تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ٢

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي13%

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 453

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 453 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 258418 / تحميل: 8127
الحجم الحجم الحجم
تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال

الشيخ أبي العباس احمد النجاشي

المجلد الثاني

السيد محمّد الأبطحي

١

هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال

للشيخ الجليل ابى العباس احمد بن على بن احمد بن العباس النجاشى

المجلد الثاني

المولود سنة ٣٢

تأليف السيد محمد على الموحد الابطحى الاصفهاني

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنااغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا

ربنا انك رؤوف رحيم

٤

٤ - باب الحسن والحسين -٧١ - الحسن بن علي بن فضال كوفي(١)

يكنى أبا محمد(٢) بن عمرو بن أيمن مولى تيم الله(٣) .

____________________

(١) كما صرح به الكشي، البرقي، والشيخ، وغيرهم.

(٢) وكناه بذلك إبن الجهم كما يأتي في رواية الكشي، ولكن كناه إبن النديم بأبي علي.

(٣) يأتي في ترجمتي ابنيه: علي، واحمد قوله: عمر بن أيمن مولى عكرمة بن ربعي الفياض.

وعده ابن النديم في الفهرست ص ٣٢٦ من علماء الشيعة ومحدثيهم وفقهائهم وقال: أبوعلي - الحسن بن علي بن فضال التيملي ابن ربيعة ابن بكر مولى تيم الله بن ثعلبة - وكان من خاصة أصحاب أبي الحسن الرضاعليه‌السلام الخ. وعده البرقي في أصحاب ابي الحسن الرضاعليه‌السلام ومن نشأ في عصره (ص ٥٤) وقال: الحسن بن علي بن فضال الحسن بن علي مولى بني تيم الله بن ثعلبة الربعي كوفي.

وقال الشيخ في اصحاب الرضاعليه‌السلام من رجاله (ص ٣٧١) ٢ /: الحسن بن علي بن فضال مولى لتيم الرباب كوفي، ثقة، وايضا / ٣: الحسن بن علي الربعي مولى تيم الله بن تغلبة كوفي. قلت: ظاهر كلام البرقي والشيخ التعدد إلا ان كلام الشيخ في الفهرست يدل على الاتحاد.

قال بعد ذكره (ص ٤٨): وهو ابن التيملي بن ربيعة بن بكر مولى تيم الله بن تغلبة، روى عن الرضاعليه‌السلام ، وكان خصيصا به، كان جليل القدر، عظيم المنزلة، زاهدا ورعا، ثقة في الحديث وفي رواياته الخ.

٥

لم يذكره أبوعمرو الكشي في رجال أبي الحسن الاولعليه‌السلام (١)

____________________

(١) بل ظاهر البرقي أيضا أنه لم يدركه حيث ذكره في أصحاب الرضاعليه‌السلام ومن نشأ في عصره كما تقدم. ذكره الكشي في أصحاب الرضاعليه‌السلام مرتين (ص ٣١٩) و (ص ٣٤٩) كما يأتي. وذكره في أصحاب الكاظمعليه‌السلام مرتين: فقد ذكره مع جماعة من الفطحية من فقهاء أصحابنا وأجلة الفقهاء العلماء في ترجمة إبن بكير (ص ٢٢١)، وأيضا في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضاعليهما‌السلام (ص ٣٤٤) قائلا: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم، وأقروا لهم بالفقه، والعلم وهم ستة نفر (ثم عدهم وقال): وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضال: ويأتي في الحسن بن محبوب عن الكشي (ص ٣٦١) عن نصر بن الصباح: إن إبن محبوب لم يكن يروى عن ابن فضال بل هو أقدم وأمتن.

وقد روى عن جماعة كثيرة من أجلاء أصحاب الصادقعليه‌السلام وأكابرهم منهم: عبدالله بن ميمون من أصحاب الباقر والصادقعليهما‌السلام ، كما في التهذيب ج ٢ ص ١٩٥، وعبدالله بن سنان، وإسحاق بن عمار، وأبان بن عثمان، وإبراهيم بن عيسى أبي أيوب، وثعلبة بن ميمون، وحماد النوا، وبشير بن سلمة، وداود الرقي.

٦

قال أبوعمرو(١) قال الفضل بن شاذان: كنت في قطيعة الربيع في مسجد الربيع أقرأ على مقرئ يقال له: إسماعيل بن عباد(٢) فرأيت قوما يتناجون فقال أحدهم: بالجبل رجل يقال له: إبن فضال أعبد من رأينا أو سمعنا به قال: فانه ليخرج إلى الصحراء فيسجد السجدة فيجئ الطير فيقع عليه فما يظن إلا أنه ثوب أو خرقة، وإن الوحش لترعى حوله فما تنفر منه لما قد آنست به، وإن عسكر الصعاليك ليجيؤن يريدون الغارة أو قتال قوم. فاذا رأوا شخصه طاروا في الدنيا فذهبوا.

قال أبومحمد (في حاشية نسخة) (هو الفضل بن شاذان): فظننت ان هذا رجل كان في الزمن الاول، فبينا أنا بعد ذلك بيسير قاعد في قطيعة الربيع مع أبيرحمه‌الله : إذا جاء شيخ حلو الوجه، حسن الشمائل، عليه قميص نرسي، ورداء نرسى، وفي رجله نعل مخضر، فسلم على أبي، فقام إليه، فرحب به، وبجله، فلما أن مضى يريد إبن أبي عمير قلت: من هذا الشيخ؟ فقال: هذا الحسن بن علي بن فضال: قلت: هذا ذلك العابد الفاضل؟ هو ذاك.قلت: ليس هو ذاك، ذاك بالجبل قال: هو ذاك كأن بالجبل قال: ما أغفل

____________________

(١) ذكره الكشى (ص ٣١٩) مع اختلاف يسير جدا. هكذا في حاشية نسخة (ن).

(٢) لا يبعد كونه اسماعيل بن عباد القصري من قصر بني هبيرة المذكور في اصحاب الرضاعليه‌السلام من رجال الشيخ(٣٦٨) ورجال البرقي(٥٤) وفي الكشي ترجمة علي بن يقطين (ص ٢٧٣). (*)

٧

(أقل - كش) عقلك من غلام، فأخبرته بما سمعت من القوم فيه.

قال: هو ذاك، فكان بعذ ذلك يختلف إلى أبي، ثم خرجت إليه بعد إلى الكوفة، فسمعت منه كتاب إبن بكير وغيره من الاحاديث، وكان يحمل كتابه ويجئ إلى الحجرة (حجرتي - كش) فيقرئه علي فلما حج ختن طاهر بن الحسين، وعظمه الناس لقدره، وماله، ومكانه من السلطان، وقد كان وصف له، فلم يصر إليه الحسن، فأرسل إليه: احب أن تصير إلي، فانه لايمكنني المصير إليك، فأبى وكلمه أصحابنا في ذلك، فقال: مالي ولطاهر ! ! لاأقربهم ليس بيني وبينهم عمل، فعلمت بعد هذا أن مجيئه إلي (إلى أبي خ) كان لدينه(١) .

وكان مصلاه بالكوفة في الجامع عند الاسطوانة التي يقال لها السابعة(٢) ، ويقال لها أستطوانة إبراهيمعليه‌السلام (٣) ، وكان يجتمع هو، وأبومحمد الحجال، وعلي بن أسباط، وكان الحجال يدعى الكلام، فكان من أجدل الناس، فكان إبن فضال يعزي بيني وبينه في الكلام في المعرفة، وكان يحبني حبا شديدا (يجيبني جوابا

____________________

(١) وفي الكشي: فعلمت بعدها أن مجيئه إلي وإني حدث، غلام، وهو شيخ لم يكن إلا لجودة النية الخ.

وفي الكشي: حج سد وشب ختن طاهر.

(٢) وفي الكافي ج ١ / ١٩٣ والتهذيب ج ٦ / ٣٣ في الصحيح عن إبن بزيع عن أبي اسماعيل السراج قال: قال لي معاوية بن وهب وأخذ بيدي قال: قال لي ابوحمزة، وأخذ بيدي قال: قال لي الاصبغ بن نباته وأخذ بيدي، فأراني الاسطوانة السابعة فقال: هذا مقام أمير المؤمنينعليه‌السلام الحديث.

