تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 67154
تحميل: 7644


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67154 / تحميل: 7644
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

وتوجّه إلى الشام فالتقى بجتكمر نائب الشام، ولمّا تواقعا ظفر الملك برقوق، واستمرّ على حصار دمشق، ثمّ حضر إليه كتبغا نائب حلب ومعه جموع كثيرة، فقوي عليه الملك الظاهر وظفر به، ثمّ إنّ العساكر الظاهرية قصدوا طومان شيخ التركمان حاكم كسروان فتواقعا في الساحل بالقرب من زوق ميكائيل، وقتلوا من الأكراد الأمير عليّاً وأخاه الأمير عمر وجماعة كثيرة ونهبوا زوق التركمان. ثمّ إنّ كتبغا منطاش خرج من مصر والسلطان المنصور في العساكر المصريّة، والتقى الفريقان وجرت بينهما حروبٌ شديدةٌ انتصر بها الملك الظاهر برقوق، وقُبض على منطاش وعلى السلطان الصالح المنصور.

سنة ٧٩٢ هـ ١٣٨٩ م:

حدثت وقعة بين الملك الظاهر ومنطاش والملك المنصور، فاستظهر الملك الظاهر عليهما وفرّ منطاش وانتهى الأمر بإعادة الملك الظاهر إلى المُلْك، ومطاردة منطاش وفراره من سلطانه إلى الشرق.

سنة ٨٢٨ هـ ١٤٢٤ م:

قدمت مراكب قبرصيّة إلى ناحية شطوط مصر وملكوا مركباً كبيراً، فأمر السلطان الأشرف أبو السعادات بأن تخرج العمارة من ميناء طرابلس، وأرسل ثلاثة أمراء من مصر، وأميراً من الشام، وأمير حلب، وأمير صفد، مع أمير طرابلس، بأربعين مركباً إلى قتال ملك قبرص، وانتهى الأمر بالظفر عليه.

ثمّ لم يرد ذكرٌ لطرابلس، ولا لنوّابها، ولا شيءٍ من خبرها من هذه السنة إلى سنة ٩٠٥ هـ ١٤٩٩ م:

ففي هذه السنة أُقيم على السلطنة الملك الأشرف خان، فنقل من نيابة طرابلس إلى حلب، ونقل قصرون من نيابة حلب إلى دمشق ؛ فخالف قصرون الأمر السلطاني، فأظهر العصاوة ؛ فجهّز السلطان العساكر المصريّة لمقاتلته.

سنة ٩٠٩ هـ ١٥٠٣ م:

في هذه السنة فاضت الأنهر فيضاناً عظيماً على أثر سيلٍ عظيمٍ دام ٢٧ يوماً لم تَبِنْ فيه الشمس والقمر أثناءها، وفاض نهر طرابلس (أبو علي) فأخرب بناياتٍ كثيرةً من المدينة.

٤٢١

طرابلس في العهد التركي العثماني

سنة ٩٢٢ هـ ١٥١٦ م:

في هذه السنة استولى السلطان سليم العثماني على ديار الشام وبلاد مصر، وتداولت سلاطينهم الحكم عليها إلى نهاية الحرب العامّة سنة ١٩١٨م، فخرجت من حكمهم، وانطوت صفحة زهاء أربعة قرون على هذا الحكم، كادت لا تستقر سفينة فيها على شاطئ الاستقرار والاطمئنان.

وكانت تلك الصفحة مملوءة بالعبر والمثلات، والبلاد أثناءها في تنازع مستمرّ، وتطاحن دائم وتزاحم على الولايات، ولم تكن لكفاءة الولاة على إدارة الحكم قيمة، بل كان يصل إليه كلّ مَن يحدّث به نفسه ويعتز بقوّةٍ وعصبيّةٍ وجرأة، ويصانع ولاة الأُمور بالأموال، وحكم البلاد سلعة من السلع تُطرح في أسواق المزايدة في ذلك الحين، والظافر في الحكم الإقطاعي مَن هو أكثر بذلاً للمال ؛ فكم من خامل جاهل استطاع أن يلي ولاية واسعة، وهو لا يُحسن من سياستها إلاّ ضروب التحيّل لجمع الضرائب ليرضي بها الولاة، وكم من أُمّيٍّ مكّنت له أساليب ذلك الحكم الذي كادت تكون قوانينه ونظمه مزيجاً من الظلم والقهر والنهب، وأمشاجاً من المكايد والحيل والغدر، وعلى هذا النمط، كانت في ذلك العهد تساس الدولة العثمانية، وللولاة العثمانيين سلطة مطلقة لا تحد، يصطنعون من رجال البلاد التي يتولونها من يشاؤون شريطة أن يغدقوا عليهم الأموال التي يجبونها بشتى الأساليب غير المشروعة، فكانت طرابلس كغيرها من البلاد الشاميّة، تُساس في ذلك النوع من الحكم ويتزاحم عليه طلاّبه من هنا وهناك، فلا تكاد تعرف للاستقرار وجهاً ولا سبباً.

وفي هذا الوسط المضطرب، كان الخوف من سلطان الغالب شاملاً، وكان للطائفيّة الممقوتة أثرها غير المستحب، وكانت تساس بها البلاد ؛ ومن جرّاء ذلك كثر نزوح الأقليات من بلدٍ إلى بلد، حيث تلجأ إلى الأكثريّة منها.

يقول الأمير حيدر في حوادث سنة ٩٢٢ هـ ١٥١٦ م، ص ٥٦٢:

سكن في هذه السنة (التي ملك بها السلطان سليم بلاد الشام) النازحون من نصارى طرابلس عرمون كسروان.

سنة ٩٢٣ هـ ١٥١٧ م:

٤٢٢

رجع السلطان سليم من مصر بعد استيلائه عليها إلى دمشق، وقرّر نيابتها إلى جان بردي الغزالي، وأضاف إليه القدس وصفد وغزة والكرك، وأمّا حمص وطرابلس والمدن البحرية فجعلها بأيدي عمّاله.

سنة ٩٣٠ هـ ١٥٢٣ م:

وأمّا طرابلس فكانت بأيدي النوّاب.

سنة ٩٤٠ هـ ١٥٣٣ م:

جرت خصومة بين القيسيّة واليمنيّة في لبنان، انتهت بالتجاء قيسية العاقورة إلى طرابلس وسكنوا بلادها.

سنة ٩٥٨ هـ:

كان استيلاء المسلمين على طرابلس. ويُفهم من ذلك أنّها خرجت من حكمهم.

سنة ٩٧٥ هـ ١٥٦٧ م:

قدم مصطفى باشا بباقي المراكب من طرابلس، وسار إلى نيقوسيا، واجتمع هنالك عساكر لا تُحصى وتملّكوها وأجروا فيها أموراً عظاماً.

سنة ٩٧٨ هـ ١٥٧٠ م:

أمر السلطان سليم بتوجّه العساكر إلى جزيرة قبرص، فخرجت المراكب من طرابلس، وملكوا الملاحة وانتقلوا إلى الأفقسيّة، وشدّدوا عليها الحصار أربعة أشهر وكان لهم الظفر.

سنة ٩٨٨ هـ ١٥٨٠ م:

تولّي بني سيفا إمارة طرابلس

خرج أمر شريف باشا بجعل طرابلس باشاويّة، وتولّى عليها يوسف بن سيفا، وحضرت له الباشاويّة من الباب العالي، ثمّ عُزل عنها بعد شهرين، وتولاّها جعفر باشا الطواشي.

