نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام0%

نظام حقوق المرأة في الإسلام مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: المرأة
الصفحات: 446

  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 55121 / تحميل: 6994
الحجم الحجم الحجم
نظام حقوق المرأة في الإسلام

نظام حقوق المرأة في الإسلام

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

هذه الفتاة المسكينة.

تحيّر الرجل وبقي ينظر إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهو غارق في التفكير في أنّه أي حكم جائر هذا الذي أصدره الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟... أليست للآباء ولاية على بناتهم؟ ولماذا يحق للأب أن يأخذ مهراً جديداً ويعطي ابنته برضاه؟

لكنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) أدرك من نظراته الحائرة ما يدور في ذهنه فقال له: (اعلم أنّك إن اتبعت قولي لن تأثم أنت ولن يأثم رفيقك طارق).

مبادلة البنات

أمّا نكاح الشغار فقد كان مظهراً آخر من مظاهر الولاية المطلقة للآباء على بناتهم، ونكاح الشغار هو مبادلة البنات؛ وذلك بأن يتفق رجلان على أن يزوّج كل منهما ابنته للآخر، وتكون كل منهما مهراً بالنسبة للأُخرى، لقد حرّم الإسلام هذا النوع من الزواج واعتبره باطلاً.

الرسول (صلّى الله عليه وآله)، منح ابنته الزهراء حرّية اختيار الزوج

لقد زوّج الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) عدداً من بناته دون أن يصادر حقّهن في الاختيار، وعندما خطب علي بن أبي طالب (عليه السلام) الزهراء (عليها السلام) من أبيها قال له الرسول (صلّى الله عليه وآله) إنّ رجالاً آخرين كانوا قد طلبوا يدها، وأنّه (صلّى الله عليه وآله) سوف يأخذ رأيها في الخاطب الجديد.

وذهب الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى ابنته الزهراء وأطلعها على الموضوع، بيد أنّ الزهراء لم تعرض هذه المرّة كما كانت تفعل من قبل بل عبّرت عن

٨١

رضاها بسكوتها فخرج الرسول (صلّى الله عليه وآله) من عندها وهو يكبّر.

النهضة الإسلامية للمرأة كانت نهضة بيضاء

لقد قدّم الإسلام أعظم الخدمات لجنس المرأة، ولم يكن سلب الولاية المطلقة للآباء على بناتهم الخدمة الوحيدة التي قدّمها الإسلام في هذا الميدان. لقد منحها حريتها وشخصيتها واستقلالها الفكري واعترف بحقوقها الطبيعية، لكن هناك فرقين أساسيّين بين ما فعله الإسلام في هذا السبيل وبيّن ما يجري في بلاد الغرب ويقلّده الآخرون هنا.

الأوّل: من وجهة نظر علم النفس إذ صنع الإسلام المعجزات في هذا المجال، وسوف نبحث هذا الموضوع في الفصول القادمة ونعطي نماذج له.

الثاني: يتمثّل في أنّ الإسلام - وهو يعرف النساء بحقوقهن الإنسانية، ويعترف لهن بشخصيتهن وحريتهن واستقلالهن - لم يدعهن إلى التمرّد والعصيان والطغيان ضد جنس الرجال، ولم يزرع في نفوسهن التشاؤم منهم.

لقد كانت النهضة الإسلامية النسوية نهضة بيضاء، ولم تكن سوداء ولا حمراء ولا زرقاء ولا بنفسجية؛ فلم يقض الإسلام على احترام البنات لآبائهن والنساء لأزواجهن، ولم يزعزع أسس البناء العائلي، ولم يفسد نظرة المرأة إلى الحياة الزوجية والأُمومة وتربية الأطفال، ولم

