تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ١

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي14%

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 409

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 138644 / تحميل: 8574
الحجم الحجم الحجم
تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وقد اشرنا إلى ان دليل اعتبار قول الشاهد هو دليل حجية الاخبار الآحاد واعتبار التعدد في البينة قد ثبت بدليل آخر. وعلى هذا فالرجوع إلى الرجالي من باب الرجوع إلى الراوي والمخبر. ففيما اخبر به من أحوال من أدركه من الرواة لا اشكال. وفي غيره قوله واخباره بمنزلة رواية مرسلة.

فادا علم من طريقته انه لا يرسل في ذلك الا عن ثقة فيعتمد عليه وان شئت قلت: ان قوله مثلا: زرارة ثقة، شهادة منه على الوثاقة مستندة إلى رواية الثقات او شهادتهم في جميع الطبقات. وحينئذ فالعمدة إثبات التزام الرجالي بالاعتماد على الثقات وعدم الرواية عمن لا يبالي بالحديث في جميع رجال السند كي يكون قوله واخباره بمنزلة رواية معتبرة عندنا وان كانت محذوفة الاسناد. اعتبار قول المتأخرين من اهل الرجال اختار بعض الاعلام عدم حجية توثيق المتأخرين من أهل الرجال وجرحهم. بل يظهر منه عدم حجية قول مثل ابن طاوس والمحقق والعلامة وابن داود وامثالهم من المتأخرين قدس الله ارواحهم الطاهرة. بدعوى كثرة أخطائهم وخصوصا العلامة رحمه الله، وان المتأخرين نقلة لمن تقدم فيما لهم توثيق او جرح وفي غير ذلك إستعملوا الرأي والاجتهاد لا محالة ولا دليل على اعتبار رأيهم.قلت فيه اولا منع اكثرية خطأ المتأخرين بل الامر بالعكس كما هو ظاهر بالتأمل في كلامهم في الرجال والفقه وغيرهما.وثانيا ان تم دليل حجية قول اهل الرجال فالفرق بلا دليل في

١٠١

غير محله. وكون الخطأ في اقوال العلامة اكثر من غيره مهدته على مدعيه. ولو سلم ان كثره مشاغله وتفننه في العلوم وكثرة تأليفاته وغير ذلك ربما اوجب الخطأ بما ليس في كلام غيره فلا يوجب التوقف في الاخذ بكلامه كما لا يوجب بالنسبة إلى شيخ الطائفة والمعصوم من الخطأ غيرنا.

وثالثا ان كون المتأخرين نقلة لما ذكره المتقدمون ليس قدحا وعدم وقوفهم على ازيد مما ذكره المتقدمون ممنوع جدا فكم وقف المتأخر على مالم يقف عليه المتقدم من الآثار في الرجال والفقه وغيرهما وهذا واضح لمن كان كثير التتبع في الاخبار.

ورابعا ان الاجتهاد واستعمال الرأي في الآثار لا يخص بالمتأخر نعم فتح المتأخر باب الاجتهاد بمصراعيه دون من تقدمه، ومن تأمل في توثيقات ابن الوليد وشيوخ القميين واحمد بن عيسى واضرابهم وما صدر منهم من الجرح مع ان كثيرا من أعلام عصرهم قد أنكروا ذلك عليهم فضلا عمن تأخر عنهم تبين له ان الفرق المذكور في غير محله وان كان إجتهاد المتأخر اكثر وقد اشبعنا القول في ذلك في فوائدنا الرجالية.

منهج النجاشي في الجرح والتعديل

تقدم ان قول اهل الرجال انما يعتمد عليه من باب الشهادة والرواية، فمنع بعد أكثر من ترجمه النجاشي في رجاله عن زمانه ربما يشكل الاعتماد على جرحه وتعديله، اذلا يستند إلى الحس والسماع بلا واسطة، ولا يعرف من طريقته الالتزام بالاعتماد على خصوص ما رواه الثقات ولو مع الواسطة بل المعلوم خلافه فقد صرح بترك

١٠٢

الرواية عن المطعونين من مشايخه الا مع واسطة بينه وبين المطعون كما تقدم في مشايخه. وقد اعتمد في رواياته للكتب والمصنفات على روايات فيها ضعف بالارسال او الجهالة او ضعف بعض رجال الاسناد. مع ان ذكر المصنفات هو الغرض الاول لتأليف الكتاب دون ذكر احوال الرواة. فكيف لا يحتمل اعتماده في اثبات سائر اوصاف الرواة بمثل هذه الاخبار. وقد إتحد السياق لذكر الكتب والاوصاف بقوله بنحو الجزم ثقة، كوفي، واقفي، له كتاب. بل ربما اعتمد في التوثيق وغيره على ما رواه الكشي او غيره من رواية ضعيفة الاسناد كما ستقف عليه في هذا الشرح. على انه استعمل الرأي والاجتهاد في الجرح والتعديل فيما اختلف فيه الآثار أو كلمات أصحاب الرجال كما يظهر بالتأمل فيما ذكره في الحسن بن محبوب ومحمد بن عيسى وغيرهما ممن اختلف فيه الآثار وقول اهل الرجال.

