تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 97022
تحميل: 7664


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97022 / تحميل: 7664
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

الأهواز سَيّر إليهم العساكر، والتقوا هُم وعساكر فَخر الدولة، فاتّفقَ أنّ دِجلة الأهواز زادت ذلك الوقت زيادة عظيمة، وانفتحت البثوق منها فظنّها عسكر فَخر الدولة مكيدة فانهزموا، فقلق فَخر الدولة مِن ذلك، وكان قد استبدّ برأيه فعاد حينئذ إلى رأي الصاحب، فأشار ببذل المال واستصلاح الجُند، وقال: إنّ الرأي في مثل هذه الأوقات إخراج المال وترك مُضايقة الجُند، فإنْ أطلقتَ المال ضمنتُ لك حُصول أضعافه بعد سَنة، فلم يفعل ذلك، وتَفرّق عنه كثير مِن عسكر الأهواز، واتّسع الخرق عليه، وضاقت الأُمور به فعاد إلى الري، وقَبض في طريقه على جماعة مِن القوّاد والرازيّين، ومَلك أصحابُ بهاء الدولة الأهواز.

التجاءُ بعضِ آل سيمجور إلى فَخر الدولة:

لمّا قُبض أبو علي بن سيمجور مِن الأمير نوح وحَبسه وزيره سبكتكين إلى أنْ مات في الحبس كان ابنه أبو الحسن قد لَحِق بفَخر الدولة بن بويه، فأحسن إليه وأكرمه، فسار عنه سرّاً إلى خُراسان لهوى كان له بها، وظنّ أنّ أمره يَخفى فظهر حاله فأُخذ أسيراً وسُجن عند والده.

وأمّا أبو القاسم أخو أبي علي، فإنّه أقام في خدمة سبكتكين مدّة يسيرة، ثُمّ ظهر منه خلاف الطاعة، وقَصد نيسابور فلم يتمّ له ما أراد، وعاد محمود بن سبكتكين إليه فهرب منه، وقصد فَخر الدولة وبقي عنده (الكامل: ج٩ ص٤٥).

استدعاءُ فَخر الدولة خواشاذه لخِدمته:

كان قد هرب أبو نصر خواشاذه إلى البطائح، وكاتبه بهاء الدولة وفَخر الدولة وصمصام الدولة وبدر ابن حسنويه، كلٌّ منهم يستدعيه ويبذل له ما يُريده، وقال له فَخر الدولة:

لعلك تُسيء الظنّ بما قدّمته في خدمة عَضُد الدولة، وما كُنّا لنؤاخذك بطاعة مَن قدّمك ومناصحته، وقد علمتَ ما عملتُه مع الصاحب بن عَبّاد وتركنا ما فعَله مَعنا، فعزم على قصده فأدركه الأجل.

وفاة الصاحب بن عَبّاد وأُمور جرتْ مِن فَخر الدولة ذُمَّ عليها:

في سنة ٣٨٥هـ مات الصاحب بن عَبّاد وزير فَخر الدولة بالري، وولي له الوزارة بعده أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الضبي المُلقّب بالكافي.

٢٦١

ولمّا حضره الموت، قال لفخر الدولة:

قد خدمتُك خِدمةً استفرغتُ فيها وسعي، وسِرتُ سيرةً جلبتُ لك حُسن الذِكر، فإنْ أجريتَ الأُمور على ما كانتْ عليه نُسِبَ ذلك الجميل إليك وتُركتُ أنا، وإنْ عدلتَ عنه كنتُ أنا المشكور ونُسبتْ الطريقة الثانية إليك، وقَدَح ذلك في دولتك.

فكان هذا نُصحه له إلى أنْ مات، فلمّا توفّي أنفذَ فَخرَ الدولة مِن احتاط على ماله وداره، ونقل جميع ما فيها إليه فقبّحَ الله خِدمة المُلوك، هذا فِعلَهم مع مَن نَصحَ لهم فكيف مع غيره؟

ونُقِل الصاحب بعد ذلك إلى أصبهان، وكان الصاحب بن عَبّاد قد أحسن إلى القاضي عبد الجبّار بن أحمد المُعتزلي، وقدّمه وولاّه قضاء الريّ وأعمالها، فلمّا توفّي، قال عبد الجبّار:

لا أرى الترحّم عليه؛ لأنّه مات مِن غير توبة ظهرت منه، فنُسب عبد الجبّار إلى قِلّة الوفاء.

ثُمّ إنّ فَخر الدولة قَبض على عبد الجبّار وصادره، فباع في جُملة ما باع ألف طيلسان وألف ثوب صوف رفيع، فلِمَ لا ينظر إلى نفسه وتاب عن أخذ مِثل هذا وادّخاره مِن غير حِلِّه.

ثُمّ إنّ فَخر الدولة قبض على أصحاب ابن عَبّاد، وأبطل كلّ مُسامحة كانت منه، وقرّر هو ووزراؤه المُصادرات في البلاد، فاجتمعَ له منها شيءٌ كثير، ثُمّ تمزّق بعد وفاته في أقرب مُدّة، وحَصل بالوزر وسوء الذِكر(١) .

وفاةُ فَخر الدولة:

في شعبان سنة ٣٨٧هـ توفّي فَخر الدولة بقلعة طبرق، وكان سبَب وفاته أنّه أكلَ لحماً مشويّاً وأكل بعده عِنباً، فأخذه المَغص، ثُمّ اشتدّ مَرضه فمات منه، فلمّا ماتَ كانت مفاتيح الخزائن بالريّ عند أُمّ ولده مَجد الدولة، فطلبوا له كَفناً فلم يجدوه، وتعذّر النزول إلى البلدة لشدّة شَغب الدَيلم، فاشتروا له مِن قَيِّمِ الجامع ثوباً كفّنوه فيه، وزاد شَغب الجُند فلم يُمكنهم دفنه، فبقي حتّى أنتن، ثُمّ دفنوه، وحين تُوفّي قام بمُلكه بعده ولده مَجد

____________________

(١) قال ابن كثير: ولم يكن في وزراء بني بويه مِثله، ولا قريب منه في مجموع فضائله، وقد كانت دولة بني بويه مئة وعشرين سَنة وأشهُر، وفتح خمسين قلعة لمخدومه مُؤيَّد الدولة وابنه فَخر الدولة بصرامته وحُسن تدبيره وجودة رأيه اهـ.

أمّا قول ابن كثير: (وأخيه) فَخر الدولة، فهو غلط؛ فإنّه أخو مُؤيّد الدولة، ومَن كان هذا إبلاؤه في الدولة البويهيّة وهذه خدماته لمخدوميه، فكيف يُجازى بعد موته مِن فَخر الدولة بما جوزي؟!

٢٦٢

الدولة أبو طالب رستم وعُمره أربع سنين أجلسه الأُمراء في المُلك، وجعلوا أخاه شمس الدولة بهمذان وقرميسين إلى حدود العراق، وكان المَرجع إلى والدة أبي طالب في تدبير المُلك، وعن رأيها يُصدرون، وبين يديها في مُباشرة الأعمال أبو طاهر صاحب فَخر الدولة، وأبو العبّاس الضبي الكافي.