(٣) كما في التهذيب ج ٦ / ٣٣ عن ابي عبداللهعليه‌السلام . (*)

٨

شديدا - خ)(١) وكان الحسن عمره كله فطحيا مشهورا بذلك حتى حضره الموت، فمات وقد قال بالحقرضي‌الله‌عنه .أخبرنا محمد بن محمد قال حدثنا ابوالحسن بن داود قال حدثنا أبي بن محمد بن جعفر المؤدب عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن الريات(٢) قال: كنا في جنازة الحسن فالتفت محمد بن عبدالله بن زرارة (بن اعين - خ - ن) فقلنا له: وما ذاك؟ فقال: حضرت الحسن ابن علي قبل وفاته وهو في تلك الغمرات، وعنده محمد بن الحسن

____________________

(١) إلى هنا انتهى ما ذكره الكشي في (ص ٣١٩).

(٢) قال الكشي في الموضع الثاني (ص ٣٤٩): حدثني محمد بن قولويه قال حدثنا سعد بن عبدالله القمي عن علي بن ريان عن محمد ابن عبدالله بن زرارة بن أعين قال: كنا في جنازة الحسن بن علي بن فضال، فالتفت إلى وإلى محمد بن الهيثم التميمي فقال لنا: ألا أبشر كما؟ فقلنا له: وما ذاك؟ قال: حضرت الحسن بن علي بن فضال قبل وفاته وهو في تلك الغمرات، وعنده محمد بن الحسن بن الجهم، فسمعته يقول: يا أبا محمد لتشهد، فتشهد الله، فسكت عنه، فقال الثانية: تشهد، فتشهد، فصار إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، فقال له محمد بن الحسن: فأين عبدالله؟ فقال له الحسن بن علي: قد نظرنا في الكتب فلم نجد الله شيئا. قلت: طريق الكشي إلى محمد بن عبدالله بن زرارة صحيح.

واما طريق النجاشي ففيه إشكال، بمحمد بن جعفر بن أحمد بن بطة المؤدب، ذكره في ترجمته. (*)

٩

ابن الجهم قال: فسمعته يقول له: يا أبا محمد تشهد، فقال: فتشهد الحسن فعبر عبدالله، وصار إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، فقال له محمد بن الحسن(١) : وأين عبدالله؟ فسكت، ثم عاد، فقال له: تشهد، فتشهد، وصار إلى أبي الحسنعليه‌السلام ، فقال له: وأين عبدالله؟ يردد ذلك (عليه - خ ن) ثلاث مرات، فقال الحسن: قد نظرنا في الكتب فما رأينا لعبد الله شيئا.

قال أبوعمرو الكشي: كان الحسن بن علي فطحيا يقول بامامة عبدالله بن جعفر فرجع(٢) .

قال ابن داود(٣) في تمام الحديث: فدخل علي بن أسباط، فأخبره محمد بن الحسن بن الجهم الخبر قال: فأقبل علي بن أسباط يلومه(٤) قال: فأخبرت أحمد بن الحسن بن علي بن فضال بقول محمد

____________________

(١) الظاهر أنه إبن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبومحمد الشيباني من مشايخ إبن فضال.

ولم أقف على ذكر لمحمد هذا في غير هذا الحديث وهو بظاهره يوهم كونه فطحيا، ولعله الحديث الذي ذكره أبوغالب الزراريرحمه‌الله شيخ علماء عصره وبقية آل اعين في كلامه في آل أعين قال: وكان للحسن بن الجهم جدنا سليمان ومحمد والحسين ولم يبق لمحمد والحسين ولد وقد روى محمد بن الحسن بن الجهم الحديث الخ.

(٢) ذكره الكشي بعد الحديث (ص ٣٤٩) ولكن قال: قبل أبي الحسنعليه‌السلام فرجع فيما حكي عنه في هذا الحديث انشاء الله تعالى.

(٣) هذه الزيادة في طريق النجاشي فقط.

(٤) لوم علي بن أسباط الثقة محمد بن الحسن بخبره وكذا إتهام أحمد بن الحسن الثقة محمدبن عبدالله بالتحريف نشأ من عصبهما على الفطحية، ومن كون إبن فضال مشهورا بذلك إلى قبيل وفاته، فاستنكروا رجوعه في هذا الوقت، وإلا فصدور ذلك منهما بعيد عنهما ! كيف ولم يحضراه عند وفاته وقد يرى الشاهد مالا يراه الغائب والتعصب على الباطل ربما يورث أمثاله. عصمنا الله من الزلل. وكان أحمد بن الحسن وصي محمد بن عبدالله بن زرارة كما يأتي في هذا الشرح من ترجمته.

(*)

١٠

ابن عبدالله، فقال: حرف محمد بن عبدالله على أبي.

قال(١) : وكان والله محمد بن عبدالله أصدق عندي لهجة من

____________________

(١) القائل: أبوالحسن محمد بن أحمد داود: شيخ هذه الطائفة، وعالمها، وشيخ القميين في وقته، وفقيههم الذي ذكر الحسين ابن عبيد الله: أنه لم ير أحدا أحفظ منه ولا أفقه، ولا أعرف بالحديث كما يأتي في ترجمته إن شاء الله.قلت: وهذا الكلام واضح الدلالة على وثاقة محمد بن عبدالله وعليه إعتمد المتأخرون في توثيقه.

ومحمد بن عبدالله بن زرارة هو أخو إبراهيم بن عبدالحميد الاسدي لامه كما تقدم في ترجمته ج ١ ص ٢٩٦ / ٢٦.وروى الشيخ في التهذيب ج ٩ ص ١٩٥ وفي الاستبصار ج ٤ ص ١٢٣ باسناده عن علي بن الحسن بن فضال قال: ومات محمد بن عبدالله بن زرارة فأوصى إلى أخي أحمد وخلف دارا، وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلى ابي الحسنعليه‌السلام ، فباعها فاعترض فيها إبن اخت له، وإبن عم له، فاصلحنا أمره بثلاثة دنانير، وكتب إليهعليه‌السلام أحمد بن الحسن، ودفع الشئ بحضرتي إلى أيوب بن نوح، وأخبره: أنه جميع ما خلف، وابن عم له وإبن إخته عرض (اعترض - ظ) فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير فكتبعليه‌السلام : قد وصل ذلك، وترحم على الميت، وقرأت الجواب. روى عنه أجلاء الطائفة مثل الحسن بن محبوب من أصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام ومن أصحاب الاجماع كما في الكشي ترجمة زرارة (ص ٩١) خبر ١٤، وعلي بن الحسن بن فضال، ومحمدبن الفضيل، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع، وعلي بن اسباط، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومحمد بن علي بن محبوب.

وروى عن أصحاب الباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام مثل عبدالله ميمون القداح وعبدالله بن بكير، والبزنطي وغيرهم. (*)

١١

أحمد بن الحسن(١) فانه رجل فاضل، دين. وذكره أبوعمرو(٢) في أصحاب الرضاعليه‌السلام خاصة. قال: الحسن بن علي بن فضال مولى بني تيم الله بن تغلبة كوفي.(٣)

____________________

(١) يأتي ترجمته في باب أحمد.

(٢) وتقدم أن البرقي، والشيخ في كتابيه، وإبن النديم أيضا عدوه من أصحابهعليه‌السلام بل صرح الاخير بأنه من خاصة أصحابهعليه‌السلام . وروى جماعة من الاجلة والثقات عنه عن الرضاعليه‌السلام مثل أحمد بن محمد بن عيسى، والحسين بن سعيد، وأبي جعفر، وعلي بن أسباط، ومحمد بن عبدالحميد، ومعاوية بن حكيم، وعلي بن الحسن إبنه، والبرقي وغيرهم ممن ذكرناهم في طبقات أصحابهعليه‌السلام .

(٣) قد عرفت أنه ذكره في أصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام مرتين.وأما ذكره إياه في أصحاب الرضاعليه‌السلام (ص ٣١٩) و ٣٤٩ فلا يدل على كونه من أصحابه خاصة. (*)

١٢

وله كتب(١) : الزيارات، البشارات، النوادر، الرد على الغالبة، الشواهد من كتاب الله، المتعة، الناسخ والمنسوخ، الملاحم الصلاة، كتاب يرويه القمييون خاصة عن إبنه علي عن الرضاعليه‌السلام فيه نظر(٢) .

أخبرنا أبوعبدالله بن شاذان قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه قال حدثنا عبدالله بن محمد بن بنان(٣) عن الحسن بكتابه الزهد(٤) .

____________________

(١) قال إبن النديم (ص ٣٢٤): وله من الكتب: كتاب التفسير، كتاب الابتداء والمتداء، كتاب الطب.

وقال الشيخ في الفهرست(٤٨): له كتب: منها، كتاب الصلاة، كتاب الديات.وزاد إبن النديم: كتاب التفسير، كتاب الابتداء والمبتداء كتاب الطب، ذكر محمد بن الحسن بن الوليد، كتاب البشارات، كتاب الرد على الغالية الخ.