قلت وفي جميع ذلك نظر وتأمل اما روايته الكتب باسناد ضعيف وشهادته بقوله: له كتاب او كتب فلما سبق ان ثبوته لا ينحصر بما ذكره من الروايه عن مؤلفه لعدم حصر الطريق به كما صرح بان الطرق كثيرة وانما يكتفي بواحد لئلا يطول. على ان كثيرها مشهوره او رواها جماعات من الناس. وذكرنا ان ضعف الرواية لا يضر بالشهادة لاصل الكتاب. واما الاعتماد على رواية ضعيفة في التوثيق ففيما لم يستند اليها في كلامه لا نعلم باستناده وفيما علق التوثيق على الرواية فهذا مشعر بعدم جزمه بالتوثيق كما لا يخفى.

١٠٣

واما الاجتهاد في الجرح والتعديل في موارد الاختلاف فلا يوجب عدم جواز الرجوع اليه في شهادته بالتوثيق وسيأتي الفرق بين الجرح والتعديل في هذا المقام. واما التزام النجاشي بالاعتماد على رواية الثقات خاصة بحيث تكون شهادته بالوثاقة بمنزلة رواية محذوفة الاسناد رواها الثقات، فيمكن كشفه من تحفظه رحمه الله على شروط الرواية فقد ترك الرواية عن المطعون وان كان كثير العلم والادب والسماع. ومن تعليقه التوثيق او الجرح او ثبوت وصف او حال للرواة أو كتاب في كثير من التراجم على اصحاب الرجال، او بعضهم، او على الكشي، او ابي العباس، واحمد بن الحسين، وغيرهم إيماء‌ا منه رحمه الله بعدم الجزم به. وقد اكثر في هذا الكتاب تعليق رواية الرواة عن ابي عبدالله او عن ابي الحسن عليهم السلام على ابي العباس ايماء‌ا منه إلى عدم ثبوتها عنده، لضعف مستندها، أو لان الطبقة لا تساعد على ذلك. فتوقف رحمه الله عن الجزم بذلك مع شهادة ابي العباس ابن نوح، او ابن عقدة على ذلك ايضا وفى بعض الموارد علق الرواية عن احدهم عليهم السلام عليهما معا. وان شئت فلاحظ ترجمة عبدالله بن سنان (رقم ٥٦٥) حيث قال: روى عن ابي عبدالله (ع) وقيل روى عن أبي الحسن موسى (ع) وليس بثبت الخ.

وقد روى الكليني والشيخ وغيرهما باسناد فيه زياد بن مروان عن عبدالله بن سنان عن أبي الحسن (ع) فيظهر من ذلك ان عدم ثبوت رواية عبدالله بن سنان عنه (ع) لضعف المستند بزياد بن مروان القندي الضعيف مضافا إلى ما قيل: انه مات في حياة ابي عبدالله (ع) ونحو ذلك في ترجمة زكريا بن ادريس (رقم ٤٦٤) وغيره فلاحظ وتأمل.

١٠٤

وبالجملة فمن تعليق النجاشي ما ذكره من الاوصاف في جملة من التراجم على قول أهل الرجال أو بعضهم مشيرا إلى ضعفه يستظهر - ان ما ذكره في غير هذه الموارد بصورة الجزم وبلا تعليق على قائل قد ثبت عنده بطريق معتبر واسناد خال عن ضعيف او من لا يبالي بالحديث. كما انه يستظهر كون الطريق المعتبر عنده معتبرا عندنا لو وصل الينا، من طريقته رحمه الله في الجرح والتعديل في الاسانيد ورجالها ومما اورد به على الاصحاب وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل. هذا مضافا إلى امكان القول بان قول النجاشي مثلا: سماعة بن مهران ثقة شهادة منه تؤخذ بها كشهادته على حياة رجل او علمه او على طهارته شي ء او نجاسته من دون لزوم الفحص عن مستنده حتى يعلم بخطائه فتترك وفى هذا الوجه وما قبله نظر قد فصلنا القول في تحقيق ذلك في فوائدنا.