قال ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية:

توفّي عن ستٍّ وأربعين سَنةً، منها مدّة مُلكه ثلاث عشرة سَنة وعشرة أشهر وسبعة عشر يوماً، وتركَ مِن الأموال شيئاً كثيراً: مِن الذهب ما يُقارب ثلاثة آلاف ألف دينار، ومِن الجواهر نحواً مِن خمسة عشر ألف قطعة يُقارب قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار ذهباً، وغير ذلك مِن أواني الذَهب زِنته ألف ألف دينار، ومِن الفضة زِنته ثلاثة آلاف حِمل، ومِن الفراش ألف وخمسمئة حِمل، ومِن الأمتعة ممّا يَليق بالمُلوك شيئاً كثيراً لا يُحصر، ومع هذا لم يَصلوا ليلة موته إلى شيء مِن المال، ولم يحصل له كَفن إلاّ ثوب مِن المُجاورين في المسجد، واشتغلوا عنه بالمُلك حتّى تَمّ لولده رستم مِن بعده فأنتن المَلِك، ولم يتمكّن أحد مِن الوصول إليه، فربطوه في حبال وجرّوه على درج القلعة مِن نتن ريحه فتقطّع جزاءً وفِاقاً.

استطرادٌ وهو تَعليقٌ على ما تفوّه به القاضي عبد الجبّار بتركه التَرحّم على الصاحب:

قد ذكرنا في وفاة الصاحب ترْكَ عبد الجبّار قاضي الري الترحم عليه؛ لأنه مات مِن غير توبة، ومَرّ تعليق ابن كثير على كلامه هذا، ولكنْ جاء في تاريخ ابن كثير في ترجمته للصاحب ما هو صريح في توبته والإشهاد عليها، وكان ذلك على مرأى ومسمع وبمشهد مِن عبد الجبّار.

قال ابن كثير ما مُحصلّه: أنّ الصاحب كان قد مَرض بالإسهال وطال مرضه، ولمّا عوفي أباح للفُقراء نَهب داره، وكان فيها ما يُساوي نحواً مِن خمسين ألف دينار مِن الذهب، وقد سَمع الحديث مِن المشايخ الجياد العوالي الإسناد، وعُقد له في وقت مجلس للإملاء فاحتفل الناس لحُضوره، وحضره وجوه الأُمراء، فلمّا خرجَ إليه لبَسَ زيَّ الفُقهاء، وأشهدّ على نفسه بالتوبة والإنابة ممَّا يُعانيه مِن أُمور السُلطان، وذَكر للناس أنّه كان يأكل مِن حين نشأ إلى يومه

٢٦٣

هذا مِن أموال أبيه وجدّه ممّا ورثه منهم، ولكنْ كان يُخالط السُلطان، وهو تائب ممّا يُمارسونه، واتّخذ بناءً في داره سمّاه بيت التوبة، ووضع العُلماء خطوطهم بصحّة توبته، وحين حدَّثَ استملى عليه جماعة لكثرة مجلسه، فكان في جُملة مَن يكتب عنه ذلك اليوم القاضي عبد الجبّار الهمداني، وأضرابه مِن رؤوس الفُضلاء وسادات الفُقهاء والمُحدّثين، فهل بعد هذا المَجلس الحافل، وبعد هذا الإشهاد على توبته، وبعد تبرئة نفسه مِن أكله مِن ماله الموروث له مِن أبيه وجدّه، وتعفُّفه على أكل مال السُلطان، واطّلاع عبد الجبّار على ذلك كلّه، وهو كاتبه في ذلك اليوم المشهود يتسنى له إنكار توبته؟!

أمّا ما يؤاخذ به فَخر الدولة:

إنّ لفَخر الدولة هَفوات تبيّنت مِن خلال أخباره، منها:

مُخالفته على أخيه عَضُد الدولة، واستظهاره عليه بخصومه حتّى انتهى الأمر به إلى الخُروج مِن مملكته مُدّة حياة أخيه، ثُمّ طَمعه في مُلك العراق على بهاء الدولة ابن أخيه عَضُد الدولة، ومسيره إلى العراق بجُند لم يحسن سياسته ولا تألّفه بالمال، وهو يقوده إلى الفتح والتَغلّب، ثُمّ إساءته الظنَّ بمَن أخلص له ولأخيه مِن قبله كلّ الإخلاص، وكان له ولأخيه مُربّياً ومُدّرباً، وهو الذي مهّد له المُلك على مَملكة أخيه مُؤيّد الدولة، ثُمّ الطامّة الكبرى مِن أعماله ما جرى منه مِن المُصادرة على ما ترك الصاحب، ثُمّ مصادرة أصحابه، فهذا وما إليه كان ممّا يُؤاخَذ عليه أشدّ المؤاخذة، ولكن الدول إذا أشفت على الزوال مُنيَتْ برجالٍ يقودونها إليه سِراعاً، وكان فَخر الدولة أحد معاول التهديم في ممَالك لم يَطلْ العهد على تأسيسها، ولله عاقبة الأُمور.

الثامن: مَجدُ الدولة أبو طالب رستم بن فَخر الدولة بن بويه:

مولده: ولد مَجد الدولة أبو طالب رستم بن فَخر الدولة بن ركن الدولة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمئة.

انتهاءُ مُلك أبيه إليه:

انتهى مُلك فَخر الدولة إلى ابنه مَجد الدولة حين وفاته، وهو ابن أربع سنين لا في عهد أبيه إليه، بل لإجلاس الأُمراء له على منصّته، وقيام

٢٦٤

والدته في تدبير المَملكة، كما سبق بيانه في خبر وفاة أبيه.

أبو القاسم السيمجوري عند مَجد الدولة وعوده إلى نيسابور:

قد تقدّم ذِكر مسير أبي القاسم أخي أبي عليّ بن سيمجور إلى جرجان ومقامه بها عند فَخر الدولة، فلمّا مات فَخر الدولة أقام عند ولده مَجد الدولة، واجتمع عنده جماعة كثيرة مِن أصحاب أخيه، وكان قد أرسل إلى شمس المعالي يستدعيه مِن نيسابور ليُسلّمها إليه، فسار إليه حتّى وافى جرجان، فلمّا بلغها رأى أبا القاسم قد سار عنها، فعاد شمس المعالي إلى نيسابور، وجرت بعد ذلك أُمور لا نعرض لها؛ لأنّها خارجة عن موضوع تاريخنا، وكان ذلك في سَنة ولاية مَجد الدولة الأُولى.

عود قابوس إلى جُرجان:

في هذه السنَة عاد شمس المعالي قابوس بن وشمكير إلى جرجان ومَلكها، ولمّا مَلك فَخر الدولة بن بويه جرجان والري أراد أنْ يُسلّم جرجان إلى قابوس، فردّه الصاحب بن عَبّاد عن ذلك وعظّمها في عينه، فأعرض عن الذي أراده، ونَسي ما كان بينهما مِن الصُحبة بخُراسان، وأنّه بسببه خرجتْ البلاد عن يدِ قابوس والمُلك عقيم، وقد تقدّم كيف أُخذت منه ومقامه بخُراسان، وإنفاذ المُلوك السامانيّة الجيوش في نُصرته مرّة بعد أُخرى، فلم يُقدّر الله تعالى عود مُلكه إليه، ولمّا وَليَ سبكتكين خُراسان اجتمع به، ووعده أنْ يُسيِّر معه الجيوش ليردّه إلى ممَلكته، فمضى إلى بلخ ومَرض ومات، فلمّا كانت هذه السَنة بعد موت فَخر الدولة سَيّر شمس المعالي قابوس الأصبهبذ شهريار بن شروين إلى جبل شهريار، وعليه رُستم بن المرزبان خال مَجد الدولة بن فَخر الدولة، فاقتتلا فانهزم رُستم واستولى أصبهبذ على الجبل، وخطب لشمس المعالي، وكان باتي بن سعيد بناحية الأستندارية - وله ميل إلى شمس المعالي - فسار إلى آمل وبها عَسكر لمَجد الدولة، فطردهم عنها واستولى عليها، وخَطب لقابوس وكَتب إليه بذلك.

