تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٢

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 486

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 486
المشاهدات: 67204
تحميل: 7646


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 486 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67204 / تحميل: 7646
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

وكان سببه أنّ خادماً من خدّام المقتدر حكى لمؤنس: أن المقتدر بالله أمر خواصّ خدمه أن يحفروا جُبّاً في دار الشجرة، ويغطوه بِبُراية وتراب، وذكر أنّه يجلس فيه لوداع مؤنس، فإذا حضر وقاربها ألقاه الخدم فيها، وخنقوه، وأظهروه ميّتاً، فامتنع مؤنس من دخول دار الخليفة، وركب إليه جمع الأجناد، وفيهم عبد الله بن حمدان وإخوته، وخلت دار الخليفة، وقالوا لمؤنس: نحن نقاتل بين يديك إلى أن تنبت لك لحية، فوجّه إليه المقتدر رقعة بخطّه يحلف له على بطلان ما بلغه، فصرف مؤنس الجيش، وكتب الجواب أنّه العبد المملوك، وأنّ الذي أبلغه ذلك قد كان وضعه من يريد إيحاشه من مولاه، وأنّه ما استدعى الجند، وإنّما هم حضروا، وقد فرّقهم.

ثمّ إنّ مؤنساً قصد دار المقتدر في جمعٍ من القوّاد، ودخل إليه، وقبّل يده، وحلف المقتدر على صفاء نيّته له، وودّعه وسار إلى الثغر في العشر الآخر من ربيع الآخر، وخرج لوداعه أبو العبّاس بن المقتدر، وهو الراضي بالله، والوزير عليُّ بن عيسى)(١) .

(وفي هذه السنة، لمّا ورد الخبر بعبور أبي طاهر إلى الأنبار)، بعد ما جرى بينه وبين عسكر الخليفة بالكوفة من حروب، كان الظفر فيها للقرمطيّ، (خرج نصر الحاجب في عسكر جرّار، فلحق بمؤنس المظفّر، فاجتمعا في نيِّف وأربعين ألف مقاتل، سوى الغلمان ومَن يريد النّهب، وكان ممّن معه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان، ومن إخوته أبو الوليد، وأبو السرايا في أصحابهم، وساروا حتّى بلغوا نهر (زبارا)، على فرسخَيْن من بغداد، عند (عَقْرَقُوف)، فأشار أبو الهيجاء بن حمدان بقطع القنطرة التي عليه، فقطعوها.

وسار أبو طاهر ومن معه نحوهم، فبلغوا نهر زبارا، وفي أوائلهم رجل أسود، فما زال الأسود يدنو من القنطرة، والنشّاب يأخذه، ولا يمتنع، حتّى أشرف عليها، فرآها مقطوعة، فعاد وهو مثل القنفذ.

وأراد القرامطة العبور فلم يمكنهم ؛ لأنّ النهر لم يكن فيه مخاضة، ولمّا أشرفوا على عسكر الخليفة هرب منهم خلقٌ كثيرٌ إلى بغداد، من غير أن

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ١٦٩ - ١٧٠.

٨١

يلقوهم، فلمّا رأى ابن حمدان ذلك، قال لمؤنس: كيف رأيت ما أشرت به عليكم؟

فوالله لو عبر القرامطة النهر لانهزم كلُّ مَن معك ولأخذوا بغداد.

ولمّا رأى القرامطة ذلك عادوا إلى الأنبار)(١) .

وجرت وقائع كثيرة بينهم وبين عسكر الخليفة، كان الظفر حليفاً لهم في أكثرها.

ثمّ يقول:

(وقصد القرامطة (في هذه السنة أي ٣١٥) مدينة (هيت)، وكان المقتدر قد سيّر إليها سعيد بن حمدان، وهارون بن غريب، فلمّا بلغها القرامطة رأوا عسكر الخليفة قد سبقهم، فقاتلوهم على السور، فقتلوا من القرامطة جماعةً كثيرة، فعادوا عنها)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣١٦)

وفي هذه السنة: جرت أُمورٌ استوحش لها أصحاب مؤنس، من المقتدر في بغداد، يقول ابن الأثير:

(فكتبوا إلى مؤنس بذلك، وهو بالرقّة، فأسرع العود إلى بغداد، فنزل بالشمّاسيَّة في أعلى بغداد، ولم يلق المقتدر، فصعد إليه الأمير أبو العبّاس بن المقتدر، والوزير ابن مقلة، فأبلغاه سلام المقتدر واستيحاشه له)(٣) .

(وفي حوادث سنة ٣١٧)

وفي سنة ٣١٧ يذكر ابن الأثير دخول أبي الهيجاء بن حمدان مع مؤنس في أمر خلع المقتدر، بعد ما عرفتَ مِمّا سبق من الوحشة بين المقتدر ومؤنس، وانضمام الأجناد والقوّاد، ومنهم ابن حمدان إليه.

قال ابن الأثير:

(ومضى ابن حمدان إلى دار ابن طاهر، فأحضر محمّد بن المعتضد،

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ١٧٢ - ١٧٣.

(٢) م ٨ ص ١٧٣.

(٣) م ٨ ص ١٨٨.

٨٢

وبايعوه بالخلافة، ولقبَّوه القاهر بالله، وأحضروا القاضي أبا عمر عند المقتدر ليشهد عليه بالخلع، وعنده مؤنس ونازوك وابن حمدان وبنّيّ بن نفيس، فقال مؤنس للمقتدر ليخلع نفسه من الخلافة، فأشهد عليه القاضي بالخلع، فقام ابن حمدان وقال للمقتدر:

يا سيّدي يعزّ عليّ أن أراك على هذه الحال، وقد كنت أخافها عليك، وأحذرها، وأنصح لك، وأحذّرك عاقبة القبول من الخدم والنساء، فتؤثر أقوالهم على قولي، وكأنّي كنت أرى هذا، وبعد، فنحن عبيدك وخدمك.

ودمعت عيناه وعينا المقتدر، وشهد الجماعة على المقتدر بالخلع)(١) .

ثمّ عاد المقتدر إلى الخلافة بعد يومين، فقد خُلع في اليوم الخامس عشر من المُحرّم، والعيد في اليوم السابع عشر منه في اليوم الذي (بكّر الناس إلى دار الخليفة ؛ لأنّه يوم موكب دولة جديدة، فامتلأت الممرّات والمراحات والرّحاب، وشاطئ دجلة من الناس.

