نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55104 / تحميل: 6992
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

السيف أو السيّارة إذا قسمت نصفين تغدو غير قابلة للاستعمال. فهل يجيز الإسلام ذلك؟ كلاّ. لماذا؟ لأنّه إضاعة للمال.

يقول العلاّمة الحلّي (من أكابر فقهاء الدرجة الأُولى في الإسلام): إذا أرادا أن يفعلا ذلك، فلابد من منعهما، فإنّ موافقة صاحبي المال لا تكفي من أجل الإضرار به).

الطريق المسدود للطلاق

والآن لننظر ما الذي يجب عمله في قضية الطلاق؟ فإذا كان رجل معاند لا يقوم بأداء الواجبات التي وضعها الإسلام على عاتقه والتي بعضها مالي (النفقات) وبعضها أخلاقي (حسن المعاشرة) وبعضها يتعلّق بأمور الجنس (حق الصلة الجنسية)، وكان إهماله لها كلاّ أو بعضاً، كما أنّه في الوقت ذاته يرفض أن يطلق زوجته، فما العمل هنا؟ وهل يوجد في الإسلام مبدأ يمنع الحاكم أو القاضي الحق في التدخّل في هذه الحال، كما أجاز لهما ذلك بخصوص القضايا المالية أم ليس هناك هذا المبدأ؟

رأي آية الله الحلّي

وهنا أترك زمام الحديث لواحد من فقهاء الدرجة الأُولى في العصر الحديث وهو آية الله الحلّي المقيم في النجف الأشرف، فقد ذكر هذا الأمر في رسالة له باسم (حقوق الزوجية) وأبدى رأيه فيه:

وملخّص ما أورده حول ما يتعلّق بحقوق المرأة وامتناع الرجل ما يلي:

٣٤١

(الزواج عهد مقدّس، وهو في نفس الوقت نوع من المشاركة بين إنسانين تفرض على الطرفين مجموعة من الالتزامات، لا تؤمن سعادتهما إلاّ بالوفاء بها. كما سعادة المجتمع ترتبط كذلك بسعادة هذين، والوفاء بتعهّداتهما تجاه بعضهما.

والحقوق الأساسية للزوجة عبارة عن النفقة والكسوة، وحق الصلة الجنسية وحسن المعاشرة الأخلاقية.

فإذا تنصّل رجل عن القيام بواجباته تجاه زوجته، وامتنع في الوقت ذاته عن الطلاق، فما هو الحل؟ وكيف يجب التعامل مع هذا الرجل؟

وهنا نفترض حلّين: الأول أنّ للحاكم الشرعي حق التدخّل وحل المسألة بإيقاع الطلاق، والثاني أن تتنصّل المرأة أيضاً عن القيام بتعهّداتها تجاه الرجل.

أمّا الحل الأول أي تدخّل الحاكم الشرعي، فلننظر متى وفي أي الحالات يمكن للحاكم أن يتدخّل في هذا الأمر.

( الطّلاَقُ مَرّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... ) (1) .

ومن ثمّ يعود ليقول في نفس السورة:

( وَإِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرّحُوهُنّ

____________________

(1) البقرة: 229.

٣٤٢

بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (1) .

ويفهم من هذه الآيات مبدأ عام هو أنّ الرجل في الحياة الزوجية لابدّ أن يختار أحد طريقين، فإمّا أن يقوم بواجباته كما يليق( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) وإمّا أن يقطع الصلة الزوجية ويخلّي سبيل المرأة( تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) أمّا الخيار الثالث، أي أن لا يطلّق المرأة ولا يتصرّف معها بالحسنى، فهذا ممّا لا يقرّه الإسلام. وجملة( وَلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) إنّما تنفي القسم الثالث من المعاملة. ولا يبعد أن تعني هذه الجملة مفهوماً شاملاً يتعلّق بالحالات التي يتعمّد فيها الرجل إيذاء المرأة، كما تشمل الحالات التي يتعمّد فيها الزوج إلحاق أذى بالزوجة إلاّ أنّ احتفاظه بها لا يجلب لها سوى الأذى والضرر.

