حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 200695 / تحميل: 8164
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الناس برسول الله (ص) فهو أخوه، وصهره ووصيّه، وكان منه بمنزلة هارون من موسى، وقد قال في حقّه يوم (غدير خم ): (مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه)، ولنستمع إلى مقطوعة أخرى من شعره في مدح الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول:

نطق القرآن بفضل آل محمّدٍ

وولاية لعلّيه لم تجحدِ

لولاية المختار من خير الورى

بعد النبي الصادق المتودّدِ

إذ جاءه المسكين حال صلاته

فامتد طوعاً بالذراع وباليدِ

فتناول المسكين منه خاتماً

هبة الكريم الأجود بن الأجودِ

فاختصه الرحمان في تنزيله

مَن حاز مثل فخاره فليعددِ

إنّ الإله وليّكم ورسوله

والمؤمنين فمَن يشأ فليجحدِ

يكن الإله خصيمه فيها غداً

والله ليس بمخلف في الموعدِ(١)

وواضح هذا الشعر كل الوضوح فقد حكى فضيلة من فضائل الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وهي أنّ مسكيناً قصد جامع الرسول في يثرب فطلب من المسلمين أن يسعفوه، فلم يعطه أحد منهم شيئاً، وكان الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام يصلّي فأومأ إليه، وأعطاه خاتمه، وهو كل ما يملكه، وحينما فرغ الإمام من صلاته نزل الوحي على الرسول (ص) وهو يقلّد الإمام وساماً من أغلى الأوسمة التي قلّدته بها السماء، فقد نزل الوحي بهذه الآية الكريمة:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ودلالة هذه الآية واضحة فقد حصرت الولاية العامة في الله تعالى والرسول الأعظم، والإمام أمير المؤمنين الذي أدّى الزكاة وهو في حال ركوعه.

وهذه الآية من أوثق الأدلة على إمامة الإمام أمير المؤمنين، وأنّه أحق وأولى بخلافة المسلمين من غيره، فقد قرن تعالى ولايته بولاية الله وولاية رسوله...

ولنستمع إلى أبيات أخرى قالها في الإمامعليه‌السلام :

سقياً لبيعة أحمد ووصيه

أعني الإمام وليّنا المحسودا

أعني الذي نصر النبي محمّداً

قبل البرية ناشئاً ووليدا

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن

في الحرب عند لقائها رعديدا

____________________

(١) ديوان دعبل (ص ١٠١).

(٢) سورة المائدة: آية ٥٥.

١٢١

أعني الموحِّد قبل كل موحِّدٍ

لا عابداً وثناً ولا جلمودا

وهو المقيم على فراش محمّدٍ

حتى وقاه مكايداً ومكيدا

وهو المقدّم عند حومات الندا

ما ليس ينكر طارفاً وتليدا(١)

وعرض دعبل في هذه الأبيات إلى نصرة الإمامعليه‌السلام للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو المنافح الأول عن كلمة التوحيد، وبجهوده وجهاده قام دين الإسلام، وقد كشف الكروب عن النبي (ص) في أحلك الظروف وأقساها، ففي واقعة بدر وأحد والخندق وغيرها كان الإمام البطل الأوحد الذي أطاح برؤوس المشركين، وسحق جيوشهم، ورفع راية التوحيد.

وعرض دعبل إلى مبيت الإمامعليه‌السلام على فراش النبي (ص) ووقايته له بمهجته، وقد قام بأروع عملية فدائية في الإسلام، فما أعظم أياديه على هذا الدين، هذا بعض ما قاله دعبل في مدح الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

رثاؤه للإمام الحسين:

وروع المسلمون بكارثة كربلاء التي انتهكت فيها حرمة الرسول (ص) في أبنائه وذرّيّته، فقد أبادت جيوش الأمويين بوحشية قاسية عترة النبي (ص) واقترفت فيهم أفظع الجرائم، وقد اهتزّ لهول هذه الفاجعة الضمير الإنساني، وقد اندفع دعبل الذي هو علوي الفكر إلى رثاء الإمام الحسينعليه‌السلام فرثاه بذوب روحه في مجموعة من روائع نظمه كان من بينها هذه اللوحات:

أأسبلت دمع العين بالعبرات

وبتّ تقاسي شدّة الزفراتِ

وتبكي على آثار آل محمّدٍ

فقد ضاق منك الصدر بالحسراتِ

ألا فابكهم حقّاً وأجر عليهم

عيوناً لريب الدهر منسكباتِ

ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم

بداهية من أعظم النكباتِ

سقى الله أجداثاً على طفّ كربلا

مرابع أمطارٍ من المزناتِ

وصلّي على روح الحسين وجسمه

طريحاً على النهرين بالفلواتِ

قتيلاً بلا جرمٍ ينادي لنصره

- فريداً وحيداً - أين أين حماتي

أأنسى - وهذا النهر يطفح - ظامئاً

قتيلاً ومظلوماً بغير تراتِ

____________________

(١) ديوان دعبل (ص ١٠٢).

١٢٢

فقل لابن سعدٍ - أبعد الله سعده -

ستلقى عذاب النار واللعناتِ

سأقنت طول الدهر ما هبّت الصبا

وأقنت بالآصال والغدواتِ

على معشرٍ ضلّوا جميعاً وضيّعوا

مقال رسول الله بالشبهاتِ

لقد رفعوا رأس الحسين على القنا

وساقوا نساءً حسرّاً ولهاتِ

توفّوا عطاشا نازحين وغادروا

مدارس وحى الله مندرساتِ

يعزّ على المختار أن يمكث ابنه

طريحاً بلا دفنٍ لدى الهبواتِ

ويرفع رأس الرمح رأس حبيبه

ويسري به للشام في الحرباتِ

وينكثه بالعود مَن لاكت أمُّهُ

لحمزة كبداً لم يسغ بلهاةِ

مصائب أجرت عين كلّ موحِّدٍ

دماء رماها القلب بالعبراتِ(١)

ومثّلت هذه الأبيات لوعة الخزاعي وأساه على ما حلّ بابن الرسول وريحانته من فوادح الخطب، والمصائب المذهلة التي تذوب من هولها الجبال، فقد قتله البغاة استجابةً لرغبات أسيادهم الأمويين، وتركوا جثمانه الشريف ملقىً على صعيد كربلا لم يواروه، واحتزوا رأسه الشريف، وجعلوا يطوفون به في الأقطار والأمصار تشفّياً منه، وإظهاراً لفرحتهم الكبرى بقتله

ولنستمع إلى مقطوعة أخرى من رثائه للإمام الحسينعليه‌السلام يقول:

رأس ابن بنتِ محمّدٍ ووصيّه

يا للرجال على قناةٍ يرفعُ

والمسلمون بمنظرٍ وبمسمعٍ

لا جازع من ذا ولا متخشّعُ

أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى

وأنمت عيناً لم تكن بك تهجعُ

كحلت بمنظرك العيون عمايةً

وأصمّ نعيك كل أذنٍ تسمعُ

ما روضة إلاّ تمنّت أنّها

لك مضجعٌ ولخط قبرك موضعُ(٢)

لقد نعى دعبل ذهاب الحميّة الإسلامية، فقد استسلم المسلمون للذل والهوان، ومدّوا أعناقهم بخنوع لحكومة يزيد التي استهانت بقيمهم ومقدّراتهم، فرفعت رأس ابن بنت نبيّهم على أطراف الأسنّة والرماح يطاف به في الأقطار والأمصار؛ وذلك بمنظر ومسمع من جميع الأوساط، ولم يبد أحد نقمته وسخطه على يزيد، وفيما أحسب أنّ ذلك كان ناجماً من العنف والإرهاب اللذين سادا على الأمّة،

____________________

(١) ديوان دعبل (ص ١٠٧).                           (٢) ديوان دعبل (ص ٩٩ - ١٠٠).

١٢٣

فكانت السلطة تأخذ بالظنة والتهمة، وتأخذ البرئ بالسقيم، والمقبل بالمدبر، ومن الطبيعي أنّ ذلك أوجب انتشار أوبئة الخوف عند المسلمين...

هذه بعض مراثي دعبل لسيّد الشهداءعليه‌السلام .

هجاؤه:

لقد نقم دعبل على ملوك عصره العبّاسيين، وهجاهم بأقذع ألوان الهجاء، ولم يكن بذلك مدفوعاً وراء العواطف والأهواء التي لا تمتّ إلى الحق بصلة، فقد جانب أولئك الملوك الحق، وسخّروا اقتصاد الأمة إلى شهواتهم فانفقوا ملايين الأموال على المغنّين والعابثين وجلبوا لقصورهم ما حرّم الله من الخمر، وأنواع اللهو في حين أنّ الأُمّة كانت تعاني الفقر والحرمان، وقد خيّم عليها البؤس ولنستمع إلى بعض هجائه.

