تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 97568
تحميل: 7681


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97568 / تحميل: 7681
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

هُناك مُمانع ولا مُدافع، فإذا فعلنا ذلك لا يقدر شَرف الدولة على المُقام بالعراق فيعود، حينئذٍ يقع الصُلح، فأعرض صمصام الدولة عن الجميع وسار في طيار إلى أخيه شَرف الدولة في خواصّه، فوصل إليه فلقيه وطيّب قلبه، فلمّا خرجَ مِن عنده قبض عليه، وأرسل إلى بغداد مَن يحتاط على دار المملكة، وسار فوصل إلى بغداد في شهر رمضان، فنزل بالشفيعي وأخوه صمصام الدولة معه تحت الاعتقال، وكانت إمارته بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهراً.

الفِتنةُ بين الأتراك والدَيلم:

في هذه السَنة جرت فتنة بين الديلم والأتراك الذين مع شَرف الدولة ببغداد؛ وسببها أنّ الديلم اجتمعوا مع شَرف الدولة في خَلقٍ كثير بلغت عِدّتهم خمسة عشر ألف رجل، وكان الأتراك في ثلاثة آلاف، فاستطال عليهم الدَيلم، فجرت مُنازعة بين بعضهم في دار واصطبل، ثُمّ صارت إلى المُحاربة فاستظهر الديلم لكثرتهم، وأرادوا إخراج صمصام الدولة وإعادته إلى مَلكه، وبلغَ شَرف الدولة الخَبر، فوكّل بصمصام الدولة مَن يقتله إنْ همّ الديلم بإخراجه.

ثُمّ إنّ الديلم لمّا استظهروا على الأتراك تبعوهم فتشوشت صفوفهم، فعاد الأتراك عليهم مِن أمامهم وخَلفهم فانهزموا، وقُتل منهم زيادة على ثلاثة آلاف، ودخل الأتراك البلد فقتلوا مَن وجدوه منهم، ونهبوا أموالهم وتفرّق الديلم، فبعضهم اعتصم بشَرف الدولة وبعضهم سار عنه، فلمّا كان الغَد دخل شَرف الدولة بغداد والديلم المُعتصمون به معه، فخرج الطائع لله ولقيه وهنأه بالسلامة، وقبّل شَرف الدولة الأرض، وأخذ الديلم يذكرون صمصام الدولة.. فقيل لشَرف الدولة اقتله، وإلاّ مَلّكوه الأمر.

ثُمّ إنّ شَرف الدولة أصلح بين الطائفتين وحَلف بعضهم لبعض، وحمل صمصام الدولة إلى فارس فاعتُقِل في قلعة هناك، فرَدَّ شَرف الدولة على الشريف محمّد بن عمر جميع أملاكه وزاده عليها، وكان خراج أملاكه كُلّ سَنة ألفَي ألف وخمسمئة درهم، وردّ على النقيب أبي أحمد الموسوي أملاكه، وأقرّ الناس على مراتبهم ومنع الناس مِن السعايات ولم يقبلها، فأمِنوا وسكنوا ووزر له أبو منصور بن صالحان.

٢٨١

الحربُ بين بدر بن حسنويه وعسكر شَرف الدولة:

في هذه السَنة جهَّز شَرف الدولة عسكراً كثيفاً مع قراتكين الجهشياري - وهو مُقدّم عسكره وكبيرهم - وأمرهم بالمسير إلى بدر بن حسنويه وقتاله، وسبب ذلك أنّ شَرف الدولة كان حَنِقاً على بدر؛ لانحرافه عنه وميله إلى عمّه فَخر الدولة، فلمّا استقرّ مُلكه ببغداد وأطاعه الناس شرع في أمرِ بدر، وكان قراتكين قد جاوز الحدّ في التَحكّم والإدلال وحماية الناس على نوّاب شَرف الدولة، فرأى أنْ يُخرجه في هذا الوجه فإنْ ظَفر ببدر شفى غيظه منه، وإنْ ظفرَ به بدر استراح منه، فساروا نحو بدر، وتجهّز بدر وجمع العساكر، وتلاقيا على الوادي بقرميسين، فلمّا اقتتلوا انهزم بدر حتّى توارى عنه، وظنّ قراتكين وأصحابه أنّه مضى على وجهه، فنزلوا عن خيولهم وتفرّقوا في خيامهم، فلم يلبثوا إلاّ ساعة حتّى كرَّ بدر راجعاً إليهم، وأكبّ عليهم وأعجلهم عن الركوب، وقتل منهم مَقتلة عظيمة، واحتوى على جميع ما في عسكرهم، ونجا قراتكين في نَفر مِن غُلمانه، فبلغ جسر النهروان وأقام به حتّى اجتمع عليه المُنهزمون ودخل بغداد، واستولى بدر بعدَ ذلك على أعمال الجبل وما والاها، وقَويَت شوكته.

وأمّا قراتكين، فإنّه لمّا عاد مِن الهزيمة زاد إدلاله وتجنّيه، وأغرى العسكر بالشَغب والتوثّب على الوزير أبي منصور بن صالحان، فلقوه بما يكره فلاطفهم ودفعهم، وأصلح شَرف الدولة بين الوزير وبين قراتكين، وشرع في إعمال الحيلة على قراتكين، فلم تمضِ أيّام حتّى قَبض عليه وعلى جماعة مِن أصحابه وكُتّابه، وأخذ أموالهم وشَغب الجند لأجله، فقتله شَرف الدولة فسكنوا، وقَدّم عليهم طغان الحاجب فصلُحت طاعته.

طَمع باذ الكردي بالموصل:

في هذا السَنة تجدد لباذ الكُردي طَمعٌ في بلاد الموصل وغيرها، وسبب ذلك أنّ سعداً الحاجب توفّي بالموصل، فسَيّر إليها شَرف الدولة أبا نصر خواشاذه، وجهّز إليه العساكر، وكَتب يستمدّ مِن شَرف الدولة العساكر والأموال، فتأخّرت الأموال عنه، فأحضر العَرب مِن بني عقيل وأقطعهم البلاد ليمنعوا عنها، وانحدر باذ فاستولى على طور عبدين، ولم يقدر على النزول إلى الصحراء، وأرسل أخاه في عسكر فقاتلوا العَرب فقُتل أخوه

٢٨٢

وانهزم عسكره، وأقام بعضهم مُقابل بعض، فبينما هُم كذلك إذ أتاهم الخَبر بموت شَرف الدولة، فعاد خواشاذه إلى الموصل وأظهر موته، وأقامت العَرب بالصحراء تمنع باذ مِن النزول إليها وباذ بالجبل، وكان خواشاذه يصلح أمره ليُعاود حرب باذ، فأتاه إبراهيم وأبو الحسين ابنا ناصر الدولة.

جُلوس الطائع لله جلوساً عامّاً لشَرف الدولة:

في هذه السَنة جَلس الطائع لله لشَرف الدولة جُلوساً عامّاً، وحضره أعيان الدولة وخَلع عليه، وحَلَف كُلّ واحد منهما لصاحبه.

