تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 95974
تحميل: 7607


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95974 / تحميل: 7607
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

الدَيلم مع بهاء الدولة أربعمئة رجل مستأمنين، فأخذهم لشكرستان وسار بهم وبمَن معه إلى البصرة فكثر جَمعه، فنَزلوا قُرب البصرة بين البساتين يُقاتلون أصحاب بهاء الدولة، ومال إليهم بعض أهل البصرة، ومُقدّمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي، وكانوا يحملون إليهم الميرة، وعَلم بهاء الدولة بذلك فأنفذ مَن يَقبض عليه، فهرب كثير منهم إلى لشكرستان فقويَ بهم، وجمعوا السُفن وحملوه فيها ونزلوا إلى البصرة، فقاتلوا أصحاب بهاء الدولة بها وأخرجوهم عنها، ومَلك لشكرستان البصرة، وقتل مِن أهلها كثيراً وهربَ كثير منهم، وأخذ كثيراً مِن أموالهم، فكَتب بهاء الدولة إلى مُهذّب الدولة صاحب البطيحة يقول:

أنتَ أحقّ بالبصرة، فَسَيَّرَ إليها جيشاً مع عبد الله بن مرزوق..، وقيل إنّما فارقها فأجلى لشكرستان عن البصرة..، وقيل إنّه سار عن البصرة بغير حَرب، ودخلها ابن مرزوق..، وقيل إنّما فارقها بعد أنْ حارب فيها وضَعُف عن المقام بين يديه، وصفت البصرة لمُهذّب الدولة.

ثُمّ إنّ لشكرستان عَمل على العود إلى البصرة، فهجم عليها في السُفن، ونزل أصحابه بسوق الطعام، واقتتلوا فاستظهر لشكرستان، وكاتبَ بهاء الدولة يطلب المُصالحة، ويبذل الطاعة ويخطب له بالبصرة، فأجابه مُهذّب الدولة إلى ذلك، وأخذَ ابنه رهينة، وكان لشكرستان يُظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومُهذّب الدولة، وعسفَ أهل البصرة مدّة فتفرّقوا، ثُمّ إنّه أحسن إليهم وعدل فيهم فعادوا.

وفي هذه السنة مَلك المقلد بن المسيّب الموصل، وقد مرّ خَبر ذلك في أخبار بني المسيّب.

وفي سنة ٣٨٧هـ خَرج أبو الحسن عليّ بن مزيد عن طاعة بهاء الدولة، وسبقَ الخَبر عن ذلك في مكانه فلا نُعيده.

مسيرُ بهاءِ الدولةِ إلى واسط:

في سنة ٣٨٨هـ عاد أبو عليّ بن إسماعيل إلى طاعة بهاء الدولة وهو بواسط، فوزرَ له ودبّر أمره، وأشار عليه بالمسير إلى أبي محمّد بن مكرم ومَن معه مِن الجُند ومساعدتهم ففعل ذلك، وسار على كُره وضيق فنزل بالقنطرة البيضاء، وثبت أبو عليّ بن أستاذ هرمز وعسكره، وجرى لهم معه وقائع كثيرة، وضاق الأمر ببهاء الدولة وتعذّرت عليه الأقوات، فاستمدّ بدر بن حسنويه فأنفذ إليه شيئاً قام ببعض ما يُريده، وأشرف بهاء الدولة على الخَطر،

٣٠١

وسعى أعداء أبي عليّ بن إسماعيل به حتّى كاد يبطش به، فتجدّد مِن أمر ابنَي بختيار وقتل صمصام الدولة ما أتاه به الفرج مِن حيث لم يحتسب، وصَلح أمرُ أبي علي عنده واجتمعت الكلمة عليه.

مَقتل صمصام الدولة:

في هذه السنة في ذي الحجّة قُتِل صمصام الدولة بن عَضُد الدولة، وسَبب ذلك أنّ جماعة كثيرة مِن الدَيلم استوحشوا مِن صمصام الدولة؛ لأنّه أمرَ بعرضهم وإسقاط مَن ليس بصحيح النَسب، فأسقط منهم مقدار ألف رجل، فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون، واتّفق أنّ أبا القاسم وأبا نصر ابنَي عِزّ الدولة - بختيار - كانا مقبوضين، فخدعا الموكّلين بهما في القلعة، فأفرجوا عنهما، فجمعا لفيفاً مِن الأكراد، واتّصل خبرهما بالّذين أُسقطوا مِن الدَيلم فأتوهم، وقصدوا إلى أرجان فاجتمعت عليها العساكر، وتحيّر صمصام الدولة ولم يكن عنده مَن يُدبّره، وكان أبو جعفر أستاذ هرمز مُقيماً بنسا، فأشار عليه بعض مَن عنده بتفريق ما عنده مِن المال في الرجال، والمسير إلى صمصام الدولة وأخذه إلى عسكره بالأهواز، وخوف إنْ لم يفعل ذلك فشحّ بالمال، فثار به الجُند ونهبوا داره وهربوا، فاختفى فأُخذ وأُتي به إلى ابنَي بختيار فحُبس ثُمّ احتال فنجا.

وأمّا صمصام الدولة، فإنّه أشار عليه أصحابه بالصعود إلى القلعة التي على باب شيراز، والامتناع بها إلى أنْ يأتي عسكره ومَن يمنعه، فأراد الصُعود إليها فلم يُمكّنه المستحفظ بها، وكان معه ثلاثمئة رجل فقالوا له:

الرأي أنّنا نأخذك ووالدتك ونسير إلى أبي عليّ بن أستاذ هرمز، وأشار بعضهم بقصد الأتراك وأخذهم والتَقوّي بهم ففعل ذلك، وخرج معهم بخزائنه وأمواله فنهبوه، وأرادوا أخذه فهَرب، وسار إلى الدودمان على مرحلتين مِن شيراز، وعَرف أبو نصر بن بختيار الخبر فبادر إلى شيراز، ووثبَ رئيس الدودمان - واسمه طاهر - بصمصام الدولة فأخذه، وأتاه أبو نصر بن بختيار وأخذه منه فقتله في ذي الحجّة، فلمّا حُمل رأسه إليه قال:

هذه سُنّة سنّها أبوك - يعني ما كان مِن قتل عَضُد الدولة بختيار - وكان عُمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سَنة وسبعة أشهر، ومُدّة إمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيّام، وكان كريماً حليماً.

وأمّا والدته، فسُلّمت إلى بعض قوّاد الدَيلم، فقتلها وبنى عليها دكّة في داره، فلمّا مَلك بهاء الدولة فارس أخرجها ودفنها في تربة بني بويه.

٣٠٢

مِلكُ بهاءِ الدولةِ فارس وخوزستان:

في سنة ٣٨٩هـ دخلَ الدَيلم مع أبي عليّ بن أستاذ هرمز بالأهواز في طاعة بهاء الدولة، وكان سَبب ذلك أنّ ابنَي بختيار لمّا قَتلا صمصام الدولة ومَلكا بلاد فارس كَتبا إلى أبي عليّ بن أستاذ هرمز بالخَبر، ويُذكر أنّ تعويلهما عليه واعتضادهما به، ويأمرانه بأخذ اليمين لهما على مَن معه مِن الدَيلم والمُقام بمكانه والجدّ بمحاربة بهاء الدولة، فخافهما أبو علي لِما كان أسلفه إليهما مِن قبل أخويهما وأسرِهما، فجَمعَ الدَيلم الذين معه وأخبرهم الحال واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا بطاعة ابني بختيار ومُقاتلة بهاء الدولة، فلم يوافقهم على ذلك، ورأى أنْ يُراسل بهاء الدولة ويستميله ويحلفه لهم، فقالوا:

إنّا نخاف الأتراك وقد عرفتَ ما بيننا وبينهم، فسكت عنهم وتفرّقوا، وراسله بهاء الدولة يستميله ويبذل له وللديلم الأمان والإحسان، وتردّدت الرُسل، وقال بهاء الدولة:

إنّ ثاري وثاركم عند مَن قتل أخي فلا عُذر لكم في التَخلّف عن الأخذ بثاره، واستمال الدَيلم فأجابوه إلى الدُخول في طاعته، وأنفذوا جماعة مِن أعيانهم إلى بهاء الدولة فحلفوه واستوثقوا منه، وكتبوا إلى أصحابهم المُقيمين بالسوس بصورة الحال، وركب بهاء الدولة مِن الغد إلى باب السوس رجاء أنْ يَخرج مَنْ فيه إلى طاعته، فَخرجوا إليه في السلاح وقاتلوه قتالاً شديداً لم يُقاتلوا مثله فضاق صدره، فقيل له:

إنّ هذه عادة الدَيلم، أنْ يشتدّ قتالهم عند الصُلح؛ لئلاّ يُظنّ بهم، ثُمّ كفّوا عن القتال وأرسلوا مَن يُحلفه لهم، ونزلوا إلى خِدمته، واختلط العسكران وساروا إلى الأهواز، فقرّر أبو عليّ بن إسماعيل أمورها وقسّم الإقطاعات بين الأتراك والدَيلم، ثُمّ ساروا إلى رامهرمز فاستولوا عليها وعلى أرجان وغيرها مِن بلاد خوزستان، وسار أبو عليّ بن إسماعيل إلى شيراز فنزل بظاهرها، فَخرج إليه ابنا بختيار في أصحابهما فحاربوه، فلمّا اشتدّت الحرب مال بعضُ مَن معهما إليه، ودخل بعضُ أصحابه البلد ونادوا بشعار بهاء الدولة، وكان النقيب أبو أحمد الموسوي بشيراز قد وردها رسولاً مِن بهاء الدولة إلى صمصام الدولة، فلمّا قَتل صمصام الدولة كان بشيراز، فلمّا سَمع النداء بشعار بهاء الدولة ظنّ أنّ الفتح قد تَمّ، فقصد الجامع - وكان يوم الجمعة - وأقام الخُطبة لبهاء الدولة، ثُمّ عاد ابنا بختيار واجتمع إليهما أصحابهما، فخاف النقيب فاختفى، وحُمِل في سَلّة إلى أبي

٣٠٣

عليّ بن إسماعيل.

ثُمّ إنّ أصحاب ابنَي بختيار قصدوا أبا عليّ وأطاعوه، فاستولى على شيراز وهَرب ابنا بختيار، فأمّا أبو نصر، فإنّه لَحِق ببلاد الدَيلم، وأمّا الثاني وهو أبو القاسم فلَحِق ببدر بن حسنويه ثُمّ قصد البطيحة.

ولمّا مَلك أبو علي شيراز كَتب إلى بهاء الدولة بالفَتح، فسار إليها ونزلها، فلمّا استقرّ بها أمرَ بنهب قرية الدودمان وإحراقها وقَتلِ كلّ مَن كان بها مِن أهلهم فاستأصلهم، وأخرج أخاه صمصام الدولة وجدّد أكفانه، وحُمل إلى التربة بشيراز فدُفن بها، وسيّر عسكراً مع أبي الفتح أستاذ هرمز إلى كرمان، فملكها وأقام بها نائباً عن بهاء الدولة.

قَتلُ ابن بختيار بكرمان واستيلاءُ بهاءِ الدولةِ عليها:

في سنة ٣٩٠هـ في جمادى الآخرة قُتلَ الأمير أبو نصر بن بختيار الّذي كان قد استولى على بلاد فارس، وسببُ قتله أنّه لمّا انهزم مِن عسكر بهاء الدولة بشيراز سار إلى بلاد الدَيلم، وكاتب الدَيلم بفارس وكرمان مِن هناك يستميلهم وكاتبوه واستدعوه، فسار إلى بلاد فارس واجتمع عليه جَمعٌ كثير مِن الزط والديلم والأتراك، وتردّد في تلك النواحي، ثُمّ سار إلى كرمان فلم يقبله الدَيلم الّذين بها، وكان المُقدّم عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز، فجَمعَ وقصد أبا جعفر فالتقيا فانهزم أبو جعفر إلى السيرجان، ومضى ابن بختيار إلى جيرفت فمَلكها ومَلك أكثر كرمان، فعَظُم الأمرُ على بهاء الدولة، فسَيّر أليه الموفّق عليّ بن إسماعيل في جيش كَثير، وسار مُجدّاً حتّى أطلّ على جيرفت، فاستأمَن إليه مَن بها مِن أصحاب ابن بختيار ودخلها، فأنكر عليه مَن معه مِن القوّاد سُرعة سيره وخَوّفوه عاقبة ذلك فلم يُصغِ إليهم، وسأل عن حال ابن بختيار، فأُخبر أنّه على ثمانية فراسخ مِن جيرفت، فاختار ثلاثمئة رجل مِن شُجعان أصحابه وسار بهم، وترك الباقين مع السواد بجيرفت، فلمّا بلغَ ذلك المكان لم يجده، ودُلّ عليه فلم يزل يَتبعه مِن مَنزل إلى مَنزل حتّى لحِقه بدارزين، فسار ليلاً وقُدّر وصوله إليه عند الصبح فأدركه، فركب ابن بختيار واقتتلوا قتالاً شديداً، وسار الموفّق في نفر مِن غلمانه فأتى ابن بختيار مِن ورائه، فانهزم ابن بختيار وأصحابه، ووَضع فيهم السيف فقَتل منهم الخَلق الكثير، فغَدر بابن بختيار بعض أصحابه وضَربه بلتٌ، فألقاه وعاد إلى الموفّق ليُخبره بقتله، فأرسل معه مَن يَنظر إليه فرآه وقد

٣٠٤

قَتله غيره، وحُمل رأسه إلى الموفّق، وأكثرَ الموفّق القَتل في أصحاب ابن بختيار، واستولى على بلاد كرمان، واستعمل عليها أبا موسى بن هيجل، وعادَ إلى بهاء الدولة فخَرج بنفسه ولقيَه وأكرمه وعَظّمه، ثُمّ قَبض عليه بعد أيّام.

ومِن أعجب ما يُذكر أنّ الموفّق أخبره مُنجّمٌ أنّه يَقتل ابن بختيار يوم الاثنين، فلمّا كان قبل الاثنين بخمسة أيّام قال للمُنجّم:

قد بقيَ خمسة أيّام وليس لنا عِلم به، فقال له المُنجّم:

إنّ لم تَقتله فاقتلني عَوّضه وإلاّ فأحسن إلي، فلمّا كان يوم الاثنين أدركه وقَتله، وأحسن إلى المُنجّم إحساناً كثيراً.

أمّا المُوفّق هذا، فبعد أنْ أكرمه بهاء الدولة ولقيه بنفسه استعفى مِن الخِدمة، فلم يُعفِه بهاء الدولة، فألح كلّ واحد منهما فأشار أبو محمّد بن مكرم على الموفق بترك ذلك فلم يَقبل، فقبضَ عليه بهاء الدولة وأخذ أمواله، وكَتب إلى وزيره سابور ببغداد بالقبض على أنساب الموفّق فعرفهم ذلك سِرّاً، فاحتالوا لنفوسهم وهربوا، ثُمّ إنّ بهاء الدولة قَتل المُوفّق سَنة ٣٩٤هـ.

الحَرب بين قرواش وعَسكر بهاء الدولة:

جرتْ حربٌ بين قرواش وعسكر بهاء الدولة سَنة ٣٩٢هـ، وقد دُوّنَت في أخباره في تاريخ بني المُسيّب.

الفِتنةُ بينَ السُنّة والشيعة:

اشتدّت الفِتنة بين السُنّة والشيعة ببغداد سَنة ٣٩٣هـ، وانتشر العيّارون والمُفسدون، فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا عليّ بن أستاذ هرمز إلى العراق ليُدبّر أمره، فوصل إلى بغداد، فزينتْ له وقَمع المُفسدين، ومنع السُنّة والشيعة مِن إظهار مَذاهبهم، ونفى بعد ذلك ابن المُعلّم فقيه الإماميّة، فاستقام البَلد.

