تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ٣

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 442

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 442
المشاهدات: 95972
تحميل: 7607


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 442 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 95972 / تحميل: 7607
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 3

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

وتوهّم وقوع الصُلح بين نادر شاه والسلطان مُراد الرابع ناشئ مِن تضمّن مُعاهدة الصُلح بين السلطان محمود ونادر شاه أنْ تكون حدود الدولتين العثمانيّة والإيرانيّة كما تقرّر في مُعاهدة سنة ١٦٣٩م، وبين المُعاهدتين كما ترى زهاء قرن.

الثالث: وهو أغرب الوجوه، تعليله السَبب في نشوء الحروب التي تواترت بين العثمانيّين والإيرانيّين - وإنْ شئت فقل بين العثمانيّين ونادر شاه - هو إنكار العثمانيّين المذهب الخامس الذي انتحله نادر شاه، فإنْ أُريد بذلك أنّ نادراً لم ينشأ نشأةً شيعيّة وإنّما كان يدين بغير التشيّع فإنّ ذلك مُخالف للواقع ولم يقل به مؤرّخ. على أنّ الذي ظهر منه هو عكس ذلك، فقد كان يظهر الحرص كلّه على التقريب بين السنّة والشيعة وسعى لذلك جهد طاقته، وحسبك دليلاً على هذا جمعه بين فريق مِن علماء السنّة والشيعة للمُناظرة في العراق، وعقدِ اتّفاقٍ على وحدة المذهبين، وقد كَتب في ذلك الآلوسي كتاباً، وقد جرّ ذلك عليه كما ذكرنا في أخباره انصراف وجوه الشيعة عنه، وخاصّة بعد إظهاره كلّ ما تطمئنّ إليه نفوس السنّة مِن عنايته بأمر هذه الوحدة المذهبيّة، ومنه استخلاصه خاصّة قوّاده ورجال بطانته مِن الأفغانيّين وهُم مِن السنّة في الصميم، وبمكان الذروة منه والغارب.

وبعد، فإنّ مِن العجيب وقوع مثل هذا المؤرّخ التُركي المعروف في مثل هذه الأغلاط التي يُبددها قليل مِن النظر وقليل مِن التفكير الصحيح، ولكنّ العِصمة لله وحده ولأهل العصمة.

على أنّ الذي كان يرمي إليه نادر شاه مِن هذه السياسة - سياسة التقريب بين أبناء المذهبين - قد بسطناها فيما سبق، ومنها أنّه كان يحاول إزالة ما نُسب إلى الشاه عبّاس الأوّل مِن التنطّع في شيعيّته مِن أذهان السنّة، فيحلّ التقارب محلّ التباعد بينهما، ويجتثّ أُصول تلك العصبيّة التي كان يتّخذها دُعاة السوء ذريعة للحُروب المُتتابعة بين دولتين إسلاميّتين كبيرتين مُتجاورتين، تزهق فيها النفوس وتفسح للعدوّ في الدين والطامع في الاستيلاء على مملكتيهما المجال، وإضعاف الدولتين، ولو أنصف المؤرّخون نادراً لأكبروا له سعيه ولجرَوَا على سُنّته ولطرزوا على آثاره، ولعلموا أنّه أعظم مِن ضرب سهم وافر في عملٍ إسلاميٍّ مجيد حميد الأثر مشكور الورود والصدور.

٤٢١

الدولة الزنديّة الإيرانيّة

تقدّم في تاريخ نادر شاه ما آل إليه أمره بعد تدويخه الممالك واسترداده لمجد إيران، ومصير المُلك إلى الشاهرخ، وهو مِن بني علي أخي نادر، وغلبة كريم خان عليه، وهو مُؤسّس الدولة الزنديّة، فقد رأينا أنّ نُدّون أخبار هذه الدولة الناشئة على أنقاض الدولة النادريّة إنْ صحّت هذه التسمية، ثُمّ نُدوّن تاريخ الدولة القاجاريّة التي انتهى إليها بعد هذه الدولة المُلك الإيراني؛ لينتظم مِن مجموع تاريخ هذه الدول التي كانت سريعة الفوز بمهام الدولة والظَفر بالمُلك سريعة التدهور عقدٌ مُستحكم الحَلقات.

لمّا كَثُرت القلاقل بعد مقتل نادر شاه، وتداعى الطامعون في المُلك إلى نيله أدّى ذلك إلى التنازع والمُشاحنات التي لم تنتهِ إلاّ بقيام كريم خان زند بالأمر، وهو أشهر مَن حَكم إيران مِن هذه الدولة القصيرة العُمر، وله شُهرة في حُسن الإدارة والعدل والأناة، وهذا أهمّ ما يُروى عنه.

بينما كان أحمد خان يسعى في إخضاع خُراسان - كما سبقَ الخبرُ عن ذلك - انتهز محمّد حسن خان الفرصة ونادى باسمه أميراً على استرآباد وما يليها مِن بلاد مازندران، ومحمد حسن خان هذا هو جدّ الأُسرة القاجاريّة التي آل إليها مصير المملكة الإيرانيّة، ومازندران هو موطن قبيلته الباسلة، وكان نادر شاه قد نكّل بكثير مِن رؤسائها، فنفّر أفرادها منه ومِن قبيلته وعوّلوا على مُناهضة دولته؛ ولذلك انضمّ أكثرهم إلى محمّد حسن خان حتى عمّت سطوته، وخشي أحمد خان شرّه فبعث جيشاً لمُحاربته ولامتلاك مازندران عليه، ولكنّه لم يُكتب لجيشه النجاح، فزاد بذلك هذا الأمير القاجاري قوةً، وكانت الولايات تستقلّ الواحدة بعد الأُخرى، حتى إنّ

٤٢٢

أذربيجان وگيلان وبلاد الجراكسة أصبحت ممالك مُنفردةً لا سُلطة لصاحب إيران عليها، وكانت أصفهان بلا قائدٍ شهيرٍ يُعرف، فتمّ لأحد المشاهير واسمه علي مردان خان - وأصله مِن القبيلة القاجاريّة التي سبقَ لها ذِكر - أنْ يحكم هذه العاصمة، وفكّر في أنْ يُنصّب أحد رجال الأُسرة الصفويّة مَلكاً عليها، ويكون هو صاحب القوّة، ولكنّه رأى أنّه لا يقدر على القيام بهذا الأمر الخطير وحده، فاستدعى بعض الأُمراء لمُساعدته، وكان أشهرهم شيخ قبيلة الزنديّة - مِن الأُسر الفارسيّة الأصلية - واسمه كريم خان، ولم يشتهر بالحَسب والنَسب، ولكنّه عُرف بالبسالة والصبر الغريب على الشدائد، وفاقَ أُمراء عَصره بالحِلم والإنصاف وحبّ الرعيّة، وقد يَعسر على المُنصف أنْ يجد حاكماً أعدل منه وأكثر حِلماً مِن كلّ الذين تولّوا إيران قبله مِن بعد الفتح الإسلامي.

