حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 200596 / تحميل: 8160
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

حياة الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام

دراسة وتحليل

الجزء الثاني

باقر شريف القرشي

منشورات سعيد بن جبير

٤

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ).

صدق الله العليّ العظيم

القرآن الكريم   

٦

٧

تقديم

(١)

في سيرة الإمام الرضاعليه‌السلام ملتقى أصيل للمثل العليا، والقيم الكريمة التي يعتز بها هذا الكائن الحي من بني الإنسان. ولعلّ الجانب الروحي من أظهر مميزاته وسماته، فقد انقطع إلى الله تعالى انقطاعاً كاملاً حتى تفاعل حبّه مع جميع ذاتياته وعناصره، وقد أثّرت روحانيته على الزاهد المعروف بـ‍ (معروف الكرخي ) الذي كان من أعبد أهل زمانه فقد كانت هدايته، ونكرانه لذاته، وانصرافه عن ملاذ حياته على يد الإمامعليه‌السلام ، فقد رأى صرحاً من القداسة والطهر فتكهرب به، وانجذب إليه، وسار على هديه في التجرّد عن الدنيا، والإقبال على الخالق العظيم.

(٢)

لقد كانت قيم الإمام العظيم مضرب المثل، في عصره، واستوعبت جميع لغات العصر، فقد شاعت مواهبه وعبقرياته، واحتفاف العلماء والرواة به، وهم ينتهلون من نمير علومه، ويسجّلون ما يفتي به، وما يدلي به من روائع الحكم والآداب... وقد تحدثت الأندية والمجالس عن روعة دفاعه عن الفكر الإسلامي؛ وذلك في مناظراته القيّمة، واحتجاجاته الصارمة على العلماء والفلاسفة من مختلف المذاهب والأديان، وقد خاض القسم الأوفر منها في البلاط العباسي في (خراسان )، وقد ذكرنا نماذج منها في الحلقة الأُولى من هذا الكتاب.

(٣)

ولم يعرف السلك الدبلوماسي في العصر الأموي والعباسي مثل المأمون في

٨

صياغته للمخططات السياسية، والتغلّب على مجريات الأحداث مهما كانت غامضة ومعقّدة، فقد أحاطت به أزمات خطيرة وحرجة جداً، كادت أن تقضي على حكومته، وتلفّ لواءها، وكان من أبرزها شيوع الفتن والثورات الشعبية في معظم أرجاء العالم الإسلامي التي سئمت من الحكم العباسي، بالإضافة إلى صراعه المسلّح مع أخيه الأمين، وقتله له، وقد تخلّص من هذه الأحداث بمهارة فائقة فأجبر الإمام الرضاعليه‌السلام على قبول ولاية العهد التي هي أسمى مركز في الدولة العباسية بعد الخلافة، وضرب السكّة الرسمية باسمه، وأخذت وسائل إعلامه تذيع بين المسلمين فضل المأمون وما أسداه من الإحسان إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد رشّح سيّدهم وإمامهم لهذا المنصب الخطير، ونقل بذلك الخلافة من بني العباس إلى السادة العلويين الذين هم دعاة العدل الاجتماعي والعدل السياسي في الإسلام، وقد أُخمدت بهذه الخديعة نيران الحروب، وقضي على وسائل الفتن والتمرّد على حكومته.

(٤)

وكان الإمام الرضاعليه‌السلام على علم - لا يخامره شك - بنوايا المأمون وزيف ما أظهره من الولاء الكاذب للأُسرة العلوية، وأنّه يضمر له بالذات خلاف ما يظهره، وأنّه يبغي له الغوائل، ويكيده في غلس الليل وفي وضح النهار، فلم يشتركعليه‌السلام مع جهاز حكومته، ولم يبد أي نشاط أو تجاوب بأي عمل من أعمال الدولة، فقد تجرّد تجرّداً تامّاً عن جميع شؤونها، ولم يبق له سوى الاسم أنّه: ولي عهد المأمون. ويلقي هذا الكتاب الأضواء على هذه الجوانب، وما ألمّ بها من أحداث.

