تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني12%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75899 / تحميل: 9809
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

بن نصير، قال حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي الحسن العرني(1) عن غياث الهمداني عن بشير بن عمرو الهمداني قال مر بنا أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال:

___________________________________________________________

أبو عمرو الكشي بواسطة أبي النضر العياشى كثيرا، ويروي عنه أيضا تارات من غير واسطة كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال. وهذا الحديث روياه جميعا عنه وحدثهما اياه معا، فسياق القول أن محمد بن مسعود العياشي وأبا عمرو الكشي رحمهما الله تعالى قالا جميعا حدثنا محمد بن نصيررحمه‌الله .

فالطريق عالي الاسناد في الطبقة الاولى.

قال العلامة في الخلاصة محمد بن نصير بالياء بعد الصاد المهملة من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم وروى عنه ابو عمرو الكشي(1) .

وهو حكاية قول الشيخ بعبارته.

وقال الحسن بن داود في كتابه: محمد بن نصير بضم النون والصاد المهملة المفتوحة من أهل كش لم جخ ثقة جليل القدر كثير العلم(2) .

وما في بعض النسخ وأبو عمر بن عبد العزيز من غير واو، فاما ايهام من النساخ واما بناء على تسويغ اسقاط واو عمرو في الكنية المضافة الى المضمر أو المظهر وفي الاسم عند النسبة اليه، وكذلك اثبات واوي داود في الكنية بالاضافة وفي الاسم بالنسبة اليه، كما ربما يدعى ويظهر من شرح النووي لصحيح مسلم.

قولهرحمه‌الله : عن أبى الحسن العرنى‌

ويقال بالتصغير من أصحاب أبي الحسن الثاني الرضاعليه‌السلام ، اسمه محمد بن القاسم. ذكره الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام في باب من لم يسم عنه فقال: أبو الحسين محمد بن القاسم العرني عن‌

__________________

(1) الخلاصة: 73 ط الحجرى‌

(2) رجال ابن داود ص 338‌

٢١

___________________________________________________________

رجل من جعفي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (1) .

ونسخ كتاب الرجال مختلفة فيه باهمال العين المضمومة والراء المفتوحة قبل النون واعجامه الغين والزاء، كما نسخ هذا الكتاب مختلفة كذلك، ولعل الاختلاف مبناه أن محمد بن القاسم من أصحاب الرضاعليه‌السلام مشترك بين رجلين ذكرهم الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام أحدهما محمد بن القاسم النوشجاني(2) بالنون قبل الواو والمعجمة قبل الجيم والنون بعد الالف نسبة الى قبيلة.

وفي القاموس: النوشجان قبيلة أو بلد(3) .

وهو أبو الحسين محمد بن القاسم العرني بالعين المهملة والراء الاددي بضم الهمزة ودالين مهملتين، أو الادي بالهمزة المضمومة واهمال الدال المشددة. وأدد كعمر مصروفا بمنزلة ثقب وبضمتين أبو قبيلة من اليمن من بجيلة، وادّ بن طابخة بن الياس بن مضر أبو قبيلة أخرى.

والاخر محمد بن القاسم البوسنجي بالموحدة قبل الواو والنون بين السين المهملة والجيم، أبو الحسن الغزني باعجام الغين والزاء نسبة الى غزنة بالتحريك(4) .

قال في القاموس: بوسنج معرب بوشنك بلد من هراة(5) .

وقال الفاضل البرجندي: فوشنج بضم الفاء وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وسكون النون ثم جيم من بلاد خراسان كان معمورا فخرب وهو اليوم غير عامر.

__________________

(1) رجال الشيخ ص 341 وفيه الغرلى.

(2) رجال الشيخ ص 387‌

(3) القاموس: 1 / 209‌

(4) رجال الشيخ ص 393 وفيه البوشنجى.

(5) القاموس: 1 / 179‌

٢٢

اكتتبوا في هذه الشرطة فو الله لا غناء لمن بعدهم الا شرطة النار الا من عمل بمثل أعمالهم.

___________________________________________________________

وفي بعض نسخ الكتاب الغزلي(1) باللام بعد الزاء.

قولهعليه‌السلام : اكتتبوا‌

على الافتعال من الكتيبة، وفي نسخة اكتبوا من الكتب بمعنى الجمع، أي اجمعوا شتاتكم واجتمعوا في هذه الكتيبة، فو الله لا غنى بعدهم بالكسر مقصورا أو لا غناء بعدهم بالفتح ممدودا، أي لا مغني ولا مجزأ ولا معدي ولا منصرف عنهم ينصرف اليه ويقام فيه الاشرطة النار، كما قال عز من قائل( فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ) (2) اما من غني عنهم أي استغنى عنهم، أو من غني فيهم يغني أي أقام فيهم وعاش، كلاهما من باب رضي.

قال في الصحاح: غني به غنية، وغنيت المرأة بزوجها غنيانا اي استغنت، وغني بالمكان أي أقام به، وغني أي عاش، واغنيت عنك مغني فلان ومغناة فلان ومغني فلان ومغناة فلان أي أجزأت عنك مجزأه، ويقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك(3) .

وفي القاموس: وما له عنه غنى ولا مغني ولا غنية ولا غنيان مضمومتين بد، وأغنى عنه غناء فلان ومغناه ومغناته ويضمن ناب عنه وأجزأ مجزأه، وما فيه غناء ذاك أي اقامته والاضطلاع به وكرضي أقام وعاش وبقي، والمغني المنزل الذي غني به أهله ثم ظعنوا أو عام، وغنيت لك مني بالمودة بقيت(4) .

وفي طائفة من النسخ لا غناء لمن بعدهم.

__________________

(1) كما في المطبوع منه بجامعة مشهد.

(2) سورة يونس: 32‌

(3) الصحاح: 6 / 2449‌

(4) القاموس: 4 / 371 - 372‌

٢٣

10 - وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، انه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: أبشر يا ابن يحيى فانك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيهعليه‌السلام .

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : لعبد الله بن يحيى الحضرمى‌

كنيته أبو الرضا وهو من أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ذكره البرقي في كتاب الرجال(1) أعني أحمد بن أبي عبد الله البرقي على ما في فهرست الشيخ وكتاب النجاشي، لا عمه الحسن بن خالد البرقي كما تو همه بعض المتوهمين.

وذكره الشيخرحمه‌الله في كتاب الرجال في أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام (2) .

والعلامة في الخلاصة ذكره في الاسماء في باب العين وروى هذا الحديث مزيدا فيه في السماء في قوله: والله سماكم في السماء شرطة الخميس(3) ، ثم في باب الكنى أورد جماعة من أوليائهعليه‌السلام منهم أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي(4) .

قولهعليه‌السلام : أبشر يا بن يحيى فانك‌

في أكثر النسخ فانت(5) وأبوك، وفي طائفة منها فانك واباك عطفا على مدخول أن وهو ضمير الخطاب، وفي بعضها فانك وأبوك عطفا على المحل لا على المدخول، كما في( فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ ) (6) بالجزم للعطف على موضع الفاء وما بعده لا على مدخولها.

__________________

(1) رجال البرقى ص 3‌

(2) رجال الشيخ: 47 وفيه عبد الله بن بحر الحضرمى يكنى ابا الرضا‌

(3) الخلاصة: 51 ط الحجرى‌

(4) الخلاصة: 93‌

(5) كما في المطبوع منه‌

(6) سورة المنافقين: 10‌

٢٤

وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف.

11 - وذكر هشام، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كان علي‌

___________________________________________________________

وأبشر بفتح الهمزة على القطع يقال بشره وأبشره وبشره فبشر وأبشر وتبشر واستبشر ثلاثة في المتعدي وأربعة في اللازم، وربما تضم الهمزة على الوصل.

قال في المغرب: بشره من باب طلب بمعنى بشره وهو متعد، وقد روي لازما الا انه غير معروف، وعلى هذا قوله أبشر فقد أتاك الغوث بضم الهمزة وانما الصحيح أبشر بقطع الهمزة.

قولهرحمه‌الله : وذكر أن شرطة الخميس‌

على ما لم يسم فاعله عطفا على وروي على صيغة المجهول، واللفظتان لأبي عمرو الكشي.

في القاموس في خ س: الخميس الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة. وفي ش ط: والشرطة بالضم ما اشترطت، يقال: خذ شرطتك، وواحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة معروف، وهو شرطي وشرطي كتركي وجهني، سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها(1) .

وقد أدريناك أن قوله وشرطي كجهني خطأ والصواب شرطي بضمتين نسبة الى الشرطة(2) على لغة من يضم فيها الشين والراء جميعا.

والرواية معناها: أن شرطة الخميس في جيش أمير المؤمنينعليه‌السلام الذين سماهم الله على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا ستة أو خمسة آلاف رجل.

قولهرحمه‌الله : عن أبى خالد الكابلى‌

أي الذي اسمه وردان ولقبه كنكر وهو أبو خالد الكابلي الاكبر.

__________________

(1) القاموس: 2 / 211 و 368‌

(2) وفي « ن »: الشرط‌

٢٥

ابن أبي طالبعليه‌السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه وعنده أصحابه وما كان منهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته، وحق معرفته امامته.

سلمان الفارسى‌

12 - أبو الحسن وأبو اسحاق حمدويه وابراهيم ابنا نصير، قالا حدثنا محمد ابن عثمان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال كان الناس أهل‌

___________________________________________________________

قال الشيخ في كتاب الرجال في اصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسينعليه‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنه وعن أبي عبد اللهعليهما‌السلام والكبير اسمه كنكر(1) .

وقال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليهما‌السلام : وردان أبو خالد الكابلي الاصغر روى عنهماعليهما‌السلام والاكبر كنكر(2) .

وقال في أصحاب أبي محمد علي بن الحسينعليهما‌السلام : كنكر يكنى أبا خالد الكابلي وقيل ان اسمه وردان.

قلت: وما يقال ان الاكبر والاصغر يشتر كان في وردان وكنكر اسما ولقبا وهم من غير مستند.

قولهعليه‌السلام : وحق معرفته امامته‌

أي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير فصل بينهما صلى الله عليهما بأحد أصلا على حق اليقين.

قولهرحمه‌الله : أبو الحسن وأبو اسحاق‌

الطريق موثق بحنان بالمهملة المفتوحة ونونين من حاشيتي الالف وبالتخفيف وعالي الاسناد في الطبقة الاولى.(3)

__________________

(1) رجال الشيخ: 139‌

(2) رجال الشيخ: 328‌

(3) رجال الشيخ: 100‌

٢٦

ردة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الاسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم عرف الناس بعد يسير، قال: هؤلاء الذين دارت‌

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وأبو ذر الغفارى‌

بفتح المعجمة وتشديد الراء المعجمه وتخفيف الفاء.

قال في المغرب: أصل الغفر الستر، وغفار حي من العرب اليهم ينسب أبو ذر الغفاري وأبو بصرة الغفاري.

وقد صح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند العامة والخاصة: ما اظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر لهجة. وفي رواية: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجه أصدق ولا أوفى من أبي ذر(1) .

وفي طريق العامة من الصحاح في مصابيحهم ومشكاتهم أن أبا سفيان أتى على سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش(2) وسيدهم، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك اغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك، فأتاهم فقال: يا اخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك.