ثُمّ إنّ أهل جرجان كتبوا إلى قابوس يستدعونه، فسار إليهم مِن نيسابور، وسار أصبهبد وباتي بن سعيد إلى جرجان، وبها عسكر لمَجد الدولة، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم عسكر مَجد الدولة إلى جرجان، فلمّا بلغوها صادفوا مُقدّمة

٢٦٥

قابوس قد بلغتها، فأيقنوا بالهلاك وانهزموا مِن أصحاب قابوس هزيمة ثانية، وكانت قرحاً على قرح، ودَخل شمس المَعالي إلى جرجان في شعبان مِن هذه السَنة، وبلغَ المُنهزمون الريّ، فجُهّزت العساكر مِن الري نحو جرجان فساروا وحصروها، فغلتْ الأسعار بالبلد، وضاقت الأُمور بالعسكر أيضاً، وتوالت عليه الأمطار والرياح فاضطرّوا إلى الرحيل، فتبعهم شمس المعالي، فلحقهم وواقعهم فاقتتلوا، وانهزم عسكر الريّ وأُسر مِن أعيانهم جماعة كثيرة وقُتل أكثرَ منهم، فأطلق شمس المعالي الأسرى، واستولى على تلك الأعمال ما بين جرجان واستراباذ.

ثُمّ إنّ الإصبهبد حَدّث نفسه بالاستقلال والتفرُّد عن قابوس، واغترّ بما اجتمع عنده مِن الأموال والذخائر، فسارت إليه العساكر مِن الريّ وعليها المرزبان خال مَجد الدولة، فهُزموا مِن مَجد الدولة، وكَتب إلى شمس المعالي بذلك وانضافت مَملكة الجبل جميعها إلى مَمالك جرجان وطبرستان، فولاّها شمس المعالي ولده منوجهر، ففتح الرويان وسالوس، وراسل قابوس يمين الدولة محموداً، وهاداه وصالحه واتّفقا على ذلك.

فِرار وزير مَجد الدولة أبي العبّاس الضبي إلى بدر بن حسنويه:

هربَ الوزير أبو العبّاس الضبي وزير مَجد الدولة مِن الريّ إلى بدر ابن حسنويه فأكرمه، وقام بالوزارة بَعده لمَجد الدولة الخطير أبو علي، وكان ذلك في سنة ٣٩٣هـ، أمّا سبب فراره، فيقول ابن الأثير:

إنّ أُمّ مَجد الدولة اتّهمته أنّه سمّ أخاه فمات، فلمّا توفّي أخوه طلبت منه مئتي ألف دينار لتُنفقها في مأتمه، فلم يُعطها فأخرجته فقَصد بروجرد - وهي مِن أعمال بدر بن حسنويه - فبذل بعد ذلك مئتي ألف دينار ليعود إلى عَمله فلم يقبل منه، فأقام بها إلى أنْ توفّي سنة ٣٩٨.

القبض على مَجد الدولة ثُمّ عوده إلى مُلكه:

في سنة ٣٩٧هـ قبضت والدة مَجد الدولة عليه وكان سَبب ذلك أنّ الحُكم كان إليها في جميع أعمال ابنها، فلمّا وزر له الخطير أبو عليّ بن القاسم استمال الأُمراء ووضعهم عليها، والشكوى عليها، وخَوّف ابنها منها

٢٦٦

فصار كالمَحجور عليه، فخرجتْ مِن الريّ إلى القلعة، فوضعَ عليها مَن يحفظها، فعملتْ الحيلة حتّى هربت على بدر بن حسنويه، واستعانت به في ردّها إلى الري، وجاءَها ولدها شمس الدولة وعساكر همذان، وسار معها بدر إلى الري فحصروها، وجرى بين الفريقين قتال كثير مدّةً، ثُمّ استظهر بدر ودخل البَلد وأسر مَجد الدولة، فقيّدته وسجنته بالقلعة، وأجلست أخاه شمس الدولة في المُلك، وصار الأمر إليها، وعاد بدر إلى بلده، وبقي شمس الدولة في المُلك نحو سَنة فرأت والدته منه تنكّراً وتغيّراً، وأنّ أخاه مَجد الدولة أليَن عريكة وأسلم جانباً، فأعادته إلى المُلك وسار شمس الدولة إلى همذان، وكره بدر هذه الحالة، إلاّ أنّه اشتغل بولده هلال عن الحَركة فيها، وصارت هي تُدبّر الأمر، وتسمع رسائل المُلوك وتُعطي الأجوبة، وأرسل شمس الدولة إلى بَدر يستمدّه فسيّر إليه جُنداً، فأخذهم وسار بهم إلى قُم فحصرها فمنعه أهلها.

ثُمّ إنّ العساكر دخلوا طُرقاً منها واشتغلوا بالنهب، فأكبّ عليهم العامّة وقتلوا منهم نحو سبعمئة رجل، وانهزم الباقون إلى مُعسكرهم، ثُمّ قَبض هلال بن بدر على أبيه فتفرّق ذلك الجمعُ كلّه.

مُلك شمس الدولة الريّ على أخيه مَجد الدولة وعوده عنها:

لمّا مَلك شمس الدولة ولاية بدر بن حسنويه، وأخذ ما في قلاعه مِن الأموال والذخائر - كما سنبسط خبر ذلك في أخباره - عظُم شأنه واتّسع مُلكه، فسار إلى الري وبها أخوه مَجد الدولة، فرحل عن الريّ ومعه والدته إلى دنباوند، وخَرجت عساكر الريّ إلى شمس الدولة مُذعنة بالطاعة، ودخل الريّ ومَلكها، وخرج منها يطلب أخاه ووالدته، فَشَغب الجند عليه وزاد خطبهم، وطالبوه مُطالبات اتّسع الخرق بها فعادَ إلى همذان، وأرسل إلى أخيه ووالدته يأمرهما بالعودة إلى الريّ فعادا، وكان ذلك في سَنة ٤٠٥.

غَلبة جيشُ مَجد الدولة على منوجهر في الري:

لمّا ظَفر علاء الدين بن كاكويه بأصبهبد ومَن معه وبلولكين في نهاوند، وكانا قد استنجدا بمنوجهر بن قابوس، أطمع لولكين منوجهر في الري، وهَوّنَ عليه أمر البلاد، لا سيّما مع اشتغال علاء الدولة بمُحاصرة عليّ بن عمران، فسار إليها ومعه عساكره وعساكر منوجهر حتّى نزلوا على الريّ،

٢٦٧

وقاتلوا مَجد الدولة ومَن معه، وجرى بين الفريقين وقائع استظهر فيها أهل الري، وكان ذلك سنة ٤١٨هـ.