التوثيقات العامة

لا فرق في مدح الرواة وتوثيقهم بين كونه شخصيا كقوله زرارة ثقة، وبين كونه بوجه عام، كما في توثيق بيت او مدحهم. ففي عمومة اسماعيل بن عبد الخالق وابيه قال النجاشي: كلهم ثقات. فمن كان من عمومته يحكم بوثاقته وان ثبت ذلك من كلام غيره. ومن ذلك وامثاله، استفدنا وثاقة جماعة من الرواة ممن لم يفرد لهم النجاشي ترجمة وعلى هذا فاذا ثبت في جماعة المدح بانهم لا يرون إلا عن الثقات فيحكم بوثاقة كل من رووا عنه وان لم يصرح في كلام الاصحاب بتوثيقهم بالخصوص.وكذلك فيمن صرح بمدح يستلزم روايته عن الثقات

١٠٥

والاجتناب عن الرواية عن الضعاف. وحينئذ فلا بأس بذكر من قيل فيه: انه لا يروى إلا عن الثقات وايضا من ورد فيه مدح ربما يستفاد منه انه لا يروى الا عن الثقات وان لم يصرح بذلك في كلام الاصحاب. وظاهر الاصحاب ان رواية من عرف بانه لا يروى إلا عن الثقات امارة عامة على وثاقة من روى عنه، ويلزم منه أيضا عدم الفرق بين مسانيد هؤلاء وبين مراسيلهم. ففي (كتاب العدة) في القرائن الدالة على صحة الاخبار. قال شيخ الطائفة: واذا كان أحد الروايين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فان كان ممن يعلم انه لا يرسل الا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولا جل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون الا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ولذا عملوا بمراسيلهم اذا إنفردوا عن رواية غيرهم الخ.

قلت وتبعه الشهيد رحمه الله في مقدمة الذكرى.

من لا يروى الا عن الثقة

يظهر من كلام النجاشي وغيره: ان في رواة أصحابنا من يعرف بانه لا يروى الا عن ثقة. ومعرفة ذلك اما بتصريح الراوي الثقة بانه لا يروى الا عن الثقة مطلقا، او في كتاب خاص مثل ابن قولويه في كامل الزيارات وغيره. واما بتصريح غيره كما صرح الشيخ (ره) في ابن ابي عمير واضرابه

١٠٦

وقد تقدم. واما يستفاد من لازم الكلام مثل تعليل النجاشي لعدم الرواية عن بعض الرواة بضعفه وورود الطعن فيه فان مشايخ النجاشي انما استفيد وثاقتهم من تعليله عدم الرواية عن بعضهم بكونه مطعونا او ضعيفا. فيدل بالالتزام على انه لا يروى الا عن الثقة على كلام تقدم في ذلك. وفى كفاية الاستقراء لاثبات كون جميع من روى عنه ثقاتا اذا لم يفد القطع، اشكال حققناه في الفوائد.

وهؤلاء جماعة. الاول النجاشي كما تقدم الكلام فيه. الثاني والثالث محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الاسكافي ابوعلي، واحمد بن محمد بن سليمان ابوغالب الزراري شيخ العصابة في زمنه ووجههم. قال النجاشي في جعفر بن مالك (رقم ٣١٠): كان ضعيفا في الحديث قال احمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا ويروى عن المجاهيل، وسمعت من قال كان ايضا فاسد المذهب والرواية، ولا ادري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابوعلي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة ابوغالب الزراري رحمهما الله وليس هذا موضع ذكره الخ.

قلت وانت خبير بان العجب المتقدم انما يصح اذا عرف الشيخان الجليلان بانهما لا يرويان عن الضعاف وعن غير الثقات، وتمام الكلام في ذلك في ترجمته وفى فوائدنا الرجالية.

الرابع ابوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه رحمه الله في كتاب كامل الزيارة قال (ره) في الديباجة: حتى أخرجته وجمعته عن الائمة صلوات الله عليهم اجمعين من احاديثهم ولم أخرج فيه حديثا روى عن غيرهم، اذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم صلوات الله

١٠٧

عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا انا لا نحيط بجميع ما روى عنهم في هذا المعنى، ولا غيره، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم الله برحمته، ولا أخرجت فيه حديثا روى عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم انتهى.

قلت فيما افاده (ره) تصريح بامور احدها عدم ذكره في الكتاب الا الروايات المأثورة عن الائمة الطاهرين عليهم السلام، لكفاية ما وصل عنهم والغنى عن اخبار غيرهم.