هذه الآيات بالرغم من أنّها جاءت من أجل أن توضح تكليف الرجل لدى العدّة ورجوعه عن الطلاق أو عدم رجوعه، وتبيّن أنّ رجوع الرجل عن الطلاق يجب أن يكون على أساس الاحتفاظ بالمرأة كما يليق بها لا بقصد إيذائها. إلاّ أنّها ليست خاصة بهذه الحالة فحسب، بل هي مبدأ عام يبيّن الحقوق الزوجية في كل وقت وفي جميع الأحوال. وعلى هذا فالزوج بصورة عامّة يجب أن يختار أحد طريقين لا ثالث لهما.

____________________

(1) البقرة: 231.

٣٤٣

وقد تصوّر بعض الفقهاء خطأً أنّ هذه الآيات خاصة بالرجال الذين يريدون الرجوع في العدّة، بينما توضّح هذه الآيات تكليف الرجال تجاه زوجاتهم في جميع الحالات، ودليلنا على ذلك - ما عدا سياق الآيات - أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) قد استدلّوا واستشهدوا بها في غير مسألة العدّة:

فمثلاً قول الإمام الباقر (عليه السلام) حول حكم الإيلاء (أي حين يقسم الرجل ألاّ يقارب زوجته) إنّ الزوج يجب أن يخالف قسمه بعد أربعة أشهر ويدفع الكفّارة أو يطلّق الزوجة؛ إذ إنّ الله تعالى يقول:( إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) .

وكذلك حين سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الرجل الذي كان قد وكّل آخر يعقد امرأة له وتعيين مهر لها عنه، فلمّا فعل الوكيل ذلك، أنكر الموكل الوكالة. أجاب ألاّ مانع من أن تتزوّج المرأة من آخر. وأمّا إذا كان الرجل الأول قد وكّل حقيقة وأنّ العقد كان صحيحاً بناءً على صحّة الوكالة فيجب عليه فيما بينه وبين الله أن يطلّق، ولا يترك المرأة بلا طلاق، واستشهد الصادق (عليه السلام) بالآية:( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) .

فيتبيّن من ذلك أنّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) يعتبرون مفاد هذه الآية مبدأً عامّاً غير خاص بحالة واحدة.

إنّ الحاكم الشرعي يجب أن يأمر بإحضار الزوج الذي لا يقوم

٣٤٤

بواجباته الزوجية ولا يطلّق. فيأمره أوّلاً بالطلاق، فإذا لم يطلّق، أوقع الحاكم الطلاق. يذكر أبو بصير رواية عن الصادق (عليه السلام) مفادها أنّ كل مَن كانت له امرأة لا يكسوها ولا ينفق عليها، فعلى إمام المسلمين أن يفرّق بينهما (أي بالطلاق)...)

كانت هذه خلاصة بسيطة لرأي فقيه من الدرجة الأولى في العصر الحاضر، ومَن أراد الاطلاع على تفاصيل أخرى فليراجع رسالة (حقوق الزوجية) من تقرير درسه.

وقد لاحظتم أنّ عبارة( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسـْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) هي مبدأ وقاعدة عامّة قرّر القرآن في إطارها حقوق الزوجية. والإسلام بالاستناد إلى هذا المبدأ - وخصوصاً التأكيد الوارد في عبارة( وَلاَ تُمْسِكُوهُنّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) - لا يجيز لرجل يعرف الله أن يسيء استخدام صلاحيّاته فيحتفظ بزوجة لا من أجل العيش معها بل من أجل مضايقتها ومنعها من الزواج من غيره.