قولهعليه‌السلام : ثم عرف الناس بعد يسير‌

أي تنبهوا وتعرفوا واستيقنوا الامر واتبعوا الحق ورجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد زمان يسير، وازاحوا عن صدورهم وساوس تشكيكات المشككين، وعن ذلك التعبير في كتب الرجال بالرجوع الى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، كما يقولون مثلا أبو سعيد الخدري مشكور من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(1) راجع الطرائف: 405 المطبوع أخيرا بقم بتحقيقنا وتعاليقنا عليه.

(2) وفي « س »: أتقولون هذا الشيخ قريشهم الخ‌

٢٧

عليهم الرحا

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا‌

فيه وجهان: الاول: أن يكون كناية عن شدة الملمة بهم وصعوبة الداهية عليهم، يعني أنهم كانوا في مضيق اعتداء المعتدين كأن الرحا تدور عليهم وتطحنهم، ومع ذلك فقد لازموا اتباع سبيل الحق ولم يبايعوا أمير الجور والعدوان.

الثاني: أن يرام أن هؤلاء هم الذين كانوا لملة الإسلام كالقطب والمدار عليهم تدور رحاها وبهم يستقيم أمرها، اتبعوا سبيل الحق ولم يبايعوا أهل الضلال. يقال: دارت رحى الامر اذا قام عموده واستقام نظامه. ومنه في حديث نعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا. على ما حققناه في المعلقات على زبور آل محمد الصحيفة الكريمة السجادية(1) .

فدوران الرحا عليهم على هذا السبيل معناه دورانها حولهم كما يكون دوران الرحا والفلك على القطب والمحور. وما يقال: ان دوران الرحا اذا استعمل باللام كان للتنسيق والتنظيم، واذا استعمل بعلى كان للتهويش والتهويل خارج عن هذا الاستعمال.

فاذن ما قاله السيد المكرم الرضي أخ السيد المعظم المرتضى رضي الله عنهما في كتاب مجازات الحديث: دور الرحا يكون عبارة عن حالين مختلفين: احداهما مذمومة والاخرى محمودة: فالمذمومة هي الحال التي بني عليها الاخبار عن از عاج الامر عن مناطه واز حافه عن قراره، واما الحال المحمودة فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم وقوة أمرهم وعلو نجمهم يقال: دارت رحا بني فلان اذا اتفقت لهم هذه الاحوال المحمودة، فهذه حال كان دور الرحا فيهما محمودا لمن دارت له ومذموما لمن دارت عليه، وانما قالوا: دارت رحا الحرب لجولان الابطال‌

__________________

(1) راجع التعليقة على الصحيفة السجادية المطبوع على هامش نور الأنوار للجزائرى: ص 22. وهذه التعليقة قد صححناه وحققناه ولكن لم يطبع.

٢٨

وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاءوا بأمير المؤمنينعليه‌السلام

___________________________________________________________

فيها وحركات الخيل تحتها(1) .

غير مستقيم على اطلاقه.

قولهعليه‌السلام : وأبوا أن يبايعوا‌

من الصحيح الثابت في الاخبار أن قيس بن سعد بن عبادة الصحابي الانصاري من خلّص أنصار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن العشرة الذين نصروهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أصفياء أولياء أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضا ممن لم يرتد ولم ينزعج ولم يبايع.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : قيس بن سعد بن عبادة وهو ممن لم يبايع أبا بكر(2) .

وقال العلامة في الخلاصة: قيس بن سعد بن عبادة من السابقين الذين رجعوا الى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو مشكور لم يبايع أبا بكر(3) .

وسيجي‌ء في الكتاب ما رواه أبو عمرو الكشي: أن أنس بن مالك قال: كان قيس بن سعد من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بمنزلة صاحب الشرطة من الامير، وما رواه في مصالحة أبي محمد الحسنعليه‌السلام ومعاوية لم يبايع قيس بن سعد بن عبادة الانصاري صاحب شرطة الخميس معاوية قال له معاوية: قم يا قيس فبايع فالتفت الى الحسينعليه‌السلام ينظر ما يأمره فقال: يا قيس انه امامي يعني الحسنعليه‌السلام .

وكان قيس وأبوه سعد طولهما عشرة أشبار باشبارهما، وقد كانا من جملة من كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم، وكان شبر الرجل منهم يقال انه مثل ذراع أحدنا، وسعد لم يزل سيد في الجاهلية والإسلام، وأبوه وأجداده لم يزل فيهم الشريف‌

__________________

(1) المجازات النبوية: 156‌

(2) رجال الشيخ: 54‌

(3) الخلاصة: 136‌

٢٩

مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ

___________________________________________________________

وكان قيس ابنه مثله بعده(1) .

ومن المتفق عليه أن سعد بن عبادة أيضا لم يبايع أبا بكر أبدا، فاذن حصر من لم يرتد ولم يبايع في ثلاثة أو في سبعة محمول على أنهم قصوى الغاية في الاستيقان والاستقامة والانكار على متقمص(2) الخلافة ولص الامامة.

قولهعليه‌السلام : مكرها فبايع‌

يعني أظهر البيعة كرها، أو أنه وقعت في البين شبهة البيعة فانه جي‌ء بهعليه‌السلام مكرها فكثر اللفظ واضجت الاقوال وارتفعت الاصوات فقال الناس: انه بايع لا أنه قد وقعت منهعليه‌السلام المبايعة، فان ذلك خلاف ما أطبق عليه المحدثون من العامة والخاصة، على ما بسطنا تحقيقه في كتاب نبراس الضياء وفي شرح تقدمة كتاب تقويم الايمان.

أليس قد اتفقت أصول أحاديث العامة فضلا من الخاصة على أنهعليه‌السلام كان يقول: أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم واني أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، وأنا أول من يحثو للخصومة بين يدي الله عز وجل(3) .

وانما رواية البيعة في صحيحهم البخاري على هذه الصورة باسناده: عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا، فغضبت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم‌

__________________

(1) راجع رجال الكشى: 110 ط جامعة مشهد‌

(2) وفي « ن »: متغمص‌

(3) روى نحوه العلامة المجلسى في البحار: 8 / 172‌

٣٠

أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) الاية.

___________________________________________________________

يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها.

وكان لعلي من الناس وجهة حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاشهر فأرسل الى أبي بكر ان ائتنا ولا يأتنا أحد معك، كراهية ليحضر عمر، فقال عمر: لا والله لا تدخل عليهم وحدك، وقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوا بي فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي فقال: انا لن ننفس عليك خيرا ساقه الله عليك، ولكنك استبددت علينا بالامر وكنا نرى لقرابتنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصيبا حتى فاضت عينا أبي بكر فقال علي لا بي بكر: موعدك العشية للبيعة.

فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر فتشهّد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وتشهّد وتشهّد علي وقال: لا يحملني على التخلف عن البيعة نفاسة على أبي بكر ولا انكارا للذي فضّله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الامر حقا، فاستبد علينا به فوجدنا في أنفسنا، فسر بذلك المسلمون وقالوا: أصبت وكان المسلمون الى علي قريبا حين رجع الامر الى المعروف انتهى ما في صحيح البخاري(1) . فلينظر على جبلة الانصاف هل ذلك اذعان لا بي بكر بالامامة واتيان له بالبيعة أو اعلان بأن أبا بكر متغلب بالخلافة ومستبد بالحق على أهله.

وقوله سبحانه: انقلبتم على أعقابكم‌

أي ارتددتم عن دينكم ورجعتم القهقرى، كما فعل بنو اسرائيل بعد موت موسى على نبينا وعليه السلام.

__________________

(1) ورواه مسلم في صحيحه: 3 / 1380. وهنا تحقيقات ونكات حول هذه الرواية عن السيد بن طاوس في كتاب الطرائف ص 258 فراجع تغتنم.

٣١

13 - جبريل بن أحمد الفاريابي البرناني، قال حدثني الحسن بن خرزاذ قال‌

___________________________________________________________

قولهرحمه‌الله : جبريل بن احمد الفاريابى البرنانى‌

وربما يقال الفريابي. قال الفاضل البرجندي: فارياب بفاء بعدها ألف وسكون الراء المهملة ومثناة من تحت بعدها ألف ثم باء موحدة بلد صغير قريب بلخ بينهما اثنان وعشرون فرسخا.

وفي القاموس: فرياب كجريال بلد ببلخ أو هو فيرياب ككيمياء أو فارياب كقاصعاء وكساباط ناحية وراء نهر سيحون(1) .

والبرناني بنونين من حاشيتي الالف نسبة الى البرني أو الى البرنية، وبياء مثناة من تحت قبل الف ثم النون على اختلاف النسخ نسبة الى قرية بمرو أو الى برين بن عبد الله الانصاري.

قال في القاموس: يبرين أو أبرين موضع بحذاء الاحساء، وأبرينة وتكسر قرية بمرو، وبرين بالضم ابن عبد الله أبو هند الداري الصحابي(2) .

قال الشيخ في كتاب الرجال في باب لم: جبرئيل بن أحمد الفاريابي أبو محمد كان مقيما بكش كثير الرواية عن العلماء بالعراق وقم وخراسان(3) .

وأورده الحسن بن داود كذلك في قسم الممدوحين من كتابه(4) .

ومن ديدن الاصحاب أن المشيخة المذكورين في باب « لم » لا يعتبرون فيهم صريح التوثيق اليه، بل يكتفون فيهم بالمدح، واذا لم يكن في أحدهم مطعن وغميزة كان حديثه معدودا من الصحاح عندهم.

قولهرحمه‌الله : الحسن بن خرزاذ‌

يشترك في هذا الاسم رجلان قمي وكشي، ذكر الشيخ في كتاب الرجال‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 112‌

(2) القاموس: 4 / 201‌

(3) رجال الشيخ: 458‌

(4) رجال ابن داود: 80‌

٣٢

حدثني ابن فضّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن أبيه عن جده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، قال: ضاقت الارض بسبعة بهم ترزقون وبهم‌

___________________________________________________________

أحدهما في أصحاب أبي الحسن الهاديعليه‌السلام قال: الحسن بن خرزاذ قمي(1) .

وربما يدعى أنه قد قيل فيه الرمي بالغلو ولست أعرف كذلك مستندا.

والاخر ذكره في باب لم: الحسن بن خرزاد من أهل كش(2) . وهو هذا الرجل.

قولهرحمه‌الله : ابن فضال‌

هو علي بن الحسن الفضال الفطحى الثقة الجليل القدر المختلط بأصحابنا جدا. والطريق به موثق.

قولهعليه‌السلام : ضاقت الارض بسبعة‌

أي عجزت عن كفاية أمرهم والتوسعة عليهم، مع أن نزول مطر الرحمة ومدد النصرة من السماء على أهل الارض بهم ولا جلهم، ومن جهة دعائهم للخلق ودعوتهم اياهم الى الحق، منهم هؤلاء الخمسة الذين هم أركان الاربعة على اختلاف القولين.

قال الشيخ رحمه الله تعالى في كتاب الرجال في باب الجيم من أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الاركان الاربعة(3) .

وقال في باب السين: سلمان الفارسي مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يكنى أبا عبد الله أول الاركان الاربعة(4) .

وقال في باب العين: عمار بن ياسر يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 413‌

(2) رجال الشيخ: 463‌

(3) رجال الشيخ: 36‌

(4) المصدر: 43‌

٣٣

تنصرون وبهم تمطرون، منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة ( رحمة الله عليهم ) وكان عليعليه‌السلام يقول: وأنا امامهم، وهم الذين صلوا على فاطمةعليها‌السلام .

