تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 67100
تحميل: 7633


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67100 / تحميل: 7633
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

تاريخ وفاته هنا وفي الموارد التي عرف فيها بكتبه الأُخرى.

أمّا نسبة صاحب الشيعة وفنون الإسلام الوهم إليه بتاريخ وفاته عند التعريف بكتاب المترجم (أخبار الشعراء السبعة) فناشئة على ما أرى من ذكره بعد هذا الكتاب (كتاب أخبار الشعراء) لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي المتوفّى سنة ٣٣٥ خمس وثلاثين وثلاثمئة، وهو الكلام الذي سبق إلى قلم العلاّمة صاحب كتاب الشيعة أنّه يحيى بن حميدة.

وإليك أسماء كتبٍ في مختلف العلوم للمترجم غير كتابه أخبار الشعراء السبعة، ومعادن الذهب أخرجتها من كشف الظنون.

١ - جاء فيه تحت (الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد الله القرطبي وهذّبه ابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي)(١) .

٢ - (تاريخ ابن أبي طي ) يحيى بن حميدة الحلبي رُتّب على السنين(٢) .

٣ - (حوادث الزمان ) لابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٦٣٠ وهو في خمسة مجلّدات على ترتيب الحروف(٣) .

٤ - طبقات العلماء لابن أبي طي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٦٣٠(٤) .

٥ - مناقب الأئمّة الاثني عشر لابن أبي يحيى بن حميدة الحلبي المتوفّى سنة ٦٣٠، وفيها زجر البشر في مناقب الأئمّة الاثني عشر، وكتاب الآل والعذب الزلال، والذخائر العقبى، وبيان المعالم(٥) .

٣ - أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل.

قال القاضي ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان: أبو المحاسن يوسف

____________________

(١) ج ١ ص ٤٣.

(٢) ج ١ ص ٢١٤.

(٣) ج ٢ ص ٤٥٥.

(٤) ج ٢ ص ٩٤.

(٥) ج ٢ ص ٥٣٤.

٢٦١

ابن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم المعروف بالشوا، الملقّب شهاب الدين الكوفي الأصل الحلبي المولد والمنشأ والوفاة.

كان أديباً فاضلاً متقناً لعلم العروض والقوافي، شاعراً يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة، وله ديوان شعرٍ كبير، يدخل في أربعة مجلّدات.

وبعد أن سرد له أخباراً، وأورد له شعراً مختاراً، وذكر شيوخه في الأدب ومتّه بأسباب صداقته منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمئة إلى حين وفاته، قال وكان من المغالين في التشيّع إلى أن قال وكان مولده تقريباً في سنة اثنتين وستّين وخمسمئة. وتوفّي يوم الجمعة تاسع عشر المحرّم سنة خمس وثلاثين وستمئة بحلب، ودُفن ظاهرها بمقبرة باب انطاكية غربيّ البلد، ولم أحضر الصلاة عليه لعذرٍ عرض لي في ذلك، رحمه الله فلقد كان نعم الصاحب.

وفي كشف الظنون(١) تحت عنوان: (قصيدة فيما يُقال بالياء والواو للأديب أبي المحاسن إسماعيل بن الشواء الحلبي المتوفّى سنة (كذا) أوّلها: (قل(٢) إن نسبت عزوته وعزيته) إلخ، والظاهر أنّه والد المترجم، وكلاهما يكنّى بأبي المحاسن، وبعد، فهو من بيت علمٍ وأدبٍ كما يظهر.

علماء الشيعة وأدباؤها الطارئون على حلب

كانت حلب في عهد الأمير سيف الدولة الحمداني الرحلة يؤمّها المسترشدون والمسترفدون من مختلف البلدان القاصية والدانية، فأفنية الكرم فيها آهلة، وأندية الشعر حافلة، ومجالس العلم والتعليم معمورة، وحضرة سيف الدولة كما قال الثعالبي في يتيمته: مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحطّ الرحال، وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء، ويقال إنّه لم يجتمع بباب أحدٍ من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع به من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر، وإنمّا السلطان سوق يجلب إليها، ما ينفق لديها، وكان أديباً شاعراً محبّاً لجيد الشعر، شديد الاهتزاز لما يُمتدح به.

وكان كلّ من أبي محمد بن عبد الله بن محمد القاضي الكاتب وأبي الحسين علي بن محمد

____________________

(١) ج ٢ ص ٢٣٢.

(٢) في الأصل مل.

٢٦٢

الشمشاطي قد اختار من مدائح الشعراء لسيف الدولة عشر آلاف بيت(١) .

وأخبار سيف الدولة كثيرة مع الشعراء، خصوصاً مع المتنبّي والسريّ الرفّاء والنامي والببغاء والوأواء وتلك الطبقة وفي تعدادهم طول.

ولقد كان له مجلس يحضره العلماء كلّ ليلة فيتكلّمون بحضرته(٢) .

إنّ ذلك الأمر الجليل وهو معدود في طبقة الشعراء والأدباء والنقدة الجهابذة باعتراف خرّيت الآداب العربية الثعالبي وهو الأديب الذي يشهد له ابن خالويه باعتلاقه بأهداب الأدب، واطّلاعه على أسرار كلام العرب(٣) والذي يعزو أبو الطيّب المتنبّي وهو الشاعر الفحل تراجع شعره في آخر أيّامه لمّا عوتب على ذلك إلى مفارقة فِنائه(٤) ومن يعز على ابن جني فيعاتب أستاذه المتنبي، وقد قرأ عليه ديوانه وقوله في كافور القصيدة التي أولها:

أغـالب فـيك الشوق والشوق أغلبُ وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجبُ

أن يكون هذا الشعر في مدح غيره(٥) .

إن ذلك الأمير وهو على ما وصفناه يبعد أن يلتف حواليه، وينتظم في سلك حاشيته، إلاّ أمثال المتنبّي والنامي والزاهي والناشي وابن نباتة السعدي البغداديّين والخالديّين والوأواء الدمشقي والصنوبري والتنوخي والببغا والجرجاني والخليع الشامي، إلى كثيرين من طبقتهم من الشعراء.