القبض على شكر الخادم:

في هذه السَنة قَبض شَرف الدولة على شكر الخادم، وكان أخصّ الناس عند والده عَضُد الدولة وأقربهم إليه، يرجع إلى قوله ويعول عليه، وكان سَبب قَبضه أنّه كان في أيّام والده يَقصد شَرف الدولة ويُؤذيه، وهو الّذي تولّى إبعاده إلى كرمان مِن بغداد، وقام بأمر صمصام الدولة فحَقد عليه شَرف الدولة ذلك، فلمّا مَلك شَرف الدولة العراق اختفى شكر، فطلبه أشد الطلب فلم يوجد، وكان له جارية حبشيّة قد تزوّجها، فطلبها إليه فأقامت عنده مدّة تَخدمه، وكان قد عَلق بقلبها غيره، فصارت تأخذ المأكول وغيره وتحمله إلى حيث شاءت، فأحسّ بها شكر فلم يحتملها فضربها، فخرجت غضبى إلى باب دار شَرف الدولة فأخبرت بحال شكر، فأخذه وأُحضر عند شَرف الدولة، فأراد قتله فشفع فيه نحرير الخادم، فوهبه له واستأذنه في الحج فأذن له، فسار إلى مكّة ثُمّ منها إلى مصر، فنال هُناك منزلة كبيرة.

سَملُ صمصام الدولة:

سَنة ٣٧٩هـ كان نحرير الخادم يُشير على شَرف الدولة بقتل أخيه صمصام الدولة، وشرف الدولة يُعرض عن كلامه، فلمّا اعتلَّ شَرف الدولة واشتدّت علّته ألحّ عليه نحرير...، وقال له:

الدولة معه على خَطر، فإنْ لم تقتله فأسمله، فأرسل في ذلك محمّد الشيرازي الفراش، فمات شَرف الدولة قبل أنْ يَصل الفراش إلى صمصام الدولة، فلمّا وصل الفراش إلى القلعة التي بها صمصام الدولة لم يُقدِم على سمله، فاستشار أبا القاسم العلاء بن

٢٨٣

الحسن الناظر هناك فأشار بذلك، فسَمله وكان صمصام الدولة يقول:

ما أعماني إلاّ العلاء؛ لأنّه أمضى في حُكم سلطان قد مات.

وفاة شَرف الدولة:

في مُستهلّ جمادى الآخرة سَنة ٣٧٩هـ توفّي المَلك شَرف الدولة أبو الفوارس شيرزيل بن عَضُد الدولة مُستسقياً، وحُمِل إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فدُفن به، وكانت إمارته بالعراق سنتَين وثمانية أشهُر، وكان عُمره ثمانياً وعشرين سَنة وخمسة أشهُر، ولمّا اشتدّت عِلّته سيَّر ولده أبا علي إلى بلاد فارس، وأصحبه الخزائن والعِدد وجماعة كثيرة مِن الأتراك، فلمّا أيسَ أصحابه منه اجتمع إليه أعيانُهم، وسألوه أنْ يُملّك أحداً..، فقال:

أنا في شُغل عمّا تدعونني إليه..، فقالوا له: ليأمُر أخاه بهاء الدولة أبا نصر أنْ ينوب عنه إلى أنْ يُعافى؛ ليحفظ الناس لئلاّ تثور فتنة، ففعل ذلك وتوقّف بهاء الدولة ثُمّ أجاب إليه، فلمّا مات جلس بهاء الدولة في المَملكة، وقعد للعزاء ورَكب الطائع لله أمير المؤمنين إلى العزاء في الزبزب فتلقّاه بهاء الدولة وقبّل الأرض بين يديه، وانحدر الطائع لله إلى داره وخَلع على بهاء الدولة خِلَع السَلطنة، وأقرّ بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته.

الرابع عشر مِن مُلوك بني بويه والسادس مِن مُلوكهم في العراق: أبو نَصر بهاءُ الدولة بن عَضُد الدولة

نابَ بهاء الدولة مناب أخيه شَرف الدولة في إدارة المَملكة في مَرضه - كما سبق بيان ذلك - وحين وفاته في سنة ٣٧٩هـ خلع عليه الطائع لله خِلَع السَلطنة، واستقرّت له ورسخت فيها قدمه، فكان السادس مِن مُلوك بني بويه في العراق.

مسير أبي عليّ بن شَرف الدولة إلى فارس وما كان منه مع صمصام الدولة:

لمّا اشتدّ مرضُ شَرف الدولة جهّز ولده الأمير أبا علي، وسيّره إلى فارس ومعه والدته وجواريه، وسَيّر معه مِن الأموال والجواهر والسلاح

٢٨٤

أكثرها، فلمّا بَلغ البصرة أتاهم الخَبر بموت شَرف الدولة، فسيّر ما مَعه في البحر إلى أرجان، وسار هو مُجدّاً إلى أنْ وصل إليها، واجتمع معه مَن بها مِن الأتراك وساروا نحو شيراز، وكاتبهم مُتولّيها وهو أبو القاسم العلاء بن الحسن بالوصول إليها ليُسلّمها إليهم، وكان المرتّبون في القلعة التي بها صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقوهما ومعهما فولاذ، وساروا إلى سيراف واجتمع على صمصام الدولة كثير مِن الدَيلم، وسار الأمير أبو علي إلى شيراز، ووقعت الفتنة بها بين الأتراك والدَيلم، وخرج الأمير أبو علي مِن داره إلى معسكر الأتراك فنزل معهم، واجتمع الدَيلم وقصدوا ليأخذوه ويُسلّموه إلى صمصام الدولة، فرأوه قد انتقل إلى الأتراك، فكشفوا القِناع ونابذوا الأتراك، وجرى بينهم قتال عِدّة أيّام، ثُمّ سار أبو علي والأتراك إلى نسا فاستولوا عليها، وأخذوا ما بها مِن مال وقتلوا مِن بها مِن الدَيلم، وأخذوا أموالهم وسلاحهم فقووا بذلك، وسار أبو علي إلى أرجان، وعاد الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، ونهبوا البَلد وعادوا إلى أبي علي بأرجان، وأقاموا معه مديدة، ثُمّ وصل رسول مِن بهاء الدولة إلى أبي علي، وأدّى الرسالة وطيّب قَلبه ووعده، ثُمّ إنّه راسل الأتراك سِرّاً واستمالهم إلى نفسه وأطمعهم، فحسّنوا لأبي عليّ المسير إلى بهاء الدولة، فسار إليه فلقيه بوسط مُنتصف جمادى الآخرة سَنة ثمانين وثلاثمئة، فأنزله وأكرمه وتركه عِدّة أيام، وقبض عليه ثُمّ قتله بعد ذلك بيسير، وتجهّز بهاء الدولة للمسير إلى الأهواز لقصدِ بلاد فارس.

الفِتنة ببغداد بين الدَيلم والأتراك:

في هذه السَنة وقعت الفتنة ببغداد بين الأتراك والدَيلم، واشتدّ الأمرُ ودام القتال بينهم خمسة أيّام، وبهاء الدولة في داره يُراسلهم في الصُلح، فلم يسمعوا قوله وقُتل بعض رُسله.

ثُمّ إنّه خرج إلى الأتراك وحضر القِتال معهم، فاشتدّ حينئذ الأمر وعظم الشرّ، ثُمّ إنّه شَرع في الصُلح ورفق بالأتراك، وراسل الدَيلم فاستقرّ الحال بينهم، وحَلَف بعضهم لبعض، وكانت مُدّة الحَرب اثني عشر يوماً.

ثُمّ إنّ الدَيلم تفرّقوا فمضى فريق بعد فريق، وأخرج بعضهم وقبض على البعض، فضعُف أمرهم وقويت شوكة الأتراك واشتدّت حالهم.