وحضر الرجّالة المصافيَّة في السلاح الشاكّ، يطابون بحقّ البيعة، ورزق سنة، وهم حنقون بما فعل بهم نازوك، ولم يحضر مؤنس المظفّر ذلك اليوم.

وارتفعت زعقات الرجّالة، فسمع بها نازوك، فأشفق أن يجري بينهم وبين أصحابه فتنة وقتال، فتقدّم إلى أصحابه، وأمرهم أن لا يعرضوا لهم، ولا يقاتلوهم، وزاد شغب الرجّالة، وهجموا يريدون الصحن التّسعينيّ، فلم يمنعهم أصحاب نازوك، ودخل من كان على الشطِّ بالسّلاح، وقربت زعقاتهم من مجلس القاهر بالله، وعنده أبو عليّ بن مقلة الوزير، ونازوك وأبو الهيجاء بن حمدان، فقال القاهر لنازوك: أخرج إليهم فسكّنهم وطيّب قلوبهم!

فخرج إليهم نازوك وهو مخمور، قد شرب طول ليلته، فلمّا رآه الرجّالة تقدّموا إليه ليشكوا حالهم إليه في معنى أرزاقهم، فلمّا رآهم بأيديهم السيوف يقصدونه خافهم على نفسه فهرب، فطمعوا فيه، فتبعوه، فانتهى به الهرب إلى باب كان هو سدّه أمس، فأدركوه عنده، فقتلوه عند ذلك الباب، وقتلوا قبله خادمه عجيباً، وصاحوا: يا مقتدر، يا منصور!

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٢٠١.

٨٣

فهرب كلّ مَن كان في الدار، مِن الوزير والحجّاب وسائر الطبقات، وبقيت الدار فارغة، وصلبوا نازوك وعجيباً، بحيث يراهما مَن على شاطئ دجلة.

ثمّ سار الرجّالة إلى دار مؤنس يصيحون، ويطالبونه بالمقتدر، وبادر الخدم فأغلقوا أبواب دار الخليفة، وكانوا جميعهم خدم المقتدر ومماليكه وصنائعه، وأراد أبو الهيجاء بن حمدان أن يخرج من الدار، فتعلّق به القاهر، وقال: أنا في ذمامك، فقال: والله لا أسلّمك أبداً ؛ وأخذ بيد القار، وقال: قُم بنا نخرج جميعاً، وأدعو أصحابي وعشيرتي فيقاتلون معك ودونك.

فقاما ليخرجا، فوجدا الأبواب مغلقة، فتبعهما (فائق وجه القصعة) يمشي معهما، فأشرف القاهر من سطح، فرأى كثرة الجمع، فنزل هو وابن حمدان وفائق، فقال ابن حمدان للقاهر: قف حتّى أعود إليك ؛ ونزع سواده وثيابه، وأخذ جبّة صوف لغلام هناك، فلبسها ومشى نحو باب (النوبى)، فرآه مغلقاً والناس مِن ورائه، فعاد إلى القهر، وتأخّر عنهما وجه القصعة ومَنْ معه من الخدم، فأمرهم وجه القصعة بقتلهما أخذاً بثأر المقتدر وما صنعا به، فعاد إليهما عشرة من الخدم بالسلاح، فعاد إليهم أبو الهيجاء وسيفه بيده، ونزع الجبَّة الصوف، وأخذها بيده الأُخرى، وحمل عليهم، فانجفلوا بين يديه، وغشيهم، فرموه بالنشّاب ضرورة، فعاد عنها، وانفرد عنه القاهر ومشى إلى آخر البستان فاختفى فيه.

ودخل أبو الهيجاء إلى بيتٍ مِن ساج، وتقدّم الخدم إلى ذلك البيت، فخرج إليهم أبو الهيجاء، فولّوا هاربين، ودخل إليهم بعض أكابر الغلمان الحجريّة، ومعه أسودان بسلاح، فقصدوا أبا الهيجاء، فخرج إليهم فرُمي بالسهام فسقط، فقصده بعضُهم فضربه بالسيف فقطع يده اليمنى، وأخذ رأسه فحمله بعضهم، ومشى وهو معه.

وأمّا الرجّالة فإنّهم لمّا انتهوا إلى دار مؤنس وسمع زعقاتهم ؛ قال: ما الذي تريدون؟

فقيل له: نريد المقتدر.

فأمر بتسليمه إليهم، فلمّا قيل للمقتدر ليخرج خاف على نفسه أن تكون حيلة عليه، فامتنع، وحُمل وأُخرج إليهم، فحمله الرجّالة على رقابهم حتّى أدخلوه دار الخلافة، فلمّا

٨٤

حصل في الصحن التسعينيّ اطمأنّ وقعد، فسأل عن أخيه القاهر، وعن ابن حمدان، فقيل: هما حيّان ؛ فكتب لهما أماناً بخطّه، وأمر خادماً بالسُّرعة بكتاب الأمان لئلاّ يحدث على أبي الهيجاء حادث، فمضى بالخطّ إليه، فلقيه الخادم الآخر ومعه رأسه، فعاد معه، فلمّا رآه المقتدر، وأخبره بقتله، قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! مَن قتله؟

فقال الخدم: ما نعرف قاتله.

وعظم عليه قتله، وقال: ما كان يدخل عليّ ويسلّيني، ويُذهب عنّي الغمّ هذه الأيّام غيره.

ثمّ أُخذ القاهر وأُحضر عند المقتدر، فاستدناه، فأجلسه عنده وقبّل جبينه، وقال له: يا أخي قد علمت أنّه لا ذنب لك، وأنّك قُهرت، ولو لقّبوك بالمقهور لكان أولى من القاهر ؛ والقاهر يبكي ويقول: يا أمير المؤمنين! نفسي، نفسي، اذكر الرَّحِم التي بيني وبينك! فقال له المقتدر:

وحق رسول الله، لا جرى عليك سوء منّي أبداً، ولا وصل أحد إلى مكروهك وأنا حيّ، فسكن.

وأُخرج رأس نازوك ورأس أبي الهيجاء، وشُهرا، ونُودي عليهما: هذا جزاء من عصى مولاه)(١) .

وأمّا بنّيّ بن نفيس فقد هرب إلى أرمينية، وسار حتّى دخل القسطنطينية، وتنصّر.

وكذلك أبو السّرايا بن حمدان أخو أبي الهيجاء، هرب إلى الموصل.