ثانيها انه مع كثرة ما ورد عنهم عليهم السلام في جميع الابواب وعدم العلم بصحة لجميع، إقتصر على رواية ما وقع اليه (ره) من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم الله. وظاهره انه (ره) ترك ما وقع من غير جهة الثقات من اصحابنا او ما وقع من جهة غير اصحابنا وان كانوا ثقاتا.

ثالثها الاكتفاء بالثقات المشهورين بالحديث والرواية وترك الرواية عن غير المشهورين بالرواية وعن الشذاذ. قلت وفى اختصاص الامرين الاخيرين بمشايخه ومن روى عنه بلا واسطة كما هو صريح غير واحد من أصحابنا أو ظاهرهم أأو عمومهما لجميع رجال اسانيده إلى المعصوم عليه السلام كما هو مختار بعضهم وجهان. ويبعد الثاني مضافا إلى التأمل في ظهور كلامه في نفسه بل منعه وجود جماعة من المصرحين بالضعف في اسانيد رواياته، والارسال، والرفع، والقطع، في احاديثه. مضافا إلى تعارف تخصيص الرواية عن الثقات بالمشايخ بلا واسطة لا حتى مع الواسطة فمن ذلك كله يستفاد ان المراد: الرواية عن المشايخ الثقات وعن كتب الثقات

١٠٨

والمشهورين من الرواة. وان كان في طرق هذه الروايات المجاهيل والمطعونين.

ودعوى ان وجود المصرح بالضعف في اسانيده يقتضى، عدم الاخذ بهذا التوثيق العام في قبال الدليل على الضعف لا عدم الاخذ به مطلقا حتى فيمن لم يصرح بالضعف، وهذا نظير العلم بخروج بعض افراد العام عن حكمه بدليل المخصص فلا تقتضى رفع اليد عن دليل العام في غير مورد المخصص.

مدفوعة بعمد صحة القياس بباب العالم والخاص على ما سيأتي بيانه. ويمكن تقريب الاول بامور اولها ان غرضه رحمه الله من هذا الالتزام هو صحة ما ذكره في هذا الكتاب. وهذه تقتضى وثاقة جميع رجال السند. لا خصوص مشايخه كما هو ظاهر. وليس في مقام بيان طريقته في الحديث فقط.

ثانيها قوله انا لا نحيط بجميع الخ. فان الاحاطة بجميع مارواه وحدثه مشايخه ليس أمرا عجيبا غير ممكن عادة حتى يوجب الاقتصار المذكور، بخلاف ما اذا اريد العموم فان الاحاطة بالجميع حينئذ متعذرة عادة هذا ان اريد الاحاطة خارجا واما اذا اريد الوقوف على الصحة والاطمئنان بالصدور فالامر اوضح فان ما كان خصوص شيخه من الثقات فلا يدخل فيما علم او اطمأن بصحته عادة بل انما يحيط او يعلم بصحته اذا كان جميع رجال اسانيده ثقاتا.

ثالثها قوله (ره) ما وقع لنا من جهة الثقات بدل ما سمعته من ثقات مشايخنا وامثال ذلك فان الاول يقتضى كون جميع الرجال ثقاتا حتى يصح اطلاق وقوعه عن المعصوم (ع) من طريق الثقات.

الخامس الشيخ الجليل علي بن ابراهيم بن هاشم القمي الذي وثقه

١٠٩

النجاشي بقوله: ثقة في الحديث، ثبت، معتمد صحيح المذهب الخ.

قال في ديباجة التفسير: ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم الخ.

قلت ودلالة كلامه ظاهرة إلا ان الشأن في الطريق إلى التفسير وفي ثبوت هذا الكلام ويأتي ان شاء الله في ترجمته. وقد اخرجنا رجال اسانيده ومشايخه في هذا الكتاب في محله.

السادس شيخنا الاجل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه الصدوق (ره) في كتاب المقنع وكذا والده قال في اوله: وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يمل قاريه اذا كان ما ابينه فيه موجودا بينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله تعالى قلت حكى العلامة المجلسي (ره) في اجازات البحار عن خط استاد الشهيد عميد الرؤساء هبة الله بن حامد اللغوي قال ذكر الشيخ ابوعلي ابن شيخنا الطوسي (قدهما) ان اول من ابتكر طرح الاسانيد وجمع بين النظائر وأتى بالخبر مع قرينه علي بن بابويه في رسالته إلى ابنه قال ورأيت جميع من تأخر عنه يحمد طريقه فيها ويعول عليه في المسائل لا يجد النص عليها لثقته وامانته وموضعه من الدين والعلم الخ.