٢٨٥

مَسيرُ فَخر الدولةِ إلى العراق:

في هذه السَنة سار فَخر الدولة بن رُكن الدولة مِن الريّ إلى همذان عازماً على قصد العراق والاستيلاء عليها، وقد مرَّ الخَبر عن ذلك في أخبار فَخر الدولة فلا نعيده.

مُفردات بهاء الدولة:

في هذه السنة قَبض بهاء الدولة على أبي الحسن محمّد بن عمر العلوي الكوفي، وكان قد عظُم شأنه مع شَرف الدولة، واتسع جاهه وكثرت أمواله، فلمّا ولي بهاء الدولة سعى به أبو الحسن المُعلّم وأطمعه في أمواله ومُلكه، وعظم ذلك عنده وقبض عليه.

وفيها أسقط ما كان يُؤخذ مِن المراعي مِن سائر السَواد.

وفي سنة ٣٨٠هـ تغلّب أبو الذوّاد محمّد بن المسيّب بن عقيل على أبي طاهر بن حمدان بعد انهزامه مِن أبي عليّ بن مروان، واستولى على الموصل نائباً عن بهاء الدولة اسماً وله فيها الأمر والنهي دونه، وقد مرَّ ذلك في أخبار بني حمدان وبني المسّيب.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى الأهواز وما كان منه ومِن صمصام الدولة:

في هذه السنة ٣٨٠هـ سار بهاء الدولة عن بغداد إلى خوزستان عازماً على قصد فارس، واستخلف ببغداد أبا نصر خواشاذه، ووصل إلى البصرة ودخلها، وسار عنها إلى خوزستان، فأتاه نعيُ أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء به، ودخل أرجان فاستولى عليها، وأخذ ما فيها مِن الأموال فكان ألف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم، ومِن الثياب والجواهر ما لا يُحصى، فلمّا عَلِم الجُند بذلك شَغبوا شغباً مُتتابعاً، فأُطلِقت تلك الأموال كلّها، لم ولم يبقَ منها إلاّ القليل، ثُمّ سارت مُقدّمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبنداجان وبها عساكر صمصام الدولة، فهزمهم وبثّ أصحابه في نواحي فارس، فسيّر إليهم صمصام الدولة عسكراً وعليهم فولاذ زماندار فواقعهم، فانهزم أبو العلاء وعاد مهزوماً، وكان سبب الهزيمة أنّه كان بين العسكرين وادٍ وعليه قنطرة، وكان أصحاب أبي العلاء يعبرون القنطرة ويَغيرون على

٢٨٦

أثقال الدَيلم عسكر صمصام الدولة، فوضع فولاذ كميناً عند القنطرة، فلمّا عَبر أصحاب بهاء الدولة خرجوا عليهم فقتلوهم جميعاً، وراسل فولاذ أبا العلاء وخدعه، ثُمّ سار إليه وكَبسه فانهزم مِن بين يديه، وعاد إلى أرجان مهزوماً، وغلت الأسعار، ولمّا بلغَ الخبر إلى صمصام الدولة سار عن شيراز إلى فولاذ، وتردّدت الرُسل في الصُلح، فتمّ على أنْ يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان العراق، وأنْ يكون لكلّ واحدٍ منها إقطاع في بَلد صاحبه، وحَلف كلُ واحد منهما لصاحبه، وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز.

ولمّا سار بهاء الدولة عن بغداد ثارَ العيّارون بجانبي بغداد، ووقعت الفتن بين أهل السُنّة والشيعة وكثُر القتَل بينهم، وزالت الطاعة وأُحرقت عدّة محالّ ونُهبت الأموال وأُخرِبت المساكن، ودامَ ذلك عدّة شُهور إلى أنْ عادَ بهاءُ الدولة إلى بغداد.

قبضُ بهاءِ الدولةِ على الطائع لله:

في سنة ٣٨١هـ قبضَ بهاء الدولة على الطائع لله أبي بكر عبد الكريم، وكان سببُ ذلك أنّ الأمير بهاء الدولة قلّت عنده الأموال، فكثُرَ شغبُ الجُند، فقبض على وزيره سابور، فلم يُغنِ عنه ذلك شيئاً، وكان أبو الحسن بن المُعلّم قد غَلب على بهاء الدولة، وحَكم في مملكته، وحسَّن له القَبض على الطائع وأطمعه في ماله، وهوّن عليه ذلك وسهّله، فأقدم عليه بهاء الدولة، وأرسل إلى الطائع وسأله الإذن في الحُضور في خدمته ليُجدّد العهد به، فأذن له في ذلك، وجلس له كما جرتْ العادة، فدخل بهاء الدولة ومَعه جَمع كثير، فلمّا دخل قبّل الأرض وأُجلس على كُرسي، فدخل بعض الدَيلم كأنّه يُريد أنْ يُقبّل يدَ الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره، والخليفة يقول:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهو يَستغيث ولا يُلتفت إليه، وأُخذ ما في دار الخليفة مِن الذخائر، فمشوا به في الحال، ونَهب الناس بعضُهم بعضاً، وكان مِن جُملتهم الشريف الرضي، فبادر بالخُروج فسَلُم، وقال أبياتاً مِن جملتها:

مِن بَعد ما كان ربُّ التاج مُبتسم إلى أدنوه في النجوى ويُدنيني

أمسيتُ أرحمُ مَن قد كُنتُ أغبِطه لقد تقارب بين العزّ والهون

ومَنظرٌ كان بالسراءِ يُضحكني يا قرب ما عاد بالضرّاء يُبكيني

هيهات أغترُّ بالسلطان ثانيةً قد ضلَّ ولاّج أبواب السلاطين

٢٨٧

ولمّا حُمل الطائع إلى دار بهاء الدولة أشهدَّ عليه بالخلع، وبويعَ بعده للقادر بالله.

عودِ الدَيلم إلى الموصل:

كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجّاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، وكان قد استقرّ حُكمها في يد أبي الذواد محمّد بن المسيّب، وأقرّه بهاء الدولة على ذلك بعد أنْ قَدّم له أبو الذواد الطاعة، فملكها آخر سَنة ٣٨١هـ، وقد ذكرنا خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب فاطلبه هناك.

وجرت أُمور مِن بهاء الدولة على وُزرائه لم يكن فيها شيء مِن الحِكمة والتدبير، وكان كما قال ابن الأثير: أُذناً يسمع ما يُقال له ويفعل به، وحَسبه معرّة ما عامل به الطائع لله مِن الاحتقار والخلع على غير سَبب سوى الطَمع في أمواله، وفي ذِكر ذلك كلّه ما يَطول به الخطب.

مُلك صمصام الدولة خوزستان:

في سنة ٣٨٣هـ مَلك صمصام الدولة خوزستان، وكان سَبب نقض الصُلح أنّ بهاء الدولة سيّر أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز، وتقدّم إليه بأنْ يكون مُستعدّاً لقصد بلاد فارس، وأعلمه أنّه يُسيّر إليه العساكر مُتفرّقين، فإذا اجتمعوا عنده سار بهم إلى بلاد فارس بغتة، فلا يَشعر صمصام الدولة إلاّ وهُم معه في بلاده، فسار أبو العلاء ولم يتهيّأ لبهاء الدولة إمداده بالعساكر وظَهر الخبر، فجّهز صمصام الدولة عسكره وسيّرهم إلى خوزستان، وكتبَ أبو العلاء إلى بهاء الدولة بالخَبر، ويطلب إمداده بالعساكر، فسيَّر إليه عسكراً كثيراً، ووصلتْ عساكر فارس فلقيهم أبو العلاء فانهزم هو وأصحابه، وأُخذ أسيراً وحُمل إلى صمصام الدولة، فأُلبس ثياباً مُصبّغة وطيف به، وسألت فيه والدة صمصام الدولة فلم يقتله واعتقله.