استيلاء أبي العبّاس على البطيحة ومخاوف بهاء الدولة:

في شعبان سَنة ٣٩٤هـ غَلب أبو العبّاس بن واصل على البطيحة، وأخرج منها مُهذّب الدولة، واستولى على خزائنه وأمواله، ولمّا سَمع بهاء الدولة بحال أبي العبّاس وقوّته خافه على البلاد، فسارَ مِن فارس إلى

٣٠٥

الأهواز لتلافي أمره، وأحضر عنده عميد الجيوش مِن بغداد، وجهّز معه عَسكراً كثيفاً وسيّرهم إلى أبي العبّاس، فأتى إلى واسط وعمل ما يحتاج إليه مِن سُفن وغيرها، وسار إلى البطائح، وفرّق جُنده في البلاد لتقرير قواعدها، وسمع أبو العبّاس بمسيره إليه فأصعد إليه مِن البصرة، وأرسل يقول له:

ما أحوجك تتكلّف الانحدار وقد أتيتك فخُذ لنفسك، ووصل إلى عَميد الجيوش وهو على تلك الحال مِن تَفرّق العسكر عنه، فلقيه فيمَن معه بالصليق، فانهزم عميد الجيوش ووقع مَن معه بعضهم على بعض، ولقيَ عميد الجيوش شِدّة إلى أنْ وصل إلى واسط، وذهب ثقله وخيامه وخزائنه، فأخبره خازنه أنّه قد دَفن في الخيمة ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم، فأنفذ فأحضرها فقويَ بها ولكنّه بعد أنء تَقوّى جَمع العساكر واستدعى مُهذّب الدولة مِن بغداد في سنة ٣٩٥هـ، وغلب على أبي العبّاس، ثُمّ قويَ أمرُ أبي العبّاس وسار إلى الأهواز، ولكنّ بهاء الدولة جهّز إليه جيشاً في الماء، وبعد أنْ دخل إلى دار المَملكة واستولى على ما فيها لم يُمكنه المُقام؛ لأنّ بهاء الدولة كان قد جهّز عَسكراً ليسير مِن البحر إلى البصرة، فخاف أبو العبّاس مِن ذلك وراسل بهاء الدولة وصالحه وزاد في إقطاعه، وحَلفَ كلّ واحد منهما لصاحبه، وعاد إلى البصرة.

حصرُ أبي جعفر الحجّاج بغداد:

في سنة ٣٩٧هـ جمع أبو جعفر الحجّاج جمعاً كثيراً، وأمدّه بدر بن حسنويه بجيش كثير، فسار بالجمع وحصر بغداد، وسببُ ذلك أنّ أبا جعفر كان نازلاً على قلج حامي طريق خُراسان، وكان قلج مُبايناً لعميد الجيوش فاجتمعا لذلك، فتوفّي قلج هذه السُنّة فجَعَلَ عميدُ الجيوش على حماية الطريق أبا الفتح بن عناز، وكان عدوّاً لبدر بن حسنويه، فحقد ذلك بدر فأستدعى أبا جعفر الحجّاج وجمع له جمعاً كثيراً، منهم الأمير هندي بن سعدي وأبو عيسى شاذي بن محمّد وورام بن محمّد وغيرهم، وسيّرهم إلى بغداد، وكان الأمير أبو الحسن عليّ بن مزيد الأسدي قد عاد مِن عند بهاء الدولة بخوزستان مُغضباً، فاجتمع معهم فزادت عِدّتهم على عشرة آلاف فارس، وكان عميد الجيوش عند بهاء الدولة لقتال أبي العبّاس بن واصل، فسار أبو جعفر ومَن اجتمع معه إلى بغداد، ونزلوا على فرسخ منها وأقاموا

٣٠٦

شهراً، وببغداد جمعٌ مِن الأتراك ومعهم أبو الفتح بن عناز فحفظوا البَلد، فبينما هُم كذلك أتاهم خَبر انهزام أبي العبّاس وقوّة بهاء الدولة، ففتّ ذلك في أعضاد أبي جعفر العبّاس ومَن معه فتفرّقوا، فعادَ ابن مَزيد إلى بلده وسار أبو جعفر وأبو عيسى إلى حلوان، وراسل أبو جعفر في إصلاح حاله مع بهاء الدولة فأجابه إلى ذلك، فحضر عنده بتستُّر، فلم يَلتفتْ إليه؛ لئلا يَستوحش عميد الجيوش.

قتل أبي العبّاس بن واصل:

سبقَ مِن خبر أبي العبّاس هذا ما انتهى به إلى مُصالحة بهاء الدولة وعوده إلى البصرة، ثُمّ تجدّد ما أوجب عوده إلى الأهواز، فعادَ إليها في جيشه وبهاء الدولة مُقيم بها، فلمّا قاربها رحلَ بهاء الدولة عنها؛ لقلّة عسكره وتَفرُّقهم بعضهم بفارس وبعضهم بالعراق، وقطعَ قنطرة اربق وبقي النهر يحجز بين الفريقين، فاستولى أبو العبّاس على الأهواز، وأتاه مَدَد مِن بدر ابن حسنويه ثلاثة آلاف فارس فقويَ بهم، وعَزم بهاء الدولة على العودِ إلى فارس فمَنعه أصحابه، فأصلح أبو العبّاس القنطرة، وجرى بين العسكرين قِتال شديد دام إلى السَحر، ثُمّ عَبر أبو العبّاس على القنطرة بعد أنْ أصلحها، والتقى العسكران واشتدّ القتال، فانهزم أبو العبّاس وقُتِل مِن أصحابه كثير، وعاد إلى البصرة مهزوماً مُنتصف رمضان سَنة ٣٩٦، فلمّا عادَ مُنهزماً جهّز بهاء الدولة إليه العساكر مع وزيره أبي غالب، فسار إليه ونزل عليه مُحاصراً له، وجرى بين العسكرين القتال، وضاق الأمر على الوزير وقلّ المال عنده، واستمدّ بهاء الدولة فلم يُمده، ثُمّ إنّ أبا العبّاس جمع سُفنه وعساكره وأصعد إلى عسكر الوزير وهجم عليهم، فانهزم الوزير وكاد يتمّ على الهزيمة، فاستوقفه بعضُ الدَيلم وثبّته، وحملوا على أبي العبّاس فانهزم هو وأصحابه، وأخذ الوزير سُفنه فاستأمن إليه كثير مِن أصحابه، ومضى أبو العبّاس مُنهزماً، وركب مع حسّان بن ثمال الخفاجي هارباً إلى الكوفة، ودخل الوزير البصرة وكَتب إلى بهاء الدولة بالفتح.

ثُمّ إنّ أبا العبّاس سارَ مِن الكوفة وقَطع دجلة، ومضى عازماً على اللحاق ببدر بن حسنويه، فبلغ خانقين وبها جعفر بن العوام في طاعة بدر، فأنزله وأكرمه وأشار عليه بالمسير في وقته وحذّره الطَلب، فاعتلّ بالتعب وطَلب الاستراحة ونام، وبلغ

٣٠٧

خَبرُه إلى أبي الفتح بن عناز - وهو في طاعة بهاء الدولة، وكان قريباً منهم - فسارَ إليهم بخانقين وهو بها، فحصره وأخذه وسار به إلى بغداد، فسَيّره عميد الجيوش إلى بهاء الدولة، فلقيهم في الطريق قاصدٌ مِن بهاء الدولة يأمره بقتله، فقُتل وحُمل رأسه إلى بهاء الدولة، وطيفَ به بخوزستان وفارس وكان بواسط عاشر صفر.