السابع ابوجعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى قال (ره) في ديباجته: ولا اذكر فيه الا المسند من الاخبار عن المشايخ الكبار والثقات الاخيار الخ.قلت وقد اخرجنا رجال اسانيده في محله.

الثامن الشيخ الجليل محمد بن المشهدي في المزار الكبير قال في اوله: اما بعد فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات

١١٠

للمشاهد وما ورد في الترغيب إلى ان قال: مما اتصلت به ثقات الرواة إلى السادات عليهم السلام الخ.

قلت قد أخرجنا رجال اسانيده في محله، وتمام الكلام في مؤلفه وفي نفس الكتاب، وفي الطرق اليه في محله فلا نطيل في المقام.

التاسع السيد الورع ركن الاسلام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس في كتاب فلاح السائل قال في الديباجة: اعلم انني اروي فيما اذكر من هذا الكتاب روايات. وطريقي اليها من خواص اصحابنا الثقات. وربما يكون في بعضها بين بعض الثقات المشار اليهم وبين النبي صلى الله عليه وآله واحد الائمة عليهم السلام رجل مطعون عليه بطعن من طريق الآحاد، او يكون الطعن عليه برواية مطعون عليه من العباد، وبسبب محتمل لعذر للمطعون عليه يعرف ذلك السبب او يمكن تجويزه عند أهل الانتقاد، وربما يكون عذري الخ.

ثم ذكر كلاما في عذره وملخصه، يرجع إلى أحد عشر امرا وذكرها بطوله يوجب الخروج عن الغرض إلا انه لما فيها من الفوائد لا بأس بذكرها ملخصا حيث يفيد في جميع من روى عن الثقات وقد أخرجنا رجال اسانيد روايات فلاح السائل في محله. احدها كون مستند الطعن رواية قاصرة سندا لوجود مطعون فيه لو لعدم انتهاء الطعن إلى المعصوم عليه السلام كالاضمار ونحوه، أو لانتهاء الطعن إلى غير معصوم لم يعلم استناد طعنه إلى شهادة ثابتة أو حجة واضحة، او إلى سبب غير عادي من الغضب والنسيان والحقد والحسد الذي قل من سلم منه، وقد شاع ذلك الطعن فيظن السامع انه حق ولكن يكشف بطلانه لمن تثبت واستكشف او ربما يعترف الطاعن ببطلانه وهذا رأيناه في كثير من الاحوال.

١١١

الثاني كون الطعن في المذهب مع كون المطعون ثقة في حديثه، وامانته وهذا كما في كثير من ثقات الفطحية والزيدية والواقفية وغيرهم.

الثالث كون ما يوجب الطعن جائزا شرعا للمطعون وإن لم يجز لغيره فمن رآه على ذلك طعن ولم يعلم بجوازه له لتقية شديدة أو غير ذلك، ولو اظهر خلافه ايضا ربما لم يقبلوا منه.

الرابع اعتماد الثقات من أصحابنا على رواية المطعون وعدم استثنائها فيكونوا قد عرفوا صحة الرواية من وجوه ثم أشار (ره) اليها.

الخامس كون ما ذكر من السند الذي في بعض رجاله طعن تأييدا لما اذكره فيه من السند الصحيح الخالي من الطعن فالاعتماد على ذاك الطريق الغير المطعون فيه.

السادس كون الحديث الذي في بعض رجال سنده طعن موردا للاخبار الدالة على ان من بلغه ثواب على عمل فعمل به رجاء ذلك الثواب فله أجر ذلك.

قلت هذا ملخص ما أفاده (ره) في المقام في أحد عشر وجها بعضها مدخولة في بعض ومع ذلك فلا تخلو عن النقد والقدح بما لا يخفى عند التأمل وتحقيق ذلك في فوائدنا فلا نطيل. ثم ان هذا بعض من وقفنا على تعهده بالرواية عن الثقاة في الجملة من مشايخ الاجازة والحديث. وينبغي الاشارة إلى مشايخ الحديث ورواته فقط ممن روى عن الثقات وهم جماعة.

الاول جعفر بن بشير ابومحمد البجلي الوشاء فيأتي في ترجمته (رقم ٣٠١) قول الماتن (ره): من زهاد اصحابنا وعبادهم ونساكهم وكان ثقة إلى ان قال ابوالعباس بن نوح يقول: كان يلقب قفحة العلم

١١٢

روى عن الثقات ورووا عنه الخ.

