؤلاء الأشخاص الالتفات إلى أمرين:

١ - يرى الإمام علي ( عليه السلام ) الجهل مساوياً للموت، ويرى الجاهل ميّتاً بين الأحياء، وإن اعتبرَ نفسهُ حيّاً، قال الإمام ( عليه السلام ):( الجهلُ موتٌ ) (١) ، وقال:( الجاهلُ ميّتٌ بين الأحياء ) (٢) ، وقال:( الجهلُ في الإنسان أضرُّ من الآكلة في البدن ) (٣) .

٢ - علينا أن لا نغترّ بما تعلّمناه من دروسٍ ومصطلحات، أو حصلنا عليه من معلومات وتجارب قليلة، وإنّما علينا أن نذعن بأنّنا لا نزال نجهل الكثير من جزئيات مسائل الحياة وكلّياتها، ولا يزال أمامنا طريق طويل وشاق لبلوغ كُنهها.

يقول الدكتور( جان لاباك افيبوري ) ، المُنجّم والعالِم الطبيعي الانجليزي الشهير: ( لو كنّا نعرف العالَم أكثر من معرفتنا الحالية، أو كان بإمكاننا قياس معلوماتنا إلى مجهولاتنا، لكان لنا رأي آخر، إلاّ أنّ الحقيقة هي: أنّ معلوماتنا إذا قيست إلى مجهولاتنا ستكون نسبتها المئوية ضئيلة جدّاً؛ إذ إنّنا نعيش في خضمّ عِلل وقوى مختلفة لا زلنا نجهلها؛ إذ لا زلنا في مدرسة الطبيعة الكبيرة نُعدّ بمنزلة الأطفال المبتدئين، فنرى كثيراً من الأشياء دون أن ندرك أسرارها، وأنّ معلوماتنا بمثابة قُطر الدائرة، وأنّ مجهولاتنا بمثابة مُحيط الدائرة، فكلّما أطلنا قطر الدائرة، نكون قد وسّعنا في محيطها، لماذا نذهب بعيداً؟ فلا زلنا نجهل أنفسنا ولا نعرفها، وما هي علاقتنا بالطبيعة؟ بل إنّنا لا نعلم شيئاً، ويتعيّن علينا أن نضع علامة استفهام أمام كلّ شيء!

____________________

(١) غُرر الحِكم للآمدي: ص٧٥، الحديث ١١٦٢ و ١١٦٥.

(٢) نفس المصدر.

(٣) غُرر الحِكم: ص٧٣، الحديث ١٠٩٩.

٧٤

٣ - اختلاقُ المعاذير

إنّ من أضرار الغرور الكبيرة جدّاً:اختلاقُ الأعذار التي تحول دون تهذيب النفس والتكامل المادّي والمعنوي؛ وذلك لأنّ الشخص المغرور حينما يرى نفس كبيراً وفاهماً وخالياً من العيوب والنواقص، فإنّه نادراً ما يتقبّل النقد، وقلّما يسعى إلى محاسبة نفسه والتعرّف على عيوبها، والحيلولة دون وقوعه في الأخطاء، وبذلك يظلّ قابعاً في أودية الانحراف والانحطاط والجمود والتخلّف!

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( فمَن أُعجِب بنفسه وفعله، فقد ضلَّ عن منهج الرشاد وادّعى ما ليس به ) (١) .

وقال الإمام علي ( عليه السلام ):( كفى بالمرء منقصة أن يُعظّم نفسه ) (٢) .

وقال الشاعر:

مَلأى السنابل تنحني بتواضعٍ

والفارغات رؤوسهنّ شوامخٌ

طُرق العلاج

ومن مجموع ما قرأناه إلى الآن حول( الغرور والتكبّر ) ، توصّلنا إلى أنّ التكبّر مرضٌ نفسي وآفة أخلاقية عظيمة على الخصوص بالنسبة إلى الشباب، كما بحثنا في أضرارهِ الفضيعة.