وأمثال أبي بكر الخوارزمي، وأبي الحسن الشمشاطي، وأبي علي الفارسي، وأبي عبد الله الحسين بن خالويه، إلى كثيرٍ من رجال طبقتهم من رجال العلم والأدب.

إنّ ذلك الأمير في حجره رَبَي ابن عمّه أبو فراس الحمداني، الذي قال

____________________

(١) اليتيمة الجزء الأوّل ص ٩.

(٢) الوفيات م ١ ص ٥١ و ٥٢.

(٣) الوفيات م ١.

(٤) اليتيمة الجزء الأوّل ص ٦٢.

(٥) الوفيات ص ٥٢.

٢٦٣

فيه الصاحب بن عبّاد: فُتح الشعر بملك وخُتم بملك، يعني امرأ القيس وأبا فراس، ذلك الأمير هو الذي أتاه زائراً فيلسوف الإسلام أبو نصر الفارابي، وقضى في كنف دولته وبما فرض له من النفقة بقيّة حياته.

وهو الذي قصده إمام الأدب أبو الفرج الأصبهاني بإهدائه إليه كتابه الأغاني فتقبّله قبولاً حسناً، ونفحه بألف دينار جزاء هديّته، إلى كثيرٍ غيرهما ممّن يطول بتعدادهم الكلام.

وبالجملة: فإنّك لا تكاد تذكر من خدم لغة القرآن الكريم وآدابها إلاّ مع ذكر سيف الدولة في رأس الجريدة، ولا تستحضر أسماء من أحسنوا إلى العلم والعلماء إلاّ بضمّ اسمه إليهم، ولا تعجب بالشعر والشعراء إلاّ ترى سيف الدولة أحقّ بالإعجاب، وهو الذي بإغداقه عليهم هباته فتّق أذهانهم فجاءوا بالمعجب المطرب، ولو لم يكن من حسناته إلاّ أبو الطيّب المتنبّي الذي ولج من أبواب الإبداع والاختراع ما لم يلجه غيره، وحفلت برواية شعره محافل الأدب، وعمرت بحل معانيه محافل العلم، لكفى، دع مآثره الأُخرى التي وصفها الثعالبي بقوله(١) :

(وكان رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنّة مأواه، غرّة الزمان، وعماد الإسلام، ومَن به سداد الثغور، وسداد الأُمور، وكانت وقائعه في عصاة العرب يكفّ بأسها، وتُفلّ أنيابها، وتُذلّ صعابها، وتكفي الرعيّة سوء آدابها، وغزواته تدرك من طاغية الروم الثأر، وتحسم شرّهم المثار وتسنّ في الإسلام الآثار).

وبعد فقد جمح بنا اليراع فأخرجنا باستطراداته عن الموضوع، ولكنّ اتصال ما نكتبه من هذه الاستطرادات تاريخ قِدَم التشيّع الحلبي، وآداب الشيعة، شفيع تزحزحنا القليل عن دائرة البحث.

وإلى القارئ الكريم أسماء طائفة من مشاهير الشيعة الوافدين على أمير حلب الحمداني والطارئين عليها في عهده وغير عهده ممّا تكمل به الفائدة:

١ - أبو بكر الخوارزمي:

هو محمد بن العبّاس الخوارزمي الشاعر المشهور، وهو ابن أخت أبي

____________________

(١) اليتيمة ج ١ ص ٨ و ٩.

٢٦٤

جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ.

أحد الشعراء المجيدين الكبار المشاهير.

كان إماماً في اللغة والأنساب أقام بالشام مدّةً، وسكن بنواحي حلب، وكان يُشار إليه في عصره(١)

وكان في ريعان عمره، وعنفوان أمره، قد دوّخ بلاد الشام، وحصل من حضرة سيف الدولة بحلب في مجتمع الرواة والشعراء، ومطرح الغرباء الفضلاء، فأقام ما أقام بها على أبي عبد الله بن خالويه، وأبي الحسن الشمشاطي وغيرهما من أئمّة الأدباء، وأبي الطيّب المتنبّي، وأبي العبّاس النامي وغيرهما من فحول الشعراء بين علمٍ يدرسه، وأدبٍ يقتبسه، ومحاسن ألفاظ يستفيدها، وشوارد أشعار يصيدها، وانقلب عنها وهو أحد أفراد الدهر، وأمراء النظم والنثر، وكان يقول ما فتق قلبي، وشحذ فهمي، وصقل ذهني، وأرهف حدّ لساني، وبلغ هذا المبلغ بي إلاّ تلك الطرائف الشاميّة، واللطائف الحلبيّة، التي علقت بحفظي، وامتزجت بأجزاء نفسي وغصن الشباب رطيب، ورداء الحداثة قشيب(٢) .

أصله من طبرستان، ومولده ومنشأه خوارزم، وكان يتسمّ بالطبري ويُعرف بالخوارزمي، ويُلقّب بالطبر خزمي.

فارق وطنه ريعان عمره، وحداثة سنّه وهو قويّ المعرفة، قويم الأدب نافذ القريحة، حسن الشعر، ولم يزل يتقلّب في البلاد، ويدخل كور العراق والشام، ويأخذ عن العلماء، ويقتبس من الشعراء ويستفيد من الفضلاء، حتّى تخرّج وخرج فرد الدهر في الأدب والشعر.

ولقي سيف الدولة وخدمه واستفاد من يمن حضرته، ومضى على غلوائه في الاضطراب والاغتراب، وشرّق بعد أن غرّب(٣) .

وأطال الثعالبي الكلام في ذكر تنقّلاته ورحلاته، وختمه بحديث ابتلائه بأبي الفضل بديع الزمان الهمذاني وما مُني به من مساجلته التي ركدت بها ريح شهرته، وكان في تلك السنة انقضاء أجله، وقال إنّ وفاته كانت في

____________________

(١) الوفيات م ١ ص ٧٤٧.

(٢) اليتيمة ج ١ ص ٨.

(٣) اليتيمة ج ٤ ص ١٢٣، ١٧٢.