(٢) يأتي وجه النظر فيه مفصلا في ترجمته مع تحقيق في ذلك.

(٣) هكذا في النسخة المطبوعة ولكن في النسختين المصححتين المعول عليهما (بيان) بالياء التحتانية.

والصحيح ما ذكرناه، فلم اجد ذكرا الا لعبد الله بن محمد بن عيسى الملقب ببنان أخي أحمد بن محمد ابن عيسى الذي يروي عنه محمد بن يحيى. وعلى هذا ففي النسخة سقط وهو (عيسى الملقب به) فلا حظ.

(٤) في طريقه عبدالله بن محمد بن بنان على الظاهر كما تقدم ولم يصرح بتوثيق إلا أنه روى عنه الاجلة وأعاظم الحديث ولم يستثنن روايات محمد بن أحمد بن يحيى عنه، وكذا أحمد بن محمد بن يحيى فلم يصرح بتوثيق وإن استفيد من وجوه لاتخلو عن النظر ما حققناه في محله. (*)

١٣

وأخبرنا ابن شاذان عن علي بن حاتم عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عنه بكتابه المتعة، وكتاب الرجال(١) . مات الحسن سنة أربع وعشرين ومأتين(٢) .

____________________

(١) صحيح بناء‌ا على أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات. ويأتي في معمر بن يحيى طريق آخر للماتن إلى الحسن بن علي ابن فضال. وفي الفهرست: أخبرنا بكتبه ورواياته عدة من أصحابنا عن محمد ابن علي بن الحسين، عن محمد بن الحسن عن أبيه عن سعد بن عبدالله والحميري عن أحمد بن محمد، ومحمد بن الحسين عن الحسن بن علي ابن فضال. وأخبرنا ابن أبي عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن محمد بن عبدالجبار عن الحسن بن علي بن فضال. قلت: الطريق الاول صحيح بلا إشكال والثاني صحيح بناء‌ا على كون ابن أبي جيد من مشايخ النجاشي ثقة. وهذا الطريق عام لجميع كتبه ورواياته حتى روايته كتب غيره. وتقدم الكلام في الطريق العامة في ج ١ (ص ٨٣). وروى الصدوق في المشيخة رقم ٢٥٧: عن أبيه عن سعد عن احمد بن محمد بن عيسى عنه. قلت: الطريق صحيح بلا إشكال.

(٢) ونحوه في فهرست الشيخ، ولسان الميزان ج ٢ (ص ٢٢٥) قلت: وكان ذلك بعد وفاة أبي جعفر الجوادعليه‌السلام سنة(٢٢٠) بأربع سنين ولم أحضر له رواية ولا صحبته لهعليه‌السلام . ثم ان ما ذكره الماتن في وفات إبن فضال ينافيه ما يأتي منه في أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي حيث قال: ومات احمد بن محمد سنة إحدى وعشرين ومأتين بعد وفات الحسن بن علي بن فضال بثمانية أشهر.

(*)

١٤

٧٢ - الحسن بن علي بن أبي حمزة

وإسمه: سالم البطائني قال أبوعمرو الكشي فيما أخبرنا به محمد بن محمد عن جعفر بن محمد عنه(١) قال: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، فطعن عليه(٢) .

____________________

(١) قلت: هذا أحد طرق الماتن إلى أبي عمرو الكشي فلا حظ. ما يأتي في ترجمته. وذكر البرقي أن إسم أبي حمزة: سالم في أبيه علي (ص ٢٥).

(٢) ذكره الكشي في أصحاب الرضاعليه‌السلام (ص ٣٤٢) وقال بدل (فطعن عليه): فقال كذاب، ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثا واحدا. وحكى لي أبوالحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه انه قال: الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء قلت: ذكر الكشي أيضا حديث إبن فضال في علي بن أبي حمزة البطائني (ص ٢٥٥) قال: قال ابن مسعود: سمعت علي بن الحسن يقول: إبن أبي حمزة كذاب، ملعون، قد رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت الخ، فزعم جماعة وقوع التصحيف في أحد الموضعين وإستظهر بعضهم: كون الحديث في أبيه، وان التصحيف وقع في المقام. قلت: لكن هذا فرع إتحاد الواقعة، وهو غير معلوم ولعله سمع من الاب والابن معا، وروى عنهما الاحاديث، وكتب عنهما التفسير، أو كان الاحاديث والتفسير كلها عن الاب، ولكن بسماعها من الابن وعن طريقه. ويؤيده عدم ذكر النجاشي للابن كتاب التفسير وذكره للاب. والطعن في الاب بأنه كذاب ملعون لاينافي توجه الطعن إلى الابن أيضا بروايته عن أحاديثه وتفسيره. ثم انه على كل حال فلا إشكال في ورود القدح في كل منهما بأنه كذاب: أما الاب فلما تقدم وأيضا ما ذكره الكشي قبله قال: قال إبن مسعود قال ابوالحسن علي بن الحسن بن فضال: علي بن أبي حمزة كذاب متهم الخ. وأما الابن: فان صح ما ذكرنا في وجه عدم الالتزام بالتصحيف فهو، وإلا فلما ذكره الكشي. قال: في ترجمة شعيب العقر توفي(٢٧٧) وجدت بخط جبرئيل ابن أحمد عن محمد بن عبدالله بن مهران عن محمد بن علي بن الحسن ابن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال: اخبرني شعيب الحديث. ثم قال: قال أبوعمرو: ومحمد بن عبدالله غال، والحسن بن علي بن حمزة كذاب الخ. قلت: إن في سند الحديث: محمد بن علي الصيرفى الذي روى فيه(٣٣٨): انه من الكذابين المشهورين، وأيضا علي بن أبي حمزة البطائني الذي روى فيه أنه كذاب. وعن ابن الغضائري: انه قال: الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني مولى الانصار أبومحمد واقف ابن واقف ضعيف في نفسه، وأبوه أوثق منه وقال علي بن الحسن بن فضال: إني لاستحيى من الله أن أروي عن الحسن بن علي. وحديث الرضاعليه‌السلام فيه مشهور.

١٥

وكان أبوه قائد أبي بصير يحيى بن القاسم(١) .هو الحسن بن علي بن أبي حمزة مولى الانصار كوفي(٢) ، ورأيت شيوخنارحمهم‌الله يذكرون: انه كان من وجوه الواقفة(٣) .

____________________

(١) كما ذكره الماتن في ترجمة أبيه والشيخ في أصحاب الكاظمعليه‌السلام من رجاله (ص ٣٥٣) والبرقي في أصحاب الصادقعليه‌السلام (ص ٢٥). ثم ان الموجود في النسخ: يحيى بن القاسم.ولكن في المجمع استظهر سقط كلمة (أبي) بعد (إبن) وقال: هذا لابد منه في نسب هذا الرجل الخ.قلت: يأتي تحقيق ذلك في محله ان شاء الله.

(٢) تقدم عن ابن الغضائري زيادة: البطائني مولى الانصار، أبومحمد. ويأتي في ترجمة أبيه وذكره الشيخ أيضا في ترجمة أبيه في أصحاب الصادق والكاطمعليهما‌السلام . وقال البرقي في أصحاب الصادقعليه‌السلام (ص ٢٥) مولى الانصار كوفي. ولكن في أصحاب الكاظمعليه‌السلام (ص٤٨): البطائني الانصاري البغدادي(٣) وربما يشير إلى ذلك بعض كتبه. وروى عنه جماعة ممن اتهم بالغلو والارتفاع مثل محمد بن أورمة، والحسين بن يزيد النوفلي، وأبي عبدالله الجاموراني الرازي.

نعم روى عنه من الاجلة محمد بن أبي الصهبان وغيره ومن أصحاب الاجماع البزنطي كما في التهذيب ج ٨ / ٢٦٢. (*)

١٦

له كتب -: منها كتاب الفتن وهو كتاب الملاحم، اخبرنا أبوعبدالله إبن شاذان عن علي بن أبي(١) حاتم قال حدثنا محمد بن أحمد بن ثابت قال حدثنا علي بن الحسين بن العمرو الخزاز عن الحسن به(٢) . وله كتاب فضائل القرآن، أخبرناه أحمد بن محمد بن هارون عن أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب بن حمزة إبن زياد الجعفي القصباني يعرف بابن الجلا (بعرزم - خ) قال حدثنا إسماعيل بن محمد بن أبي نصر عن الحسن به(٣) . وكتاب القائم الصغير، وكتاب الدلائل، وكتاب المتعة، وكتاب الغيبة، وكتاب الصلوة، وكتاب الرجعة، وكتاب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكتاب الفرائض(٤) .