واتّفق علي مردان خان وكريم خان على اقتسام البلاد بينهما، وإقامة مَلك يحكم بالاسم مِن الأُسرة الصفويّة، وظلاّ على ذلك مدّةً، وكانت القوّة والشُهرة في أوّل الأمر كلّها لعلي مردان خان، إلاّ أنّ كريم خان اجتذب القلوب إليه حيثما حلّ بحِلمه وعَدله، وكأن عساكره اقتدت به فلم تُؤذِّ الأهالي، وسادَ الأمن والعدل في البلاد التي حكمها هذا الأمير العادل حتى تعلّقت به القلوب، وبدأ علي مردان خان يخشى شرّ هذه الشُهرة، ويُظهر لزميله نُفوراً وعداءً، حتى اشتهر أمر هذا العداء، وأصبح الأميران عدوّين مَعروفين، ولكن كريم خان امتاز على خصمه بحبّ الذين يحكمهم له ونفور أهل أصفهان مِن علي مردان، وكانت مزايا كريم خان هذه مِن أكبر أسباب نجاحه. وانتشب القتال بين الأميرين يوماً فلم تطل مدّته حتّى قامَ أعوان علي مردان على رئيسهم وقتلوه، فخلا الجوّ لكريم خان، وأصبح هو صاحب أصفهان والحاكم المُطلق على جميع الولايات الإيرانيّة الجنوبيّة.

ولكنّ الأمر لم يتمّ لكريم خان على ما يُريد عند قَتل خصمه؛ لأنّ غيره مِن الأعداء الطامعين في المُلك كانوا كثيرين، وفي جُملتهم أسد خان صاحب أذربيجان، فتحارب الأميران ودارت الدائرة على كريم وقومه فاضطرّ إلى الفرار وتركِ أصفهان وشيراز وغيرها لعدوّه، ولمّا كان جيش أسد خان يُطارده ورأى أنّ قوّته لا تكفي لمُقاومته عَزم على الرحيل إلى

٤٢٣

الهند، والبقاء فيها إلى آخر العُمر بعيداً عن مَتاعب المُلك والقتال، ولكنّه لحُسن حظّه التقى في طريقه رجُلاً باسلاً اسمه رستم خان - كان شيخاً على مدينة خشت وما يليها على حدود إيران وبلوخستان - فأشار رستم عليه أنْ يتربّص للعدوّ في تلك الناحية حتّى إذا جاءه جيش خصمه تركه يتقدّم إلى وادٍ شهير يُسمّى وادي كوماردج، ومتى صار الجيش إلى هذا الوادي أمكن لعدد قليل مِن المُحاربين أنْ يحصروه فيه مِن الجانبين ويقتلوا رجاله عن آخرهم، فسمع كريم رأي صديقه واستعدّ للمُخاطرة بحياته وحياة الذين تبعوه مِن الأعوان الأُمناء في ذلك المضيق، وتعهّد له رستم خان بالمُساعدة وتحقيق الأماني، وصدق ظنّ الأمير المقدام فإنّ أسد خان جاء وجيشه تلك البقعة، ودخل ذلك الوادي بعينه، وكان رستم خان قد وزّع الرجال في الجبال مِن الناحيتين، ووضعهم بين الأشجار والصخور حتّى يمنعوا الأعداء مِن الفرار ساعة القتال، وأقام على طرفي الوادي في موضع لا يُبصره العدو قوّة، حتى إذا دخل كلّ ناحية وأعملوا فيهم السيوف، وقاتل جيش أسد خان قتال الأبطال ولكنّ الموقع كان في قبضة أعدائهم، فقَتلوا منهم عدداً كبيراً وأوقعوا الفشل فيهم، ولم يتمكّن الباقون مِن الفرار فقُتلوا عن أخرهم، ولكنّ أسد خان تمكّن مِن الفرار، وقصدَ بلاد العراق فحارب فيها بعض الأُمراء، ودار في جوانب البلاد يوماً ينتصر ويوماً يرى الأهوال حتى كَرِه الحياة وسلّم نفسه إلى كريم خان طالباً منه الصَفح، فصفح كريم عنه وأحسن معاملته، وجعله صديقاً له ممّا أنساه كلّ عداءٍ قديم كان بينهما، وصار مِن أعوان كريم وأخصّائه.

على أنّ أكبر أعداء كريم خان كان محمّد حسن خان رئيس قبيلة قاجار الشهيرة، وكانت هذه القبيلة ولم تزل قويّة جدّاً، فتعب كريم خان تعباً لا يوصف في إخضاعها، ولم يكن نجاحه في ذلك إلاّ موقوتاً؛ لأنّ أمير هذه القبيلة مَلكَ البلاد مِن بعده وأسس الدولة القاجاريّة، وظلّ محمّد حسن خان يزيد قوّته في الأنحاء الشماليّة؛ حتى إذا سمع بخضوع أسد خان لكريم خان استعدّ للقتال؛ لأنّه لم يبقَ في البلاد غيره وغير كريم، فأراد قتلَه والتخلّص منه لتصبح بلاد إيران كلّها في سلطانه، وتقدّم بجيش جرّار إلى أصفهان، فاضطرّ كريم خان أنْ يهجرها ويلجأ إلى شيراز، فجاء محمّد

٤٢٤

حسن خان ومَلك أصفهان بلا مقاومة، وكأنّ الفوز الأخير لاح له؛ فشمخ بأنفه وغيّر طباعه وشدّد الوطأة على أهل أصفهان، فنفروا منه وكان نفورهم هذا مِن أسباب سقوطه، ولا سيّما وأنّه بعد هذه الأُمور سار بجيشه لمُحاربة شيراز والقبضِ على كريم خان الذي كان مُحاصراً فيها، فأظهر كريم خان في هذا الحصار بسالةً غريبة وتأنّياً عجيباً؛ لأنّه كان يدور في المدينة دائماً بوجهٍ باسمٍ ومُحيَّا طلق، فينشط الأهالي على الحصار، ويُنصف في كلّ أمر عُرض عليه، واستمرّ على إرسال الجواسيس إلى جيش خصمه كلّ يوم ليُلقوا بذور الفساد بينهم، ويُحسّنوا لهم تركه والانضمام إلى جيش كريم خان، ونجح في ذلك نجاحاً تامّاً، فاضطرّ محمّد حسن خان إلى الرجوع عن شيراز والعود إلى أصفهان، ورأى في هذه المدينة أيضاً أنّ الناس خصومه وأنّ قوّته قلّت، فتركها وعاد إلى مازندران وهي بلاده الأصليّة.