هجاؤه للرشيد:

ولـمّا توفّي الإمام الرضاعليه‌السلام سارع المأمون فدفنه إلى جانب أبيه، وسئُل عن ذلك، فقال: ليغفر الله لهارون بجواره للإمام الرضا، ولـمّا سمع دعبل ذلك هزأ وقال:

قبران في طوس خير الناس كلّهم

وقبر شرّهم هذا من العبرِ

ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا

على الزكي بقرب الرجس من ضررِ

هيهات كل امرئٍ رهن بما كسبت

له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ

وأيّ هجاء لهارون أقذع وأمر من هذا الهجاء، فقد عبّر عنه تارة بشر الناس، وأخرى بالرجس، وأنّ قربه من مثوى الإمام لا ينتفع به، فكل امرئ يعامل بما كسبت يداه، ولا عبرة بغير ذلك.

هجاؤه لإبراهيم:

ولـمّا بايع المأمون الإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد غضب العباسيون وانتفخت أوداجهم، فعمدوا إلى إبراهيم بن المهدي شيخ المغنّين فبايعوه، وانبرى دعبل إلى هجائه فقال:

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله

فهفا إليه كل أطلس مائقِ

إن كان إبراهيم مضطلعاً بها

فلتصلحن من بعده لمخارق

ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل

ولتصلحن من بعده للمارقِ

١٢٤

أنّى يكون وليس ذاك بكائنٍ

يرث الخلافة فاسقٌ عن فاسقِ(١)

وأقذع هجاء وأمرّه هذا الهجاء، فإنّ الخلافة لو صلحت لإبراهيم لصلحت لغيره من المغنّين، كمخارق وزلزل ومارق، وبذلك تكون الدولة دولة المغنّين، وأنّ من المستحيل أن تتحوّل الخلافة إلى هذا المستوى السحيق، وأن يرث الخلافة فاسق عن فاسق، ومن الطريف أنّ الجند اجتمعوا حول بلاطه يطالبونه برواتبهم ولم يكن عنده شيء من المال فانبرى أحد الظرفاء فخاطب الجند فقال لهم: سوف يخرج إبراهيم ويغنّي لهذا الجانب بصوت، ويغنّي للجانب الآخر بصوت، وهذا هو أرزاقكم وسمع دعبل بذلك فقال:

يا معشر الأجناد لا تقنطوا

خذوا عطاياكم ولا تسخطوا

فَسَوفَ يُعطيكُم حُنَينِيَّةً

يَلتَذُّها الأَمرَدُ وَالأَشمَطُ(٢)

والمعبديات لقوادكم

لا تدخل الكيس ولا تربطُ

وهكذا يرزق أجناده

خليفةٌ مصحفه البربطُ

أرأيتم هذه السخرية؟ وهذا الاستهزاء بشيخ المغنّين الذي يرزق أجناده بالغناء الذي لا يدخل الكيس ولا يربط!؟.

هجاؤه للمعتصم:

أمّا هجاء دعبل للمعتصم فكان مرّاً وقاسياً، وكان المعتصم طاغياً، ظالماً لا عهد له بالرأفة والرحمة، وقد صدق دعبل في هجائه له بهذه المقطوعة:

بكى لشتات الدين مكتئبٌ صبُّ

وفاض بفرط الدمع من عينه غربُ

وقام إمام لم يكن ذا هدايةٍ

فليس له دين وليس له لبُّ

وما كانت الأنباء تأتي بمثله

يملّك يوماً أو تدين له العربُ

ولكن كما قالوا الذين تتابعوا

من السلف الماضين إذ عظم الخطبُ

ملوك بني العبّاس في الكتب سبعة

ولم تأتنا عن ثامنٍ لهم الكتبُ

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة

كرام إذا عدوا وثامنهم كلبُ

وإنّي لأعلي كلبهم عنك رفعةً

لأنّك ذو ذنبٍ وليس له ذنبُ

____________________

(١) ديوان دعبل (ص ١٧٤).

(٢) الأمرد: الذي لا لحية له، والأشمط الذي له لحية.

١٢٥

كأنّك إذ ملكّتنا لشقائنا

عجوزٌ عليها التاج والعقد والإتبُ

لقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم

وصيف وأشتات وقد عظم الكربُ(١)

ومثلت هذه الأبيات محنة المسلمين وشقاءهم بخلافة المعتصم الذي لم يتمتع بأي صفة كريمة تؤهّله لمركز الخلافة الإسلامية التي هي ظل الله في الأرض، وقد ظل دعبل في عهده مختفياً يطارده الرعب والفزع، فقد أوعز المعتصم إلى شرطته باعتقاله ولكنّهم لم يظفروا به، ولـمّا هلك المعتصم هجاه بهذه الأبيات:

قد قلت: إذ غيبوه وانصرفوا

في شرّ قبرٍ لشرِّ مدفونِ

اذهب إلى النار والعذاب فما

خلتك إلاّ من الشياطينِ

وما زلت حتى عقدت بيعة من

أضر بالمسلمين والدينِ(٢)

هجاؤه للواثق:

ولـمّا تولّى الواثق عمد دعبل إلى طومار فكتب فيه الأبيات التالية، ودفعها إلى الحاجب، وقال له: قل له هذه أبيات امتدحك بها دعبل، وهذه الأبيات:

الحمد لله لا صبر ولا جلد

ولا عزاء إذا أهل الهوى رقدوا

خليفة مات لم يحزن له أحدٌ

وآخرٌ قام لم يفرح به أحدُ

فمرّ هذا، ومرّ الشؤم يتبعه

وقام هذا فقام الويل والنكدُ

ولـمّا فضّها الواثق وقرأها تميّز غيظاً وغضباً وطلب دعبل بكل ما يقدر عليه من الطلب فلم يظفر به حتى هلك الواثق(٣) .

هذه صور من هجائه، وهي تمثّل اندفاعه نحو الحق، ونصرته للمظلومين والمضطهدين في عصره.

لقد كان دعبل من زعماء المعارضة للحكم العباسي في عصره، ومن الجناية على الفكر أن يوصم الرجل بأنّه خبيث اللسان لم يسلم أحد من الخلفاء من لسانه(٤) فإنّ هذا القول رخيص، وبعيد عن الواقع، لقد هام دعبل في حب أهل البيت الذين اضطهدتهم الحكومات العبّاسية، وجهدت في ظلمهم وظلم شيعتهم فاندفع دعبل

____________________

(١) ديوان دعبل (ص ١٢٩ - ١٣٠).                             (٢) ديوان دعبل (ص ٢٠٩).

(٣) ديوان دعبل (ص ١٤٩).                                       (٤) الأغاني ١٨ / ٢٩.

١٢٦

بوحي من عقيدته إلى نصرتهم والذب عنهم والتشهير بخصومهم وليس في ذلك أي نقص عليه، وإنّما هو فخر وشرف له.

إلى جنّة المأوى:

وظل دعبل معظم حياته مجاهداً ومناضلاً قد سخر من ملوك عصره الذين استباحوا حرمات الله، فهجاهم بأمرّ وأقذع ألوان الهجاء، وقد طاردته السلطة، ورامت تصفيته جسدياً ولكنّه اختفى، وراح يجوب في الأقطار يلاحقه الفزع والخوف، وهو القائل في تائيّته الخالدة:

لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها

وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي

وقد أعلن بشجاعة فائقة استعداده للموت فقال: (لي خمسون سنة أحمل خشبتي - أي خشبة الإعدام - على كتفي أدور على مَن يصلبني عليها فما أجد مَن يفعل ذلك).

وكانت نهاية دعبل على يد ذئب من ذئاب عصره وهو مالك بن طوق التغلبي فقد طلبه فهرب إلى البصرة، وكان والياً عليها إسحاق بن العباس العباسي وقد بلغه هجاء دعبل له، فأمر بإلقاء القبض عليه، فجيء به إليه مخفوراً فدعا بالنطع والسيف ليضرب عنقه، فأنكر دعبل القصيدة التي قيلت في ذمّه وأنّ عدداً له قالها ونسبها له ليغري بدمه، وجعل دعبل يتضرّع إليه فأعفاه من القتل إلاّ أنّه دعا بالعصي والمقارع، وانهال عليه ضرباً بوحشيّة قاسية، ثمّ خلّى سبيله فهرب إلى (الأهواز)(١) .

وسارع مالك بن طوق فبعث رجلاً حصيفاً مقداماً وأعطاه سمّاً، وأمره باغتيال دعبل، وأعطاه عوض هذه الجريمة عشرة آلاف درهم، وانبرى الرجل مسرعاً إلى (الأهواز) فجدّ في طلب دعبل فعثر عليه في قرية من نواحي (السوس) فاغتاله بعد صلاة العتمة، فضربه على ظهر قدمه بعكاز له زج مسموم فتسمم بدنه، ومات في غده، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى (السوس) فدفُن فيها(٢) وانتهت بذلك حياة هذا المجاهد الذي قارع الباطل بشجاعة، وقد رثاه صديقه الشاعر الكبير أبو تمّام الطائي بهذه الأبيات:

____________________

(١) الأغاني ١٨ / ٦٠.

(٢) الأغاني ١٨ / ٦٠.