سنة ٩٩٣ هـ ١٥٨٥ م:

٤٢٣

كانت الخزينة متوجّهةً من طرابلس - حسب العادة - فلمّا وصلت إلى جون عكار اعترضها أناس ونهبوها ؛ فصدر أمرٌ من الباب العالي إلى باشا طرابلس، بجمع العساكر لمحاربة يوسف باشا بن سيفا ؛ فسار إليه باشا طرابلس وأحرق بلاد عكار.

ثمّ تقدّمت الشكايات، من جعفر باشا الطواشي والي طرابلس ضدّ الأمير محمد بن الأمير منصور بن عساف، وضدّ أمراء بلاد الدروز، أنّهم هم الذين سلبوا الخزينة ؛ فخرج إبراهيم باشا الذي كان والياً على مصر، وجمع العساكر.

ولمّا وصل إلى مرج عشر موش ارتعبت منه جميع بلاد الغرب، وأرسل يطلب من الأمير قرقماز معن نفقةً للعساكر، وأمر بقطع الطرق عن الساحل والبقاع عن الدروز، فحضر إلى الوزير الأمير محمد بن جمال الدين اليمني من عرمون الغرب، وابن عمّه الأمير منذر بن تنوخ من عبيه، والأمير محمد بن عساف من غزير.

وأمّا الأمير قرقماز المعني، فلمّا تحقّق أنّ الجميع صاروا أعداءه ؛ هرب إلى مغارةٍ في بلاد الشوف تحت جزين، واختفى هناك مدّةً، فحدث له مرض ومات. وكان له ولدان هما فخر الدين ويونس.

وأمّا الوزير، فلمّا بلغه هرب الأمير قرقماز، قدم بالعساكر إلى عين صوفر، فحضرت إليه عقال الدروز فغدر بهم، وقتل منهم نحو ستمئة رجل، وتوجه إلى طرابلس، وصحبه الأمراء الذين حضروا إليه، فمضى بهم إلى إسلامبول.

سنة ١٠١٢ هـ ١٦٠٣ م:

في هذه السنة انعقد الصلح بين يوسف باشا بن سيفا وبين علي باشا ابن جنبلاط والي طرابلس واتحدا معاً.

سنة ١٠٢١ هـ ١٦١٢ م:

جرّد الوزير مراد باشا جيشاً على ابن سيفا يوسف باشا بيكلربك طرابلس، فهرب منه ولاقاه الأمير فخر الدين، ولم يمكّنه من الدخول إلى طرابلس.

سنة ١٠٢٤ هـ ١٦١٥ م:

في هذه السنة: توجّه الأمير محمد بن يوسف باشا بن سيفا إلى محمد باشا الوزير، فأعطاه سنجقية جبلة ؛ لأنّ خاطره كان منحرفاً على يوسف باشا، وعزله عن ولاية طرابلس، وأعطاها إلى جلالي حسين باشا.

٤٢٤

سنة ١٠٢٥ هـ ١٦١٦ م:

حدثت في هذه السنة موقعة بالناعمة انكسر فيها اليمنية، وكان الأمير حسين بن سيفا في قرية غزير، فلمّا بلغته أخبار الكسرة في عين الناعمة انهزم في عيال أخيه حسين باشا، وتوجّه إلى عكار، فعلم به حسين باشا والي طرابلس ؛ فأرسل رجالاً وقطعوا عليه الطريق. ولمّا وصل خرجوا إليه فانهزم في جماعته ؛ فأخذت الدولة حريمه وكلّ ما كان معه. ولمّا وصل إلى بلاد عكار أرسل أباه يوسف باشا عماراً بتقدمة إلى حسين باشا الجلالي، واستخلص الحريم لا غير.

سنة ١٠٢٨ هـ ١٦١٨ م:

في هذه السنة: حضر للأمير كتابات من عمر باشا التوتنجي والي طرابلس، يخبره عن أحوال يوسف باشا بن سيفا، وأنّه ضبط بلاد طرابلس ولم يرسل عنها شيئاً للخزينة، وطلب من الأمير أن يركب بعسكره، وأنّ الباشا يوافيه فيها جمان يوسف باشا. ثمّ جرت محاصرة الأمير فخر الدين لابن سيفا في قلعة حصن راويد، ووافاهم بعد ثلاثة أيّام من هذا الحصار عمر باشا والي طرابلس.

وفي خلال هذه المحاصرة أتى تقرير طرابلس من قِبَل محمد باشا الوزير على يد باكيراغا لابن سيفا ؛ فأرسل ابن حرفوش أربع بلوكياشية من سكمانيته إلى الأمير فخر الدين إلى الحصن لأجل المحاصرة. وجرت بعد ذلك أُمور انتهت بالاتفاق بين الأمير فخر الدين وابن سيفا وعمر باشا على مال ؛ فارتحلا عن القعلة، ونزلا في البقيعة، ثمّ انتقلا إلى طرابلس.

وأقام الأمير ثلاثة أيّام، ثمّ ودّع الباشا وتوجّه إلى بيروت. وبقي مصطفى كتخدا والسكمان عند الباش في طرابلس.

وفي هذه السنة: في ربيع الثاني، حضر قبيجي من الباب العالي بأوامر شريفة بتقرير ولاية طرابلس على يوسف باشا بن سيفا، فخرج عمر باش من طرابلس وتوجّه إلى الباب العالي، ورجع مصطفى كتخدا والسكمان إلى الأمير فخر الدين.

وفي هذه السنة (ص ٦٦٥): في جمادى الآخرة، وصل قبج اغا باش السلطان بن عثمان مطالباً يوسف باشا بمال إيالة طرابلس، فتكلّم معه يوسف باشا أن يكون واسطة في الصلح بينه وبين الأمير فخر الدين ؛ فأرسل مصطفى اغا الأمير موسى من راس نحاش، ولمّا وصل إلى

٤٢٥

الأمير فخر الدين قبل كلامه، وسلّمه الأمير محمد بن حسين باشا ووالدته، وجميع الأحمال والأثقال التي لهما. ولمّا وصل إلى طرابلس أخرج يوسف باشا أوامر بمقاطعة بلاد البترون، وبلاد جبيل مدّة أربع سنوات للأمير فخر الدين، وأن يكون المال المطلوب عليها من أصل الذي تعهّد له وهو محاصر في قلعة الحصن.

سنة ١٠٢٩ هـ ١٦١٩ م:

في هذه السنة: حضر الأمير محمد ابن أخي يوسف باشا بن سيفا إلى الأمير فخر الدين طالباً الصلح بينهم، وأنّ الذي مضى لا يعاد، وطلب إلى الأمير أن يرفع يده عن بلاد جبيل والبترون، ويتصرّف بحارة غزير فتحصل المصافاة، فلمّا سمع الأمير هذا الكلام نفر منه، وقال:

أنتم أرسلتم شكوتم إلى الباب العالي، وعمّك أفرغ جهده في الشكايات، والآن يرسل لنا هذا الكلام، ولكن أخبره أنا أؤدّي مئة ألف قرش زيادةً في إيالة طرابلس، وإمّا أن ينزع نعمتي أو أنزع نعمته. وعاد الأمير محمد غير راضٍ من الأمير فخر الدين. ثمّ إنّ الأمير فخر الدين وجّه كتخدا مصطفى إلى اسلامبول ؛ ليقدّم على إيالة طرابلس زيادةً وإن لم يمكن إعطاؤها له فلتكتب إلى حسين باشا الجلالي الذي كان بها سابقاً.