ويقول ابن الأثير في حوادث سنة ٣١٧:

(وفي هذه السنة، منتصف المحرّم، وقعت فتنة بالموصل)(٢) ، واستفحل أمرها.

(وركب أمير الموصل وهو الحسن بن عبد الله بن حمدان الذي لُقّب بعدُ بناصر الدولة ليسكّن الناس، فلم يسكنوا ولا كفّوا)(٣) .

(وفيها: أقرّ المقتدر بالله ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على ما بيده من أعمال (قَرْدى)، وعلى أقطاع أبيه وضياعه.

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٢٠٣ - ٢٠٤ - ٢٠٥ - ٢٠٦.

(٢) م ٨ ص ٢١٢.

(٣) م ٨ ص ٢١٣.

٨٥

وفيها: قُلِّد نحرير الصغير أعمال الموصل، فسار إليها، فمات بها في هذه السنة، ووليَها بعده ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان، في المحرّم من سنة ثماني عشرة وثلاثمئة)(١) .

(وفي هذه السنة (أي ٣١٧) في شعبان: ظهر بالموصل خارجيٌّ يُعرف بابن مطر، وقصد نَصيبيِن، فسار إليها ناصر الدولة بن حمدان، فقاتله، فأسره.

وظهر فيها - أيضاً - خارجيٌّ اسمه محمد بن صالح بالبوازيج، فسار إليه أبو السرايا نصر بن حمدان، فأخذه أيضاً)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣١٨)

يقول ابن الأثير في كامله:

(وفي هذه السنة (٣١٨)، في ربيع الأول: عُزل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان عن الموصل، ووليَها عمّاه سعيد ونصر ابنا حمدان، ووليَ ناصر الدولة ديار ربيعة ونَصيبِين وسِنجار والخابور ورأس العين، ومعها مِن ديار بكر، ميّافارقين وأرزون، ضمن ذلك بمالٍ مبلغه معلوم، فسار إليها، ووصل سعيد إلى الموصل في ربيع الآخر)(٣) .

(وفي هذه السنة، في جمادى الأُولى: خرج خارجيٌّ من (بجيلة)، من أهل البوازيج، اسمه صالح بن محمود، وعبر إلى البريّة، واجتمع إليه جماعة من بني مالك، وسار إلى سِنجار، وجرت منه أُمور).

(وعبر إلى الجانب الغربيّ، وأسر أهلُ الحديثة ابناً لصالح اسمه محمّد، فأخذه نصر بن حمدان بن حمدون، وهو الأمير بالموصل، فأدخله إليها، ثمّ سار صالح إلى السنّ، فصالحه أهلها على مالٍ أخذه منهم، وانصرف إلى البوازيج، وسار منها إلى تلّ خوسا قرية من أعمال الموصل عند الزاب الأعلى، وكاتب أهلَ الموصل في أمر ولده، وتهدّدهم إنْ لم يردّوه إليه.

ثمّ رحل إلى السلاميّة، فسار إليه نصر بن حمدان لخمس خلون

____________________

(١) م ٨ ص ٢١٤.

(٢) م ٨ ص ٢١٤.

(٣) الكامل، م ٨ ص ٢١٧.

٨٦

من شعبان من هذه السنة، ففارقها صالح إلى البوازيج، فطلبه نصر، فأدركه بها، فحاربه حرباً شديدة قُتل فيها من رجال صالح نحو مئة رجل، وقُتل من أصحاب نصر جماعة، وأُسر صالح ومعه ابنان له، وأُدخلوا إلى الموصل، وحُملوا إلى بغداد فأُدخلوا مشهورين.

وفيها (سنة ٣١٨)، في شعبان: خرج بأرض الموصل خارجيّ اسمه الأغر بن مطرة الثعلبيّ، وكان خروجه بنواحي رأس العين، وقصد (كفَرتوثا) وقد اجتمع معه نحو ألفي رجل، ودخلها ونهبها وقَتل فيها.

وسار إلى نصيبين، فنزل بالقرب منها، فظفر بواليها، وقتل منهم مئة رجل، وأسّر ألف رجل، فباعهم نفوسهم، وصالحه أهل نصيبين على أربعمئة ألف درهم.

وبلغ خبره ناصر الدولة بن حمدان، وهو أمير ديار ربيعة، فسيّر إليه جيشاً فقاتلوه، فظفروا به وأسروه، وسيّره ناصر الدولة إلى بغداد)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣١٩)

(وفي هذه السنة (٣١٩): قصد الروم بلاد الإسلام في خلقٍ كثير، فخرَّبوا (بَزْكَرَى)، وبلاد خلاط وما جاورها، وقُتل من المسلمين خلقٌ كثير، وأسروا كثيراً منهم، فبلغ خبرهم مُفلحاً غلام يوسف بن أبي السّاج، وهو والي أذربيجان، فسار في عسكرٍ كبير، وتبعه كثير من المتطوّعة إلى أرمينية، فوصلها في رمضان)(٢) .

وجرت بينه وبين الروم حربٌ عظيمةٌ كان له فيها الانتصار والغلبة، وبالغ الناس في كثرة القتلى من الأرمن، حتّى قيل إنّهم كانوا مئة ألف قتيل.

(وسارت عساكر الروم إلى سُمَيساط فحصروها، فاستصرخ أهلها بسعيد بن حمدان، وكان المقتدر قد ولاّه الموصل وديار ربيعة، وشرط عليه غزو الروم، وأن يستنقذ مَلَطْية منهم، وكان أهلها قد ضعفوا، فألحّوا الروم، وسلّموا مفاتيح البلد إليهم، فحكموا على المسلمين، فلمّا جاء رسول أهل سُمَيْساط إلى سعيد بن حمدان تجهَّز وسار إليهم مُسرعاً،

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٢٢٠ - ٢٢١.

(٢) م ٨ ص ٢٣٤.

٨٧

فوصل وقد كاد الروم يفتحونها، فلمّا قاربهم هربوا منه، وسار منها إلى مَلطْية وبها جمع مِن الروم ومِن عسكر مليح الأرمنيّ ومعهم بنّيّ بن نفيس، صاحب المقتدر، وكان قد تنصّر، وهو مع الروم، فلمّا أحسّوا بإقبال سعيد خرجوا منها، وخافوا أن يأتيهم سعيد في عسكره من خارج المدينة، ويثور أهلها بهم فيهلكوا، ففارقوها.