مِلك يمين الدولة الري وبلد الجبل:

في سَنة ٤٢٠هـ سار يمين الدولة محمود بن سبكتكين نحو الري، فانصرف منوجهر بن قابوس مِن بين يديه، وهو صاحب جرجان وطبرستان، وحَمل إليه أربعمئة ألف دينار وأنزالاً كثيرة، وكان مَجد الدولة صاحب الريّ قد كاتبه يشكو إليه جُنده، وكان مُتشاغلاً بالنساء ومُطالعة الكُتب ونَسخها، وكانت والدته تُدبّر مملكته، فلمّا تُوفّيت طَمع جُنده فيه واختلّت أحواله، فحين وصلت كُتبه إلى محمود سَيّر إليه جيشاً، وجعل مُقدّمهم حاجبه، وأمره أنْ يقبض على مَجد الدولة، فلمّا وصل العسكر إلى الريّ ركب مَجد الدولة يلتقيهم، فقبضوا عليه وعلى أبي دلف وَلده، فلمّا انتهى الخبر إلى يَمين الدولة بالقبض عليه سار إلى الري، فوصلها في ربيع الآخر ودخلها، وأخذ مِن الأموال ألف ألف دينار، ومِن الجواهر ما قيمته خمسمئة ألف دينار، ومِن الثياب ستّة آلاف ثوب، ومِن الآلات وغيرها ما لا يُحصى، وأحضر مَجد الدولة وقال له:

أمَا قرأت شانامه - وهو تاريخ الفرس - وتاريخ الطبري - وهو تاريخ المسلمين؟ قال: بلى، قال: ما حالك حال مَن قرأها، أمَا لعِبت بالشطرنج؟ قال: بلى، قال: فهل رأيت شاهاً يدخل على شاه؟ قال: لا، قال فما حَملك على أنْ سَلّمت نفسك إلى مَن هو أقوى منك.

ثُمّ سَيّره إلى خُراسان مقبوضاً، ثُمّ مَلك قزوين وقلاعها ومدينة ساوه وآبه ويافت، وقبض على صاحبها ولكين بن وندرين وسَيّره إلى خُراسان، ولمّا مَلك محمود الريّ كَتب إلى الخليفة القادر بالله يَذكر أنّه وجد لمَجد الدولة مِن النساء الحرائر ما يزيد على خمسين امرأة، ولدن له نيّفاً وثلاثين وَلداً، ولمّا سُئل عن ذلك قال: هذه عادة سلفي، وصَلب مِن أصحابه الباطنيّة خَلقاً كثيراً، ونفى المُعتزلة إلى خُراسان، وأحرق كُتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال والنُجوم، وأخذ مِن الكُتب ما سوى ذلك مئة حِمل.

ما انتقص مِن مملكة أبيه في عهده:

كان السالار إبراهيم بن المرزبان بن إسمعيل بن وهسوذان بن محمّد

٢٦٨

ابن مُسافر الديلمي قد استولى مِن بلاد فَخر الدولة بعد وفاته وولاية وَلده مَجد الدولة على: سرجهان وزنجان وأبهر وشهرزور وغيرها، واستولى عليها يَمين الدولة بعد مِلكه الري.

كيفَ انتهتْ حياةُ مَجدِ الدولة:

لم نجد المؤرّخين عرضوا لذِكر مَجد الدولة، بعد استيلاء يَمين الدولة على بلاده، وقبضه وتسييره إلى خُراسان، ولا لذِكر ولده أبي دلف وما آل إليه أمرهما، ولا عَجب في ذلك، وماذا يَذكر التاريخ لمَجد الدولة وقد انتهت حياته السياسيّة، بل انتهت بانتهاء حياته، هذه دولة بني بويه في بلاد إيران، وتلك عُقبى التفريط والإهمال والانصراف عن سياسة المُلك إلى شهوات النفوس ولذائذ العيش، والاشتغال بما لا يتّصل بوجهٍ ولا بسَبب في تدبير الأُمور، وتصريفها على مُقتضى الحِكمة والتخلّي عن الحَذر واليقظة لحِفظ الثُغور، حيث المتحفّزون للوثوب والطامعون في الاستيلاء على المملكة، سواء أكان مِن ولاة الأطراف ومَن لهم قَدمٌ راسخةٌ في المُلك، أم مِن الذين يطمعون في تأسيس مُلكٍ جديد.

وماذا يكون مِن أمر مَن انتهى إليه المُلك وهو ابن أربع سِنين، والوصيّة عليه والقائمة عنه بالتدبير امرأة استهوتها أُبّهة المُلك ولذّة الأمر والنهي، فلم يكن مِن همّها شيءٌ وراء ذلك - ممّا تُعنى به مِن إعداد ولدها لهذه المهمّة العظيمة التي تتطلّب تثقيفاً وتدريباً وعِلماً وعَملاً - غير العِلم النَظري الصَرف الذي أخذ منه بقسط، وغير العناية بمحض جميع الكُتب، وما إلى ذلك ممّا لا اتّصال له بسياسة المملكة التي انتهت إليه، وهل أدلّ على استئثار أُمّه مِن عملها على إجلاس ولدها شمس الدولة على منصّة المُلك، مُستعينة ببدر بن حسنويه على ذلك حين آنست مِن ولدها مَجد الدولة قيامه بأمر مُلكه دونها، ثُمّ سعيها بعد ذلك على إسقاط شمس الدولة وإعادة مَجد الدولة، إذ لم تجد مِن شمس الدولة ما يُحقّق لها آمالها بالاستبداد بالدولة، وما كان موت أُمّه سَنة ٤١٩هـ واستقلاله بالأمر وهو لم يَتدرّب على الاستقلال به وبمقتضياته، بل انصرف إلى ما وراءه ليَسير به سيراً حكيماً، ويَسوسه سياسة رشيدة، بل ما انفكّ جارياً على ما تعود عليه مِن الإهمال والتضييع، فانطبق عليه قول ابن زريق البغدادي:

٢٦٩

أُوتيتَ مُلكاً لم تُحسن سياسته وكُلّ مَن لا يسوس المُلك يخلعه

وقد مرّ بك ما انتقده عليه سالبه مُلكه يمين الدولة مِن التفريط والإهمال اللذَين أدّيا به إلى سَلبه سُلطانه الذي لم يستقل به غير سَنة واحدة بعد وفاة أُمّه ثُمّ استلبه.

ابن سينا عند مَجد الدولة:

في كتابإخبارُ العُلماءِ بأخبارِ الحُكماء ، وفي كتابطبقات الأطباء أنّ أبا علي بن سينا انتقل إلى الري، واتّصل بخدمة السيّدة وابنها مَجد الدولة، وعرّفوه بَسبب كُتب وصلت معه تتضمّن تعريف قَدره، وكان بمَجد الدولة إذ ذاك غلبة السوداء، فاشتغل بمداواته، وصنّف هُناك كتاب المعاد، وأقام بها إلى أنْ قصد شَمس الدولة بعد قتل هلال بن بدر بن حسنويه وهزيمة عسكر بغداد.

التاسع: شمسُ الدولة أبي طاهر ابن فَخر الدولة.