14 - محمد بن مسعود، قال حدثني علي بن الحسن بن فضال، قال حدثني العباس ابن عامر، وجعفر بن محمد بن حكيم، عن أبان بن عثمان، عن الحارث النصري بن المغيرة، قال سمعت عبد الملك بن أعين، يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام قال فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس اذا؟ قال: أي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون. قلت: من في الشرق ومن في الغرب؟ قال، فقال: انها فتحت على الضلال أي والله‌

___________________________________________________________

وينسب الى عبس بن مالك وهو مذحج بن أدد رابع الاركان(1) .

وقال في باب الميم: المقداد بن الاسود الكندي وكان اسم أبيه عمرو البهرائي، وكان الاسود بن عبد اليغوث قد تبناه فنسب اليه يكنى أبا معبد ثاني الاركان الاربعة(2) .

ومنهم من جعل حذيفة بن اليمان الانصاري رابع الاركان مكان عمار، والشيخ رحمه الله تعالى قد نقل هذا القول في ترجمة حذيفة(3) واختاره العلامةرحمه‌الله في الخلاصة(4) والاشهر عند المتقدمين هو الاول.

قولهرحمه‌الله : عن الحارث النضري ابن المغيرة‌

باهمال الصاد بعد النون المفتوحة من بني نصر بن معاوية، بصري روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسنعليهم‌السلام ، وروى عن زيد بن علي، وهو مستقيم ثقة ثقة.

وسيرد عليك في الكتاب ما رواه الكشي في مدحه وفي ذمه والتعويل على روايات المدح.

__________________

(1) المصدر: 46‌

(2) المصدر: 57 وفي النسخ « قد بيناه ».

(3) المصدر: 37‌

(4) الخلاصة: 60.

٣٤

هلكوا الا ثلاثة ثم لحق أبو ساسان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة.

___________________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ولكن الا ثلاثة‌

وفي نسخ عدة: هلكوا مكان ولكن.

قولهعليه‌السلام : ثم لحق أبو ساسان‌

أبو ساسان الانصاري اسمه الحصين بن المنذر.

قال الشيخ في كتاب الرجال في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : حصين بن المنذر يكنى أبا ساسان اليرقاشي صاحب رايتهعليه‌السلام (1) .

وفي طائفة من النسخ « أبو سنان » مكانه وهو الانصاري. وذكره الشيخ أيضا في كتاب الرجال(2) وهو من الاصفياء من أصحابهعليه‌السلام .

و « أبو عمرة الانصاري » اسمه ثعلبة بن عمرو قاله الشيخ في كتاب الرجال في باب من روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصحابة(3) وذكره بكنيته في أسماء من روى عن أمير المؤمنينعليه‌السلام (4) .

و « شتيرة » وفي بعض النسخ « شتير » من دون الهاء باعجام الشين المضمومة وفتح التاء المثناة من فوق واسكان الياء المثناة من تحت ثم الراء، على ما ضبطه ابن الاثير في جامع الاصول حيث.

قال في ترجمة شكل: هو شكل بن حميد العبسي من بني عبس بن بغيض روى عنه ابنه شتير بن شكل لم يرو عنه غيره وعداده في الكوفيين، شكل بفتح الشين وفتح الكاف واللام وشتير بضم المعجمة وفتح التاء فوقها نقطتان، وبغيض بفتح الباء الموحدة وكسر الغين وبالضاد المعجمتين.

__________________

(1) رجال الشيخ: 39‌

(2) المصدر: 63‌

(3) المصدر: 12‌

(4) المصدر: 63‌

٣٥

___________________________________________________________

وقال في القاموس: شتير كزبير ابن شكل وابن نهار تابعيان(1) .

وما قاله العلامة في الخلاصة: ومن خواص أمير المؤمنينعليه‌السلام من مضر شبير بضم الشين المعجمة أو لا والباء المنقطة تحتها نقطة والياء المنقطة تحتها نقطتين بعدها والراء أخيرا ابن شكل العبسي بالباء المنقطة تحتها نقطة أبو عبد الرحمن(2) . ضبط من غير مأخوذ من أصل.

فاما مؤاخذة الحسن بن داود عليه بقوله: وبعض المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة. وهو وهم، وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين المجمعة(3) . فزور واختلاق.

والشيخ في باب الشين المعجمة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: شرحبيل وهبيرة وكريب وبريد وشمير ويقال شتير هؤلاء اخوة بني شريح قتلوا بصفين، كل واحد يأخذ الراية بعد الاخر حتى قتلوا(4) ، وقد نقله بالفاظه في الخلاصة(5) .

وأما « ستير » باهمال السين المضمومة من أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام من الاصفياء، فقد ذكره البرقي(6) ولم يذكره الشيخ، وقد أورده في الخلاصة ناقلا عن البرقي(7) .

__________________

(1) القاموس: 2 / 55‌

(2) الخلاصة: 193‌

(3) رجال ابن داود: 183‌

(4) رجال الشيخ: 45 وفيه سمير مكان شمير.

(5) الخلاصة: 87‌

(6) رجال البرقى: 3 والموجود في المتن هو « شبير » ولكن قال في الهامش وفي نسخة « ستير ».

(7) الخلاصة: 192 قال ناقلا عن البرقى: ستير بضم السين المهملة والتاء المنقطة فوقها نقطتين والياء المنقطة تحتها نقطتين والراء.

٣٦

15 - حمدويه، قال حدثنا أيوب عن محمد بن الفضل وصفوان، عن أبي خالد القماط، عن حمران، قال: قلت لا بي جعفرعليه‌السلام ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها! قال، فقال: الا اخبرك باعجب من ذلك؟ قال، فقلت: بلى. قال: المهاجرون والانصار ذهبوا ( وأشار بيده ) الا ثلاثة.

16 - علي بن محمد القتيبي النيسابوري، قال حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الرازي الخواري من قرية أسترآباد قال حدثني أبو الحسين عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل، عن أبي حمزة، قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لما مروا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي رقبته حبل آل زريق، ضرب أبو ذر بيده على الاخرى، ثم قال: ليت السيوف‌

___________________________________________________________

و « عمار » منسوب الى مذحج - بفتح الميم واسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيرا - من قبائل الانصار، ذكره المطرزي في المغرب في ذ - ج وهو الصواب، والجوهري في الصحاح أخطأ فأورده في م - ج، وكأنه ظن الميم أصلية.

وبالجملة مذحج أكمة ولد بها أبو هذه القبيلة فسمى باسمها.

قال الفيروزآبادي في القاموس في ذ - ج: ومذحج كمجلس أكمة ولدت مالكا وطيبا أمهما عندها فسموا مذحجا، وذكر الجوهري اياه في الميم غلط وان أحاله على سيبويه(1) .

قولهرحمه‌الله : حدثنا أيوب‌

هو أبو الحسين أيوب بن نوح، والطريق صحيح وعالي الاسناد في الطبقة الثالثة.

قولهعليه‌السلام : في رقبته حبل آل زريق‌

الزرق باسكان الراء بين الزاء المفتوحة والقاف معروف.

قال في المغرب: وبتصغيره سمي من اضيف اليه بنو زريق وهم بطن من‌

__________________

(1) القاموس: 1 / 190‌

٣٧

قد عادت بأيدينا ثانية، وقال مقداد: لو شاء لدعا عليه ربّه عز وجل، وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.

17 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفصل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن ابراهيم بن عبد الحميد، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ارتد الناس الا ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد قال: فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان وأبو عمرة الانصارى؟

18 - محمد بن اسماعيل، قال حدثني الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: جاء المهاجرون والانصار وغيرهم بعد ذلك الى عليعليه‌السلام فقالوا له: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلم يدك نبايعك فو الله لنموتن قدامك! فقال‌

___________________________________________________________

الانصار، اليهم ينسب أبو عياش الزرقي بضم الزاء وفتح الراء، وحبل آل زريق يتخذ مما ينبت من الارض كلحاء شجر القنب وغير ذلك وهو من أخشن الحبل وأغلظها.

قولهرحمه‌الله : محمد بن اسماعيل‌

هو الذي يروي عنه ابو جعفر الكليني رضوان الله تعالى عليه أيضا في الكافي، وكثيرا ما يجعله صدر السند في الطبقة الاولى، كما يروي عنه أبو عمرو الكشي رحمه الله تعالى ويصدر به الاسناد يكنى أبا الحسين نيسابوري فاضل.

وهو وعلي بن محمد القتيبي النيسابوري تلميذا الفضل بن شاذان، وحديث كل منهما يعد صحيحا، كما استمر عليه هجير العلامة في المختلف والمنتهى وشيخنا الشهيد في الذكرى وشرح الارشاد.

ولقد أوضحت الحال وحققنا المقال في الرواشح السماوية(1) وفي المعلقات على الاستبصار(2) بما لا مزيد عليه.

__________________

(1) الرواشح السماوية: 70‌

(2) التعليقة على الاستبصار: 4. المطبوع في الاثنى عشر رسالة للمؤلف.

٣٨

عليعليه‌السلام : ان كنتم صادقين فاغدوا غدا عليّ محلقين فحلق عليعليه‌السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم.

ثم انصرفوا فجاءوا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له أنت والله أمير المؤمنين وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبيعليه‌السلام هلمّ يدك نبايعك فحلفوا فقال: ان كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين فما حلق الا هؤلاء الثلاثة قلت: فما كان فيهم عمار؟ فقال: لا. قلت: فعمار من أهل الردة؟ فقال: ان عمارا قد قاتل مع عليعليه‌السلام بعد.

19 - وروى جعفر غلام عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن محمد بن نهيك، عن النصيبي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال امير المؤمنينعليه‌السلام : يا سلمان اذهب الى فاطمةعليها‌السلام فقل لها تتحفك من تحف الجنة؟ فذهب اليها سلمان فاذا بين يديها ثلاث سلال، فقال لها يا بنت رسول الله أتحفيني؟ قالت: هذه ثلاث سلال جاءتنى بها ثلاث وصائف، فسألتهن عن أسمائهن فقالت واحدة: أنا سلمى لسلمان، وقالت الاخرى: أنا ذرة لا بي ذر، وقالت الاخرى: أنا مقدودة للمقداد، ثم قبضت فناولتني، فما مررت بملاء الا ملئوا طيبا لريحها.

20 - محمد بن قولويه، قال حدثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال حدثني‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: عن النصيبى‌

هو محمد بن سلمة البناني، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام وقال: نزل نصيبين أصله كوفي أسند عنه(1) .

وليس في رجالنا من أهل نصيبين الا هذا الرجل يروي عنه عبد الله بن محمد بن نهيك وعبيد الله بن أحمد بن نهيك، وهما شيخان صدوقان ثقتان جليلا القدر.

وآل نهيك - بفتح النون وكسر الهاء - بيت من أصحابنا بالكوفة، ويرويان أيضا عن درست بن أبي منصور الواسطي.

__________________

(1) رجال الشيخ: 288‌

٣٩

علي بن سليمان بن داود الرازي، قال حدثنا علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم‌

___________________________________________________________

قوله رحمه الله تعالى: على بن سليمان بن داود الرازى‌

نسبة الى الري روى عنه سعد بن عبد الله، وكأنه كان رقي الاصل.

ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي محمد العسكريعليه‌السلام وقال: علي بن سليمان بن داود الرقي(1) .

وفي بعض النسخ « الروياني » نسبة الى رويان - بضم الراء قبل الواو الساكنة والياء المثناة من تحت قبل الالف والنون بعدها - بلد من طبرستان.

قال الفاضل البرجندي: بينه وبين قزوين ستة عشر فرسخا.