مسيرُ عَميدِ الجُيوشِ إلى حَرب بدر وصُلحه معهُ:

كان في نفسِ بهاء الدولة على بدر بن حسنويه حقدٌ لمّا اعتمده في بلاده؛ لاشتغاله عنه بأبي العبّاس بن واصل، فلمّا قُتل أبو العبّاس أمرَ بهاء الدولة عميد الجيوش بالمسير إلى بلاده، وأعطاه مالاً أنفَقَهُ في الجند، فجمع عسكراً وسار يُريد بلاده فنزل جنديسابور، فأرسل إليه بدر: إنّك لم تَقدر على أنْ تأخذ ما تَغلّب عليه بنو عقيل مِن أعمالهم، وبينهم وبين بغداد فرسخ حتى صالحتهم، فكيف تقدُر على أخذ بلادي وحصني مِنّي ومعي مِن الأموال ما ليس معك مثلها؟! وأنا معك بين أمرين: إنْ حاربتُك فالحرب سِجال، ولا نَعلم لمَن العاقبة، فإنْ انهزمتُ أنا لم ينفعْك ذلك؛ لأنّني أحتمي بقلاعي ومعاقلي وأُنفق أموالي، وإذا عجزتُ فأنا رجلٌ صحراويٌّ صاحب عَمد أبعد ثُمّ أقرب، وإنْ انهزمتَ أنت لم تجتمع، وتلقى مِن صاحبك العسف، والرأي أنْ أحمل إليك مالاً تُرضي به صاحبك ونصطلح، فأجابه إلى ذلك وصالحه، وأخذ منه ما كان أخرجه على تجهيز الجيش وعاد عنه.

في تاريخ ابن كثير.. ج١١ ص٣٥٢:

في يوم الخميس غُرّة ربيع الأوّل سَنة ٤٠٤ منها جلس الخليفة القادر في أُبّهة الخلافة، وأحضر بين يُديه سُلطان الدولة والحجّة فخَلع عليه سبع خِلَع على العادة، وعَمّمه بعمامة سوداء، وقلّده سيفاً وتاجاً مُرصّعاً وسوارين وطوقاً، وعَقد له لوائين بيده، ثُمّ أعطاه سيفاً وقال لخادم: قلّده به فهو شَرف له ولعَقِبه يفتح شرق الأرض وغَربها، وكان ذلك يوماً مشهوداً حضره القُضاة والأُمراء والوزراء.

وفاة بهاء الدولة:

في خامس جمادى الآخرة سَنة ٤٠٣ توفّي بهاء الدولة أبو نصر بن عَضُد الدولة بن بويه، وهو المَلك حينئذٍ بالعراق، وكان مَرضه تتابُع الصَرَع

٣٠٨

مثل مرض أبيه، وكان موته بأرجان وحُمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) فدُفِن عند أبيه عَضُد الدولة، وكان عُمره اثنتين وأربعين سَنة وتسعة أشهُر ونصفاً، ومُلكه أربعاً وعشرين سَنة.

الخامس عشر مِن مُلوك بني بويه: سُلطان الدولة(١) أبو شُجاع مَلك العراق:

وهو ابن أبي نصر بهاء الدولة بن عَضُد الدولة، الخامس عشر مِن مُلوك بني بويه، والسابع مِن مُلوكهم في العراق، وليَ المُلك بعد أبيه، وسار مِن أرجان إلى شيراز، وولّى أخاه جلال الدولة أبا طاهر بن بهاء الدولة البصرة، وأخاه أبا الفوارس كِرمان.

في هذه السُنّة خَلعَ سُلطان الدولة على أبي الحسن بن مزيد الأسدي، وهو أوّل مَن تقدّم مِن أهل بيته، وفيها قَلّد الرضي الموسوي - صاحب الديوان المشهور - نقابة العلويّين ببغداد وخلعَ عليه السواد، وهو أوّل طالبيٍّ خُلع عليه السواد.

الحربُ بينَ سُلطان الدولة وأخيه أبي الفوارس:

لمّا ولّى سُلطان الدولة - بعد انتقال ملك أبيه إليه - أخاه أبا الفوارس كرمان اجتمع إليه الدَيلم، وحسّنوا له مُحاربة أخيه وأخذِ البلاد منه، فتَجهّز وتَوجّه إلى شيراز، فلم يَشعر سُلطان الدولة حتّى دخل أبو الفوارس إلى شيراز، فجمع عساكره وسار إليه فحاربه، فانهزم أبو الفوارس وعاد إلى كرمان، فتبعه إليها فخرج منها هارباً إلى خُراسان، وقصد يمين الدولة محمود بن سبكتكين وهو ببست، فأكرمه وعَظّمه وحمل إليه شيئاً كثيراً، وأجلسه فوق دارا بن قابوس بن وشمكير، فقال دارا:

نحن أعظم محلاًّ منهم؛ لأنّ أباه

____________________

(١) في تاريخ ابن كثير ج١١ ص٣٥٢ في يوم الخميس غرة ربيع الأول سنة ٤٠٤هـ منها جلس الخليفة القادر في أبهة الخلافة، وأحضر بين يديه سُلطان الدولة فخلع عليه سبع خلع على القادة، وعمّمه بعمامة سوداء، وقلّده سيفاً وتاجاً مرصعاً، وسوارين وطوقاً، وعقد له لواءين بيده، ثُمّ أعطاه سيفاً، وقال الخادم: قلّده به فهو شرف له ولقبه، بفتح شرف الأرض وغر بها. وكان ذلك يوماً مشهوداً، حضره القضاة والأُمراء والوزراء.

٣٠٩

وأعمامه خدموا آبائي، فقال محمود: لكنّهم أخذوا المُلك بالسيف، أراد بهذا نُصرة نفسه حيث أخذ خُراسان مِن السامانية، ووعد محمود أنْ يَنصره.

ثُمّ إنّ أبا الفوارس باع جوهرتين كانتا على جبهة فَرسه بعشرة آلاف دينار، فاشتراهما محمود وحملهما إليه وقال له:

مِن غلطكم تتركون هذا على جبهة الفرس وقيمتا ستّون ألف دينار، ثُمّ إنّ محموداً سيّر جيشاً مع أبي الفوارس إلى كرمان مُقدّمهم أبو سعيد الطائي وهو مِن أعيان قوّاده، فسارَ إلى كرمان فملكها، وقصد بلاد فارس وقد فارقها سُلطان الدولة إلى بغداد فدخل شيراز، فلمّا سَمع سُلطان الدولة عاد إلى فارس، فالتقوا هُناك واقتتلوا فانهزم أبو الفوارس، وقُتِل كثير مِن أصحابه وعادوا بأسوأ الحال، ومَلك سُلطان الدولة بلاد فارس، وهرب أبو الفوارس سَنة ثمان وأربعمئة إلى كرمان، فسيّر سُلطان الدولة الجيوش بإثره فأخذوا كرمان منه، فلحق بشمس الدولة بن فَخر الدولة بن بويه صاحب همدان، ولم يُمكنه العود إلى يمين الدولة؛ لأنّه أساء السيرة مع أبي سعيد الطائي، ثُمّ فارق شمس الدولة ولَحق بمُهذّب الدولة صاحب البطيحة، فأكرمه وأنزله داره، وأنفذ إليه أخوه جلال الدولة مِن البصرة مالاً وثياباً، وعَرضَ عليه الانحدار إليه فلم يفعل، وتَردّدت الرُسل بينه وبين سُلطان الدولة، فأعاد إليه كرمان وسُيّرت إليه الخِلَع والتقليد بذلك، وحُملت إليه الأموال فعاد إليها.