شواهد وأدلّة أخرى

بالإضافة إلى ما ذكر من الشواهد والأدلة في رسالة حقوق الزوجية، هناك شواهد أخرى كثيرة تظهر أنّ عبارة( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) في نظر الإسلام مبدأ عام، وأنّ حقوق الزوجية يجب أن تراعى من خلال هذا الإطار. وكلّما توسّع القارئ في الاطلاع على هذه المسألة؛ اتضحت له سلامة ومتانة الأحكام الإسلامية.

٣٤٥

روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) ما يلي:(1) (إذا أراد الرجل أن يتزوّج المرأة فليقل: (أقررت بالميثاق الذي أخذه الله: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

وجاء في الآية 21 من سورة النساء:( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى‏ بَعْضُكُمْ إِلَى‏ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِيثَاقاً غَلِيظاً ) .

يقرّ مفسّرو الشيعة والسنّة على السواء أنّ المقصود بالميثاق الغليظ هو الميثاق الذي يأخذه الله على الرجل بقوله: (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) وهو نفس الميثاق الذي يشير إليه الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: (إذا أراد الرجل أن يتزوّج المرأة فليقل: (أقررت بالميثاق الذي أخذه الله: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)).

وقد نقل الشيعة والسنّة كلاهما جملة معروفة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قالها في حجّة الوداع هي: (اتقوا الله في النساء فإنّكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله).

يقول ابن الأثير في كتاب النهاية: إنّ كلمة الله المقصودة بكلام النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) التي استحلّ الرجال بها فروج النساء هي مفاد العبارة التي جاءت في القرآن (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

____________________

(1) كتاب الكافي، ج5، ص502.

٣٤٦

رأي شيخ الطائفة

يتحدّث الشيخ الطوسي في كتاب (الخلاف) الجزء الثاني صفحة 185 بشأن العنّين فيقول: (بعد أن يثبت أن الرجل (عنّين) فللمرأة خيار الفسخ) بعدها يقول: إنّ إجماع الفقهاء على هذا. ثم يقول مستدلاً بهذه الآية( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) و(لما كان العنين عاجزاً عن إمساك المرأة بمعروف فيجب عيه إذاً أن يسرّحها).

من مجموع ما مرّ يفهم بوضوح وبشكل قاطع أنّ الإسلام لا يمكن أن يجيز لرجل ظالم أنّ يسيء استخدام حق الطلاق ويحتفظ بالمرأة كسجينة. ولكن يجب ألاّ يفهم ممّا مرّ أنّ لكل مَن يحمل اسم قاض الحقّ في التدخّل في مثل هذه الأمور. فإنّ للقاضي في نظر الإسلام شروطاً ثقيلة ليس هنا مجال لشرحها. وأمر آخر يجب الإشارة إليه هو أنّ الطلاق القضائي في نظر الإسلام - بسبب اهتمام الإسلام بالإبقاء على المؤسسة العائلية - نادر الوقوع ولا يحصل إلاّ استثناءً. فهو لا يجيز أبداً أن يصبح أمر الطلاق كحاله في أمريكا وأوروبا ممّا نقرأ نماذج له دائماً في الصحف. مثلاً: إنّ امرأة شكت زوجها وطلبت الطلاق قائلة إنّه لا يحب الفيلم الذي أحبّه، أو إنّه لا يقبّل كلبي العزيز فيفي، وأمثال هذه المهازل التي تنمّ عن الانحطاط الإنساني.

* * *

أدرك القارئ المحترم ممّا ذكرنا في المقالات السابقة المفهوم

٣٤٧

الذي سبق أن ذكر في المقالة الحادية والعشرين حيث كنّا قد أشرنا إلى خمس نظريات حول الطلاق على الترتيب التالي:

1 - عدم الاهتمام بالطلاق ورفع جميع القيود الأخلاقية والاجتماعية التي تحول دون وقوعه.

2 - أبديّة الزواج ومنع الطلاق بصورة عامة (نظرية الكنيسة الكاثوليكية).