ودخلها سعيد ثمّ استخلف عليها أميراً، وعاد عنها، فدخل بلد الروم غازياً في شوّال، وقدَّم بين يديه سَريّتَيْن فقتلتا من الروم خلقاً كثيراً، قبل دخوله إليها)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٢٠)

لمّا خرج مؤنس المظفّر في المحرّم سنة ٣٢٠ مغاضباً للمقتدر لأسباب، وقاصداً الموصل، (سمع الحسين الوزير بمسيره، فكتب إلى سعيد وداود ابنَيْ حمدان، وإلى ابن أخيهما ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان، يأمرهم بمحاربة مؤنس، وصدّه عن الموصل.

وكان مؤنس كتب في طريقه إلى رؤساء العرب يستدعيهم، ويبذل لهم الأموال والخِلَع، ويقول لهم: إنَّ الخليفة قد ولاّه الموصل وديار ربيعة.

واجتمع بنو حمدان على محاربة مؤنس، إلاّ داود بن حمدان، فإنّه امتنع من ذلك لإحسان مؤنس إليه، فإنّه كان قد أخذه بعد أبيه، وربّاه في حجره، وأحسن إليه إحساناً عظيماً، فلمّا امتنع عن محاربته، لم يزل به إخوته حتّى وافقهم على ذلك، وذكروا له إساءة الحسين وأبي الهيجاء ابنَي حمدان إلى المقتدر مرّةً بعد مرَّة، وأنّهم يريدون أن يغسلوا تلك السيّئة، ولمّا أجابهم قال لهم:

والله إنّكم لتحملونني على البغي وكفران الإحسان، وما آمن أن يجيئني سهم عائر في نحري فيقتلني ؛ فلمّا التقوا أتاه سهمٌ كما وصف فقتله.

وكان مؤنس إذا قيل له: إنّ داود عازم على قتالك، ينكره ويقول: كيف يقاتلني وقد أخذته طفلاً وربّيْته في حجري!

ولمّا قرب مؤنس من

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٢٣٤ - ٢٣٥.

٨٨

الموصل كان في ثمانمئة فارس، واجتمع بنو حمدان في ثلاثين ألفاً، والتقوا واقتتلوا، فانهزم بنو حمدان، ولم يُقتل منهم غير داود، وكان يُلقّب بالمجفجف، وفيه يقول بعض الشعراء، وقد هجا أميراً:

لـو كنتَ في أََلْفِ ألفٍ كلُّهم بطلٌ مِـثل المُجَفْجَفِ داود بن حمدانِ

وتحتكَ الريحُ تجري حيث تأمرُها وفـي يـمينك سيفٌ غيرُ خَوّانِ

لـكنتَ أوّل فـرَّارٍ إلـى عَـدَنٍ إذا تـحرّك سـيفٌ من خُراسانِ

وكان داود هذا من أشجع الناس، ودخل مؤنس الموصل ثالث صفر، واستولى على أموال بني حمدان وديارهم، فخرج إليه كثير من العساكر من بغداد والشام ومصر، من أصناف الناس لإحسانه الذي كان إليهم، وعاد إليه ناصر الدولة بن حمدان، فصار معه، وأقام بالموصل تسعة أشهر، وعزم على الانحدار إلى بغداد)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٢١)

(وفي هذه السنة: اجتمع بنو ثعلبة إلى بني أسد، القاصدين إلى أرض الموصل، ومن معهم من طيّ، فصاروا يداً واحدةً على بني مالك ومَنْ معهم من تغلب، وقرب بعضهم من بعض للحرب، فركب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في أهله ورجاله، ومعه أبو الأغرّ بن سعد بن حمدان للصلح بينهم، فتكلّم أبو الأغرّ، فطعنه رجلٌ من حزب بني ثعلبة فقتله، فحمل عليهم ناصر الدولة ومَن معه، فانهزموا وقُتل منهم، ومُلكت بيوتهم، وأُخذ حريمهم وأموالهم، ونجوا على ظهور خيولهم، وتبعهم ناصر الدولة إلى المدينة، فلمّا وصلوا إليها لقيهم يأنس غلام مؤنس، وقد وليَ الموصل، وهو مُصعد إليها، فانضمّ إليه بنو ثعلبة وبنو أسد وعادوا إلى ديار ربيعة)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٢٢)

(وفي هذه السنة: قتل القاهرُ بالله إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ، وهو

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٢٣٩ - ٢٤٠.

(٢) م ٨ ص ٢٧٢ - ٢٧٣.

٨٩

الذي أشار باستخلافه، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه، قتل أيضاً أبا السرايا بن حمدان، وهو أصغر ولد أبيه ؛ وسبب قتلهما أنّه أراد أن يشتري مغنِّيتَيْن قبل أن يلي على الخلافة، فزادا عليه في ثمنهما، فحقد ذلك عليهما، فلمّا أراد قتلهما استدعاهما للمنادمة، فتزيّنا وتطيّبا وحضرا عنده، فأمر بإلقائهما إلى بئر في الدار، وهو حاضر، فتضرّعا وبكيا، فلم يلتفت إليهما وألقاهما فيها وطمّها عليهما)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٢٣)

ويقول ابن الأثير في حوادث سنة ٣٢٣:

(وفي هذه السنة: قتل ناصرُ الدولة أبو محمّد الحسن بن عبد الله بن حمدان عمّه أبا العلاء بن حمدان.

وسبب ذلك: أنّ أبا العلاء سعد بن حمدان ضمن الموصل وديار ربيعة سرّاً، وكان بها ناصر الدولة ابن أخيه أميراً، فسار عن بغداد في خمسين رجلاً، وأظهر أنّه متوجّه ليطلب مال الخليفة من ابن أخيه، فلمّا وصل إلى الموصل خرج ابن أخيه إلى تلقّيه، وقصد مخالفة طريقه، فوصل أبو العلاء، ودخل دار ابن أخيه، وسأل عنه فقيل: إنّه خرج إلى لقائك، فقعد ينتظره، فلمّا علم ناصر الدولة بمقامه في الدار أنفذ جماعةً من غلمانه، فقبضوا عليه ثمّ أنفذ جماعةً غيرهم فقتلوه.