____________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر زيادة كلمة (أبي) ويتضح بملاحظة الطبقة.

(٢) ضعيف بابني الخزاز وثابت المهملين في الرجال.

(٣) صحيح إن تم كون أحمد بن هارون وجميع مشايخ النجاشي ثقات، وأيضا ان محمد بن إسماعيل الزعفراني روى عن الثقات وروى الثقات عنه كما ذكره الماتن في ترجمته والا فابن الجعفي لم يصرح بتوثيق ولكن روى عن محمد بن إسماعيل الزعفراني كما يأتي في ترجمة زياد بن مروان القندي.روى عنه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة كثيرا كما في رجال النجاشي وغيره، وتقدم ذكره في أبان بن تغلب ج ١ (ص ٢١٤).

(٤) وفي فهرست الشيخ / ٥٠ / ١٦٧: الحسن بن علي بن أبي حمزة له كتاب، اخبرنا به أحمد بن عبدون عن الانباري عن حميد عن أحمد بن ميثم عن الحسن بن علي بن أبي حمزة. وفي (ص ٥١ / ١٧٤: الحسن بن علي بن أبي حمزة، له كتاب الدلائل، وكتاب فضائل القرآن، رويناهما بالاسناد الاول عن أحمد إبن ميثم بن أبي نعيم الفضل بن دكين عنه. وأخبرنا إبن أبي جيد عن إبن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أبي الصهبان عنه. قلت: الظاهر التكرار من الشيخرحمه‌الله لا تعدد الحسن بن علي بن أبي حمزة وهو غير عزيز من أمثاله.والاول والثاني من طرقه موثقان بحميد الواقفي الثقة على كلام في إبن عبدون شيخ النجاشي، والثالث صحيح بناء‌ا على وثاقة إبن أبي جيد وساير مشايخ النجاشي. وروى الصدوق في المشيخة رقم / ٣٧٧ عن محمد بن علي ما جيلويه (رض) عن عمه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الصيرفي عن إسماعيل بن مهران عن الحسن بن علي بن أبي حمزة. قلت: طريقه ضعيف بالصيرفي الضعيف.

(*)

١٧

٧٣ - الحسن بن أبي قتادة علي بن محمد بن عبيد بن حفص بن حميد

مولى السائب بن مالك الاشعري(١) قتل حميد يوم المختار معه(٢) .ويكنى الحسن أبا محمد، وكان

____________________

(١) يأتي ترجمة أبيه، وابن أخيه محمد بن احمد أبي قتادة وفي الموضعين: محمد بن حفص بن عبيد.

فتقدم عبيد في المقام لعله من سبق قلمه الشريف. ثم إن الحسن، وأحمد بن محمد بن عيسى من بيت جليل من الاشعريين بقم. وسيأتي الاشارة إلى نسبه في ترجمة أحمد.

(٢) كما يأتي في محمد بن احمد بن أبي قتادة. (*)

١٨

شاعرا أديبا(١) . وروى أبوقتادة عن أبي عبدالله(٢) وأبي الحسنعليهما‌السلام .

له كتاب نوادر، أخبرنا به الحسين بن عبيد الله، ومحمد، ومحمد عن الحسن بن حمزة عن محمد بن جعفر بن بطة عن احمد بن أبي عبدالله عنه به(٣) . قال احمد بن الحسين: انه وقع إليه أشعار عمرو بن معدي كرب واخبار صنعته.

٧٤ - الحسن بن محمد بن سهل النوفلي

ضعيف(٤) لكن له كتاب حسن، كثير الفوائد، جمعه وقال:

____________________

(١) ويأتي في أبيه علي بن محمد أبي قتادة القمي: وكان ثقة، وإبنه أبوالحسن بن أبي قتادة الشاعر وأحمد بن أبي قتادة أعقب. قلت: ظاهر العطف إشتراكه مع أبيه في الوثاقة. وكون الواو لغير العطف خلاف ظاهر السياق فلا حظ. والظاهر زيادة (أبي) قبل الحسن ابن أبي قتادة.

(٢) كما يأتي في ترجمته.

(٣) فيه كلام بابن بطة يأتي في ترجمته. وروى البرقي عن الحسن ابن أبي قتادة كما في الكافي ج ٢ / ٢ ومحمد بن أبي القاسم كما في الروضة ٥٨ / ٢٨

(٤) تكليف بعض المحققين (قدس الله أسرارهم) باثبات إتحاده مع الحسين بن محمد بن الفضل الهاشمي النوفلي الثقة بقرينة إتحاد من روى عنه، والكتاب، وان (الحسين) مصحف (الحسن).قلت: هو مع بعده لا شاهد قوي عليه بل بظهر ضعفه بالتأمل.

١٩

ذكر مجالس الرضاعليه‌السلام مع أهل الاديان(١) ، أخبرناه أحمد ابن عبدالواحد قال حدثنا أبوعبدالله بن أبي رافع الصيمرى قال: حدثنا الحسن بن محمد جمهور العمي عنه به(٢) .

٧٥ - الحسن بن راشد الطفاوي

ضعيف(٣) له كتاب، نوادر حسن، كثير العلم، أخبرنا أبو عبدالله بن شاذان قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا

____________________

(١) صنف جماعة من أصحابنا كتبا في جالسه ومناظراته (ع) مع أهل الاديان: منهم عبدالعزيز بن يحيى الجلودي، والحسين بن محمد بن الفضل النوفلي الهاشمي، والحسن بن محمد بن سهل النوفلي وروى حديثه جماعة منهم: أبوالصلت الهروي، والحسن بن محمد بن سهل النوفلي الهاشمي ومن العامة: علي بن محمد بن الجهم رواه الصدوق وغيره.

(٢) صحيح بناء‌ا على وثاقة ابن عبدالواحد من مشايخه (ره).

(٣) قال في الخلاصة (ص ٢١٣): والطفاويون منسوبون إلى حبال بن منبه.ومنبه هو أعصر بن عسد بن قيس بن غيلان بن مضر إبن نزار بن معد بن عدنان، ومسكنهم البصرة وأمهم الطفاوة بنت حرم بن ريان، وولدت لحبال جريا، وسريا، وسنانا، وكان الحسن ضعيفا في الرواية. وقال إبن الغضائري: الحسن بن أسد الطفاوي، أبومحمد، يروي عن الضعفاء، ويروون عنه، وهو فاسد المذهب، وما أعرف له شيئا أصلح فيه إلا روايته كتاب علي بن إسماعيل بن شعيب إبن ميثم، وقد رواه عنه غيره. والظاهر: ان هذا الذي ذكرناه وان الناسخ أسقط الراء من اول اسم أبيه الخ. قلت: لاشاهد على الاتحاد ولا وجه لظهوره كي يصحح الالتزام بالتصحيف.(*)

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

أرض مربعة حمراء من أدم

ما بين إلفين موصوفين بالكرمِ

تذاكرا الحرب فاحتلاّ لها شبهاً

من غير أن يسعيا فيها بسفك دمِ

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنمِ

فانظر إلى الخيل قد جاشت بمعركةٍ

في عسكرين بلا طبلٍ ولا علمِ(1)

وألمّ هذا الشعر بوصف دقيق للشطرنج، وفيما أحسب أنّه أسبق من نظم فيه، وأحاط بأوصافه ودقائقه وقد تعلم هذه اللعبة من أبيه الرشيد الذي كان من الماهرين فيها، وقد أهدى إلى ملك (فرنسا) أدوات الشطرنج، ولم تكن معروفة فيها، وتوجد حاليا تلك الأدوات التي أهداها الرشيد في متاحف (فرنسا)(2) .

ب - ولعه بالموسيقى:

وكان المأمون مولعاً بالغناء والموسيقى، ويقول المؤرّخون أنّه كان معجباً كأشد ما يكون الإعجاب بأبي إسحاق الموصلي الذي كان من أعظم العازفين والمغنّين في العالم العربي وقال فيه: (كان لا يغني أبداً إلاّ وتذهب عنّي وساوسي المتزايدة من الشيطان)(3) .

وكان يحيي لياليه بالغناء والرقص والعزف على العود كأبيه الرشيد الذي لم يمر على قصره اسم الله تعالى، وإنّما كانت لياليه الليالي الحمراء.

ج - شربه للخمر:

وعكف المأمون على الإدمان على الخمر، فكان يشربها في وضح النهار وفي غلس الليل، ولم يتأثّم في اقتراف هذا المحرَّم الذي هو من أفحش المحرّمات في الإسلام.

إلى هنا ينتهي بنا الحديث عن بعض نزعات المأمون وصفاته.

التحف الثمينة التي أهديت للمأمون:

وقام الأُمراء والأشراف بتقديم الهدايا القيّمة والتحف الثمينة للمأمون تقرّباً إليه، وكان من بعض ما أُهدي إليه ما يلي:

____________________

(1) المستطرف 2 / 306.