وفي القاموس: محلة بالري وقرية بحلب وبلد بطبرستان ومنه الامام أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل وغيره(2) .

وربما يظن أن الرجل هذا من بني أعين، وكان له اتصال بصاحب الامرعليه‌السلام وخرج(3) اليه توقيعات وكانت له منزلة في أصحابنا، وكان ورعا ثقة وفقيها لا يطعن عليه في شي‌ء.

ويقال: انه فاسد، فان الذي من بني أعين هو علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي، على ما في كتاب النجاشي وغيره مكتوبا بخط السيد المكرم جمال الدين أحمد بن طاوس. وتبعه العلامة في الخلاصة(4) .

والحسن بن داود حسبه وهما وزعم أن الصحيح أبو الحسن الزراري بالزاي‌

__________________

(1) رجال الشيخ: 433‌

(2) القاموس: 4 / 230‌

(3) وفي « س »: وخرجت‌

(4) الخلاصة: 100‌

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

وفي كتاب تتبعات (بيروت ) بعد ذكره غلبة المسلمين للرومان على طرابلس، وازدهارها في أيّامهم زراعةً وتجارةً وعلماً، قال: ولكن لم يطل هذا الفيض العلمي، بل رمت أوروبا هذه البلاد بشرذمةٍ من جهلائها الصليبيّين الذين هم أعداء العلم والمعرفة، فكانوا المانعين لبقاء تلك النعمى العظمى، وقد كان موجوداً في طرابلس إبّان هجومهم زهاء أربعة آلاف من مصانع الحرير والصوف، فلم يدرك أولئك الإفرنجيّون قيمة تلك الثروة البشريّة والطبيعيّة، بل كانوا يخرّبون كلّ ما وصلت أيديهم إليه من آثار العمران، فقطعوا أشجار الزيتون بقصد نكاية المسلمين، ثمّ عمدوا إلى الرياض المحيطة بالبلدة على مسافة بضعة كيلومترات، فأبادوها قطعاً وقلعاً وجعلوها خاويةً على عروشها ؛ ولذلك فإنّ الزراعة والصناعة تقهقرت بعد استيلائهم على البلدة حتى أشفت على العدم.

ازدهارها بعد استيلاء الفرنج عليها

قال المؤرّخ جرجي يني في مباحثه م ٢:

ولمّا امتلك الفرنجة البلد حصّنوها وزادوها منعةً، بما بنوا فيها من الأسوار والأبراج، وبمَن جعلوا على حراستها مِن قومهم. ولم يمض على المدينة بعد فتحها إلاّ زمنٌ قصير حتّى عادت إلى الازدهار بتجارتها وغِناها وعظم مبانيها، حتّى أنّها امتدت واتصلت من الساحل حتّى تلّ الغرباء والمرتَفع الآخر على العدوة اليمنى من النهر (القبّة)، وأُقيم بينهما جسرٌ أُطلق عليه يومئذٍ: جسر تلّ الغرباء، وهو المعروف حتّى اليوم بالجسر العتيق.

[ الأحداث المتجدّدة عليها في العهد الصليبي ]

وجاء في تاريخ سورية لجرجي يني:

(ومذ صارت طرابلس بلدة صليبيّة ضمّ إليها بعض المدن المجاورة: كجبيل وعرقا وطرطوس وما بينها، فتشكّلت إمارة باسمها، كان يتأمّرها أوّلاً برتران بن رايموندكونت دوتولوس، ثمّ نسله من بعده: وكانت تلك الأميريّة متعلقة رأساً بحكومة ملك بيت المقدس).

لم يغفل أمراء المسلمين عن هذه المدينة، فلم تستتبّ لأمرائها الفرنج راحة وهي تُغزى من المسلمين المرّة بعد المرّة، فكانت حالها كحال البلاد

٤٠١

الشاميّة - التي غلب الفرنج عليها المسلمين - عُرضةً للهجوم المتواصل، ولكنّها ثبتت على كلّ هجومٍ استهدفها وهي مستعصمة بأسوارها وأبراجها، وتستمدّ إلى قوّتها قوّة مِن ملك بيت المقدس، ومِن قوى البحر التي كانت منها على قاب قوسين أو أدنى. وبعد فكان لأمراء الفرنج الذين تقاسموا ما افتتحوه من البلاد الشاميّة الساحليّة عناية خاصّة بإنجادها، وهي ثغرٌ من أهمّ الثغور التي وقعت في سلطانهم، ففي حفظها حفظ ما بأيديهم ممّا غلبوا عليه المسلمين.

في سنة ٥٠٣ هـ جرت الموادعة بين بغدوين ملك بيت المقدس وظهير الدين أتابك، حين عزم بغدوين على العيث والإفساد في ناحية البقاع، ولكنّ بغدوين نقض الهدنة في سنة ٥٠٤، وكتب إلى ابن صنجيل صاحب طرابلس يلتمس منه الوصول إليه في عسكره ليجتمع معه في طبرية.

وجمع وحشد ووصل إلى ناحية بيت المقدس لتقرير أمرٍ كان في نفسه، فحدث له في طريقه مرضٌ أقام به أيّاماً ثمّ أبلّ منه، ولم يبق في عينه أمرٌ مهمٌ يحفل به من جهتهم، فنهض ظهير الدين عند معرفته قصده في عسكره ونزل في المنزل المعروف برأس الماء، ثمّ رحل عنه إلى اللجاة.

ونهض الإفرنج في أثره إلى الضمين، ففرّق أتابك العسكر عليهم من عدّة جهات، وبثّ في المعابر والمسالك خيلاً يمنع من حمل الميرة إليهم، وضايقهم مضايقةً ألجأتهم إلى الدخول في حكم المسالمة والموادعة إلى أن استقرّت بينهما الحال على شروط ؛ ورحل كلٌّ منهما منكفئاً إلى عمله.

وقد كان تقرّر مع السلطان غياث الدين والدنيا على إنهاض العساكر عقيب تلك الاستغاثة للجهاد، فتأهّبوا لذلك، وكان أوّل مَن نهض منهم إلى أعمال الإفرنج: الأمير الاسفهلاّر شرف الدين مودود صاحب الموصل في عسكره، وافتتح عدّة حصون، وانضمّ إليه الأمير أحمد بك في عسكرٍ كثيفٍ، وتلاه الأمير قطب الدين سقمان القطبي من بلاد ارمينية وديار بكر، فاجتمعوا في أرض حرّان، وكتب إليهم سلطان بن علي بن منقذ صاحب شيزر يعلمهم نزول طنكري صاحب أنطاكية أرض شيزر وشروعه في بناء تل باشر، وحمل الغلال إليهم، ويستصرخهم ويبعثهم على الوصول إلى جهته، فحين عرفوا ذلك رحلوا إلى الشام وقطعوا الفرات في النصف من المحرّم سنة ٥٠٥، ونزلوا على تلّ باشر وأقاموا

٤٠٢

ينتظرون وصول الأمير برسق بن برسق صاحب همذان.

وجرت أُمورٌ أدّت إلى تفرّق الأمراء ورحيل العساكر، وعدم جدوى تحريض أتابك على قصد طرابلس، ولم يتخلّف معه إلاّ الأمير مودود، فرحلا عن المعرّة ونزلا على العاصي.

ولمّا عرف الإفرنج رحيل العساكر وتفرّقهم اجتمعوا ونزلوا أفامية بأسرهم: بغدوين وطنكري وابن صنجيل، بعد التباين والمنافرة والخلف، وصاروا يداً واحدةً وكلمة متّفقةً على الإسلام وأهله، ورجفوا إلى البلاد التي لم تقع بعد في حوزتهم، فقصدوا ثغر صور وحاصروه حصاراً شديداً، ودافع الصوريّون دفاعاً ردّ عن ثغرهم الغزاة.

وكان لمقدّم من مقدّمي البحريّة عارف بالصنعة من أهل طرابلس يدٌ مشكورةٌ في الدفاع ؛ فترك الإفرنج صور إلى عكاء.

وفي الثاني من شعبان من هذه السنة، ورد الخبر بهلاك بدران بن صنجيل صاحب طرابلس، بعلّةٍ لحقته، وأقام ابنه في الأمر من بعده وهو طفل صغير، كفله أصحابه ودبّروا أمره مع طنكري صاحب أنطاكية، وجعلوه من قِبَله، وأقطعه انطرطوس وصافيتا ومرقية وحصن الأكراد.

وفي سنة ٥٠٦ انتقضت الموادعة بين ظهير الدين أتابك وبغدوين.

وحرص هذا وقد ضايقه على إعادتها، فلم يجبه أتابك، وكان الواسطة في مراسلة أتابك جوسلين الذي غاضب بغدوين الرويس صاحب الرُها واتفق مع بغدوين ملك القدس، وبذل جوسلين لأتابك المصافاة والمودّة، ورغبة في الموادعة والمسالمة وسلّم إليه حصن ثمانين وجبل عاملة، ويتعوّض عن ذلك بحصن الحبيس في السواد ونصف السواد، وتضمن عن بغدوين الوفاء بذلك والثبات، وترك التعرّض لشيءٍ من أعمال دمشق، ولا يعرض هو لشيء من أعمال الإفرنج فلم يجب إلى ذلك.

ولمّا يئس من إجابة أتابك واصل الغارات والفساد في الشام، إلى أن وصل عسكر السلطان إلى عمله، وبالغ أتابك فيما حمله إلى الأمير مودود وإعظامه وإكرامه وما حمله إليه وإلى مقدّمي عسكره وخواصّه، ثمّ نهضوا مُعلمين على النزول على الأقحوانة، ووصل إلى بغدوين (سرخاله) صاحب أنطاكية وصاحب طرابلس، وأجمعوا رأيهم على النزول غربيّ جسر الضبرة، ثمّ يقطعون الأقحوانة للقاء المسلمين، وقد احتاطوا على أثقالهم وراء الجسر والمسلمون لا يعلمون بذلك، وأنّهم قد عارضوهم في المسير إلى هذا المنزل، فسبق الأتراك إلى

٤٠٣

نزولهم في الأقحوانة، وقُطع بعد عسكر الأتراك الجسر لطلب العلوفات والزرع، فصادفوا الإفرنج قد خرّبوا خيامهم، وقد تقدّم بغدوين للسبق إلى هذا المنزل، ونزل صاحب انطاكية وصاحب طرابلس وراءه يتبعونه إليه.

ونشبت الحرب بين المتعلّقة وبين الإفرنج، وصاح الصائح ونفر الناس، وقطعوا الجسر وهم يظنّون أنّه جوسلين ؛ لأنّه صاحب طبرية، فوقف أتابك على الجسر وتسرّع خلقٌ كثير من العسكر إلى قطع الجسر، وقطع الأمير تميراك بن أرسلانتاش في فريقٍ وافرٍ من العسكر.

ونشبت الحرب بين الفريقين من غير تأهّبٍ للقاء ولا ضرب خيام ولا استقرار في منزل ولا محالّ، واختلط الفريقان فمنح الله الكريم - وله الحمد - المسلمين النصر بعد ثلاث كرّات، فقُتل فيها من الإفرنج تقدير ألفي راجل من الأعيان ووجوه الأبطال والشجعان، وملكوا ما كان نصب من خيامهم والكنيسة المشهورة، وأفلت بغدوين بعد ما قُبض وأُخذ سلاحه ومُلكت دواب الرجّالة وما كان لهم، وغرق منهم خلقٌ كثيرٌ في البحيرة واختلط الدم والماء، وامتنع الناس من الشرب منها أيّاماً حتّى صفت منه وراقت، والتجأ مَن نجى مِن الإفرنج إلى طبرية وأكثرهم جرحى، وذلك في يوم السبت الحادي عشر من المحرّم سنة ٥٠٧.