ولمّا وصل مصطفى كتخدا إلى اسلامبول ووجد علي باشا القبطان صار وزيراً ؛ تكلّم معه في أمر طرابلس، وأنّ يوسف باشا بن سيفا متأخّر في دفع المال، ومتأخّر عنده مبلغ، وأفهمه عن الزيادة، فقبل الوزير بذلك، وكتب إيالة طرابلس مع الزيادة المذكورة على حسين باشا الجلالي، وكتب سنجقية جبلة واللاذقية على مصطفى كتخدا حرمةً وإكراماً لمولاه الأمير فخر الدين. ثمّ طلب أن يؤدّي دراهم سلفاً للخزينة ؛ فاستدان مصطفى كتخدا أربعين ألف قرش ونقدها.

وكان الأمير علي مرسلاً مركباً من الصابون فباعه وقدّم تقدمة إلى الوزير: خمسة آلاف قرش، ومال البلاد عن سنة ١٠٢٩.

واستخرج أوامر بهدم قلاع ابن سيفا، وضبط أرزاقه وأرزاق رجاله، وأن يكون الأمير فخر الدين مباشراً مع حسين باشا الجلالي إتمام ذلك.

ولمّا وصل حسين باشا الجلالي إلى طرابلس، أرسل يوسف باشا بن سيفا ولده إلى الأمير فخر الدين ليلتجئ إليه في الصلح، فقبله الأمير، وتعهّد له أن ترجع له إيالة طرابلس بشرط أن يعقد زواج ابنته بابنه الأمير علي المعني ؛ فرجع الأمير حسن إلى عكا (عكار) وتكلّم مع

٤٢٦

والده فقبل ذلك، وطلب أخت الأمير علي إلى ولده الأمير بلك، وعقد زواجهما بالمبادلة، ووقع الصلح بينهما، ثمّ إنّ الأمير فخر الدين أرسل عرضحالات صحبة كواخي ابن سيفا إلى الباب العالي، وإلى الوزير علي باشا، وقبل ابن سيفا الزيادة ونقدها إلى علي باشا الوزير ثلاثين ألف قرش، وتقرّر عليه حكم إيالة طرابلس، وعزل حسين باشا الجلالي، ثمّ حضر الخواجه مقصود في طلب الأربعين ألف قرش التي استدانها الأمير فخر الدين (بواسطة مصطفى كتخدا) ؛ لأنّه بعد عزل حسين باشا وتقرير يوسف باشا على طرابلس صارت مستحقةً على ابن سيفا ؛ فأرسل الأمير كتخداه مصطفى إلى عكار، ولمّا وصل ردّ له جواباً: أنّه يرسل إلى الباب العالي ليجلب له الوصل من الخزينة، وعيّن الأمير موسى من راس نحاش أن يردّ جواباً على الأمير، فلمّا وصل إليه، وفهم أنّ قصد يوسف باشا المماطلة، ألقى القبض على الأمير موسى، ووضعه في قلعة بيروت. فلمّا بلغ يوسف باشا ذلك استدعى كتخدا الأمير موسى، وأرسل معه خمسة عشر ألف قرش، ورهن حلي في الباقي، فأرسل الأمير موسى المبلغ إلى الخواجة مقصود، ورجع إلى اسملابول مجبور الخاطر.

ويظهر أنّ الصلح الذي عُقد بين الأمير فخر الدين وابن سيفا لم يغيّر ممّا في نفس كلٍّ منهما على الآخر من ضغنة، ولا غرو، فإنّ كلاًّ منهما رائد سلطان وتغلّب واستئثار، وكلاهما يرى أنّ تغلّبه لا يكون إلاّ من تقلّص نفوذ الآخر. فإنّ يوسف باشا جمع في هذه السنة عسكراً بقيادة ولده الأمير حسن وجّه به إلى صافيتا لطرد ابن أخيه الأمير سليمان بحجّة تأخير مال عليه للدولة، ولكنّ الحقيقة هي أنّ له هوى مع الأمير فخر الدين. ولمّا وصل العسكر إلى تل عبّاس أبقى الأمير سليمان حريمه في برج صافيا، وتوجّه إلى بلاد جبلة إلى مقدّمي الكلبيّين من معاملة قدموس، وأرسل يستنجد بالأمير فخر الدين ؛ فجمع الأمير رجال البلاد والسكمانية وتوجّه إلى البترون، فلمّا علم يوسف باشا بقدوم الأمير فخر الدين أمر ولده بالرجوع من تل عبّاس، ووجّه كتخدا الأمير موسى من راس نحاش ليعتذر للأمر: أنّه لم يقصد بهذه الحملة على ابن أخيه، إلاّ ليضطرّه إلى دفع المال المتأخّر عليه للدولة، لكثرة مطالبة الوزير الأعظم له به. ثمّ إنّه أرسل خلعة لابن أخيه بمقاطعة سافيا، ورجع الأمير موسى إلى طرابلس وأخبر يوسف

٤٢٧

باشا أنّ الأمير صرف رجاله، والحقيقة أنّه صرف البعض منهم، وبعد ثلاثة أيّام ركب الأمير فخر الدين وتوجّه على طريق الحدث إلى بلاد بعلبك، ونزل على المجر، فبلغ الأمير يونس الحرفوش ذلك، وهو بحصن اللبوة فأوجس منه خيفة، فبلغ الأمير فخر الدين ذلك، فركب في عشرة فرسان، وتوجّه إليه، وكان الأمير يونس في طريق اللبوة، فتصادفا ونزل الأمير يونس وسلّم على الأمير، وعاد إلى الخيام وصحبته الأمير يونس، وثاني يوم دعا الأمير فخر الدين إلى اللبوة، وبات تلك الليلة هناك، وانتقل إلى الهرمل، ثمّ إلى معان، ومنها إلى قرية صدارة قرب بلاد عكار، وحضر إليه الأمير سليمان فتوجّه معه الشيخ أبو نادر الخازن والسكمان ليحاصروا سكمانية عمّه في حصن عكار.

وكان يوسف باشا بنى حاراتهم في عكار، وبقي الحصار على عكار عشرين يوماً، ففرغت مؤونتهم، وطلبوا الأمان، وسلّموا وتوجّهوا إلى يوسف باشا إلى طرابلس، فهدم الأمير فخر الدين جميع الدور التي جدّدها بيت سيفا في عكار. وما بقي غير دار الأمير محمد فسكنها الأمير سليمان، وبعد ذلك رجع الأمير فخر الدين إلى بعلبك على طريق المسقية إلى مدينة بيروت.