وفاة أمير البطيحة مُهذّب الدولة ومِلك سُلطان الدولة:

في جمادى الأولى مِن هذه السُنّة توفّي مُهذّب الدولة أمير البطيحة، وتحدّث الجُند بإقامة وَلده أبي الحسين مقامه، فبلغ ابن أُخت مُهذّب الدولة أبو محمّد عبد الله بن بنى، فتَوثّب على أبي الحسين بممالئة الدَيلم، واستولى على البطيحة وقَتل ابن خاله، ولم يَمكث في الإمارة إلاّ أقل مِن ثلاثة أشهر، وتوفّي فوليها بعده أبو علي عبد الله الحسين بن بكر الشرابي - وكان مِن خواصّ مُهذّب الدولة - فصار أمير البطيحة، وبذل للمَلك سُلطان الدولة بذولاً فأقرّه عليها، وبقي إلى سَنة عشر وأربعمئة، فسيّر إليه سُلطان الدولة صدقة بن فارس المازياري، فمَلك البطيحة وأسر أبا عبد الله الشرابي فبقي عنده أسيراً إلى أنْ توفّي، وبقيت البطيحة في إمارة صدقة إلى أنْ توفّي سَنة ٤١٢ فوليها سابور بن المرزبان، وأقرّه مُشرّف الدولة.

ثُمّ إنّ

٣١٠

أبا نصر شيرزاد بن الحسن ابن مروان زاد في المُقاطعة فلَم يَدخل سابور فيها، فوليها أبو نصر وفارقها سابور.

ولاية ابن سهلان العراق لسُلطان الدولة:

في سَنة ٤٠٩ عرضَ سُلطان الدولة على الرخيمي ولاية العراق، فقال:

ولاية العراق تحتاج إلى مَن فيه عسف وخرف، وليس غير ابن سهلان، وأنا أخلفه هاهُنا، فولاّه سُلطان الدولة العراق في المحرّم، فسار مِن عنده فلمّا كان ببعض الطريق تركَ ثقله وأصحابه، وسار جريدة في خمسمئة فارس مع طراد ابن دبيس الأسدي يطلب مهارش ومضر ابني دبيس، وجرى ما ذُكر في مكانه مِن تاريخ بني دبيس فاطلبه هناك.

السادس عشر مِن مُلوك بني بويه والثامن مِن مُلوكهم في العراق: مُشرّف الدولة بن بهاء الدولة:

في ذي الحَجّة سَنة ٤١١ عَظُم أمرَ أبي علي مُشرّف الدولة بن بهاء الدولة وخوطب بأمير الأُمراء، ثُمّ مَلك العراق وأزال عنه أخاه سُلطان الدولة، وكان سَببه أنّ الجُند شغبوا على سُلطان الدولة ومنعوه مِن الحركة، وأراد ترتيب أخيه مُشرّف الدولة في المُلك، فأُشير على سُلطان الدولة بالقبض عليه فلم يُمكنه ذلك، وأراد سُلطان الدولة الانحدار إلى واسط، فقال الجند:

إمّا أنْ تجعل عندنا وَلدك أو أخاك مُشرّف الدولة، فراسل أخاه بذلك فامتنع ثُمّ أجاب بعد مُعاودة، ثُمّ إنّهما اتّفقا واجتمعا ببغداد واستقرّ بينهما أنّهما لا يستخدمان ابن سهلان، وفارق سُلطان الدولة بغداد وقصد الأهواز، واستخلف أخاه مُشرّف الدولة على العراق، فلمّا انحدر سُلطان الدولة ووصل إلى تستر استوزر ابن سهلان، فاستوحش مُشرّف الدولة، فأنفذ سُلطان الدولة وزيره ابن سهلان ليُخرج أخاه مُشرّف الدولة مِن العراق، فجمع مُشرّف الدولة عسكراً كثيراً منهم أتراك واسط وأبو الأغر دبيس بن عليّ بن مزيد، ولقي ابن سهلان عند واسط فانهزم ابن سهلان وتحصن بواسط، وحاصره مُشرّف الدولة وضيّق عليه، فغلت الأسعار حتّى بلغَ الكرّ مِن الطعام ألف دينار قاسانية، وأكلَ الناس الدواب حتّى الكلاب، فلمّا رأى ابن سهلان إدبار أموره سلّم البلد واستخلف مُشرّف

٣١١

الدولة وخرج إليه، وخوطب حينئذ مُشرّف الدولة بشاهنشاه، وكان ذلك في آخر ذي الحجّة، ومضت الدَيلم الّذين كانوا باسط في خدمته، وساروا معه فحلف لهم وأقطعهم، واتّفق هو وأخوه جلال الدولة أبو طاهر، فلمّا سمع سُلطان الدولة ذلك سار عن الأهواز إلى أرجان، وقُطعتْ خُطبته مِن العراق وخطب لأخيه ببغداد آخر المُحرّم سَنة اثنتي عشرة وأربعمئة، وقُبضَ على ابن سهلان وكحل، ولمّا سَمع سُلطان الدولة بذلك ضعفت نفسه، وسار إلى الأهواز في أربعمئة فارس، فقلّت عليهم الميرة فنهبوا السواد في طريقهم، فاجتمع الأتراك الّذين بالأهواز وقاتلوا أصحاب سُلطان الدولة ونادوا بشعار مُشرّف الدولة، وساروا منها فقطعوا الطريق على قافلة وأخذوها وانصرفوا.

قتلُ أبي غالب وزير مُشرّف الدولة:

لمّا قُطعت في هذه السَنة الخُطبة لسُلطان الدولة وخُطب لمُشرّف الدولة في العراق طلبَ الدَيلم منه أنْ ينحدروا إلى بيوتهم بخوزستان، فأذن لهم وأمر وزيره أبا غالب بالانحدار معهم، فقال:

إنّي إنْ فعلتُ خاطرتُ بنفسي، ولكن أبذلها في خدمتك، ثُمّ انحدر في العساكر، فلمّا وصل إلى الأهواز نادى الدَيلم بشعار سُلطان الدولة، وهجموا على أبي غالب فقتلوه.

الصُلح بين سُلطان الدولة ومُشرّف الدولة:

في سَنة ٤١٣ اصطلح سُلطان الدولة وأخوه مُشرّف الدولة، وحَلف كلّ واحد منهما لصاحبه، وكان الصُلح بسعي مِن أبي محمّد بن مكرم ومُؤيّد الدولة الرخجي وزير مُشرّف الدولة، على أنْ يكون العراق جميعه لمُشرّف الدولة، وفارس وكرمان لسُلطان الدولة.

وزارة أبي القاسم المغربي لمُشرّف الدولة:

في سَنة ٤١٤ قَبض مُشرّف الدولة على وزيره مُؤيّد الدولة المَلك الرخجي في شهر رمضان، وكانت وزارته سنتين وثلاثة أيّام، وكان سَبب عزله أنّ الأثير الخادم تغيّر عليه؛ لأنّه صادر ابن شعيا اليهودي على مئة ألف دينار، وكان متعلّقاً بالأثير فسعى وعزله، واستوزر بعده أبا القاسم الحسين بن عليّ بن الحسين المغربي، ومولده بمصر سَنة سبعين وثلاثمئة

٣١٢

وكان أبوه مِن أصحاب سَيف الدولة بن حمدان، فسار إلى مصر فتولّى بها فقَتَله الحاكم، فهرب وَلده أبو القاسم إلى الشام، وقصد حسّان بن المفرج بن الجرّاح الطائي، وحمله على مُخالفة الحاكم والخروج عن طاعته ففعل ذلك، وحسّن له أنْ يُبايع أبا الفتوح الحسن بن جعفر العلوي أمير مكّة فأجابه إليه، واستقدمه إلى الرملة وخوطب بأمير المؤمنين، فأنفذ الحاكم إلى حسّان مالاً جليلاً وأفسد معه حال أبي الفتوح، فأعاده حسّان إلى وادي القُرى، وسار أبو الفتوح منه إلى مكّة، ثُمّ قصد أبو القاسم العراق واتّصل بفَخر المُلك، فاتّهمه القادر بالله؛ لأنّه مِن مصر، فأبعده فَخر المُلك فقصد قرواشاً بالموصل، فكَتب له ثُمّ عاد عنه، وتنقلت به الحال إلى أنْ وُزر بعد مؤيّد المُلك الرخجي.