ولمّا سمع بهاء الدولة بذلك أزعجه وأقلقه وكانت خزانته قد خلت مِن الأموال فأرسل وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط ليحصل ما أمكنه وأعطاه رهوناً مِن الجواهر والأعلاق النفيسة ليقترض عليها مِن مُهذّب الدولة صاحب البطيحة، فلمّا وصل إلى واسط تَقرّب منها إلى مُهذّب الدولة، وترك ما معه مِن الرهون بحاله، وأرسل بهاء الدولة ورَهنها وأقرض عليها.

٢٨٨

عَقدُ نِكاح القادر على بِنتِ بهاء الدولة:

في هذه السنة عقد النكاح للقادر على بنت بهاء الدولة، بصداق مَبلغه مئة ألف دينار، وكان العَقد بحضرة والولي النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي، وماتتْ قبل النقلة.

عودُ الأهواز إلى بهاء الدولة:

في سَنة ٣٨٤هـ مَلك بهاء الدولة الأهواز، وكان سَببه أنّه أنفذ عسكراً إليها عِدّتهم سبعمئة رجل، وقَدّم عليهم طغان التركي، فلمّا بَلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة، فدخلها عسكر بهاء الدولة وانتشروا في أعمال خوزستان، وكان أكثرهم مِن التُرك، فعلت كَلمتهم على الدَيلم، وتوجّه صمصام الدولة إلى الأهواز ومعه عساكر الدَيلم وتميم وأسد، فلمّا بلغ تستر رحل ليلاً ليكبس الأتراك مِن عسكر بهاء الدولة، فَضَلّ الأدلاّء في الطريق فأصبح على بُعد منهم، ورآهم طلائع الأتراك فعادوا بالخَبر، فحَذِروا واجتمعوا واصطفّوا، وجعلوا مُقدّمهم واسمه طغان كميناً، فلمّا التقوا واقتتلوا خَرج الكمين على الدَيلم فكانت الهزيمة، وانهزم صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، وكانوا أُلوفاً كثيرة استأمَن منهم أكثر مِن ألفَي رجُل، وغنم الأتراك مِن أثقالهم شيئاً كثيراً، وضَرب طغان للمُستَأمنة خِيَماً يسكنونها، فلمّا نزلوا اجتمع الأتراك وتشاوروا وقالوا:

هؤلاء أكثر مِن عدّتنا ونحن نخاف أنْ يثوروا بنا، واستقرّ رأيهم على قتلهم، فلم يَشعر الدَيلم إلاّ وقد أُلقيت الخيام عليهم، ووقع الأتراك فيهم بالعَمَد حتى أتوا عليهم فقتلوا كُلّهم، وورد الخَبر على بهاء الدولة وهو بواسط قد اقترض مالاً مِن مُهذّب الدولة، فلمّا سَمع ذلك سار إلى الأهواز، وكان طغان والأتراك قد مَلكوها قبل وصوله إليها.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه لبس السواد وسار إلى شيراز فدخلها، فغيّرت والدته ما عليه مِن السواد، وأقام يتجهّز للعود إلى أخيه بهاء الدولة بخوزستان.

الصهر بين بهاء الدولة ومُهذّب الدولة:

في هذه السَنة عقد النكاح لمُهذّب الدولة على ابنة بهاء الدولة، والأمير أبي منصور بويه بن بهاء الدولة على ابنة مُهذّب الدولة، وكان الصداق مِن كلّ جانب مئة ألف دينار.

٢٨٩

عودُ صمصام الدولة إلى الأهواز:

في سنة ٣٨٥هـ جَهّز صمصام الدولة عساكره مِن الدَيلم، وردّهم إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن، واتّفق أنّ طغان نائب بهاء الدولة بالأهواز عوفي، وعَزم مَن معه مِن الأتراك على العودة إلى بغداد، وكَتب مَن هناك إلى بهاء الدولة بالخبر فأقلقه ذلك وأزعجه، فأرسل أبا كاليجار المرزبان بن شهيفروز إلى الأهواز نائباً عنه، وأنفذ أبا محمّد الحسن بن مكرم إلى الفتكين وهو برامهرمز قد عاد مِن بين يَدي عسكر صمصام الدولة إليها يأمره بالمقام بموضعه، فلم يفعلْ وعاد إلى الأهواز، فكَتب إلى أبي محمّد بن مكرم بالنظر في الأعمال، وسار بَعدهم بهاء الدولة نحو خوزستان، فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع، ثُمّ سار على نهر المسرقان إلى أنْ حصل بخان طوق، ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمّد بن مكرم والفتكين، وزحف الدَيلم بين البساتين حتّى دخلوا البلد، وانزاح عنه ابن مكرم والفتكين، وكَتبا إلى بهاء الدولة يُشيران عليه بالعبور إليها فتوقّفَ عن ذلك ووعدهما به، وسيّر إليهما ثمانين غُلاماً مِن الأتراك، فعبروا وحملوا على الدَيلم مِن خَلفهم فأفرج لهم الدَيلم، فلمّا توسّطوا بينهم أطبقوا عليهم فقتلوهم، فلمّا عرف بهاء الدولة ذلك ضَعُفت نفسه، وعزم على العود ولم يُظهر ذلك، فأمر بإسراج الخيل وحَمل السلاح فَفُعل ذلك، وسار نحو الأهواز يسيراً ثُمّ عاد إلى البصرة فنزل بظاهرها، فلمّا عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عادَ إلى عسكر مكرم، وتبعهم العلاء والدَيلم فأجلوهم عنها، فنزلوا براملان بين عسكر مكرم وتستر.

وتَكرّرت الوقائع بين الفريقين مُدّة، وكان بيَد الأتراك أصحاب بهاء الدولة مِن تستر إلى رامهرمز، ومع الدَيلم منها إلى أرجان وأقاموا ستّة أشهر، ثُمّ رجعوا إلى الأهواز ثُمّ عبر بهم النهر إلى الدَيلم، واقتتلوا نحو شهرين، ثُمّ رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط، فكفّ عنهم وأقام بعسكر مكرم.

استيلاء صمصام الدولة على البصرة:

في سنة ٣٨٦هـ سار قائد كبير مِن قوّاد صمصام الدولة اسمه لشكرستان إلى البصرة، فأجلى عنها نوّاب بهاء الدولة، وسَبب ذلك أنّ الأتراك لمّا عادوا عن العلاء كان هذا لشكرستان مع العلاء، فأتاهم مِن

٢٩٠

الدَيلم مع بهاء الدولة أربعمئة رجل مستأمنين، فأخذهم لشكرستان وسار بهم وبمَن معه إلى البصرة فكثر جَمعه، فنَزلوا قُرب البصرة بين البساتين يُقاتلون أصحاب بهاء الدولة، ومال إليهم بعض أهل البصرة، ومُقدّمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي، وكانوا يحملون إليهم الميرة، وعَلم بهاء الدولة بذلك فأنفذ مَن يَقبض عليه، فهرب كثير منهم إلى لشكرستان فقويَ بهم، وجمعوا السُفن وحملوه فيها ونزلوا إلى البصرة، فقاتلوا أصحاب بهاء الدولة بها وأخرجوهم عنها، ومَلك لشكرستان البصرة، وقتل مِن أهلها كثيراً وهربَ كثير منهم، وأخذ كثيراً مِن أموالهم، فكَتب بهاء الدولة إلى مُهذّب الدولة صاحب البطيحة يقول:

أنتَ أحقّ بالبصرة، فَسَيَّرَ إليها جيشاً مع عبد الله بن مرزوق..، وقيل إنّما فارقها فأجلى لشكرستان عن البصرة..، وقيل إنّه سار عن البصرة بغير حَرب، ودخلها ابن مرزوق..، وقيل إنّما فارقها بعد أنْ حارب فيها وضَعُف عن المقام بين يديه، وصفت البصرة لمُهذّب الدولة.