سنة ١٠٣٠ هـ ١٦٢٠ م:

في هذه السنة: حضر مصطفى آغا قبجي باشا، مطالباً يوسف باشا بن سيفا بالمال المتأخّر عنده، وأقام عنده مدّة وهو يماطل. وكان معه مكاتيب من الوزير إلى الأمير فخر الدين، تتضمّن أنّه إذا لم يؤدّ ابن سيفا المال الذي عليه يكون الأمير مطالباً له، وكان هذا الأمر طبق مطلوب الأمير. ثم جمع الأمير عسكره وتوجّه إلى البترون فهرب يوسف باشا إلى جبلة، وأبقى ولده الأمير حسناً في قلعة طرابلس، وانتقل الأمير فخر الدين إلى برج البحصاص، وأقام فيه عشرة أيّام وهو يكاتب الأمير حسناً في طلب توريد المال فلم يورد شيئاً. وطلب منه أن يبيع بالوكالة عن بيروت وانطلياس وغزير، وهو يفي عنه المال الذي عليه ؛ فردّ عليه جواباً أنّه يرسل يشاور والده في ذلك، وبعد يومين حضر الجواب من يوسف باشا مع وكالةٍ إلى ولده الأمير حسن في المبيع، فكتب عقداً عند قاضي طرابلس بحضور أعيان البلد بجميع أملاك بيت سيفا، وثمنها خمسون ألف قرش، وأرسل الأمير العقد

٤٢٨

إلى اسلامبول، وصادق عليه ونقد المال، ثمّ طلب من ابن سيفا الاثني عشر ألف الباقية عنده من دراهم الخواجه مقصود، ومال البترون وبلاد جبيل في زمان حسين باشا، وأنّه لا يقوم المطالب عن طرابلس إلاّ بإيراد المال، وأنّه لمّا تحقّق من ابن سيفا أنّه مماطل ولا يرغب في إيراد المال ؛ أمر السكمان أن يهجموا على طرابلس، فتوجّهوا وقربوا من السور فأطلقوا عليهم البنادق من الداخل فقتل منهم أربعة أشخاص. وكان بين هؤلاء السكمان رجل يُسمّى قندقجي مصطفى، فتعلّق بحائط السور وعلاه ورمى بنفسه إلى داخل البلد، وتبعه عشرة أشخاص أيضاً، ولمّا صاروا داخل السور هرب بيت حمادة الذين من قِبَل ابن سيفا على الباب، فكسر السكمان الباب، ودخل باقي العسكر، ووصلوا إلى دار حسن باشا الذي بقرب القلعة، فأطلقوا عليهم البنادق من القلعة، فقتل منهم ثلاثة أشخاص.

ووصل الخبر إلى الأمير فركب ودخل المدينة، ولم يسمح لأحد من العسكر أن يأخذ شيئاً من الرعايا، وأرسل للأمير سليمان بن سيفا فحضر إليه هو ومَن معه من السكمان، وأقاموا الحصار على القلعة، وكان داخلها الأمير حسن وأولاد عمّه جميع بيت سيفا وحريمهم. واستمرّ الحصار عليهم مدّةً ؛ فقاتل سكمانية بيت سيفا من داخل القلعة.

وفي أحد الأيّام نزل جماعةٌ من سكمانية الأمير إلى الميناء، وجرت الحرب بينهم وبين الذين في البرج من سكمان بيت سيفا، فقتل من جماعة ابن معن عشرة رجال، ومثلها من الخيل، وطال عليهم الأمر وتضايق جماعته ضيقاً شديداً، فلمّا سمع الأمير فخر الدين ذلك ركب وتوجّه إليهم، ولمّا وصل هجم على المتاريس وتبعه مَن معه، وكان يوماً عظيماً، وحالوا بين الذين في المتاريس وبين الذين في البرج. وما سلم منهم إلاّ القليل، وفعل الأمير فخر الدين في ذلك اليوم فعلاً تعجز عنه الأبطال، وفتك بيده وسيفه فتكاً ذريعاً، وما كان سبب هذه النصرة إلاّ هجمة الأمير فخر الدين على القوم، وعاد بعد ذلك إلى طرابلس مع جماعته ظافرين جذلين.

وأمّا الأمير محمد أخو الأمير علي وأولاد أخي يوسف باشا، فاستمرّوا مقيمن في بناية سير من أعمال الضنية، وأرسل الأمير المذكور ولده الأمير عليّاً إلى الأمير فخر الدين إلى طرابلس مع هدايا سَنيّة، وكان الأمير فخر الدين نازلاً في دار حسين باشا بن يوسف باشا، وهي دار جليلة

٤٢٩

كلّفت نفقة بنائها خمسين ألف قرش، فنزل أحد الأيّام الأمير موسى من راس نحاش من القلعة إلى الأمير فخر الدين ؛ ليتكلم معه في أمر الصلح، ورفع القتال من بينهم. فتكلم معه وعاد إلى القلعة، وذكر لهم عن الأمير فخر الدين أنّه يجلس في الإيوان المعرّض لمدافع القلعة، وقال لهم: إذا أخربتموه حبستموه. وكان ذلك في شهر رمضان، وفي وقت الإفطار أطلقوا ثلاثة مدافع على الإيوان المذكور دفعةً واحدةً ؛ فتهدّم جانب من ترس الإيوان. ومن حسن الحظ أنّه لم يكن الأمير فخر الدين، ولا أحد من جماعته في الديوان. فلمّا بلغ الأمير ما حدث ؛ قال: لا بُدّ من هدم دارهم، وانتقل في اليوم الثاني إلى مكانٍ آخر، وعيّن بنّائين وقلاعين، فهدموها إلى الأرض، فندم مَن في القلعة على ذلك العمل الذي فعلوه.

أمّا يوسف باشا بن سيفا فإنّه لمّا كان في جبلة أرسل عرض حالات إلى الدولة، يشكو بها ابن معن لحصاره طرابلس، وكان السلطان عثمان في تلك الأيّام مسافراً إلى بلاد اسكوب. فلمّا وصلت إليه العرضحالات أمر مصطفى ابن أحد أقرباء مفتي اسلامبول أن يتوجّه بخمسة مراكب ليمنع ابن معن عن حصار طرابلس.

وكان يوسف باشا بعد إرساله تلك العرائض جمع أولاده: عمر والأمير قاسماً اللذين في قلعة الحصن، وجمع عسكراً من تلك النواحي إلى البقيعة، وحضر إليه أرسلان بك بن علي باشا بن علوان، والأمير نصيف بن دندن من آل أبي ريشا، وتركمان السويدية والعرب، وتوجّه بهم إلى جو عكار. وكان جماعة من عسكر ابن معن نازلين في البداوي خارج طرابلس، فوصلت إليهم مقدّمة عسكر ابن سيفا، وثارت الحرب بينهم، فوصل الخبر إلى الأمير فركب وخرج العسكر من طرابلس، فهربت من أمامهم فرسان ابن سيفا، وتبعتهم جماعة ابن معن إلى النهر البارد، وأمسك عليهم الطريق أرسلان بك الذي كان مع جماعته الكمين، وكسرهم إلى المينا، فالتقوا بالأمير فخر الدين، ولمّا نظر أرسلان بك وجماعة ابن سيفا قدوم الأمير رجعوا إلى الجوف.

ووصل الأمير إلى النهر البارد، ورجع إلى طرابلس، وكان قد قُتل من جماعته نحو أربعين رجلاً. وأمّا الذين في الحصار فلم يخرج منهم أحد. ولمّا رجع الأمير إلى طرابلس وصل الحاج كيوان، وكرد حمزة من الشام مُرسَلين من سليمان باشا لأجل المصالحة، وفي ذلك الوقت، دخلت ميناء طرابلس الخمسة المراكب المرسلة مع مصطفى آغا الذي خرج إلى الأمير

٤٣٠

وبيده خلعة شريفة من السلطان إلى الأمير، وأوامر لكي يقوم من طرابلس، فلبس الخلعة وامتثل للأمر العالي، وقال لمصطفى آغا: إنّ ابن سيفا لا يخشى الفضيحة، وإذا ارتددنا عنه لا يؤدّي المال، ثمّ إنّه تمّ الاتفاق كما سبق أنّ الأملاك التي أعطاها ابن سيفا لابن معن في بيروت وغزير تكون بدل المال الذي عنده للخواجه مقصود، وبدل مال جبيل والبترون، واتفقوا أيضاً أنّه بعد ثلاثة أيّام من رجوع ابن معن ينقد ابن سيفا المال المطلوب منه للباب العالي.