١٢٧

قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي

مثوى حبيب يوم مات ودعبل

أخوي لا تزل السماء نحيلة

تغشاكما بسماء مزن مسبل

جدث على الأهواز يبعد دونه

مسرى النعي ورمة بالموصل(١)

رحم الله دعبلاً فقد كان علماً من أعلام الإسلام، وقد استشهد في سبيل المبادئ الكريمة والمثل العليا التي تبنّاها في جميع أدوار حياته.

(ر)

١٢٨ - رحيم عبدوس:

الخنجي، روى عن الإمام أب] الحسن الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه علي بن الحكم(٢) .

١٢٩ - ريان بن شبيب:

خال المعتصم العباسي، ثقة سكن (قم)، وروى عنه أهلها، وجمع مسائل الصباح ابن نصر الهندي للإمام الرضاعليه‌السلام (٣) ، وقد روى عنه الإمام الرضاعليه‌السلام وروى عنه إبراهيم بن هاشم(٤) .

١٣٠ - الريان بن الصلت:

الأشعري، القمّي، أبو علي، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، ثقة، صدوق، له كتاب جمع فيه كلام الإمام الرضاعليه‌السلام في الفرق بين الآل والأمّة(٥) ، وروى معمر بن خلاد قال: قال لي الريان بن الصلت، وكان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان: أحب أن تستأذن لي على أبي الحسنعليه‌السلام فأسلّم عليه وأودّعه وأحب أن يكسوني من ثيابه، وأن يهب لي من الدراهم التي ضُربت باسمه، قال: فدخلت عليه، فقال لي مبتدئاً: يا معمر بن ريان، أيحب أن يدخل علينا فأكسوه من ثيابي وأعطيه من دراهمي؟ قال: قلت سبحان الله!! والله ما سألني إلاّ أن أسألك ذلك له، فقال: يا معمر إنّ المؤمن موفّق

____________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ١٨٠.

(٢) معجم رجال الحديث ٧ / ١٨٣.

(٣) النجاشي.

(٤) فروع الكافي الجزء السابع كتاب الوصية.

(٥) النجاشي.

١٢٨

قل له: فليجئ قال: فأذنت له فدخل عليه فسلّم فدعا له بثوب من ثيابه، فلمّا خرج قلت: أي شيء أعطاك؟ وإذا في يده ثلاثون درهماً(١) .

(ز)

١٣١ - زكريا بن آدم:

ابن عبد الله بن سعد الأشعري، القمّي، ثقة جليل، عظيم القدر، كان له وجه عند الإمام الرضاعليه‌السلام ، له كتاب(٢) ، وروى الكشي أنّه سمع من بعض أصحابنا عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمّي، قال: دخلت على أبي جعفر الثانيعليه‌السلام في آخر عمره فسمعته يقول: جزى الله صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان، وزكريا ابن آدم عنّي خيراً، فقد وفوا لي.

وروى محمد بن حمزة عن زكريا بن آدم قال: قلت للرضاعليه‌السلام : إنّي أريد الخروج عن أهل بيتي فقد كثر السفهاء فيهم فقال: لا تفعل، فإنّ أهل بيتك يدفع عنهم - أي البلاء - بك، كما يدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظمعليه‌السلام (٣) .

وممّا يدل على جلالة قدره وسمو مكانته ما رواه علي بن المسيب قال: قلت للرضاعليه‌السلام : شقّتي بعيدة، ولست أصل إليك في كل وقت فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقالعليه‌السلام : من زكريا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا، قال علي بن المسيب: فلمّا انصرفت قدمت على زكريا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه.

وروى محمد بن إسحاق والحسن بن محمد قالا: خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم بثلاثة أشهر نحو الحج، فتلقّانا كتابهعليه‌السلام في بعض الطريق فإذا فيه ذكرت ما جرى من قضاء الله به في الرجل المتوفّى رحمه الله يوم ولد، ويوم قبض، ويوم يبعث حيّاً، فقد عاش أيام حياته عارفاً بالحق، قائلاً به: صابراً محتسباً للحق، قائماً بما يحبه الله ورسوله ومضى رحمه الله غير ناكث، ولا مبدّل فجزاه الله أجر نبيّه وأعطاه خير أمنيته، وذكرت الرجل الموصى إليه، ولم تعرف فيه رأينا، وعندنا من المعرفة به أكثر ممّا

____________________

(١) الكشي.

(٢) النجاشي.

(٣) الكشي.

١٢٩

وصفت - يعني الحسن بن محمد بن عمران -(١) وقد كشفت هذه الرواية عن سمو مكانته عند الإمامعليه‌السلام .

١٣٢ - زكريا أبو يحيى:

كوكب الدم، عدّه الشيخ في باب الكنى من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) وقال أبو يحيى الموصلي: كان زكريا أبو يحيى شيخاً من الأخيار(٣) وضعفه ابن الغضايري.

١٣٣ - زكريا بن إدريس:

ابن عبد الله بن سعد الأشعري، القمّي أبو جرير، روى عن الإمام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وأبي الحسن والرضاعليهم‌السلام ، له كتاب(٤) ، وروى زكريا قال: دخلت على الرضاعليه‌السلام من أول الليل في حدثان موت أبي جرير فسألني عنه، وترحّم عليه، ولم يزل يحدثني وأحدّثه حتى طلع الفجر، فقامعليه‌السلام فصلّى الفجر(٥) .

١٣٤ - زكريا بن عبد الصمد:

القمّي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأضاف أنّه ثقة، يكنّى أبا جرير من أصحاب أبي الحسن موسىعليه‌السلام (٦) .

١٣٥ - زكريا بن محمد:

أبو عبد الله المؤمن، روى عن الإمام أبي عبد الله والإمام أبي الحسنعليهما‌السلام ، ولقي الإمام الرضاعليه‌السلام في المسجد الحرام، وحكى عنه ما يدل على الوقف، وكان مختلط الأمر في حديثه له كتاب منتحل الحديث(٧) .

____________________

(١) الكشي.

(٢) رجال الطوسي.

(٣) معجم رجال الحديث ٧ / ٢٧٢.

(٤) النجاشي.

(٥) الكشي.

(٦) رجال الطوسي.

(٧) النجاشي.

١٣٠

١٣٦ - زكريا بن يحيى:

روى عن الإمام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه بكر بن صالح(١) .

(س)

١٣٧ - سعد بن حماد:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام وأضاف: إنّه مجهول(٢) .

١٣٨ - سعد بن سعد:

ابن الأحوص بن سعد بن مالك الأشعري القمّي، ثقة، روى عن الإمام الرضا والإمام أبي جعفرعليهما‌السلام كتابه المبوب، وروى محمد بن خالد عنه مسائله للإمام الرضاعليه‌السلام (٣)، وروى عبد الله بن الصلت القمّي قال: دخلت على الإمام أبي جعفر الثاني في آخر عمره... قال: (جزى الله صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان، وزكريا بن آدم، وسعد بن سعد فقد وفوا لي!)(٤).

١٣٩ - سعد خادم أبي دلف:

قال الشيخ: له مسائل عن الإمام الرضاعليه‌السلام أخبرنا بها عدّة من أصحابنا عن أبي الفضل عن ابن بطة عن أحمد بن عبد الله(٥).

١٤٠ - سعيد بن جناح:

الأزدي، مولاهم بغدادي، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام هو وأخوه أبو عامر، كانا ثقتين له كتاب صفة الجنة والنار، وكتاب قبض روح المؤمن والكافر(٦) .

١٤١ - سعيد بن سعيد:

القمّي، ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٧) .

____________________

(١) معجم رجال الحديث.

(٢) رجال الطوسي.

(٣) النجاشي.

(٤) الكشي.

(٥) فهرست الطوسي.

(٦) النجاشي.

(٧) رجال الطوسي.

١٣١

١٤٢ - سليمان بن جعفر:

الطالبي الجعفري، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وروى أبوه عن الإمام أبي عبد الله وأبي الحسنعليهما‌السلام ، وكانا ثقتين، له كتاب (فضل الدعاء)(١) .

١٤٣ - سليمان بن الجعفري:

روى عن الإمام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه أبو أيوب المدني(٢) .

١٤٤ - سليمان بن حفص:

روى عن الإمام أبى الحسن الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه محمد بن إسماعيل(٣) .

١٤٥ - سليمان بن حفص:

المروزي روى عن الإمام أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (٤) .

١٤٦ - سليمان بن داود:

الخفّاف: عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٥) .

١٤٧ - سليمان بن رشيد:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٦) ، روى عن أبيه وروى عنه محمد بن عيسى (٧) .

١٤٨ - السندي بن الربيع:

الكوفي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٨) .

____________________

(١) النجاشي.

(٢) معجم رجال الحديث ٨ / ٢٤٢.

(٣) معجم رجال الحديث ٨ / ٢٤٤.

(٤) معجم رجال الحديث ٨ / ٢٦٢.

(٥) رجال الطوسي.

(٦) رجال الطوسي.

(٧) معجم رجال الحديث.

(٨) رجال الطوسي.