وعاد كريم خان إلى أصفهان، فلاقاه أهلها بالترحاب والإكرام، وسَمِعت المدائن الأُخرى بفوزه فأظهرت له الخضوع وبه السرور، وكثر عدد جيشه والمتطوّعين لخدمته، فأرسل جيشاً بقيادة أحد زُعماء قوّاده لمُحاربة محمّد حسن خان واسترجاع مازندران منه، وقام هذا الأمير لمُحاربة أعدائه بقلبٍ قوي إلاّ أنّ الدهر خانه، وكبا به الجواد فتمكّن الأعداء مِن قتله، وأمر قائدهم أنْ يُرفع رأسه على حربة، فلمّا رآه الجنود هلعت قلوبهم وفرّوا مِن أمام أعدائهم، فتمّ النصر بذلك لكريم خان وأصبح هو مَلك إيران الفرد لا ينازعه فيه منازع.

واستراح كريم خان بعد هذا مِن القلاقل، فحَكم مُدّةً طويلة حُكماً لم يُسمع في إيران بأحسن منه، واطمأنّت قلوب الأهالي، وذهب شبح الأهوال وانتهت المذابح مِن بلادهم ومُنعت المظالم والمغارم، وراجت الصناعة والتجارة والزراعة، وتحسنت حال الأهالي تحسّناً بيّناً، وكثُرت موارد الثروة، واقبل تجّار الإفرنج على إنشاء المعامل والمُتاجرة في كلّ أنحائها، ولم يَشبْ حُكم كريم خان شائبةً غير ظُلم زكي خان ابن عمّه، وكان زكي هذا ظالماً عاتياً يُرسله كريم خان في المُلمّات لبسالته وإقدامه، وله شهرة واسعة في القسوة الوحشيّة والظُلم الرائع، ولعلّ كريماً أعطاه هذه السُلطة لأنّه كان يَعلم منه الإقدام والقسوة، ويُريد أنْ يكون في البلاد عاتياً مَرهوباً، ومِثله يُخيف الأعداء وأصحاب النفوس الأمّارة بالسوء؛ لأنّ حالة البلاد

٤٢٥

تقتضي مِثل هذا الإرهاب؛ ولأنّ كريم خان نفسه كان يكره الظُلم ولا يُريد أنْ يُنسب إليه.

وحارب كريم خان الأتراك بعد أنْ استراح مِن كلّ أعدائه، وكان السببُ في الحرب أنّ والي البصرة أساء مُعاملةِ بعض الإيرانيّين، فطلبَ كريم خان أنْ يُقطع رأس هذا الوالي، ولم يجب سلطان الأتراك طلبه، فأرسل كريم أحد إخوته وأشهر قوّاده صادق خان لإخضاع البصرة وقتلِ واليها، وتمّ له ذلك بعد عناءٍ كبيرٍ وحصارِ ثلاثة عشر شهراً، وضمّ مدينةَ البصرة إلى أملاك إيران، والغريبُ أنّ سلطان الأتراك لم يهتمّ كثيراً لهذا الأمر ولم يجمع كلّ قوّته لاسترجاع هذه المدينة العظيمة، واستراح كريم خان بعد هذا راحةً تامّة، وكانت البلاد كلّها راضيةً بحُكمه، وجعل شيراز عاصمةَ مُلكه، وبنى فيها أبنيةً فخمة مِثل الأسواق والحمّامات والجوامع التي لا تزال باقيةً إلى الآن وأنشأ فيها البساتين؛ لأنّ أكثر أعوانه كانوا فيها وعلى مَقربة منها، وأحسن إلى الأُمناء مِن أهل دولته وشدّد على الظالمين، وأتى كلّ ما في وسعه لنشر الأمنِ والعدل في البلاد، فتَمّ له ذلك كلّه، إلى أنْ مات وهو في الخامسة والسبعين مِن عُمره، بعد أنْ حَكم إيران حُكماً مُطلقاً نحو ٢٦ سنة، وكانت وفاته في سنة ١١٩٣ للهجرة، وترك له في نفوس الإيرانيّين أجمل ذكرٍ وأطيبه.

وعدا على المُلك بعده ابن عمّه زكي خان، ولكنّ الناس كانوا يكرهونه فلم يتمتّع بالسلطة طويلاً، مع أنّه نَصّب ولداً مِن أولاد كريم مَلكاً وجعل نفسه وصيّاً عليه، وكان أشهر خُصومه صادق خان أخو كريم خان، وهو الذي أخضع البصرة كما مرّ خبر ذلك قريباً، فتقدّم لخَلع زكي وسمع أنّ هذا الأمير استبدّ ببقيّة الأُمراء مِن أُسرة كريم خان وقتلهم عن آخرهم، وخاف أنْ يقرب منه فظلّ يُحاربه عن بُعد، ولم ينجح في أوّل الأمر فاضطر إلى الفرار وظلّ زكي خان حاكماً حتّى قام له خصمٌ عنيدٌ قويٌّ وهو آغا محمّد خان جدّ الأُسرة القاجاريّة، وكان هذا الأمير أسيراً في قبضة كريم خان مُدّة حياته، فلمّا سمع بوفاته فرّ إلى مازندران وألّف جيشاً قويّاً مِن قومه كسر القاجاريّة به شوكة زكي، واضطرّه إلى القيام بنفسه لمُحاربته، وحدث أنّ زكي خان أكثرَ مِن الظُلم والعَسف فقام عليه عساكره فقتلوه.

٤٢٦

وملك بعده صادق خان، إلاّ أن خصومه مِن أُسرته كانوا كثيرين، وأشهرهم علي مراد خان - وكان قائداً باسلاً - فوجّه إليه صادق ابنه نقي خان لمُحاربته ونجح في أوّل الأمر، ولكنّ علي مراد خان ظلّ يترقّب الفُرص حتّى رأى ضعفاً مِن صادق وميلاً إلى التمتّع باللذّات، وتركَ الحُكم إلى أولاده يُديرونها حسب أهوائهم وطيشهم، فقام لمُحاربتهم وحاصرهم في شيراز، وكان الأهالي يميلون إليه فنصروه على صادق ودخل علي مراد المدينة فتسلّمها، واضطرّ صادق وأولاده أنْ يخضعوا له فقتلهم عن آخرهم، ما خلا جعفر خان؛ لأنه أظهر له ميلاً قليلاً. وكان ذلك في ١٨ ربيع الأول سنة ١١٩٨هـ.

ومِن ذلك اليوم صار علي مراد خان حاكم إيران ومليكها المُطلق، فنقل عاصمة مُلكه إلى أصفهان بدل شيراز التي جعلها كريم خان قاعدة المملكة، وبدأ يوجّه كلّ همّه إلى إخضاع خصمه الوحيد آغا محمّد خان رئيس القاجاريّة، ولكنّه لقي خصماً غيره لم يكن ينتظر منه الضَرر وهو جعفر بن صادق خان، عصى على مراد خان، فقام المَلك لمُحاربته بنفسه، وكان مريضاً فاشتدّ عليه المرض في الطريق وقتله في ١١ فبراير سنة ١٧٨٥م، الموافق ٢٥ صَفر سَنة ١١٩٩ في قريةٍ صغيرةٍ على مَقربة مِن أصفهان.