وبعد ذلك الاتفاق رحل الأمير بمَن معه عن طرابلس، وأعطى مصطفى آغا لأجل خدمته ألفين وخمسمئة قرش، وكان ذلك في ٧ ذي القعدة من هذه السنة. ولمّا وصل الأمير إلى بيروت، وصحبته الحاج كيوان وكرد حمزة وجماعتهما، أكرمهما غاية الإكرام، وأعطى كلّ واحدٍ منهم ألف قرش فتوجّهوا إلى الشام.

وأمّا يوسف باشا بن سيفا فقد أخذ يماطل مصطفى آغا في إيراد المال، حتّى دخل موسم الحرير فقدّم له شيئاً يسيراً ممّا يطلب منه.

سنة ١٠٣١ هـ ١٦٢١ م:

في هذه السنة: حضر خليل باشا إلى ميناء بيروت، فأرسل إليه الأمير فخر الدين ولده الأمير حسيناً، وكان عمره نحو ستّ سنين، واعتذر أنّه لا يقدر على النزول إلى البحر من المرض ؛ فخلع الباشا على الولد، وقبل التقدمة، وأعطى الأمير حسيناً أوامر بسنجقية عجلون. ثمّ توجه الباشا إلى ميناء طرابلس، فحضر إليه يوسف باشا وطلب منه التوسّط بالمصالحة بينه وبين الأمير فخر الدين، ويسأله أن يسلّمه ابنته المخطوبة لولده الأمير بلك ؛ فأرسل الوزير أحمد آغا وصحبته سليمان الاسكندري كتخدا ابن سيفا، ولمّا وصلا إلى الأمير فخر الدين وكلّماه، قبل الكلام ورجعا بكلّ إكرام، وانتهى الأمر بتسليم ابنته للأمير أحمد أخي الأمير يوسف باشا بن سيفا.

وفي هذه السنة: وصل إلى طرابلس متسلّماً عمر باشا الكتمانجي، فلم يمكّنه ابن سيفا من تسلّم البلد، ولا دخولها، وكان معه مكاتيب من عمر باشا إلى الأمير فخر الدين: بأنّه إذا لم يسلّمه ابن سيفا المدينة يساعده الأمير على تسلّمها. فأرسل المكاتيب إلى الأمير، فلمّا وصلته جمع أهالي البلاد، وعزم على التوجّه إلى طرابلس، ولمّا علم يوسف باشا بن سيفا بذلك قام من طرابلس بجميع أهله وتابعيه إلاّ الأمير بلك فلم يرافق والده، ولكنّه حضر

٤٣١

إلى الأمير فخر الدين ؛ لأنّه صهره. ولمّا بلغ الأمير قيام ابن سيفا من طرابلس بقي مكانه في بيروت، وأرسل الشيخ أبا نادر الخازن وأهالي كسروان، فطردوا جماعة ابن سيفا من جبة بشرة وضبطوا برج بشرة وكلّ ما فيه، وأبقى الشيخ أبا صافي الخازن متسلّماً في الجبة. ولمّا وصل عمر باشا إلى طرابلس ؛ أرسل الأمير يطلب منه أن يسلّم حمص للأمير يونس الحرفوش، وأدّى له عليها اثني عشر ألف قرش.

سنة ١٠٣٢ هـ ١٦٢٢ م:

في هذه السنة: عُزل عمر باشا عن طرابلس وابن الحرفوش عن حمص، وتولّى عليهما عمر بك بن يوسف باشا بن سيفا.

وفيها: تولّى عمر باشا على طرابلس، وعُزل يوسف باشا بن سيفا، وأمر الوزير بسجن جماعة ابن سيفا الذين في اسلامبول بسبب المال الباقي عندهم، وأرسل أوامر إلى الأمير فخر الدين، وللأمير يونس الحرفوش، أن يكونا مساعدين لأحمد بك بن شريدال حاكم حماة، وجعفر أفندي حاكم جبلة على ضبط أملاك ابن سيفا. وقبل خروج عمر باشا من اسلامبول طلب من جماعة ابن سيفا بأن يدبّرا كفيلاً عنهما بالعشرة الآلاف قرشاً المطلوبة منهما، وأن يحضرا معه لدفع المبلغ.

وحضر عمر باشا إلى طرابلس وصحبته جماعة ابن سيفا، فلمّا علم يوسف باشا بأخذ الوظيفة منه أرسل بتدبير أخيه الأمير محمد بن الأمير علي إلى اسلامبول، وصحبته سليمان الاسكندري طالباً تقرير حكم طرابلس عليه، ولمّا وصلوا إلى مدينة أيقونية حصل للأمير محمد مرض وتوفّي هناك، وضبط ما معه إلى الخزينة.

وأرسل عمر باشا الأوامر للأمير فخر الدين، وللأمير يونس طالباً مساعدتهما إيّاه على ابن سيفا ؛ فأجابه بالسمع والطاعة، وأرسل الأمير فخر الدين مع الرسوم مملوكه سرور آغا حاكم بلاد كسروان، فكتب عمر باشا مقاطعة بلاد جبيل والبترون وجبة بشرة وعكار إلى الأمير فخر الدين، بشرط أن يؤدّي عليها عشرة آلاف قرش سلفاً، فأدّى الأمير المبلغ المطلوب، وجمع رجال البلاد والسكمانية، والأمير محمد بن شهاب، ورحل من بيروت إلى مدينة طرابلس، ولمّا وصل إلى قربها خرج عمر باشا وأعيان المدينة لملاقاته، فدخلها في ١١ جمادى الأُولى من هذه السنة، وثاني يوم خلع الباشا على الأمير فرواً ثميناً، وشقّة نفيسة، وخلع خِلَعاً أُخرى على الأمير

٤٣٢

محمد بن الشهاب وعلى الأمير بلك بن يوسف باشا بن سيفا صهر الأمير فخر الدين، ثمّ خرجوا إلى بركة البداوي، ومكثوا هناك يومين فوردت أوامر شريفة بعزل عمر باشا عن طرابلس، وتقريرها على يوسف باشا بن سيفا، وسبب ذلك أنّ محمد باشا الوزير عُزل عن الوزارة، ورجع إليها حسين باشا.

وفي هذه السنة (ص ٦٨١): أرسل يوسف باشا بن سيفا يستعطف خاطر الأمير فخر الدين، طالباً منه أن يردّ له ولده الأمير بلك، فقبل الأمير سؤاله، وردّه مع جماعته وعياله إلى أبيه مكرّماً، وأعطاه حكم عكار وأعمالها.