تقدّم في وفاة أبيه فَخر الدولة أنّه أجلس بعده على أريكة المملكة ولده أبو طالب رستم المُلقّب بمَجد الدولة، وأنّ شمس الدولة أخاه هذا وُلّي همذان وقرميسين إلى حدود العراق، وأنّ مَجد الدولة انتقل إليه المُلك وهو ابن أربع سنين، وأنّ والدته هي التي كانت تُدبر أُمور المُلك، وكان المُلك انتقل إلى أصغر الأخَوين سنّاً، وإلاّ فكيف يتمكّن - إنْ كان شمس الدولة أصغر مِن مَجد الدولة - مِن سياسة ولاية مُتّسعة الأطراف كهمذان وقرميسين إلى حدود العراق؟ وكيف يستطيع القيام بها مُنفرداً إذا لم يكن في سنٍّ أعلى مِن سنّ أخيه؟ إنّ ذلك ممّا سكتَ عنه المُؤرّخون، وإذا كان هو الأكبر سنّاً، والأجدر بالاضطلاع بأعباء المُلك، فكيف لم ينتهِ إليه؟

مِلكُ شَمسِ الدولة الريَّ على أخيه وعَوده عنها بعد سَنة:

تقدّم في أخبار مَجد الدولة استيلاء أخيه شمس الدولة على بلاده الري بسعي أُمّهما، واستظهارها على ذلك ببدر بن حسنويه، ثُمّ انقلابها على شمس الدولة بعد سَنة وعزله مِن مملكة الرعب، فلا نُعيد خبره فيُرجَع إليه.

٢٧٠

مِلك شمس الدولة بعض بلاد هلال بن بدر والحرب بينه وبين طاهر بن هلال:

في سَنة خمسٍ وأربعمئة بعد قَتل طائفة الجورقان بدر بن حسنويه أمير الجبل هرب الجورقان إلى شمس الدولة أبي طاهر بن فَخر الدولة فدخلوا في طاعته، وكان طاهر بن هلال بن بدر هارباً مِن جده بنواحي شهرزور، فلمّا عَرف بقتله بادر بطلب مُلكه، فوقع بينه وبين شمس الدولة حَرب، فأُسر طاهرٌ وحُبس، وأُخذ ما كان قد جمعه بعد أنْ مَلك نائباً عن أبيه هلال، وكان عظيماً، وحَمله إلى همذان، وسار اللذرية والشاذنجان إلى أبي الشوك فدخلوا في طاعته، وحين قُتل كان ابنه هلال محبوساً عند المَلك سلطان الدولة، فلمّا قُتل بدر استولى شمس الدولة على بعض بلاده، فلمّا عَلِم سلطان الدولة بذلك أطلق هلالاً، وجهّزه وسيّره ومعه العساكر؛ ليستعيد ما مَلكه شمس الدولة مِن بلاده، فسار إلى شمس الدولة، فالتقيا في ذي القعدة واقتتل العسكران، فانهزم أصحاب هلال وأُسر هو فقُتل أيضاً، وعادت العساكر التي كانت معه إلى بغداد على أسوأ حال، وكان ممَّن أُسر معه أبو المُظفّر أنوشتكين الآرامي، وكان في مملكة بدرسابورخواست والدينور وبروجرد ونهاوند وأسدأباذ، وقطعة مِن أعمال الأهواز، وما بين ذلك مِن القلاع والولايات.

مِلك شمس الدولة الريّ ثانية وعوده عنها:

وفي هذه السَنة - كما مرّ في أخبار مَجد الدولة - مَلك شمس الدولة الريّ على أخيه مَجد الدولة وأُمّهما، وعاد عنها وأمرهُما بالعودة إليها.

الفِتنةُ بين الأتراك والأكراد بهمذان وشَغبٌ على شَمس الدولة:

في سَنة ٤١١هـ زاد شغبُ الأتراك بهمذان على صاحبهم شمس الدولة ابن فَخر الدولة، وكان قد تقدّم ذلك منهم غير مرّة وهو يحلُم عنهم بل يعجز، فقويَ طَمعهم فزادوا في التوثّب والشغب، وأرادوا إخراج القوّاد القوهية مِن عنده، فلم يُجبهم إلى ذلك، فعزموا على الإيقاع بهم بغير أمره، فاعتزل الأكراد مع وزيره تاج المُلك أبي نصر بن بهرام إلى قلعة برجين،

٢٧١

فسار الأتراك إليهم فحصروهم، ولم يلتفتوا إلى شمس الدولة، فكَتب الوزير إلى أبي جعفر بن كاكويه صاحب أصبهان يستنجده، وعيّن له ليلة يكون قُدوم العساكر إليه فيها بغتة؛ ليخرج هو أيضاً تلك الليلة يكبسوا الأتراك، ففعل أبو جعفر ذلك وسيّر ألفَي فارس، وضبطوا الطرق لئلاّ يسبقهم الخَبر، وكبسوا الأتراك سَحراً على غفلة، ونزل الوزير والقوهية مِن القلعة، فوضعوا فيهم السيف فأكثروا القتل وأخذوا المال، ومَن سَلم مِن الأتراك نجا فقيراً، وفعل شمس الدولة بمَن عنده في همذان كذلك وأخرجهم، فمضى ثلاثمئة منهم إلى كرمان، وخدموا أبا الفوارس بن بهاء الدولة صاحبها.

انقطاعُ أخبارِ شمسِ الدولةِ بعدَ هذا التاريخ:

لم نجد ذِكراً لشمس الدولة بعد هذا التاريخ في الكُتب التاريخيّة التي نَعتمد عليها في تدوين أخبار البويهيّين، ولم نقف على ما يُعرف ما آل إليه أمره، وهكذا مصير رجال الدول المُشرفة على الزوال، ومصير الدول عند هرمها، وما استقلّ البويهيّون في بلاد إيران في أواخر القرن الرابع وأوائل الخامس وفي بلاد خوزستان والعراق إلاّ انتقاص أطراف مُلكهم، وإلاّ الصراع المُستمر مع الطامعين فيه، سواء أكان مِن قبيلهم أم مِن سواهم، وإلاّ آيات الانحلال والاضمحلال، وإذ لم يكن لهم بعد هذا التاريخ في بلاد إيران إلاّ أخبار متقطّعة لفلولهم، فإنّنا نُدوّنها في كتابنا كيلا يفوتنا منها شيء، ثُمّ نعود بعد ذلك إلى تدوين أخبار مُلوكهم في العراق وما إليها وخوزستان وبعض بلاد إيران.

العاشر: سماءُ الدولةِ أبو الحسن بن شَمس الدولة بن فَخر الدولة بن بويه صاحب همذان.

أمّا مولده وكيفية تَملكّه همذان وما إلى ذلك مِن أخباره، فلم نقف له على أثر، وكُلّ ما عرض له المُؤرّخون منه أُمور مُقتضبة لا تَروي للمؤرّخ غلة، فقد جاء في كامل ابن الأثير في حوادث سَنة أربع وعشرين وأربعمئة ما يلي:

٢٧٢

استيلاءُ علاءِ الدينِ على همذان:

قال: في هذه السَنة استولى أبو جعفر بن كاكويه على همذان ومَلكها، وكذلك غيرها ممّا يُقاربها، وسَبب ذلك أنّ فرهان بن مرداويج الديلمي مقطع بروجرد قصده سماء الدولة أبو الحسن بن شمس الدولة بن بويه صاحب همذان وحصره، فالتجأ فرهاد إلى علاء الدولة فحماه ومنع عنه، وسارا جميعاً إلى همذان فحصراها وقطعا الميرة عنها، فخرجَ إليهما مَن بها مِن العسكر فاقتتلوا، فرحل علاء الدولة إلى جهباذقان، فهلك مِن عسكره ثلاثمئة رجل مِن شدّة البَرد، فسار إليه تاج المُلك القوهي مُقدّم عسكر همذان فحصره بها، فصانع علاء الدولة الأكراد الذين مع تاج المُلك فرحلوا عنه، فخَلُص مِن الحصار وشرع يتجهّز ليعاود حصار همذان، فأكثر مِن الجُموع وسار إليها، فلقيه سماء الدولة في عساكره ومعه تاج المُلك، وتقدّم علاء الدولة إلى سماء الدولة، فترجّل له وخدمه، فأخذه وأنزله في خيمته، وحمل إليه المال وما يحتاج إليه، وسار وهو معه إلى القلعة التي بها تاج المُلك، فحصره وقُطع الماء عن القلعة، فطلب تاج المُلك الأمان فأمّنه، فنَزل إليه ودخل معه همذان، ولمّا مَلك علاء الدولة همذان سار إلى الدينور فملكها، ثُمّ سار إلى سابورخواست فملكها أيضاً وجميع تلك الأعمال، وقبض على أُمراء الديلم الذين بهمذان، وسجنهم بقلعة عند أصبهان، وأخذ أموالهم وإقطاعهم، وأبعد كُلّ مَن فيه شرّ مِن الديلم، وتركَ عنده مَن يعلم أنّه لا شرّ فيه، وأكثر القَتل فقامت هيبته، وخافه الناس وضبط المَملكة.