وكان جعفر خان حليماً عادلاً يُحبّ ترقية البلاد، ولكنّ الدهر عانده، لأنّ جلوسه على العرش مدّةً طويلةً لم يكنْ مِن الأُمور المُمكنة؛ لكثرة خصومه، حتّى أنّ كلّ أقاربه كانوا يُحاولون خلعه، وثارت عليه ولاياتٌ كثيرة، هذا إلى مُنازعه في المُلك آغا محمّد خان الشهير الذي كان يترقّب موته بذاهب الصبر حتى يُقدم على فتح الطرق، وتمّ له ذلك في مُدّة جعفر، وكان قواد جيشه ناقمين عليه لأسباب شتّى، فتآمر بعضهم عليه ودسّوا له السُمّ في طعامه، وبينا هو يتألّم مِن عذاب سُمّه هجموا عليه وقتلوه وطرحوا رأسه في أحد شوارع شيراز، فانقضى حُكمه وآل الأمر إلى ابنه لُطف علي خان في سنة ١٧٨٦م الموافقة سنة ١٢٠٠هـ، وكان لطف علي خان بطلاً مقداماً، ولو أُتيح له الحظّ وساعدته الأقدار لتمّت على يده العظائم، وكان مِن جُملة سلاطين الشرق الذين لا يزال ذِكرهم دائمُ الترداد، مثل تيمور وعباس ونادر وغيرهم، ولكنّ هذا

٤٢٧

الأمير ارتقى إلى المُلك في أحرج الأوقات وأتعسها، وكان له خصمٌ شديدٌ ليستْ مقاومته مِن الهيّن، وهو مؤسّس قواعد الدولة القاجاريّة، فلم يتهيّأ له الوقوف في وجهه وهو يبثّ له الدسائس والعُيون والأرصاد لإسقاطه مِن كلّ جانب.

وكان له صديق وهو الحاج إبراهيم مولى شيراز يُساعده على رغائبه في أوّل الأمر؛ لأنّه صنيعة أبيه، وله نفوذ كبير على قبائل العرب في شيراز ونواحيها، ولكنّ هذا الرجل رأى على ما يُقال ميلاً مِن لُطف علي خان إلى الإعراض عنه أو خَلعه مِن منصبه، فخانه وسلّم مدينة شيراز إلى خصمه آغا محمّد خان؛ ففرّ لطف علي خان وظلّ أعواماً يُقاتل خصمه القويّ، ويُظهر مِن غرائب البسالة والإقدام ما لم يرو عن غيره مِن أبطال الأزمان، فقد كان يُحارب عشرين ألفاً مِن أبطال آغا محمّد خان وليس معه غير بضع مئات ولا يفرّ مِن أمامهم، ولطالما أخرق الصفوف واجتاز الأُلوف والحُسام مسلولٌ بيده، وهو وحيدٌ يُقاتل الأبطال هُنا وهناك، حتّى هجره الخِلاّن وخانه الزمان، فلم يبقَ معه غير أربعة رجال حافظوا على ولائه، فاضطرّ إلى الاختفاء والبُعد عن الأعداء، وكان يختفي ويعود حيناً بعد حين ومعه ما لا يتجاوز المئات مِن المُقاتلين، فيفوز ويظفُر، ولكن تأنّي خصمه وكثرة مُعداته تغلّبتْ على بسالته، وكان خصمه باسلاً جَسوراً أيضاً وحكيماً فَطِناً.

وفي آخر الأمر، فرّ لطف علي خان مِن كرمان بعد أنْ أخضعها؛ لأنّ آغا محمّد خان تقدّم إليها وفتحها عُنوةً وظلّ سائراً وَحده حتّى وصل مدينة نرما شير على مَقربة مِن أفغانستان، فقابله حاكمها بالترحاب واستراح ليلةً عنده، إلاّ أنّ هذا الحاكم طمعَ في الجائزة فغدرَ بضيفه وهَجم عليه مع بضع أعوانه، فقاتل علي لطف خان مُدافعاً عن نفسه قِتال الأُسود الضارية، وقتلَ كثيرين مِن أعدائه، ولكنّ العدو تغلّب عليه وأثخنه جِراحاً فسقط مِن ألم الجراح، وأوثقه القوم وساقوه على هذه الحال إلى آغا محمّد خان، فأمرَ أنْ تُفقأ عيناه وزجّه في السجن، ثُمّ أمرَ بقتله بعد قليل. وهكذا انتهت دولة كريم خان وآله وصارت إيران مُلكاً للدولة القاجاريّة سنة ١٧٨٨م.

هذا ما عثرنا عليه مِن تاريخ الدولتين النادريّة والزنديّة مِن المصادر التاريخيّة التي هي تحت مُتناولنا.

٤٢٨

تاريخُ مُلوك القاجاريّين

مُلوك إيران

بسم الله الرحمن الرحيم، نحمد الله تعالى وبه نستعين على تذليل الصعاب، ونستهديه إلى نهج الصواب، ونُصلّي على خاتم رُسله المُؤيّد بالمُعجزَين: الكتاب وفصل الخِطاب، وعلى أطايب عترته وخيرة الأصحاب.

وبعدُ، فإنّا ندوّن بهذه السلسلة مِن تاريخ الشيعة السياسي تاريخ مُلوك القاجاريّين الذين انتهى إليهم مُلك إيران، واضطلعوا بأعبائه حُقبةً مِن الزمن، وقد انتقل إليهم بعد جهاد وجلاد، وظهور على الطامحين بالاستيلاء على منصّته وهُم كُثُر مِن العشائر الإيرانيّة الباسلة، حتى استتبّ لهُم الأمر، وقضوا على كلّ مُنازع لهم سلطان تلك المملكة الواسعة التي هي مطمح للطامع فيها مِن الداخل والخارج والقريب والبعيد، مِن الروس والعُثمانيّين والأفغانيّين المتاخمة حدودها لحدود ممالكهم، فكان لهم فضل الاحتفاظ بكيانها وجمع وحدتها، إلى أنْ أصابها ما أصاب الدول الشرقيّة التي تُساس بسياسة الاستبداد، والسلطان مُقدّس غير مسؤول مِن الهرم والفوضى، ولم يكن الحُكم الشعبي الذي انتهت إليه في عهد الشاه مُظفر إلاّ كمَثَل الحُكم العثماني، فكان مصير القائمين على سلطان المملكتين ضياع السلطان مِن أيديهما، وانتهى الحُكم العثماني إلى الحُكم الجمهوري، والقاجاري إلى رضا شاه الفهلوي، فانطوت صفحتا الأُسرتين في وقتٍ مُتقاربٍ، كما انطوت صفحة سُلطان رضا شاه - الذي لم يكن فيه الحُكم الشعبي إلاّ بصورةٍ شكليّة - إلى الزوال. وهكذا مصير كلّ مَن يجرؤ على تحمّل كلّ ما للدولة مِن المسؤوليّات فيُستهدَف للوقوع في مهاوي التَهلكة ولسوءِ المصير.