3 - الزواج يقبل الإلغاء من قِبل الرجل ولا يقبل ذلك من قِبل المرأة مهما كلّف الأمر.

4 - يمكن إلغاء الزواج سواء كان بيد المرأة أو بيد الرجل طبقاً لشروط خاصة، وسبيل المرأة في ذلك نفس سبيل الرجل ومساوٍ له (نظرية المنادين بحق المساواة).

5 - طريق الطلاق كما هو مفتوح أمام الرجل فإنّه ليس مغلقاً بوجه المرأة، لكنّ باب خروج الرجل هو غير باب خروج المرأة.

وذكرنا في تلك المقالة أنّ الإسلام يتبنّى النظرية الخامسة، وقلنا عند الإشارة إلى مسألة الشرط المتضمّن في العقد ومسألة الطلاق القضائي، إنّه قد اتضح أنّ الإسلام مع أنّه لم يجعل الطلاق حقّاً طبيعياً للمرأة، إلاّ أنّه لم يغلق الطريق أمامها كليّاً، بل فتح لها أبواباً خاصة للخروج. وفيما يتعلّق بالطلاق القضائي، كان يمكن أن نبحث أكثر من ذلك خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار آراء أئمّة وفقهاء سائر المذاهب

٣٤٨

الإسلامية والتطبيقات العملية لذلك في مختلف البلدان الإسلامية، إلاّ أنّنا نكتفي في هذه المقالات بهذا القدر.

٣٤٩

٣٥٠

الفصل الحادي عشر

تعدّد الزوجات

1 - تعدّد الزوجات

نظام الزوجة الواحدة أقرب أنظمة الزواج إلى الطبيعة الإنسانية. في هذا النظام، تكون الملكيّة الفردية والخاصة - وهي غير ملكيّة الثروة طبعاً - هي الحاكمة. في هذا النظام يرى كل مَن الزوجين المشاعر والعواطف والتوجّه الجنسي لدى صاحبه ملكاً خاصاً به ولا حقّ لغيره فيه.

ويقابل هذا النظام، نظام تعدّد الزوجات أو الزواج الاشتراكي، ويمكن تقسيم هذا النظام إلى عدّة أنواع هي:

الشيوعيّة الجنسيّة

في هذا النوع لا يختص أحد بأحد إطلاقاً، أي لا تختص امرأة برجل معيّن ولا رجل بامرأة معيّنة؛ ولذا أُطلق عليه اسم الشيوعية الجنسية. وهي تعني محو الحياة العائلية. ولم يرو لنا التاريخ (ولا حتى النظريات التي تتناول مرحلة ما قبل التاريخ) خبراً عن مرحلة عاشها البشر انعدمت فيها الحياة العائلية وسادت فيها الشيوعية الجنسية. إنّ ما أطلقوا عليه الشيوعية الجنسية وادعوا وجوده عند بعض الشعوب

٣٥١

البدائية المتوحّشة، لم يكن إلا مرحلة وسطاً بين الحياة العائلية والشيوعية الجنسية. يقال إنّه كان يحصل عند بعض القبائل أن يتزوّج عدد من الإخوة بشكل مشترك من عدد من الأخوات، أو أن تتزوّج - بصورة مشتركة - مجموعة من رجال إحدى الطوائف من مجموعة من نساء طائفة أخرى.

يقول ويل ديورانت في الجزء الأول من تاريخ التمدّن صفحة 60 ما ترجمته: (في بعض مناطق العالم كان يتم الزواج بصورة جماعية، بأن يتزوّج عدد من رجال طائفة ما، بعدد من نساء طائفة أخرى. ففي التبت مثلاً كانت العادة السائدة هي أن يتزوّج عدد من الإخوة عدداً مساوياً من الأخوات بصورة لا يحدّد فيها زوجة كل فرد منهم بل يعيشون نوعاً من الشيوعية في الزواج، ويستطيع أي من الرجال أن يواقع أيّاً من النساء المذكورات. وأشار (سزار) قيصر الروم إلى عادة مماثلة كانت منتشرة بين الانجليز القدماء. ويمكن اعتبار عادة الزواج من زوجة الأخ بعد وفاة زوجها، من بقايا هذه العادات، وهو ما كان شائعاً بين اليهود وبعض الشعوب القديمة).