٢٦٥

شوّال سنة ثلاث وثمانين وثلاثمئة، ومولده سنة ثلاث وعشرين وثلاثمئة.

وقال القاضي ابن خلكان في الوفيات:

ولمّا رجع من الشام سكن نيسابور، ومات بها في منتصف شهر رمضان، قال وذكر شيخنا ابن الأثير في تاريخه أنّه توفّي سنة ثلاث وتسعين.

قلت الذي رأيته في الكامل هو أنّه ذكر وفاته مرّةً في حوادث ثلاث وتسعين، وأُخرى في حوادث ثلاث وثمانين.

تشيّعه:

لم أجد في كتب رجال الشيعة التي تحضرني ذكراً له البتّة، اللّهمّ إلاّ صاحب كتاب الشيعة وفنون الإسلام، فإنّه عدّه في طبقة كتّاب الشيعة، وأورد له البيتين الدالّين على تشيّعه، اللذين وردا في لفظة آمل في معجم البلدان.

ومَن يتصفّح كتاب رسائله يرى فيها تصريحه غير مرّةٍ بتشيّعه ؛ ففي كتابه إلى أبي محمد العلويّ ما هذا موضع الحاجة منه(١) :

فنجمنا معاشر الشيعة أنحس، وحظّنا من الإقبال أبخس، من أن يفلح في الدنيا طالبي، أو يشقى فيها ناصبي.

وحسبك دليلاً على تشيّعه كتابه الذي كتب به إلى جماعة الشيعة بنيسابور لمّا قصدهم محمد بن إبراهيم واليها، وترى ذلك الكتاب في رسائله(٢) .

٢ - أبو علي الفارسي:

هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفّار بن محمد بن سليمان بن أبان الفارسي النحوي.

قال ابن خلكان في الوفيات(٣) :

(ولد بمدينة نسا، واشتغل ببغداد ودخل إليها سنة سبع وثلاثمئة.

وكان إمام وقته في علم النحو ودار البلاد.

____________________

(١) رسائل الخوارزمي ص ٢٢.

(٢) ص ٧٦.

(٣) م ١ ص ٤٨١.

٢٦٦

وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدّةً، وكان قدومه عليه في سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة.

وجرت بينه وبين أبي الطيّب مجالس، ثمّ انتقل إلى بلاد فارس، وصحب عضد الدولة بن بويه وتقدّم عنده وعلت منزلته ؛ حتى قال عضد الدولة: أنا غلام أبي علي في النحو. وصنّف له كتاب الإيضاح والتكملة في النحو).

وله التصانيف الممتعة في علوم العربية وآدابها، وبه تخرّج ابن أخته أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي. ومنه أخذ وعليه درس حتّى استغرق علمه واستحقّ مكانه، وكان أبو علي أوفده على الصاحب ؛ فارتضاه وأكرم مثواه وقرّر مجلسه(١) .

وذكره صاحب (كتاب الشيعة وفنون الإسلام ) في طبقة نحاة الشيعة، وقال وهو من الشيعة الإمامية كما في رياض العلماء وغيره، وقد وهم من نسبه إلى الاعتزال، وكان مولده في سنة ثمان وثمانين ومئتين، وتوفّي سنة سبع وسبعين وثلاثمئة ببغداد(٢) .

٣ - ابن خالويه:

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه النحوي اللغوي، أصله من همذان ولكنّه دخل بغداد وأدرك جلّة العلماء بها وانتقل إلى الشام واستوطن حلب.

وصار بها أحد أفراد الدهر في كلِّ قسمٍ من أقسام الأدب.

وكانت إليه الرحلة من الآفاق، وآل حمدان يكرّمونه، ويدرسون عليه ويقتبسون منه.

وهو القائل: دخلت يوماً على سيف الدولة فلّما مثلت بين يديه، قال لي اقعد ولم يقل اجلس فتبيّنت بذلك اعتلاقه بأهداب الأدب، واطّلاعه على أسرار كلام العرب.

وهو الذي وقع بينه وبين المتنبّي في بعض مجالس سيف الدولة - التي كانت تُعقد كلّ ليلةٍ للمذاكرة في العلم - كلام فوثب على المتنبّي فضرب وجهه بمفتاحٍ كان معه فشجّه، وخرج ودمه يسيل على ثيابه فغضب وخرج إلى مصر(٣) .

____________________

(١) عن اليتيمة الجزء الرابع ص ٢٨٠.

(٢) هكذا أرّخ وفاته ابن خلكان، وأمّا ابن الأثير فقد أرّخ وفاته في كامله سنة ستّ وسبعين.

(٣) ملخّص من الوفيات.

٢٦٧

ولابن خالويه مصنّفات ممتعة، منها: كتاب ليس في الأدب وكتاب الآل وذكر فيه الأئمة الاثنا عشر وتاريخ مواليدهم ووفيّاتهم وأمّهاتهم، وكتاب الاشتقاق وكتاب المقصور والممدود، وقد استوفى عدّها صاحب كشف الظنون، وذكر أكثرها صاحب الوفيات.

وذكره النجاشي في رجاله فقال: سكن حلب ومات بها. وكان عارفاً بمذهبنا مع علمه بعلوم العربية واللغة والشعر، وأورد له بعض كتبه.

وذكر مثل ذلك الاسترابادي في كتابه منهج المقال، والشيخ والعلاّمة ذكراه في الفهرست والخلاصة، والعلاّمة السيّد حسن الصدر في كتابه الشيعة وفنون الإسلام.

وممّا يستدرك أنّ ما صدّر به ترجمته القاضي ابن خلكان هو بعينه ما صدّر به الثعالبي في اليتيمة ترجمة أبي عبد الله الحسن بن خالويه، وهذا شافعي المذهب يروي عن الشافعي بواسطتين، وهو صاحب كتاب الطارقة والأوصاف التي ذكرها الثعالبي في ترجمة هذا أشدّ انطباقاً على المترجم.

ولابن خالويه مع أبي الطيّب المتنبّي مجالس ومباحث عند سيف الدولة ولولا خوف الإطالة لذكرت شيئاً منها وكانت وفاته بحلب في سنة سبعين وثلاثمائة.