٤٢٩

القاجاريّة:

هي قبيلةٌ مِن قبائل التركمان التي كانت تُقيم في إيران، فهُم والحالة هذه مِن عُنصرٍ غريبٍ عن العنصر الإيراني، ولكنّ ما جمعوه مِن كثرة عَدد ومِن شجاعة، ومِن اضطرابٍ قائم في البلد الإيراني، وتكاثر الطامعين في المُلك مِن مُختلف العشائر الإيرانيّة مهدت لهم أسباب السُلطان.

أوّليّتهُم:

قد ذكرنا في تاريخ نادر شاه أنّ الله قيّض للشاه طهماسب الثاني قائدَين عظيمين، وهما: فتح علي خان جد القاجاريّين ونادر قلي خان، وكلاهما طامح في المُلك، واستتب لنادر خان اغتيال فتح علي خان فأمِن مِن مُنافسه ومهّد له ذلك ما آل إليه مِن امتلاك إيران، ودار الفَلَك دورته وشاء القدر أنْ يُقتل نادر ويُفسح المجال لامتلاك ابن فتح علي خان الثائر على نادر والآخذ بثار أبيه منه، وهو(١) :

(١) محمّد حسن خان مُؤسّس الدولة القاجاريّة في إيران سنة ١٧٦٠م(٢) .

أسّس المُلك في جيلان ومازندران، وجرى التقليد عند هذه الأُسرة المالكة أنْ يجعلوا ولي عهد المملكة والياً على أذربيجان المسكونة بالتُرك والتُركمان؛ ليكونَ على صِلة وثيقة بالعُنصر الذي يَمتّ إليه بالقرابة القريبة، جرياً على عادة هذه القبائل بالإسراع لنجدة كلّ شاه عند وقوع ثورة أو اضطراب وصيانة عرشه، ولكنّ هذا الشاه المؤسّس للمُلك القاجاري لم يطلْ به الأمر حتّى قَتله أحد أعدائه في السَنة عينها، فقام مقامه ابنه:

(٢) آغا محمّد خان:

الذي هاجمه نادر شاه مُهاجماتٍ وحشيّة، وكان آغا محمّد خان هذا كفوءاً فعّالاً، على ما فيه مِن شناعة ودمامة مَنظر تمنع الإنسان مِن أنْ يُطيل إليه النظر، فقد أمرّ يوم فتح كرمان في سنة ١٨٩٥م باقتلاع عيون خمسةٍ وثلاثين ألف أسيرٍ قُبض عليهم، وقد وُضعتْ عيون

____________________

(١) عن المُقتطف: م٦٧، ص٥٣٩ بتصرّف وزيادات.

(٢) قد تَقدّم في تاريخ الزنديّة أنّ ابتداء المُلك القاجاري سَنة ١٧٨٨.

٤٣٠

الأسرى في صحاف قُدّمت إليه، وأصدَر أمراً آخر بأنْ تُبنى رؤوس أعدائه بشكلِ هَرمٍ تَمتّع بمُشاهدته.

وتَفنّن في تعذيب الشاه لطف علي ليخبره عن الأماكن التي أخفى فيها الخزائن، ثُمّ أمر بخنقه مع جميع أفراد أُسرته، وقبض في مشهد على الشاه رُخ آخر رقيبٍ له، فمات وهو يُعذَّب، ونقلَ العاصمة مِن أصفهان إلى طهران، وتوّج شاهاً لإيران بعد حربٍ داميةٍ انتهت بفتح باكو، وقد فتك به عبيده بعد سَنة مِن تتويجه وامتهنوا جُثّته فخلفه ابنه:

(٣) بابا خان: الذي لُقّب بلقب الشاه فتح علي بعد مُحاربةٍ قليلة، وكان ظالماً ولكنّه مُعتدل في جنب أبيه، فقُتل على فراشه فخلفه ابنه:

(٤) الشاه محمّد: وهو أول شّاه أدخل الخصيان السود إلى قصور مُلوك فارس وجعلهم رؤساء للحَرم، وقد اتّبع خطّة أسلافه مِن ظُلم وإرهاق، وكان وزراؤه يرتعشون بين يديه؛ لأنه أمر بإعدام أحدهم فأُعدم خنقاً. وخلفه ولده:

(٥) الشاه ناصر الدين: قَتل كثيراً مِن العُصاة والمتآمرين، وقد انتحر أحد رؤساء وزرائه ليتخلّص مِن خَطر الإعدام.

وقد سافر إلى أوربا بعد ما أرعب إيران وأرهبها، فزار لندن سنة ١٨٧٣م وطلب - حينما كان فيها - إعدام أحد رجال حاشيته ليعرف كيف يَعدم الانكليز المحكوم عليهم، فلقوا صعوبةً كبيرةً في حمله على العدول عن هذه الفكرة.

وفي سنة ١٨٩٦م قُتل مِن يد أحد فدائيّي البابيّة - الذين ظهرتْ نِحلتهم في أيّامه، ولقيتْ منهم إيران خطراً عظيماً انتهى بقتل مؤسّس تلك النِحلة الباب وجملةٍ مِن أتباعه، وبنفي خليفته البهاء وولديه العبّاس وصبح أزل - وخلفه ولده:

(٦) مُظفّر الدين: وهو الذي منح الدستور لإيران، ولم يكن مفتاح خيرٍ لها، بل أدّى انقسامات وأحزاب، وكان لرجال الدين الإيرانيّين القسط الأكبر مِن هذا الانقسام بين مُحبّذ وساخط، ولا غَروَ فقد أعلن هذا النوع مِن الحُكم الشعبي والأُمّة الإيرانيّة لم تستعدّ له، والحُكم الإقطاعي

٤٣١

ونفوذ أشباه العُلماء وأبنائهم وأبناء الأُسر الشريفة الملقّبين بالأغايين ممّا تعاف نفوسهم مِثل هذا النوع مِن الأحكام، وفيه القضاء على ميزاتهم على العامّة والدهماء مِن الشعب الإيراني، أضف إلى ذلك فريقاً مِن عُلماء الدين الذين شُبّه عليهم أنّ هذا الدستور حربٌ على الدين وسيفٌ ذو حدّين للمُلحدين، وشبّت مِن جرّاء ذلك فِتن في البلاد الإيرانيّة انتهت بضحايا كثيرين، وفتحت الباب على مصراعيه للطامعين الأجانب في تلك البلاد، وللطامحين في السلطان مِن أبناء إيران.

وهكذا أخذَ الأمر في الاستفحال والفوضى والاضطراب إلى أنّ كانت الأُسرة القاجاريّة المالكة مِن أعظم ضحاياه.