قدوم مُشرّف الدولة إلى بغداد ولقاء القادر بالله:

في هذه السُنّة في المُحرّم قَدم مُشرّف الدولة إلى بغداد، ولقيه القادر بالله في الطيار وعليه السواد، ولم يلقَ قبله أحداً به مِن مُلوك بني بويه.

الوحشةُ بينَ مُشرّف الدولةِ والأتراك وعَزل المَغربي:

في سنة ٤١٥ تأكّدت الوحشة بين الأثير عنبر الخادم ومعه الوزير ابن المَغربي وبين الأتراك، فاستأذن الأثير والوزير ابن المغربي المَلك مُشرّف الدولة، فحبس في الانتزاح إلى بلد يأمنان فيه على أنفسهما، فقال: أنا أسير معكما، فساروا جميعاً ومَعهم جماعة مِن مُقدّمي الدَيلم إلى السنديّة وبها قرواش، فأنزلهم ثُمّ ساروا كلّهم إلى أوانا، فلمّا عَلم الأتراك عُظم ذلك عليهم وانزعجوا منه، وأرسلوا المُرتضى وأبا الحسن الزينبي وجماعة مِن قوّاد الأتراك يعتذرون ويقولون: نحن العبيد، فكَتب إليهم أبو القاسم المَغربي:

إنّني تأملّت ما لكم مِن الجامكيات فإذا هي ستمئة دينار، وعلمتُ دَخل بغداد فإذا هو أربعمئة ألف دينار، فإنْ أسقطتم مئة ألف دينار تحمّلت بالباقي.

فقالوا: نحن نُسقطها، فاستشعر منهم أبو القاسم المغربي فهرب إلى قرواش، فكانت وزارته عَشرة أشهُر وخمسة أيّام، فلمّا أُبعد خرج الأتراك، فسألوا المَلك والأثير الانحدار معهم، فأجابهم إلى ذلك وانحدروا جميعهم.

٣١٣

وفاةُ سُلطان الدولة ومِلك وَلده أبي كاليجار:

في هذه السَنة في شوّال توفّي سُلطان الدولة أبو شجاع ابن بهاء الدولة أبي نصر ابن عَضد الدولة بشيراز، وكان عُمره اثنتين وعشرين سَنة وخمسة أشهر، وكان ابنه أبو كاليجار بالأهواز، فطلبه الأوحد أبو محمّد ابن مكرم ليَملك بعد أبيه، وكان هواه معه، وكان الأتراك يُريدون عمّه أبا الفوارس بن بهاء الدولة صاحب كرمان، فكاتبوه يَطلبونه إليهم أيضاً، فتأخّر أبو كاليجار عنها فسبقه عمّه أبو الفوارس إليها فمَلكها، وكان أبو المكارم بن أبي محمّد بن مكرم قد أشار على أبيه - لمّا رأى الاختلاف - أنْ يسير إلى مكان يأمَن فيه على نفسه، فلم يقبل قوله فسار، وتَركه وقصد البصرة فندِم أبوه حيث لم يكن معه، فقال له العادل أبو منصور بن مافنه:

المصلحة أنْ تقصد سيراف وتكون مالك أمرك، وابنك أبو القاسم بعمان، فتحتاج الملوك إليك.

فرَكب سفينة ليمضي إليها، فأصابه بَرد فبطل عن الحركة، وأرسل العادل بن مافنة إلى كرمان لإحضار أبي الفوارس، فسار إليه العادل وأبلغه رسالة ابن مكرم باستدعائه، فسار مُجدّاً ومعه العادل فوصلوا إلى فارس، وخرج ابن مكرم يلقى أبا الفوارس ومعه الناس، فطالبه الأجناد بحقّ البيعة فأحالهم على ابن مكرم، فتضجّر ابن مكرم، فقال له العادل:

الرأي أنْ تبذل مالك وأموالنا حتّى تمشي الأُمور، فانتهره فسكت، وتلوّم ابن مكرم بإيصال المال إلى الأجناد، فشكوه إلى أبي الفوارس، فقبض عليه وعلى العادل بن مافنة، ثُمّ قَتل ابن مكرم واستبقى ابن مافنة، فلمّا سَمع ابنه أبو القاسم بقتله صار مع المَلك أبي كاليجار وأطاعه، وتجّهز أبو كاليجار وقام بأمره أبو مُزاحم صندل الخادم - وكان مُربيه - وساروا بالعساكر إلى فارس، فسيّر عمّه أبو الفوارس عسكراً مع وزيره أبي منصور الحسن بن عليّ الفسوي لقتاله، فوصل أبو كاليجار والوزير متهاونٌ به لكثرة عسكره، فأتوه وهو نائم وقد تفرّق عسكره في البَلد يبتاعون ما يحتاجون إليه، وكان جاهلاً بالحرب، فلمّا شاهدوا أعلام أبي كاليجار - وهم على اضطراب - انهزموا، وغَنم أبو كاليجار وعسكره أموالهم ودوابهم وكلّ ما لهم، فلمّا انتهى خَبر الهزيمة إلى عمّه أبي الفوارس سار إلى كرمان، ومَلك أبو كاليجار بلاد فارس ودخل شيراز.

٣١٤

عودُ أبي الفَوارس إلى فارس:

ولمّا مَلك أبو كاليجار بلاد فارس ودخل شيراز، جرى على الدَيلم الشيرازيّة مِن عسكره ما أخرجهم عن طاعته، وتمنّوا معه أنّهم كانوا قُتلوا مع عمّه، وكان جماعة مِن الدَيلم بمدينة فسا في طاعة أبي الفوارس، وهُم يريدون أنْ يُصلحوا حالهم مع أبي كاليجار ويَصيروا معه، فأرسل إليهم الدَيلم الّذين بشيراز يُعرّفونهم ما يَلقونه مِن الأذى، ويأمرونهم بالتمسّك بطاعة أبي الفوارس ففعلوا ذلك.

ثُمّ إنّ عسكر أبي كاليجار طالبوه بالمال وشغبوا عليه، فأظهر الديلم الشيرازيّة ما في نفوسهم مِن الحقد، فعجز عن المقام معهم فسار عن شيراز إلى النوبندجان - ولقيَ شدّة في طريقه - ثُمّ انتقل عنها لشدّة حرّها وخاصّة هوائها، ومرِض أصحابه، فأتى شُعب بوان فأقام به، فلمّا سار عن شيراز أرسل الديلم الشيرازيّة إلى عمّه أبي الفوارس يحثّونه على المجيء إليهم ويُعرّفونه بُعد أبي كاليجار عنهم، فسار إليهم فسلّموا إليه شيراز، وقصد إلى أبي كاليجار بشُعب بوان ليحاربه ويُخرجه عن البلاد، فاختار العسكران الصُلح فسفروا فيه، فاستقرّ لأبي الفوارس كرمان وفارس، ولأبي كاليجار خوزستان، وعاد أبو الفوارس إلى شيراز، وسار أبو كاليجار إلى أرجان.

ثُمّ إنّ وزير أبي الفوارس خبط الناس وأفسد قلوبهم وصادرهم، واجتاز به مالٌ لأبي كاليجار والدَيلم الّذين معه فأخذه، فحينئذ حثّ العادلُ ابن مافنة صندلاً الخادم على العود إلى شيراز، وكان قد فارق بها نعمة عظيمة وصار مع أبي كاليجار، وكان الديلم يُطيعونه، فعادتْ الحال إلى أشدّ ما كانت عليه، فسار كلّ واحد مِن أبي كاليجار وعمّه أبي الفوارس إلى صاحبه والتقوا واقتتلوا، فانهزم أبو الفوارس إلى دارا بجرد ومَلك أبو كاليجار فارس، وعاد أبو الفوارس فجمع الأكراد فأكثر، فاجتمع معه منهم نحو عشرة آلاف مُقاتل، فالتقوا بين البياء واصطخر فاقتتلوا أشدّ مِن القتال الأوّل، فعاود أبو الفوارس الهزيمة، فسار إلى كرمان، واستقرّ مُلك أبي كاليجار بفارس سَنة سبع عشر وأربعمئة، وكان أهل شيراز يكرهونه.

