نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55099 / تحميل: 6989
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّ أكثر الرجال السعداء في ظل تعدّد الزوجات هم أولئك الذين تخلّوا عملياً عن مسؤولياتهم الشرعية والأخلاقية، فاهتمّوا بالزوجة الجديدة وأخرجوا القديمة من حسابهم وتركوها - كما عبّر القرآن الكريم عن ذلك بقوله -( كَالْمُعَلَّقَةِ ) . إنّ الذي يسمّيه هؤلاء الأفراد (تعدد الزوجات) ما هو في الواقع إلاّ زواج واحد مقترن بالظلم والتجنّي والاعتداء.

إنّ المثل العامي السائد بين الناس يقول: (ربٌ واحدٌ، زوجةٌ واحدةٌ)، وقد كانت هذه ولا تزال نظرة أكثر الرجال. والحقيقة أنّنا إذا أخذنا بنظر الاعتبار السعادة في الحياة الشخصية لوجدناها نظرة صحيحة. وإذا لم تصدق هذه النظرة لدى جميع الرجال، فهي تصدق لدى أكثرهم.

ولو تصوّر رجل أنّ تعدّد الزوجات بما يتضمّنه من مسؤوليات شرعية وأخلاقية هو مصدر سعادة ورفاه له، فهو واهمٌ حتماً؛ إذ ممّا لا شك فيه أنّ الزواج من واحدة يرجح على الزواج من متعدّدات في توفير الراحة والسعادة، ولكن...

الطريقة السليمة في التحقيق

ليس من الصحيح أن نقارن مسائل مثل مسألة تعدد الزوجات - بما أنّها ناشئة عن ضرورات شخصية أو اجتماعية - بنظام الزوجة الواحدة.

إنّما الطريقة الصحيحة في بحث مثل هذه المسائل هي أن نأخذ بنظر

٤٢١

الاعتبار أسبابها وموجباتها، وننظر في عواقب عدم الالتزام بها من جهة، ومن جهة أخرى نأخذ المفاسد والأضرار الناجمة عنها، ثم نجري محاسبة شاملة لطرفي المسألة والآثار الناتجة عنها لنخرج بنتيجة منطقية. وهذه الطريقة هي الوحيدة - في الواقع - لمعالجة مثل هذه المسائل وبحثها.

ولتوضيح الأمر نضرب المثال التالي:

لنفرض أنّنا أردنا أن نقرّر صحّة أو خطأ قانون (الخدمة الإجبارية في الجيش)، فإنّنا إذا نظرنا إليه من زاوية عائلة الشاب الذي يجب أن يلتحق بالخدمة العسكرية فقط، فلا شك أنّنا سنقرّر أنّ هذا القانون ضار، وما أحسن أن يلغى ليبقى الشاب إلى جانب أهله ولا يفارقهم قاصداً ميادين القتال حيث الحرب وسفك الدماء.

لكن بحث هذه المسألة على هذا النحو ليس صحيحاً. إنّما الصحيح أن نبحث العواقب الوخيمة التي ستتعرّض لها البلاد حين تفتقد الجنود المدافعين عنها، مع الأخذ بنظر الاعتبار ما يسبّبه فراق الجندي لأهله وحزن أهله لفراقه. لا شك أنّنا في هذه الحال سنقرّر أنّ من المنطقي والمعقول جداً أن تقوم مجموعة من شبّان الوطن - باسم الجندية - بالدفاع عن الوطن والتضحية في سبيله بأرواحهم. وأنّ على عوائلهم أن تتحمّل وتصبر على نتائج هذا العمل مهما أسفر عنه من خسائر في الأرواح والأموال.

٤٢٢

أشرنا في المقالات السابقة إلى الضرورات الشخصية والاجتماعية التي تجوّز أحياناً تعدّد الزوجات، ونريد الآن أن نبحث عيوب تعدّد الزوجات والأضرار الناجمة عنه كي يكتمل بحث المسألة من جميع جوانبها على أساس صحيح. ويتضمّن بحث العيوب أيضاً اعترافنا بوجود مجموعة من العيوب في هذه المسألة وإن كنّا لا نقر بوجود بعض ما يذكره الآخرون كعيب لها، كما سنوضح ذلك فيما يأتي. والعيوب التي ذُكرت لتعدّد الزوجات كثيرة وسنلج البحث من عدّة نواح كما يلي:

من الناحية النفسيّة والروحيّة

العلاقة الزوجية لا تقتصر على الجوانب المالية والبدنية، ولو كان الأمر كذلك لأمكن القبول بتعدّد الزوجات بشكل عام؛ ذلك أنّ الأمور المالية والجسمية يمكن تقسيمها بين عدّة أشخاص فيأخذ كل شخص حصّته.