لمّا علم قتل ناصر الدولة عمّه أبا العلاء واتّصل خبره بالراضي عظم ذلك عليه وأنكره، وأمر ابن مُقلة بالمسير إلى الموصل، فسار إليها في العساكر، في شعبان، فلمّا قاربها رحل عنها ناصر الدولة بن حمدان، ودخل (الزَّوَزان)، وتبعه الوزير إلى جبل (التِّنّين)، ثمّ عاد عنها وأقام بالموصل يجبي مالها.

ولمّا طال مقامه بالموصل احتال بعض أصحاب ابن حمدان على ولد الوزير، وكان ينوب عنه في الوزارة ببغداد، فبذل له عشرة آلاف دينار ليكتب إلى أبيه يستدعيه، فكتب إليه يقول: إنّ الأُمور بالحضرة قد اختلّت،

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٢٩٥ - ٢٩٦.

٩٠

وإنْ تأخّر لم يأمن حدوث ما يبطل به أمرهم، فانزعج الوزير لذلك، واستعمل على الموصل عليَّ بن خلف بن طبّاب و(ماكرد) الديلميّ، وهو من الساجيّة، وانحدر إلى بغداد منتصف شوّال.

فلمّا فارق الموصل عاد إليها ناصر الدولة بن حمدان، فاقتتل هو و (ماكرد) الديلميّ، فانهزم ابن حمدان، ثمّ عاد وجمع عسكراً آخر، فالتقوا على نصيبين في ذي الحجّة، فانهزم (ماكرد) إلى الرقّة وانحدر منها إلى بغداد، وانحدر - أيضاً - ابن طبّاب، واستولى ابن حمدان على الموصل والبلاد، وكتب إلى الخليفة يسأله الصّفح، وأن يضمن البلاد، فأُجيب إلى ذلك واستقرّت البلاد عليه)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٢٤)

وفي هذه السنة (٣٢٤): استولى أبو بكر محمد بن رائق - وقد استدعاه الراضي من واسط - على الخلافة، ونِيطت أُمور الدولة إليه، وأصبح الكلّ في الكلّ، ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها، والحكم في جميعها لابن رائق.

ويقول ابن الأثير:

(وأمّا باقي الأطراف فكانت البصرة في يد ابن رائق، وخوزستان في يد البريديّ، وفارس في يد عماد الدولة بن بويه، وكرمان في يد أبي عليّ محمّد بن إلياس، والرَّيّ وأصبهان والجبل في يد ركن الدولة بن بويه ويد (وشمكير) أخي (مرداويج) يتنازعان عليها، والموصل وديار بكر وربيعة في يد بني حمدان ؛ ومصر والشام في يد محمد ابن طُغْج، والمغرب وإفريقية في يد أبي القاسم بأمر الله بن المهديّ العلويّ، وهو الثاني منهم، ويلقّب بأمير المؤمنين، والأندلس في يد عبد الرحمان بن محمّد الملقّب بالناصر الأموي، وخُراسان وما وراء النّهر في يد نصر بن أحمد السامانيّ، وطبرستان وجُرجان في يد الدَّيلم، والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القُرمُطيّ)(٢) .

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٣٠٩ - ٣١٠.

(٢) الكامل، م ٨ ص ٣٢٣ - ٣٢٤.

٩١

(وفي حوادث سنة ٣٢٦)

(وفي هذه السنة (٣٢٦): سار (لشكرستان) فيمن معه إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل ؛ فأقام بعضهم عنده، وانحدر بعضهم إلى بغداد.

فأمّا الذين أقاموا بالموصل فسيّرهم مع ابن عمّ أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان إلى ما بيده من أذربيجان لمّا أقبل نحوه (ديسم) ليستولي عليه، وكان أبو عبد الله مِن قِبَل ابن عمّه ناصر الدّولة على معاون أذربيجان، فقصده (ديسم) وقاتله، فلم يكن لابن حمدان به طاقة، ففارق أذربيجان واستولى عليها ديسم)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٢٧)

(في هذه السنة، في المحرّم: سار الرّاضي بالله و (بجكم) إلى الموصل وديار ربيعة.

وسبب ذلك: أنّ ناصر الدولة بن حمدان أخّر المال الذي عليه من ضمان البلاد التي بيده، فاغتاظ الراضي منه لسبب ذلك، فسار هو وبجكم إلى الموصل، ومعهما قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمّد، فلمّا بلغوا تكريت أقام الراضي بها، وسار بجكم، فلقيه ناصر الدولة بالكُحَيْل على ستّة فراسخ من الموصل، فاقتتلوا، واشتدّ القتال، فانهزم أصحاب ناصر الدولة، وساروا إلى نصيبين، وتبعهم بجكم ولم ينزل بالموصل.

فلمّا بلغ نَصيبين سار ابن حمدان إلى آمِد، وكتب بجكم إلى الراضي بالفتح، فسار من تكريت في الماء يريد الموصل، وكان مع الراضي جماعة من القرامطة، فانصرفوا عنه إلى بغداد قبل وصول كتاب بجكم، وكان ابن رائق يكاتبهم، فلمّا بلغوا بغداد ظهر ابن رائق من استتاره واستولى على بغداد، ولم يعرض لدار الخليفة.

وبلغ الخبر إلى الراضي، فأصعد من الماء إلى البرّ، وسار إلى الموصل، وكتب إلى بجكم بذلك، فعاد عن نَصيبين، فلمّا بلغ خبر عوده

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٣٥٠ - ٣٥١.

٩٢

إلى ناصر الدولة، سار من آمد إلى نَصيبين، فاستولى عليها وعلى ديار ربيعة، فقلق بجكم لذلك، وتسلّل أصحابه إلى بغداد، فاحتاج أن يحفظ أصحابه، وقال: قد حصل الخليفة وأمير الأمراء على قصبة الموصل حسب.

وأنفذ ابن حمدان قبل أن يتّصل به خبر ابن رائق، يطلب الصلح ويعجل خمسمئة ألف درهم، ففرح بجكم بذلك، وأنهاه إلى الراضي، فأجاب إليه، واستقرّ الصلح بينهم، وانحدر الراضي وبجكم إلى بغداد)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٢٩)

(وفي سنة ٣٢٩، عاد أبو بكر محمّد بن رائق من الشّام إلى بغداد، وصار أمير الأمراء.