ثُمّ إنّ لشكرستان عَمل على العود إلى البصرة، فهجم عليها في السُفن، ونزل أصحابه بسوق الطعام، واقتتلوا فاستظهر لشكرستان، وكاتبَ بهاء الدولة يطلب المُصالحة، ويبذل الطاعة ويخطب له بالبصرة، فأجابه مُهذّب الدولة إلى ذلك، وأخذَ ابنه رهينة، وكان لشكرستان يُظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومُهذّب الدولة، وعسفَ أهل البصرة مدّة فتفرّقوا، ثُمّ إنّه أحسن إليهم وعدل فيهم فعادوا.

وفي هذه السنة مَلك المقلد بن المسيّب الموصل، وقد مرّ خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب.

وفي سنة ٣٨٧هـ خَرج أبو الحسن عليّ بن مزيد عن طاعة بهاء الدولة، وسبقَ الخَبر عن ذلك في مكانه فلا نُعيده.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى واسط:

في سنة ٣٨٨هـ عاد أبو عليّ بن إسماعيل إلى طاعة بهاء الدولة وهو بواسط، فوزرَ له ودبّر أمره، وأشار عليه بالمسير إلى أبي محمّد بن مكرم ومَن معه مِن الجُند ومساعدتهم ففعل ذلك، وسار على كُره وضيق فنزل بالقنطرة البيضاء، وثبت أبو عليّ بن أستاذ هرمز وعسكره، وجرى لهم معه وقائع كثيرة، وضاق الأمر ببهاء الدولة وتعذّرت عليه الأقوات، فاستمدّ بدر بن حسنويه فأنفذ إليه شيئاً قام ببعض ما يُريده، وأشرف بهاء الدولة على الخَطر،

٢٩١

وسعى أعداء أبي عليّ بن إسماعيل به حتّى كاد يبطش به، فتجدّد مِن أمر ابنَي بختيار وقتل صمصام الدولة ما أتاه به الفرج مِن حيث لم يحتسب، وصَلح أمرُ أبي علي عنده واجتمعت الكلمة عليه.

مَقتل صمصام الدولة:

في هذه السنة في ذي الحجّة قُتِل صمصام الدولة بن عَضُد الدولة، وسَبب ذلك أنّ جماعة كثيرة مِن الدَيلم استوحشوا مِن صمصام الدولة؛ لأنّه أمرَ بعرضهم وإسقاط مَن ليس بصحيح النَسب، فأسقط منهم مقدار ألف رجل، فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون، واتّفق أنّ أبا القاسم وأبا نصر ابنَي عِزّ الدولة - بختيار - كانا مقبوضين، فخدعا الموكّلين بهما في القلعة، فأفرجوا عنهما، فجمعا لفيفاً مِن الأكراد، واتّصل خبرهما بالّذين أُسقطوا مِن الدَيلم فأتوهم، وقصدوا إلى أرجان فاجتمعت عليها العساكر، وتحيّر صمصام الدولة ولم يكن عنده مَن يُدبّره، وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مُقيماً بنسا، فأشار عليه بعض مَن عنده بتفريق ما عنده مِن المال في الرجال، والمسير إلى صمصام الدولة وأخذه إلى عسكره بالأهواز، وخوف إنْ لم يفعل ذلك فشحّ بالمال، فثار به الجُند ونهبوا داره وهربوا، فاختفى فأُخذ وأُتي به إلى ابنَي بختيار فحُبس ثُمّ احتال فنجا.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه أشار عليه أصحابه بالصعود إلى القلعة التي على باب شيراز، والامتناع بها إلى أنْ يأتي عسكره ومَن يمنعه، فأراد الصُعود إليها فلم يُمكّنه المستحفظ بها، وكان معه ثلاثمئة رجل فقالوا له:

الرأي أنّنا نأخذك ووالدتك ونسير إلى أبي عليّ بن أستاذ هرمز، وأشار بعضهم بقصد الأتراك وأخذهم والتَقوّي بهم ففعل ذلك، وخرج معهم بخزائنه وأمواله فنهبوه، وأرادوا أخذه فهَرب، وسار إلى الدودمان على مرحلتين مِن شيراز، وعَرف أبو نصر بن بختيار الخبر فبادر إلى شيراز، ووثبَ رئيس الدودمان - واسمه طاهر - بصمصام الدولة فأخذه، وأتاه أبو نصر بن بختيار وأخذه منه فقتله في ذي الحجّة، فلمّا حُمل رأسه إليه قال:

هذه سُنّة سنّها أبوك - يعني ما كان مِن قتل عَضُد الدولة بختيار - وكان عُمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سَنة وسبعة أشهر، ومُدّة إمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيّام، وكان كريماً حليماً.

وأمّا والدته، فسُلّمت إلى بعض قوّاد الدَيلم، فقتلها وبنى عليها دكّة في داره، فلمّا مَلك بهاء الدولة فارس أخرجها ودفنها في تربة بني بويه.

٢٩٢

مِلكُ بهاءِ الدولةِ فارس وخوزستان:

في سنة ٣٨٩هـ دخلَ الدَيلم مع أبي عليّ بن أستاذ هرمز بالأهواز في طاعة بهاء الدولة، وكان سَبب ذلك أنّ ابنَي بختيار لمّا قَتلا صمصام الدولة ومَلكا بلاد فارس كَتبا إلى أبي عليّ بن أستاذ هرمز بالخَبر، ويُذكر أنّ تعويلهما عليه واعتضادهما به، ويأمرانه بأخذ اليمين لهما على مَن معه مِن الدَيلم والمُقام بمكانه والجدّ بمحاربة بهاء الدولة، فخافهما أبو علي لِما كان أسلفه إليهما مِن قبل أخويهما وأسرِهما، فجَمعَ الدَيلم الذين معه وأخبرهم الحال واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا بطاعة ابني بختيار ومُقاتلة بهاء الدولة، فلم يوافقهم على ذلك، ورأى أنْ يُراسل بهاء الدولة ويستميله ويحلفه لهم، فقالوا:

إنّا نخاف الأتراك وقد عرفتَ ما بيننا وبينهم، فسكت عنهم وتفرّقوا، وراسله بهاء الدولة يستميله ويبذل له وللديلم الأمان والإحسان، وتردّدت الرُسل، وقال بهاء الدولة:

إنّ ثاري وثاركم عند مَن قتل أخي فلا عُذر لكم في التَخلّف عن الأخذ بثاره، واستمال الدَيلم فأجابوه إلى الدُخول في طاعته، وأنفذوا جماعة مِن أعيانهم إلى بهاء الدولة فحلفوه واستوثقوا منه، وكتبوا إلى أصحابهم المُقيمين بالسوس بصورة الحال، وركب بهاء الدولة مِن الغد إلى باب السوس رجاء أنْ يَخرج مَنْ فيه إلى طاعته، فَخرجوا إليه في السلاح وقاتلوه قتالاً شديداً لم يُقاتلوا مثله فضاق صدره، فقيل له:

إنّ هذه عادة الدَيلم، أنْ يشتدّ قتالهم عند الصُلح؛ لئلاّ يُظنّ بهم، ثُمّ كفّوا عن القتال وأرسلوا مَن يُحلفه لهم، ونزلوا إلى خِدمته، واختلط العسكران وساروا إلى الأهواز، فقرّر أبو عليّ بن إسماعيل أمورها وقسّم الإقطاعات بين الأتراك والدَيلم، ثُمّ ساروا إلى رامهرمز فاستولوا عليها وعلى أرجان وغيرها مِن بلاد خوزستان، وسار أبو عليّ بن إسماعيل إلى شيراز فنزل بظاهرها، فَخرج إليه ابنا بختيار في أصحابهما فحاربوه، فلمّا اشتدّت الحرب مال بعضُ مَن معهما إليه، ودخل بعضُ أصحابه البلد ونادوا بشعار بهاء الدولة، وكان النقيب أبو أحمد الموسوي بشيراز قد وردها رسولاً مِن بهاء الدولة إلى صمصام الدولة، فلمّا قَتل صمصام الدولة كان بشيراز، فلمّا سَمع النداء بشعار بهاء الدولة ظنّ أنّ الفتح قد تَمّ، فقصد الجامع - وكان يوم الجمعة - وأقام الخُطبة لبهاء الدولة، ثُمّ عاد ابنا بختيار واجتمع إليهما أصحابهما، فخاف النقيب فاختفى، وحُمِل في سَلّة إلى أبي

٢٩٣

الحسن الناظر هناك فأشار بذلك، فسَمله وكان صمصام الدولة يقول:

ما أعماني إلاّ العلاء؛ لأنّه أمضى في حُكم سلطان قد مات.

وفاة شَرف الدولة:

في مُستهلّ جمادى الآخرة سَنة ٣٧٩هـ توفّي المَلك شَرف الدولة أبو الفوارس شيرزيل بن عَضُد الدولة مُستسقياً، وحُمِل إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فدُفن به، وكانت إمارته بالعراق سنتَين وثمانية أشهُر، وكان عُمره ثمانياً وعشرين سَنة وخمسة أشهُر، ولمّا اشتدّت عِلّته سيَّر ولده أبا علي إلى بلاد فارس، وأصحبه الخزائن والعِدد وجماعة كثيرة مِن الأتراك، فلمّا أيسَ أصحابه منه اجتمع إليه أعيانُهم، وسألوه أنْ يُملّك أحداً..، فقال:

أنا في شُغل عمّا تدعونني إليه..، فقالوا له: ليأمُر أخاه بهاء الدولة أبا نصر أنْ ينوب عنه إلى أنْ يُعافى؛ ليحفظ الناس لئلاّ تثور فتنة، ففعل ذلك وتوقّف بهاء الدولة ثُمّ أجاب إليه، فلمّا مات جلس بهاء الدولة في المَملكة، وقعد للعزاء ورَكب الطائع لله أمير المؤمنين إلى العزاء في الزبزب فتلقّاه بهاء الدولة وقبّل الأرض بين يديه، وانحدر الطائع لله إلى داره وخَلع على بهاء الدولة خِلَع السَلطنة، وأقرّ بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته.

الرابع عشر مِن مُلوك بني بويه والسادس مِن مُلوكهم في العراق: أبو نَصر بهاءُ الدولة بن عَضُد الدولة

نابَ بهاء الدولة مناب أخيه شَرف الدولة في إدارة المَملكة في مَرضه - كما سبق بيان ذلك - وحين وفاته في سنة ٣٧٩هـ خلع عليه الطائع لله خِلَع السَلطنة، واستقرّت له ورسخت فيها قدمه، فكان السادس مِن مُلوك بني بويه في العراق.

مسير أبي عليّ بن شَرف الدولة إلى فارس وما كان منه مع صمصام الدولة:

لمّا اشتدّ مرضُ شَرف الدولة جهّز ولده الأمير أبا علي، وسيّره إلى فارس ومعه والدته وجواريه، وسَيّر معه مِن الأموال والجواهر والسلاح

٢٩٤

أكثرها، فلمّا بَلغ البصرة أتاهم الخَبر بموت شَرف الدولة، فسيّر ما مَعه في البحر إلى أرجان، وسار هو مُجدّاً إلى أنْ وصل إليها، واجتمع معه مَن بها مِن الأتراك وساروا نحو شيراز، وكاتبهم مُتولّيها وهو أبو القاسم العلاء بن الحسن بالوصول إليها ليُسلّمها إليهم، وكان المرتّبون في القلعة التي بها صمصام الدولة وأخوه أبو طاهر قد أطلقوهما ومعهما فولاذ، وساروا إلى سيراف واجتمع على صمصام الدولة كثير مِن الدَيلم، وسار الأمير أبو علي إلى شيراز، ووقعت الفتنة بها بين الأتراك والدَيلم، وخرج الأمير أبو علي مِن داره إلى معسكر الأتراك فنزل معهم، واجتمع الدَيلم وقصدوا ليأخذوه ويُسلّموه إلى صمصام الدولة، فرأوه قد انتقل إلى الأتراك، فكشفوا القِناع ونابذوا الأتراك، وجرى بينهم قتال عِدّة أيّام، ثُمّ سار أبو علي والأتراك إلى نسا فاستولوا عليها، وأخذوا ما بها مِن مال وقتلوا مِن بها مِن الدَيلم، وأخذوا أموالهم وسلاحهم فقووا بذلك، وسار أبو علي إلى أرجان، وعاد الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، ونهبوا البَلد وعادوا إلى أبي علي بأرجان، وأقاموا معه مديدة، ثُمّ وصل رسول مِن بهاء الدولة إلى أبي علي، وأدّى الرسالة وطيّب قَلبه ووعده، ثُمّ إنّه راسل الأتراك سِرّاً واستمالهم إلى نفسه وأطمعهم، فحسّنوا لأبي عليّ المسير إلى بهاء الدولة، فسار إليه فلقيه بوسط مُنتصف جمادى الآخرة سَنة ثمانين وثلاثمئة، فأنزله وأكرمه وتركه عِدّة أيام، وقبض عليه ثُمّ قتله بعد ذلك بيسير، وتجهّز بهاء الدولة للمسير إلى الأهواز لقصدِ بلاد فارس.

الفِتنة ببغداد بين الدَيلم والأتراك:

في هذه السَنة وقعت الفتنة ببغداد بين الأتراك والدَيلم، واشتدّ الأمرُ ودام القتال بينهم خمسة أيّام، وبهاء الدولة في داره يُراسلهم في الصُلح، فلم يسمعوا قوله وقُتل بعض رُسله.

ثُمّ إنّه خرج إلى الأتراك وحضر القِتال معهم، فاشتدّ حينئذ الأمر وعظم الشرّ، ثُمّ إنّه شَرع في الصُلح ورفق بالأتراك، وراسل الدَيلم فاستقرّ الحال بينهم، وحَلَف بعضهم لبعض، وكانت مُدّة الحَرب اثني عشر يوماً.