إنّما الأساس في العلاقة الزوجية هو الجانب الروحي والمعنوي... الحب والعطف والمشاعر، والرابط الحقيقي بين الطرفين هو القلب. والحب والمشاعر كأي شيء معنوي آخر ليسا ممّا يقبل التقسيم والتجزئة ولا يمكن توزيعهما بين أشخاص، فهل يمكن تقسيم القلب إلى نصفين، أو حضوره في مكانين في آن واحد؟ أم هل يمكن أن يوهب القلب لشخصين؟ فالحب والعبادة تفرّدٌ لا يقبلان شريكاً ولا منافساً، وليسا حنطة أو شعيراً كي يقسّم ويوزع على الأفراد. أضف إلى ذلك أنّ

٤٢٣

المشاعر ليست ممّا يتحكّم فيه الإنسان. إذاً فالشيء الذي يمثّل روح الزواج وجانبه الإنساني، ويميز العلاقة بين إنسانين عن العلاقة بين حيوانين باعتبار الأخيرة شهوانية وغريزية صرفاً، هو شيء لا يقبل التقسيم ولا التحكّم. إذاً فتعدّد الزوجات أمر مرفوض.

في نظرنا إنّ في هذا الكلام شيئاً من المبالغة... صحيح أنّ روح الزواج هي العاطفة والمشاعر والحب، وصحيح أنّ المشاعر القلبية لا تدخل في نطاق سيطرة الإنسان ولكنّ القول بأنّ المشاعر غير قابلة للتقسيم ليس إلاّ خيال شاعر، بل مغالطة، إذ ليس الكلام في إمكانية تقسيم المشاعر بالطريقة التي تقدّ فيها قطعة لحم إلى قطعتين كي يقال إنّ الأمور الروحية لا يمكن تقسيمها. إنّما الكلام في مدى استيعاب حب شخصين؛ لأنّنا نجد أباً لعشرة أولاد، وهو يحبّهم إلى حدّ العبادة، ويضحّي من أجلهم جميعاً.

نعم، هناك شيء واحد لا يقبل الجدل أو الشك، هو أن الحب والعاطفة لا يبلغان أوجهما في حالة التعدّد كما يبلغانه في الزوجة الواحدة. فالحد الأعلى للحب والعواطف لا يتفق مع التعدّد كما لا يتفق مع العقل والمنطق كذلك.

يقول (رسل) في (الزواج والأخلاق): (يرى الكثير من الناس اليوم أنّ الحب هو تبادل منصف للمشاعر، وهذا وحده سبب كافٍ - بغض النظر عن بقيّة الأسباب - لرفض تعدد الزوجات).

٤٢٤

أنا لا أدري لماذا يجب أن يكون التبادل المنصف للمشاعر أمراً احتكارياً، فهل إنّ حب الوالد لأولاده المتعددين ومبادلة الأولاد أباهم هذا الحب هو تبادل مشاعر غير منصف؟ ومن العجيب أنّ حب الأب لكل واحد من أولاده - رغم تعددهم - يفوق حب كل واحد منهم له.

إنّ ما أعجب له هو أن يصدر هذا الكلام عن رجل يوصي الأزواج دائماً باحترام علاقات زوجاتهم مع الغرباء وعدم الحيلولة دون قيام هذه العلاقات، كما يوصي الزوجات بمثل ذلك في المقابل. فهل يرى (رسل) أنّ تبادل العواطف بين المرأة وزوجها غير منصف هنا أيضاً؟

من الناحية التربوية

إنّ الاشتراك الزوجي هو مثالٌ لعدم الانسجام؛ إذ ليس في الوجود عدو للمرأة أخطر من (الشريكة). إنّ تعدد الزوجات يحرّض الزوجات ضد بعضهن البعض كما يحرّض الزوج على استخدام العنف ضدّهن أو ضد بعضهن، ويحوّل الجو العائلي - الذي يجب أن يكون جوّ صفاء وإخلاص - إلى ميدان حرب ونزاع وحقد وانتقام. ثم إنّ العداوة والتنافس بين الأُمّهات يسريان إلى الأولاد فينشأ عن ذلك فريقان أو أكثر يهم بعضهم ببعض فيتحول المحيط العائلي - وهو أول مدرسة ومعهد روحي للأطفال ويجب أن يكون مصدر إلهام للخير والعطف - إلى مدرسة للنفاق واللؤم.