وقال المؤرّخ ابن خُلّدون:

كان شمس الدولة بن بويه صاحب همذان قد توفّي ووَليَ مكانه ابنه سماء الدولة، وكان فرهاد بن مردوايج بقطع يزدجرد، فسار إليها سماء الدولة وحاصره، فاستنجد بعلاء الدولة بن كاكويه، فأنجده بالعساكر، ودفع سماء الدولة عن فرهاد، ثُمّ سار علاء الدولة وفرهاد إلى همذان وحاصراها، وخرجت عساكر همذان مع عساكر تاج الدولة القوهي قائد سماء الدولة، فدفعهم ولحِق علاء الدولة بجرباذقان فهلك الكثير مِن عسكره بالبرد، وسار تاج الدولة القوهي إلى جر باذقان، فحاصر بها علاء الدولة حتى استمال بها قوماً مِن الأتراك الذين مع تاج المُلك، وخلُص مِن الحصار وعاود المسير إلى همذان، فهزم عساكرها وهرب القائد

٢٧٣

تاج المُلك، واستولى علاء الدولة على سماء الدولة، فأبقى عليه رسم المُلك، وحمل إليه المال وسار، فحاصر تاج المُلك في حِصنه حتى استأمن إليه فأمّنه، وسار به وبسماء الدولة إلى همذان فملكها وملك سائر أعمالها، وقبض على جماعة مِن أُمراء الديلم فحبسهم وقَتل آخرين، وضبط المُلك، وكان ذلك سَنة أربع عشرة وأربعمئة.

انقطاعُ خَبرِ سماءِ الدولة:

هذا كُلّ ما وقفنا عليه في الكُتب التاريخيّة التي بين أيدينا مِن خَبر سماء الدولة، ولا نَعلم نهاية أمره ومصير حاله.

الحادي عشر: فناخسرو بن مَجد الدولة بن فَخر الدولة بن رُكن الدولة بن بويه.

أوائلُ أمرِه:

لم يُدوِّن المؤرّخون شيئاً مِن أوائل أمرِ فناخسرو، ولم يأتِ له ذِكرٌ عند استيلاء يمين الدولة محمود بن سبكتكين على بلاد أبيه مَجد الدولة سنة ٤٢٠هـ، وما ذَكر هُناك إلاّ القبض على أبيه وأخيه أبي دلف بعد الاستيلاء على مملكته والشُخوص فيهما إلى خُراسان، وإنّما ورد له ذِكر في تاريخ ابن خُلّدون في السَنة التي قُبض بها على أبيه، وهو أنّه ظاهر الغزو الذين حاصروا الريّ على علاء الدولة بن كاكويه، وانتهت بفرار علاء الدولة ودُخول المُحاصِرين الري، وإجرائهم فيها الأفاعيل العظيمة، وكان معهم في مُهاجمتهم همذان ص٤٧٠ ج٤.

وفي كامل ابن الأثير في حوادث سنة (٤٢١)، وهو أنّه لمّا مات محمود بن سبكتكين طَمِع فناخسرو بن مَجد الدولة بن بويه في الري، وكان قد هَرب منها لمّا ملكها عسكر يمين الدولة محمود، فقصد قصران وهي حصينة فامتنع بها، فلمّا توفّي يمين الدولة وعاد ابنه مسعود إلى خُراسان، جمع هذا فناخسرو جمعاً مِن الديلم والأكراد وغيرهم وقصدوا الريّ، فخرج إليه نائب مسعود بها ومَن معه مِن العسكر، فقاتلوه فانهزم منهم وعاد إلى بلده، وقُتل جماعة مِن عسكره، وورد له ذِكر في الصفحات: ١٥٩ و١٦٠ و١٦٨ مِن ج٩ مِن الكامل.

٢٧٤

انقطاعُ أخبارِ فناخسرو إلى سنة ٤٣٩هـ واستيلاؤه في هذه السَنة على آمِد:

سكتَ المُؤرَخون عن خبر فناخسرو إلى هذه السَنة التي يَذكر فيها ابن الأثير ما يلي:

وفيها جمعَ الأمير كاليجار فناخسرو بن مَجد الدولة بن بويه جَمعاً، وسار إلى آمد فدخلها، وساعده أهلها وأوقع بمَن كان فيها مِن أصحاب طغرلبك، فقَتل وأسر، وعرف طغرلبك ذلك، فسار عن الري قاصداً إليه ومتوجهاً إلى قِتاله.

ثُمّ انقطع بعدَ ذلك خَبره، ولم نعثر له على شيء بعد بذل الجُهد ونهاية الاستقصاء ما نُدوّنه، وفي انقطاع خَبره نهاية أخبار بني بويه مُلوك الريّ والجبل وما إليه وأصبهان في بلاد إيران، فنعود إلى استقصاء أخبارهم في العراق وخوزستان وفارس وما إليها.

تمهيد:

وقفنا في جمع أخبار بني بويه في العراق عند وفاة عَضُد الدولة، وانتقلنا بعد ذلك إلى تدوين أخبار أخويه مُؤيّد الدولة وفَخر الدولة وأعقابهما، في الريّ والجبل وفارس وأصبهان، وغرَضنا في ذلك جعل تاريخ البويهيّين مُنسّقاً قريب التناول، وها نحن الآن شارعون في تدوين أخبارهم في العراق وسواها إلى مُنتهى مُدّة مُلكهم مُستمدّين مِن الله التوفيق.

البويهيّون في العراق:

قد عرفتَ أنّ أوّل مَن مَلك العراق مُعزّ الدولة ثالث الأُخوة مؤسّسي الدولة البويهيّة، ثُمّ ابنه عِزّ الدولة بختيار، ثُمّ عَضُد الدولة فناخسرو بن رُكن الدولة.

أمّا بختيار، فقد كان انضمّ إليه أخواه أبو إسحاق وأبو طاهر، وخالف عليه أخوه حبشي، وقد سبقَ خَبر فراره بعد اعتقاله مِن الأهواز إلى عمّه

٢٧٥

عَضُد الدولة ووفاته.

وأمّا أخواه أبو إسحاق وأبو طاهر، فقد انهزما مِن عَضُد الدولة وبختيار وأبو تغلب بن حمدان، ثُمّ انتهى أمر بختيار إلى القتل، وأبي تغلب إلى الفرار لبلاد الشام وقتِله في الرملة، ولم نقف على ما آل إليه أمرُ أبي إسحاق وأبي طاهر أخَوي بختيار وابني مُعزّ الدولة.