وبعد انفصال الأمر وصل باقي الإفرنج أصحاب طنكري وابن صنجيل، فلاموه على التسرّع وفنّدوا رأيه (القلانسي).

وفي سنة ٥١٠ ورد الخبر بأنّ بدران بن صنجيل صاحب طرابلس جمع وحشد وبالغ واجتهد ونهض إلى ناحية البقاع لإضرابه بالعيث والفساد والإضرار والعناد. وكان الاصفهلاّر سبط الدين البرسقي صاحب الموصل قد وصل إلى دمشق في بعض عسكره لمعونة ظهير الدين أتابك على الإفرنج والغزو فيهم، وبالغ أتابك في الإكرام له والتعظيم لمحلّه، وصادف ورود هذا الخبر بنهضة الإفرنج إلى البقاع، فاجتمع رأيهما على القصد لهما جميعاً، وأغذّا السير ليلاً ونهاراً بحيث هجموا عليهم وهم غارّون في مخيّمهم قارّون لا يشعرون فأرهقهم العسكر فلم يتمكّنوا من ركوب خيلهم ولا أخذ سلاحهم ؛ فمنحهم الله النصر عليهم وأطلقوا السيف فيهم قتلاً وأسراً ونهباً فأتوا على الراجل وهم خلقٌ كثيرٌ قد جمعوا من أعمالهم وأسروا وجوه فرسانهم ومقدّميهم وأعيان شجعانهم وقتلوا الباقين منهم، ولم يفلت منهم غير مقدّميهم بدران بن صنجيل والمقدّم كند اصطبل ونفر

٤٠٤

يسير معهما ممّن نجا به جواده وحماه أجله. واستولى الأتراك على العُدد الجمة والخيول والكراع (القلانسي).

وفي ذي الحجّة من سنة ٥٢٧ وردت الأخبار بوصول عسكر وافر من التركمان إلى ناحية الشمال، وأنّهم غاروا على طرابلس وأعمالها من معاقل الإفرنج، فظفروا بخلقٍ كثيرٍ منهم قتلاً وأسراً، وحصل لهم من الغنائم والدواب الشيء الكثير، وإنّ صاحب طرابلس نبض طلولا بن بدران الصنجيلي خرج فيمن حشده من أعماله، ولقي عسكر التركمان فكسروه، وأظفرهم الله بحشده المفلول وجمعه المخذول، وقُتل أكثر رجاله وحمل حماته وأبطاله، وانهزم في نفرٍ قليلٍ من الحصن المعروف ببرين، فالتجأوا إليه وتحصّنوا به، ونزل عسكر الأتراك عليه وأقاموا محاصرين له أيّاماً كثيرةً حتى نفد ما فيه من القوت والماء بحيث هلك منهم ومِن خيلهم الأكثر، فأعملوا الحيلة واستغنموا الغفلة وانتهزوا الفرصة، وحرصوا في تقدير عشرين مع المقدّم، فنجوا ووصلوا إلى طرابلس.

وكاتب ملك نبض طلولا صاحبها ملك الإفرنج بعكّا يستصرخ به وبمَن في أعماله ويبعثهم على نصرته، فاجتمع إليه من الإفرنج خلقٌ كثير، ونهضوا إلى التركمان لترحيلهم عن حصن برين واستنقاذ مَن بقي فيه منهم. فلمّا عرفوا عزمهم وقصدهم زحفوا إلى لقائهم فقتلوا منهم جمعاً كثيراً، وأشرف التركمان على الظفر بهم والنكاية فيهم لولا أنّهم اندفعوا إلى ناحية رفتيه، فاتّصل بهم رحيلهم عنها وعودهم على طريق الساحل، فشقّ ذلك عليهم، وأسفوا على ما فاتهم من غنائمهم، وتفرّقوا في أعمالهم (القلانسي).

وفي رجب سنة ٥٣١ نهض الأمير (بزاوش) في فريقٍ وافرٍ من العسكر الدمشقي من التركمان إلى ناحية طرابلس، فظهر إليه قومصها في عسكره والتقيا، فكسره (بزاوش) وقتل منهم جماعةً وافرةً، وملك حصن وادي ابن الأحمر وغيره(١) .

وفي رجب - أيضاً - نهض (بزاوش) في العسكر ومَن حشده وجمعه من التركمان إلى ناحية طرابلس في الرابع منه، فظهر إليه صاحبها في خيله من

____________________

(١) القلانسي.

٤٠٥

الإفرنج، فكمن لهم في عدّة مواضع، فلمّا حصلوا بالموضع المعروف بالكورة ظهرت عليهم الكمناء فهزموهم، ووقع السيف في أكثرهم، ولم يفلت منهم إلاّ اليسير، وهجم على الحصن الذي هناك فنهبه وقتل مَن فيه من المقدّمين والأتباع، وأسر مَن بذل في نفسه المال الكثير، وحصل له ولعسكره القيمة الكثيرة. (القلانسي).

وفي سنة ٥٤٦ وفي هذه الأيّام ورد الخبر بوصول الأسطول المصري إلى الثغور: ثغور الساحل في غاية من القوّة وكثرة العُدّة والعدد، وذكر أنّ عدد مراكبه سبعون مركباً حربيّاً مشحونةً بالرجال، ولم يخرج مثله في السنين الخالية، وقد أنفق عليه على ما حُكي ثلاثمئة ألف دينار، وقرب من يافا من ثغور الإفرنج، فقتلوا وأسروا وأحرقوا ما ظفروا به، واستولوا على عدّةٍ وافرةٍ من مراكب الروم والإفرنج، ثمّ قصدوا ثغر عكّا وفعلوا فيه مثل ذلك، وحصل في أيديهم عدّة وافرة من المراكب الحربيّة الفرنجية، وقتلوا من حجاج وغيرهم خلقاً عظيماً، وأنفذوا ما أمكن إلى ناحية مصر، وقصدوا ثغر صيدا وبيروت وطرابلس وفعلوا فيها مثل ذلك.

ووعد نور الدين بمسيره إلى ناحية الأسطول المذكور لإعانته على تدويخ الإفرنج، واتّفق اشتغاله بأمر دمشق وعوده إليها لمضايقتها، وحدّث نفسه بملكها لعلمه بضعفها وميل الأجناد والرعيّة إليهم وإشارتهم لولايته وعدله. (القلانسي).

ما جاء بعد هذا التاريخ من حوادث طرابلس في العهد الصليبي من الجزء الحادي عشر من كامل ابن الأثير:

في رجب سنة ٥٥٢ كان بالشام زلازل كثيرة قويّة، خرّبت كثيراً من البلاد وهلك فيها ما لا يُحصى كثرةً ؛ فخرب منها بالمرّة: حماة وشيزر وكفر طاب والمعرّة وأفامية وحمص وحصن الأكراد وعرقة واللاذقية وطرابلس وأنطاكية.

وفي سنة ٥٥٨ انهزم نور الدين محمود بن زنكي من الفرنج، وهي الوقعة المعروفة بالبقيعة تحت حصن الأكراد، محاصراً لها وعازماً على قصد طرابلس ومحاصرتها. فبينما الناس يوماً في خيامهم وسط النهار لم يرعهم إلاّ ظهور صلبان الفرنج من وراء الجبل الذي عليه حصن الأكراد، وذلك

٤٠٦

أنّ الفرنج اجتمعوا واتّفق رأيهم على كبسة المسلمين نهاراً ؛ فإنّهم يكونون آمنين، فركبوا من وقتهم ولم يتوقّفوا، حتّى تجمّعت عساكرهم وساروا مجدّين، فلم يشعر بذلك المسلمون إلاّ وقد قربوا منهم، فأرادوا منعهم فلم يطيقوا ذلك، فأرسلوا إلى نور الدين يعرّفونه الحال، فرهقهم الفرنج بالجملة فلم يثبت المسلمون وعادوا يطلبون معسكر المسلمين والفرنج، فوصلوا معاً إلى العسكر النوري، فلم يتمكن المسلمون من ركوب الخيل وأخذ السلاح إلاّ وقد خالطوهم فأكثروا القتل والأسر. وكان أشدهم على المسلمين الدوقس الرومي، فإنّه كان قد خرج من بلاده إلى الساحل في جمعٍ كثيرٍ من الروم، فقاتلوا محتسبين في زعمهم فلم يبقوا على أحد، وقصّوا خيمة نور الدين، وقد ركب فيها فرسه ونجا بنفسه.

وفي سنة ٥٥٩ لمّا انهزم نور الدين في وقعة البقيعة - كما عرفت - وعاد بعسكره كأنّهم لم يصابوا، وأخذ في الاستعداد للجهاد والأخذ بثأره، واتّفق مسير بعض الفرنج مع ملكهم إلى مصر، أراد أن يقصد بلادهم ليعودوا عن مصر، فأرسل إلى أخيه قطب الدين مودود صاحب الموصل وديار الجزيرة، وإلى فخر الدين قرا إرسلان صاحب حصن كيفا، وإلى نجم الدين صاحب ماردين وغيرهم من أصحاب الأطراف يستنجدهم. وقد لبّى دعوته البعض وتخلّف البعض، ولمّا اجتمعت العساكر سار نحو حارم فحصرها، ونصب عليها المجانيق، وتابع الزحف إليها.

فاجتمع مَن بقي بالساحل من الفرنج فجاوا في حدّهم وحديدهم وملوكهم وفرسانهم وقسوسهم ورهبانهم، وأقبلوا إليه من كلّ حدبٍ ينسلون، وكان المقدّم عليهم الرئيس بيمند صاحب أنطاكية، وقمص صاحب طرابلس وأعمالها، وابن جوسلين وهو من مشاهير الفرنج، والدوك وهو مقدّم كبير من الروم.

وجمعوا الفارس والراجل، فلمّا قاربوه رحل عن حارم إلى (ارتاح) طمعاً بأن يتبعوه فيتمكّن منهم، ويبعدهم عن بلادهم إذا لقوه، فساروا فنزلوا على غمر ثمّ علموا عجزهم عن لقائه، فعادوا إلى حارم. فلمّا عادوا تبعهم نور الدين في أبطال المسلمين على تعبئة الحرب، فلمّا تقاربوا اصطفّوا للقتال، فبدأ الفرنج بالحملة على ميمنة المسلمين وفيها عسكر حلب وصاحب الحصن، فانهزم المسلمون وتبعهم الفرنج، فقيل كانت تلك الهزيمة من الميمنة على اتفاق ورأيٍ دبروه وهو: أن يتبعهم الفرنج فيبعدوا عن راجلهم

٤٠٧

فيميل عليهم مَن بقي مِن المسلمين بالسيوف، فإذا عاد فرسانهم لم يلقوا راجلاً يلجئون إليه، ولا وزيراً يعتمدون عليه، ويعود المنهزمون في آثارهم فيأخذهم المسلمون: من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، فكان الأمر على ما دبّروه. فإنّ الفرنج لمّا تبعوا المنهزمين، عطف عليهم زين الدين علي في عسكر الموصل على راجل الفرنج فأفناهم قتلاً، وأسراً، وعاد خيّالتهم ولم يمعنوا في الطلب خوفاً على راجلهم.