٣١٥

السابع عَشر مِن مُلوك بني بويه والتاسع مِن مُلوكهم في العراق: أبو كاليجار

في سَنة ٤١٨ توفّي في ربيع الأوّل المَلك مُشرّف الدولة أبو عليّ بن بهاء الدولة، وهو ابن ثلاث وعشرين سَنة وثلاثة أشهر، وكان مُلكه خمس سنين وخمسة وعشرين يوماً، وكان كثير الخير قليل الشرّ عادلاً حَسِن السيرة، ولمّا توفّي خُطبَ ببغداد بعد موته لأخيه أبي طاهر جلال الدولة، وهو بالبصرة وطُلب إلى بغداد فلم يصعدْ إليها، وإنّما بلغَ إلى واسط وأقام بها ثُمّ عاد إلى البصرة، فقُطعتْ خُطبته وخُطب لابن أخيه المَلك أبي كاليجار بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة في شوّال، وهو حينئذ صاحب خوزستان والحرب بينه وبين عمّه أبي الفوارس صاحب كرمان بفارس، فلمّا سمع جلال الدولة بذلك أصعد إلى بغداد، فانحدر عسكرها ليردّوه عنها، فلقوه بالسيب - مِن أعمال النهروان - فردّوه فلم يَرجع فرموه بالنشّاب ونهبوا بعض خزائنه، فعاد إلى البصرة، وأرسلوا إلى المَلك أبي كاليجار ليَصعد إلى بغداد ليُملّكوه فوعدهم الإصعاد، ولم يُمكنه لأجل صاحب كرمان، ولمّا أصعد جلال الدولة كان وزيره أبا سعد بن ماكولا.

مُتفرّقات عن أبي كاليجار:

في سَنة ٤١٧ أحرق خفاجة الأنبار بعد نهبها، وأظهروا الطاعة لأبي كاليجار وخطبوا له بالكوفة.

وفيها كثُر تسلّط الأتراك ببغداد، وأكثروا مصادرات الناس وأخذوا الأموال حتّى إنّهم قسطوا على الكرخ خاصّة مئة ألف دينار، وعظُم الخَطب وزاد الشرّ وأُحرقت المنازل والدروب والأسوق، ووقعتْ الحرب بين العامّة والجُند مما أدّى إلى نَظر القوّاد وعقلاء الجُند في هذا الأمر، ولمّا رأوا أنّ أبا كاليجار لا يَصل إليهم، وأنّ البلاد قد خربت، وطَمع فيهم المُجاورون مِن العَرب والأكراد راسلوا جلال الدولة في الحُضور إلى بغداد، فحَضر، كما سَنذكر ذلك فيما بعد.

وفيها عَصت البطيحة على أبي كاليجار، ومُقدّم أهلها أبو عبد الله الحسين بن بكر الشرابي الّذي كان قديماً صاحب البطيحة، وكان سَبب هذا الخلاف أنّ المَلك أبا كاليجار سيّر وزيره أبا أحمد بن بابشاذ إلى البطيحة، فعسف الناس وأخذ أموالهم، وأمر الشرابي

٣١٦

فوضع على كلّ دارٍ بالصليق قسطاً، وكان في صحبته ففعل ذلك، فتفرّقوا في البلاد وفارقوا أوطانهم، فعَزم مَن بقيَ على أنْ يستدعوا مَن يَتقدّم عليهم في العصيان على أبي كاليجار وقتل الشرابي، فعَلِم الشرابي بذلك فحضر عندهم واعتذر إليهم، وبذل مِن نفسه مُساعدتهم على ما يُريدونه فرضوا به، وحَلفوا له وحَلف لهم وأمرهم بكتمان الحال، وعاد إلى الوزير فأشار عليه بإرسال أصحابه إلى جهاتٍ ذكرها ليحصلوا الأموال فقبل منه، ثُمّ أشار عليه بإحدار سُفنه إلى مكان ذَكره ليُصلح ما فَسَد منها ففعل، فلمّا تمّ له ذلك وثبَ هو وأهل البطيحة عليه وأخرجوه مِن عندهم، وكان عندهم جماعة مِن عَسكر جلال الدولة في الحَبس، فأخرجوهم واستعانوا بهم واتّفقوا معهم، وفتحوا السواقي وعادوا إلى ما كانوا عليه أيّام مُهذّب الدولة، وقاتلوا كلّ مَن قصدهم وامتنعوا فتمّ لهم ذلك، ثُمّ قصدوا ابن المعيراني، فاستولى على البطيحة وفارقها الشرابي إلى دبيس بن مزيد فأقام عنده مُكرماً، وكان ذلك سنة ٤١٨.

الصُلح بينَ أبي كاليجار وعمّه أبي الفوارس:

في هذه السَنة استقرّ الصُلح بين أبي كاليجار وعمّه أبي الفوارس صاحب كرمان، وكان أبو كاليجار قد سار إلى كرمان لقتال عمّه وأخذِ كرمان منه، فاحتمى منه بالجبال، وحَميَ الحرُّ على أبي كاليجار وعسكره فكثُرت الأمراض، فتراسلا في الصُلح فاصطلحا على أنْ تكون كرمان لأبي الفوارس، وبلاد فارس لأبي كاليجار ويَحمل إلى عمّه كلّ سَنة عشرين ألف دينار، ولمّا عاد أبو كاليجار إلى الأهواز جَعل أُمور دولته إلى العادل بن مافنة، فأجابه بعد امتناع.

الخُطبةُ ببغداد لجلال الدولة وهو الثامِن عَشر مِن مُلوك بَني بويه والعاشر مِن مُلوكهم في العراق

في جُمادى الأُولى مِن هذه السَنة خُطب للمَلك جلال الدولة أبي طاهر بن بهاء الدولة ببغداد، وأصعد إليها مِن البصرة، فدخلها ثالث شهر رمضان، وكان سَبب ذلك أنّ الأتراك لمّا رأوا أنّ البلاد تَخرب، وأنّ العامة والعرب والأكراد قد طمعوا، وأنّهم ليس عِندهم سلطان يجمع كلمتهم

٣١٧

قصدوا دار الخلافة، وأرسلوا يعتذّرون إلى الخليفة مِن انفرادهم بالخُطبة لجلال الدولة أوّلاً، ثُمّ بردّه ثانياً وبالخطبة لأبي كاليجار، ويَشكرون الخليفة حيث لم يُخالفهم في شيء مِن ذلك، وقالوا:

إنّ أمير المؤمنين صاحب الأمر ونحن العبيد، وقد أخطأنا ونسأل العفوَ، وليس عندنا الآن مَن يجمع كلمتنا، ونسأل أنْ تُرسل إلى جلال الدولة ليصعد إلى بغداد ويَملك الأمر، ويَجمع الكَلمة ويُخطب له فيها، ويسألون يُحلفه الرسول السائر لإحضاره لهم، فأجابهم الخَليفة إلى ما سألوا، وراسله هو وقوّاد الجُند في الإصعاد واليمين للخليفة والأتراك، فحَلف لهم وأصعد إلى بغداد، وانحدر الأتراك إليه فلقوه في الطريق، وأرسل الخَليفة إليه القاضي أبا جعفر السمناني، فأعاد تجديد العَهد عليه للخليفة والأتراك ففعل.