(٥)

وقد ألمحنا في تقديم الجزء إلى بحوث هذا الكتاب ومحتوياته بجزأيه، وإنّما كرّرنا ذكر بعضها في هذا التقديم نظراً لأهمّيتها، وبعد نظر القرّاء إليها، سائلين من الله تعالى أن يحشرنا يوم نلقاه في زمرة العارفين بفضل أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، اّنه تعالى وليّ القصد والتوفيق.

النجف الأشرف / المؤلِّف باقر شريف القرشي

٩

علل الأحكام وغيرها

وأجمعت العدلية من الشيعة والمعتزلة على أنّ كل حكم صادر من الشارع المقدّس لم يكن عفوياً مطلقاً، وإنّما كان منوطاً بمصلحة شاملة للفرد والمجتمع تعود عليهم بالخير العميم، سواء أكان ذلك الحكم واجباً أم مندوباً، وكذلك إذا كان الحكم محرّماً أم مكروهاً، فإنّه يشتمل على مفسدة ملزمة أو غير ملزمة تعود بالضرر الجسيم على الإنسان، وأنّ من المستحيل أن يصدر حكم من الشارع العظيم خالياً من المصالح أو فيه من المفاسد، فإنّ ذلك يستلزم الطعن في حكمة الشارع، كما يستلزم لغوية التشريع، وعدم فائدته. وخالفت في ذلك الأشاعرة فزعمت أنّ أحكام الشارع كلّها عفوية ومجرّدة عن الحكم والمصالح وهذا الرأي بادي الوهن يترتّب عليه كثير من اللوازم الفاسدة ذكرتها مصادر علم الكلام.

وعلى أي حال فقد أعلن الإمام الرضاعليه‌السلام عن ضرورة اشتمال الأحكام الشرعية على المصالح في جانب الواجبات والمفاسد في جهة المحرمات، وقد أدلى بذلك في تقديم أجوبته عن علل بعض الأحكام التي سأله عنها الفضل بن شاذان، قالعليه‌السلام : (إن سأل سائل هل يجوز أن يكلف الحكيم عبده فعلاً من الأفعال لغير علّة ولا معنى؟ قيل له: يجوز ذلك لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل. فإن قال قائل: فأخبرني لِم كلّف الخلق؟ قيل لعلل كثيرة. فإن قال فأخبرني عن تلك العلل

١٠

معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها(١) .

وعلى أي حال فقد شاعت في عصر الإمام تساؤلات كثيرة عن علل بعض البحوث الكلامية كما شاعت تساؤلات أخرى عن الحكمة في تشريع بعض الأحكام الشرعية، وهناك تساؤلات أخرى عن أحوال الأنبياء وشؤون الأمم الماضية، وقد عُرضت على الإمام الرضاعليه‌السلام فأجاب عنها وقد عرض عليه كوكبة منها محمد بن سنان كما سمع الفضل بن شاذان جملة منها من الإمامعليه‌السلام وفيما يلي عرض لها:

المسائل الكلامية:

أمّا المسائل الكلامية التي ذكر عللها الإمامعليه‌السلام فهي:

أ - الحكمة في أمر الخلق بالإقرار بالله:

وأدلى الإمامعليه‌السلام بالحكم الوثيقة التي من أجلها وجب على العباد الإقرار بالله تعالى، وبرسله وبما جاء من عنده، قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: لِم أمر الخلق بالإقرار بالله، وبرسوله، وحجّته وبما جاء من عند الله عزّ وجل؟...

وأجاب الإمام بما يلي:

قيل: لعلل كثيرة منها: إنّ مَن لم يقر بالله عزّ وجل ولم يجتنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب أحداً فيما يشتهي، ويستلذ من الفساد والظلم، وإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والنساء وقتل بعضهم بعضاً من غير حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل.