قلت وقد اخرجت مشايخه ومن روى عنه ومن سمع من جعفر وروى عنه في فوائدنا وذلك بذكر الثقات والممدوحين منهم ومن لم يصرح بمدح ولا قدح أولا ثم بذكر من غمز أو طعن فيه وهم جماعة مع تحقيق كامل في احوالهم وفى سند الرواية إلى هؤلاء المطعونين.

الثاني محمد بن اسماعيل الزعفراني فيأتي في ترجمته (رقم ٩٤٥) قول الماتن (ره): ثقة عين روى عن الثقات وروى عنه ولقى اصحاب أبي عبدالله عليه السلام الخ.

الثالث محمد بن أبي عمير ابواحمد الازدي فيأتي في ترجمته (رقم ٨٩٧) قول الماتن (ره): فلهذا اصحابنا يسكنون إلى مراسيله وفي الشرح عن كش في تسميته الفقهاء من اصحاب أبي ابراهيم وابي الحسن الرضا عليهم السلام قال: اجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر ثم ذكرهم (ره) وعد منهم محمد بن ابي عمير. وعن الشيخ (ره) في العدة ص ٦٣ قال: فان كان المرسل ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولاجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ولذا عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم وذكر نحوه الشهيد (ره) في الذكرى كما تقدم. قلت وقد حققنا القول في ما يستفاد من هذا الكلام في فوائدنا

١١٣

وأشرنا إلى من روى عنه ابن ابي عمير من الثقات او الممدوحين وربما تجاوز المأتين، وإلى من لم يصرح بشئ ايضا كما ربما يقارب أو يتجاوز عددهم المأتين، وإلى من ورد فيه طعن او غمز من الاصحاب، وربما يقارب او يتجاوز عددهم العشرين مع الاشارة إلى روايته عن هؤلاء المطعونين والتأمل في إسنادها ثم التحقيق في احوال هؤلاء بما لا ينافي روايته عنهم مع التوثيق العام لمن روى عنه فلاحظ وتأمل.

الرابع احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي على ما تقدم في كلام الشيخ (ره).

الخامس صفوان بن يحيى على ما تقدم ويأتي عن الفهرست ما يشير إلى ذلك في ترجمته.قلت وقد اخرجت مشايخهما من الثقات والممدوحين ومن لم يصرح بشئ ومن ورد فيه طعن في فوائدنا مع اشارة إلى روايتهما عن المطعونين وتحقيق في اسنادها والجواب عن الاشكال المتوهم فلاحظ.

السادس علي بن الحسن الطاطري الكوفي فيأتي (رقم ٦٧٣) في ترجمته من هذا الشرح عن الشيخ (ره) في الفهرست ص ٩٢ (رقم ٣٨٠) قوله: وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلاجل ذلك ذكرناها الخ. وهناك في كلام الماتن (ره) ما يشير إلى ذلك وقد اخرجنا أسماء من روى عنه في فوائدنا مع تحقيق الكلام في ذلك.

السابع سعد بن عبدالله القمي في كتابه المنتخبات فيأتي في هذا الشرح من ترجمته عن الفهرست (رقم ٣٠٦) ص ٧٦ بعد توثيقه وتجليله وذكر كتبه والطرق اليها عن الصدوق وابن الوليد عليهما الرحمة قوله في آخر كلام ابن بابويه: وقد رويت عنه كلما في كتاب المنتخبات مما

١١٤

اعرف طريقه من الرجال الثقات الخ.وتمام الكلام في ذلك وفيمن روى عنه في هذا الكتاب في فوائدنا فلاحظ.

الثامن يظهر من الماتن (ره) في ترجمة محمد بن احمد بن يحيى الاشعري على ما يأتي انشاء الله (رقم ٥٩١) ان من روى عنه غير ما استثناه ابن الوليد والصدوق (ره) من جماعة يبلغ عددهم خمس وعشرين ثقات بل صرح في محمد بن عيسى مما استثناه انه على ظاهر العدالة والثقة فلاحظ وتأمل وتمام الكلام فيمن روى عنه وفيما استثنى في فوائدنا.

من يسكن إلى روايته

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات والاجتناب عن الرواية عن الضعاف سكون الاصحاب إلى رواية الرجل. فقد طعن أصحاب الحديث على بعض الرواة تارة بضعفه في الحديث وأخرى بضعف من روى عنه. وثالثة باكثار الرواية عن المجاهيل، او من لا يبالي بالحديث، وغير ذلك من وجوه الطعن، وحينئذ فالمطعون لا يكون عندهم مسكونا إلى روايته وحديثه فسكونهم إلى روايته إمارة خلوه عن الطعون، وكذا خلو احاديثه من المناكير، وقد مدح النجاشي رحمه الله جماعة بسكون الاصحاب إلى روايتهم. فمنهم

١ - محمد بن أبي عمير ففي ترجمته (رقم ٨٩٧ بعد مدحه قال: " فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله " ومن يروى عن الضعيف لا يسكن إلى مراسيله كما هو واضح.