مات مُظّفر شاه على فراشه سنة ١٩٠٧م فخلفه ابنه:

(٧) محمّد علي شاه: ولم يستكمل السنتين مِن مُلكه حتّى خُلِع سنة ١٩٠٩م، ومات في السنة عينها فخلفه ابنه:

(٨) أحمد شاه: وهو في التاسعة مِن عُمره، وقد نودي به في سنة ١٩٠٩م ثُمّ أُخرج مِن بلاده في سنة ١٩٢٣، فأقام في نيس مِن أعمال فرنسة ومات مُشرّداً عن وطنه.

الجمهورية الإيرانية:

مهّدت مجلّة المقتطف (المجلّد السابع والستّين، الصفحة الـ ٥٣٩): للانقلاب الإيراني بمُقدّمةٍ وجيزةٍ لانقلابات دولية بعد الحرب العامّة، انقرضت فيها ممالك وأُنشئتْ دولٌ جديدةٌ مِن حيث تغيير نوع الحُكم إلى أنْ تخلّصتْ إلى ما طرأ على المملكة الإيرانيّة مِن هذا التغيير فقالت:

وآخر ما حدثَ مِن هذا القبيل انقلاب إمبراطوريّة إيران لتصير جمهوريّة، فقد نشرنا في مقطم الجمعة في ٦ نوفمبر بلاغاً رسميّاً مِن مفوضيّة إيران في القاهرة يقال فيه: أنّها تلقّت مِن وزارة الخارجيّة في طهران التلغراف التالي وهو:

ما فتئ الرأي العامّ في جميع أنحاء البلاد في العهد الأخير يُعلن سَخطه على أُسرة قاجار المالكة، وما برح هياج الشعب يتفاقم يوماً فيوماً حتّى أوشكَ أنْ يُهدّد سلامة البلاد الداخليّة، ولو لا أنّ الحكومة أخذت هذه

٤٣٢

الحركات في الحال بيدِ الحزم لأدّت إلى ثورةٍ عامةٍ تجرّ مِن عواقب الدمار والخراب مالا يُحصيه عدٌّ.

(ولمّا كان البرلمان واقفاً على حقائق الحالة، فلكي يقي البلاد شرّ الثورة ويضعَ حدّاً لهياج الجمهور المُتفاقم، ولأنّه مِن جهةٍ أُخرى يُعبّر عن رأي الأُمّة - رأيه صدىً لميلها - قرّر باتّفاق الآراء تقريباً في جلسته المُنعقدة في ٩ ربيع الأوّل سَنة ١٣٤٤هـ، ٣١ أكتوبر سنة ١٩٢٥م خلعَ أُسرة قاجار المالكة، وعيّن سموّ رضا خان بهلوي الرئيس الأعلى لجميع الجيوش الإيرانيّة رئيساً مؤقّتاً للحكومة، إلى حين اجتماع الجمعيّة الوطنيّة التي تبتّ نهائيّاً في شكل الحكومة الجديدة).

وجاء في تلغراف رويتر قبل ذلك: (إنّ مجلس النوّاب الفارسي وافق باتّفاق ٨٥ صوتاً على ٥ أصوات على قرار يقضي بخلعِ أُسرة قاجار لخير الأُمّة الفارسيّة، وألّف حكومةً وقتيةً دستوريّةً برئاسة السردار رضا خان رئيس الوزارة الحاضرة).

وقد شرح المكاتب السياسي الشرقي ذلك في المقطم الصادر في ٣ نوفمبر، حيث قال - يذكر قُرّاء المقطم -:

(إنّنا تتبّعنا الأزمة الدستوريّة الإيرانيّة في مراحلها وأدوارها، وعالجناها مُعالجةَ خبيرٍ يَعرفُ نشأتها، وقلنا غير مرّة:

إنّه لا بُدّ في آخر الأمر مِن فوز حزبِ الإصلاح والتجديد، وفشلِ المُعارضين مِن أنصار القديم الذين قاوموا إعلان الجمهوريّة بحجّة أنّها مخالفة لمبادئ الدين الإسلامي، ووقفوا مُدّة سنتين أو أكثر في وجه رئيس الحكومة الحاضرة، يُنادون بضرورة دعوة الشاه إلى العودة إلى بلاده والاحتفاظ بالنظام القديم مهما طال الأمر.

وبالفعل وقع بين الحزبين - حزب رئيس الوزارة وحزب أنصار الملكيّة - نضالٌ عنيفٌ في خلال السنتين الماضيتين، هجم فيها الأخيرون مرّتين على دار مجلس النوّاب الفارسي، فكانوا يُقابلون كلّ مرّة بالطرد، وتتغلّب قوى الحكومة عليهم وتردّهم على أعقابهم.

وربّما كان أشدّ هذه الحوادث هو ما وقع يوم ٢١ مارس سنة ١٩٢٤ - هو يوم عيد النيروز عند الفرس - فقد شاع وذاع أنّ البرلمان الفارسي قرّر المُناداة بالجمهوريّة في ذلك اليوم وإسقاط الملكيّة؛ مُتخذاً لذلك فرصة

٤٣٣

اشتغال الناس بالعيد، ولكن أنصار الملكيّة جمعوا جموعهم برئاسة الشيخ الخالصي - مِن كبار مجتهدي الفرس - وهاجموا دار مجلس النوّاب ونزعوا الإعلام واعتدوا على بعض النوّاب، فعرقل ذلك مساعي الحكومة ورئيسها، وحملها على التربّص والتريّث، فأذاعت إعلاناً رسميّاً قالت فيه:

إنّها أحالت مسألة درس نظام الحُكم إلى لجنةٍ خاصّة أُلّفت لذلك، وأنّه لا يُنتظر تبديل ما قبل استشارة الجمهور.

وعلى أثر هذا الفوز أرسل ٤٠ مِن كبار العُلماء وغيرهم برقيّةً إلى الشاه المُقيم في فرنسة يَطلبون إليه العودة إلى بلاده بعد ما زالت العراقيل التي كانت تحول دون ذلك، ولكنّ الشاه تردّد في الأمر ولم يُجبهم جواباً حاسماً؛ لأنّه اعتقد أنّ له مِن رئيس وزرائه القابض على زمام الأمر في ديار الفرس والمسيطر على جميع شؤونها ما يبعث على التريّث والتروّي، واستقرّت الأُمور على أثر هذه الحوادث، وظهرَ الحزبان بمظهر الراغب في السكينة، وانصرف كلٌّ منهما يعمل في الخَفاء لإدراك غايته.

والظاهر أنّ سكوتَ الحُكومة أطمعَ دُعاة الملكيّة فازدادوا نشاطاً وأرسلوا الكُتب والرسائل إلى الشاه يُلحّون عليه في العودة إلى بلاده، حتّى قيل: إنّه وافق على الرجوع وقرّر النزول في بيروت يوم ٣ أُكتوبر الماضي - أي قبل شهر - وفيها يستقبله وفدٌ يأتي مِن طهران فيعود به إلى بلاد آبائه وأجداده، فيدخلها دخول الفاتح الظافر. وهكذا يقضي على فِكرة الجمهوريّة فتصير في خبرِ كان.