٤ - أبو الحسن علي بن محمد الشمشاطي(١) .

لم يترجمه الثعالبي في اليتمية بل ذكره مرّةً في مجمع الرواة والشعراء الغرباء الفضلاء من حضرة سيف الدولة بحلب، بهذه الكنية المصدّرة بها ترجمته ولم يسمّه، ومرّة بكنية أبي الحسين مع التسمية.

وأمّا أبو العبّاس النجاشي، فقد ذكره في رجاله فقال: علي بن محمد بن العدوي الشمشاطي أبو الحسنين عدي بن تغلب عدي بن عمرو بن عثمان بن تغلب، كان شيخنا بالجزيرة، وفاضل أهل زمانه وأديبهم، له كتب كثيرة ؛ وذكر زهاء الأربعين كتاباً في فنون من العلم، ومنها: كتاب له مختصر تاريخ الطبري حذف منه الأسانيد والتكرار وزاد عليه من سنة ثلاث وثلاثمئة إلى وقته. تمم كتاب

____________________

(١) نسبة إلى شمشاط وهي من الجزيرة الفراتيّة، ونقل القلقشندي في صبحه عن العزيزي ضبطها هكذا.

٢٦٨

الموصل لأبي زكريّا زيد بن محمد وكان فيه إلى إحدى وعشرين وثلاثمئة فزاد عليه من هذا التاريخ إلى وقته، ومنها رسائل عدّة إلى سيف الدولة.

وقال النجاشي: ورأيت في فهرست كتبه بخطّ أبي نصر بن ريان (رحمه الله) كتباً زائدة على هذه الكتب.

وترجمه العلاّمة الاسترابادي في منهجه ولم يزد على ما ذكره النجاشي.

وذكره صاحب كتاب الشيعة وفنون الإسلام مرّتين: مرّة في طبقة جغرافيي الشيعة، ومرّة في طبقات نحاتهم، وتسامح بعدّه في علماء المئة الثالثة، مع أنّه عاصر سيف الدولة الحمداني فهو من رجال المئة الرابعة، أمّا تاريخ ولادته ووفاته فلم نقف عليه.

ولم أجد له ذكراً في كشف الظنون مع كثرة تصانيفه الممتعة.

٥ - أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف المعروف بالناشئ الأصغر.

قال القاضي ابن خلكان في وفياته(١) وهو من الشعراء المحسنين، وله في أهل البيت قصائد كثيرة.

وكان متكلّماً بارعاً، أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتكلّم.

وكان من كبار الشيعة، وله تصانيف كثيرة، وكان جده وصيف مملوكاً وأبوه عبد الله عطاراً.

ومضى إلى الكوفة في سنة خمس وعشرين وثلاثمئة، وأملى شعره بجامعها، وكان المتنبّي وهو صبيّ يحضر مجلسه بها وكتب من إملائه من قصيدة:

كـأنّ سـنان ذابله ضمير فليس عن القلوب له ذهابُ

وصـارمه كـبيعته بـخمٍّ معاقدها من الخلق الرقابُ

وكان قد قصد حضرة سيف الدولة بن حمدان بحلب، ولمّا عزم على مفارقته وقد غمره بإحسانه كتب إليه يودّعه:

أودّع لا أنّـي أودّع طـائـعاً وأعطي بكرهي الدهر ما كنت مانعا

____________________

(١) منقول هذا الكلام عن الوفيات م ١ ص ٥٠٤ و ٥٠٥.

٢٦٩

وأرجع لا ألفي سوى الوجد صاحباً لـنفسيَ إِن ألـفيت بالنفس راجعا

تـحملّت عـنّا بـالصنائع والعلا فـنستودع الله الـعلا والـصنائعا

رعـاك الـذي يرعى بسيفك دينه ولقَّاك روض العيش أخضر يانعا

وذكره النجاشي في رجاله إلاّ أنّه كنّاه أبا الحسين لا أبا الحسن، وكذلك وردت كنيته في اليتيمة، وذكره الشيخ الطوسي وابن النديم وصاحب (الشيعة وفنون الإسلام ) في طبقة متكلّمي الشيعة وشعرائها، والسمعاني وابن كثير الشامي.

وقال السمعاني كما نقله عنه صاحب كتاب الشيعة ناشي بفتح النون وآخره شين معجمة يقال لمن نشأ في فن من فنون الشعر واشتهر به. قال المشهور بهذه النسبة علي بن عبد الله الشاعر المشهور، وقال وهو بغدادي الأصل سكن مصر.

وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث ست وستين وثلاثمئة:

(وفي صفر منها توفي أبو الحسن علي بن وصيف الناشي المعروف بالخلال(١) صاحب المراثي الكثيرة في أهل البيت).

وقيل إنّه توفّي سنة خمس وستّين ببغداد ومولده في سنة إحدى وتسعين ومئتين(٢) .

٦ - أبو القاسم الزاهي.

هو علي بن إسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزاهي الشاعر المشهور.

قال الثعالبي(٣) وصّاف محسن كثير المُلَح والظرف.

وقال ابن خلكان(٤) كان وصّافاً كثير المُلَح، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، فقال: إنّه حسن الشعر في التشبيهات وغيرها.

وشعره في أربعة أجزاء، وأكثر شعره في أهل البيت، ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي وغيرهما من رؤساء وقته، وقال في جميع الفنون.

____________________

(١) الذي في الوفيات الحلاء لا الخلال بفتح الحاء المهملة وتشديد اللاّم ألف، وإنّما قيل له ذلك ؛ لأنّه كان يعمل حليةً من النحاس.

(٢) عن الوفيات م ١ ص ٥٠٥.

(٣) ج ٢ ص ١٧٣.

(٤) م ١ ص ٥٠٥.

٢٧٠

وذكره صاحب كتاب الشيعة وفنون الإسلام، مبيّناً سبب نسبته إلى الزاهي التي شكّك فيها السمعاني(١) ، فقال: وأوّل من زها في جميع فنون الشعر، حتّى لُقّب بالزّاهي علي بن إسحاق بن خلف الشاعر البغدادي.