٨٢

يجعل المرأة متاعاً للعزّاب الذين يبحثون عن صيد، ولم ينتزع النساء من أحضان أزواجهن والفتيات من كنف أُمّهاتهن وآبائهن ويسلّمهن إلى المترفين من أصحاب المناصب العليا، لم يفعل الإسلام ما يؤدّي إلى ارتفاع صيحات الاستغاثة إلى السماء من الجانب الآخر من المحيط داعية بالويل والثبور لانهيار كيان العائلة المقدّس وفقدان الاطمئنان الأبوي: ماذا نفعل مع كل هذا الفساد؟ ماذا نفعل مع قتل الأطفال وإسقاط الأجنّة؟

وبنسبة الـ (40%) من الولادات غير الشرعية لمواليد يعرف آباؤهم، وأُمّهات لا يرغبن في تربيتهم؛ لأنّهم لم يلدنهم في بيوت يظلّلها حنان الآباء، فيرمين بهم في المؤسسات الاجتماعية وتنقطع علاقتهن بهم إلى الأبد.

إنّ بلادنا محتاجة إلى نهضة نسائية... نهضة إسلامية بيضاء، لا نهضة سوداء على الطريقة الأوروبية... نهضة لا تتدخّل فيها الأيدي الدنسة لعباد الشهوات من الشبّان... نهضة تنبع فعلاً من التعاليم السامية ولا تسخر القوانين الإسلامية للأهواء والشهوات باسم تغيير القانون المدني، نهضة تقوم أوّلاً بالدراسة المنطقية والمعمقة التي تهدف إلى معرفة مدى تطبيق التعاليم الإسلامية في المجتمعات التي تطلق على نفسها اسم الإسلام.

وإذ وفقنا الله تعالى لإكمال هذه المقالات وبحث النقاط الضرورية، فسوف نعرض نتائج ومكاسب النهضة الإسلامية للمرأة وسوف تجد

٨٣

المرأة الإيرانية أنّ باستطاعتها القيام بنهضة حديثة - مستقلّة ومنطقية - تنبع من فلسفتها المستقلّة التي ظهرت قبل أربعة عشر قرناً من غير أنّ تمدّ يد الضراعة إلى عالم الغرب.

إذن الأب

المسألة المطروحة حول ولاية الآباء على بناتهم هي: هل تشترط موافقة الأب في زواج ابنته البكر أم لا؟

من وجهة النظر الإسلامية هناك عدّة نقاط لا جدال فيها:

يتمتّع الابن والبنت - كلاهما - بالاستقلال الاقتصادي؛ إذ يحق لكل منهما التصرّف في أمواله أو الاحتفاظ بها إذا كان بالغاً عاقلاً ورشيداً أيضاً، أي ناضجاً فكرياً من وجهة نظر المجتمع، وليس للأب أو الأم أو الزوج أو الأخ، أو أي شخص آخر حق الإشراف عليهما، أو التدخّل في شؤونهما من هذه الناحية.

وإذا بلغ الفتى سن الرشد وكان عاقلاً رشيداً فإنّه يملك أمره، ولا يحق لأحد أن يفرض عليه شيئاً في موضوع زواجه.

أمّا الفتاة فإنّها إن كانت ثيّباً فهي أيضاً تملك أمرها كما هو الحال بالنسبة للفتى. ولكن ما هو حكم الفتاة البكر التي تريد الاقتران برجل لأوّل مرّة؟

لا شك في أنّه ليست لأبيها عليها سلطة مطلقة، ولا يحق له أن

٨٤

يزوّجها من يشاء بدون رضاها، فقد رأينا كيف أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان صريحاً في جوابه للفتاة التي زوّجها أبوها بدون أن يأخذ رأيها، إذ قال (صلّى الله عليه وآله) لها: بأنّها تستطيع - إن لم تكن راغبة بذلك - الزواج من غيره. إنّ الاختلاف الموجود بين الفقهاء، يدور حول مسألة: ألاّ يحق للفتيات الباكرات الزواج بدون موافقة آبائهن؟ أم أنّ موافقة الآباء ليست شرطاً في صحّة الزواج في أيّ حالٍ من الأحوال؟

وهناك مسألة أخرى لا خلاف فيها أيضاً وهي: إذا لم يأذن الأب بزواج ابنته ولم يكن لديه سبب معقول، فإنّ ولايته تسقط ويحق للبنت أن تختار الزوج المناسب لها باتفاق كافّة الفقهاء.