وكان سبب ذلك: أنّ الأتراك البجكميّة لمّا ساروا إلى الموصل لم يروا عند ابن حمدان ما يريدون، فساروا نحو الشام إلى ابن رائق، وكان فيهم من القوّاد (توزون) و (حجمج) و (نوشتكين) و (صيغون)، فلمّا وصلوا إليه أطمعوه في العود إلى العراق، ثمّ وصلت إليه كتب المتّقي يستدعيه، فسار من دمشق في العشرين من رمضان، واستخلف على الشّام أبا الحسن أحمد بن عليّ بن مقاتل، فلمّا وصل إلى الموصل تنحّى عن طريقه ناصر الدولة بن حمدان، فتراسلا، واتّفقا على أن يتصالحا، وحمل ابن حمدان إليه مئة ألف دينار، وسار ابن رائق إلى بغداد)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٣٠)

(وفي سنة ٣٣٠، أنفذ المتّقي لله إلى ناصر الدولة بن حمدان يستمدّه على البريديّين، فأرسل أخاه سيف الدّولة عليَّ بن عبد الله بن حمدان نجدةً له في جيشٍ كثيفٍ، فلقي المتّقي وابن رائق بتكريت قد انهزما، فخدم سيف الدّولة للمتّقي خدمةً عظيمة، وسار معه إلى الموصل، ففارقها ناصر الدولة إلى الجانب الشرقيّ، وتوجّه نحو (معلثايا)، وتردّدت الرسل بينه وبين ابن

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٣٥٣ - ٣٥٤.

(٢) الكامل، م ٨ ص ٣٧٥.

٩٣

رائق، حتّى تعاهدا واتّفقا، فحضر ناصر الدولة ونزل على دجلة بالجانب الشرقيّ ؛ فعبر إليه الأمير أبو منصور بن المتّقي وابن رائق يسلمان عليه ؛ فنثر الدنانير والدراهم على ولد المتّقي، فلمّا أرادوا الانصراف من عنده ركب ابن المتّقي، وأراد ابن رائق الركوب، فقال له ناصر الدولة، تقيم اليوم عندي لنتحدّث فيما نفعله ؛ فاعتذر ابن رائق بابن المتّقي، فألحّ عليه ابن حمدان، فاستراب به، وجذب كمّه من يده فقطعه، وأراد الركوب فشبّ به الفرس فسقط، فصاح ابن حمدان بأصحابه: اقتلوه! فقتلوه، وألقوه في دجلة.

وأرسل ابن حمدان إلى المتّقي يقول: إنّه علم أنّ ابن رائق أراد أن يغتاله، ففعل به ما فعل ؛ فردّ عيه المتّقي ردّاً جميلاً، وأمره المسير إليه، فسار ابن حمدان إلى المتّقي لله، فخلع عليه، ولقّبه ناصر الدولة، وجعله أمير الأمراء، وذلك مستهلّ شعبان، وخلع على أخيه أبي الحسين عليّ، ولقّبه سيف الدولة)(١) .

وفي هذه السنة (أي ٣٣٠): لمّا غدر نوشتكين بتوزون، وقد تحالفا على كبس البريدي، (وعلم توزون غدر نوشتكين به، فعاد ومعه جملة من الأتراك، وسار نحو الموصل خامس رمضان، فقوي بهم ابن حمدان، وعزم على الانحدار إلى بغداد، وتجهّز وانحدر هو والمتّقي، واستعمل على أعمال الخراج والضياع بديار مضر، وهي الرُّها وحرّان والرِّقّة، أبا الحسن عليَّ بن طيّاب، وسيّره من الموصل.

وكان على ديار مضر أبو الحسن أحمد بن عليّ بن مقاتل، خليفة لابن رائق، فاقتتلوا، فقُتل أبو الحسين بن مقاتل، واستولى ابن طيّاب عليها، فلمّا قارب المتّقي لله وناصر الدولة بن حمدان بغداد، ونهب الناس بعضهم بعضاً، وكان مقام أبي الحسين ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً، ودخل المتَّقي لله إلى بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة)(٢) .

____________________

(١) م ٨ ص ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٢) الكامل، م ٨ ص ٣٨٣ - ٣٨٤.

٩٤

(ولمّا هرب أبو الحسين البريديّ إلى واسط، ووصل بنو حمدان والمتّقي إلى بغداد، خرج بنو حمدان عن بغداد نحو واسط، وكان أبو الحسن قد سار من واسط إليهم ببغداد، فأقام ناصر الدولة بالمدائن، وسيّر أخاه سيف الدّولة وابن عمّه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان في الجيش إلى قتال أبي الحسين، فالتقوا تحت المدائن بفرسخَيْن، واقتتلوا عدّة أيّام، آخرها رابع ذي الحجّة، وكان توزون وحجمج والأتراك مع ابن حمدان، فانهزم سيف الدولة ومَن معه إلى المدائن، وبها ناصر الدولة، فردّهم وأضاف إليهم مَن كان عنده من الجيش، فعاودوا القتال، فانهزم أبو الحسين البريديّ، وأُسر جماعة من أعيان أصحابه، وقُتل جماعة، وعاد أبو الحسين البريديّ منهزماً إلى واسط، ولم يقدر سيف الدولة على اتّباعه إليها لِما في أصحابه مِن الوهن والجراح.

وكان المتّقي قد سيَّر أهله من بغداد إلى (سُرّ مَن رأَى)، فأعادهم، وكان أعيان الناس قد هربوا من بغداد، فلمّا انهزم البريديُّ عادوا إليها، وعاد ناصر الدولة بن حمدان إلى بغداد، فدخلها ثالث عشر ذي الحجَّة، وبين يديه الأسرى على الجمال، ولمّا استراح سيف الدولة وأصحابه انحدروا من موضع المعركة إلى واسط، فرأوا البريديّين قد انحدروا إلى البصرة، فأقام ومعه الجيش.

ولمّا عاد ناصر الدولة إلى بغداد نظر في العيار، فرآه ناقصاً، فأمر بإصلاح الدنانير، فضرب دنانير سمّاها (الإِبريزيّة)، عيارها خير من غيرها، فكان الدينار بعشرة دراهم، فبيع هذا الدينار بثلاثة عشر درهماً)(١) .

(وفي حوادث سنة ٣٣١)

(وفي هذه السنة: ظفر أبو عبد الله الحسين بن سعد بن حمدان بعدل حاجب بجكم، وسمله، وسيّره إلى بغداد.

وسبب ذلك: أنّ عدلاً صار بعد قتل بجكم مع ابن رائق، وسار معه إلى بغداد، وأصعد معه إلى الموصل، فلمّا قتل ناصر الدولة أبا بكر بن

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٣٨٤ - ٣٨٥.