١١٥

٢ - عبدالله بن الصلت ففي ترجمته (رقم ٥٦٩) قال: " ثقة مسكون إلى روايته.

٣ - رفاعة بن موسى الاسدي ففي ترجمته (رقم ٤٣٥) قال: " كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته لا تعرض بشئ من الغمز حسن الطريقة ".

٤ - واحمد بن عبدالله بن احمد بن جلين الدوري في ترجمته (رقم ٢٠١)،

٥ - احمد بن محمد بن جعفر الصولي في ترجمته (رقم ١٩٨) ولنا في ذلك كلام يأتي في الشرح.

٦ - محمد بن الحسين بن أبي الخطاب في ترجمته (رقم ٩٠٧).

٧ - لوط بن يحيى بن سعيد ابومخنف في ترجمته (رقم ٨٨٣).

٨ - محمد بن بكران بن عمران في ترجمته (رقم ١٠٦٣).

٩ - محمد بن الحسن بن الوليد في ترجمته (رقم ١٠٥٤).

قلت وقد حققنا القول في ذلك واستقصينا ذكر من رووا عنه وما يمكن ان يرد على ذلك في فوائدنا.

من لا يطعن عليه في شئ

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والاجتناب عن الرواية عن الضعاف، المدح بكون الرجل ممن لا يطعن عليه في شئ من مذهبه وطريقته ومشيخته وغير ذلك من وجوه الطعن فاذا روى مثله عمن لم يصرح بضعف يستكشف وثاقته عنده. وإلا فروايته عن الضعيف من اوضح ما يوجب الطعن عليه، وفي الرواة من يعرف

١١٦

بذلك ومدحهم النجاشي به، وهؤلاء جماعة مثل

١ - عبدالله بن سنان فيأتي في ترجمته (رقم ٥٦٥) كوفى ثقة ثقة من اصحابنا جليل لا يطعن عليه في شئ إلى أن ذكر كتبه ثم قال: روى هذه الكتب عنه جماعات من اصحابنا لعظمته في الطائفة وثقته وجلالته الخ.

٢ - عبيد بن زرارة فيأتي في ترجمته (رقم ٦٢٣) ثقة عين لا لبس فيه ولا شك الخ.

٣ - محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي وأهل بيته فيأتي في ترجمته (رقم ٨٩٣) بعد ذكرهم وانهم اهل بيت فضل وأدب قال: وهم ثقات لا يطعن عليهم بشئ ".

٤ - احمد بن محمد بن احمد الجرجاني (رقم ٢٠٤) كان ثقة في حديثه ورعا لا يطعن عليه الخ.

٥ - علي بن مهزيار فيأتي في ترجمته (رقم ٦٧٥) بعد مدحه قوله: كان ثقة في روايته لا يطعن عليه صحيحا اعتقاده الخ.

٦ - علي بن سليمان الزراري (رقم ٦٨٧) قال: كان ورعا ثقة فقيها لا يطعن عليه في شئ.

٧ - يعقوب بن اسحق السكيت فيأتي في (رقم ١٢٣٠) بعد مدح كثير له قوله: كان مقدما إلى قوله: ثقة مصدقا لا يطعن عليه.

٨ - محمد بن علي الحلبي واخوته فيأتي (رقم ٨٩٥) وجه اصحابنا وفقيههم والثقة الذي لا يطعن عليه هو، واخوته عبيدالله، وعمران وعبدالاعلى الخ.

٩ - رفاعة بن موسى النخاس فيأتي في ترجمته (رقم ٤٣٥) كان ثقة في حديثه مسكونا إلى روايته لا تعرض بشئ من الغمز

١١٧

حسن الطريقة.

١٠ - هاروون بن موسى التلعكبري فيأتي في ترجمته (رقم ١١٩٥) كان وجها في اصحابنا معتمدا لا يطعن عليه الخ.

قلت وقد اخرجنا مشايخ هؤلاء ومن رووا عنه من الثقات والممدوحين والمجاهيل والمطعونين مع تحقيق القول في روايتهم عنهم في فوائدنا واوضحنا الجواب عما يرد عليه في المقام.