الثاني عشر مِن مُلوك بني بويه والرابع مِن مُلوكهم في العراق أبو كاليجار المرزبان بن عَضُد الدولة:

لمّا توفّي عَضُد الدولة سنة ٣٧٢هـ اجتمع القوّاد والأُمراء على ولده أبي كاليجار المرزبان، فبايعوه وولّوه الإمارة ولقّبوه صمصام الدولة، فلمّا وَلي خلع على أخوَيه أبي الحسين أحمد وأبي طاهر فيروز شاه، وأقطعهما فارس وأمرهما بالجدّ في السَير ليسبقا أخاهما شَرف الدولة أبا الفوارس شيرزيل إلى شيراز، فلمّا وصلا إلى أرجان أتاهما خَبر وصول شَرف الدولة إلى شيراز، فعادا إلى الأهواز، وكان شَرف الدولة بكرمان، فلمّا بَلغه خَبر وفاة أبيه سارَ مُجدّاً إلى فارس فملكها، وقبض على نصر بن هارون النصراني وزير أبيه وقتله؛ لأنّه كان يُسيءُ صحبته أيّام أبيه، وأصلح أمرَ البلاد، وأطلق الشريف أبا الحسين محمّد بن عمر العلوي، والنقيب أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي، والقاضي أبا محمّد بن معروف، وأبا نصر خواشاذه، وكان عَضُد الدولة حبسهم وأظهر مُشاققة أخيه صمصام الدولة، وقطع خطبته وخطب لنفسه، وتلقّب بتاج الدولة، وفرّق الأموال وجمع الرجال، ومَلك البصرة وأقطعها أخاه أبا الحسين، فبقي كذلك ثلاث سنين إلى أنْ قَبض عليه شَرف الدولة، فلمّا سمِع صمصام الدولة بما فعله شَرف الدولة، فجّهز تاج الدولة عسكراً واستعمل عليه الأمير أبا الأغر دبيس بن عفيف الأسدي، فالتقيا بظاهر قرقوب واقتتلوا، فانهزم عسكر صمصام الدولة، وأُسر دبعش فاستولى حينئذ أبو الحسين بن عَضُد الدولة على الأهواز، وأخذ ما فيها وفي رامهرمز، وطمعَ في المُلك، وكانت الوقعة في ربيع الأوّل سَنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة.

٢٧٦

باذ الكردي وصمصام الدولة:

إنّ باذ هذا مِن الأكراد الحميديّة، واسمه عبد الله الحسن بن دوستك، كان في ابتداء أمره يغزو بثغور ديار بكر، وكان عظيم الخِلقة له بأس وشدّة، فلمّا مَلك عَضُد الدولة الموصل حَضر عنده، فلمّا رأى عَضُد الدولة خافه، وقال: ما أظنّه يُبقي عليّ، فهرب حين خرج مِن عنده، وطلبه عَضُد الدولة بعد خُروجه ليقبض عليه، وقال: له بأس وشدّة وفيه شرّ، ولا يجوز الإبقاء على مِثله، فأُخبر بهربه فكفّ عن طلبه، وحصل بثغور ديار بكر وأقام بها إلى أنْ استفحل أمرُه، وقَويَ ومَلك ميافارقين وكثيراً مِن ديار بكر بعد موت عَضُد الدولة، ووَصل بعض أصحابه إلى نصيبين فاستولى عليها، فجّهز صمصام الدولة إليه العساكر مع أبي سعد بهرام بن أردشير فواقعه، فانهزم بهرام وأُسر جماعة مِن أصحابه، وقويَ أمرُ باذ فأرسل صمصام الدولة إليه أبا القاسم سعد بن محمّد الحاجب في عسكر كثير، فالتقوا بباجلايا على خابور الحسينيّة مِن بلد كواشي، واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم سعد وأصحابه، واستولى باذ على كثير مِن الديلم فقَتل وأَسر، ثُمّ قَتل الأسرى صبراً، وفي هذه الوقعة يقول أبو الحسين البشنوي:

بباجلايا جلونا عنه غمغمة ونحن في الروع جلاّؤن للكرب

ولمّا هَزم باذ الديلم وسعداً، وفعل بهم ما فعل سبقه فدخل الموصل، وسار باذ في أثره، فثار العامّة بسعد لسوء سيرة الديلم فيهم، فنجا منهم بنفسه، ودخل باذ إلى الموصل واستولى عليها وقويت شوكته، وحَدّث نفسه بالتغلّب على بغداد وإزالة الديلم عنها، وخرج مِن حدّ المتطرّفين وصار في عِداد أصحاب الأطراف، فخافه صمصام الدولة وأهمّه وشغله عن غيره، وجمع العساكر ليُسيّرها إليه فانقضت السَنة.

وفي سنة ٣٧٤هـ وقع اختياره واختيار وزيره ابن سعد على إنفاذ زيار بن شهر اكويه - وهو أكبر قوادّهم - فأمره بالمسير إلى قتاله، وجهّزه وبالغ في أمره، وأكثر معه الرجال والعدد والأموال، وسار إلى باذ، فخرج إليهم ولقيهم في صَفر مِن هذه السَنة، فأجلت الوقعة عن هزيمة باذ وأصحابه، وأُسر كثير مِن عسكره وأهله، وحُملوا إلى بغداد فشُهّروا بها، ومَلك الديلم الموصل، وأرسل زيار عسكراً مع سعد الحاجب في طلب باذ، فسلكوا على جزيرة ابن

٢٧٧

عمر، وأرسل عسكراً آخر إلى نصيبين، فاختلفوا على مُقدمهم فلم يُطاوعوهم على المسير إليه، وكان باذ بديار بكر قد جمع خَلقاً كثيراً، فكَتب وزير صمصام الدولة إلى سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان، وبذل له تسليم ديار بكر إليه، فسيّر إليها جيشاً، فلم يكن لهم قوّة بأصحاب باذ، فعادوا إلى حَلب وكانوا قد حصروا ميافارقين، فلمّا شاهد سعد الدولة ذلك مِن عسكره أعمل الحيلة في قَتل باذ، فوضع رجُلاً على ذلك، فدخل الرجل خيمة باذ وضربه بالسيف، وهو يظنّ أنّه يَضرب رأسه، فوقعت الضربة على ساقه فصاح، وهربَ ذلك الرجُل فمَرض باذ مِن تلك الضَربة وأشفى على الموت، وكان قد جَمع معه مِن الرجال خَلقاً كثيراً، فراسل زيار وسعداً يطلب الصُلح فاستقرّ الحال بينهم واصطلحوا على أنْ تكون ديار بكر لباذ والنصف مِن طور عبدين أيضاً، وانحدر زيار إلى بغداد، وأقام سعد بالموصل.