ثُمّ إنّ الدَيلم تفرّقوا فمضى فريق بعد فريق، وأخرج بعضهم وقبض على البعض، فضعُف أمرهم وقويت شوكة الأتراك واشتدّت حالهم.

٢٩٥

مَسيرُ فَخر الدولةِ إلى العراق:

في هذه السَنة سار فَخر الدولة بن رُكن الدولة مِن الريّ إلى همذان عازماً على قصد العراق والاستيلاء عليها، وقد مرَّ الخَبر عن ذلك في أخبار فَخر الدولة فلا نعيده.

مُفردات بهاء الدولة:

في هذه السنة قَبض بهاء الدولة على أبي الحسن محمّد بن عمر العلوي الكوفي، وكان قد عظُم شأنه مع شَرف الدولة، واتسع جاهه وكثرت أمواله، فلمّا ولي بهاء الدولة سعى به أبو الحسن المُعلّم وأطمعه في أمواله ومُلكه، وعظم ذلك عنده وقبض عليه.

وفيها أسقط ما كان يُؤخذ مِن المراعي مِن سائر السَواد.

وفي سنة ٣٨٠هـ تغلّب أبو الذوّاد محمّد بن المسيّب بن عقيل على أبي طاهر بن حمدان بعد انهزامه مِن أبي عليّ بن مروان، واستولى على الموصل نائباً عن بهاء الدولة اسماً وله فيها الأمر والنهي دونه، وقد مرَّ ذلك في أخبار بني حمدان وبني المسّيب.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى الأهواز وما كان منه ومِن صمصام الدولة:

في هذه السنة ٣٨٠هـ سار بهاء الدولة عن بغداد إلى خوزستان عازماً على قصد فارس، واستخلف ببغداد أبا نصر خواشاذه، ووصل إلى البصرة ودخلها، وسار عنها إلى خوزستان، فأتاه نعيُ أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء به، ودخل أرجان فاستولى عليها، وأخذ ما فيها مِن الأموال فكان ألف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم، ومِن الثياب والجواهر ما لا يُحصى، فلمّا عَلِم الجُند بذلك شَغبوا شغباً مُتتابعاً، فأُطلِقت تلك الأموال كلّها، لم ولم يبقَ منها إلاّ القليل، ثُمّ سارت مُقدّمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبنداجان وبها عساكر صمصام الدولة، فهزمهم وبثّ أصحابه في نواحي فارس، فسيّر إليهم صمصام الدولة عسكراً وعليهم فولاذ زماندار فواقعهم، فانهزم أبو العلاء وعاد مهزوماً، وكان سبب الهزيمة أنّه كان بين العسكرين وادٍ وعليه قنطرة، وكان أصحاب أبي العلاء يعبرون القنطرة ويَغيرون على

٢٩٦

أثقال الدَيلم عسكر صمصام الدولة، فوضع فولاذ كميناً عند القنطرة، فلمّا عَبر أصحاب بهاء الدولة خرجوا عليهم فقتلوهم جميعاً، وراسل فولاذ أبا العلاء وخدعه، ثُمّ سار إليه وكَبسه فانهزم مِن بين يديه، وعاد إلى أرجان مهزوماً، وغلت الأسعار، ولمّا بلغَ الخبر إلى صمصام الدولة سار عن شيراز إلى فولاذ، وتردّدت الرُسل في الصُلح، فتمّ على أنْ يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان العراق، وأنْ يكون لكلّ واحدٍ منها إقطاع في بَلد صاحبه، وحَلف كلُ واحد منهما لصاحبه، وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز.

ولمّا سار بهاء الدولة عن بغداد ثارَ العيّارون بجانبي بغداد، ووقعت الفتن بين أهل السُنّة والشيعة وكثُر القتَل بينهم، وزالت الطاعة وأُحرقت عدّة محالّ ونُهبت الأموال وأُخرِبت المساكن، ودامَ ذلك عدّة شُهور إلى أنْ عادَ بهاءُ الدولة إلى بغداد.

قبضُ بهاءِ الدولةِ على الطائع لله:

في سنة ٣٨١هـ قبضَ بهاء الدولة على الطائع لله أبي بكر عبد الكريم، وكان سببُ ذلك أنّ الأمير بهاء الدولة قلّت عنده الأموال، فكثُرَ شغبُ الجُند، فقبض على وزيره سابور، فلم يُغنِ عنه ذلك شيئاً، وكان أبو الحسن بن المُعلّم قد غَلب على بهاء الدولة، وحَكم في مملكته، وحسَّن له القَبض على الطائع وأطمعه في ماله، وهوّن عليه ذلك وسهّله، فأقدم عليه بهاء الدولة، وأرسل إلى الطائع وسأله الإذن في الحُضور في خدمته ليُجدّد العهد به، فأذن له في ذلك، وجلس له كما جرتْ العادة، فدخل بهاء الدولة ومَعه جَمع كثير، فلمّا دخل قبّل الأرض وأُجلس على كُرسي، فدخل بعض الدَيلم كأنّه يُريد أنْ يُقبّل يدَ الخليفة، فجذبه فأنزله عن سريره، والخليفة يقول:

إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهو يَستغيث ولا يُلتفت إليه، وأُخذ ما في دار الخليفة مِن الذخائر، فمشوا به في الحال، ونَهب الناس بعضُهم بعضاً، وكان مِن جُملتهم الشريف الرضي، فبادر بالخُروج فسَلُم، وقال أبياتاً مِن جملتها:

مِن بَعد ما كان ربُّ التاج مُبتسم إلى أدنوه في النجوى ويُدنيني

أمسيتُ أرحمُ مَن قد كُنتُ أغبِطه لقد تقارب بين العزّ والهون

ومَنظرٌ كان بالسراءِ يُضحكني يا قرب ما عاد بالضرّاء يُبكيني

هيهات أغترُّ بالسلطان ثانيةً قد ضلَّ ولاّج أبواب السلاطين

٢٩٧

ولمّا حُمل الطائع إلى دار بهاء الدولة أشهدَّ عليه بالخلع، وبويعَ بعده للقادر بالله.

عودِ الدَيلم إلى الموصل:

كان بهاء الدولة قد أنفذ أبا جعفر الحجّاج بن هرمز في عسكر كثير إلى الموصل، وكان قد استقرّ حُكمها في يد أبي الذواد محمّد بن المسيّب، وأقرّه بهاء الدولة على ذلك بعد أنْ قَدّم له أبو الذواد الطاعة، فملكها آخر سَنة ٣٨١هـ، وقد ذكرنا خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب فاطلبه هناك.

وجرت أُمور مِن بهاء الدولة على وُزرائه لم يكن فيها شيء مِن الحِكمة والتدبير، وكان كما قال ابن الأثير: أُذناً يسمع ما يُقال له ويفعل به، وحَسبه معرّة ما عامل به الطائع لله مِن الاحتقار والخلع على غير سَبب سوى الطَمع في أمواله، وفي ذِكر ذلك كلّه ما يَطول به الخطب.