ولمّا وصل إلى بغداد ونَزل النجمي فركب الخَليفة في الطيار وانحدر يلتقيه، فلمّا رآه جلال الدولة قبّل الأرض بين يديه، وركب في زبزبه ووقف قائماً، فأمره الخَليفة بالجلوس فقَدم وجلس، ودَخل إلى دار المَملكة بعد أنْ مضى إلى مَشهد موسى بن جعفر فزار، وقصد الدار فدخلها وأمرَ بضرب الطبل أوقات الصلوات الخمس، فراسله الخليفة في منعِه فقطعه غَضباً حتّى أذِن له في إعادته ففعل، وأرسل جلال الدولة مُؤيّد المُلك أبا علي الرخجي إلى أثير عنبر الخادم - وهو عند قرواش - يُعرّفه اعتضاده به واعتماده عليه ومحبته له، ويَعتذر إليه عن الأتراك فعَذرهم، وقال: هُم أولاد وإخوة.

شَغبُ الأتراكِ ببغداد على جلالِ الدولة:

في سَنة ٤١٩ ثارَ الأتراك ببغداد على جلال الدولة وشغبوا، وطالبوا الوزير أبا عليّ بن ماكولا بما لهم مِن العلوفة والادرار، ونهبوا داره ودور كُتّاب المَلك وحواشيه حتّى المُغنّين والمُخنّثين، ونَهبوا صياغات أخرجها جلال الدولة لتُضرب دنانير ودراهم وتُفرّق فيهم، وحصروا جلال الدولة في داره ومنعوه الطعام والماء، حتّى شَرب أهله ماء البئر، وأكلوا ثَمرة البستان، فسألهم أنْ يُمكّنوه مِن الانحدار، فاستأجروا له ولأهله وأثقاله سُفناً فجعل بين الدار والسُفن سرادقاً لتجتاز حَرمه فيه؛ لئلاّ يراهم العامّة والأجناد، فقصد بعض الأتراك السرادق، فظنّ جلال الدولة أنّهم يُريدون الحُرم، فصاح بهم يقول لهم:

بلغَ أمرُكم إلى الحُرم، وتقدّم إليهم وبيده طبر، فصاح صغار

٣١٨

الغُلمان والعامّة: جلال الدولة يا منصور، ونَزل أحدهم عن فَرسه وأركبه إيّاه، وقبّلوا الأرض بين يديه، فلمّا رأى قوّاد الأتراك ذلك هربوا إلى خيامهم بالرملة وخافوا على نفوسهم، وكان في الخوانة سلاح كثير، فأعطاه جلال الدولة أصاغر الغُلمان وجعلهم عِنده، ثُمّ أرسل إلى الخَليفة يُصلح الأمر مع أُولئك القوّاد، فأرسل إليهم الخليفة القادر بالله فأصلح بينهم وبين جلال الدولة وحلفوا، فقبّلوا الأرض بين يديه ورجعوا إلى منازلهم، فلم يمضِ غير أيّام حتّى عادوا إلى الشَغب، فباع جلال الدولة فَرشه وثيابه وخيمه وفرّق ثمنها فيهم حتّى سكنوا.

الاختلاف بينَ الدَيلم والأتراك بالبصرة:

في هذه السنة وليَ النفيس أبو الفتح بن أردشير البصرة، استعمله عليها جلال الدولة، فلمّا وصلَ إلى المسّان مُنحدراً إليها وقع بينه وبين الدَيلم الّذين بالمسّان وقعة استظهر عليهم وقَتل منهم، وكانت الفِتن بالبصرة بين الأتراك والديلم، وبها المَلك العزيز أبو منصور بن جلال الدولة فقويَ الأتراك بها، فأخرجوا الديلم فمضوا إلى الأُبُلّة وصاروا مع بختيار بن علي، فسار إليهم المَلك العزيز بالأُبُلّة ليُعيدهم ويَصلح بينهم وبين الأتراك، فكاشفوه وحملوا عليه ونادوا شعار أبي كاليجار، فعاد مُنهزماً في الماء إلى البصرة، ونَهب بختيار نهر الدير والأُبُلّة وغيرهما مِن السواد وأعانه الدَيلم، ونهبَ الأتراك أيضاً وارتكبوا المحظور ونهبوا دار بِنت الأوحد بن مكرم زوجة جلال الدولة.

استيلاءُ أبي كاليجار على البصرة:

لمّا بلغَ المَلك أبا كاليجار ما كان بالبصرة سَيّر جيشاً إلى بختيار، وأمره أنْ يقصد البصرة فيأخذها، فساروا إليها وبها المَلك العزيز بن جلال الدولة، فقاتلهم ليمنعهم فلم يكن له بهم قوّة فانهزم منهم، وفارق البصرة وكاد يَهلك هو مَن معه عَطشاً، فمَنّ الله عليهم بمطرِ جودٍ فشربوا منه وأصعدوا إلى واسط، ومَلك عسكر أبي كاليجار البصرة، ونهبَ الديلم أسواقها وسَلِم منها البعض بمال بذلوه لمَن يحميهم، وتتبّعوا أموال أصحاب جلال الدولة مِن الأتراك وغيرهم، فلمّا بلغَ جلال الدولة الخبر أراد الانحدار إلى واسط

٣١٩

، فلم يوافقه الجُند وطلبوا منه مالاً يُفرّق فيهم، فلم يكن عنده، فمدّ يَده في مُصادرات الناس وأخذ أموالهم، لا سيّما أرباب الأموال فصادر جماعة.

وفاةُ أبي الفوارس صاحبِ كرمان واستيلاءُ أبي كاليجار عليها:

في ذي القعدة مِن هذه السنة تُوفّي قوام الدولة أبو الفوارس بن بهاء الدولة صاحب كرمان، وكان قد تجهّز لقصد بلاد فارس وجمعَ عسكراً كثيراً، فأدركه أجلُه، فلمّا توفّي نادى أصحابه بشعار المَلك أبي كاليجار، وأرسلوا إليه يطلبونه إليهم، فسار مُجدّاً ومَلك البلاد بغير حَرب ولا قتال، وأمِن الناس معه، وكانوا يكرهون عمّه أبا الفوارس؛ لظُلمه، وسوء سيرته، وكان إذا شَرِب ضَربَ أصحابه، وضرب وزيره يوماً مائتي مقرعة، وحلفه بالطلاق أنّه لا يتأوه ولا يُخبر بذلك أحداً، فقيل إنّه سَمّوه حتّى مات.

استيلاءُ منصور بن الحسين على الجزيرة الدبيسيّة:

كان منصور بن الحسين الأسدي قد مَلك الجزيرة الدبيسية - وهي تُجاور خوزستان - ونادى بشعار جلال الدولة، وأخرج صاحبها طراد بن دبيس الأسدي سَنة ثماني عشرة وأربعمئة، فمات طراد عن قريب، فلمّا مات طراد سار ابنه أبو الحسن علي إلى بغداد، يسأل أنْ يُرسِل جلال الدولة معه عسكراً إلى بلده ليُخرج منصوراً له ويُسلّمه إليه - وكان منصور قد قَطع خُطبة جلال الدولة، وخطب للمَلك أبي كاليجار - فسيّر معه جلالُ الدولة طائفةً مِن الأتراك، فلمّا وصلوا إلى واسط لم يقف عليّ بن طراد حتّى تجمّع معه طائفة مِن عسكر واسط وسار عَجِلاً، واتّفق أنّ أبا صالح كوركير كان قد هَرب مِن جلال الدولة، وهو يُريد اللحِاق بأبي كاليجار، فسَمع هذا الخبر، فقال لمَن معه:

المصلحة أنّنا نُعين منصوراً، ولا نُمكّن عسكر جلال الدولة مِن إخراجه، ونتّخذ بهذا الفعل عَهداً عند أبي كاليجار.

فأجابوه إلى ذلك، فسار إلى مَنصور واجتمع معه، والتقاهم وعسكر جلال الدولة الّذين مع عليّ بن طراد ببسيرود، فاقتتلوا فانهزم عسكر جلال الدولة، وقُتل عليّ بن طراد وجماعة كثيرة مِن الأتراك، وهَلك كثير مِن المُنهزمين بالعَطش، واستقرّ مُلك منصور بها.

٣٢٠