اضطراب الأمر في بغداد على صمصام الدولة ثُمّ استقراره:

في سنة ٣٧٥هـ جرت فتنة بغداد بين الديلم، وكان سببها أنّ أسفار بن كردويه - وهو مِن أكابر القوّاد - استنفر مِن صمصام الدولة، واستمال كثيراً مِن العسكر إلى طاعة شَرف الدولة، واتّفق رأيهم على أنْ يولّوا الأمير بهاء الدولة أبا نصر بن عَضُد الدولة العراق نيابة عن أخيه شَرف الدولة، وكان صمصام الدولة مَريضاً فتمكّن أسفار مِن الذي عَزم عليه، وأظهر ذلك وتأخّر عن الدار، وراسله صمصام الدولة يستميله ويُسكنه، فما زاد إلاّ تمادياً، فلمّا رأى ذلك مِن حاله راسل الطائع يطلب منه الركوب معه، وكان صمصام الدولة قد أبل مِن مرضه، فامتنع الطائع مِن ذلك، فشرع صمصام الدولة واستمال فولاذ رماندار، وكان موافقاً لأسفار، إلاّ أنّه كان يأنف مِن مُتابعته لكبر شأنه، فلمّا راسله صمصام الدولة أجابه واستحلفه على ما أراد، وخرج مِن عنده وقاتل أسفار فهزمه فولاذ، وأُخذ الأمير أبو نصر أسيراً، وأُحضر عند أخيه صمصام الدولة فرَقّ له، وعَلِم أنّه لا ذنب له فأعتقهُ مُكرَّماً، وكان عمره حينئذٍ خمسَ عشرة سَنة.

وثبت أمرُ صمصام الدولة، وسُعيَ إليه بابن سعدان - الذي كان وزيره - فعزله.

وقيل: إنّه كان هواه مَعهم فقُتل، ومضى أسفار إلى الأهواز واتّصل بالأمير أبي الحسين بن عَضُد الدولة وخدمه، وسار باقي العسكر إلى شَرف الدولة.

٢٧٨

إطلاق صمصام الدولة لورد الرومي:

مرّ في أخبار عَضُد الدولة القبض على ورد الرومي اللاجئ إليه وأصحابه سنة ٣٦٩هـ، واعتقاله وسَجْنه وأصحابه في بغداد، وفي هذه السنَة أفرج عنه صمصام الدولة وأطلقه، وشرط عليه إطلاق عدد كثير مِن أُسارى المسلمين، وأنْ يُسلّم إليه سبعة حُصون مِن بلد الروم برساتيقها، وأنْ لا يقصد بلاد الإسلام، لا هو ولا أحد مِن أصحابه ما عاش، وجهّزه بما يَحتاج إليه مِن مال وغيره، فسار إلى بلاد الروم، واستمال في طريقه خَلقاً كثيراً مِن البوادي وغيرهم، وأطمعهم في العطاء والغنيمة، وسار حتّى نزل بملطية فتسلّمها وقَويَ بها وبما فيها مِن مال وغيره، وانتهى أمره إلى أنْ مات.

مِلك شَرف الدولة الأهواز:

في هذه السَنة سار شَرف الدولة أبو الفوارس بن عَضُد الدولة مِن فارس يَطلب الأهواز، وأرسل إلى أخيه أبي الحسين - وهو بها - يُطيّب خاطره ويَعده الإحسان، وأنْ يقرّه على ما بيده مِن الأعمال، وأعلمه أنّ مقصَده العراق وتخليص أخيه الأمير أبي نصر مِن محبسه، فلم يثق أبو الحسين إلى قوله، وعزم على منعه، وتَجهّز لذلك فأتاه الخبر بوصول شَرف الدولة إلى أرجان ثُمّ إلى رامهرمز، فتسلّل أجناده إلى شَرف الدولة ونادوا بشعاره، فهَرب أبو الحسين نحو الريّ إلى عمّه فَخر الدولة، فبلغ أصبهان وأقام بها واستنصر عمّه، فأطلق له مالاً ووَعده بنصره، فلمّا طال عليه الأمر قصدَ التَغلّب على أصبهان، ونادى بشعار أخيه شَرف الدولة فثار به جندها، وأخذوه أسيراً وسيّروه إلى الريّ فحبسه عمّه، وبقيَ محبوساً إلى أنْ مرض عمُّه فَخر الدولة مرض الموت، فلمّا اشتدّ مرضه أرسل إليه مَن قتله، وكان يقول شعراً، فمِن قوله:

هبِ الدَهر أرضاني وأعتب صرفه وأعقب بالحُسنى وفك مِن الأسرِ

فمَن لي بأيّام الشباب الّتي مَضت ومَن لي بما قد فات في الحَبس مِن عُمري

وأمّا شَرف الدولة، فإنّه سار إلى الأهواز ومَلكها، وأرسل إلى البصرة فمَلكها وقَبض على أخيه أبي طاهر، وبلغَ الخَبر إلى صمصام الدولة فراسله

٢٧٩

في الصُلح، فاستقرّ الأمر على أنْ يَخطب لشَرف الدولة بالعراق قبل صمصام الدولة، ويكون صمصام الدولة نائباً عنه، ويُطلق أخاه الأمير بهاء الدولة أبا نصر ويُسيّره إليه، وصلُح الحال واستقام، وكان قوّاد شَرف الدولة يُحبّون الصُلح؛ لأجل العود إلى أوطانهم، وخُطب لشرف الدولة بالعراق، وسُيّرت إليه الخِلَع والألقاب مِن الطائع لله إلى أنْ عادت الرُسل إلى شَرف الدولة ليحلفوه ألقت إليه البلاد مقاليدها كواسط وغيرها، وكاتبه القوّاد بالطاعة، فعاد عن الصُلح، وعَزم على قصد بغداد والاستيلاء على المُلك، ولم يَحلف لأخيه، وكان معه الشريف أبو الحسين محمّد بن عمر يُشير عليه بقصد بغداد، ويَحثّه عليه، ويُطمعه فيه، فوافقه على ذلك، وترى لصمصام الدولة أخباراً وأحداثاً كثيرة، وقعت بينه وبين بهاء الدولة مُدوّنة في أخبار بهاء الدولة، وقد ساعدته الأقدار على امتلاك فارس وغيرها، وعلى مُناهضة بهاء الدولة وكُلّ ذلك، وما آل إليه أمرُه مبسوط في أخبار بهاء الدولة(١) .

الثالث عَشر مِن مُلوك بني بويه والخامس مِن مُلوكهم في العراق: شَرف الدولة.

في سَنة ٣٧٦ سار شَرف الدولة أبو الفوارس ابن عَضُد الدولة مِن الأهواز إلى واسط فمَلكها، فأرسل إليه صمصام الدولة أخاه أبا نصر يستعطفه بإطلاقه - وكان محبوساً عنده - فلم يَتعطف له، واتّسع الخَرق على صمصام الدولة، وشَغب عليه جنده، فاستشار أصحابه في قصدِ أخيه والدخول في طاعته، فنهوه عن ذلك، وقال بعضهم:

الرأي أنّنا نصعد إلى عكبرا لنَعلم بذلك مَن هو لنا ممَّن هو علينا، فإنْ رأينا عدّتنا كثيرة قاتلناهم وأخرجنا الأموال، وإنْ عَجزنا سِرنا إلى الموصل فهي وسائر بلاد الجبل لنا فيقوى أمرنا، ولا بدّ أنّ الديلم والأتراك تَجري بينهم مُنافسة ومُحاسدة، ويحدث اختلال فنبلغ العرض..

وقال بعضهم: الرأي أنّنا نسير إلى فرميسين نُكاتب عمّك فَخر الدولة ونستنجده، ونسير على طريق خُراسان وأصبهان إلى فارس، فنتغلّب عليها على خزائن شَرف الدولة وذخائره، فما

____________________

(١) لمّا استولى عَضُد الدولة على كرمان سنة ٣٥٧ أقطعها ولده أبا الفوارس هذا، الذي لُقّب بعد ذلك شَرف الدولة ومَلك العراق. الكامل م٥٨ ص٢٣١.

٢٨٠