إنّ كون تعدّد الزوجات أساساً لجميع هذه الآثار التربوية السيّئة،

٤٢٥

أمر لا شك فيه. لكنّنا يجب أن نميّز بين الآثار الناجمة عن طبيعة تعدّد الزوجات والآثار الناجمة عن تصرّفات ومواقف الرجل وزوجته الجديدة. في نظرنا أن ليست جميع هذه المشاكل ناجمة عن طبيعة تعدّد الزوجات، بل إنّ أكثرها ناشئ عن طريقة تطبيقه.

رجل وزوجته يعيشان حياة واحدة مشتركة، وحياتهما تجري بشكل معتاد دون مشكلات، وفي هذه الأثناء يقع الزوج في شراك امرأة ثانية، وتلح على ذهنه حمّى الزواج من جديد. وبعد اتفاق سرّي، تهبط الزوجة الثانية كالأجل المعلّق لتحتل منزل وعش الزوجة الأولى وتسلبها معيشتها، وهي في الحقيقة إنّما تسطو على معيشتها وهنائها، وطبيعي أنّ ردّ الفعل النفسي للزوجة الأولى سوف لن يكون غير الحقد والانتقام إذ لا يثير غضب المرأة شيء كما يثيره احتقار زوجها إيّاها، وهي ترى أكبر هزيمة لها في الإحساس بفشلها في الاحتفاظ بقلب زوجها، والنظر إلى غيرها وهي تسلبها إيّاه. فإذا كان موقف الرجل هو العناد واتباع الهوى، وموقف الزوجة الثانية السطو والسلب، فليس من المعقول أن ننتظر من الزوجة الأولى التحمّل والصبر.

أمّا إذا كانت الزوجة الأولى تعلم أنّ لزوجها (عذراً)، ولم يكن زواجه الجديد عن ملل لها، ولا تخلٍ عنها، وإذا تخلّى الزوج عن الاستبداد والعناد ولم يتبع هواه وعاطفته، بل زاد من احترامه وإظهار عواطفه تجاه زوجته الأولى، وإذا وضعت الزوجة الجديدة نصب عينيها

٤٢٦

أنّ للزوجة الأولى حقوقاً يجب احترامها وعدم تجاوزها، وخصوصاً أدرك الجميع أنّهم يجب أن يسهموا في حل مشكلة اجتماعية، فمّما لا شك فيه آنذاك أنّ المشكلة ستهون إلى حدٍّ كبير.

إنّ قانون تعدّد الزوجات حلٌّ راقٍ نابعٌ عن نظرة اجتماعية واسعة فيجب أن يكون منفذّوه عند المستوى الملائم لذلك وممّن تربّوا تربية إسلامية عالية.

وقد أثبتت التجربة أنّه في الحالات التي لا يمارس فيها الزوج الظلم والاستبداد ضد زوجته الأولى، ولا يريد العبث، وتشعر زوجته أنّه بحاجة إلى زوجة ثانية؛ فستتطوّع وتأتيه بها وتحتفظ بجوّ البيت بعيداً عن المشاكل؛ لأنّ أكثر هذه المشاكل إنّما تنشأ عن كيفيّة تعامل الرجال وتطبيقهم لقانون تعدد الزوجات.

من الناحية الأخلاقية

يقولون: إنّ السماح بتعدد الزوجات يعني السماح (للشره) والشهوة؛ إذ يبيح للرجل أن يعبث. بينما الأخلاق توجب على الإنسان أن يقلّل من اتباع شهواته إلى أقل حدٍّ ممكن؛ ذلك أنّ الإنسان بمقتضى طبعه، كلّما تسامح وفتح الباب على مصراعيه أمام شهواته اشتعلت نارها وطلب المزيد.

يقول مونتسكيو في (روح القوانين) صفحة 434 فيما يتعلّق بتعدّد الزوجات ما يلي:

٤٢٧

(إنّ ملك المغرب قد جمع في دار الحريم الخاص به نساءً من كل أصل وعنصر... من البيضاء إلى الصفراء إلى السوداء. لكنّنا مع ذلك نجد أنّ هذا الرجل لو كان يملك ضعف عدد هؤلاء النساء لطلب المزيد أيضاً؛ ذلك أنّ الشهوة مثل الخسّة واللؤم كلّما تابعتها اشتدّت وقويت، وكما يؤدّي امتلاك الذهب والمال إلى ازدياد الحرص والطمع... كذلك يجر تعدّد الزوجات إلى ممارسات جنسية شاذّة (كاللواط)، ذلك أنّه في نطاق الشهوات، كلّما اندفع المرء أكثر خرج عن القاعدة. في اسطنبول، حين اشتعلت نار الثورة، وجد دار حريم أحد الحكّام خالياً من كل امرأة ذلك أنّ هذا الحاكم كان يلهو بالصبيان دون النساء).