فعاد المنهزمون في آثارهم، فلمّا وصل الفرنج رأوا رجالهم قتلى وأسرى، فسقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد هلكوا، وبقوا في الوسط، قد أحدق بهم المسلمون من كلّ جانب، فاشتدّت الحرب وقامت على قدمٍ وساق، وكثر القتل في الفرنج، وتمّت عليهم الهزيمة، فعدل حينئذٍ المسلمون عن القتل إلى الأسر فاسروا ما لا يُحدّ ؛ وفي جملة الأسرى صاحب أنطاكية، والقمص صاحب طرابلس.

وكان شيطان الفرنج وأشدّهم شكيمةً على المسلمين الدوك مقدّم الروم وابن جوسلين، وكان عدّة القتلى تزيد على عشرة آلاف قتيل، وأشار المسلمون على نور الدين بالمسير إلى أنطاكية، وتملّكها لخلوّها مِن محامٍ يحميها ومقاتلٍ يذبّ عنها.

فلم يفعل وقال: أمّا المدينة فأمرها سهل، وأمّا القلعة فمنيعة، وربّما سلّموها إلى ملك الروم ؛ لأنّ صاحبها ابن أخيه، ومجاورة بيمند أحبّ إليّ من مجاورة صاحب قسطنطينية.

وبثّ السرايا في تلك الأعمال، فنهبوها وأسروا أهلها وقتلوهم، ثمّ إنّه فادى برنس بيمند صاحب أنطاكية، واشترى من المسلمين خلقاً كثيراً فأطلقهم.

وفي سنة ٥٦٧: في هذه السنة خرج مركبان من مصر إلى الشام، فأرسيا بمدينة اللاذقية، فأخذهما الفرنج وهما مملوءان من الأمتعة والتجارة.

وكان بينهم وبين نور الدين هدنة، فنكثوا وغدروا، فأرسل نور الدين إليهم في المعنى وإعادة ما أخذوه من أموال التجارة، فغالطوه واحتجّوا بأُمورٍ منها: أنّ المركبين كانا قد انكسرا ودخلهما الماء. وكان الشرط أنّ كلّ مركبٍ ينكسر ويدخله الماء يأخذونه.

فلم يقبل مغالطتهم، وجمع العساكر وبثّ السرايا في بلادهم: بعضها نحو أنطاكية وبعضها نحو طرابلس، وحصر هو حصن عرقة وخرّب ربضه، وأرسل طائفةً من العسكر إلى حصن صافيتا وعريمة فأخذهما عنوةً، ونهب وخرّب، وغنم المسلمون غنائم كثيرة، وعادوا إليه وهو

٤٠٨

بعرقة، فسار في العساكر جميعها إلى أن قارب طرابلس ينهب ويخرّب ويحرق ويقتل، وأمّا الذين ساروا إلى أنطاكية ففعلوا في ولايتها مثل ما فعل في ولاية طرابلس، فراجعه الفرنج وبذلوا جميع ما أخذوه من المركبين، وتجديد الهدنة معهم. فأجابهم إلى ذلك، وأعادوا ما أخذوا وهم صاغرون، وقد خُرّبت بلادهم وغُنمت أموالهم.

حضر إلى السلطان صلاح الدين وهو مقيم في بيروت بيمند الفرنجي صاحب طرابلس وأنطاكية، وكان حضوره إلى بيروت ثلاث مرّاتٍ، الأُولى: كانت على سبيل الغارة، والثانية: لما فتحها، والثالثة: هذه المرة.

أمّا بيمند، فيقول ناشر الكتاب في هامش هذه الصفحة: هو بوهيمند الثالث دي بواتيه وسيّد أنطاكية.

قال ابن الأثير في تاريخ سنة ٥٨١ هـ ١١٩٢م:

ولمّا وصل السلطان صلاح الدين إلى بيروت أتاه بيمند صاحب أنطاكية وأعمالها وطرابلس وأعمالها، واجتمع به وخدمه. فخلع عليه صلاح الدين، وعاد إلى بلاده، وزاد ابن شدّاد أنّه أقطعه العمق واغزرات ومزارع تعمل ١٥ ألف دينار.

ومنه افتتح السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي في جملة ما افتتحه من السواحل طرابلس وما يليها، وأخرب طرابلس ونقلها إلى سفح الجبل، وكان فتوحها في أوّل ربيع الآخر سنة ٦٨٨ هـ ١٢٨٩م.

وفي سنة ٥٨٢ كان القمص صاحب طرابلس واسمه ريمند بن ريمند الصنجيلي، قد تزوّج بالقومصة صاحبة طبريّة، وانتقل إليها وأقام عندها بطبرية.

ومات ملك الفرنج بالشام، وكان مجذوماً، وأوصى بالملك إلى ابن أختٍ له وكان صغيراً فكفله القمص.

وقام بسياسة الملك وتدبيره ؛ لأنّه لم يكن للفرنج ذلك الوقت أكبر منه شأناً ولا أشجع ولا أجود رأياً منه، فطمع في الملك بسبب هذا الصغير، فاتّفق أنّ الصغير توفّي فانتقل المُلْك إلى أمّه، فبطل ما كان القمص يحدّث نفسه به. ثمّ إنّ هذه الملكة هويت رجلاً من الفرنج الذين قدموا الشام من الغرب اسمه كي، فتزوّجته ونقلت المُلْك إليه، وجعلت التاج على رأسه وأحضرت البطرك والقسوس والرهبان والاسبتارية والداوية والبارونية، وأعلمتهم أنّها قد ردّت الملك إليه وأشهدتهم عليها بذلك، فأطاعوه ودانوا له. فعظم ذلك على القمص وسقط في يديه، وطولب بحساب ما جبى من الأموال مدّة ولاية الصبي، فادّعى أنّه

٤٠٩

أنفقه عليه، وزاده ذلك نفوراً وجاهر بالمشاقّة والمباينة، وراسل صلاح الدين وانتمى إليه واعتضد به، وطلب منه المساعدة على بلوغ غرضه من الفرنج ؛ ففرح صلاح الدين والمسلمون بذلك، ووعده النصرة والسعي له في كلّ ما يريد، وضمن له أنّه يجعله ملكاً مستقلاًّ للفرنج قاطبة، وكان عنده جماعة من فرسان القمص فأطلقهم. فحل ذلك عنده أعظم محل وأظهر طاعة صلاح الدين ووافقه على ما فعل جماعة من الفرنج، فاختلفت كلمتهم وتفرّق شملهم.

وكان ذلك من أعظم الأسباب الموجبة لفتح بلادهم، واستنقاذ البيت المقدّس منهم.

لمّا كان البرنس (ارناط) صاحب الكرك من أعظم الفرنج وأشدّهم عداوةً للمسلمين وأعظمهم ضرراً عليهم، ولمّا رأى صلاح الدين ذلك منه، قصده بالحصر مرّةً بعد مرّة، وبالغارة على بلاده كرةً بعد أُخرى، حتّى ذلّ وخضع وطلب الصلح من صلاح الدين، فأجابه إلى ذلك وهادنه.

وتحالفا وتردّدت القوافل من الشام إلى مصر ومن مصر إلى الشام، فلمّا كان هذه السنة اجتاز به قافلةً عظيمة غزيرة الأموال كثيرة الرجال، ومعها جماعة صالحة من الجند، غدر بهم وأخذهم عن آخرهم، وغنم أموالهم ودوابّهم وسلاحهم، وأودع السجون مَن أسره منهم.

فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبّح فعله وغدره ويتوعّده إن لم يطلق الأسرى والأموال.

فلم يجب إلى ذلك، وأصرّ على الامتناع، فنذر صلاح الدين نذراً أن يقتله إن ظفر به. ولم يكتف (ارناط) بنقضه تلك المعاهدة حتّى حاول في سنة ٥٨٣ أمراً آخر، وهو أن يقصد الحُجّاج ليأخذهم من طريقهم، حتّى إذا فرغ من أخذهم يرجع إلى طريق العسكر المصري يصدهم عن الوصول إلى صلاح الدين.

وكان في هذه السنة قد كتب إلى جميع البلاد يستنفر الناس للجهاد، وكتب إلى الموصل وديار الجزيرة وإربل وغيرها من بلاد الشرق، وإلى مصر وسائر بلاد الشام، يدعوهم إلى الجهاد ويحثّهم عليه ويأمرهم بالتجهّز له بغاية الإمكان.

ثمّ خرج من دمشق أواخر المحرّم في عسكرها وحلقتها الخاص، فسار إلى رأس الماء وتلاحقت به العساكر الشاميّة، فلمّا اجتمعوا جعل عليهم ولده الملك الأفضل عليّاً ليجتمع إليه مَن يردّ إليه منها، وسار هو إلى بصرى جريدة ليمنع البرنس (ارناط) من طلب الحُجّاج، وكان من الحُجّاج جماعة من أقاربه منهم محمد بن لاجين وهو ابن أخت صلاح الدين وغيره. فلما

٤١٠

سمع (ارناط) بقرب صلاح الدين من بلده لم يفارقه، وانقطع عمّا طمع فيه ووصل الحُجّاج سالمين. فلمّا اطمأنّت نفسه إلى سلامتهم سار إلى الكرك، وبثّ سراياه من هناك على ولاية الكرك والشوبك وغيرهما، فنهبوا وخرّبوا وأحرقوا، والبرنس محصور لا يقدر على المنع عن بلده، وسائر الفرنج قد لزموا طريق بلادهم خوفاً من العسكر الذي مع ولده الأفضل.

وأرسل صلاح الدين إلى ولده الأفضل يأمره أن يرسل قطعةً صالحةً من الجيش إلى بلد عكّا ينهبونه ويخرّبونه، فسيّر مظفّر الدين كوكبري بن زين الدين، وهو صاحب حرّان والرُّها، وأضاف إليه قايماز النجمي ودلدرم الياقوتي وهما من أكابر الأمراء وغيرهما، وساروا ليلاً وصبّحوا صفورية أواخر صفر، فخرج إليهم الفرنج في جمعٍ من الداوية والاسبتارية وغيرهما، فالتقوا هناك، وجرت بينهم حرب تشيب لها المفارق السود، ثمّ أنزل الله نصره على المسلمين، فانهزم الفرنج وقُتل منهم جماعة وأُسر الباقون، وفيمن قُتل مقدّم الاسبتارية وكان من فرسان الفرنج المشهورين.

ونهب المسلمون ما جاورهم من البلاد، وغنموا وسبوا وعادوا سالمين، وكان عودهم على طبرية وبها القمص، فلم ينكر ذلك.

ولمّا أتت صلاح الدين البشارة بهزيمة الاسبتارية والداوية، وقتل مَن قُتل منهم وأسر من أُسر منهم، عاد عن الكرك إلى العسكر الذي مع ولده الملك الأفضل، وقد تلاحقت سائر الأمراء والعساكر، واجتمع بهم وساروا جميعاً، وعرض العسكر فبلغت عدّتهم اثني عشر ألف فارس ممّن له الإقطاع والجامكية سوى المتطوّعة.

فعبّى عسكره قلباً وجناحين وميمنةً وميسرةً وجاليشية وساقة، وعرف كلّ منهم موضعه وموقفه وأمره بملازمته وسار على تعبئة، فنزل بالأقحوانة بقرب طبرية، وكان القمص قد انتمى إلى صلاح الدين، وكتبه متّصلة إليه يعده النصرة ويمنّيه المعاضدة.

فلمّا رأى الفرنج العساكر الإسلامية، وتصميم العزم على قصد بلادهم، أرسلوا إلى القمص البطرك والقسوس والرهبان وكثيراً من الفرسان، فأنكروا عليه انتماءه إلى صلاح الدين وقالوا له: لا شكّ أسلمت وإلاّ لم تصبر على فعل المسلمين أمس بالفرنج: يقتلون الداوية والاسبتارية ويأسرونهم، ويجتازون بهم عليك وأنت لا تنكر ذلك ولا تمنع عنه، ووافقهم على ذلك مَن عنده من عسكر طبرية وطرابلس، وتهدّده البطرك أنّه يحرّمه ويفسخ عليه نكاح زوجته إلى غير

٤١١

ذلك من التهديد.