وأمّا معالجة هذا المرض الخطير، فعلى الأفراد في الدرجة الأولى أن يلتفتوا إلى أنّ الإمام الصادق ( عليه السلام )، يرى أنّ المتكبّر شخصٌ مسكين جدير بأن يُرثى له! ولذا فعلى المتكبّر وفقاً لوصية الإمام أن يتوب توبة صادقة، وأن يذعن بعجزه أمام الله، وأن يسعى إلى التعرّف على عيوبه، وأن يزيد من معلوماته وبناء نفسه، بُغية القضاء على( صنم العُجب ) الكامن في سريرته، وأن يفكّر بواقعية ليعتدل من الناحية النفسية.

____________________

(١) سفينة البحار: ٢ / ٤٠٨، مصباح الشريعة: ص٨١.

(٢) غُرر الحِكم: ص٣٠٨.

٧٥

ب: آفةُ سوء الظنّ

يُعدّ سوء الظنّ من تَبعات مرحلة الشباب، وإذا تجذّر سوء الظنّ وتحوّل إلى صفة مُلازمة، فينبغي عَدّه مَرضاً نفسياً وآفة أخلاقية.

وقد وصفَ الإمام علي ( عليه السلام ) الشخص المبتلى بسوء الظنّ بالآخرين بأنّه: مريضٌ وعليل، وعَدّ سوء الظنّ آفة التديّن(١) ، وقال بشأن واحد من أضرار سوء الظنّ في مجال العلاقات الاجتماعية:( مَن غَلب عليه سوء الظنّ، لم يَترك بينهُ وبين خليل صُلحاً ) (٢) .

وقال الدكتور( جان لاباك آفيبوري ) العالِم الانجليزي الشهير: ( إنّ سوء الظنّ يُعدّ حاجزاً بيننا وبين الآخرين، وحائلاً دون توثيق العلاقات فيما بيننا لننعَم بالوفاء والحُب )(٣) .

كما ذَكر الإمام علي ( عليه السلام ) في مواطن أخرى أنّ:( سوء الظنّ يُفسد العبادة، ويشلّ حركة الحياة، ويؤدّي إلى ظهور الفساد والشرّ، والضياع في العلاقات الاجتماعية ) (٤) .

وعلى كلّ حال، فإنّ سوء الظنّ مشكلة نفسية، وإنّ بوادرهُ كامنة في وجود الأشخاص، ولمعالجة هذه المشكلة وتغيير رؤية الإنسان لأبناء جِلدته، والاستفادة من مواهب الحياة بشكل طبيعي وايجابي، على الإنسان أن يتقدّم بوعي وتفكير وإيمان.

يقول الدكتورآفيبوري: ( علينا أن نعترف بأنَّ منشأ بؤسنا كامن في عالَمِنا الداخلي والنفسي، لا في عالمنا الخارجي المحيط بنا )(٥) .

____________________

(١) فهرست غُرر الحِكم: ص١٤٦.

(٢) غُرر الحِكم: ص٢٦٤، الحديث ٥٦٨٢.

(٣) جكيده انديشه ها: ٢ / ١٣٠.

(٤) فهرست غُرر الحِكم للآمدي: ص٢٢٧.

(٥) درجتجوي خوشبختي: ص١٦.

٧٦

التهرّبُ من المسؤولية!

نشاهد في هؤلاء الأشخاص - وعلى الخصوص الشباب منهم - أنّ سوء الظنّ يتجلّى فيهم كذريعة للتهرّب من المسؤولية، ولكي يُخفوا نواقصهم الأخلاقية ويتهرّبوا من السعي وراء الأعمال الايجابية، فإنّهم يُلقون باللائمة على غيرهم، ويتّهمون الآخرين بعدم الوفاء، ويتّهمون حتّى أولياء أمورهم بالعداوة وعدم الإخلاص لهم!

ومثل هذه التصوّرات في غاية الخطورة، وإنّ الاستمرار عليها لا يحلّ لهم أيّة مشكلة، بل ستضاعف من مشاكلهم على مرِّ الأيّام.