هذا الاعتراض يجب أن يناقش من وجهين:

الوجه الأول: هو قولهم إنّ الأخلاق الفاضلة تتنافى مع أعمال الشهوة وأنّه يجب من أجل تطهير النفوس الإقلال من الشهوات.

الوجه الثاني: هو قولهم إنّ الطبيعة الإنسانية كلّما طاوعها المرء طغت به وكلّما خالفها هدأت.

أمّا الوجه الأول فيمكن أن نقول عنه أنّه - وللأسف الشديد - إيحاء مأخوذ من السلوك النصراني المبني على الرياضة الروحية، وتأثّر بالأخلاق الهندية والبوذية والكلبية. فإنّ الأخلاق الإسلامية لم تبن على هذا الأساس. فليس في الإسلام قاعدة تتضمّن أنّ الشهوات كلّما قل اتباعها، كان ذلك أكثر انسجاماً مع الأخلاق الفاضلة (وإذا بلغت

٤٢٨

الشهوات درجة الصفر ارتفعت الأخلاق 100%) بل إنّ النظرة الأساس مبنيّة على أنّ الأخلاق إنّما تتنافى مع الإفراط في التمتّع بالشهوات.

من أجل أن نحكم هل أنّ تعدّد الزوجات هو عمل إفراطي أم لا يجب أن نحكم أولاً هل أنّ من طبع الرجل حب الزواج الواحد أم لا؟

علمنا من المقالة (31) أنّنا قد لا نجد اليوم أحداً يعتقد أنّ من طبع الرجل الاقتصار على امرأة واحدة ويرى الاتصال بعدّة نساء عملاً إفراطياً وانحرافياً، بل على العكس من ذلك فإنّ رأي أكثر الناس أنّ من طبيعة الرجل تعدّد الزوجات أو النساء، وأنّ الاقتصار على الزوجة الواحدة أو أنّ تعدد الزوجات يخالف طبيعته ويعد نوعاً من الانحراف أو الخروج على قوانين الطبيعة كاللواط.

إنّ أُناساً مثل (مونتسكيو) ممّن يرون تعدّد الزوجات عبادة للشهوة يعدّون دار الحريم انحرافاً. وقد ظنّوا أنّ الإسلام إنّما سنّ قانون تعدّد الزوجات من أجل أن يبيح للخلفاء العباسيين والعثمانيين إنشاء دور الحريم. في الوقت الذي كان الإسلام يخالف هذه الأعمال أكثر من غيره. إنّ الحدود والقيود التي وضعها الإسلام لتعدّد الزوجات تسلب الرجل العابث حرية التحرّك تماماً.

٤٢٩

أمّا الوجه الثاني: الذي يقول: (إنّ من طبيعة الإنسان أن تطغى شهواته كلّما أُرضيت، وتخمد كلّما أُهملت) فيقابل بالضبط ما يدعو إليه أتباع (فرويد) هذه الأيام.

يقول الفرويديون: (إنّ شهوات الإنسان تهدأ على إثر الإرضاء والإشباع، وتشتد وتطغى لدى الكبت والإمساك)؛ لذا فهم يعدون مؤيّدين - مئة بالمئة - للتحرّر وخرق الآداب والسنن خاصة في المسائل الجنسية. ليت (مونتسكيو) يبعث اليوم لينظر كيف سخر الفرويديون من فرضيّته وهزئوا بها.

من وجهة نظر الأخلاق الإسلامية، كلا النظريتين خاطئتان. إنّ للطبيعة حقوقاً وحدوداً يجب معرفتها، إنّ الطبيعة تطغى وتضطرب على إثر شيئين:

الأول: الحرمان.

والثاني: إعطاء الحرية الكاملة ورفع جميع القيود والحدود من أمامها.

وعلى كل حال فلا تعدّد الزوجات خلاف الأخلاق والاستقرار الروحي والطهارة النفسية - كما يدعي أمثال (مونتسكيو) - ولا القناعة بالزوجة أو الزوجات الشرعيات ممّا يخالف الأخلاق كما يشيع الفرويديون.