ومنها: أنّ الله عزّ وجل حكيم ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلاّ الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش، ولا يكون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلاّ بعد الإقرار بالله عزّ وجل ومعرفة الآمر والناهي.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٩.

١١

ولو ترك الناس بغير إقرار بالله عزّ وجل ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد؛ إذ لا آمر ولا ناهي، ومنها إنّا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة فلولا الإقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحداً في ترك المعصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعله مستوراً عن الخلق غير مراقب لأحد فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلاّ بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد لا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عمّا يخلون به من أنواع الفساد(١) .

إنّ أوثق عملية لاستئصال الجريمة وإقصائها عن الفرد والمجتمع، وتطهير الأرض من الذنوب والآثام، هو غرس الإيمان بالله تعالى في أعماق النفوس ودخائل القلوب والاعتقاد بأنّه تعالى بالمرصاد لكل مَن يقترف جريمة وإثماً في حق نفسه ومجتمعه، وأنّه سيعاقبه بأقسى ألوان العقاب عليها.

ومن الطبيعي أنّ الإنسان بمقتضى حبه لذاته، وسعيه لطلب الخير له، سوف يمتنع من اقتراف أي ذنب يؤدّي إلى هلاكه وشقائه.

لقد ازدادت الجرائم في هذه العصور وازدادت العمليات الإرهابية كقتل الأبرياء واختطاف الطائرات وما شابه ذلك من الجرائم والموبقات؛ وذلك مسبب عن ضعف الإيمان بالله وقلّة الوازع الديني في النفوس.

إنّ الإيمان بالله تعالى تبتنى عليه قوى الخير والسلام في الأرض، وأنّه أوثق طريق لإشاعة العدل والأمن والرخاء بين الناس، وبقلّة الإيمان وانعدامه ستزداد محنة الإنسان وشقاؤه وبلاؤه.

ب - بالإقرار لله بالوحدانية:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلِمَ أوجب عليهم الإقرار والمعرفة بأنّ الله واحد أحد؟.

قيل لعلل منها: أنّه لو لم يجب عليهم الإقرار والمعرفة لجاز أن يتوهّموا مدبرين أو أكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره؛ لأنّ كل

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٠.

١٢

إنسان منهم كان لا يدري لأنّه إنّما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير الذي أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناهٍ إذا لا يعرف الآمر بعينه ولا الناهي من غيره.

ومنها أنّه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يُعبد ويُطاع من الآخر وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله، وفي إجازة أن لا يطاع الله كفر بالله وبجميع كتبه ورسله، وإثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة.

وإباحة كل فساد وإبطال كل حق. ومنها أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنّه ذلك الآخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشد النفاق...(١) .

وحكى هذا المقطع ضرورة الإيمان بوحدانية الله تعالى واستحالة وجود شريك له، وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بأدلته الرائعة على ذلك، وأنّه يلزم من وجود شريك لله تعالى اختلال النظام وفساد الكون وانعدام التوازن في هذه العوالم.

ج - الله ليس كمثله شيء:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أوجب عليهم الإقرار بالله بأنّه ليس كمثله شيء؟

قيل: لعلل منها: أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربّهم وصانعهم ورازقهم، ومنها أنّهم لو لا يعلموا أنّه ليس كمثله شيء لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران، إذا كان جائزاً أن يكون عليهم مشتبه وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها، ومنها: أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شيء لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٢.

١٣

والتغيير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومَن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه، ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية...)(١) .

ذكر الإمامعليه‌السلام في هذه المقطع العلل الوثيقة التي توجب على العباد الإيمان بأنّ الله تعالى ليس كمثله شيء ولا شبيه له؛ إذ لو كان له مثل لجرى عليه تعالى ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والفناء وغير ذلك وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية.

د - العلّة في تكليف العباد:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم؟

قيل: لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلاّ بالأمر، والنهي والمنع من الفساد والتغاصب...)(٢) .