طُرق العلاج

فعلى هؤلاء الأفراد أن يلتفتواأوّلاً: إلى ما قاله الإمام علي ( عليه السلام )، من أنّهم يُفسدون عبادتهم!(١) ،وثانياً: إلى أنّهم سوف لا يحصلون من المخلِصين لهم إلاّ على خيبة الأمل،وثالثاً: أنّهم مع ابتلائهم بهذا المرض سوف لا يبقى لهم سوى أمل قليل بالنجاة!

ومن هنا تتجلّى ضرورة تحطيم الغرور وبناء النفس من خلال العثور على العيوب والنواقص، والاستفادة من النقاط الايجابية لدى الآخرين.

وأمّا بشأن علاج هذا المرض النفسي، فعلى الإنسان أن يختلي بنفسه في وقتٍ مناسب، وفي جوٍّ هادئ يكون فيه مسيطراً على أعصابه، فيبدأ بطرح الأسئلة التالية على نفسه:

١ - هل أنا بريءٌ من العيوب والنواقص؟

٢ - هل لم يصدر منّي خطأ تجاه الآخرين؟

٣ - هل أنّ جميع أفعال مَن نُسيء الظنّ بهم خاطئة؟

٤ - ألا توجد في الشخص الذي نُسيء الظنّ به نقطة إيجابية؟

____________________

(١) فهرست غُرر الحِكم للآمدي: ص٢٢٧.

٧٧

وعلنيا أن نعثر على أجوبة تُرضي وجداننا وتُقنعنا، وإنّ قصّة عيسى ( عليه السلام ) بهذا الشأن قابلة للتأمّل؛ إذ يُروى أنّه كان يمشي مع جَمعٍ من أصحابه فصادفوا جثّة كلب ميّت، وأخذوا يتأفّفون من رائحتها الكريهة، وسائر الجهات المقزّزة فيها، إلاّ أنّ عيسى ( عليه السلام ) الذي كان يتمتّع برؤية ربّانية، أخذَ يطيل النظر في نقطة خاصّة من الكلب وهو يقول:( ما أجملَ بياض أسنانه (١) !فهلاّ ذَكرتم هذه الصفة فيه ) ؟

الرؤية الواقعية

تحدّثنا عن أضرار( سوء الظنّ ) بما فيه الكفاية، ونقرأ في رواية أخرى عن الإمام علي ( عليه السلام ):( أسوأُ الناس حالاً مَن لا يثق بأحد لسوء ظنّه، ولا يثق به أحد لسوء أثره ) (٢) .

ولكن من جهةٍ أخرى، نجد أنّ الأحاديث قد ذمّت( حُسن الظنّ ) ، الذي يؤدّي إلى التصديق الساذج والانخداع بمظاهر التزوير والنفاق، الذي يضرّ بالإنسان مادّياً ومعنوياً.

قال الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ):( إذا كان الجور أغلَب من الحقّ، لم يحل لأحدٍ أن يظنّ بأحدٍ خيراً حتّى يَعرف ذلك منهُ ) (٣) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ):( إذا كان الزمانُ زمان جورٍ وأهلهُ أهل غدرٍ، فالطمأنينةُ إلى كلّ أحد عَجز ) (٤) .

فعليه: ماذا ينبغي أن نفعل؟ فإنّ سوء الظنّ يُعدّ معصية ومفسدة للدين والعبادة والعلاقات الأخلاقية والاجتماعية، ويحول دون الرُقي والكمال، وإنّ حُسن الظنّ في الظروف الحسّاسة يؤدّي إلى الانخداع والضياع، بل والسقوط أحياناً.

____________________

(١) بحار الأنوار: ١٤ / ٣٢٧.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٢٠ / ٣٠٨، الحكمة ٥٣١.

(٣) فروع الكافي: ٥ / ٢٩٨، باب نادر، الحديث ٢.

(٤) تُحف العقول: ص٢٦٢، وطبعة بيروت ص١٤٩.

٧٨

يبقى هنا طريق عقلائي ثالث اشترطَ فيه الإمام علي ( عليه السلام ) الحَزم والاحتياط(١) ، واشترطَ الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) أن يكون مصحوباً بالاختبار والمعرفة، وهو ما نُعبّر عنه بـ( الواقعية ) .