٩٥

رائق، صار عدل في جملة ناصر الدولة، فسيّره ناصر الدولة مع عليّ بن خلف بن طياب إلى ديار مضر، والشام الذي كان بيد ابن رائق.

وكان بالرحبة من جهة ابن رائق رجل يُقال له مسافر بن الحسن، فلمّا قُتل ابن رائق استولى مسافر هذا على الناحية، ومنع منها، وجبى خراجها، فأرسل إليه ابن طيّاب عدلاً في جيشٍ ليخرجه عن الرحبة، فلمّا سار إليها فارقها مسافر من غير قتال، وملك عدلٌ الحاجب البلد، وكاتب من ببغداد من البجكميّة، فقصدوه مستخفين، فقوي أمره بهم، واستولى على طريق الفرات، وبعض الخابور)(١) .

وهكذا أخذ ينبه أمره، ويستظهر بما كان يجيبه من الخراج بالرجال الذين يقصدونه من بغداد، (وعاد إلى الرحبة، واتسعت حاله)(٢) ، إلى أن (سار يريد نَصيبين لعلمه ببُعد ناصر الدولة عن الموصل والبلاد الجزيريّة، ولم يمكنه قصد الرّقة، وحرّان ؛ لأنّها كان بها (يأنس المؤنسيّ) في عسكرٍ ومعه جمعٌ من بني نمير، فتركها وسار إلى رأس العين، ومنها إلى نصيبين، فاتّصل خبره بالحسين بن حمدان، فجمع الجيش وسار إليه إلى نصيبين، فلمّا قرب منه لقيه عدل في جيشه، فلمّا التقى العسكران استأمن أصحابه من عدل إلى ابن حمدان، وبقي معه منهم نفرٌ يسير من خاصّته، فأسره ابن حمدان، وأسر معه ابنه، فسمل عدلاً، وسيّرهما إلى بغداد، فوصلها في العشرين من شعبان، فشهِّر هو وابنه فيها)(٣) .

ذكر حال سيف الدولة بواسط

(قد ذكرنا مقام سيف الدولة عليّ بن حمدان بواسط، بعد انحدار البريديّين عنها، وكان يريد الانحدار إلى البصرة لأخذها من البريديّ، (الذي ذهب من واسط إليها)، ولا يمكنه لقلّة المال عنده، ويكتب إلى أخيه في ذلك، فلا ينفذ إليه شيئاً، وكان توزون وحجحج يسيئان الأدب ويتحكّمان عليه.

____________________

(١) م ٨ ص ٣٩٤.

(٢) الكامل، م ٨ ص ٣٩٥.

(٣) م ٨ ص ٣٩٦.

٩٦

ثمّ إنّ ناصر الدولة أنفذ إلى أخيه مالاً مع أبي عبد الله الكوفيّ ليفرّقه في الأتراك، فأسمعه توزون وحجمج المكروه، وثارا به، فأخذه سيف الدولة وغيَّبه عنهما وسيّره إلى بغداد، وأمر توزون أن يسير إلى الجامدة ويأخذها وينفرد بحاصلها، وأمر حجمج أن يسير إلى قذار ويحفظها ويأخذ حاصلها.

وكان سيف الدولة يزهد بالأتراك في العراق، ويُحسّن لهم قصد الشام معه والاستيلاء عليه وعلى مصر، ويقع في أخيه عندهم، فكانوا يصدّقونه في أخيه، ولا يجيبونه إلى المسير إلى الشام معه، ويتسحّبون عليه، وهو يجيبهم إلى الذي يريدونه.

فلمّا كان سلخ شعبان، ثار الأتراك بسيف الدولة فكبسوه ليلاً، فهرب من معسكره إلى بغداد، ونُهب سواده، وقُتل جماعة من أصحابه.

وأمّا ناصر الدّولة فإنّه لمّا وصل إليه أبو عبد الله الكوفيُّ وأخبره الخبر ؛ برز ليسير إلى الموصل، فركب المتَّقي إليه، وسأله التوقّف عن المسير، فأظهر له الإجابة إلى أن عاد، ثمّ سار إلى الموصل ونُهبت داره، وثار الديلم والأتراك، ودبّر الأمر أبو إسحاق القراريطيّ من غير تسميةٍ بوزارة.

وكانت إمارة ناصر الدولة أبي محمّد الحسين بن عبد الله بن حمدان ببغداد ثلاثة عشر شهراً وخمسة أيّام، ووزارة أبي العبّاس الأصبهانيّ أحداً وخمسين يوماً، ووصل سيف الدولة إلى بغداد.

ولمّا هرب سيف الدولة من واسط عاد الأتراك إلى معسكرهم، فوقع الخلاف بين توزون وحجحج، وتنازعا الإمارة، ثمّ استقرّ الحال على أن يكون توزون أميراً، وحجحج صاحب الجيش، وتصاهرا)(١) .

وتفرّق كلٌّ منهما إلى جهة عمله.

(ولمّا فارق سيف الدولة بغداد دخلها توزون، فخلع عليه المتّقي لله، وجعله أمير الأمراء)(٢) .

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٣٩٦ - ٣٩٧.

(٢) م ٨ ص ٣٩٨.

٩٧

(وكان توزون قد أسر غلاماً عزيزاً على سيف الدولة، قريباً منه، يُقال له (ثمال)، فأطلقه وأكرمه وأنفذه إليه، فحسن موقع ذلك من بني حمدان)(١) .

(وفي هذه السنة (٣٣١): تزوّج الأمير أبو منصور بن المتّقي لله بابنة ناصر الدولة بن حمدان، وكان الصداق ألف ألف درهم، والحمل مئة ألف دينار.

وفيها: قبض ناصر الدولة على الوزير أبي إسحاق القراريطيّ، ورتّب مكانه أبا العبّاس أحمد بن عبد الله الأصبهانيّ)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٣٢)

(في هذه السنة: أُصعد المتّقي لله إلى الموصل)(٣) ، وقد أصبح لا يملك من الأمر شيئاً.

(وكان المتّقي قد أنفذ يطلب من ناصر الدولة بن حمدان إنفاذ جيش إليه ليصحبوه إلى الموصل، فأنفذهم مع ابن عمّه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان.

فلمّا وصلوا إلى بغداد، خرج إليهم المتّقي في حُرَمه وأهله ووزيره وأعيان بغداد)(٤) .