١٣٢

١٤٩ - سوادة القطان:

روى عن الإمام أبى الحسن الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه الحسن بن علي ابن فضال(١) .

١٥٠ - سهل بن الأشعري:

روى عن الإمام أبى الحسن الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه ابنه محمد(٢) .

١٥١ - سهل بن اليسع:

ابن عبد الله بن سعد الأشعري، القمّي، ثقة، روى عن الإمام موسى والإمام الرضاعليهما‌السلام (٣) .

(ش)

١٥٢ - شعيب بن حماد:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٤) ، وعدّه البرقي من أصحاب الكاظمعليه‌السلام (٥).

(ص)

١٣٥ - صالح بن عبد الله:

الخثعمي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٦)، وكذلك عدّه البرقي.

١٥٤ - صالح بن علي:

ابن عطية، البغدادي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٧) ، وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام .

____________________

(١) معجم رجال الحديث.

(٢) معجم رجال الحديث ٨ / ٣٣٣.

(٣) معجم رجال الحديث.

(٤) رجال الطوسي.

(٥) رجال البرقي.

(٦) رجال الطوسي.

(٧) رجال الطوسي.

١٣٣

١٥٥ - صالح الخباز:

الكوفي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (١) .

١٥٦ - صباح بن نصر:

الهندي: له مسائل الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) .

١٥٧ - صدقة الخراساني:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٣) .

١٥٨ - صفوان بن يحيى:

أبو محمد البجلي، بياع السابري، كوفي، ثقة، روى أبوه عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام ، وروى هو عن الإمام الرضاعليه‌السلام ،

وكانت له عنده منزلة شريفة ذكره الكشي في رجال الإمام أبي الحسن موسىعليه‌السلام .

وقد توكّل للإمام الرضا والإمام أبي جعفر الجوادعليهما‌السلام ، وسلم مذهبه من الوقف، وكان على جانب عظيم من الزهد والعبادة، وقد بذل له جماعة من الواقفة أموالاً كثيرة، فلم يستجب لهم، وكان صديقاً حميماً لعبد الله بن جندب، وعلي بن النعمان، وروى أنّهم تعاقدوا في بيت الله الحرام، أنّه مَن مات منهم صلّى مَن بقي صلاته، وصام عنه صيامه، وزكّى عنه زكاته، فماتا وبقي صفوان، فكان يصلّي في كل يوم مائة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويزكّي زكاته ثلاث دفعات وكل ما يتبرّع به عن نفسه ممّا عدا ما ذكرناه تبرّع عنهما مثله.

ومن شدّة تحرجه وتقواه أنّ إنساناً كلفه حمل دينارين إلى أهله في الكوفة، فقال له: إنّ جمالي مكراة، وأنا استأذن الأجراء، وكان على جانب كبير من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته.

وقد صنّف ثلاثين كتاباً لم يعرف منها إلاّ ما يلي:

١ - كتاب الوضوء.

٢ - كتاب الصلاة.

____________________

(١) رجال الطوسي.

(٢) معجم رجال الحديث.

(٣) رجال الطوسي.

١٣٤

٣ - كتاب الصوم.

٤ - كتاب الحج.

٥ - كتاب الزكاة.

٦ - كتاب النكاح.

٧ - كتاب الطلاق.

٨ - كتاب الفرائض.

٩ - كتاب الوصايا.

١٠ - كتاب الشراء والبيع.

١١ - كتاب العتق والتدبير.

١٢ - كتاب البشارات.

١٣ - كتاب النوادر.

وقد ذكرت عنه أحاديث مشرقة في التقوى، كما نقلت عن أئمة الهدى أحاديث في مدحه والثناء عليه... انتقل إلى رحمة الله تعالى سنة (٢١٠ ه‍)(١) .

(ط)

١٥٩ - طاهر بن حاتم:

ابن ما هوية القزويني، أخو فارس بن حاتم، كان صحيحاً ثم خلط، له كتاب ذكره الحسن بن الحسين(٢) قال الشيخ: كان مستقيماً ثم تغيّر، وأظهر القول بالغلو، له روايات(٣) .

(ع)

١٦٠ - عباد بن محمد:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٤) .

١٦١ - العبّاس بن جعفر:

ابن محمد، ابن الأشعث، روى الصدوق بسنده إلى الحسن بن علي الوشاء،

____________________

(١) معجم رجال الحديث ٩ / ١٢٨ - ١٣٣.

(٢) النجاشي.

(٣) رجال الطوسي.

(٤) رجال الطوسي.

١٣٥

قال: سألني العباس بن جعفر، أن أسأل الإمام الرضاعليه‌السلام أن يحرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في يده غيره، فابتدأنيعليه‌السلام قبل أن أسأله... اعلم صاحبك أنّي إذا قرئت كتبه إليّ حرقتها(١) .

١٦٢ - العباس بن محمد:

الورّاق، يونسي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) .

١٦٣ - العباس بن معروف:

أبو الفضل مولى جعفر بن عبد الله الأشعري، قمّي، ثقة، له كتاب الآداب، وله نوادر(٣).

١٦٤ - العباس بن موسى:

النخّاس، كوفي، ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٤) .

١٦٥ - العباس بن هشام:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٥) ، وقال النجاشي: إنّه من قبيلة بني أسد، وأنّه ثقة جليل في أصحابنا، كثير الرواية، كسر اسمه فقيل عبيس، له كتب منها كتاب الحج، وكتاب الصلاة، وكتاب المثالب سماه كتاب خالات فلان وفلان، وكتاب جامع الحلال والحرام، وكتاب الغيبة، وكتاب نوادر، والرواة كثيرة عنه في هذه الكتب. توفّي رحمه الله سنة (٢٢٠ ه‍)(٦) .

١٦٦ - العباس مولى الإمام الرضا:

روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وروى عنه محمد بن علي(٧) .

____________________

(١) عيون أخبار الرضا.

(٢) رجال الطوسي.

(٣) النجاشي.

(٤) رجال الطوسي.

(٥) رجال الطوسي.

(٦) رجال النجاشي.

(٧) معجم رجال الحديث.

١٣٦

١٦٧ - عباس النجاشي:

كوفي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (١) .

١٦٨ - عبد الجبار بن المبارك:

النهاوندي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، كما عدّه من أصحاب الإمام الجوادعليه‌السلام (٢) .

١٦٩ - عبد الحميد بن سعيد:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، كما عدّه من أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام (٣) .

١٧٠ - عبد الرحمن بن أبي نجران:

مولى كوفي، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، وروى أبوه نجران عن الإمام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان عبد الرحمن ثقة، ثقة، معتمداً على ما يرويه، له كتب كثيرة، قال أبو العباس: لم أر منها إلاّ كتابه في البيع والشراء(٤) .

١٧١ - عبد السلام بن صالح:

الهروي، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، ثقة صحيح الحديث له كتاب (وفاة الرضاعليه‌السلام )(٥) ، روى الصدوق عن محمد بن عبد الله ابن طاهر، قال: كنت واقفاً على رأس أبي، وعنده أبو الصلت الهروي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، فقال أبي: ليحدثني كل رجل منكم بحديث، فقال أبو الصلت الهروي: حدثني علي بن موسى الرضاعليه‌السلام - وكان والله رضي كما سمي - عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال: رسول الله (ص): الإيمان قول وعمل، فلمّا خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل: ما هذا الإسناد؟ فقال له أبي: هذا سعوط المجانين إذا سعط

____________________

(١) رجال الطوسي.

(٢) رجال الطوسي.

(٣) رجال الطوسي.

(٤) النجاشي.

(٥) النجاشي.

١٣٧

به المجنون أفاق(١) .

١٧٢ - عبد العزيز بن مسلم:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٢) وهو الذي روى عنه رواية مبسوطة في بيان مقام الإمامعليه‌السلام ، وأنّ منزلة الإمامة منزلة الأنبياء، وأنّها خلافة الله وخلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ومقام الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وميراث الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وفيها الاستدلال بالآيات على انحصار الإمامة في المعصومينعليهم‌السلام (٣) .

١٧٣ - عبد العزيز بن المهتدي:

الأشعري، القمّي، ثقة، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، له كتاب(٤) قال في حقّه الفضل بن شاذان: ما رأيت قمّيّاً يشبهه في زمانه، وقال أيضاً في حقّه:

كان خيّر، قمّي، فيمَن رأيته، وكان وكيل الرضاعليه‌السلام (٥) ، كما كان للإمام الجوادعليه‌السلام ، وقد دفع إليه أموالاً من الحقوق فتسلّمها وكتب إليه بعد البسملة (وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها غفر الله لك ولهم الذنوب ورحمنا وإيّاكم)(٦) .

١٧٤ - عبد الله بن أبان:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٧) ، روى عنه الإمام الرضا، وروى عنه علي بن إسماعيل الدغشني(٨) .

١٧٥ - عبد الله بن إبراهيم:

الأنصاري، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٩) .

____________________

(١) معجم رجال الحديث ١٠ / ٢٠.

(٢) رجال الطوسي.

(٣) معجم رجال الحديث ١٠ / ٣٨.