وُلد سنة ثماني عشرة وثلاثمئة، وتوفّي سنة إحدى وسبعين وثلاثمئة.

هذا ما رأينا إثباته في هذا القسم، من تراجم الطارئين على حلب، والوافدين على أميرها الحمداني من معاصريه، وبقي كثيرون غيرهم من رجال طبقتهم، ومَن يفوقهم وينحطّ عنهم في الشهرة، أضربنا عن ذكرهم مخافة التطويل الممل والخروج عن موضوع البحث.

ونختم هذا القسم بذكر بعض أعلام الشيعة الذين طرأوا على حلب في الأزمنة المتأخّرة عن زمان أمراء حلب الحمدانيّين ؛ تتمّةً للبحث:

١ - الشيخ كردي بن عكبري بن كردي الفارسي:

قال صاحب كتاب روضات الجنات نقلاً عن كتاب رياض العلماء: (ومن جملة فقهائهم (فقهاء حلب) المعروفين المنسوب إليهم القول بعينيّة وجوب الاجتهاد، وعدم جواز التقليد لأحدٍ من الناس في فروع الشريعة مثل أصولها، هو الشيخ كردي بن عكبري الفارسي الفقيه الثقة الصالح ؛ الذي قرأ على شيخنا الطوسي وبينهما مكاتبات وسؤالات وجوابات).

٢ - أبو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش السروي المازندراني:

وهو كما يظهر من رجال المئة الخامسة، هكذا ساق نسبه صاحب روضات الجنات، وقال كان عالماً فاضلاً ثقةً محدّثاً محقّقاً عارفاً بالرجال والأخبار، أديباً شاعراً جامعاً للمحاسن، له كتب ثمّ أورد أسماءها وترجمه غير واحدٍ من رجال المعاجم السنّة والشيعة، وكلّهم أجمعوا على مدحه بالعلم والتحقيق، وممّن ترجمه من الشيعة السيّد مصطفى التفرشي والعلاّمة

____________________

(١) نقل عنه صاحب الوفيات ما يلي: قال السمعاني هذه النسبة إلى قريةٍ من قرى نيسابور نسب إليها جماعة، ثمّ قال وأمّا أبو الحسن علي بن إسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزّاهي فلا أدري ينسب إلى هذه القرية أم لا غير أنّه بغدادي.

٢٧١

المجلسي والعلاّمة الاسترابادي والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في أمل الآمل، والسيّد الداماد في الرواشح وابن أبي طي في تاريخه.

ومن علماء رجال السنّة ذكره العلاّمة شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداوودي تلميذ السيوطي في كتابه طبقات المفسّرين، وقال بعد التعريف به ووصف علمه وفضله: وكان إمام عصره، وواحد دهره في التأليف غلب عليه علم القرآن والحديث، وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنّة.

وابن حجر العسقلاني في كتابه لسان الميزان، ومجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي في كتاب البلغة، وجلال الدين عبد الرحمان السيوطي في كتاب بغية الوعاة.

والصفدي في تاريخه الوافي بالوفيات وكلّهم وصفه بالعلم والزهد والتحقيق وجميع المحاسن.

وجاء في كشف الظنون عند ذكر كتابه (أسباب النزول ) للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن شعيب المازندراني فأنت ترى أنّه ذكر بدل شهراشوب شعيباً وهو ما تفرّد به.

توفي (رحمه الله) ليلة الثاني والعشرين من شعبان المعظّم سنة ثمان وثمانين وخمسمئة ٥٨٨ ودُفن بظاهر حلب في سفح جبل هناك يُقال له جوشن.

قال العلاّمة المجلسي: وكان انتقاله إلى حلب من جهة كونها في ذلك الزمان محط رحال علمائنا الأعيان.

٣ - الشريف جمال الدين النيسابوري عبد الله بن محمد بن أحمد الحسين نزيل حلب.

قال العلاّمة صاحب كتاب (الشيعة وفنون الإسلام ) وقد عدّه في طبقة متكلّمي الشيعة: كان الإمام في علم الكلام. ذكره ابن حجر في (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة) قال كان بارعاً في الأُصول العربية درس بالأسديّة بحلب، وكان أحد أئمّة المعقول، حسن الشيبة يتشيّع مات سنة ستّ وسبعين وسبعمئة.

هذا ما رأيت إثباته بمقدّمة موضوع مقالي (بنو زهرة الحلبيون) ولا أُبرّئ نفسي من استعمال الفضول الأدبي فيما كتبت، ولعلّ ما جمعته من الفوائد يغفر لي عند القرّاء ذنب هذا الفضول، وأستغفر الله من أن أكون فضوليّاً في غير ذلك.

٢٧٢

عودة إلى بني زهرة

أفضنا في المقدّمة إفاضةً خشينا معها ملال القرّاء وملامهم، ولهم علينا العتبى عذروا أو عذلوا.

أمّا شهرة هذا القبيل الفاطمي ببني زهرة ؛ فهي من عمود نسبهم الثالث زهرة أبي الحسن بن أبي المواهب علي بن أبي سالم.

وأمّا العمودان قبله فالثاني منهما الشريف محمد أبو إبراهيم ممدوح أبي العلاء والأوّل إسحاق المؤتمن، وهم بحلب سادة نقباء علماء فقهاء متقدّمون كثّرهم الله تعالى(١) .

وفي القاموس للفيروزابادي (وبنو زهرة شيعة بحلب) ومنه يعلم أنّهم كانوا معروفين إلى زمان مؤلّفه لقباً وموطناً ومذهباً، وفي روضات الجنات بعد أن ذكر فريقاً منهم بالعلم والفضل والجلالة والشرف (وبالجملة فهم بيت جليل من أجلاّء بيوتات الأصحاب قلَّ ما يوجد له نظير).

عمود نسبهم الأوّل إسحاق

هو إسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم).

وهو الخامس من ولد جعفر الصادق المعقّبين ويكنّى أبا محمد ويلقب المؤتمن وولد بالعريض(٢) وكان من أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمّه أم أخيه موسى الكاظم، وكان محدّثاً جليلاً.

وادّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة.

وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول حدّثني الثقة الرضى إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين هكذا جاء في عمدة الطالب.

وقال الإمام الشيخ المفيد (رضي الله عنه) في إرشاده: وإسحاق ومحمد لأمّ ولد، وكان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد، وروى عنه الناس الحديث والآثار.

وكان ابن كاسب إذا حدّث عنه يقول حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر، وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام).

____________________

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب.

(٢) العريض قرية على أربعة أميال من المدينة.

٢٧٣

وقال المقريزي في خططه(١) وتزوّج بنفيسة (رضي الله عنها) إسحاق بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وكان يقال له إسحاق المؤتمن، وكان من أهل الصلاح والخير والفضل والدين، روي عنه الحديث.

وكان ابن كاسب إذا حدّث عنه يقول حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر.

وكان له عقب بمصر منهم بنو الرقي، وبحلب بنو زهرة.

وولدت نفيسة من إسحاق ولدين هما: القاسم وأم كلثوم لم يعقبا.

دخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق (رضي الله عنه) وقيل دخلت مع أبيها الحسن وإنّ قبره بمصر، لكنّه غير مشهور وإنّه كان والياً على المدينة من قبل أبي جعفر المنصور، وأقام بالولاية مدّة خمس سنين ثمّ غضب عليه فعزله، واستصفى كلّ شيءٍ له وحبسه ببغداد فلم يزل محبوساً حتّى مات المنصور وولي المهدي فأخرجه من محبسه وردّ عليه كلّ شيءٍ ذهب له(٢) .

أمّا خبر تزويج إسحاق بالسيّدة نفيسة فقد رواه ابن خلكان في الوفيات، والصلاح الكتبي في الفوات، والمقريزي في الخطط، وأرسلوه إرسال المسلّمات حيث لم يشيروا إلى وجود المخالف فيه، ولكنّ صاحب عمدة الطالب روى هذا الخبر بغير ما رووه ورجّح خلاف روايتهم كما ترى مِن نقلنا كلامه بالحرف الواحد، قال:

وكان لزيد ابنة اسمها نفيسة، خرجت إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان فولدت منه وماتت بمصر.

وقد قيل إنّها خرجت إلى عبد الملك بن مروان وإنّها ماتت حاملاً منه والأصح الأوّل، وقد قيل إنّ صاحبة القبر بمصر نفيسة بنت الحسن بن زيد وإنّها كانت تحت إسحاق بن جعفر الصادق، والأوّل هو الثبت المروي عن ثقات النسابين.

وأمّا الطبري فقد جاء في المنتخب من كتابه ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين ما يلي: وحسن بن حسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)

____________________

(١) الجزء الرابع ص ٣١٤.

(٢) الوفيات.

٢٧٤

وكان الحسن بن زيد يكنّى أبا محمد وولد الحسن بن زيد محمداً والقاسم وأم كلثوم بنت حسن تزوّجها أبو العبّاس أمير المؤمنين، فولدت له غلامين هلكا صغيرين، وعليّاً وزيداً وإبراهيم وعيسى وإسماعيل وإسحاق الأعور وعبد الله، فأنت ترى أنّه لم يذكر نفيسة، مع أنّه ذكر ولده وذكر فيهم أمّ كلثوم.

وبالجملة: فإنّي لم أجد في المصادر التاريخية التي أرجع إليها في هذا البحث ما يبعث على الركون إليه في تحقيق زواج إسحاق بهذه السيّدة الجليلة، وإثبات أبيها هل هو زيد أو ابنه الحسن.

وفي عمدة الطالب والإرشاد شيء من الاختلاف، فقد جعل في الأوّل أم إسحاق أم موسى وفي الثاني أمّه أمّ محمد(١) وفي الأوّل المحدّث عنه ابن عيينة وفي الثاني ابن كاسب كما في الخطط.

وأعقب (إسحاق) من ثلاثة رجال محمد والحسين والحسن، فمن ولد محمد بن إسحاق المؤتمن بنو الوارث بالرّي.

ومن ولد الحسن بن إسحاق المؤتمن.

وأعقب جماعةً تفرّقوا بمصر ونصيبين.

وأمّ الحسين بن إسحاق المؤتمن فوقع إلى حران وولده بالرقّة وحلب، وجمهور عقب إسحاق المؤتمن ينتهي إلى الشريف أبي إبراهيم العالم الشاعر ممدوح أبي العلاء المعري(٢) .

الشريف أبو إبراهيم عمود نسبتهم الثاني

هو محمد الحراني بن أحمد الحجازي بن محمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن، هكذا أورد نسبه صاحب عمدة الطالب، وصاحب أمل الآمل في ترجمة بعض أحفاده السيّد علاء الدين أبي الحسين علي بن إبراهيم.

وأمّا صاحب لؤلؤتي البحرين فقد أورد ما جاء في إجازة العلاّمة الحسن بن المطهّر (رحمه الله) من نسبة السيّد المشار إليه، وهو مطابق لما في عمدة الطالب وأمل الآمل، وزاد عليهما كنى آبائه وكنى عمود النسب الأوّل إسحاق المؤتمن بأبي إبراهيم وقد عرفت ممّا سبق أنّه كان يكنّى أبا محمد، ولا يبعد أن تكون كنيته بأبي إبراهيم مقارنة لاسمه وكنيته بأبي محمد

____________________

(١) وفي المناقب لابن شهراشوب وموسى الإمام ومحمد الديباج وإسحاق لأم ولد ثلاثتهم.

(٢) عمدة الطالب.

٢٧٥

حادثة من اسم ولده محمد الذي هو أكبر ولده، ووقفت على سلسلة نسب لبعض أعقابه من بني زهرة الفوعيين في هذه الأيّام سقط منها اسم محمد بن الحسين(١) .

قال في عمدة الطالب: قال الشيخ أبو الحسن العمري: كان أبو إبراهيم لبيباً عاقلاً، ولم تكن حاله واسعة، فزوّجه الحسين الحرّاني بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن علي الطيّب العلوي العمري(٢) بنته خديجة المعروفة بأمِّ سلمة.