نظرية أفلاطون

ما يفهم من كتاب جمهورية أفلاطون، ويؤيّده عامة المؤرّخين أنّ أفلاطون يقترح - في نظرية (الحكّام الفلاسفة والفلاسفة الحكّام) - أن تعيش هذه الطبقة حياة عائلية مشتركة، وكما نعلم أنّ بعض زعماء

٣٥٢

الشيوعية في القرن التاسع عشر كانوا قد اقترحوا اقتراحاً مشابهاً ولكن على ما ينقل كتاب (فرويد وتحريم الزواج بالمحارم) فإنّ بعض الدول الشيوعية الكبرى - وعلى أثر التجارب المرّة في هذا الباب - قد أقرّت في عام 1938 قانون الزوجة الواحدة الإجباري واعتبرته النظام الرسمي الوحيد للزواج.

تعدّد الأزواج

وهذا شكل آخر من أشكال تعدّد الزيجات، ويعني أن يكون لامرأة واحدة أكثر من زوج في نفس الوقت. يقول ويل ديورانت: (نرى هذا النوع من الزواج لدى قبيلة تودا وبعض قبائل التبت).

النوع الأول هو النوع الموجود هذه الأيام، وهو أن يخطب الرجل البنت إلى أبيها ويتزوّج منها بعد تعيين مقدار مهرها. والولد الذي تنجبه معروف الأب طبعاً.

النوع الثاني: هو أنّ الرجل خلال فترة زواجه من المرأة يسهل لها الزواج من رجل آخر لفترة معيّنة من أجل أن تلد له ولداً أفضل؛ ولذا فهو يتجنّب الاتصال بها - بعد أن يوصيها بأن تضع نفسها تحت تصرّف الشخص المطلوب - حتى يظهر عليها الحمل.

كان هذا يحصل حين يرغب شخص في أن يحصل على نسل أفضل من نسله هو، ويعتبرونه وسيلة لتحسين النسل. وهذا النوع من الزواج يسمّى (زواج الاستبضاع).

٣٥٣

أمّا النوع الثالث من الزواج: فهو أن يتفق عدد من الرجال (أقل من عشرة) مع امرأة ويواقعونها فإذا حملت وولدت دعت أولئك الرجال للحضور ولا يستطيع أي منهم التخلّف عن الحضور طبقاً لسنن ذلك الزمان، فتختار المرأة هي مَن ترغب فيه من بينهم ليكون أباً لولدها وليس بإمكانه أيضاً أن يمتنع عن القبول، وعلى هذا الأساس يصبح الولد ابنه رسميّاً وقانونياً.

والنوع الرابع من الزواج: كان يتم مع المرأة التي تُعرف بـ (الفاحشة)، ويستطيع أي رجل بدون استثناء أن يتصل بها، ومثل هؤلاء النسوة كن يرفعن على بيوتهن أعلاماً يعرفن بها، فإذا وضعت إحداهن ولداً جمعت كل الرجال الذين سبق أن واقعوها واستدعت كاهناً أو عرّافاً. ليعطي رأيه في نسبة الولد إلى أي واحد من أولئك الرجال فيكون ذلك الرجل مجبراً على قبول رأي العرّاف، ويصبح الولد ولداً رسميّاً وقانونياً له.

كل هذه الأنواع من الزواج كانت سائدة في الجاهلية إلى أن اختار الله محمّداً (صلّى الله عليه وآله) للرسالة فألغى كل تلك الأنواع ما عدا ما هو سائد اليوم.