أمّا هل تعتبر موافقة الأب شرطاً أم لا؟ فقد قلنا بأنّ هناك اختلافاً بين الفقهاء حول هذه المسألة، ولعلّ أغلبهم - وخصوصاً المتأخّرين - لا يعتبرون موافقة الأب شرطاً، بينما يرى بعضهم أنّه شرط. وقانوننا المدني يتقيّد برأي هذا البعض؛ وهو الرأي الأقرب للاحتياط.

وحيث إنّ هذه المسألة ليست من القضايا الإسلامية الثابتة، فسوف لا أتناولها بالبحث من وجهة النظر الإسلامية، ولكنّي أرى ضرورة بحثها من زاوية اجتماعية؛ إضافة إلى رأيي الشخصي الذي أرى فيه أنّ قانوننا المدني قد نحا المنحى الصحيح في هذه القضية.

الرجل عبد الشهوة والمرأة أسيرة المحبّة

إنّ فلسفة منع الفتاة، أو على الأقل عدم تحبيذ زواجها من دون

٨٥

موافقة أبيها، تكمن في اعتبار الفتاة قاصرة، أو أقل من الرجل في النضج الاجتماعي؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك فرق بين الثيّب والبكر لتكون الثيّب البالغة من العمر ستة عشر عاماً مستغنية عن موافقة الأب، بينما تحتاج البكر البالغة ثمانية عشر عاماً إلى موافقته. وإذا كان الإسلام يعتبر الفتاة قاصرة عن إدارة أمورها فلماذا أعطى البنت البالغة الرشيدة استقلالها الاقتصادي وصحّح معاملاتها المالية حتى لو بلغت الملايين، دون الحاجة إلى موافقة الأب أو الأخ أو الزوج؟ إنّ لهذا الأمر فلسفة لا يمكن إغفالها حتى لو تجاوزنا الأدلة الفقهية. وينبغي أن نقول لواضعي القانون المدني: نِعم ما صنعتم.

إنّ هذا الموضوع لا يرتبط بقصور امرأة وعدم نضجها العقلي، ولكنّه يتعلّق بجانب من التركيب النفسي للرجل والمرأة، بروح الاصطياد التي يتمتّع بها الرجل من جهة، وسرعة الاطمئنان التي تتميّز بها المرأة في مقابل وفاء وإخلاص الرجل من جهةٍ أخرى.

الرجل عبد الشهوة والمرأة أسيرة المحبّة، إنّ الذي يهز الرجل ويجرّه إلى المنزلق ويقضي عليه هو الشهوة، بينما المرأة - باعتراف علماء النفس - أشدّ من الرجل صبراً وثباتاً أمام الشهوة، لكن الذي يأسر المرأة أو يقضي عليها هو سماعها نغمة المحبّة والصفاء والعشق والوفاء من فم الرجل، فهنا تكن سرعة اطمئنان المرأة.

إنّ المرأة مادامت بكراً - لم يمس جسدها صابون الرجال - فإنّها

٨٦

تصدّق حديث الحب من الرجل بسهولة.

لا أدري هل قرأتم نظريات عالم النفس الأمريكي البروفيسور (ريك) المنشورة في العدد (90) من مجلة (زن روز) أي (امرأة اليوم) بعنوان (ليس العالم واحداً بالنسبة للرجل والمرأة)؟ إنّه يقول: (خير جملة يمكن أن يقولها رجل لامرأة هي: عزيزتي إنّني أحبّك). ويقول أيضاً: (تتلخّص السعادة بالنسبة للمرأة في امتلاكها قلب رجل والاحتفاظ به طول عمرها).

إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - هذا العالم النفساني الإلهي - أوضح هذه الحقيقة قبل أربعة عشر قرناً إذ قال: (قول الرجل للمرأة (أحبّك) لن يذهب من قلبها أبداً).