(2) حياة الإمام محمد الجواد (ص 233).

(3) الحضارة العربية لجاك س. ريسلر (ص 108).

٢٢١

1 - أهدى أحمد بن يوسف للمأمون سفطاً من الذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب فيه هذا يوم جرت فيه العادة بإتحاف العبيد للسادة، وقد قلت:

على العبد حق وهو لا شك فاعله

وإن عظم المولى وجلّت فواضله

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله

وإن كان عنه ذا غنى فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره

لقصّر عنه البحر يوماً وساحله

ولكنّنا نهدي إلى مَن نجلّه

وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكله(1)

2 - أهدى أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي إلى المأمون في يوم مهرجان مائة حمل زعفران قد وضعت في أكياس من الإبريسم، وقد حملتها أتان شهب وحشية، فجاءت الهدايا والمأمون عند حرمه، فأخبر بالهدية، فسارع إلى النظر إليه، فلمّا رآها عجب بها وسأل عن الحمر التي حملت الزعفران هل هن ذكور أم إناث؟ فقيل له إنّها إناث فسُرّ بذلك، وقال: قد علمت أنّ الرجل أعقل من أن يوجه على غير أتن(2).

3 - أهدى ملك الهند جملة من الهدايا، وفيها جام ياقوت أحمر، ومعها رسالة جاء فيها: نحن نسألك أيّها الأخ أن تنعم في ذلك بالقبول، وتوسع عذراً في التقصير(3) .

هذه بعض الهدايا التي قدّمت للمأمون تقرّباً له، وطمعاً في الظفر ببعض الوظائف منه.

تظاهره بالتشيّع:

وذهب بعض المؤرخين والباحثين إلى أن المأمون قد اعتنق مذهب التشيع، وقد استندوا إلى ما يلي:

من علمه التشيع:

إنّه أعلن أمام حاشيته وأصحابه أنّه اعتنق مذهب التشيّع وذلك في الحديث التالي: روى سفيان بن نزار، قال: كنت يوماً على رأس المأمون، فقال لأصحابه: (أتدرون مَن علّمني التشيّع؟).

____________________

(1) صبح الأعشى 2 / 420.

(2) التحف والهدايا (ص 109).

(3) نفس المصدر.

٢٢٢

فقالوا جميعاً: لا والله ما نعلم؟.

فقال: علمنيه الرشيد فانبروا قائلين:

(كيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل البيت؟).

قال: كان يقتلهم على الملك لان الملك عقيم، لقد حججت معه سنة، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجاجه، وقال لهم: (لا يدخلن على رجل من أهل المدينة ومكة، ولا من المهاجرين والأنصار وبني هاشم، وسائر بطون قريش إلا نسب نفسه... وأمتثل الحجاب ذلك، فكان الرجل إذا أراد الدخول عليه عرف نفسه إلى الحجاب، فإذا دخل فيصله بحسب مكانته ونسبه، وكانت صلته خمسة آلاف دينار إلى مائتي دينار، يقول المأمون وبينما أنا واقف إذ دخل الفضل بن الربيع، فقال: (يا أمير المؤمنين، على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).

فاقبل الرشيد على أبنائه، وعلى سائر القواد، وقال لهم: احفظوا على أنفسكم، ثم قال للفضل ائذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي، يقول المأمون: ودخل شيخ مسخد(1) قد أنهكته العبادة كأنّه شنّ بال(2) قد كلم(3) السجود وجهه وأنفه فلمّا رأى الرشيد أنّه أراد أن ينزل من دابته، فصاح لا والله إلاّ

على بساطي فمنعه الحجّاب من الترجّل، ونظر إليه الجميع بإجلال وإكبار وتعظيم ووصل الإمام إلى البساط والحجّاب والقوّاد محدقون به، فنزل عن راحلته فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط، وقبّل وجهه وعينيه، وأخذ بيده حتى صيره في صدر المجلس وأجلسه معه، وأقبل عليه يحدثه، ويسأله عن أحواله، ثم قال له: (يا أبا الحسن ما عليك من العيال؟).

قال هارون: أولاد كلهم؟ قال الإمام: لا، أكثرهم موالي وحشم، أمّا الولد فلي نيف وثلاثون، وذكر عدد الذكور، وعدد الإناث، والتفت إليه هارون فقال له:

____________________

(1) المسخد: مصفر الوجه.

(2) الشن البالي: القربة البالية.

(3) كلم: أي جرح.

٢٢٣

- لم لا تزوج النسوان من بني عمومتهن وأكفائهن؟

- اليد تقصر عن ذلك.

- ما حال الضيعة؟

تعطي في وقت وتمنع في آخر!.

- هل عليك دين؟

- نعم.

- كم هو؟

- عشرة آلاف دينار.

- يا بن العم أنا أعطيك من المال ما تزوّج به الذكران والنسوان، وتقضي به الدين، وتعمر به الضياع.

فشكره الإمام على ذلك وقال له: (وصلتك رحم يا بن العم، وشكر الله هذه النية الجميلة والرحم ماسة، والقرابة واشجة، والنسب واحد، والعباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصنو أبيه، وعمّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام وصنو أبيه، وما أبعدك الله من أن تفعل ذلك، وقد بسط يدك، وأكرم عنصرك وأعلى محتدك(1)) .

فقال هارون: أفعل ذلك وكرامة.

وأخذ الإمامعليه‌السلام يوصيه بالبر والإحسان إلى عموم الفقراء قائلاً:

(يا أمير المؤمنين إنّ الله قد فرض على ولاة العهد، أن ينعشوا فقراء الأمّة، ويقضوا عن الغارمين، ويؤدوا عن المثقل، ويكسوا العاري، ويحسنوا إلى العاني(2) ، فأنت أولى مَن يفعل ذلك...).

فانبرى هارون قائلاً: افعل ذلك يا أبا الحسن، ثم قام الإمامعليه‌السلام فقام الرشيد تكريما له، وقبل عينيه ووجهه ثم اقبل على أولاده فقال لهم: (يا عبد الله، ويا محمد، ويا إبراهيم امشوا بين يدي عمكم وسيدكم خذوا بركابه، وسووا عليه ثيابه وشيعوه إلى منزله).

وانصرف الإمامعليه‌السلام ، وفي نفس الطريق أسرّ إلى المأمون فبشره

____________________

(1) المحتد: الأصل.

(2) العاني: الغفير.

٢٢٤

بالخلافة، وقال له:

(إذا ملك هذا الأمر فأحسن إلى ولدي).

ومضى الإمام مشيَّعاً من قبل أبناء هارون إلى منزله، ورجع المأمون إلى منزله، فلما خلا المجلس من الناس التفت إلى أبيه قائلاً:

(يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد أعظمته، وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته، وأقعدته في صدر المجلس، وجلست دونه، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟).

فقال هارون:

(هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده...).

وبهر المأمون فقال لأبيه: (يا أمير المؤمنين أليست هذه الصفات لك وفيك؟).

فأجابه هارون بالواقع قائلاً: (أنا أمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنّه لاحق بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منى ومن الخلق جميعاً، ووالله إن نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإنّ الملك عقيم).

ولـمّا أراد الرشيد الانصراف من المدينة إلى بغداد أمر بصرة فيها مائتا دينار، وقال للفضل بن الربيع اذهب بها إلى موسى بن جعفر، وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: نحن في ضيقة، وسيأتيك برنا بعد الوقت، فقام المأمون، وقال لأبيه: (تعطي أبناء المهاجرين والأنصار وسائر قريش، ومن لا تعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف دينار ما دونها، وتعطي موسى بن جعفر، وقد عظمته، وجللته مائتي دينار أخسّ عطية أعطيتها أحدا من الناس).

فزجره هارون، وقال له:

(اسكت لا أُمّ لك، فإنّي لو أعطيت هذا ما ضمنته له، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعته ومواليه، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم).

وأعرب هارون عن خشيته من الإمامعليه‌السلام ، وقضت سياسته في

٢٢٥

محاربته اقتصاديا لئلا يقوى على مناهضته وكان في المجلس مخارق المغني فتألم وانبرى إلى هارون قائلاً: (يا أمير المؤمنين، قد دخلت المدينة، وأكثر أهلها يطلبون مني شيئا، وإن خرجت ولم أقسم فيهم شيئا لم يتبيّن لهم فضل أمير المؤمنين علي، ومنزلتي عنده).

فأمر له هارون بعشرة آلاف دينار، فقال له مخارق: (يا أمير المؤمنين هذا لأهل المدينة، وعلى دين احتاج أن أقضيه).