(٤) معجم رجال الحديث.

(٥) النجاشي.

(٦) الغيبة للطوسي.

(٧) رجال الطوسي.

(٨) معجم رجال الحديث ١٠ / ٨١.

(٩) رجال الطوسي.

١٣٨

١٧٦ - عبد الله بن أيوب:

الجزيني، أبو محمد، كان منقطعاً إلى الإمام الرضاعليه‌السلام ، وكان فاضلاً شاعراً أديباً، وقد رثا الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقال يخاطب ولده الإمام الجواد:

يا بن الوصي وصيّ أكرم مرسلٍ

أعني النبيَّ الصادق المصدوقا

لا يسبقني في شفاعتكم غداً

أحدٌ فلست بحبّكم مسبوقا

يا بن الثمانية الأئمّة غربوا

وأبا الثلاثة شرّقوا تشريقا

إنّ المشارق والمغارب أنتم

جاء الكتاب بذلكم تصديقا(١)

١٧٧ - عبد الله بن جندب:

هو العالم العابد الزاهد، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق تارة، ومن أصحاب الإمام الكاظمعليه‌السلام أخرى، وثالثة من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، وهو أحد وكلاء الإمام الكاظم والإمام الرضاعليهما‌السلام ، وقد قال للإمام الكاظمعليه‌السلام ألستَ عنّي راضياً، قالعليه‌السلام : أي والله، ورسول الله عنك راض.

وروى يونس بن عبد الرحمن قال: رأيت عبد الله بن جندب وقد أفاض من عرفات، وكان عبد الله أحد المجتهدين، قال يونس: فقلت له: قد رأى الله اجتهادك منذ اليوم، فقال عبد الله: والله الذي لا إله إلاّ هو لقد وقفت موقفي هذا، وأفضت ما سمعني الله دعوت لنفسي بحرف واحد؛ لأنّي سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: الداعي لأخيه المؤمن بظهر الغيب ينادى من أعنان السماء لك بكل واحدة مائة ألف، فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري أُجاب إليها أم لا؟

وروى الحسن بن علي بن يقطين، وكان سيئ الرأي في يونس، قال: قيل لأبي الحسنعليه‌السلام وأنا أسمع أنّ يونس مولى آل يقطين يزعم أنّ مولاكم والمتمسّك بطاعتكم عبد الله بن جندب يعبد الله على سبعين حرفاً. ويقول إنّه شاك، فقالعليه‌السلام : هو والله أولى بأن يعبد الله على حرف، ما له ولعبد الله بن جندب إنّ عبد الله بن جندب لمن المخبتين(٢) .

____________________

(١) معجم رجال الحديث، وحياة الإمام محمد الجواد (ع).

(٢) الكشي.

١٣٩

١٧٨ - عبد الله بن الحارث:

وهو ممّن روى النص من الإمام الكاظمعليه‌السلام على إمامة ولده الإمام الرضاعليه‌السلام (١) .

١٧٩ - عبد الله بن الصلت:

أبو طالب القمّي، مولى بني تيم، ثقة مسكون إلى روايته، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام ، يعرف له كتاب التفسير(٢) ، وعدّه البرقي من أصحاب الإمام الرضا ومن أصحاب الإمام الجوادعليهما‌السلام (٣) .

وقد كتب إلى الإمام الجوادعليه‌السلام أن يأذن له أن يندب أباه، فكتبعليه‌السلام له أن اندبني، واندب أبي(٤) وكتب إلى الإمام الجواد

عليه‌السلام بأبيات شعر، وذكر فيها أباه الإمام الرضا، وسأله أن يأذن له ليقول فيه الشعر فقطع الشعر وحبسه، وكتب في صدر ما بقي من القرطاس قد أحسنت فجزاك الله خيراً(٥) .

١٨٠ - عبد الله بن طاووس:

عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام ، وأضاف أنّه عاش مائة سنة(٦) .

١٨١ - عبد الله بن علي:

ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام ، روى عن الإمام الرضاعليه‌السلام له نسخة رواها(٧) .

١٨٢ - عبد الله بن المبارك:

النهاوندي، من أصحاب الإمام الرضاعليه‌السلام (٨) .

____________________

(١) معجم رجال الحديث نقلاً عن الإرشاد للشيخ المفيد.

(٢) النجاشي.

(٣) رجال البرقي.

(٤) الكشي.

(٥) الكشي.

(٦) رجال الطوسي.

(٧) النجاشي.

(٨) معجم رجال الحديث ١٠ / ٣٥.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ب :( وَلا تَنْقُضُوا الإيْمان بَعْد تَوكيدها ) فالأيمان جمع يمين.

فيقع الكلام في الفرق بين الجملتين ، والظاهر اختصاص الأولى بالعهود التي يبرمها مع الله تعالى ، كما إذا قال : عاهدت الله لأفعلنّه ، أو عاهدت الله أن لا أفعله.

وأمّا الثانية فالظاهر انّ المراد هو ما يستعمله الإنسان من يمين عند تعامله مع عباد الله.

وبملاحظة الجملتين يعلم أنّه سبحانه يؤكد على العمل بكلّ عهد يبرم تحت اسم الله ، سواء أكان لله سبحانه أو لخلقه.

ثمّ إنّه قيّد الأيمان بقوله : بعد توكيدها ، وذلك لأنّ الأيمان على قسمين : قسم يطلق عليه لقب اليمين ، بلا عزم في القلب وتأكيد له ، كقول الإنسان حسب العادة والله وبالله.

والقسم الآخر هو اليمين المؤكد ، وهو عبارة عن تغليظه بالعزم والعقد على اليمين ، يقول سبحانه :( لاَ يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الإيْمان ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يعلّل تحريم نقض العهد ، بقوله :( وَقَد جَعَلتم الله علَيكم كفيلاً انّ الله يعلم ما تَفْعلون ) أي جعلتم الله كفيلاً بالوفاء فمن حلف بالله فكأنّه أكفل الله بالوفاء.

فالحالف إذا قال : والله لأفعلنّ كذا ، أو لأتركنّ كذا ، فقد علّق ما حلف عليه نوعاً من التعليق على الله سبحانه ، وجعله كفيلاً عنه في الوفاء لما عقد عليه

__________________

١ ـ المائدة : ٨٩.

١٨١

اليمين ، فإن نكث ولم يفِ كان لكفيله أن يؤدبه ، ففي نكث اليمين ، إهانة وإزراء بساحة العزة.

ثمّ إنّه سبحانه يرسم عمل ناقض العهد بامرأة تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، قال :( وَلاتَكُونُوا كَالّتى نَقَضَت غزلها مِنْ بعْدل قُوّة أنكاثاً ) مشيراً إلى المرأة التي مضى ذكرها وبيان عملها حيث كانت تغزل ما عندها من الصوف والشعر ، ثمّ تنقض ما غزلته ، وقد عرفت في قوله ب‍ « الحمقاء » فكذلك حال من أبرم عهداً مع الله وباسمه ثمّ يقدم على نقضه ، فعمله هذا كعملها بل أسوأ منها حيث يدل على سقوط شخصيته وانحطاط منزلته.

ثمّ إنّه سبحانه يبين ما هو الحافز لنقض اليمين ، ويقول إنّ الناقض يتخذ اليمين واجهة لدخله وحيلته أوّلاً ، ويبغي من وراء نقض عهده ويمينه أن يكون أكثر نفعاً ممّا عهد له ولصالحه ثانياً ، يقول سبحانه :( تَتَّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة ) فقوله « أربى » من الربا بمعنى الزيادة ، فالناقض يتخذ أيمانه للدخل والغش ، ينتفع عن طريق نقض العهد وعدم العمل بما تعهد ، ولكن الناقض غافل عن ابتلائه سبحانه ، كما يقول سبحانه :( إنّما يبلوكم الله به وليبيّننَّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) .

أي انّ ذلك امتحان إلهي يمتحنكم به ، وأقسم ليبيّنن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون فتعلمون عند ذلك حقيقة ما أنتم عليه اليوم من التكالب على الدنيا وسلوك سبيل الباطل لإماطة الحق ، ودحضه ويتبين لكم يومئذ من هو الضال ومن هوا لمهتدي.(١)

__________________

١ ـ الميزان : ١٢ / ٣٣٦.

١٨٢

النحل

٣٠

التمثيل الثلاثون

( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللهِ فأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظالِمُون ) .(١)

تفسير الآيات

« رغد » عيش رغد ورغيد : طيّب واسع ، قال تعالى :( وكلا منها رغداً ) .

يصف سبحانه قرية عامرة بصفات ثلاث :

أ : آمنة : أي ذات أمن يأمن فيها أهلها لا يغار عليهم ، ولا يُشنُّ عليهم بقتل النفوس وسبي الذراري ونهب الأموال ، وكانت آمنة من الحوادث الطبيعية كالزلازل والسيول.