إذاً، كلٌ من سوء الظنّ وحُسن الظنّ المُفرط غير مقبول، بل لابدّ من النظر إلى الأمور بواقعية ووعي؛ فإنّ النظرة الواقعية صفة إيجابية مؤثّرة وبنّاءة.

العِناد والخُصومة

إنّ المرض النفسي والأخلاقي الآخر الذي يُبتلى به أكثر الشباب وفقاً لمقتضى سنّهم، هو:مرضُ العناد والخصومة ، ومنشأ العِناد هو الغضب وحدَّة المزاج، وقد عرَّف الإمام علي ( عليه السلام ) الغضب بقوله:( الحِدّة ضربٌ من الجنون؛ لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونهُ مُستحكم ) (٢) .

وعليه: إذا تبدّل جنون الغضب إلى جنون العِناد والخصومة والتمرّد، فإنّ الإنسان سيقع تحت وطأة أزمة أخلاقية وروحية قاسية، وتصدر منه أعمال وتصرّفات جنونية.

ولكي نتعرّف عواقب العناد والاستبداد بالرأي بشكلٍ أفضل ليتسنّى لنا علاجه، علينا أن ندرس الكلمات الحكمية التي صرّح بها الإمام علي ( عليه السلام ):

( راكبُ اللجاج متعرّضٌ للبلاء ) (٣) .

( اللجاجُ يُفسد الرأي ) (٤) .

( اللجاجُ يشين النفس ) (٥) .

(اللجاجةُ تسلُّ الرأي ) (٦) .

____________________

(١) نهج البلاغة: صبحي الصالح، الرسالة رقم ٥٣، ص٤٤٢.

(٢) غُرر الحِكم: ص٣٠١، الحديث ٦٨٦١.

(٣) فهرست غُرر الحِكم: ص١٠٢٠ ( مركزُ الأبحاث والدراسات الإسلامية ).

(٤) نفس المصدر والصفحة.

(٥) نفس المصدر والصفحة.

(٦) نفس المصدر والصفحة.

٧٩

والآن علينا أن نُدرك - من خلال الالتفات إلى أنّ العناد يساوي سلب الإرادة والعقل وتدبّر العواقب، وأنّ الإنسان المُعاند إنّما يركب الصعبة التي لا يعلم الهوّة التي ستسقط فيها - كم هو عدد البائسين الذين أصرّوا بغباء وعناد على الفرع الدراسي، أو اختيار الصديق، أو الوظيفة والحرفة والزواج وسائر أمور الحياة الأخرى، فلم يجنوا سوى الأضرار المادّية والمعنوية الهائلة الموجِعة والمُخجلة والمأساوية التي لا يمكن تلافيها.

أجل، كما يقول الإمام علي ( عليه السلام ):( اللجاجُ أكثر الأشياء مضرّة في العاجل والآجل ) (١) ، وأحياناً تتّسع آثار دائرة العناد إلى ما هو أبعد من الحدود الشخصية والعائلية، وكما يقول الإمام علي ( عليه السلام ):( اللجاجُ يُنتج الحروب ويوغِر القلوب ) (٢) .

العلاجُ القاسي

إنّ تصرّفات المعاندين تتّصف أحياناً بالطيش والجنون حتّى أنّهم قد يُحرقون أنفسهم بلهيب عنادهم، ويمكن حينها أن نشبّههم بذلك الحيوان الذي حاول أن يتهرّب من حَمل متاع صاحبه إلى منزله، فألقى بنفسه في البئر ومات غَرقاً!

وعلى كلّ حال، فإنّ معالجة هذا المرض في غاية الصعوبة؛ إذ إنّ الذي يُبتلى به بحاجة ماسّة إلى الوعي والتجربة وسماع النصيحة ومجاهدة النفس وبنائها.

وقد رويَ عن الإمام علي ( عليه السلام ):( أعسرُ العيوب إصلاحاً: العُجب، واللجاجة ) (٣) .

____________________

(١) فهرست غُرر الحِكم: ص١٠٢٠.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٢ / ٣٢٢، الحديث رقم ٦٩١.

٨٠