إنّ الرجال المصطادين للنساء يستفيدون دائماً من هذا الإحساس عند المرأة ويجدون جملة (عزيزتي إنّني أموت في حبّك) أفضل شرك لاصطياد الفتيات اللواتي لم يدخلن في تجربة مع الرجال.

في هذه الأيام يتناقل الناس قصة امرأة اسمها (أفسر) حاولت الانتحار ورجل اسمه (جواد) حاول خداعها، وكان جواد يستخدم تلك الجملة من أجل الإيقاع بها. أمّا أفسر فتقول - حسب ما نقلته عنها مجلة (زن روز): (مع أنّني لم أكن أتحدث معه لكنّي كنت أُحب أن أراه كل يوم وكل ساعة).

(لم أكن قد عشقته ولكنّي كنت أشعر بحاجة نفسية إلى العشق الذي

٨٧

أظهره. وهكذا كل النساء يجبن المعشوق قبل أن يجبن الحبّ نفسه. ويظهر الحب دائماً بالنسبة للفتيات والنساء بمجرّد وجود المحب؛ ولم أكن مستثناة من تلك القاعدة).

هذا ما حصل لامرأة ثيّب ذات تجربة، فما حال الفتيات الغريرات؟

من هنا ينبغي على الفتاة التي لم تختبر الرجال أن تشاور أباها وتحصل على موافقته؛ فهو أعرف بمشاعر الرجال ولا يريد لابنته إلاّ الخير والسعادة في معظم الحالات.

إنّ القانون هنا لم يحتقر المرأة أبداً، ولكنّه وضع على كتفها يد الحماية، وإذا سأل الفتيان لماذا لم يلزمنا القانون بالحصول على إذن الأب أو الأم؟ فليس بعيد عن المنطق أن يعترض أحد باسم الفتيات على وجوب الحصول على موافقة الأب.

إنّني أعجب من الأشخاص الذين يحثّون الفتيات على التمرّد ويوصونهن بعدم الاكتراث بأوليائهن، وهم يواجهون ويرون ويسمعون كل يوم قصصاً كقصص بيوك وزهرة وعادل ونسرين.

إنّ هذه الأعمال في رأيي نوع من التواطؤ بين أفراد يدّعون الحرص على مصلحة النساء، وهم يصنعون منهن فرائس سهلة لمصطادي النساء في العصر الحديث، ويهيّئون السهام ليسوقوا هذه الفرائس نحوهم.

* * *

٨٨

في العدد 88 من مجلة (زن روز) يقول كاتب الأربعين اقتراحاً:

(إنّ المادة 1043 تخالف وتناقض جميع مواد القانون المتعلّقة بالبلوغ وسن الرشد، وتخالف أيضاً أساساً حرية الإنسان ومنشور الأمم المتحدة...).

يبدو أنّ الكاتب قد تصوّر أنّ مفاد المادة المذكورة هو أنّه يحق للآباء - ابتداءً - أن يزوّجوا بناتهم ممّن يشاؤون، أو أنّهم يحق لهم - بدون سبب - أن يمنعوا بناتهم من الزواج.

ترى أي ضير وأي منافاة مع حرية الإنسان تكمن في اشتراط موافقة الأب لصحّة الزواج مع إعطاء الفتيات حق الاختيار؟ وهذا أيضاً مشروط بأن لا يكون للأب سوء نيّة أو فساد ذوق يحول دون زواج ابنته. إنّ هذا الاشتراط إجراء احترازي وإشراف قانوني يهدف إلى صيانة المرأة التي ليست لها تجربة زوجية، وهو قائم على سوء الظن بطبيعة الرجال.