ب : مطمئنة : أي قارّة ساكنة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال عنها بخوف أو ضيق ، فانّ ظاهرة الاغتراب إنّما هي نتيجة عدم الاستقرار ، فترك الأوطان وقطع الفيافي وركوب البحار وتحمّل المشاق رهن عدم الثقة بالعيش الرغيد فيه ، فالاطمئنان رهن الأمن.

____________

١ ـ النحل : ١١٢ ـ ١١٣.

١٨٣

ج :( يأتيها رزقها رغداً من كلّ مكان ) ، الضمير في يأتيها يرجع إلى القرية ، والمراد منها حاضرة ما حولها من القرى ، والدليل على ذلك ، قوله سبحانه حاكياً عن ولد يعقوب :( وَاسئلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ التِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنّا لَصادِقُون ) .(١) والمراد من القرية هي مصر الحاضرة الكبيرة يومذاك.

وعلى ذلك فتلك القرية الواردة في الآية بما انّها كانت حاضرة لما حولها من الاَصقاع فينقل ما يزرع ويحصد إليها بغية بيعه أو تصديره.

هذه الصفات الثلاث تعكس النعم المادية الوافرة التي حظيت بها تلك القرية.

ثمّ إنّه سبحانه يشير إلى نعمة أخرى حظيت بها وهي نعمة معنوية ، أعنيبعث الرسول إليها ، كما أشار إليه في الآية الثانية ، بقوله :( وَلَقد جاءهُمْ رسول منهم ) .

وهوَلاء أمام هذه النعم الظاهرة والباطنة بدل أن يشكروا الله عليها كفروا بها.

أمّا النعمة المعنوية ، أعني : الرسول فكذّبوه ـ كما هو صريح الآية الثانية ـ وأمّا النعمة المادية فالآية ساكتة عنها غير انّ الروايات تكشف لنا كيفية كفران تلك النعم.

روى العياشي ، عن حفص بن سالم ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : « إنّ قوماً في بني إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها ، فلم يزل الله بهم حتى اضطروا إلى التماثيل يبيعونها

__________________

١ ـ يوسف : ٨٢.

١٨٤

ويأكلونها ، وهو قول الله :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ».(١)

وفي رواية أخرى عن زيد الشحّام ، عن الصادقعليه‌السلام قال : كان أبي يكره أن يمسح يده في المنديل وفيه شيء من الطعام تعظيماً له إلاّ أن يمصّها ، أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها ، قال : فانّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم ، ثم قال : إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة.

قالعليه‌السلام : فلمّا فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دواباً أصغر من الجراد ، فلم تدع لهم شيئاً خلقه الله إلاّ أكلته من شجر أو غيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به ، فأكلوه وهي القرية التي قال الله تعالى :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .(٢)

وبذلك يعلم أنّ ما يقوم به الجيل الحاضر من رمي كثير من فتات الطعام في سلة المهملات أمر محظور وكفران بنعمة الله. حتى أنّ كثيراً من الدول وصلت بها حالة البطر بمكان انّها ترمي ما زاد من محاصيلها الزراعية في البحار حفظاً لقيمتها السوقية ، فكلّ ذلك كفران لنعم الله.

ثمّ إنّه سبحانه جزاهم في مقابل كفرهم بالنعم المادية والروحية ، وأشار إليها

__________________

١ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩١ ، حديث ٢٤٧.

٢ ـ تفسير نور الثقلين : ٣ / ٩٢ ، حديث ٢٤٨.

١٨٥

بآيتين :

الاَُولى :( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) .

الثانية :( فَأخذهم العذاب وهم ظالمون ) .

فلنرجع إلى الآية الأولى ، فقد جزاهم بالجوع والخوف نتيجة بطرهم.

وهناك سؤال مطروح منذ القدم وهو أنّه سبحانه جمع في الآية الأولى بين الذوق واللباس ، فقال :( فَأَذاقَهَا الله لِباسَ الجُوعِ ) مع أنّ مقتضى استعمال الذوق هو لفظ طعم ، بأن يقول : « فأذاقها الله طعم الجوع ».

ومقتضى اللفظ الثاني أعني : اللباس ، أن يقول : « فكساهم الله لباس الجوع » فلماذا عدل عـن تلك الجملتين إلى جملة ثالثــة لا صلـة لها ـ حسب الظاهر ـ بين اللفظين ؟

والجواب : انّ للإتيان بكلّ من اللفظين وجهاً واضحاً.

أمّا استخدام اللباس فلبيان شمول الجوع والخوف لكافة جوانب حياتهم ، فكأنّ الجوع والخوف أحاط بهم من كلّ الأطراف كإحاطة اللباس بالملبوس ، ولذلك قال :( لباس الجوع والخوف ) ولم يقل « الجوع والخوف » لفوت ذلك المعنى عند التجريد عن لفظ اللباس.

وأمّا استخدام الذوق فلبيان شدة الجوع ، لأنّ الإنسان يذوق الطعام ، وأمّا ذوق الجوع فانّما يطلق إذا بلغ به الجوع والعطش والخوف مبلغاً يشعر به من صميم ذاته ، فقال :( فَأَذاقَهُمُ الله لِباس الجوع والخَوف ) .

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وأمّا ما هو المرادمن تلك القرية بأوصافها الثلاثة ، فقد عرفت من الروايات خصوصياتها.

١٨٦

نعم ربما يقال بأنّ المراد أهل مكة ، لأنّهم كانوا في أمن وطمأنينة ورفاه ، ثمّ أنعم الله عليهم بنعمة عظيمة وهي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فكفروا به وبالغوا في إيذائه ، فلا جرم أن سلط عليهم البلاء.

قال المفسرون : عذّبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا الجيف والعظام.

وأمّا الخوف ، فهو انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إليهم السرايا فيغيرون عليهم.

ويؤيد ذلك الاحتمال ما جاء من وصف أرض مكة في قوله :( أَوَ لَمْ نُمَكّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلّ شَيْءٍ ) .(١)

ومع ذلك كلّه فتطبيق الآية على أهل مكة لا يخلو من بُعد.

أمّا أوّلاً : فلأنَّ الآية استخدمت الأفعال الماضية مما يشير إلى وقوعها في الأزمنة الغابرة.

وثانياً : لم يثبت ابتلاء أهل مكة بالقحط والجوع على النحو الوارد في الآية الكريمة ، وان كان يذكره بعض المفسرين.

وثالثاً : انّ الآية بصدد تحذير المشركين من أهل مكة من مغبّة تماديهم في كفرهم ، والسورة مكية إلاّ آيات قليلة ، ونزولها فيها يقتضي أن يكون للمثل واقعية خارجية وراء تلك الظروف ، لتكون أحوال تلك الأمم عبرة للمشركين من أهل مكة وما والاها.

__________________

١ ـ القصص : ٥٧.

١٨٧

الاِسراء

٣١

التمثيل الواحد والثلاثون

( وَلا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولَة إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْط فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) .(١)

تفسير الآيات « الغلُّ » : ما يقيَّد به ، فيجعل الأعضاء وسطه ، وجمعه أغلال ، ومعنى قوله :( مغلولة إلى عنقك ) أي مقيَّدة به.

« الحسرة » : الغم على ما فاته والندم عليه ، وعلى ذلك يكون محسوراً ، عطف تفسير لقوله « ملوماً » ، ولكن الحسرة في اللغة كشف الملبس عما عليه ، وعلى هذا يكون بمعنى العريان.

أمّا الآية فهي تتضمن تمثيلاً لمنع الشحيح وإعطاء المسرف ، والأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير ، فشبّه منع الشحيح بمن تكون يده مغلولة إلى عنقه لا يقدر على الاِعطاء والبذل ، فيكون تشبيه لغاية المبالغة في النهي عن الشح والإمساك ، كما شبّه إعطاء المسرف بجميع ما عنده بمن بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء ، وهذا كناية عن الإسراف ، فيبقى الثالث وهو المفهوم من الآية

__________________

١ ـ الإسراء : ٢٩ ـ ٣٠.

١٨٨

وإن لم يكن منطوقاً ، وهو الاقتصاد في البذل والعطاء ، فقد تضمّنته آية أخرى في سورة الفرقان ، وهي :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُروا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) .(١)

وقد ورد في سبب نزول الآية ما يوضح مفادها.

روى الطبري أنّ امرأة بعثت ابنها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : قل له : إنّ أمّي تستكسيك درعاً ، فإن قال : حتى يأتينا شيء. ، فقل له : انّها تستكسيك قميصك.

فأتاه ، فقال ما قالت له ، فنزع قميصه فدفعه إليه ، فنزلت الآية.

ويقال انّهعليه‌السلام بقي في البيت إذ لم يجد شيئاً يلبسه ولم يمكنه الخروج إلى الصلاة فلامه الكفّار ، وقالوا : إنّ محمداً اشتغل بالنوم واللهو عن الصلاة( إِنَّ ربّك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي يوسع مرة ويضيق مرة ، بحسب المصلحة مع سعة خزائنه.(٢)

روى الكليني عن عبدالملك بن عمرو الأحول ، قال : تلا أبو عبد الله هذه الآية :( وَالّذينَ إذا أَنْفَقُوا لَم يسرفُوا وَلم يقتروا وَكان بين ذلكَ قواماً ) .