ومن هذا نفهم أنّ عادة تعدّد الأزواج كانت موجودة لدى عرب الجاهلية.

يقول مونتسكيو في (روح القوانين): (شاهد الرحّالة العربي أبو ظهير الحسن هذه العادة (تعدّد الأزواج) في القرن السابع الميلادي لدى زيارته للهند والصين، فعلاً، ذلك دليلاً على انتشار الفحشاء). وكتب

٣٥٤

أيضاً: (تعيش على سواحل (مالايار) قبيلة اسمها نائير، لا يسمح لرجالها بالزواج من أكثر من امرأة بينما يسمح لنسائها أن يتزوّجن من عدّة رجال في آن واحد. واعتقد أنّ سبب تشريعهم لهذا القانون أنّ رجال قبيلة نائير من أقوى رجال القبائل شوكة، وهم - بسبب أصالتهم - مقاتلون أشدّاء. وكما نمنع - نحن في أوروبا - جنودنا من الزواج لئلاّ تعوقهم زوجاتهم عن التوجّه إلى الحرب، كذلك عملت قبائل (مالايار) على إضعاف العلاقات العائلية بين أفرادها قدر الإمكان، ولما لم يكن بوسعها منعهم تماماً من الزواج - بسبب الجو الحار هناك - عمدت إلى أن تجعل لكل مجموعة من الرجال زوجة واحدة لإضعاف الروابط الأُسرية ودفع الأفراد إلى القتال).

عيب تعدّد الأزواج

العيب الرئيس في تعدّد الأزواج والذي تسبّب في عدم نجاحه هو اختلاط الأنساب؛ إذ إنّ علاقة الأب بالولد في هذا النوع من الزواج غير واضحة تماماً كما هو الحال في الشيوعية الجنسية. وكما أنّ الشيوعية الجنسية فشلت في أن تتخذ لها موقعا في المجتمع، كذلك تعدّد الأزواج فشل في أن يلقى قبول المجتمع الحقيقي. وكما سبق أن ذكرنا في إحدى المقالات السابقة من أنّ تأسيس العش الزوجي من أجل ربط الجيل السابق بالجيل اللاحق مطلب غريزي للإنسان، فلا يعني هذا أنّ ظهور حالة تعدّد الأزواج أحياناً وبصورة استثنائية لدى بعض المجموعات

٣٥٥

البشرية دليل على أنّ تشكيل العائلة الخاصة ليس من طبيعة الإنسان. كما أنّ اختيار الرجال أو النساء لحياة العزوبة وعزوفهم عن الحياة الزوجية لا يقوم دليلاً على انحرافهم أو على كون البشر كلّهم عازفين عن الحياة الزوجية والعائلية. وتعدّد الأزواج لا يتنافى والطبيعة الاحتكارية للرجل تجاه ولده فحسب، بل يتنافى وطبيعة المرأة في الوقت نفسه. وقد أثبتت التجارب النفسية أنّ المرأة أكثر من الرجل رغبة في الزوج الواحد.

(2) تعدّد الزوجات

والنوع الآخر من تعدّد الزيجات هو تعدّد الزوجات. وقد حاز تعدّد الزوجات هذا على رواج ونجاح أكثر ممّا حازه تعدّد الأزواج، وما حازته الشيوعية الجنسية. ولم يقتصر وجوده على القبائل البدائية، بل شمل كثيراً من المجتمعات المتحضّرة؛ فقد كانت هذه العادة - علاوة على وجودها عند عرب الجاهلية - موجودة لدى اليهود ولدى الشعب الإيراني على عهد الساسانيين، ولدى بعض الشعوب الأخرى أيضاً.

ويقول منتسكيو: (كان قانون الملايو يبيح الزواج من ثلاث نساء). ويقول أيضاً: (أجاز فالانتين إمبراطور روما - لأسباب خاصة - زواج الرجل من عدّة نساء في وقت واحد، ولكن لما كان هذا القانون لا ينسجم مع المناخ الأوروبي فقد رفضه باقي أباطرة الروم مثل (تيودور) و(آكارديوس) و(مونوريوس).