فلمّا رأى القمص شدّة الأمر عليه خاف واعتذر وتنصّل وتاب، فقبلوا عذره وغفروا زلّته، وطلبوا منه الموافقة على المسلمين والموآزرة على حفظ بلادهم، فأجابهم إلى المصالحة والانضمام إليهم والاجتماع بهم.

وسار معهم إلى ملك الفرنج، واجتمعت كلمتهم بعد فرقتهم وجمعوا فارسهم وراجلهم، ثمّ ساروا من عكّا إلى صفورية وهم يقدّمون رِجْلاً ويؤخّرون أُخرى قد ملئت قلوبهم رعباً.

لمّا اجتمع الفرنج وساروا إلى صفورية، جمع صلاح الدين أمراءه واستشارهم، فأشار أكثرهم بترك اللقاء وبعضهم بالمناجزة والمطاولة، ولكنّه رجّح هو لقاءهم بالمسلمين المجتمعين كلّهم، ونفّذ خطّته فتمّ له فتح طبرية.

ومثل ذلك فعل الفرنج في الاستشارة، وكان رأي القمص ترك لقاء المسلمين والرضى باستيلاء صلاح الدين على طبرية، ولكنّ البرنس ارناط خالفه، وعدّ رأيه بترك اللقاء خدمةً لصلاح الدين. ثمّ نشبت حرب انتهت بنصرة صلاح الدين في حطّين وبقتل ارناط وقد وفى بقتله نذره.

وأمّا القمص صاحب طرابلس، فإنّه لمّا رأى شدّة الأمر، علم أنّهم لا طاقة لهم بالمسلمين، فاتّفق هو وجماعته وحملوا على مَن يليهم، وكان المقدّم من المسلمين في تلك الناحية تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فلمّا رأى حملة الفرنج حملة مكروب، علم أنّه لا سبب إلى الوقوف في وجوههم، فأمر أصحابه أن يفتحوا لهم طريقاً يخرجون منه.

ولمّا انهزم القمص سقط في أيديهم وكادوا يستسلمون، ولمّا نجا من المعركة وصل إلى صور، ثمّ قصد طرابلس ولم يلبث إلاّ أيّاماً قلائل حتّى مات غيظاً وحنقاً.

لمّا انهزم القمص صاحب طرابلس من حطّين إلى مدينة صور، أقام بها، وهي أعظم بلاد الشام حصانةً، وأشدّ امتناعاً على مَن رامها، فلمّا رأى السلطان قد ملك تبنين وصيدا وبيروت، خاف أن يقصد صلاح الدين صور، وهي فارغة ممّن يقاتل فيها ويحميها ويمنعها، فلا يقي على حفظها وتركها.

وسار إلى مدينة طرابلس فبقيت صور شاغرة. (الكامل، الجزء ١١).

سنة ٥٨٤ الصفحة الأُولى من الجزء الثاني عشر من الكامل:

رحل صلاح الدين في هذه السنة من دمشق إلى حمص، فنزل على بحيرة قدس،

٤١٢

وجاءته العساكر من مختلف البلاد الشاميّة والجزيرة والموصل، واجتمعت عليه وكثُرت عنده، فسار حتّى نزل حصن الأكراد من الجانب الشرقي فأقام يومين، وسار جريدة وترك أثقال العسكر موضعها تحت الحصن، ودخل إلى بلد الفرنج فأغار على صافيتا والعُريمة ويحمور وغيرها من البلاد والولايات، ووصل إلى قرب طرابلس، وأبصر البلاد وعرف من أين يأتيها.

لمّا أقام صلاح الدين تحت حصن الأكراد، وأتاه قاضي جبلة وهو منصور بن نبيل يستدعيه إليه ليسلّمها إليه، فسار صلاح الدين معه فنزل بأنطرطوس، فرأى الفرنج قد أخلوها، وبعد أن خرّبها رحل عنها، وأتى مرقية وقد أخلاها أهلها، وسار إلى المرقب وهي من حصونهم التي لا ترام، واتّفق صاحب صقلية من الفرنج قد سيّر نجدةً إلى فرنج الساحل في ستّين قطعة من الشواني، وكانوا بطرابلس، فلمّا سمعوا بمسير صلاح الدين جاؤوا ووقفوا في البحر تحت المرقب في شوانيهم ليمنعوا من يجتاز بالسهام، ولكنّ صلاح الدين اتّخذ خطّةً اجتاز بواسطتها المسلمون عن آخرهم، حتّى عبروا المضيق ودخلوا إلى جبلة، وتسلّمها واستسلم المحاصرون من الفرنج بالقلعة بعد الاستئمان.

في هذه السنة: لمّا فتح صلاح الدين بغراس، عزم على التوجّه إلى انطاكية وحصرها، فخاف البيمند صاحبها من ذلك وأشفق منه، فأرسل إلى صلاح الدين يطلب الهدنة، وبذل إطلاق كلّ أسيرٍ عنده من المسلمين، فأجابه إلى ذلك بعد موافقة مستشاريه من القوّاد على ذلك، واصطلحوا ثمانية أشهر أوّلها أوّل تشرين الأوّل وآخرها آخر أيّار، وسيّر رسوله إلى صاحب أنطاكية يستحلفه، ويطلق من عنده من الأسرى.

وكان صاحب أنطاكية في هذا الوقت أعظم الفرنج شأناً، وأكثرهم ملكاً فإنّ الفرنج كانوا قد سلّموا إليه طرابلس بعد موت القمص، وجميع أعمالها مضافاً إلى ما كان له ؛ لأنّ القمص لم يخلَّف ولداً. فلمّا سُلّمت إليه طرابلس جعل ولده الأكبر فيها نائباً عنه، وأمّا صلاح الدين فإنّه عاد إلى حلب ومنها إلى دمشق.

سنة ٥٩٧:

تزلزلت الأرض في هذه السنة بالموصل وديار الجزيرة كلّها والشام

٤١٣

ومصر وغيرها، فأثّرت في الشام آثاراً قبيحةً، وخرّبت كثيراً من الدور بدمشق وحمص وحماة، وانخسفت قريةٌ من قرى بصرى، وأثّرت في الساحل الشامي أثراً كثيراً، فاستولى الخراب على طرابلس وصور وعكّا ونابلس وغيرها من القلاع.

سنة ٦٠٤:

في هذه السنة: كثر الفرنج الذين بطرابلس وحصن الأكراد، وأكثروا الإغارة على بلد حمص وولاياتها، ونازلوا مدينة حمص.

وكان جمعهم كثيراً، فلم يكن لصاحبها أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه بهم قوّة، ولا يقدر على دفعهم ومنعهم، فاستنجد الظاهر غازي صاحب حلب وغيره من ملوك الشام، فلم ينجده أحد، إلاّ الظاهر فإنّه سيّر له عسكراً أقاموا عنده ومنعوا الفرنج عن ولايته، ثمّ إنّ الملك العادل خرج من مصر بالعساكر الكثيرة وقصد مدينة عكّا فصالحه صاحبها على قاعدة. ثمّ سار إلى حمص فنزل على بحيرة قدس، وجاءته عساكر الشرق وديار الجزيرة، ودخل إلى بلاد طرابلس وحاصر موضعاً يُسمّى القليعات وأخذه صلحاً وأطلق صاحبه وغنم ما فيه من دوابّ وأسلحة وخرَّبه، وتقدّم إلى طرابلس فنهب وأحرق وسبى وغنم وعاد إلى بحيرة قدس. وترددت الرسل بينه وبين الفرنج في الصلح، فلم تستقرّ قاعدة ودخل الشتاء.

وفي سنة ٦٣٣: جمع البرنس الفرنجي صاحب أنطاكية جموعاً كثيرةً وقصد الأرمن، وكانت بينهم حروب شديدة، وجرت أُمور أدّت إلى تدخّل البابا الذي أرسل إلى الفرنج بالشام، يعلمهم أنّه قد حرّم البرنس. فكان الداوية والاسبتارية وكثير من الفرنج لا يحضرون معه ولا يسمعون قوله، وكان أهل بلاده - وهي أنطاكية وطرابلس - إذا جاءهم عيد يخرج من عيدهم، فإذا فرغوا من عيدهم دخل البلد.

ثمّ إنّه استعطف البابا واعتذر له بقبض الأرمن ولده ؛ فكتب إليهم بإطلاق ولده وإلاّ فإنّه يبح له دخول بلادهم.

٤١٤

ما جاء في تاريخ أبي الفدا ملك حماة من أخبار طرابلس بعد وفاة ابن الأثير

- وهو ما تنتظم به سلسلة تاريخها -

سنة ٦٦٤:

خرج في هذه السنة الملك الظاهر بعساكره المتوافرة من الديار المصريّة، وسار إلى الشام، وجهّز عسكراً إلى ساحل طرابلس، ففتحوا القليعات وحلباً وعرقة.

سنة ٦٦٦:

في هذه السنة في مستهلّ جمادى الآخرة توجّه الملك الظاهر بيبرس بعساكره المتوافرة إلى الشام، وفتح يافا وأخذها من الفرنج، ثمّ سار إلى أنطاكية ونازلها مستهلّ رمضان، وزحفت العساكر الإسلامية على أنطاكية، فملكوها بالسيف في يوم السبت رابع شهر رمضان من هذه السنة، وقتلوا أهلها وسبوا ذراريهم وغنموا منهم أموالاً جليلة.

وكانت أنطاكية للبرنس بيمند بن بيمند وله معها طرابلس، وكان مقيماً بطرابلس لمّا فُتحت أنطاكية.

سنة ٦٨٨:

طرابلس في حكم المماليك الترك

في أوّل ربيع الآخر فُتحت طرابلس الشام، وصورة ما جرى: أنّ السلطان الملك المنصور خرج بالعساكر المصريّة في المحرّم من هذه السنة، وسار إلى الشام، ثمّ سار بالعساكر المصريّة والشاميّة، ونازل طرابلس الشام يوم الجمعة مستهلّ ربيع الأوّل من هذه السنة، ويحيط البحر بغاب هذه المدينة، وليس عليها قتال في البرّ إلاّ من جهة الشرقي، وهو مقدار قليل.

ولمّا نازلها السلطان نصب عليها عدّةً كثيرةً من المجانيق الكبار والصغار ولازمها بالحصار، واشتدّ عليها القتال حتّى فتحها يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر من هذه السنة بالسيف، ودخل العسكر عنوةً فهرب أهلها إلى المينا، فنجا أقلّهم في المراكب، وقٌتل غالب رجالها وسُبيت ذراريهم، وغنم منهم المسلمون غنيمةً عظيمةً.

وحصار طرابلس هو ممّا شاهدْتُه (أبو الفداء)

٤١٥

وكنتُ حاضراً فيه مع والدي الملك الأفضل وابن عمّي الملك المظفّر صاحب حماة.

ولمّا فرغ المسلمون مِن قتل أهل طرابلس ونهبهم، أمر السلطان فهُدمت ودُكّت إلى الأرض، وكان في البحر قريباً من طرابلس جزيرة وفيها كنيسة تُسمّى كنيسة سنطمان، وبينها وبين طرابلس المينا.