أفاد الإمامعليه‌السلام أنّ العلّة في التكاليف الشرعية من الواجبات والمحرمات هي بقاء الإنسان واستمرار وجوده ففيهاً صلاحه والمحافظة على أمنه ومصالحه وسعادته وفي تركها شقاؤه وهلاكه.

ه‍ـ - العلّة في معرفة الرسل:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أوجب عليهم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان لهم بالطاعة؟

قيل: لأنّه لما أن لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم وكان الصانع متعالياً عن أن يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً لم يكن بد لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم امره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به اجترار منافعهم ومضارهم فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته، لم يكن لهم في مجيء الرسول منفعة ولا سد حاجة ولكان إتيانه عبثاً لغير منفعة ولا صلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شيء...).

وحكى هذا المقطع الأسباب الموجبة لمعرفة الرسل والإقرار بنبوتهم وضرورة تصديقهم وإلاّ كانت معرفتهم عبثاً ولغواً.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٣

١٤

و - الحكمة في إطاعة أولي الأمر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: لهم جعل أولي الامر وأمر بطاعتهم؟

قيل: لعلل كثيرة منها ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل فيه أميناً يمنعهم من التعدّي والدخول فيما حظر عليهم لأنّه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها إنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس ولما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بد له منه ولا قوام إلاّ به فيقاتلون به عدوّهم ويقسمون فيئهم ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملّة وذهب الدين، وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين؛ لأنّا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيماً حافظاً لما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لفسدوا على نحو ما بينا وغيرت الشرايع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين)(١) .

وتحدث الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع عن ضرورة الإمامة، وأنّها عنصر أساس لإقامة الحياة الإسلامية وإقامة حدود الله تعالى وأحكامه وقد أقام الإمام على ذلك المزيد من العلل والأسباب.

ز - الإمامة من نسل النبي:

قالعليه‌السلام فإن قال قائل: فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قيل: لعلل منها أنّه لما كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميّز بها من غيره وهي القرابة المشهورة والوصية الظاهرة ليعرف من

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٠ - ١٠١.

١٥

غيره ويهتدي إليه بعينه، ومنها أنّه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل إذ جعل أولاد الرسول أتباعاً لأولاد أعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط؛ لأنّه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين؛ فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق.

ومنها: أنّ الخلق إذا أقرّوا للرسول بالرسالة وأذعنوا بالطاعة لم يتكبر أحد منهم أن يتبع ولده ويطيع ذرّيّته، ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه انهم أولى به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسخ أنفسهم بالطاعة لـمَن هو عندهم دونهم فكان ذلك داعية إلى الفساد والنفاق والاختلاف(١) .

لقد أقام الإمامعليه‌السلام هذه التعاليل الوثيقة على ضرورة كون الإمام من نسل النبي ومن ذرّيّته فإنّه أدعى لشمل الأمة وجمع الكلمة واجتنابها من ويلات التفرقة والاختلاف، كما حدث ذلك حينما أقصيت العترة الطاهرة عن مراكز الحكم والمسؤولية فاختلفت الأمة وشاعت فيها الأهواء وسادت فيها الفتن والعداوات وكان ذلك من أعظم ما مُنيت به الأمة من الكوارث والخطوب.

علل الأحكام الشرعية:

وأدلى الإمام الرضاعليه‌السلام بكثير من علل الأحكام الشرعية وأسباب تشريعها؛ وذلك فيما كتبه من أجوبة لأسئلة محمد بن سنان، وما نقله عنه الفضل بن شاذان، وتعتبر هذه البحوث من أروع البحوث وأكثرها فائدة؛ لأنّها تلقي الأضواء على الأسباب الوثيقة التي من أجلها قنّن الشارع العظيم أحكامه المقدسة وفيما يلي ذلك:

غسل الجنابة:

وتحدث الإمام عن الأسباب التي دعت الشارع إلى إلزامه بالغسل من الجنابة قالعليه‌السلام : (علّة غسل الجنابة: النظافة وتطهير الإنسان نفسه ممّا أصاب من أذاه

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٢.