وفيها: جمع يوسف باشا بن سيفا السكمان من نواحي حلب، فالتقاهم ابن أخيه الأمير سليمان في الطريق، وقتل منهم نحو ستّين رجلاً، فلمّا بلغ يوسف باشا ذلك ركب لمحاربة ابن أخيه إلى بلاد جبلة، فقام الأمير سليمان إلى الضنية، وأرسل إلى الأمير فخر الدين يطلب منه النجدة، فأرسل في الحال إليه جميع السكمانية، وجمع جميع أهالي البلاد. وكان يوسف باشا قد وصل إلى صافيتا وحاصر جماعة الأمير سليمان في البرج. ولما بلغه أنّ الأمير فخر الدين أرسل السكمان ومراده أن يركب بنفسه ؛ أرسل معتمد الأمير مدلج الحياري، وكان نازلاً في سليما، وطلب منه أن يكون واسطةً في الصلح بينه وبين ابن أخيه. فحضر الأمير مدلج إلى صافيتا وأصلح بينهما، ورجع ابن سيفا إلى طرابلس وابن أخيه إلى صافيتا، ورجعت السكمان إلى الأمير فخر الدين.

وفي هذه السنة: ارتكب يوسف باشا بن سيفا مع مركبين فرنسيين تجاريين أمراً، قطع عن ميناء طرابلس عودة المراكب الفرنجيّة التجارية إليها، ولم يكن سببه إلاّ الطمع فيما بالمركبين من أموال.

وفيها: اتّفق ابنه الأمير بلك بتدبير كتخدا منصور البلوكباشي هو وابن عمّه الأمير سليمان، على إخراج سكمانية يوسف باشا من عكار، وأن يكون الأمير بلك مستقلاًّ بأحكامها. فأرسل الأمير سليمان من جماعته بلوكباشية وسكماناً بحجّة أنّهم مغتاظون منه، فلمّا وصلوا إلى عكار استقبلهم الأمير بلك وأدخلهم إلى الدار، وبعد أن استقرّ به المكان أعطى الأمير بلك

٤٣٣

سكمانية والده الإجازة، ووجّههم من عنده، وصار يُكاتب الأمير فخر الدين، وكذلك الأمير سليمان، قائلاً: إنّنا ما فعلنا ذلك إلاّ لأجلك، واعتماداً عليك.

سنة ١٠٣٣ هـ ١٦٢٣ م:

في هذه السنة: حضر من اسلامبول بحراً درويش آغا الذي كان مقيماً من قِبَل الأمير وصحبته عثمان آغا قبجي الوزير علي باشا، ومعهما أحمد آغا متسلّم عمر باشا على طرابلس.

وفي هذه السنة (ص ٧٠٣): في رجب حضر للأمير فخر الدين مكاتيب من عمر باشا، أنّه قَدِم إلى ميناء طرابلس، فمنعه ابن سيفا عن الدخول، فرجع وذهب إلى البترون ومعه أوامر من الباب العالي: أن يكون الأمير فخر الدين مساعداً له. ولمّا وصلت هذه المكاتيب إلى الأمير فخر الدين، ركب بخمسين خيّالاً حالاً، وأبقى العسكر وولده الأمير عليّاً هناك، وتوجّه إلى البترون على طريق المسقية، واجتمع بعمر باشا فوجد معه أوامر بولاية طرابلس. ولمّا بلغ يوسف باشا بن سيفا حضور الأمير فخر الدين إلى البترون أرسل يلتمس منه عدم مساعدة عمر باشا، ويطلب منه توسّط الباب العالي بتقرير الإيالة عليه، وكان بينهما في ذلك الوقت محبّة ومودّة، فوعده لاضطراره إلى تدبير ما يطلب منه من المال.

ثمّ في هذه السنة: جمع الأمير فخر الدين من البلاد جيشاً بلغ ثمانية آلاف، عازماً على مساعدة عمر باشا على ابن سيفا، فحضر له مكاتيب منه وهو في بعلبك، ومعها عشرة آلاف قرش، وهي القيمة التي صار الاتفاق بينهما على دفعها، مهر ابنة الأمير زوجة الأمير حسين المتوفّى ابن يوسف باشا. فلمّا وصلت الدراهم عدل عن عزمه، وأرسل يعتذر إلى عمر باشا.

سنة ١٠٣٤ هـ ١٦٢٤ م:

كان عمر باشا الذي حضر إلى إيالة طرابلس مقيماً في بيروت، منتظراً الأمير فخر الدين ليرجع من سفره، ويكون له مساعداً، وكان مع عمر باشا الصكّ الذي كان على يوسف باشا بخمسين ألف قرش، لمّا كان محاصراً في قلعة الحصن. وبعد رجوع الأمير فخر الدين أعطاه عمر باشا الصكّ المذكور مقابل ما يتكلّفه في قيامه معه، فردّ له الجواب معتذراً له وأنّه

٤٣٤

يعطي مقابل ذلك مقاطعة بلاد جبيل والبترون , وطلب من الأمير أن يتمهّل عليه بتسليم الإيالة نصف شهر، حتّى يأتيه جواب العرضحالات، وطالت بينهما المفاوضات، وأخيراً حضر الجواب من اسلامبول بتقرير عمر باشا على طرابلس، وطلب من الأمير أن يقوم معه. فعند ذلك أرسل الأمير جميع السكمان، وأرسل إلى أخيه الأمير يونس أن يجمع رجال الشوف، وإلى بقيّة الأمراء بحشد الجنود، فاجتمع الجميع في بيروت. ولمّا تكاملت الرجال رحل الأمير وصحبته عمر باشا إلى نهر إبراهيم، ومنه إلى البترون ؛ فوصلت إليه صورة الأوامر بتقرير إيالة طرابلس على يوسف باشا ابن سيفا، ومع صورة الأوامر مكاتيب من الوزير الأعظم إلى الأمير فخر الدين أن لا يعارضه في ذلك، فلمّا وصلت تلك الأوامر رجع الأمير من البترون إلى بيروت ومعه عمر باشا.

وفي منتصف شوّال هذه السنة (ص ٧١٤): توفّي يوسف باشا بن سيفا التركماني، وهو أوّل باشا تقرّر على مدينة طرابلس، وكان أمراً جليلاً، وقد احتمل في حياته مشقّاتٍ عظيمةً من ابن معن. وعند وفاته حضر أولاده: الأمير قاسم من جبلة، والأمير محمود من حصن الأكراد، والأمير بلك من عكار، ورجع الباقون إلى مواطنهم. وبعد موته بسبعة أشهر نُهبت المدينة ؛ لأنّ الأمير فخر الدين قَدِم في الجيوش إلى بعلبك، ثمّ إلى جبة بشرى، ونزل إلى طرابلس، ونهب المدينة وبقي فيها إلى أن دخل والي حلب إليها، ثمّ إنّه حضر مصطفى باشا ابن اسكندر من قبل الصدر الأعظم حافظ أحمد، وتولّى على طرابلس، وكان ظالماً فكتب عكاراً إلى الأمير سليمان، وطرد أولاد عمّه إلى الحصن.

وفيها اجتمع الأمير قاسم بن سيفا والشيخ علي بن حمادة ويوسف آغا صاحب قلعة المرقب في المرقب، فركب لحربهم مصطفى باشا بعسكر طرابلس، فقدّموا له عشرين ألف قرش، وطيبوا خاطره، ورجع إلى طرابلس. ثمّ إنّه أرسل إلى الأمير فخر الدين وطلب منه النجدة، فجمع الأمير العسكر من سكمان وعرب وأهل البلاد، ولحقوهم من بيروت إلى البقاع ثمّ إلى بعلبك ثمّ إلى الهرمل. وكان الأمير سليمان بن سيفا في صافيتا، ومعه نحو أربعمئة رجل، فلمّا بلغه قدوم الأمير فخر الدين أطلق جماعته وهرب إلى سلمية من أعمال حوران، ونزل على الأمير مدلج البدوي، فكان الأمير

٤٣٥

مدلج راكباً مع الوزير حافظ أحمد لتخليص مدينة بغداد، ولمّا رجع إلى سلمية قبض على الأمير سليمان، وألقاه في نهر الفرات، ثمّ إنّ بني سيفا طلبوا رضا الأمير فخر الدين، وسلّموه قلعة الحصن وقلعة المرقب، فطاب خاطره عليهم، ومنع عنهم باشا طرابلس.