قال : فأخذ قبضة من حصى وقبضها بيده ، فقال : هذا الإقتار الذي ذكره الله في كتابه ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، فأرخى كفه كلها ، ثمّ قال : هذا الإسراف ، ثمّ قبض قبضة أخرى فأرخى بعضها ، وقال : هذا القوام.(٣)

__________________

١ ـ الفرقان : ٦٧.

٢ ـ مجمع البيان : ٣ / ٤١٢.

٣ ـ البرهان في تفسير القرآن : ٣ / ١٧٣.

١٨٩

هذا ما يرجع إلى تفسير الآية ، وهذا الدستور الإلهي تمخض عن سنّة إلهية في عالم الكون ، فقد جرت سنته سبحانه على وجود التقارن بين أجزاء العالم وانّ كلّ شيء يبذل ما يزيد على حاجته إلى من ينتفع به ، فالشمس ترسل ٤٥٠ ألف مليون طن من جرمها بصورة أشعة حرارية إلى أطراف المنظومة الشمسية وتنال الأرض منها سهماً محدوداً فتتبدل حرارة تلك الأشعة إلى مواد غذائية كامنة في النبات والحيوان وغيرهما ، حتى أنّ الأشجار والأزهار ما كان لها أن تظهر إلى الوجود لولا تلك الأشعة.

إنّ النحل يمتصّ رحيق الاَزهار فيستفيد منه بقدر حاجته ويبدل الباقي عسلاً ، كل ذلك يدل على أنّ التعاون بل بذل ما زاد عن الحاجة ، سنة إلهية وعليها قامت الحياة الإنسانية.

ولكن الإسلام حدّد الإنفاق ونبذ الاِفراط والتفريط ، فمنع عن الشح ، كما منع عن الإسراف في البذل.

وكأنّ هذه السنّة تجلت في غير واحد من شؤون حياة الإنسان ، ينقل سبحانه عن لقمان الحكيم انّه نصح ابنه بقوله :( وَ اقْصُدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِير ) .(١)

بل يتجلّى الاقتصاد في مجال العاطفة الإنسانية ، فمن جانب يصرح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام .(٢)

ومن جانب آخر يقول الإمام عليعليه‌السلام : « هلك فيّ اثنان : محب غال ، ومبغض قال ».(٣)

__________________

١ ـ لقمان : ١٩.

٢ ـ حلية الأولياء : ١ / ٨٦.

٣ ـ بحار الأنوار : ٣٤ / ٣٠٧.

١٩٠

فالاِمعان في مجموع ما ورد في الآيات والروايات يدل بوضوح على أنّ الاقتصاد في الحياة هو الأصل الأساس في الإسلام ، ولعله بذلك سميت الأمة الإسلامية بالاَُمة الوسط ، قال سبحانه :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ) .(١)

وهناك كلمة قيمة للاِمام أمير المؤمنينعليه‌السلام حول الاعتدال نأتي بنصها :

دخل الإمام علي العلاء بن زياد الحارثى وهو من أصحابه يعوده ، فلمّا رأي سعة داره ، قال :

« ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج ؟

بلى إن شئت بلغت بها الآخرة ، تقري فيها الضيف ، وتصل فيها الرَّحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة ».

فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال : « وماله؟ » قال : لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا. قال : « عليّ به ». فلمّا جاء قال :

« يا عديّ نفسك : لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك ! أترى الله أحلّ لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها ؟! أنت أهون على الله من ذلك ».

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك !

قال : « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله تعالى فرض على أئمّة العدل ( الحق ) أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره ! »(٢)

__________________

١ ـ البقرة : ١٤٣.

٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٩.

١٩١

الكهف

٣٢

التمثيل الثاني والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنَّتين مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً * وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبّي لاََجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلاً * لكِنّا هُوَ اللهُ رَبّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبّي أَحَداً * وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إلاّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلداً * فَعَسى رَبّي أَنْ يُوَْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماوَُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطيعَ لَهُ طَلَباً * وَأُحيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَ ما كانَ مُنْتَصِراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الحفّ » من حفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به ، وحفاف الشيء جانباه كأنّهما

__________________

١ ـ الكهف : ٣٢ ـ ٤٣.

١٩٢

أطافا به ، فقوله في الآية( فَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ ) أي جعلنا النخل مطيفاً بهما ، وقوله :( ما أظن أن تبيد ) فهو من باد الشيء ، يبيد بياداً إذا تفرق وتوزع في البيداء أي المفازة.

« حسباناً » : أصل الحسبان السهام التي ترمى ، الحسبان ما يحاسب عليه ، فيجازى بحسبه فيكون النار والريح من مصاديقه ، وفي الحديث انّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في الريح : « اللهم لا تجعلها عذاباً ولا حسباناً ».

« الصعيد » يقال لوجه الأرض « زلق » أي دحضاً لا نبات فيه ويرادفه الصلد ، كما في قوله سبحانه :( فتركه صلداً ) (١)

هذا ما يرجع إلى مفردات الآية.

وأمّا تفسيرها ، فهو تمثيل للمؤمن والكافر بالله والمنكر للحياة الأخروية ، فالأوّل منهما يعتمد على رحمته الواسعة ، والثاني يركن إلى الدنيا ويطمئن بها ، ويتبين ذلك بالتمثيل التالي :

قد افتخر بعض الكافرين بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين ، فضرب الله سبحانه ذلك المثل يبين فيها بأنّه لا اعتبار بالغنى الموَقت وانّه سوف يذهب سدى ، أمّا الذي يجب المفاخرة به هو تسليم الإنسان لربه وإطاعته لمولاه.

وحقيقة ذلك التمثيل انّ رجلين أخوين مات أبوهما وترك مالاً وافراً فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرب إلى الله بالإحسان والصدقة ، وأخذ الآخر حقه فتملك به ضياعاً بين الجنتين فافتخر الاَخ الغني على الفقير ، وقال :( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) ، وما هذا إلاّ لأنّه كان يملك جنتين من أعناب ونخل مطيفاً

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٤.

١٩٣

بهما وبين الجنتين زرع وافر ، وقد تعلّقت مشيئته بأن تأتي الجنتان أكلها ولم تنقص شيئاً وقد تخللها نهر غزير الماء وراح صاحب الجنتين المثمرتين يفتخر على صاحبه بكثرة المال والخدمة.

وكان كلما يدخل جنته يقول : ما أظن أن تفنى هذه الجنة وهذه الثمار ـ أي تبقى أبداً ـ وأخذ يكذب بالساعة ، ويقول : ما أحسب القيامة آتية ، ولو افترض صحة ما يقوله الموحِّدون من وجود القيامة ، فلئن بعثت يومذاك ، لآتاني ربي خيراً من هذه الجنة ، بشهادة أعطائي الجنة في هذه الدنيا دونكم ، وهذا دليل على كرامتي عليه.

هذا ما كان يتفوّه به وهو يمشي في جنته مختالاً ، وعند ذاك يواجهه أخوه بالحكمة والموعظة الحسنة.

و يقول : كيف كفرت بالله سبحانه مع أنّك كنت تراباً فصرت نطفة ، ثمّ رجلاً سوياً ، فمن نقلك من حال إلى حال وجعلك سوياً معتدل الخلقة ؟

وبما انّه ليس في عبارته إنكار للصانع صراحة ، بل إنكار للمعاد ، فكأنّه يلازم إنكار الربّ.

فإن افتخرت أنت بالمال ، فأنا أفتخر بأنّي عبد من عباد الله لا أُشرك به أحداً.

ثمّ ذكّره بسوء العاقبة ، وانّك لماذا لم تقل حين دخولك البستان ما شاء الله ، فانّ الجنتين نعمة من نعم الله سبحانه ، فلو بذلت جهداً في عمارتها فإنّما هو بقدرة الله تبارك وتعالى.

ثمّ أشار إلى نفسه ، وقال : أنا وإن كنت أقل منك مالاً وولداً ، ولكن أرجو

١٩٤

أن يجزيني ربي في الآخرة خيراً من جنتك ، كما أترقب أن يرسل عذاباً من السماء على جنتك فتصبح أرضاً صلبة لا ينبت فيها شيء ، أو يجعل ماءها غائراً ذاهباً في باطن الأرض على وجه لا تستطيع أن تستحصله.

قالها أخوه وهو يندّد به ويحذّره من مغبّة تماديه في كفره وغيّه ويتكهن له بمستقبل مظلم.

فعندما جاء العذاب وأحاط بثمره ، ففي ذلك الوقت استيقظ الاَخ الكافر من رقدته ، فأخذ يقلّب كفّيه تأسّفاً وتحسّراً على ما أنفق من الأموال في عمارة جنتيه ، وأخذ يندم على شركه ، ويقول : يا ليتني لم أكن مشركاً بربي ، ولكن لم ينفعه ندمه ولم يكن هناك من يدفع عنه عذاب الله ولم يكن منتصراً من جانب ناصر.