٤٣٠

من الناحية الحقوقية

بموجب عقد الزواج، يصبح كل من الزوجين ملكاً للآخر، ويملك كل منهما حق التمتّع بالآخر باعتبار أنّ منابع الزوجية قد أصبحت ملكاً لكل منهما بموجب هذا العقد. وعلى هذا الأساس تكون الزوجة السابقة صاحبة الحق رقم واحد. وكل معاملة تقع بين الزوج وامرأة ثانية تعد في الحقيقة معاملة (فضولية)؛ ذلك أنّ البضاعة - وهي هنا منافع الزوجية - قد بيعت مسبقاً للزوجة الأولى وأصبحت جزءاً من ممتلكاتها. إذاً فالتي يجب أن يؤخذ رأيها أولاً وتطلب موافقتها هي الزوجة الأُولى. فإذا أُريد السماح بتعدّد الزوجات توقّف ذلك على إذن وموافقة الزوجة الأولى. وفي الحقيقة إنّ الزوجة الأولى هي صاحبة الحق في اتخاذ القرار في أن يتزوّج من ثانية أو لا.

وعليه فإنّ الزواج من ثانية وثالثة يشبه بيع شخص ماله لآخر ثم يقوم ببيعة ثانية وثالثة ورابعة لآخرين. فصحّة هذه المعاملة تعتمد على رضا المالك الأول فالثاني فالثالث حسب الترتيب. وأمّا إذا سلّم البائع (الفضولي) المال إلى المشتري الثاني أو الثالث أو الرابع فهذا يستحقق العقاب قطعاً.

هذا الاعتراض مبني على أساس أنّ معاملة الزواج هي تبادل منفعة لا غير، وأنّ كلاًّ من الزوجين مالك للمنفعة الزوجية عند الآخر. وأنا الآن لا أبحث في هذه النقطة التي لا شك في أنّها قابلة للطعن والتفنيد.

٤٣١

فلنفرض أنّ الزواج قانوناً هو كذلك. فيصح هذا الاعتراض فقط حين يكون تعدّد الزوجات من قِبل الرجل بدافع طلب التنوّع والتلذّذ. وبديهي أنّ الزواج حين يكون - من الناحية القانونية - تبادل منفعة وتكون الزوجة قادرة على تأمين منافع الزواج للرجل من كل ناحية فلن يسمح للرجل بالزواج ثانية. أمّا إذا لم يكن الزواج الثاني بقصد التنوع والتلذّذ، بل كان الرجل يملك المبرّرات التي سبقت الإشارة إليها في المقالات السابقة، فلن يبقى حينها مجال لهذا الاعتراض، فمثلاً إذا كانت الزوجة عاقراً، أو يائساً، والرجل بحاجة إلى الولد، أو كانت مريضة مرضاً يمنع الاتصال الجنسي بها، في مثل هذه الحالات لن يكون من حق المرأة أن تعترض على الزواج الثاني.

هذا فقط إذا كان المسوّغ لزواجه من ثانية عذراً شخصياً، أمّا إذا كان هناك أمر يخص المجتمع ككل يقضي بتعدّد الزوجات بسبب زيادة عدد النساء على الرجال أو حاجة المجتمع إلى تكثير النفوس عند ذاك يتخذ هذا الاعتراض صورة أُخرى حيث يصبح العمل بتعدّد الزوجات تكليفاً وواجبا كفائياً، من أجل إنقاذ المجتمع من الفساد والفحشاء أو من أجل زيادة نفوس المجتمع. وبديهي أنّه حين تكون القضية قضية تكليف وواجب اجتماعي فإنّ رضا الزوجة وإجازتها يصبحان أمرين غير واردين. فإذا افترضنا أنّ المجتمع ابتُلي حقيقة بزيادة عدد النساء على الرجال أو احتاج إلى زيادة نفوسه، فإنّ واجباً كفائياً يقع على كاهل جميع الرجال والنساء المتزوّجات، ويصبح من واجب النساء أن يعملن

٤٣٢

بمبدأ التضحية والإيثار من أجل إنقاذ المجتمع، تماماً، كواجب الدفاع عن البلد الذي يقع على كواهل جميع العوائل فيجب عليهم أن يتخلّوا عن أبنائهم من أجل المجتمع ويرسلوا بهم إلى ميادين الحرب والقتال؛ ففي مثل هذه الموارد لا تصح إجازة أو رضا الشخص أو الأشخاص ذوي العلاقة أو المنفعة.

إنّ الأشخاص الذين يدعون أنّ الحق والعدل يقضيان بأخذ إجازة الزوجة الأُولى حين تكرار الزواج، إنّما ينظرون من زاوية زواج الرجل الذي يطلب التنويع والتلذّذ ويتناسون الضرورات الفردية والاجتماعية. فحين لا تكون هناك ضرورات فردية ولا اجتماعية، فإنّ العمل بتعدّد الزوجات غير مقبول حتى لو أجازته الزوجة الأولى.