من يعتمد على جميع رواياته

لا يعتمد على جمعى روايات احد الا اذا كانت خالية من الغلو والتخليط والمناكير وكانت مما رواها عن الثقات ولم يعتمد على الضعاف ومن لا يبالي بالحديث فروايته عن أحد تشير إلى وثاقته وخلوه عما يوجب الطعن وقد أشار النجاشي إلى ذلك في جماعة.منهم احمد بن الحسن بن اسماعيل الميثمي الآتي ترجمته (رقم ١٧٥) قال ثقة في الحديث صحيح الحديث معتمد عليه.وثابت بن دينار ابي حمزة الثمالي الآتي في ترجمته (رقم ٢٩٤): وكان من خيار اصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث.وعلي بن ابراهيم بن هاشم الاتي في ترجمته (رقم ٦٨٦) قوله: ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب.وعلي بن الحسن بن رباط البجلي الآتي في ترجمته (رقم ٦٦٥) قوله: ثقة معول عليه.وعلي بن محمد بن علي بن عمر القلا فيأتي في ترجمته (رقم ٦٨٥) قوله: كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية

١١٨

معتمد على ما يرويه.وعبدالرحمن بن ابي نجران الآتي في ترجمته (رقم ٦٢٧) قوله: ثقة ثقة معتمد على ما يرويه.وغير هؤلاء ممن احصينا ذكرهم والتحقيق في ذلك وما يمكن ان يرد عليه في فوائدنا.

من روى عن الاجلة أو روى عنهم قد يقال: ان من امارات الوثاقة رواية من عرف بانه روى عن الاجلة، أو روى عنه الاجلة، فان رواية أجلة الرواة واثباتهم وثقاتهم عن رجل يكشف عن خلوه عن طعن يعرف كما ان روايته عن الاجلة إنما تكون مدحا اذا كان عامة مشايخه في الحديث كذلك دون بعضهم وإلا فلعله لا يوجد ضعيف لا يروى عن ثقة. ثم ان ذلك لا يخلو عن اشكال والتحقيق في ذلك وفيمن صرح فيه الاصحاب بذلك في فوائدنا.

المأمون في الحديث

ومما يمكن ان يكون امارة الوثاقة او قيل بها رواية من عرف بانه مأمون في الحديث عن رجل لا يعرف حاله، بدعوى ان من لا يبالي بالحديث ويروى عمن سمع منه من مجهول او ضعيف او وضاع لا يكون مأمونا في الحديث وفي ذلك اشكال وتمام الكلام فيه وفيمن عرف بذلك في فوائدنا.

١١٩

من كان ثقة في الحديث

ومما يشير إلى الرواية عن الثقات، والتحرز فيها عن الضعاف المدح بالوثاقة في الحديث.

وقد مدح أئمة الرجال جماعة بقولهم: ثقة في الحديث - كما مدح النجاشي بذلك جماعة يقارب عددهم الاربعين بل يمكن القول بان قولهم: ثقة بلا تقييد بالحديث او غمز من وجه، ظاهر باطلاقه في الوثاقة في الحديث ايضا، إذ لا يكون ثقة بنحو الاطلاق الا إذا اجتنب عن رواية الضعاف.

بيان ذلك ان الثبت والقوة والاحكام وعدم الزوال والاضطراب كما هي الوثاقة او من لوازمها لا يتحقق في الموثوق به. الا مع سلامته عن الجنون، ونحوه من موانع الالتزام والثبات، ومع معرفة الحق والالتزام به وبالجري عليه في مقام العمل. ثم ان الوثوق والثقات في أمر من شئون الموثوق به لا يلازمه في جميع اموره كما هو واضح. فقد يكون الرجل ثقة غير مضطرب في مذهبه، ولا يكون ثقة في الجري على مذهبه باتيان ما أوجبه عليه او ترك ما حرمه عليه كالفاسق فلا يعتمد ولا يؤتمن عليه في قوله فانه لا يتحرز من الكذب إلا اذا التزم في نفسه بترك القبيح ولذا قد يكون في الفاسق والكافر من لا يكذب ويجتنب عنه. كما ان المتحرز بنفسه عن الكذب قد يكون متحرزا عن حكايته عن غيره او متحرزا عن الحكاية عن الكذاب والضعيف ومن لا يبالي بالحديث مطلقا وان كان صدقا ايضا، وقد لا يكون كذلك فلا يبالي بالحديث عمن سمع منه وان كان في نفسه صدوقا لا يكذب وغير ذلك من وجوه الوثوق بالرجل

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409