وبينما كان هؤلاء يُفاوضون الشاه قام أنصارهم بحركةٍ في داخل بلادهم تَرمي إلى إسقاط حكومة السردار، فجمعوا جُموعهم وهجموا يوم ٢٣ سبتمبر على دار مجلس النوّاب بحجّة نفاد الخُبز، فحطّموا الأبواب والنوافذ وجرحوا بعض أعضاء المجلس وهُم يحاولون النجاة، وعجز ولاة الأُمور العسكريّون في أوّل الأمر عن إخماد هذه الحركة، ولكنّهم استعانوا بقوّات جاؤوا بها مِن الأقاليم، فقضوا على الفِتنة وقبضوا على عددٍ مِن الثوار.

وجاء في بلاغٍ رسميٍّ نُشر في طهران وأذاعته السفارة الفارسيّة في القاهرة:

(إنّ مسألة نفاد الخبز ليست إلاّ وسيلة توسّل بها المعارضون لإسقاط الحكومة).

وممّا جاء في هذا البلاغ: (إنّ بعضاً مِن أعضاء حِزبٍ سياسيٍّ شرعوا في تنفيذ مؤامرةٍ دبّروها، فقُمعتْ على وجه السرعة، وإنّ لهذا الحزب آراء رجعيّة) الخ.

٤٣٤

وامتدّت على أثرِ ذلك حركاتُ المظاهرات في البلاد الفارسيّة، فقام أنصار الجمهوريّة بمظاهراتٍ عديدةٍ يحتجّون ويطالبون بعدم السماح بعودة الشاه، فاضطرّت الحكومة في آخر الأمر إلى إذاعة بلاغٍ قالت فيه:

(لا يُسمح للشاه بعد الآن بالعودة إلى بلاد فارس)، فسكنت الحالة وأدرك الناس أنّه لا بدّ مِن انقلاب جديد كانت وقائع أوّل نوفمبر إحدى نتائجه.

ولا نُسهب في التعليق على هذه الحركة الاجتماعيّة الكُبرى - التي يحاول بها أحرار الفرس أنْ يتشبّهوا بالتُرك ويقتفوا خطواتهم، وما يكون لها مِن أثرٍ في حياة الشرق عامّة، وفي داخليّة إيران خاصّة، وكيف يُقابلها الحزب المَلكي الذي أثبت حتّى الآن أنّه قوّةٌ لا يُستهان بها - بل نترك ذلك للحوادث، فهي أبلغُ في الدلالة والتعبير.

هذا ما كتبته مَجلّة المقتطف عن الانقلاب الإيراني وما رافقه مِن أحداث استمدّته مِن منطق الحوادث، وتركتْ الآتي للحوادث نفسها لتُعبّر عنه، ولكنّ الأمر لم يطلْ حتّى انتهى مِن جمهوريّة إيران أو مِن حُكم حاكمها المُطلق السردار رضا خان إلى تمليكه وتتويجه مَلكاً دستوريّاً وبه ابتدأت الملكيّة.

وقد حكمت إيران الأُسرة البهلويّة، وقد كانت على أنقاض المملكة القاجاريّة التي انتهتْ بخلع آخر مُلوكها الشاه أحمد الذي انتهت حياته بالخَلعِ والتشريد عن موطن آبائه وأجداده، فموته في ديار الغربة.

٤٣٥

الفهرس

الحرافشة ٥

بدء إمرة الحرافشة: ٦

١- الأمير علاء الدين: مرّ ذكره ٩

٢- الأمير علي: ٩

٣- الأمير يونس الحرفوش: ١٠

٤- الأمير موسى بن عليّ بن موسى الحرفوش: ١٠

٥- الأمير يونس ابن الأمير حسين: ١٤

٦- الأمير شلهوب: ٢٧

٧- الأميرُ حُسين ابن الأمير يونس ابن الأمير حسين: ٢٨

٨- الأمير أحمد ابن الأمير يونس ابن الأمير حسين: ٢٩

٩ و١٠- الأميران علي وسيّد ابنا الأمير يونس: ٢٩

١١- الأمير حسن: ٢٩

١٢- الأمير عليّ الحرفوش: ٣٠

١٢و١٣- الأميران شديد ويونس: ٣٠

١٤- الأمير حيدر: ٣١

١٥- الأمير حسين أخو الأمير حيدر: ٣١

١٦- الأمير مصطفى: ٣١

١٧- الأمير درويش ابن الأمير حيدر: ٣٢

١٨- الأمير محمّد أخو الأمير مصطفى: ٣٢

١٩- الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى: ٣٢

٢٠- الأمير قاسم ابن الأمير حيدر: ٣٣

٢١ - الأمير أمين: ٣٤

٢٢ و ٢٣- الأميران خنجر وأخوه الأمير سلمان: ٣٤

٤٣٦

ما جاء عن الحرافشة في تاريخ أعيان لُبنان للشيخ طنوس الشدياق: ٤٨

ما كَتب المطران يوسف الدبس عنهم في تاريخ سورية: ٦٤

ما كَتب الشيخ أحمد الخالدي في تاريخ لبنان في عَهد الأمير فخر الدين المعني عن الحرافشة: ٦٩

تاريخُ بني حَمادة ٩٩

بنو حمادة ٩٩

أوّلُ عَهدِ الحماديّةِ بالحُكم الإقطاعي: ١٠٨

ما كَتبه عنهم الشدياق في كتاب الأعيان أيضاً: ١١٤

تاريخُ البويهِيّين ١٤٥

أوَّليَّتُهُم: ١٤٥

رُؤيا بويهٍ وتَأَويلُ المُنجِّمِ لها: ١٤٦

جيلُهُم: ١٤٦

العظاميّة بعد العصاميّة: ١٤٦

اتّصالهم بمُلوك بلادهم: ١٤٧

الأُخوة في خدمة ماكان بن كاني مَلِك طَبرستان ثُمّ في خِدمة مرداويج فخروجهم عليه: ١٤٨

الأُخوة الثلاثة المالكون وأعقابهم المُلوك: ١٤٩

الأول: عماد الدولة أبو الحسن عليّ بن بويه: ١٤٩

استيلاؤه على أرجان وغيرها وملك مرداويج أصبهان: ١٥١

استيلاء عِماد الدولة على شيراز: ١٥٢

الأقدارُ والحظوظُ تَخدم بني بويه: ١٥٣

اتّصاله بالراضي بالله وخُدعته رسوله: ١٥٤

تَعليقٌ على ما سَبَق لا بُدّ مِنه: ١٥٤

استيلاء مرداويج على الأهواز: ١٥٥

ظَفَرَ عِماد الدولة بياقوت مَرّة أُخرى: ١٥٦

٤٣٧

استيلاءُ عِمادِ الدَولةِ على أصبهان وغيرها: ١٥٧

ظَفَرُهُ بطاهر الجبلي الخارج عن طاعته: ١٥٧

تجهيزُ عِمادِ الدولةِ وأخيه رُكن الدولة أخاهما الأصغر مُعزّ الدولة بالجيوش لفتح كرمان: ١٥٨