فأمر له بعشرة آلاف دينار، ثم قال له: بناتي أريد أن أزوجهن فأمر له بعشرة آلاف دينار، وقال له: لا بد من غلّة تعطينيها ترد علي وعلى عيالي وبناتي فأمر له باقطاع(1) تبلغ وارداتها في السنة عشرة آلاف دينار، وأمر أن يعجل ذلك له، وقام مخارق مسرعا إلى بيت الإمام الكاظمعليه‌السلام ، فلمّا انتهى إليه استأذن على الإمام فأذن له فقال له: (قد وقفت على ما عاملك هذا الطاغية، وما أمر لك به، وقد احتلت عليه لك، وأخذت منه صلات ثلاثين ألف دينار وأقطاعا تغل في السنة عشرة آلاف دينار، ولا والله يا سيدي ما احتاج إلى شيء من ذلك، ما أخذته إلاّ لك وأنا اشهد لك بهذه القطاع، وقد حملت المال لك).

فشكره الإمامعليه‌السلام على ذلك، وقال له: (بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاءك، ما كنت لآخذ منه درهماً واحداً، ولا من هذه الأقطاع شيئاً، وقد قبلت صلتك وبرّك، فانصرف راشداً ولا تراجعني في ذلك).

وقبل مخارق يد الإمامعليه‌السلام ، وانصرف عنه(2) .

وحكت هذه الرواية ما يلي:

1 - احتفاء الرشيد بالإمام الكاظمعليه‌السلام في حين أنّه لم يحفل بأي إنسان كان، فقد سيطر على أغلب أنحاء الأرض وسرى اسمه في الشرق والغرب.

2 - اعتراف هارون بأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام هو حجّة الله على

____________________

(1) الأقطاع: القطعة من الأرض الزراعية.

(2) عيون أخبار الرضا 1 / 88 - 93.

٢٢٦

العالمين وأنّه إمام هذه الأمة، وقائد مسيرتها الزمنية والروحية، وأنّ هارون زعيم هذه الأمة بالقهر والغلبة لا بالاستحقاق.

3 - حرمان الإمام الكاظم من العطاء الذي يستحقه؛ وذلك من أجل أن لا يقوى على مناهضة هارون والخروج على سلطانه.

4 - إعطاء المغني (مخارق) الأموال الطائلة، وحرمان أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من حقوقهم التي نهبها هؤلاء البغاة... هذه بعض المعالم في هذه الرواية:

رد فدك للعلويين:

من الأمور التي يستند القائلون إلى تشيّع هارون ردّه لـ‍ (فدك) للعلويين بعد أن صادرتها الحكومات السابقة منهم، وكان الغرض من مصادرتها إشاعة الفقر والحرمان بين العلويين، وفرض الحصار الاقتصادي عليهم كي لا يتمكّنوا من مناهضة أولئك الحكّام، وقد قام المأمون بردّها عليهم، وقد رفع عنهم الضائقة الاقتصادية التي كانت آخذة بخناقهم، وقد مدحه شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي على هذه المكرمة التي أسداها على العلويين بقوله:

أصبح وجه الزمان قد ضحكا

بردّ مأمون هاشم فدكا

واعتبر الكثيرون من الباحثين هذا الإجراء دليلاً على تشيّع المأمون.

إشادته بالإمام أمير المؤمنين:

وأشاد المأمون بالإمام أمير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الإسلام، فقد كتب إلى جميع الآفاق بان علي بن أبي طالبعليه‌السلام أفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، وقد روى الصولي أشعاراً له في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه كان منها ما يلي:

لا تقبل التوبة من تائب

إلاّ بحب ابن أبي طالب

أخو رسول الله حلف المهدي

والأخ فوق الخل والصاحب

إن جمعا في الفضل يوماً فقد

فاق أخوه رغبة الراغب

فقدم الهادي في فضله

تسلم من اللائم والعائب

ومن شعره الذي يرد به على مَن عابه في قربه لأبناء النبي (ص) يقول:

____________________

(1) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٧

ومن غاو يغص عليّ غيظاً

إذا أدنيت أولاد الوصي

فقلت: أليس قد أوتيت علماً

وبان لك الرشيد من الغوي

وعرفت احتجاجي بالمثاني

وبالمعقول والأثر القوي

بأيّة خلّة وبأيّ معنى

تفضّل ملحدين على علي

علي أعظم الثقلين حقّاً

وأفضلهم سوى حق النبي(1)

ومن شعره قاله في أهل البيتعليهم‌السلام هذه الأبيات:

إن مال ذو النصب إلى جانب

ملت مع الشيعي في جانبِ

أكون في آل بني الهدى

خير بني من بني غالبِ

حبهم فرض نؤدّي به

كمثل حج لازم واجب(2)

وهذا الشعر صريح في ولائه لأهل البيتعليهم‌السلام وتقديمه بالفضل على غيرهم.

وروى له الصولي هذه الأبيات في الإمام عليعليه‌السلام :

ألام على حب الوصي أبي الحسن

وذلك عندي من عجائب ذي الزمن

خليفة خير الناس والأول الذي

أعان رسول الله في السر والعلن

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة

وكانت على الأيام تقضي وتمتهن

فولى بني العباس ما اختص غيرهم

ومن منه أولى بالتكرّم والمنن

فأوضح عبد الله بالبصرة الهدى

وفاض عبيد الله جوداً على اليمن

وقسم أعمال الخلافة بينهم

فلا زال مربوطاً بذا الشكر مرتهن(3)

وحكى هذا الشعر الأيادي البيضاء التي أسداها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الأسرة العباسية حينما ولي الخلافة فقد قلد ولاية (البصرة) إلى عبد الله بن العباس، وكان وزيره ومستشاره الخاص، كما قلد عبيد الله بن العباس ولاية اليمن، ولكن الأسرة العباسية قد تنكرت لهذا المعروف فقابلت أبناء الإمام بالقتل والتنكيل وارتكبت معهم ما لم ترتكبه معهم الأسرة الأموية وقد أوضحنا في

____________________

(1) المحاسن والمساوئ 1 / 105 للبيهقي.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

(3) تذكرة الخواص (ص 366).

٢٢٨

هذا الكتاب جوانب كثيرة من اضطهادهم للسادة العلويين، فلم يرعوا فيهم أنّهم أبناء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّهم وديعته في أمته، فعمدوا إلى قتلهم تحت كل حجر ومدر.

ونسب إلى المأمون هذان البيتان:

إذا المرجّى سرّك أن تراه

يموت لحينه من قبل موته

فجدّد عنده ذكرى عليٍّ

وصلِّ على النبي وآل بيته

فردّ عليه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة:

إذا الشيعي جمجم في مقال

فسرّك أن يبوح بذات نفسه

فصلّ على النبي وصاحبيه

وزيريه وجاريه برمسه(1)

ومن الطريف ما ذكره الصولي أنّه كان مكتوباً على سارية من سواري جامع البصرة:

(رحم الله عليّا

إنّه كان تقيّا)

وكان يجلس إلى تلك السارية حفص أبو عمر الخطابي وكان أعور فعمد إلى محو ذلك، وكتب بعض المجاورين إلى الجامع إلى المأمون يخبره بمحو الخطابي للكتابة، فشقّ على المأمون ذلك، وأمر بإشخاصه إليه، فلمّا مثل عنده قال له:

(لم محوت اسم أمير المؤمنين من السارية؟).

فقال الخطابي: (وما كان عليها؟).

قال المأمون: كان عليها:

(رحم الله عليّا

انه كان تقيّا)

فقال: إنّ المكتوب رحم الله عليا إنّه كان نبيّا، فقال المأمون كذبت، بل كانت القاف أصح من عينك الصحيحة، ولولا أن أزيدك عند العامة نفاقاً لأدبتك، ثم أمر بإخراجه(2) .

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 329.

(2) تذكرة الخواص (ص 367).

٢٢٩

انتقاصه لمعاوية:

واستدلّ القائلون بتشيّع المأمون إلى أنّه أمر بسب معاوية بن هند وانتقاصه في جميع أنحاء العالم الإسلامي، فقد أمر أن ينادي المنادي (أن برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

وهذا لا يصلح دليلاً على تشيّع المأمون؛ لأنّ معاوية قد انكشف، وظهر واقعه، فقد تسالمت على قدحه جميع الأوساط، وأنّه الخصم اللدود للإسلام، وأنّه صاحب الأحداث والموبقات.

استدلاله على إمامة الإمام علي:

ومن أهم ما استدل به القائلون على تشيّع المأمون عقده للمؤتمرات العلمية، واستدلاله ببالغ الحجة على إمامة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وانه القائد الأول للمسيرة الإسلامية بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أولى بمقامه، وأحق بمركزه من غيره.