وكان أبو عبد الله الحسين العمري متقدّماً بحرّان مستولياً عليها، وقوي أمر أولاده حتّى استولوا على حران وملكوها على آل وثاب، قال فأمدّ أبو عبد الله الحسين العمري أبا إبراهيم بماله وجاهه، وتبعه أبو إبراهيم وتقدّم، وخلّف أولاداً سادة فضلاء، هذا كلامه.

أمّا زمن انتقاله من حران إلى حلب فغير معلوم تاريخه ؛ لأنّا لم نرَ في المصادر التاريخية التي نعتمدها في كتابة هذا المقال تعرّضاً له، ولم نجد في معاجم السنّة والشيعة مَن أفرد للمترجم ترجمةً مع شهرته بالعلم والشعر والجاه والدعوة إلى التشيّع في حلب، كما زعمه البعض.

وجلّ ما جاء في التعريف به: هو ممدوح أبي العلاء المعرّي، كما في عمدة الطالب، وذيل المختصر في أخبار البشر لابن الوردي والممدوح كما في المجلد السادس من مجلة المقتبس.

والظاهر أنّ انتقاله إلى حلب لم يتقدّم عهد أبي المعالي سعد الدولة شريف بن سيف الدولة الحمداني، بدليل أنّه لم يرد له ذكرٌ بين مذكور شعراء عهد سيف الدولة ورجال عصره العلماء الأعلام، وهو كما عرفت من رجال العلم والشعر أوّلاً، وثانياً: أنّه اشتهر بممدوح أبي العلاء، وأبو العلاء وُلد بعد وفاة سيف الدولة بسبع سنين ؛ لأنّ سيف الدولة مات سنة

____________________

(١) في شجرة نسب الشريف الفوعي ما يلي: (محمد الأوّل أمير المدينة المنوّرة ابن أحمد المدني المنتقل إلى مدينة حران ابن الحسين المدني أمر المدينة المنورة ابن إسحاق المؤتمن) وفي هذا النسب ما لا يتّفق مع النصوص التاريخية، فإنّا لم نجد فيها مَن ولي إمارة المدينة مِن بني إسحاق المؤتمن، والقلقشندي ذكر طبقات أمرائها من صدر الإسلام إلى عهده، ولم يذكر بين ولاتها أحداً من بني إسحاق.

(٢) في عمدة الطالب ابن الطيّب بن عبد الله، وعبد الله بن محمد بن عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب. وللحسين الحراني عدّة أولاد ومن عقبه الحرانيّون الذين ملكوا على آل وثاب كما عرفت في المتن.

٢٧٦

٣٥٦ وأبو العلاء وُلد سنة ٣٦٣، وثالثاً: أنّ أبا العلاء رجع إلى المعرّة ولزم منزله وشرع في التصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار، وكان ذلك كلّه في أوائل المئة الخامسة.

والشريف أبو إبراهيم هو ممّن كاتبه من العلماء وذوي الأقدار وراسله بقصيدةٍ من بارع شعره (ستقف على ما عثرنا به منها قريباً) استورى بها زند قريحته، واستخرج فيها من بحر أدبه من الدرر المنظومة بسلك الاختراع والإبداع ما اقترنت به شهرته بشهرته على تمادي القرون وتوالي الأحقاب.

وأمّا قصيدة أبي العلاء التي افتتح بها ديوانه سقط الزند ومدح بها أبا الفضائل سيف الدولة ولم ينفذها إليه ؛

ومستهلّها:

أعن وَخْدِ القِلاص كشفتِ حالا ومـن عند الظلام طلبتِ مالا

فمن المقطوع (بعد ما عرفت) أنّها ليست في مدح سيف الدولة، وهو لم يُكنّ بأبي الفضائل وإنّما كنيته أبو الحسن ولقبه سيف الدولة، والظاهر أنّها في مدح ولد ولده أبي الفضائل سعد وهو الذي انقرض بموته عقب سيف الدولة.

وكأن في قوله في سقط الزند وقال أيضاً وهي قصيدة قد امتدح بها أحد بقايا بني حمدان ملوك حلب ما يؤيّد ذلك.

أبو إبراهيم وأبو العلاء

قال العلاّمة البهائي العاملي في كشكوله ممّا كتبه الشريف جمال النقباء أبو إبراهيم محمد بن علي(١) بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وهو أبو الرضا والمرتضى(٢) (رحمه الله) إلى أبي العلاء المعري:

غـير مستحسنٍ وصال الغواني بـعـد سـتّين حـجةٍ وثـمانِ

فصنِ النفس عن طِلاب التصابي وازجرِ القلب عن سؤال المغاني

____________________

(١) نسبته هنا مطابقة لما ورد في عمدة الطالب وأمل الآمل، إلاّ زيادة اسم علي فإنّه ابن أحمد كما عرفت لا ابن علي.

(٢) لم يعرف بهذه الكنية وإنّا لنربأ بالعلاّمة البهائي على تحقيقه ومعرفته بالرجال أن يظن المترجم أبا المرتضى والرضي الموسويّين.

٢٧٧

إنّ شـرخ الـشباب بدَّله شي بـاً وضـعفاً مـقلِّب الأعيانِ

فـانفض الكفّ من حياء المحيّا وامعن الفكر في اطّراح المعاني

وتـيمّن بـساعة البين واجعل خـير فـالٍ تـناعب الغربانِ

فالأديب الأريب يعرف ما ضم ن طيّ الـكتاب بـالعنوانِ

أتـرجي مـالاً رحـيباً واسعا د سـعادٍ وقـد مضى الأطيبانِ

غـلّف القلب عارضيك بشيبٍ أنـكرت عرفه أنوف الغواني

وتحامت حماك نافرة الغيد(١) نـفار الـمها مـن الـسرحانِ

وردّ الـغائب(٢) البغيض إلي هـنّ وولّـى حبيبهنّ المداني

وأخـو الحزم مغرمٌ بحميد الذ كـر يـوم الندى ويوم الطعانِ

هـمّه المجد واكتساب المعالي ونـوال الـعاني وفك المعاني

لا يـعير الزمان طرفاً ولا يح مـل ضـيراً بطارق الحدثانِ

قال البهائي بعد إيراد هذه الأبيات: وهذه قصيدة طويلة جدّاً أوردها جميعها جدّي (رحمه الله) في بعض مجموعاته(٣) وفي تذييل تاريخ ابن الورد على مختصر أبي الفدا، جاء بعد المستهلّ هذا البيت:

كلُّ علمٍ مفرّقٍ في البرايا جـمعته مـعرّةُ النعمانِ

وهذا بعض جواب أبي العلاء المعرّي على القصيدة، قال في ديوانه سقط الزند(٤) (وقال يجيب الشريف أبا إبراهيم موسى(٥) بن إسحاق عن قصيدة أرسلها إليه):

عـلّلاني فـإِنّ بيض الأماني فـنيت والـزمان لـيس بفانِ

إن تـنـاسيتما وداد أُناسِ فاجعلاني مِن بعض مَن تذكرانِ

____________________

(١) في الأصل عند.

(٢) لعلّه العازب فإنّه الأنسب معنىً وسبكاً.

(٣) الكشكول ص ٩٢.

(٤) ص ٢٦.

(٥) كيف تتّفق تسميته بموسى هنا مع تسميته في مديح القصيدة بمحمد في قوله وافق اسم ابن محمد، وفي البيت الذي يليه وسجايا محمد...

٢٧٨

رُبَّ ليلٍ كأنّه الصبح في الحس ن وإِن كـان أسـود الطيلسانِ

قـد ركـضنا فيه إلى اللهو لمّا وقـف الـنجم وقـفة الحيرانِ

كـم أردنـا ذاك الزمان بمدحٍ فـشغلنا بـذمّ هـذا الـزمانِ

فـكأنّ مـا قـلت والبدر طفل وشـباب الـظلماء في عنفوانِ

لـيلتي هـذه عروسٌ من الز نـج عـليها قـلائدٌ من جمانِ

هـرب النوم عن جفوني فيها هـرب الأمن عن فؤاد الجبانِ

ومنها:

وبـلاد وردتـها ذنب السر حـان بين المهاة والسرحانِ

وعيون الركاب ترمق عيناً حـولها مـحجرٌ بلا أجفانِ

وعلى الدهر من دماء الشهيد يـن عـليٍّ ونجلِه شاهدانِ

فـهما في أواخر الليل فجرا ن وفـي أولـياته شـفقانِ

ومنها من المديح:

يابن مستعرض الصفوف ببدرٍ ومـبيد الـجموع من غطفانِ

أحـد الخمسة الذين هم الأغر اض فـي كلّ منطقٍ والمعاني

والشخوص التي خلقن ضياءاً قـبل خـلق المرّيخ والميزانِ

قبل أن تخلق السماوات أوتؤ مر أفـلاكهنّ بـالدورانِ

ومنها:

أنت كالشمس في الضياء وإن جا وزت كـيوان فـي علوّ المكانِ

وأفـق اسـم ابن أحمد اسم رس ول الله لـمّا تـوافق الغرضانِ

وسـجايا محمدٍ أعجزت في ال وصـف لطف الأفكار والأذهانِ

وجـرت في الأنام أولاده السبعة جـري الأرواح فـي الأبـدانِ

فـهم السبعة الطوالع والأصغر مـنهم فـي رتـبة الـزبرقانِ

ومنها:

وإذا الأرض وهي غبراء صارت مـن دم الـطعن وردة كـالدهانِ

٢٧٩

اقبلوا حاملي الجداول في الأغ مـاد مـستلئمين بـالغدرانِ

قـد أجبنا قول الشريف بقولٍ وأثـبنا الحصى عن المرجانِ

أطـربتنا ألـفاظه طرب الع شّـاق لـلمسمعات بالألحانِ

فاغتبقنا بيضاء كالفضّة المح ض وعفنا حمراء كالأرجوانِ

إلى أن قال بعد إبداع في الوصف:

فـاقتنع بالرويّ والوزن منّي فـهـمومي ثـقيلة الأوزانِ

يا أبا إبراهيم قصّرَ عنك الش عـر لـمّا وصـفت بالقرآن

أُشـرب العالمون حبّك طبعاً فـهو فرضٌ في سائر الأديانِ

بـأن لـلمسلمين منه اعتقادٌ ظـفروا منه بالهدى والبيانِ

وحـدود الإيمان يقبسها منك ويـمـتاحها أولـو الإيـمانِ

ومـحيّاك لـلذي يعبد الدهر واهـباء طرفك الفتيانِ(١)

وإلـه المجوس سيفك إن لم يـرغبواعن عـبادة النيرانِ

حَـلَباً حجّت المطيُّ ولو ان جـمت عنها مالت إلى حرّانِ

وقال يجيبه عن قصيدةٍ(٢) مستهلّها:

ألاح وقـد رأَى بـرقاً مُـليحا سرى فأتى الحمى نضواً طليحا

ومنها بعد تفنّنٍ عجيبٍ ووصفٍ غريب:

وأرباب الـجياد بـنو عـليٍّ مـزيروها الـذوابل والـصفيحا

وخـير الـخيل مـا ركبوا فجنّب غـرابـاً والـنـعامة والـجموحا

وأحـمى الـعالمين ذمـار مـجدٍ بـنـو إسـحاق إن مـجدٌ أُبـيحا

ومـعـرفة ابـن أحـمد أمّـنتني فلا أخشى الحقيب ولا النطيحا(٣)

____________________

(١) الاهباء إثارة الهباء وهو الغبار، والفتيّان الليل والنهار.

(٢) سقط الزند ص ١٦ وعنون اسمه فيه كما عنونه بالقصيدة السابقة، وهنا صرّح فيها باسمه موسى ولم نجد في نسب بني إسحاق الذين ينتمي إليه المترجم من معاصريه من سُمّي بهذا الاسم فليتأمّل.

(٣) الحقيب من يأتيك من خلفك والنطيح من يأتيك من أمامك.

٢٨٠