من الناحية الفلسفية

إنّ قانون تعدّد الزوجات يتنافى مع المبدأ الفلسفي القائل بتساوي حقوق المرأة والرجل على أساس تساويهما في الإنسانية. فما دام الرجل والمرأة إنسانين ومتساويين في الحقوق، فإمّا أن يجاز كلاهما للعمل بتعدّد الزوجات، أو لا يجاز. أمّا أن يجاز الرجل بالزواج من عدّة نساء في آن واحد فتفرقة وانحياز إلى جانب الرجل. إنّ السماح للرجل بالزواج من واحدة إلى أربع نساء يعني أنّ قيمة المرأة تعادل قيمة ربع رجل. وفي هذا غاية الاحتقار والإهانة للمرأة، وهو يتنافى حتى مع وجهة نظر

٤٣٣

الإسلام الذي جعل المرأة ترث نصف ما يرث الرجل وطلب امرأتين للشهادة مقابل شهادة رجل واحد.

هذا هو أسخف اعتراض ورد على تعدّد الزوجات. إنّ المعترضين هنا لم ينظروا أبداً إلى الأسباب والموجبات الفردية ولا الاجتماعية لتعدّد الزوجات وإنّما خيّل إليهم أنّ الموضوع موضوع هوى النفس ليس إلاّ؛ لذا قالوا لماذا أُبيح الهوى للرجل ولم يبح للمرأة.

ولما كنّا قد بحثنا - فيما مضى - الأسباب والموجبات والمبرّرات التي تجوّز العمل بتعدّد الزوجات، خاصة تلك التي تجعل منه حقّاً للعازبات في ذمّة الرجال والنساء المتزوّجات، فلا داعي لبحث هذه النقطة هنا ثانية.

لكنّنا نكتفي هنا بالقول: إنّ فلسفة الإسلام حول تعدّد الزوجات والإرث والشهادة إذا كانت مبنية على إهانة المرأة والاستهانة بحقوقها وكون الإسلام يقر بوجود تفاوت بين المرأة والرجل في الإنسانية والحقوق القائمة على أساسها، إذاً لكان حكمه في جميع المواقف واحداً؛ لأنّه قائم على فلسفة واحدة. ولما قال في مكان إنّ المرأة ترث نصف ما يرث الرجل، وفي مكان آخر إنّها ترث مثل الرجل، وفي مكان ثالث إنّ للرجل أن يتزوج لحد أربع نساء وهكذا في مجال الشهادة وغير ذلك ممّا يفهم منه أن للإسلام مقاصد مختلفة أخذت بنظر الاعتبار عند إصدار الأحكام. وقد أجبنا في إحدى المقالات السابقة عن

٤٣٤

الإشكالات التي وردت حول الإرث، قلنا في مقالة أخرى إنّ مسألة المساواة بين المرأة والرجل في الإنسانية والحقوق القائمة عليها إنّما تُعدّ في نظر الإسلام ألفباء حقوق الإنسان. وفي نظر الإسلام أنّ في مجال حقوق المرأة والرجل أموراً أعظم وأهم من التساوي ممّا يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في المجال العملي.

نظرية الإسلام في تعدّد الزوجات

لم يكن الإسلام هو الذي ابتكر تعدّد الزوجات، فقد كان موجوداً في العالم قبل الإسلام بقرون، ولم يبطله لأنّه يرى أنّ مشكلات يمكن أن تعرض للمجتمع ينحصر حلّها في تعدّد الزوجات.

لكن الإسلام أصلح عادة تعدّد الزوجات.

التحديد

إنّ أوّل إصلاح أدخله الإسلام على هذه العادة هو تحديدها، فقد كانت غير محدودة قبل الإسلام، وكان الشخص الواحد يستطيع أن يتزوج من مئة امرأة في آن واحد ويجعل لهن دار حريم. وحين جاء الإسلام عيّن حدّاً أعلى لتعدّد الزوجات، فلم يجز لأحد أن يتزوج أكثر من أربعٍ في وقت واحد. وتروى القصص والحكايات عن أفراد عاشوا في صدر الإسلام، وكان لهم أكثر من أربع زوجات حين اعتنقوا الإسلام، فأجبرهم الدين على تسريح الزائد منهن. وقد ورد اسم غيلان بن أسلمة في جملة هؤلاء إذ كان له عشر نساء فأمره الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)

٤٣٥

أن يطلّق ستّاً منهن، وشخص باسم نوفل بن معاوية كان له خمسٌ، فلمّا اعتنق الإسلام أمره الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أن يطلّق إحداهن.