(وانحدر سيف الدولة وحده إلى المتّقي لله بتكريت، فأرسل المتّقي إلى ناصر الدولة يستدعيه، ويقول له: لم يكن الشرط معك إلاّ أن تنحدر إلينا، فانحدر، فوصل إلى تكريت في الحادي والعشرين من ربيع الآخر، وركب المتّقي إليه، فلقيه بنفسه، وأكرمه.

وأصعد الخليفة إلى الموصل، وأقام ناصر الدولة بتكريت، وسار توزون نحو تكريت، فالتقى هو وسيف الدولة بن حمدان تحت تكريت بفرسخَيْن، فاقتتلوا ثلاثة أيّام، ثمّ انهزم سيف الدولة يوم الأربعاء لثلاث بقين من ربيع الآخر، وغنم توزون والأعراب سواده وسواد أخيه ناصر الدولة، وعادا من تكريت إلى الموصل ومعهما المتّقي لله.

____________________

(١) م ٨ ص ٣٩٩.

(٢) م ٨ ص ٤٠٤.

(٣) م ٨ ص ٤٠٦.

(٤) الكامل، م ٨ ص ٤٠٦.

٩٨

وشغب أصحاب توزون فعاد إلى بغداد، وعاد سيف الدولة وانحدر، فالتقى هو وتوزون بِحَرَبَى في شعبان، فانهزم سيف الدولة مرّةً ثانية، وتبعه توزون.

ولمّا بلغ سيف الدولة إلى الموصل، سار عنها هو وأخوه ناصر الدولة والمتّقي لله ومن معهم إلى نَصيبين، ودخل توزون الموصل، فسار المتّقي إلى الرقّة، ولحقه سيف الدّولة، وأرسل المتّقي إلى توزون يذكر أنّه استوحش منه لاتّصاله بالبريديّ، وأنّهما صارا يداً واحدة، فإنْ آثر رضاه، يصالح سيف الدولة وناصر الدولة ليعود إلى بغداد، وتردّد أبو عبد الله محمّد بن أبي موسى الهاشميّ من الموصل إلى توزون في ذلك فتمّ الصلح، وعقد الضمان على ناصر الدولة لما بيده من البلاد ثلاث سنين، كلّ سنة بثلاثة آلاف ألف وستمئة ألف درهم، وعاد توزون إلى بغداد، وأقام المتّقي عند بني حمدان بالموصل، ثمّ ساروا عنها إلى الرقّة)(١) .

(وفي هذه السنة: مات أبو عبد الله البريدي، بعد أن قتل أخاه أبا يوسف)(٢) .

(وفيها: أرسل المتّقي لله إلى توزون يطلب منه العود إلى بغداد ؛ لأنّه رأى من بني حمدان تضجّراً به، وإيثار المفارقة)(٣) ، فقابل ذلك (توزون وابن شيرزاد بنهاية الرغبة فيه)(٤) .

(وفي حوادث سنة ٣٣٣)

(وفي هذه السنة: سار سيف الدّولة عليُّ بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان إلى حلب، فملكها واستولى عليها، وكان مع المتّقي لله بالرقّة، فلمّا عاد المتّقي إلى بغداد، وانصرف الإخشيد إلى الشام، بقي يأنس المؤنسيّ بحلب، فقصده سيف الدولة، فلمّا نازلها فارقها يأنس وسار إلى الإخشيد، فملكها سيف الدولة، ثمّ سار منها إلى حمص، فلقيه بها عسكر الإخشيد محمّد بن طُغْج، صاحب الشام ومصر، مع مولاه كافور،

____________________

(١) الكامل، م ٨ ص ٤٠٧ - ٤٠٨.

(٢) م ٨ ص ٤١٠.

(٣) م ٨ ص ٤١١.

(٤) م ٨ ص ٤١٢.

٩٩

واقتتلوا، فانهزم عسكر الإخشيد وكافور، وملك سيف الدولة مدينة حمص، وسار إلى دمشق فحصرها، فلم يفتحها أهلها له فرجع.

وكان الإخشيد قد خرج من مصر إلى الشام وسار خلف سيف الدولة، فالتقيا بقِنّسرين، فلم يظفر أحد العسكرين بالآخر، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة، فلمّا عاد الإخشيد إلى دمشق رجع سيف الدولة إلى حلب، ولمّا ملك سيف الدولة حلب سارت الروم إليها، فخرج إليهم، فقاتلهم بالقرب منها، فظفر بهم وقتل منهم)(١) .

(وفي هذه السنة (أي ٣٣٣)، في رجب: سار توزون ومعه المستكفي بالله من بغداد يريدان الموصل، وقصد ناصر الدولة ؛ لأنّه كان قد أخَّر حمل المال الذي عليه من ضمان البلاد، واستخدم غلماناً هربوا من توزون، وكان الشرط بينهم أنّه لا يقبل أحداً من عسكر توزون.

فلمّا خرج الخليفة وتوزون من بغداد تردّدت الرسل في الصلح، وتوسّط أبو جعفر بن شيرزاد الأمر، وانقاد ناصر الدولة لحمل المال، وكان أبو القاسم بن مكرم، كاتب ناصر الدولة، هو الرسول في ذلك، ولمّا تقرّر الصلح عاد المستكفي وتوزون فدخلا بغداد)(٢) .

(وفي حوادث سنة ٣٣٤)

وفي هذه السنة: مات توزون، (وكان ابن شيرزاد في (هَيت) لتخليص أموالها، فلمّا بلغه الخبر عزم على عقد الإمارة لناصر الدولة بن حمدان، فاضطربت الأجناد، وعقدوا الرئاسة عليهم لابن شيرزاد، فحضر ونزل بباب حرب مستهلّ صفر، وخرج عليه الأجناد جميعهم، واجتمعوا عليه، وحلفوا له، ووجّه إلى المستكفي بالله ليحلف له، فأجابه إلى ذلك، وحلف له بحضرة القضاة والعدول، ودخل إليه ابن شيرزاد، وعاد مكرّماً يخاطب بأمير الأمراء، وزاد الأجناد زيادة كثيرة، فضاقت الأموال عليه، فأرسل إلى ناصر الدولة مع أبي عبد الله محمّد بن أبي موسى

____________________

(١) م ٨ ص ٤٤٦.

(٢) الكامل، م ٨ ص ٤٤٦ - ٤٤٧.

١٠٠