يقول الكاتب المذكور: (إنّ واضع القانون يعتبر الفتاة البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً صالحة للزواج قبل أن تبلغ مرحلة النضح الفكري وتفهم معنى الحياة الزوجية، وبهذا يسمح لمخلوق يصلح لشراء كمّيّة من الخضروات أن يختار لنفسه شريك حياته الذي يعيش معه طول عمره، في الوقت الذي لا يسمح لفتاة في الخامسة والعشرين أو الأربعين من عمرها وأتمّت تحصيلها الجامعي ووصلت إلى مستوى رفيع من الناحية

٨٩

العلمية أن تختار زوجاً لها بدون إذن الأب أو الجد العامي الأمّي...).

أوّلاً: كيف يفهم من القانون السماح لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها أن تختار زوجاً لها بدون إذن أبيها وعدم السماح لفتاة في الخامسة والعشرين أو الأربعين أن تفعل ذلك؟

ثانياً: إنّ اشتراط موافقة الأب محصورة في حدود العاطفة الأبوية وفهم مشاعر الرجل تجاه المرأة، أمّا إذا تحوّل ذلك الاشتراط إلى عائق فإنّه يسقط من الاعتبار.

ثالثاً: لا أظن أنّ قاضياً يدّعي أنّ القانون المدني لا يشترط النضج العقلي والفكري في الزواج، ويبيح لفتاة في سن الثالثة عشرة، والتي لا تفهم شيئاً عن الحياة الزوجية - كما يقول الكاتب - أن تتزوّج، إنّ المادة (211) من القانون المدني تقول:

(يعتبر المتعاملون واجدين للأهلية إذا كانوا عقلاء بالغين رشيدين) ومع أنّ هذه الجملة استعملت كلمة (متعاملون) وأنّ باب النكاح غير باب المعاملة، لكن السبب تبعية النكاح لعنوان أعمّ هو عنوان (العقود والمعاملات، والالتزامات) التي تبدأ من المادة (181) فإنّ خبراء القانون المدني يعتبرون المادة (211) معبّرة عن (الأهلية العامّة) اللازم توفّرها في سائر العقود.

إنّ جميع وثائق الزواج القديمة تترك فراغاً لاسم الرجل مسبوقاً بـ (البالغ العاقل الرشيد...)، وفراغاً آخر لاسم المرأة مسبوقاً بـ (البالغة

٩٠

العاقلة الرشيدة...) فهل يعقل كون مدوّني القانون المدني غافلين عن هذه النقطة؟

إنّ مدوّني القانون المدني لم يكونوا يتصوّرون بأنّ الانحطاط الفكري سيصل إلى درجة يجب أن يقتضي الأمر تخصيص مادة جديدة في باب النكاح تشترط البلوغ والعقل والرشد مع وجود مادة عن الأهلية العامّة.

لقد تصوّر أحد شارحي القانون المدني (وهو الدكتور سيد علي شايگان) أنّ المادة (1064) التي تقول: (ينبغي أن يكون العاقد بالغاً وعاقلاً وقاصداً) متعلّقة بالزوجين وحيث إنّ هذه المادة لم تذكر الرشد إضافةً إلى البلوغ والعقل والقصد فقد تراءى له بأنّها تتناقض مع المادة (211) التي ذكرت الأهلية العامة، ثم حاول أن يبرّر هذا التناقض. بينما الحقيقة أنّ المادة (1064) تتحدّث عن العاقد لاعن الزوجين، ولا يشترط في العاقد أن يكون رشيداً.

إنّ الذي يستحق الاعتراض عليه في هذا المجال هو سلوك الإيرانيين، وليس القانون المدني ولا القانون الإسلامي. فغالبية الآباء يعطون لأنفسهم السلطة المطلقة على بناتهم كما كان الأمر في أيام الجاهلية، ويعتبرون تعبير البنت عن رأيها في اختيار زوجها وشريك حياتها وأبي أولادها في المستقبل لوناً من عدم الحياء وخروجاً عن اللياقة الأدبية، ولا يقيمون وزناً للنضج الفكري للفتاة، مع أنّ رأي الفتاة

٩١

في الزواج هو أمر ثابت في الإسلام.

وما أكثر عقود الزواج التي تقع قبل رشد الفتيات فتكون باطلة ولا يترتّب عليها أي أثر.