فلمّا أُخذت طرابلس هرب إلى الجزيرة المذكورة وإلى الكنيسة التي فيها عالَمٌ عظيمٌ من الفرنج والنساء، فاقتحم العسكر الإسلامي البحر وعبروا بخيولهم سباحةً إلى الجزيرة المذكورة فقتلوا جميع مَن فيها من الرجال، وغنموا ما بها من النساء والصغار.

ولمّا فرغ السلطان من فتح طرابلس وهدمها، عاد إلى الديار المصريّة، وأعطى صاحب حماة الدستور فعاد إلى بلده.

وكان الفرنج قد استولوا على طرابلس في سنة ٥٠٣ في (ذي الحجّة، فبقيت بأيديهم إلى أوائل هذه السنة أعني: سنة ٦٨٨، فتكون مدّة لبثها مع الفرنج نحو مئة سنة وخمس وثمانين سنة وشهور.

ولم يطل العهد على هدمها بعد الاستيلاء عليها حتّى أُعيد إليها عمرانها ومركزها من الولايات ؛ فقد جاء في تاريخ أبي الفداء في حوادث سنة ٧١٦:

في هذه السنة: مرض الأمير سيف الدين كستاي نائب السلطنة بطرابلس والقلاع، في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الآخر الموافق لثامن أيلول، فولّى السلطان موضعه الأمير شهاب الدين قرطاي الذي كان نائباً بحمص.

ويظهر أنّها جُعلت قاعدةً من قواعد الجيوش الإسلامية، كما يظهر أنّ مَن كان يليها من نوّاب السلطان، كان يحكم البلاد الساحلية. فإنّ أبا الفداء يذكر في حوادث هذه السنة خروج رجلٍ ادّعى أنّه محمد بن الحسن ثاني عشر الأئمّة عند الإماميّة، وتبعه من النصيريّة تقدير ثلاثة آلاف نفر، وهاجم مدينة جبلة ونُهبت أموال أهلها وسلبهم ما عليهم.

وجُرّد إليه عسكر من طرابلس، فلمّا قاربوه تفرّق جمعه، وهرب واختفى في تلك الجبال، فتُتبّع وقُتل.

ويذكر في حوادث سنة ٧٢٠ في هذه السنة تقدّمت مراسيم السلطان

٤١٦

بإغارة العساكر على بلاد سيس، ورسم لمَن عيّنه من العساكر الإسلامية الشاميّة، فسار من دمشق تقدير ألفي فارس، وسار شهاب الدين قرطاي (نائب السلطنة بطرابلس) بعساكر الساحل.

ولمّا اجتمع العسكر بحلب خرج بصحبة نائب الشام، وبلغوا نهر جيحون، وقد تغلّب العسكر على سيس، وغنموا وخرّبوا وعادوا.

في أوائل جمادى الآخرة من هذه السنة، عزل السلطان الأمير شهاب الدين قرطاي من نيابة السلطنة بالسواحل، وولّى مكانه الأمير سيف الدين طنيال الحاجب، ومن ذلك ترى أنّ نائب السلطنة بطرابلس كان يُطلق عليه نائب سلطنة بالسواحل أيضاً.

سنة ٧٣٤:

مات بطرابلس نائبها الأمير شهاب الدين قرطاي المنصوري من كبار الأمراء، حجّ وأنفق كثيراً في سبيل الخير.

ومن ذلك يظهر أنّه أُعيد إلى نيابة طرابلس بعد عزله عنها، وبقي فيها إلى هذا العهد، وفي هذه السنة ص ١١١ في ربيع الآخر، وصل جمال الدين أقوش نائب الكرك إلى طرابلس نائباً بها عِوَضاً عن قرطاي.

سنة ٧٣٥:

وفيها قدّم على نيابة طرابلس سيف الدين طنيال الناصري عوضاً عن أقوش الكركي، وحبس الكركي بقلعة دمشق، ثمّ نُقل إلى الإسكندريّة.

سنة ٧٤٢:

وفيها جهّز قوصون مع الأمر قطلبغا الفخري الناصري عسكراً لحصار السلطان أحمد بن الملك الناصر بالكرك.

وسار الطنبغا نائب دمشق والحاج ارقطاي نائب طرابلس بإشارة قوصون إلى قتال طشتمر بحلب ؛ لكونه أنكر على قوصون ما اعتمده في حقّ أخيه المنصور بن أبي بكر.

سنة ٧٤٤:

وفي ربيع الأوّل من هذه السنة وصل عسكران من حماة وطرابلس للدخول إلى بلاد السيس لتمرّد صاحبها كنداصطبل ولمنعه الحمل، ومقدّم

٤١٧

عسكر طرابلس الأمير صلاح الدين يوسف الدواندار. وفي شعبان من هذه السنة توفّي طرغاي نائب طرابلس.

سنة ٧٤٥:

في جمادى الأُولى من هذه السنة توفّي بطرابلس الأمير الفاضل صلاح الدين يوسف بن الأسعد الدواندار أحد الأمراء بطرابلس، وهو واقف المدرسة الصلاحية، وكان من أكمل الأمراء، ذكيّاً فطناً، تقلّب في وظائف آخرها أميراً بطرابلس.

سنة ٧٤٦:

بعد وفاة الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقيام أخيه السلطان الملك الكامل شعبان، أسند نيابة طرابلس إلى قمارى، ثمّ قبض عليه وولّى مكانه بيدمر البدري.

سنة ٧٤٧:

في هذه السنة في شعبان: وصل إلى حلب الأمير سيف الدين بيدمر البدري نُقل إليها من طرابلس ووُلِّي مكانه.

وهذا البدري عنده حدّة وفيه بدرة، ويكتب على كثيرٍ من القصص بخطّه وهو خطٌّ قويّ.

سنة ٧٤٨:

لما قتل السلطان الملك المظفّر، وأُقيم مكانه أخوه السلطان الملك الناصر، وكان الملك المظفّر قد أعدم أخاه الأشرف كجك، وفتك بالأمراء وقتل مِن أعيانهم نحو أربعين أميراً مثل: بيدمر البدري نائب حلب، ويلبغا نائب الشام، وطقتمر النجمي الدواندار، واقسنقر الذي كان نائب طرابلس.

هذا ما جاء من أخبار طرابلس في تاريخ أبي الفداء وذيله لابن الوردي.

ولاستفاء أخبارها وما تقلّب عليها من الحوادث بعد الذي دوّنه ذانك المؤرِّخان منها، ندوّن هنا ما جاء في تاريخ الأمير حيدر الشهابي من تاريخ هذا البلد، ليجيء مستكملاً منتظم العقد محكم السرد ومتقن النسج.

٤١٨

تتمّة أخبار طرابلس في عهد سلاطين المماليك الأتراك بمصر وديار الشام

سنة ٧٥٠ هـ ١٣٤٩م:

في هذه السنة حضر إلى دمشق الأمير سيف الدين نائب طرابلس وبيده أوامر، فقبض على أرغون شاه نائب دمشق، وضبط حواصله وأمواله ورجع به إلى طرابلس، فأرسل أعيان الشام يعرضون للسلطان في أمره، ويرجون رفع الحِجْر عنه، فحضر لهم الجواب أن لا علم له بما توقّع ؛ فاجتمع أمراء دمشق وسادات طرابلس، فقتلوا نائب طرابلس وخلّصوا سيف الدين أرغون منه.

سنة ٧٥٣ هـ ١٣٥٢م:

في هذه السنة اتّفق نوّاب الديار الشاميّة على السلطان للخروج عن طاعته، وبينهم تكماس نائب طرابلس، ولم يوافقهم أرغون نائب دمشق على الخروج، وكتب إلى السلطان يعلمه بما توقّع من الأمراء. ثمّ إنّ نائب دمشق جمع الأُمراء واستحلفهم بطاعة السلطان الملك الصالح صلاح الدين، فحلفوا واتّفقوا على الطاعة، ثمّ إنّ النوّاب اجتمعوا في جيوشٍ عظيمة وقصدوا دمشق. فلم يطق أرغون مقاومتهم، وخرج من دمشق وجرت أُمورٌ من جيوش النوّاب قبيحة. ثمّ تفرقوا بعد إرهاقهم دمشق وقد علموا بقدوم السلطان وانجلت الغمّة.

وعاد السلطان إلى مصر بعد أن قتل ستّة قوّاد، وأمير مقدّم ألف، ونائب صيدا، وتشفّع في الباقين.

سنة ٧٥٥ هـ ١٣٥٤م:

في هذه السنة اتفق جمهور الأمراء على عزل الملك الصالح، وأعادوا أخاه الملك الناصر حسناً، فولّى على طرابلس الأمير منجك.

سنة ٧٧٧ هـ ١٣٧٥ م:

توفّي الأمير سيف الدين منجك وهو نائب مصر، وكان وُلِّي على نيابة صفد وطرابلس وحلب ودمشق ومصر، وله آثارٌ كثيرةٌ من البنايات.

٤١٩

أخبار طرابلس في عهد ملوك المماليك الجراكسة سلاطين مصر والشام

سنة ٧٨٨ هـ ١٣٨٦ م:

في هذه السنة عصى يلبغا الناصري نائب حلب، وخرج عن طاعة السلطان برقوق الظاهر، فجهّز الملك برقوق العساكر المصريّة، وقدّم عليهم جركس الخليلي أمير ياخور، ووجّههم لمحاربة يلبغا الناصري والعربان والتركمان وأهل طرابلس وأهل كسروان والجرديين وأهل بلاد الغرب. وجرت بينهم حروبٌ كثيرة، فانتصر الناصري نائب حلب ومنطاش نائب طرابلس على عساكر السلطان برقوق، وقتلوا جركس قائد الجيش، واستولوا على الديار المصريّة ؛ وذلك لخيانة الجيش المصري للسلطان. ولمّا تحقّق خيانة العسكر اختفى، ثمّ اتّفق النوّاب وأخرجوا الملك الصالح المخلوع، وولّوه على المُلْك ولقّبوه بالملك المنصور.

سنة ٧٩١ هـ ١٣٨٨ م:

في هذه السنة كان القتال بين أمراء الغرب التنوخيّة وبين أهل كسروان والتركمان، فإنّ الأمراء التنوخيّة كانوا من حزب الملك الظاهر برقوق، وأهل كسروان والتركمان من حزب منطاش نائب طرابلس وبيروت، فاستظهر أهل كسروان على أمراء الغرب وقتلوا منهم نحو تسعين رجلاً وأسروا عدداً غفيراً، ثمّ امتدت أيديهم إلى بيروت وبلاد الغرب بلاد التنوخيين، ولكنّهم استجمعوا أمرهم وردّوا الكسروانيين والتركمان والجرديين على الأعقاب.

وفي هذه السنة ظهر الملك الظاهر برقوق عند الطنبغا نائب دمشق، وجمع العساكر الشاميّة قاصداً دخول مصر، فلم يطاوعه الناصري نائب حلب لاتحاده مع الملك المنصور.

ثمّ إنّ الملك الظاهر سار إلى الكرك، ولمّا ظهر الملك الظاهر لم يعرف الناصري بظهوره، فوقع الاختلاف بينه وبين منطاش، وقبض منطاش على الناصري والجونالي وأرسلهما إلى الإسكندرية، وكتب إلى الكلكي نائب الكرك أن يقتل الملك الظاهر، فلم يرضَ بقتله، بل أفرج عنه، وخرج الملك الظاهر كدرويس يستعطي من الناس.

ثمّ اجتمع إليه مماليكه وعسكر الكرك، فركب قاصداً باكيش نائب غزة، فقتله ونهب داره

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486