وورد في روايات الشيعة أنّ مجوسياً إيرانياً اعتنق الإسلام في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) وكان له سبع نساء وقد سئل الإمام (عليه السلام) عن هذا الرجل، ماذا يجب أن يفعل تجاه نسائه فأجاب (عليه السلام) يجب أن يطلّق ثلاثاً منهن.

العدالة:

الإصلاح الثاني الذي أدخله الإسلام على تعدّد الزوجات هو العدالة، فلم يسمح أبداً بالتمييز بين النساء أو الأولاد. ويصرّح القرآن الكريم قائلاً: (فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة) أي إذا لم تجدوا في أنفسكم الاطمئنان الكافي لتنفيذ العدالة فاقنعوا بواحدة.

في عالم ما قبل الإسلام، لم يكن مبدأ العدالة مرعياً أصلاً، لا بين النساء ولا بين الأولاد. وقد نقلنا في المقالة 27 عن كريستينسن وغيره كيف أنّ تعدّد الزوجات كان سائداً في إيران أيام الساسانيين، وكان هناك تمييز بين النساء وكذلك بين الأولاد فكان من بين النساء مَن تدعى (الملكة) تتمتّع بحقوق كاملة بينما تدعى سائر النساء بالخادمات ويتمتعن بحقوق أقل من تلك. وأولاد الخادمات من الذكور فقط يقبلون في بيت والدهم، أمّا الفتيات فلا يقبلن.

وقد ألغى الإسلام كل هذه العادات، ولم يسمح بغمط أي حق من

٤٣٦

حقوق المرأة أو الأولاد.

يقول ويل ديورانت في الجزء الأول من تاريخ الحضارة ضمن بحثه في تعدّد الزوجات: (كان الرجل حين تزداد ثروته ويخشى تفرّقها بعد موته بين أولاده العديدين، يحصر الإرث في أولاده من زوجته الأولى دون أولاده من خليلاته).

هذه العبارة تدل على أنّ التمييز بين النساء وبين الأولاد كان سائداً في العالم القديم. لكنّ العجب أنّ ديورانت يقول في العبارة التالية لذلك: (كان الزواج إلى زمان قريب في قارة آسيا بهذا الشكل إلى أن انحصر بزوجة واحدة تدريجياً واتخذت العلاقة بين الرجل وباقي النساء صورة العشيقات والخليلات أو انعدمت كليّاً).

إنّ ويل ديورانت نسي أو تناسى أنّ آسيا قد عاشت أربعة عشر قرناً في نور الإسلام العظيم بعيدة عن التمييز بين النساء أو الأولاد. أمّا الاحتفاظ بزوجة واحدة وعدّة خليلات فجزء من العادات الأوربية لا الآسيوية، وقد انتقلت من أوروبا إلى آسيا.

وعلى كل حال فإنّ الإصلاح الثاني الذي أدخله الإسلام على تعدّد الزوجات كان رفع التمييز بين النساء أو الأولاد.

في نظر الإسلام إنّ اتخاذ العشيقات بأيّة صورة أو شكل غير جائز، كما أنّ جميع علماء الإسلام - تقريباً - متفقون على أن التمييز بين الزوجات في المعاملة غير جائز أيضاً. لكن بعض الآراء الفقهية توجد أعذاراً

٤٣٧

للتمييز بين بعض النساء وهي آراء نادرة، وفي نظري أنّه يجب عدم التردّد في شجبها لمخالفتها مفاهيم آيات القرآن المجيد. وقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن طريق الشيعة والسنّة بالاتفاق ما يفيد أنّ مَن كانت له زوجتان ولم يعدل بينهما، وأظهر الحب لإحداهما أكثر من الأخرى، حشر يوم القيامة وشق من جسمه يجر جرّاً على الأرض إلى أن ينتهي إلى جهنّم.

إنّ العدالة هي أعلى فضائل البشر، فشرط وجود العدالة يعني شرط التمتّع بأعلى الفضائل الأخلاقية. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ عواطف الرجل تجاه نسائه لا يمكن أن تكون واحدة أو متساوية عادةً، يكون الالتزام بالعدل وتجنّب التمييز بين النساء من أصعب الواجبات.

ولكنّنا نعلم أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في السنوات العشر الأخيرة من عمره حين كان في المدنية وعاش مرحلة الحروب الإسلامية، وازداد في حينها عدد النساء الأرامل بين المسلمين، اختار لنفسه عدّة زوجات. كان أكثر نساء النبي (صلّى الله عليه وآله) من الأرامل والمتقدّمات في السن. وغالباً ما كان لهن من أزواجهن السابقين أولاد. والعذراء الوحيدة التي تزوّج منها النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) كانت عائشة، فكانت الأخيرة تفتخر دائماً بأنّها الوحيدة من زوجات النبي (صلّى الله عليه وآله) التي لم تتزوّج بغيره (صلّى الله عليه وآله) ولم يمسّها رجل آخر.

كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يلتزم بمنتهى العدالة في التعامل مع أزواجه ولم

٤٣٨

يميّز بينهن قط. وقد سأل عروة بن الزبير خالته عائشة عن سلوك النبي (صلّى الله عليه وآله) مع زوجاته فأجابت قائلة: كان من عادة النبي (صلّى الله عليه وآله) ألاّ يفضّل إحدانا على الأخرى، بل كان يعامل الجميع بالعدل والمساواة، وقلّما مرّ يوم لم يتفقّد فيه جميع نسائه ويسألهن عن أحوالهن، ثم ينتهي من دورته عليهن ببيت صاحبة النوبة ليبيت عندها، فإذا أراد مرة أن يبيت عند مَن لم تكن تلك الليلة نوبتها، ذهب إلى صاحبة النوبة وطلب الإذن منها للمبيت عند الأخرى فإن أذنت وإلاّ لم يذهب. أمّا أنا فلم يحدث مرة أن طلب إذني للمبيت عند أخرى فأذنت له، بل كنت دائماً لا آذن بذلك.

ولقد نفذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العدالة حتى خلال مرضه الذي توفّي فيه حين كان فاقد القدرة على الحركة. فمن أجل العدل ونوبة زوجاته كان يأمر كل يوم بنقل فراشه من غرفة إلى غرقة، إلى أن جمع نساءه يوماً وطلب منهن الإذن في البقاء في غرفة واحدة فأذن الجميع وبقي في غرفة عائشة.

وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) كان - حين تكون عنده زوجتان - إذا أراد أن يتوضأ، لم يتوضأ في غرفة من لم تكن نوبتها ذلك اليوم.

إنّ الإسلام اهتم بوضع شروط العدالة موضع التنفيذ إلى درجة أنّه لم يجز للرجل والزوجة الثانية أن يشترطا حين العقد أن تكون للزوجة الجديدة حقوق أكثر من القديمة؛ وهذا يعني أنّ العمل بالعدالة في نظر الإسلام واجب لا يستطيع الرجل التهرّب من أدائه بوضع شرط في العقد

٤٣٩

الجديد يقضي بخلاف مقتضى العدل. فلا الرجل ولا زوجته الثانية يملكان الحق في وضع مثل هذا الشرط المنافي للعدل في عقد الزواج، لكنّ الشيء الوحيد الذي تستطيع الزوجة الجديدة القيام به هو أن تتخلّى عن بعض حقوقها هي، لكن ليس لها أن تشترط أن تكون لها حقوق تفوق حقوق الزوجة الأولى، كما أنّ للزوجة الأولى الحق أيضاً في التنازل عن بعض حقوقها برضاها، لكن لا يحق لها قانوناً إن تفرض ألاّ يكون لها حقوق. وقد سُئل الإمام الباقر (عليه السلام): هل يمكن للرجل أن يضع مع زوجته شرطاً، ألا يزورها إلاّ في النهار دون الليل، أو يزورها مرة في الشهر أو الأسبوع، أو أن يشترط عدم دفع نفقة كاملة أو متساوية مع زوجته الثانية إذا رضيت بذلك؟ أجاب (عليه السلام): كلاّ، مثل هذه الشروط باطلة، وكل امرأة بموجب عقد الزواج تصبح - شاءت أم أبت - صاحبة حقوق كاملة كزوجة، إنّما الشيء الذي لها هو أنّه بعد إيقاع الزواج، يمكن للمرأة عملياً - من أجل استرجاع زوجها كي لا يتخلّى عنها، أو لأي سبب آخر - أن تتخلّى عن بعض أو جميع حقوقها.

إنّ تعدّد الزوجات مع وجود هذا الشرط الأخلاقي المؤكّد والمشدّد، سيتخذ صورة القيام بالواجب بدلاً من أن يكون وسيلة للعبث واللهو لدى الرجل. فإنّ العبث واتباع الشهوات لا ينسجم إلاّ مع الحرية المطلقة واتباع هوى القلب.

ولا يتحقق العبث واللهو إلاّ حين يضع الإنسان نفسه تحت تصرّف قلبه، ويضع قلبه تحت تصرّف هواه. والقلب وهوى القلب لا منطق لهما ولا حساب. وحين تتّخذ المسألة شكل

٤٤٠