مُلك صمصام الدولة خوزستان:

في سنة ٣٨٣هـ مَلك صمصام الدولة خوزستان، وكان سَبب نقض الصُلح أنّ بهاء الدولة سيّر أبا العلاء عبد الله بن الفضل إلى الأهواز، وتقدّم إليه بأنْ يكون مُستعدّاً لقصد بلاد فارس، وأعلمه أنّه يُسيّر إليه العساكر مُتفرّقين، فإذا اجتمعوا عنده سار بهم إلى بلاد فارس بغتة، فلا يَشعر صمصام الدولة إلاّ وهُم معه في بلاده، فسار أبو العلاء ولم يتهيّأ لبهاء الدولة إمداده بالعساكر وظَهر الخبر، فجّهز صمصام الدولة عسكره وسيّرهم إلى خوزستان، وكتبَ أبو العلاء إلى بهاء الدولة بالخَبر، ويطلب إمداده بالعساكر، فسيَّر إليه عسكراً كثيراً، ووصلتْ عساكر فارس فلقيهم أبو العلاء فانهزم هو وأصحابه، وأُخذ أسيراً وحُمل إلى صمصام الدولة، فأُلبس ثياباً مُصبّغة وطيف به، وسألت فيه والدة صمصام الدولة فلم يقتله واعتقله.

ولمّا سمع بهاء الدولة بذلك أزعجه وأقلقه وكانت خزانته قد خلت مِن الأموال فأرسل وزيره أبا نصر بن سابور إلى واسط ليحصل ما أمكنه وأعطاه رهوناً مِن الجواهر والأعلاق النفيسة ليقترض عليها مِن مُهذّب الدولة صاحب البطيحة، فلمّا وصل إلى واسط تَقرّب منها إلى مُهذّب الدولة، وترك ما معه مِن الرهون بحاله، وأرسل بهاء الدولة ورَهنها وأقرض عليها.

٢٩٨

عَقدُ نِكاح القادر على بِنتِ بهاء الدولة:

في هذه السنة عقد النكاح للقادر على بنت بهاء الدولة، بصداق مَبلغه مئة ألف دينار، وكان العَقد بحضرة والولي النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي، وماتتْ قبل النقلة.

عودُ الأهواز إلى بهاء الدولة:

في سَنة ٣٨٤هـ مَلك بهاء الدولة الأهواز، وكان سَببه أنّه أنفذ عسكراً إليها عِدّتهم سبعمئة رجل، وقَدّم عليهم طغان التركي، فلمّا بَلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة، فدخلها عسكر بهاء الدولة وانتشروا في أعمال خوزستان، وكان أكثرهم مِن التُرك، فعلت كَلمتهم على الدَيلم، وتوجّه صمصام الدولة إلى الأهواز ومعه عساكر الدَيلم وتميم وأسد، فلمّا بلغ تستر رحل ليلاً ليكبس الأتراك مِن عسكر بهاء الدولة، فَضَلّ الأدلاّء في الطريق فأصبح على بُعد منهم، ورآهم طلائع الأتراك فعادوا بالخَبر، فحَذِروا واجتمعوا واصطفّوا، وجعلوا مُقدّمهم واسمه طغان كميناً، فلمّا التقوا واقتتلوا خَرج الكمين على الدَيلم فكانت الهزيمة، وانهزم صمصام الدولة ومَن معه مِن الدَيلم، وكانوا أُلوفاً كثيرة استأمَن منهم أكثر مِن ألفَي رجُل، وغنم الأتراك مِن أثقالهم شيئاً كثيراً، وضَرب طغان للمُستَأمنة خِيَماً يسكنونها، فلمّا نزلوا اجتمع الأتراك وتشاوروا وقالوا:

هؤلاء أكثر مِن عدّتنا ونحن نخاف أنْ يثوروا بنا، واستقرّ رأيهم على قتلهم، فلم يَشعر الدَيلم إلاّ وقد أُلقيت الخيام عليهم، ووقع الأتراك فيهم بالعَمَد حتى أتوا عليهم فقتلوا كُلّهم، وورد الخَبر على بهاء الدولة وهو بواسط قد اقترض مالاً مِن مُهذّب الدولة، فلمّا سَمع ذلك سار إلى الأهواز، وكان طغان والأتراك قد مَلكوها قبل وصوله إليها.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه لبس السواد وسار إلى شيراز فدخلها، فغيّرت والدته ما عليه مِن السواد، وأقام يتجهّز للعود إلى أخيه بهاء الدولة بخوزستان.

الصهر بين بهاء الدولة ومُهذّب الدولة:

في هذه السَنة عقد النكاح لمُهذّب الدولة على ابنة بهاء الدولة، والأمير أبي منصور بويه بن بهاء الدولة على ابنة مُهذّب الدولة، وكان الصداق مِن كلّ جانب مئة ألف دينار.

٢٩٩

عودُ صمصام الدولة إلى الأهواز:

في سنة ٣٨٥هـ جَهّز صمصام الدولة عساكره مِن الدَيلم، وردّهم إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن، واتّفق أنّ طغان نائب بهاء الدولة بالأهواز عوفي، وعَزم مَن معه مِن الأتراك على العودة إلى بغداد، وكَتب مَن هناك إلى بهاء الدولة بالخبر فأقلقه ذلك وأزعجه، فأرسل أبا كاليجار المرزبان بن شهيفروز إلى الأهواز نائباً عنه، وأنفذ أبا محمّد الحسن بن مكرم إلى الفتكين وهو برامهرمز قد عاد مِن بين يَدي عسكر صمصام الدولة إليها يأمره بالمقام بموضعه، فلم يفعلْ وعاد إلى الأهواز، فكَتب إلى أبي محمّد بن مكرم بالنظر في الأعمال، وسار بَعدهم بهاء الدولة نحو خوزستان، فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع، ثُمّ سار على نهر المسرقان إلى أنْ حصل بخان طوق، ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمّد بن مكرم والفتكين، وزحف الدَيلم بين البساتين حتّى دخلوا البلد، وانزاح عنه ابن مكرم والفتكين، وكَتبا إلى بهاء الدولة يُشيران عليه بالعبور إليها فتوقّفَ عن ذلك ووعدهما به، وسيّر إليهما ثمانين غُلاماً مِن الأتراك، فعبروا وحملوا على الدَيلم مِن خَلفهم فأفرج لهم الدَيلم، فلمّا توسّطوا بينهم أطبقوا عليهم فقتلوهم، فلمّا عرف بهاء الدولة ذلك ضَعُفت نفسه، وعزم على العود ولم يُظهر ذلك، فأمر بإسراج الخيل وحَمل السلاح فَفُعل ذلك، وسار نحو الأهواز يسيراً ثُمّ عاد إلى البصرة فنزل بظاهرها، فلمّا عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عادَ إلى عسكر مكرم، وتبعهم العلاء والدَيلم فأجلوهم عنها، فنزلوا براملان بين عسكر مكرم وتستر.

وتَكرّرت الوقائع بين الفريقين مُدّة، وكان بيَد الأتراك أصحاب بهاء الدولة مِن تستر إلى رامهرمز، ومع الدَيلم منها إلى أرجان وأقاموا ستّة أشهر، ثُمّ رجعوا إلى الأهواز ثُمّ عبر بهم النهر إلى الدَيلم، واقتتلوا نحو شهرين، ثُمّ رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط، فكفّ عنهم وأقام بعسكر مكرم.

استيلاء صمصام الدولة على البصرة:

في سنة ٣٨٦هـ سار قائد كبير مِن قوّاد صمصام الدولة اسمه لشكرستان إلى البصرة، فأجلى عنها نوّاب بهاء الدولة، وسَبب ذلك أنّ الأتراك لمّا عادوا عن العلاء كان هذا لشكرستان مع العلاء، فأتاهم مِن

٣٠٠