سنة ١٠٣٥ هـ ١٦٣٥ م:

في هذه السنة: أرسل حافظ أحمد الوزير الأعظم وعزل مصطفى باشا عن ولاية طرابلس، وولّى عليها عمر باشا الدفتردار، واستدعى مصطفى باشا إليه، وحال وصوله إلى ديار بكر قتله وأخذ ماله. ثمّ تقدّمت شكايات ضدّ ابن معن بأنّه ظلم الرعايا، ونهب مدينة طرابلس. ولمّا عُزل حافظ أحمد عن الوزارة، تولّى عليها خليل باشا، فتوجّه إلى حلب في العسكر لكي يحارب الأمير فخر الدين وينهب بلاده، وحال وصوله عزل عمر باشا عن ولاية طرابلس، وأعطاها لإبراهم باشا، واسترضاه الأمير فخر الدين فكفّ عن محاربته.

ولمّا وردت في هذه السنة الأوامر السلطانية بإقرار حكم بلاد عربستان من حدود حلب إلى حدود القدس، على الأمير فخر الدين مع لقب سلطان البرّ الذي لُقّب به جده السلطان سليم العثماني، دخلت طرابلس في حكمه.

سنة ١٠٤٠ هـ ١٦٣٠ م:

لمّا قَدِم في هذه السنة الأمير فخر الدين من صيدا إلى طرابلس، خرج الناس لملتقاه، وطلبوا منه أن يمنع القشلاق عنهم. وكانت المدينة تُساس منذ خمس سنين بالمتسلّمين.

سنة ١٠٤٣ هـ ١٦٣٣ م:

خرجت في هذه السنة عساكر كثيرة من الشام، وباغتوا وادي التيم بلاد ابن الشهاب، وفيها قَدِم جعفر باشا الريان بالمراكب إلى طرابلس ثمّ إلى بيروت، فتجمّع بنو سيفا وأصحاب الأحزاب بعسكرٍ وافرٍ، ومشوا مقابل المراكب على طريق البرّ ؛ فانهزم بيت معن من بيروت وصيدا وتشتّتوا في البلاد، وانتهى الأمر بالإدالة منهم والقبض على الأمير فخر الدين وأولاده،

٤٣٦

وتسييرهم إلى اسلامبول، وتقليص ظل سلطانهم.

سنة ١٠٤٤ هـ ١٦٣٤ م:

في هذه السنة تولّى على إيالة طرابلس قاسم باشا بن يوسف باشا بن سيفا، ولمّا حضر له الأمر بالسفر إلى بلاد الفرس، وعزم على التوجّه لم يوافقه مدبّروه، وكبر عليه الوهم فتظاهر بالجنون وانهزم من المدينة، فاجتمع الأعيان وحكّموا ابن أخته الأمير عليّاً ابن الأمير محمد، وبقي شهرين ؛ فركب لحربه خاله الأمير عساف بن يوسف باشا، وطرده من طرابلس إلى بيروت. فاتّفق الأمير علي بن سيفا مع الأمير علي بن علم الدين الدرزي اليمني، وصارا يداً واحدةً مع حسن آغا، وساروا بالعكسر إلى الجرد فحكموا بلاد جبيل والمنيطرة، فركب لحربهم الأمير عساف وبيت حمادة، وأحرقوا بلاد جبيل والمنيطرة، وقتلوا أبا جمال الدين وابن أخيه. ثمّ إنّ المقدّم زين الدين بن الصواف اتّحد مع الأمير علي بن سيفا، وسارا برجالهما إلى قرية ايعال التي على نهر رشين، فباغتهم الأمير عساف والمشايخ الحمادية، فظفر بهم الأمير علي، وقتل الشيخ كنعان ابن الشيخ قانصوه حمادة، وجماعةً كثيرةً من تابعيهم ؛ فانهزم الأمير عساف، ونزل الأمير علي بن سيفا، وتسلّم طرابلس وتولّى حكم المدينة وجبيل والبترون، وكثرت الحكّام والأحزاب، وظلموا الرعايا، وأخذوا المال الأميري مرّتين، وقبضوا على رؤساء القرى، وشدّدوا عليهم لينجرّوا عن أرزاق بيت معن وبيت الخازن.

سنة ١٠٤٥ هـ ١٦٣٥ م:

في هذه السنة: تولّى إيالة طرابلس مصطفى باشا البستاني، ففوّض حكم جبيل والبترون إلى الأمير علي بن سيفا، وعكار وصافيتا والحصن إلى عساف بن سيفا، وجبة بشرة إلى يعقوب الحدثي وإلى الشيخ أبي جبرائيل الإهدني، وكان حكم الأمير عساف عادلاً.

سنة ١٠٤٦ هـ ١٦٣٦ م:

حضر في هذه السنة قبجي يطلب ذخيرةً إلى السلطان مراد، فأُقفلت أبواب طرابلس لشدّة الغلاء، ودخل مرتضى آغا المتسلّم من قِبَل مصطفى باشا ونادى بالأمان، وقرّر بلاد عكار على الأمير عساف وجبيل والبترون

٤٣٧

على الشيخ أحمد والشيخ علي ولدي قانصوه، وفيها قدم المتسلّم أحمد باشا إلى إيالة طرابلس، فلمّا بلغ ذلك نائب الشام أرجعه من الطريق إلى حماة، وأرسل علي آغا المدبّر، والبعض من تابعيه إلى قرية بقرزلا ليجتمع مع الأمراء بيت سيفا والحمادية. ولمّا تقابلوا لم يقبل بيت سيفا بالخروج على الدولة، وأرسلوا واستحضروا المتسلّم محمد باشا، فلمّا بلغ ذلك مصطفى باشا هرب من طرابلس ليلاً، ودخل المتسلّم المدينة مع الأمير عساف سيفا والأمير علي.

سنة ١٠٤٧ هـ ١٦٣٧ م:

في هذه السنة انتقل الأمير عساف إلى بلاد جبيل، وصار الاتفاق بينه وبين الأمير ملحم ابن الأمير يونس بن معن، وأرسلوا رجالهم ورجال مدلج الحيادي إلى عكار، فطردوا الأمير عليّاً بن علم الدين، والأمير عليّاً بن سيفا، وظلّوا وراءهم حتّى جبال الكلبيّة. ولمّا وصلوا إلى كفر طاب بلغهم أنّ محمد باشا عُزل عن إيالة طرابلس، وحضر بدله شاهين باشا، فرجعت عساكر ابن معن والأمير عساف، ورجع الأمير ملحم إلى الشوف، والأمير عساف إلى البقيعة. وحين وصول شاهين باشا أرسل الأمير عساف له التقادم والهدايا ؛ فأرسل له جواب الرضى والقبول، وأمّنه، وطلب أن يحضر إليه، وكان قد تقدّمت شكايات كثيرة على بيت سيفا أنّهم أخربوا البلاد.