إنّ العاقدين لا يتثبّتون من رشد الفتيات ويعتبرون البلوغ وحده كافياً، بينما نعلم جميعاً كيف كان كبار العلماء يتثبّتون من النضج العقلي والفكري للفتيات قبل إجراء عقد قرانهم، كما تشير إلى ذلك الكثير من القصص. كما أنّ بعض العلماء كانوا يعتبرون النضج الديني للفتيات شرطاً فلا يعقدون قران البنت التي لا تستطيع أن تستدل فكرياً على أُصول الدين. ولكن الذي يؤسف له أنّ معظم أولياء الأطفال، والعاقدين يراعون ذلك.

لكن يبدو أنّ سوء تصرّف الناس ليس محلاًّ للانتقاد، بل المطلوب أن تكسر جميع الأقداح والقوارير برأس القانون المدني، وأن يعبّأ الرأي العام ضد هذا القانون المستخرج من الشريعة الإسلامية.

وفي رأيي أنّ الخلل الموجود في القانون المدني هو في المادة (1042) التي تقول: (بعد إكمال خمسة عشر عاماً من العمر أيضاً لا تستطيع الإناث بدون إذن أوليائهن أن يتزوّجن قبل إكمال ثمانية عشر عاماً من العمر).

فبموجب هذه المادة لا تستطيع المرأة الزواج بدون إذن وليّها إذا كان عمرها واقعاً بين 15 - 18 عاماً وإن كانت ثيّباً، وهو أمر لا يقرّه الفقه

٩٢

الشيعي ولا المنطق العقلي؛ إذ لا ضرورة لموافقة الأب على زواج البنت الواجدة لشروط البلوغ والرشد إذا كانت قد تزوّجت من قبل.

* * *

٩٣

٩٤

الفصل الرابع

الإسلام وتجدّد الحياة (1)

مقتضيات العصر:

في مقدّمة كتاب (الإنسان والمصير) حيث بحثت مسألة عظمة وانحطاط المسلمين، قسّمت البحث حول أسباب انحطاط المسلمين إلى ثلاثة أقسام: الإسلام، المسلمون، العوامل الخارجية.

في هذه المقدمة، اعتبرت هذا الموضوع أحد المواضيع السبعة والعشرين الواجبة البحث والتحقيق، ووعدت بنشر رسالة تحت عنوان (الإسلام ومقتضيات العصر) أعددت لها ملاحظات كثيرة مسبقة.

في هذه السلسلة من المقالات لم أستطع أن أبحث جميع المواضع التي كان يجب أن تتضمّنها تلك الرسالة، لكنّني سأوضح إجمالاً ما يحل الإشكالات الواردة على أذهان قرّاء هذه المقالات المحترمين.

إنّ موضوع الدين والتقدّم من الموضوعات المطروحة أمام أتباع الأديان الأُخرى أكثر ممّا تُطرح أمام المسلمين. وكثير من مثقفي العالم العصريين إنّما تخلّوا عن الدين؛ لأنّهم تصوّروا أنّه لا ينسجم وتجدّد الحياة. تصوّروا أنّ التدين يستلزم التوقّف والجمود ومحاربة التقدّم والتطوّر. وبتعبير آخر قد فهموا خاصّية الدين على أنّها جمود

٩٥

والبقاء على نفس الاشكال والصور بشكل دائم.

كان نهرو رئيس وزراء الهند الفقيد يحمل آراء علمانية، وكان لا يؤمن بأيّ دين أو مذهب، ويفهم من أقواله أنّ ما نفّره من الدين هو الجمود الديني. وكان في أواخر عمره يشعر بفراغ في وجوده وفي العالم اعتقد أنّه لا يملأ إلاّ بالطاقة المعنوية، لكنّه في نفس الوقت كان يستوحش من كل الأديان بسبب نظرته إلى الدين كشيءٍ ثابت النغمة.