التجاءُ البريدي إلى عِماد الدولة: ١٥٨

تَسيير عِماد الدولة أخاه مُعزّ الدولة مع البريدي لفتح العراق: ١٥٨

موتُ عمادِ الدولة بن بويه: ١٦١

الثاني: أبو عليّ الحسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي المُلقّب بركن الدولة: ١٦٣

استقلال رُكن الدولة بالمُلك: ١٦٤

غَلَبة وشمكير لرُكن الدولة على أصبهان: ١٦٥

مسيره إلى واسط: ١٦٥

استرداد رُكن الدولة أصبهان: ١٦٥

مُحالفة رُكن الدولة وأخيه عماد الدولة لأبي عليّ بن محتاج ١٦٦

استيلاء رُكن الدولة على الري: ١٦٦

مُحاولة أبي عليّ بن محتاج مُلْك الريّ وعوده قبل مُلكها: ١٦٧

استيلاءُ أبي عليّ على الري: ١٦٧

اختلافُ أبي عليّ والأمير نوح ثُمّ مُصالحتهما وانتهاز عِماد الدولة الفُرصة لاستعادة رُكن الدولة الري: ١٦٨

مُلك رُكن الدولة طبرستان وجُرجان: ١٦٩

مُلك مُعزّ الدولة الموصل على ناصر الدولة والصُلح بينهما على قاعدة ميل، والخطبة في بلاده له ولأخَويه عِماد الدولة ورُكن الدولة: ١٦٩

مسير المرزبان إلى الري: ١٧٠

مسير الخراسانيّين إلى الري: ١٧١

مسير أبي علي إلى الري: ١٧٣

عَزلُ نوح أبا علي عن خُراسان والتجاء أبي علي إلى رُكن الدولة: ١٧٣

خُروج الخُراسانيّة إلى الري وأصبهان وانهزامهم بعد ظَفَرهم: ١٧٤

٤٣٨

استيلاء رُكن الدولة على طبرستان وجُرجان: ١٧٥

التجاء إبراهيم بن المرزبان إلى رُكن الدولة: ١٧٥

الغُزاة الخُراسانيّة مع رُكن الدولة: ١٧٦

عود إبراهيم بن المرزبان إلى أذربيجان ومعه ابن العميد نجدة: ١٧٧

خُروج عساكر خُراسان إلى الري: ١٧٨

مَسير ابن العميد إلى حسنويه الكُردي: ١٧٩

الصُلح بين الأمير منصور بن نوح ورُكن الدولة وعضُد الدولة: ١٨٠

مَزيّة جليلة مِن مزايا رُكن الدولة: ١٨٠

وفاة رُكن الدولة ومُلك عضُد الدولة: ١٨١

بعض سيرته: ١٨٢

الثالث: أبو الحسين أحمد بن أبي شجاع بويه مُعزّ الدولة: ١٨٤

مولده ووفاته: ١٨٤

أوّل عهده في المُلك: ١٨٤

استيلاء مُعزّ الدولة على الأهواز: ١٨٦

مُخالفة البريدي على مُعزّ الدولة: ١٨٧

ذهاب مُعزّ الدولة إلى البصرة وعوده منها على غير ما يُريد: ١٨٧

وصول مُعزّ الدولة إلى واسط وعوده عنها: ١٨٧

استيلاء مُعزّ الدولة على بغداد: ١٨٧

خَلْعُ المُستكفي بالله: ١٨٨

خلافة المُطيع واستيلاء مُعزّ الدولة على أُمور الخلافة: ١٨٩

الحربُ بين مُعزّ الدولة وناصر الدولة الحمداني: ١٩٠

إقطاع البلاد وتخريبها واضطراب الأُمور: ١٩١

صُلح مُعزّ الدولة وأبي القاسم البريدي: ١٩١

استقرار مُعزّ الدولة ببغداد وإعادة المُطيع إلى دار الخلافة وصُلح مُعزّ الدولة وناصر الدولة: ١٩١

اختلاف مُعزّ الدولة وأبي القاسم البريدي: ١٩٢

٤٣٩

استيلاء مُعزّ الدولة على البصرة: ١٩٢

مِلكُ مُعزّ الدولة الموصل وعوده منها: ١٩٢

حرب الصيمري وزير مُعزّ الدولة لعِمران بن شاهين وعوده بأمر مُعزّ الدولة بعد تَضييقه على عِمران: ١٩٣

مُعاودة مُعزّ الدولة حرب عِمران بن شاهين: ١٩٣

حِصار يوسف بن وجيه البصرة وانهزامه: ١٩٤

ضَربُ مُعزّ الدولة وزيره المهلبي بالمقارع: ١٩٤

الخطبة لمُعزّ الدولة في مكة: ١٩٤

إرسالُ مُعزّ الدولة سبكتكين في جيش لشهرزور: ١٩٥

مَرض مُعزّ الدولة وانتقاض ابن شاهين: ١٩٥

إنجاده أخاه رُكن الدولة بعسكر لمُدافعة الخُراسانيّة: ١٩٥

عصيان روزبهان على مُعزّ الدولة: ١٩٥

استيلاء مُعزّ الدولة على الموصل: ١٩٧

زواجُ مُؤيّد الدولة بن رُكن الدولة بابنة عمّه مُعزّ الدولة: ١٩٨

بِناءُ مُعزّ الدولة دورَه ببغداد بعد إبلاله مِن مرض أقلقه: ١٩٨

تَوليتهُ القضاءِ بالضمان: ١٩٨

استئمانُ أبي القاسم أخي عِمران بن شاهين إلى مُعزّ الدولة: ١٩٩

ما كُتِبَ على مساجد بغداد بأمر مُعزّ الدولة: ١٩٩

وفاةُ المهلبي وأُمور غريبة صدرت مِن مُعزّ الدولة: ١٩٩

أمرُ مُعزّ الدولة الناس بإبطال أعمالهم وإقامة عزاء الحسين بن علي (عليه السلام): ١٩٩

مِلكُ مُعزّ الدولة الموصل وعوده منها: ٢٠٠

طاعةُ أهل عُمان مُعزّ الدولة وما كان مِنهم: ٢٠٠

ما تَجدّد لعُمان واستيلاء مُعزّ الدولة عليها: ٢٠٠

ما جرى لمُعزّ الدولة مع عِمران بن شاهين: ٢٠١

مَوت مُعزّ الدولة وولاية ابنه بَختيار: ٢٠١

ما كَتَبَ عنه المُؤرّخون: ٢٠٢

٤٤٠