ولمّا عزم الأمير عساف بن يوسف باشا سيفا على الحضور نصحه رفاقه أن لا يحضر، فما قبل ذلك. ولمّا وصل أمام شاهين باشا أمر برفعه إلى قلعة الحصن، وفي اليوم الثاني شنقه على البوّابة، وقتل مَن كان معه. ثمّ عيّن لخدمته الأمير إسماعيل بن موسى الكردي من راس نحاش، والشيخ عليّاً حمادة، وأمرهم بالنهوض لحرب بيت سيفا ؛ فقبضوا على قاسم باشا المجدوب، وعلى الأولاد والنساء، ووقع التفتيش على أرزاق بيت سيفا. وهرب الأمير علي وتشتّت بنو سيفا، وهربوا من إيالة طرابلس.

دولة بني سيفا في طرابلس:

قد رأينا أن نجمع من أخبارهم ما لا تراه مستقصىً منها في تضاعيف ما كتبناه في تاريخ طرابلس، وقد جاء فيها مبدّداً. فإليك ما كتبه عنهم المحبي مبدّداً في خلاصته:

٤٣٨

(١) الأمير يوسف باشا:

ابن سيفا أمير طرابلس وأوحد المشاهير بالكرم والإنعام، ولي حكومة طرابلس مدّةً طويلة، واشتهر عنه عزّة عظيمة، ونعمة جزيلة، وقصده الشعراء بالمدائح، وأهدوا إليه أنفس بداية المدائح.

وكان في نفس الأمر ممّن تفرّد بالهبات الطائلة، ورغب في ادّخار الثناء الحسن بالعطايا الشاملة، واقتدى به أخوه الأمير علي، وابنه الأمير حسين، وابن أخيه الأمير محمد، فكانت دولتهم السيفيّة اليوسفيّة، كما سمعت عن الدولة البرمكيّة والمعتمديّة، جمعوا للمعالي شملاً، وأصبحوا للمكارم أهلاً، وكانت لهم بلاد طرابلس صافية، ووعود الزمان بالمراد لمن قصدها وافية، وكان الأمير يوسف أكبر القوم سناً، وأحدهم في النجدة والبأس سناً، وهو الذي أسّس لهم الدولة ؛ فبنوا على أساسه، واقتدوا به في أمر الحكومة مستضيئين بنبراسه.

وله من الآثار مسجد بناه بطرابلس ؛ فقيل في تاريخه:

بنى ابن سيفا يوسف مسجدا دام أمـيراً لـلعلا راقـيا

ومَـن بـنى لـله بيتاً يكن عـليه فـي تاريخه راضيا

وقد جاء في خلاصة الأثر في ترجمة الأمير علي بن أحمد بن جانبولاذ بن قاسم الكردي القصيري، ما يتعلّق بابن سيفا ما خلاصته:

لمّا استفحل أمر ابن جانبولاذ، وبسط نفوذه وسلطانه على كثير من البلاد الشاميّة الشماليّة، ومنها حلب، وقد عمل على قتل نائبها حسين باشا، أرسل الأمير يوسف بن سيفا صاحب عكار إلى باب السلطنة رسالة يطلب فيها أن يكون أميراً على عساكر الشام، والتزم بإزالة الأمير علي عن حلب ؛ فجاءه الأمر على ما التزم.

وأرسل إلى عسكر دمشق وأمراء ضواحيها، يطلبهم إلى مجتمع العساكر وهو بمدينة حماة ؛ فتجمعوا هناك من كلّ ناحية. وجاء ابن جانبولاذ إلى حماة وتلاقيا وتصادما، فما هو إلاّ أن كان اجتماعهم بمقدار نحر جزور ؛ فانكسر ابن سيفا وأتباعه ورجع بأربعة أنفار، واستولى ابن جانبولاذ على مخيّمه ومخيّم عسكر الشام.

ثمّ إنّه راسل الأمير فخر الدين بن معن أمير الشوف وبلاد صيدا، وأظهر له أنّه قريبه مع بعد النسبة، فحضر إليه. واجتمعا عند منبع العاصي، وتشاورا على أن يقصدا طرابلس الشام لأجل الانتقام من ابن سيفا ؛ فسار ابن سيفا في البحر وأخلى لهم طرابلس

٤٣٩

وعكار، وأرسل أولاده وعياله إلى دمشق، وأجلس مملوكه يوسف في قلعة طرابلس، فتحصّن بها، وبعث ابن جانبولاذ الأمير درويش بن حبيب بن جانبولاذ إلى طرابلس ؛ فضبطها، واستولى على غالب أموال مَن وجد هناك، واستخرج دفائن كبيرة لأهلها، ولم يستطع أن يملك قلعتها.

وسار الأمير علي ومعه ابن معن إلى ناحية البقاع العزيزي من نواحي دمشق، ومرّا على بعلبك، وخرّبا ما أمكن تخريبه منها، واستقرّا في البقاع، وأظهرا أنّهما يريدان مقاتلة عسكر الشام، ولم تزل العساكر الشاميّة ترد إلى دمشق ؛ حتّى استقرّ في وادي دمشق الغربي ما يزيد على عشرة آلاف.

وتزاحف العسكران حتّى استقرّ ابن جانبولاذ وابن معن في نواي العراد، وزحف العسكر الدمشق إلى مقابلتهما.

وكان ابن سيفا وصل إلى دمشق، وأظهر التمارض، ولم يرحل مع العسكر الشامي، واستمرّت الرسل متردّدة بين الفريقين ليصطلحا، فلم يُقدّر لهم الاصطلاح، وتزاحف الجيشان، فتوهّم ابن جانبولاذ من صدمة العسكر الشامي ؛ فشرع في تفخيذ أكابر العسكر عن الإتفاق، وأوقع بينهم، ثمّ إنّه أرسل لطائفة من أكابرهم، فوردوا عليه في مخيّمه ليلاً، وألبسهم الخِلَع وتوافقوا معه على أنّهم ينكسرون عند المقابلة.

وكان في جانب ابن جانبولاذ ابن معن وابن الشهاب أمير وادي التيم ويونس بن الحرفوش، فطابت أنفسهم لملاقاة الشاميّين. وتلاقى الفريقان في يوم السبت من أواسط جمادى الآخرة سنة خمس عشرة بعد الألف. ولم يقع قتال فاصل بين الفريقين، ثمّ في صبيحة نهار الأحد وقف العسكر الشامي في المقابلة، واقتتلا. فما مر مقدار جلسة خطيب إلاّ وقد انفلّ العسكر الشامي، حتّى قال ابن جانبولاذ: العسكر الشامي ما قاتلنا وإنّما قابلنا للسلام علينا.

فلمّا ولَّى عسكر دمشق زحف ابن جانبولاذ حتّى نزل بقرية المزة، وكان نزوله في الخيام، وأمّا ابن معن فإنّه كان ضعيف الجسد في هاتيك الأيّام، وكان نزوله في جامع المزة.

وأصبحت أبواب البلدة يوم الاثنين مقفلة، وقد خرج منها ابن سيفا وجماعته ليلاً، بعد أن اجتمع به قاضي القضاة بالشام المولى إبراهيم بن علي الازنيقي، وحسن باشا الدفتري، ولم يمكّناه من الخروج حتّى دفع إليهما مئة ألف قرش ؛ ليفتدوا بها الشام من ابن جانبولاذ، ثم خرج ومعه الأمير موسى بن الحرفوش.

ولمّا بلغ الأمير ابن جانبولاذ خروجه غضب، وقال: يا أهل دمشق لو أرادوا السلامة منّي ما مكّنوا ابن

٤٤٠