هذه حصيلة التمثيل ، وقد بيّنه سبحانه على وجه الإيجاز ، بقوله :( المالُ والبنونَ زِينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقيِاتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) .(١)

وقد روى المفسرون انّه سبحانه أشار إلى هذا التمثيل في سورة الصافات في آيات أخرى ، وقال :( قالَ قائلٌ مِنْهُمْ إِنّي كانَ لِي قَرينٌ * يَقول أءِنّكَ لَمِنَ المُصَدّقينَ * أإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أإنّا لَمَدِينُونَ * قالَ هَل أَنْتُمْ مُطَّلِعُون * فَاطَّلَعَ فرآهُ فِي سَواءِ الجَحِيم ) .(٢)

إلى هنا تبيّـن مفهوم المثل ، وأمّا تفسير مفردات الآية وجملها ، فالاِمعان فيما ذكرنا يغني الباحث عن تفسير الآية ثانياً ، ومع ذلك نفسرها على وجه الإيجاز.

__________________

١ ـ الكهف : ٤٦.

٢ ـ الصافات : ٥١ ـ ٥٥.

١٩٥

( واضرب لهم ) أي للكفار مع المؤمنين( مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما ) أي للكافر( جنتين ) أي بستانين( من أعناب وحففناهما ) أحدقناهما بنخل( وجعلنا بينهما زرعاً ) يقتات به( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ثمرها( لم تظلم ) تنقص( منه شيئاً وفجّرنا خلالهما نهراً ) يجري بينهما( وكان له ) مع الجنتين( ثمر فقال لصاحبه ) المؤمن( وهو يحاوره ) يفاخره( أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً ) عشيرة( ودخل جنته ) بصاحبه يطوف به فيها ويريه ثمارها.( وهو ظالم لنفسه ) بالكفر( قال ما أظن أن تبيد ) تنعدم( هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربّي ) في الآخرة على زعمك( لاَجدنّ خيراً منها منقلباً ) مرجعاً( قال له صاحبه وهو يحاوره ) يجادله( أكفرت بالذى خلقك من تراب ) لأنّ آدم خلق منه( ثم من نطفة ثمّ سوّاك ) عدلك وصيّرك( رجلاً ) . أمّا أنا فأقول( لكنّا هو الله ربي ولا أُشرك بربي أحداً ولولا إذ دخلت جنتك قلت ) عند اعجابك بها( ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله ) .( إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً ) وصواعق( من السماء فتصبح صعيداً زلقاً ) أي أرضا ً ملساء لا يثبت عليهاقدم( أو يصبح ماؤها غوراً ) بمعنى غائراً( فلن تستطيع له طلباً ) حيلة تدركه بها( وأحيط بثمره ) مع ما جنته بالهلاك فهلكت( فأصبح يقلب كفيه ) ندماً وتحسراً( على ما أنفق فيها ) في عمارة جنته( وهي خاوية ) ساقطة( على عروشها ) دعائمها للكرم بأن سقطت ثمّ سقط الكرم( ويقول يا ليتني ) كأنّه تذكّر موعظة أخيه( لم أُشرك بربي أحداً ولم تكن له فئة ) جماعة( ينصرونه من دون الله ) عند هلاكها و( ما كان منتصراً ) عند هلاكها بنفسه( هنالك ) أي يوم القيامة( الولاية ) الملك( لله الحقّ ) .(١)

__________________

١ ـ السيوطي : تفسير الجلالين : تفسير سورة الكهف.

١٩٦

الكهف

٣٣

التمثيل الثالث والثلاثون

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلّ شَيءٍ مُقتدراً ) .(١)

تفسير الآيات

« الهشيم » : ما يكسر ويحطم في يبس النبات ، و « الذر » والتذرية : تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كلّ جهة.

تحدّث التمثيل السابق عن عدم دوام نعم الدنيا التي ربما يعتمد عليها الكافر ، ولأجل التأكيد على تلك الغاية المنشودة أتى القرآن بتمثيل آخر يجسم فيها حال الحياة الدنيوية وعدم ثباتها بتمثيل رائع يتضمن نزول قطرات من السماء على الأراضي الخصبة المستعدة لنمو البذور الكامنة فيها ، فعندئذٍ تبتدئ الحركة فيها بشقها التراب وإنباتها وانتفاعها من الشمس إلى أن تعود البذور باقات من الاَزهار الرائعة ، فربما يتخيل الإنسان بقاءها ودوامها ، فإذا بالأعاصير والعواصف المدمِّرة تهب عليها فتصيرها أعشاباً يابسة ، وتبيدها عن بكرة أبيها وكأنّها لم تكن موجودة قط. فتنثر الرياح رمادها إلى الأطراف ، فهذا النوع من الحياة والموت يتكرر

__________________

١ ـ الكهف : ٤٥.

١٩٧

على طول السنة ويشاهده الإنسان باُمّ عينه ، دون أن يعتبر بها ، فهذا ما صيغ لأجله التمثيل.

يقول سبحانه :( وَاضربْ لَهُم مثل الحياة الدُّنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض ) على وجه يلتف بعضه ببعض ، يروق الإنسان منظره ، فلم يزل على تلك الحال إلى أن ينتقل إلى حالة لا نجد فيها غضاضة ، وهذا ما يعبر عنه القرآن ، بقوله :( فأصبح هشيماً ) أي كثيراً مفتتاً تذوره الرياح فتنقله من موضعه إلى موضع ، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات( وكان الله على كلّ شيء مقتدراً ) .

ثمّ إنّه سبحانه يشبّه المال والبنين بالورود والأزهار التي تظهر على النباتات ووجه الشبه هو طروء الزوال بسرعة عليها ، فهكذا الأموال والبنون.

وإنّما هي زينة للحياة الدنيا ، فإذا كان الأصل مؤقتاً زائلاً ، فما ظنّك بزينته ، فلم يكتب الخلود لشيء مما يرجع إلى الدنيا ، فالاعتماد على الأمر الزائل ليس أمراً صحيحاً عقلائياً ، قال سبحانه :( المال وَالبَنُون زينَة الحَياة الدُّنيا ) .

نعم ، الخلود للأعمال الصالحة بمالها من نتائج باهرة في الحياة الأخروية ، قال سبحانه :( وَالباقياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِنْدَ رَبّك ثَواباً وخَيرٌ مَردّا ) .(١)

ثمّ إنّه سبحانه يؤكد على زوال الدنيا وعدم دوامها من خلال ضرب أمثلة ، فقد جاء روح هذا التمثيل في سورة يونس الماضية.(٢)

__________________

١ ـ مريم : ٧٦.

٢ ـ انظر التمثيل الرابع عشر وسورة يونس ٢٥ ، كما يأتي مضمونها عند ذكر التمثيل الوارد في سورة الحديد ، الآية ٢٠.

١٩٨

ايقاظ

ثمّ إنّه ربما يُعدُّ من أمثال القرآن قوله :( وَلَقَد صرفنا في هذا القرآن للناسِ من كلّ مثل وكانَ الإنسان أكثر شيء جدلاً ) .(١)

والحق انّه ليس تمثيلاً مستقلاً وإنّما يؤكد على ذكر نماذج من الأمثال خصوصاً فيما يرجع إلى حياة الماضين التي فيها العبر.

ومعنى قوله :( ولقد صرّفنا ) أي بيّنا في هذا القرآن للناس من كلّ مثل وإنّما عبر عن التبيين بالتصريف لأجل الإشارة إلى تنوّعها ليتفكر فيها الإنسان من جهات مختلفة ومع ذلك( وَكانَ الإنسانُ أكثرَ شىءٍ جَدلاً ) أي أكثر شيء منازعة ومشاجرة من دون أن تكون الغاية الاهتداء إلى الحقيقة.

__________________

١ ـ الكهف : ٥٤.

١٩٩

الحج

٣٤

التمثيل الرابع والثلاثون

( يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلوِ اجْتَمعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيئاً لا يَسْتَنْقِذُوه مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلُوبُ * ما قَدَرُوا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز ) .(١)

تفسير الآيات

كان العرب في العصر الجاهلي موحدين في الخالقية ، ويعربون عن عقيدتهم ، بأنّه لا خالق في الكون سوى الله سبحانه ، وقد حكاه سبحانه عنهم في غير واحد من الآيات ، قال سبحانه :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرضَ لَيقُولُنَّ خَلقهُنَّ العَزِيزُ العَلِيم ) .(٢)

ولكنّهم كانوا مشركين في التوحيد في الربوبية ، وكأنّه سبحانه ـ بزعمهم ـ خلق السماوات والأرض وفوّض تدبيرهما إلى الآلهة المزعومة ، ويكشف عن ذلك إطلاق المشركين لفظ الاَرباب في جميع العهود على آلهتهم المزعومة ، يقول سبحانه :( أَأَرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار ) (٣) والآية وإن كانت تفصح عن

____________

١ ـ الحج : ٧٣ ـ ٧٤.

٢ ـ الزخرف : ٩.

٣ ـ يوسف : ٣٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375