١٦

وتطهير سائر جسده؛ لأنّ الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه)(١) .

وبيّن الإمامعليه‌السلام الغايات السامية التي من أجلها شرع الإسلام غسل الجنابة وهي:

أ - النظافة:

وعني الإسلام عناية بالغة بالنظافة واعتبرها من الإيمان؛ لأنّها من أحدث الوسائل في الوقاية من الأمراض التي تنشأ معظمها من الأوساخ والقذارة، والغسل من أظهر وسائل الطهارة والنظافة للجسم.

ب - إعادة الحيوية للجسم:

إنّ الجنابة توجب نحول الجسم وذبوله والغسل يعيد للبدن نشاطه وحيويته وقد أكّدت ذلك البحوث الطبيّة الحديثة.

غسل العيدين والجمعة:

قالعليه‌السلام فيما أجاب به عن أسئلة محمد بن سنان: (وعلّة غسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الأغسال لما فيه من تعظيم العبد ربّه، واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله تعالى فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم وتفضيلا له على سائر الأيام وزيادة في النوافل والعبادة، ولتكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة(٢) ...).

ويستحب الغسل يوم عيد الأضحى وعيد الفطر ويوم الجمعة وغيرها من المناسبات الدينية كيوم (عيد الغدير ) وزيارة مراقد الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء وقد عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في تشريع الغسل في هذه الموارد وهي:

١ - تعظيم الإنسان لخالقه العظيم وطلب العفو والمغفرة منه تعالى.

٢ - تعظيم الأعياد وتحفيز المسلمين إلى الاجتماع والتآلف فيما بينهم.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٨ - ٨٩.

١٧

٣ - تفضيل تلك الأيام على غيرها من أيام السنة لوقوع هذه المناسبة العظيمة فيها.

٤ - زيادة العبادة وإحياء تلك الأيام بذكر الله تعالى.

٥ - وأمّا الغسل في يوم الجمعة فحكمته أن يكون البدن على طهارة ونظافة من الجمعة إلى الجمعة.

غسل الميت:

وعلّل الإمامعليه‌السلام وجوب غسل الميت بتعليلين:

الأول: قالعليه‌السلام :

وعلّة غسل الميت، أنّه يغسل لأنّه يطهر، وينظف من أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله؛ لأنّه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة، فيستحب إذا ورد على الله، ولقي أهل الطهارة، ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهراً نظيفاً موجهاً به إلى الله ليطلب به ويشفع له...

الثاني: قالعليه‌السلام : وعلّة أخرى أنّه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له...(١) .

وعني الإسلام عناية بالغة بأموات المسلمين، وقد دعا المسلمين إلى تشييعهم ومواساة أهلهم بمصابهم، وأوجب على المسلمين وجوباً كفائياً تغسيلهم والصلاة عليهم ومواراتهم، وقد علّل الإمامعليه‌السلام لزوم تغسيلهم بما يلي:

أ - تطهير الميت من القذارة والجراثيم التي في جسمه من جرّاء مرضه؛ وذلك بغسله بماء السدر والكافور، وهما من معقمات البدن.

ب - إنّ الميت بعد تغسيله يكون طاهراً نظيفاً فإذا كان مؤمناً صافح الملائكة والمؤمنين من أهل الآخرة.

ج - إنّ آخر ما يخرج من الميت هو الحويمن الذي خلق منه، وبهذا يستحق الغسل، وقد أكّدت بعض النظريات الحديثة هذه الجهة وذهبت إلى أنّ الحويمن الذي تكوّن منه الإنسان يبقى حياً ومنه يبعث وينتشر يوم القيامة.

وعلى أيّ حال فإنّ أروع ما قُنّن للأموات من الأحكام هو ما قنّنه الإسلام

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

١٨

لهم من التغسيل والمواراة في الأرض.