ومن أروع المؤتمرات التي أقامها المأمون في بلاطه، ومن أكثرها أهمية هذا المؤتمر الذي حضره أربعون من علماء الحديث، وعلماء الكلام انتخبهم يحيى بن أكثم من بين علماء بغداد، وقد أدلوا بحججهم على ما يذهبون إليه من تفضيل الخلفاء على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام إلاّ أنّ المأمون فنّد حججهم بأدلة حاسمة دلّت على براعته واطلاعه الواسع في البحوث الكلامية، ونحن ننقل النص الكامل لهذه المناظرة الرائعة لما لها من الأهمية البالغة، وفيما يلي ذلك:

المأمون:

ولـمّا مثل العلماء أمام المأمون، التفت إليهم بعد ترحيبه بهم، فقال لهم: (إنّي أريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي حجّة، فمن كان حاقناً(2) أو له حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا، وسلوا خفافكم، وضعوا أرديتكم).

____________________

(1) مروج الذهب 3 / 361.

(2) الحاقن: الذي يضايقه البول.

٢٣٠

ففعلوا ما أمرهم به، والتفت المأمون لهم قائلاً: (أيّها القوم إنّما استحضرتكم لأحتج بكم عند الله تعالى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم، وإمامكم، ولا يمنعكم جلالتي، ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل، على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقرّبوا إلى الله تعالى، برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق، إلاّ سلّطه الله عليه، فناظروني بجميع عقولكم.

إنّي رجل أزعم أنّ عليّاًعليه‌السلام خير البشر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولي، وإن كنت مخطئاً فردّوا عليّ وهلمّوا، فإن شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني...).

وليس في هذا الكلام أي التواء، أو خروج عن المنطق، وإنّما صاحبه يريد الحقيقة الناصعة.

علماء الحديث:

وسارع علماء الحديث قائلين: (بل نحن نسألك...).

وانبرى المأمون فأرشدهم إلى طريق الحوار قائلاً: (هاتوا وقلدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم، فإذا تكلّم فإن كان عند أحدكم زيادة فليزده وإن أتى بخلل فسدّدوه...)

الدليل الأوّل:

وأدلى عالم من علماء الحديث بحجّته على أنّ أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً:

(نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبو بكر، من قبل الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول (ص) قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبو بكر وعمر) فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس...).

جواب المأمون:

وناقش موضوع الحديث المنسوب إلى النبي (ص) نقاشاً موضوعياً فقال: (الروايات كثيرة، ولا بد من أن تكون كلها حقاً، أو كلها باطلاً، أو بعضها

٢٣١

حقاً، وبعضها باطلاً، فلو كانت كلها حقاً، كانت كلها باطلاً من قبل أن بعضها ينقض بعضها، ولو كانت كلها باطلاً كان في بطلانها بطلان الدين، ودرس الشريعة(1) فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أنّ بعضها حق، وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، أو ينفي خلافه، فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقاً كان أولى ما اعتقده، وأخذ به.

وروايتك هذه من الأخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحكم الحكماء، وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الأمر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة كانا واحداً في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة.

وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف بما لا يطاق؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر، والدليل على اختلافهما، أنّ أبا بكر سبى أهل الردة، وردّهم عمر أحراراً، وأشار عمر بعزل خالد لقتله مالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه، وحرم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر، ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر، ولهذا نظائر كثيرة...).

وردّ المأمون وثيق للغاية، فقد زيف الحديث، وأثبت أنّه من الموضوعات، ولا نصيب له من الصحّة.

الدليل الثاني:

وانبرى عالم آخر من علماء الحديث فاستدل على أفضلية الشيخين وتقدّمهما على الإمام أمير المؤمنين بالحديث المنسوب إلى النبي (ص).

قال: (إنّ النبي (ص) قال: لو كنت متخذاً خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً...).

جواب المأمون:

وزيف المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل من قبل أنّ رواياتكم قد صرّحت أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، آخى بين أصحابه، وأخّر عليّاً

____________________

(1) أي إماتة الشريعة.

٢٣٢

عليه‌السلام ، فقال له: في ذلك فقال: وما أخرّتك إلاّ لنفسي، فأيّ الروايتين ثبتت بطلت الأخرى...).

إنّ مناقشة المأمون للحديث مناقشة موضوعية ليس فيها أي تحيّز، وإنّما كانت خاضعة للدليل الحاسم.

الدليل الثالث:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ عليّاًعليه‌السلام قال على المنبر: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر...).

مناقشة المأمون:

وناقش المأمون هذا الحديث قائلاً: هذا مستحيل لأنّ النبي (ص) لو علم أنّهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص ومرة أسامة بن زيد، وممّا يكذب هذه الرواية قول علي لـمّا قبض النبي (ص): وأنا أولى بمجلسه منّي بقميصي، ولكن أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً، وقولهعليه‌السلام : أنّى يكونان خيراً مني؟ وقد عبدت الله قبلهما، وعبدته بعدهما، وأبطل المأمون الحديث، وبين زيفه، فلم يصلح لأن يكون دليلاً للخصم.

الدليل الرابع:

وقال عالم من علماء الحديث: إنّ أبا بكر أغلق بابه وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقالعليه‌السلام : قدّمك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمَن ذا يؤخرك؟).

ردّ المأمون للحديث:

ورد المأمون الحديث قائلاً: هذا باطل لأنّ عليّاًعليه‌السلام قعد عن بيعة أبي بكر، ورويتم أنّه قعد عنها حتى قبضت فاطمةعليها‌السلام ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها.

ووجه آخر وهو أنّ النبي (ص) لو كان استخلفه فكيف كان له أن يستقيل، وهو يقول للأنصار: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر...).

الدليل الخامس:

وقال عالم آخر: إنّ عمرو بن العاص قال: يا نبي الله مَن أحب الناس إليك

٢٣٣

من النساء؟ قال: عائشة، فقال: من الرجال؟ فقال: أبوها...).

ردّ المأمون:

ورد المأمون هذا الحديث فقال: هذا باطل لأنّكم رويتم أن النبي (ص) وضع بين يديه طائر مشوي، فقال: اللّهمّ ايتني بأحبّ خلقك إليك، فكان عليّاً، فأي رواياتكم تقبل؟).

إنّ حديث الطائر المشوي مجمع عليه، وهو يدل بوضوح على أنّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق عند الله، وأقربهم إليه.

الدليل السادس:

وانبرى عالم آخر فقال: (إنّ عليّاً قال: مَن فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري...).

جواب المأمون:

وأجاب المأمون عن هذا الحديث المنسوب إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله:

(كيف يجوز أن يقول علي: أجلد الحد على مَن لا يجب حد عليه، فيكون متعدّياً لحدود الله، عاملاً بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال: وليتكم ولست بخيركم، فأي الرجلين أصدق عندكم أبو بكر على نفسه، أو علي على أبي بكر، مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً فأنّى عرف ذلك بوحي؟ فالوحي منقطع أو بالتظنين فالمتظنّي متحيّر، أو بالنظر، فالنظر بحث وإن كان غير صادق، فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذاب...).

الدليل السابع:

وقال عالم آخر: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا الحديث محال لأنّه لا يكون في الجنة كهل، ويروى أن (أشحمية) كانت عند النبي (ص) فقال: لا يدخل الجنة عجوز فبكت، فقال لها

٢٣٤

النبي (ص): إنّ الله تعالى يقول:( أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُباً أَتْرَاباً ) (1) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شاباً إذا دخل الجنة، فقد رويتم أنّ النبي (ص) قال للحسن والحسين: إنّهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين وأبوهما خير منهما).

ومناقشة المأمون للحديث مناقشة منطقية غير خاضعة للأهواء والتيارات المذهبية.

الدليل الثامن:

وقال عالم آخر من علماء الحديث: (إنّ النبي (ص) قال: لو لم أكن أبعث فيكم لبعث عمر...).

جواب المأمون:

قال المأمون في تفنيد هذا الحديث: هذا محال لأنّ الله تعالى يقول:( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (2) ، وقال تعالى:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ) (3) ، فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوّة مبعوثاً؟ ومن أخذ ميثاقه على النبوّة مؤخراً؟...).

إنّ مناقشة المأمون لهذه الأحاديث مبنيّة على الفكر والمنطق وليس فيها ما يشذ عنهما.

الدليل التاسع:

وانبرى عالم آخر فأدلى بحجّته قائلاً: (إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى عمر يوم عرفة فتبسم، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة، وبعمر خاصة...).