٣٥٦

الإسلام وتعدّد الزوجات

لم يلغ الإسلام نظام تعدّد الزوجات بالمرّة - على العكس من موقفه من نظام تعدد الأزواج - بل حدّده وقيّده، فمن جهة جعل له حداً أعلى (هو أربع زوجات)، ومن جهة أخرى وضع له قيوداً وشروطاً ولم يبحه لكل مَن أحب وأراد. وسنبحث هذه القيود والشروط، وكذلك السبب الذي من أجله لم يلغ الإسلام هذا النوع من الزواج - بشكل مطلق - فيما بعد.

والعجيب أنّ من جملة الإشاعات التي أطلقها أعداء الإسلام ضدّه في القرون الوسطى هي: أنّ نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله) هو الذي ابتدع ولأوّل مرة عادة تعدّد الزوجات!! وادعوا أنّ الإسلام قد بُني على نظام تعدّد الزوجات، وأنّ سبب انتشاره السريع بين الأمم والشعوب لم يكن إلا لسماحه بتعدّد الزوجات، وادعوا في الوقت ذاته أنّ سبب تأخّر الشرق هو تعدّد الزوجات أيضاً.

ذكر ويل ديورانت في الجزء الأول من تاريخ الحضارة في الصفحة 61 ما يلي: (كان علماء الدين في القرون الوسطى يدّعون أنّ تعدّد الزوجات من ابتكار نبي الإسلام، بينما الحقيقة هي خلاف ذلك. فإنّ أكثر حالات الزواج في المجتمعات البدائية كانت على هذه الصورة، كما رأينا.

والأسباب التي أدّت إلى تعدّد الزوجات في المجتمعات البدائية

٣٥٧

كثيرة؛ وذلك لانشغال الرجال بالحرب والصيد ممّا كان يعرض حياتهم إلى الأخطار، فكانت الوفيات في الرجال أكثر منها في النساء ممّا جعل عدد النساء يزيد على عدد الرجال، وأدّى بالتالي إلى أن يسود نظام الزوجات أو بقاء الكثير من النساء عازبات، ولما كانت عوامل الموت والفناء كثيرة في تلك المجتمعات، فليس من المنطق أن تبقى أعداد كبيرة من النساء بدون زواج، وكان تعدّد الزوجات في المجتمعات البدائية أمراً مألوفاً؛ وذلك لزيادة عدد النساء على عدد الرجال.

أمّا من حيث تحسين النسل، فيجب القول أيضاً: إنّ أسلوب تعدّد الزوجات يفضّل الزوجة الواحدة بالرغم ممّا نعلمه من أنّ الأقوياء والأكفّاء من الرجال في العصر الحاضر غالباً ما يتزوّجون في وقت متأخّر من حياتهم، ولذا نراهم قليلي الأولاد، إلاّ أنّ أقوياء الرجال في العصور الغابرة كانوا يحصلون على أفضل النساء - كما يظهر - فيلدن لهم - بالنتيجة - أعداداً كبيرة من الأولاد وهذا ما أدّى إلى بقاء نظام تعدّد الزوجات عند الشعوب البدائية، بل الشعوب المتحضّرة أيضاً: أمّا في عصرنا الحاضر فهناك عوامل عديدة حدت بهذه العادة إلى الزوال والانحسار عن الدول الشرقية.

إنّ حياة الزراعة تتميّز بالثبات والاستقرار، ممّا قلّل من الصعوبات التي كان يواجهها الرجال، وخفّف من الأخطار التي كانوا يتعرّضون لها؛ لذا أصبح عدد الرجال مساوياً تقريباً لعدد النساء، وانحصرت عادة

٣٥٨

تعدّد الزوجات - حتى لدى المجتمعات البدائية - في الأقلّية الثرية في المجتمع بينما اقتصر أكثر الرجال على زوجة واحدة وصاروا يطعّمون حياتهم الزوجية بـ (الزنا) أحياناً.