وقد أجرى معه الصحفي الهندي (كارانجيا) مقابلة صحفية في أواخر عمره (طُبعت بالفارسية) يظهر أنّها كانت آخر تصريحاته حول المسائل العامة العالمية.

قال له كارانجيا فيما يتعلّق بغاندي: (إنّ بعض المثقفين يعتقدون أنّ غاندي بوسائله المعنوية وطرقه الروحية قد زلزل آراءك في الاشتراكية العلمية).

فأجاب نهرو قائلاً: (إنّ استثمار الأساليب المعنوية والروحية أمر لازم وجيد، وقد كنت أشارك غاندي هذه الآراء وأرى أنّ الإفادة من هذه الأساليب أكثر لزوماً هذه الأيام من أجل مواجهة الفراغ المعنوي للحضارة الحديثة التي تلقى رواجاً متزايداً).

وعاد كارانجيا يسأله عن الماركسية، فأجابه نهرو بذكر بعض نقائصها وطرح مجدّداً الأساليب الروحية كحلول لها. وعندها قال له كارانجيا:

٩٦

(وأنت تتحدّث الآن عن المناهج الأخلاقية والروحية كحلول للمشكلات ألا ترى أنّك تختلف عن جواهر لال نهرو الذي عرفناه بالأمس؟ (أي نهرو في سن الشباب)، فإنّ الذي تقوله الآن يظهر لنا أنّ السيد نهرو في أواخر عمره قد أخذ يبحث عن الله).

فقال نهرو: (نعم، لقد تغيّرت، وإنّ تأكيدي على الموازين الأخلاقية والروحية ليس أمراً عفوياً...) وأضاف: (والمطروح الآن هو كيف يمكن أن نسمو بالأخلاق والروحيات إلى مستوى أعلى) ويجيب هو نفسه قائلاً:

(بديهي أنّ هناك الدين، لكن للأسف فإنّ الدين قد هبط مستواه نتيجة لوجود النظرة الضيّقة، والتقيّد بقوانين جافّة وجامدة، والاقتصار على بعض الشكليات، وقد ذهب مفهومه الحقيقي وروحه ولم يبق إلاّ القشور).

الإسلام ومقتضيات العصر:

من بين جميع الأديان والمذاهب لا يوجد مذهب أو دين تدخّل في الشؤون الحياتية للناس كما تدخّل الإسلام، إنّ الإسلام لم يكتف في مقرّراته بمجموعة من العبادات والأذكار والأوراد ومجموعة أخلاقيات وإنّما قام بالإضافة إلى بيان علاقات العباد بربّهم. بتوضيح الخطوط الرئيسة للعلاقات الإنسانية وحقوق وواجبات الإفراد تجاه بعضهم البعض؛ لذا فإنّ مسألة الانسجام مع العصر فيما يتعلّق بالإسلام

٩٧

بمواصفاته هذه، مسألة واردة.

وممّا يلفت النظر أنّ الكثير من العلماء والكتّاب الأجانب، قد درسوا الإسلام من حيث قوانينه الاجتماعية والمدنية وأقرّوا أنّ القوانين الإسلامية مجموعة من القوانين الراقية، وأشادوا بميزة هذا الدين لحيويته وقابلية قوانينه للانسجام مع التقدّم العصري.

قال برنارد شو الكاتب الانگليزي المتحرّر المعروف: (لقد كنت دائماً أكن غاية الاحترام لدين محمد بسبب حيويته العجيبة، وفي رأيي أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي يملك الاستعداد للتلاؤم ولتوجيه الحالات المتنوّعة والصور الحياتية المتغيّرة ولمواجهة العصور المختلفة، وإنّني لأتنبأ - وإنّ علامات هذه النبوءة قد ظهرت منذ الآن - أنّ دين محمد سيكون محل قبول أوروبا غداً).

(إنّ رجال الدين في القرون الوسطى - نتيجة للجهل أو التعصّب - قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، فقد كانوا يعتبرونه عدوّاً للمسيحية لكنّني قد اطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصّلت إلى أنّه لم يكن عدوّاً للمسيحية بل إنّه يجب أن يسمّى منقذ البشرية. وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم لوفق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنوا البشر إليها).