جواب المأمون:

وقال المأمون في ردّه على هذا الحديث: هذا مستحيل لأنّ الله تبارك وتعالى لم يكن ليباهي بعمر ويدع نبيه، فيكون عمر في الخاصة والنبي في العامة.

وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبي (ص) قال: دخلت الجنة

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 35 - 37.

(2) سورة النساء: آية 163.

(3) سورة الأحزاب آية 7.

٢٣٥

فسمعت خفق نعلين فإذا بلال مولى أبي بكر سبقني إلى الجنة، فقلتم: عبد أبي بكر خير من الرسول (ص) لأنّ السابق أفضل من المسبوق...).

الدليل العاشر:

وانبرى محدّث آخر فقال: إنّ النبي (ص) قال: لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطاب...).

جواب المأمون:

قال المأمون: هذا خلاف الكتاب أيضاً؛ لأنّ الله تعالى يقول لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (1) فجعلتم عمر مثل الرسول (ص)!!...).

الدليل الحادي عشر:

وقال محدث آخر: لقد شهد النبي (ص) لعمر بالجنة في عشرة من الصحابة.

مناقشة المأمون:

قال المأمون: لو كان كما زعمتم لكان عمر لا يقول لحذيفة: نشدتك بالله أمن المنافقين أنا؟ فإن كان قد قال له النبي: أنت من أهل الجنة، ولم يصدقه حتى زكاه حذيفة، فصدق حذيفة، ولم يصدق النبي (ص) فهذا على غير الإسلام، وإن كان قد صدق النبي (ص) فلم سأل حذيفة؟ وهذان الخبران متناقضان في أنفسهما).

الدليل الثاني عشر:

وقال عالم آخر: قال النبي (ص): (وضعت في كفّة الميزان ووضعت أمّتي في كفة أخرى فرجحت بهم، ثم وضع مكاني أبو بكر فرجح بهم، ثم عمر فرجح بهم ثم رُفع الميزان).

جواب المأمون:

وفنّد المأمون هذا الحديث فقال: هذا محال لأنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما، فإن كانت الأجسام فلا يخفى على ذي روح أنّه محال؛ لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الأمة، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد فكيف بما ليس؟.

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم:

____________________

(1) سورة الأنفال: آية 33.

٢٣٦

(أخبروني بماذا يتفاضل الناس؟).

وانبرى بعض العلماء فقال: (يتفاضلون بالأعمال الصالحة).

وعلّق المأمون على هذا الكلام قائلاً: (أخبروني ممّن فضل صاحبه على عهد النبي (ص)، ثم إنّ المفضول عمل بعد وفاة الرسول (ص) بأكثر من عمل الفاضل على عهد النبي (ص) ثم أيلحق به؟ فإن قلتم: نعم أوجدتكم في عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً، وحجّاً، وصوماً، وصلاة، وصدقة من أحدهم...).

فانبروا جميعاً قائلين: (صدقت لا يلحق فاضل دهرنا بفاضل عصر النبي (ص)).

فقال لهم المأمون: (انظروا فيما روت أئمتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم في فضائل عليعليه‌السلام وقيسوا إليها ما ورد في فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم بالجنة فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم، وإن كانوا قد رووا في فضائل عليعليه‌السلام أكثر فخذوا عن أئمتكم ما رووا ولا تتعدّوه...).

وحار القوم في الجواب، فقد سدّ عليهم المأمون كل ثغرة يسلكون فيها للدفاع عمّا يذهبون إليه، والتفت إليهم المأمون قائلاً:

(ما لكم سكتّم؟...).

فقالوا: (قد استقصينا)، إذ لم تبق عندهم حجّة يتمسّكون بها، فقال لهم المأمون: (إنّي سائلكم، أخبروني أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ...).

فقالوا جميعاً: (السبق إلى الإسلام؛ لأنّ الله تعالى يقول:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (1) ...).

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

٢٣٧

وسارع المأمون قائلاً: (فهل علمتم أحداً أسبق من علي إلى الإسلام؟...).

وارتفعت أصواتهم قائلين: (إنّه - أي علي - سبق حدثاً لم يجر عليه حكم، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جرى عليه الحكم - أي التكليف - وبين هاتين الحالتين فرق...).

وأجاب المأمون قائلاً: (خبروني عن إسلام علي بالهام من قبل الله تعالى أم بدعاء النبي (ص)؟ فإن قلتم: بإلهام فقد فضلتموه على النبي (ص)؛ لأنّ النبي لم يلهم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالى داعياً، ومعرفاً، وإن قلتم بدعاء النبي (ص) فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى، فإن قلتم: من قبل نفسه فهذا خلاف ما وصف الله تعالى به نبيّه في قوله:( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) (1) وفي قوله تعالى:( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، وإن كان من قبل الله تعالى فقد أمر الله تعالى نبيّه (ص) بدعاء علي من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم، فدعاه ثقة به، وعلماً بتأييد الله تعالى.

وخلّة أخرى: خبروني عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون، فإن قلتم: نعم فقد كفرتم، وإن قلتم: لا، فكيف يجوز أن يأمر نبيه (ص) بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره وحداثة سنّه، وضعفه عن القبول.

وعلّة أخرى هل رأيتم النبي (ص) دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا أسوة مع علي، فإن زعمتم أنّه لم يدع أحداً غيره، فهذه فضيلة لعلي على جميع صبيان الناس).

والتفت المأمون إلى العلماء فقال لهم: (أي الأعمال بعد السبق إلى الإيمان؟...).

فقالوا جميعاً: (الجهاد في سبيل الله...).

وانبرى المأمون يقيم عليهم الحجّة في تقديم الإمام علي غيره بالفضل قائلاً:

____________________

(1) سورة الواقعة: آية 10 - 11.

(2) سورة ص: آية 3 - 4.

٢٣٨

هل تجدون لأحد من العشرة في الجهاد ما لعليعليه‌السلام في جميع مواقف النبي (ص) من الأثر؟ هذه (بدر) قتل من المشركين فيها نيف وستون رجلاً، قتل علي منهم نيفاً وعشرين، وأربعون لسائر الناس...).

وانبرى عالم من علماء الحديث فقال: (كان أبو بكر مع النبي (ص) في عريشه يدبّرها).

فردّ عليه المأمون قائلاً: (لقد جئت بهذا عجيبة!! كان يدبّر دون النبي (ص) أو معه فيشركه، أو لحاجة النبي (ص) إلى رأي أبي بكر؟ أي الثلاث أحب إليك؟).

وأجاب العالم: (أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبي (ص) أو يشركه أو بافتقار من النبي إليه).

(وردّ عليه المأمون قائلاً: فما الفضيلة في العريش؟ فإن كانت فضيلة أبي بكر بتخلّفه عن الحرب، فيجب أن يكون كل متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين والله عزّ وجل يقول:( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .

ووجّه المأمون خطابه إلى إسحاق بن حماد بن زيد، وهو من كبار علماء الحديث فقال له: (اقرأ سورة هل أتى).

وأخذ إسحاق في قراءة السورة فلمّا انتهى إلى قوله تعالى:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إلى قوله:وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً ) (2) .

قال له المأمون:

____________________

(1) سورة النساء: آية 95.

٢٣٩

(فيمَن نزلت هذه الآيات؟).

(في علي...).

وانبرى المأمون قائلاً: (هل بلغك أنّ عليّاًعليه‌السلام قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) (1) على ما وصف الله تعالى في كتابه.

(لا...).

(إنّ الله تعالى عرف سريرة علي ونيّته فاظهر ذلك في كتابه تعريفا لخلقه أمره...

هل علمت أنّ الله تعالى وصف في شيء ممّا وصف في الجنة، ما في هذه السورة:( قوارير من فضة... ) .

(لا...).

(فهذه فضيلة أخرى، كيف تكون القوارير من فضة؟).

(لا أدري).

(يريد كأنّها من صفائها من فضة يرى داخلها كما يرى خارجها، وهذا مثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا إسحاق رويدا شوقك بالقوارير) وعنى به نساء كأنّها القوارير رقّة، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ركبت فرس أبي طلحة فوجدته بحراً) أي كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه، وكقول الله تعالى:( وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) (2) أي كأنّه يأتيه الموت، ولو أتاه من مكان

واحد مات.

يا إسحاق ألست ممّن يشهد أنّ العشرة في الجنة؟).

(بلى...).

(أرأيت لو أنّ رجلاً قال: ما أدري أصحيح هذا الحديث أم لا أكان عندك

____________________

(1) سورة الدهر: آية 9.

(2) سورة إبراهيم: آية 17.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453