غسل مسّ الميت:

قالعليه‌السلام : وعلّة اغتسال من غسله أو مسّه فطهارة لما أصابه من نضح الميت؛ لأنّ الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفته؛ فلذلك يتطهّر منه ويطهر(١) إذا لامس الإنسان الميت بعد برده وجب عليه الغسل وكذلك إذا غسله، وقد علّل الإمامعليه‌السلام وجوب الغسل بأنّ الإنسان بعد موته يكون كتلة من الجراثيم فيجب على مَن لامسه الغسل للتخلّص من الإصابة بها.

عدم وجوب الغسل للبول والغائط:

قالعليه‌السلام : وعلّة التخفيف في البول والغائط لأنّه أكثر وأدوم من الجنابة ففرض فيه بالوضوء لكثرته ومشقّته ومجيئه بغير إرادة منهم ولا شهوة والجنابة لا تكون إلاّ باستلذاذ منهم والإكراه لأنفسهم(٢) .

وعلّل الإمامعليه‌السلام عدم وجوب الغسل للبول والغائط واكتفى فيه بالطهارة للموضعين؛ لأنّ إيجاب الغسل فيه مشقّة شديدة وحرج لا يطاق فلذا رفعه الشارع.

الوضوء:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بالوضوء وبدئ به؟ قيل له: لأن يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار وعند مناجاته له مطيعاً له فيما أمره نقياً من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية للفؤاد بين يدي الجبّار(٣) .

علّل الإمامعليه‌السلام وجوب الوضوء بالمناحي الروحية وهي:

أ - إنّ الوضوء مقدّمة للصلاة وجوهر الصلاة هو الإقبال على الله خالق الكون وواهب الحياة، وعلى المصلّي أن يتخلّص من شواغل الحياة ويتجه بمشاعره

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ /.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ /.

١٩

وعواطفه نحو الله تعالى وكان الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وقف للصلاة ترتعد فرائصه ويصفرّ لونه، وسُئل عن سبب ذلك فقال: إنّه واقف بين يدي ملك جبّار. فالوضوء مقدمة لهذه العبادة العظيمة وهو عبارة عن نظافة الجسم من الأقذار والأدناس وهذا ممّا يناسب عظمة الصلاة.

ب - إنّ الوضوء يطرد الكسل ويذهب النعاس ويهيئ المصلّي للصلاة بنشاط وحيوية.

ج - إنّ في الوضوء تزكية للفؤاد وطهارة للنفس؛ لأنّه مقدمة للوقوف بين يدي الله تعالى.

ويضاف لهذه الفوائد الروحية التي تفضّل بها الإمامعليه‌السلام فإنّ فيه فوائد صحيّة بالغة الأهمية، كان منها: أنّه يقي العيون من الإصابة بالرمد؛ لأنّها تغسل بالماء النظيف عدّة مرات في اليوم.

ومنها غسل الأنف بماء بارد وهو ممّا يقي من الإصابة بالزكام الذي هو مفتاح الأمراض.

ومنها أنّ غسل الوجه واليدين يقيهما من الإصابة بالأمراض الجلدية والالتهابات فقد ذكر في الطب الحديث أنّ كثيراً من (الميكروبات) تصيب الإنسان من طريق اختراق الجلد خصوصاً طفيليات الديدان، ولا شك أنّ الغسل المتكرر للمواضع المكشوفة من بدن الإنسان من أهم طرق الوقاية من الإصابة بها.

ومنها أنّ الجراثيم التي تدخل إلى الفم فإنّما هي من طريق تلويث الأيدي فإذا كانت الأيدي مغسولة نظيفة على الدوام كانت أحسن وقاية من الإصابة بتلك الجراثيم(١) .

أفعال الوضوء:

قالعليه‌السلام فإن قائل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين وجعل المسح على الرأس والرجلين ولم يجعل ذلك غسلاً كلّه أو مسحاً كلّه؟

قيل: لعلل شتّى منها: أنّ العبادة العظمى إنّما هي الركوع والسجود وإنّما

____________________

(١) الإسلام والطب الحديث (ص ٦٢ - ٦٣) للدكتور عبد العزيز.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375