ويقول (غوستاف لوبون) في (تاريخ الحضارة) صفحة 507:

(لم يعب الأوروبيون على الشرقيين عادة كما عابوا عليهم عادة تعدّد الزوجات، ولم يخطئوا في أمر كما أخطأوا في هذا الأمر. فقد عدّ كتّاب أوروبا تعدّد الزوجات أساس الدين الإسلامي واعتبروه علّة العلل في انتشار الدين الإسلامي وتأخّر الشعوب الشرقية. ثم إنّهم بالإضافة إلى كل ذلك، قد أظهروا عطفهم على حال النساء الشرقيات. وممّا يذكرونه في هذا الباب أنّ أولئك النسوة التعيسات قد حُبسن بين أربعة جدران تحت سيطرة مالكيهن، وإذا ما بدرت منهنّ أيّة حركة توجب سخط المال، فمن الممكن أن يعدمن بكل قسوة. ولكنّ التصوّر المذكور ليس له أي أساس من الصحّة، ولو أنّ قرّاء هذا الكتاب من الأوروبيين قد تخلّوا عن تعصّبهم الأوروبي لفترة من الوقت ولو قصيرة؛ لأدركوا أنّ عادة تعدّد الزوجات أمر مناسب جداً للوضع الاجتماعي في الشرق.

والعامل الأساس في رقي الأُمم التي كانت سائدة بينها، وهي التي وطّدت أواصر العائلة لديها، وبالتالي كانت هي السبب في عزّة المرأة الشرقية وكرامتها. وقبل أن أبدأ بإقامة الدليل على كلامي هذا، لابدّ أن

٣٥٩

أذكر أنّ عادة تعدّد الزوجات لا ترتبط بالإسلام أبداً، إذ إنّها كانت شائعة قبل الإسلام بين جميع شعوب الشرق من اليهود والإيرانيين والعرب وغيرهم. والشعوب التي اعتنقت الإسلام في الشرق لم تكتسب هذه العادة من الإسلام، كما أنّه لم يظهر في العالم لحدّ الآن مذهب يمتلك القدرة على إيجاد أو إبطال عادة مثل عادة تعدّد الزوجات؛ لأنّها لم تتولّد إلاّ نتيجة المناخ الشرقي والخصائص العرقية لشعوب الشرق، ولأسباب أخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطراز الحياة الشرقية، وليس لظهور الدين... ومع أنّ المناخ والماء والهواء في الغرب لا يقتضي نشوء مثل هذه العادة، فإنّ القانون ينصّ - في إحدى مواده - على عدم جواز الزواج بأكثر من واحدة. لكنّ هذه المادة القانونية هي حبر على ورق لا غير، إذ لا أثر لها في الواقع والتطبيق. إنّني حائر لا أدري لماذا يُعدّ تعدّد الزوجات الشرقي - مع مشروعيّته - جنحة وتقصيراً، ولا يُعدّ تعدّد الزوجات الغربي غير القانوني كذلك؟ إنّني أرى أنّ الأول أفضل وأليق من الثاني من جميع الوجوه. وحين يزور بلادنا العظيمة أهل الشرق، يعجبون لهذه الحملات التي تشن ضدّ عاداتهم، وينزعجون...).

نعم، إنّ الإسلام لم يبتدع تعدّد الزوجات، إنّما حدّده، وجعل له حدّاً أعلى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، وضع له قيوداً وشروطاً ثقيلة. وقد كانت هذه العادة سائدة بين الأمم والشعوب التي اعتنقت الإسلام فاضطرّوا - مرغمين - إلى قبول القيود والحدود التي فرضها الإسلام عليهم.

٣٦٠