والدكتور شبلي شميل العربي اللبناني، المادي المذهب، قام بترجمة كتاب أصل الأنواع لداروين إلى اللغة العربية لأوّل مرّة مع شرح

٩٨

(بوخنر) الألماني وجعله في متناول أيدي الناطقين باللغة العربية، وبقصد محاربة العقائد المذهبية.

إنّه بالرغم من ماديته إلاّ أنّه لا يخفي إعجابه بالإسلام وما بناه من عظمة، وكان على الدوام يُعدّ الإسلام مبدأً قابلاً للتطبيق في كل زمان.

هذا الرجل كتب مقالة تحت عنوان (القرآن والعمران) في الجزء الثاني من كتابه فلسفة النشوء والارتقاء والصادر باللغة العربية. هذه المقالة هي ردّ على أحد الأجانب الذين زاروا البلاد الإسلامية وعدّ الإسلام مسؤولاً عن تأخّر المسلمين. يسعى شبلي شميل من خلال هذه المقالة إلى إثبات أنّ سبب تأخّر المسلمين وهو الانحراف عن تعاليم الإسلام الاجتماعية لا الإسلام، وأنّ أولئك الغربيين الذين يهاجمون الإسلام إمّا أنّهم لا يعرفونه، أو أنّهم سيّئو النيّة يريدون أن يشوّهوا صورة القوانين والمقرّرات الإسلامية في أنظار الشرقيّين ويضعوا طوق العبودية في أعناقهم.

وفي عصرنا أصبح التساؤل حول ما إذا كان الإسلام ينسجم مع العصر أو لا أمراً عامّاً. وحين اتصلت بمختلف طبقات المجتمع وخصوصاً الطبقة المثقّفة والمطّلعة لم أجد موضوعاً يسألون عنه أكثر من هذا الموضوع بالذات.

إشكالات:

بعض الأحيان، يحاول هؤلاء تغليف أسئلتهم بغلاف فلسفي

٩٩

فيقولون: كل شيءٍ متغيّر في العالم ولا يوجد شيء ثابت أبداً، والمجتمع البشري ليس استثناءً لهذه القاعدة فكيف يمكن لمجموعة من القوانين الاجتماعية أن تبقى ثابتة على الدوام؟

ولو أردنا أن نجيب على هذا السؤال جواباً فلسفياً بحتاً؛ لكانت الإجابة واضحة جداً. إنّ الأشياء المتغيّرة التي تكون جديدة وقديمة، في نمو وضمور، في رقي وتكامل، هي المواد المركبات المادية في الوجود. أمّا قوانين الوجود فثابتة، فمثلاً: إنّ الموجودات الحيّة تكاملت وتتكامل طبق قوانين خاصة وقد بيّن العلماء قوانين التكامل هذه. فالموجودات الحيّة نفسها دائمة التغيّر والتكامل لكن ما بال قوانين التغيّر والتكامل؟ بالطبع هي لا تتغيّر ولا تتكامل وحديثنا الآن حول هذه القوانين، وهنا لا فرق بين القانون الطبيعي أو الوضعي؛ إذ من الممكن أن يكون القانون الوضعي مستنداً إلى الفطرة والطبيعة، ومعيناً لخط السير التكاملي للأفراد والجماعات.

لكن التساؤل حول انسجام الإسلام أو عدم انسجامه مع مقتضيات العصر ليس ذا جانب فلسفي وعام وحسب، فإنّ السؤال الذي يطرح أكثر من غيره هو أنّ القوانين إنّما توضع على ضوء الاحتياجات، وأنّ احتياجات الإنسان الاجتماعية ليست ثابتة، إذاً فلا يمكن أن تكون القوانين الاجتماعية ثابتة.

هذا السؤال جيّد وذو قيمة؛ إذ إنّ من معجزات الدين الإسلامي

١٠٠