تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ٣

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي14%

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 543

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 543 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 157425 / تحميل: 9358
الحجم الحجم الحجم
تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي

تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال النجاشي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

ذكر ذلك ابوالعباس(١) له كتاب(٢) يرويه عنه جماعة(٣) ، اخبرنا محمد بن عثمان قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا عبيد الله بن أحمد قال حدثنا محمد بن أبيعمير عن اسحاق بن جرير به(٤) .

____________________

(١) قد عرفت كثرة رواية اسحاق بن جرير عن أبى عبداللهعليه‌السلام وأنه روى عنه عنهعليه‌السلام جماعة، وان الطرق اليها كثيرة، فيها الصحاح، فلا مجال للتأمل في روايته عن أبى عبداللهعليه‌السلام ، وليست عولا على ما ذكره أبوالعباس بن عقدة في كتابه الكبير فيمن روى عنه، وقد تقدم في الجزء الاول من هذا الشرح التحقيق في المراد بأبى العباس الذى يعول النجاشى عليه في امثال المقام، و لعله سهى قلم بعض الاعاظمقدس‌سره حيث قال: ان ابا العباس كنية ابن نوح، فانه لم ينكر احد لابن عقدة التكنية به كما لا يخفى على الخبير.

(٢) ويظهر من الشيخ: ان كتابه كان من الاصول حيث قال في الفهرست: اسحاق بن جرير، له أصل، أخبرنا به..

(٣) منهم اصحاب الاجماع والاجلاء مثل محمد بن أبى عمير، والحسن بن محبوب، وأحمد بن ميثم.

(٤) قلت طريق النجاشى إلى كتابه صحيح على الاظهر بجعفر بن محمد ومحمد بن وطريق الشيخ اليه: ابن أبى جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن اسحاق بن جرير به.قال: ورواه حميد بن زياد عن أحمد بن ميثم عنه. قلت: والاول صحيح، والثانى موثق بحميد اذا كان معلقا على طريقة إلى حميد. والا فالواسطة بين الشيخ وببن حميد غير مذكور.

٨١

١٦٩ - اسحاق بن بشر أبوحذيفة الكاهلى الخراسانى(١)

عثمان على كلام تقدم فيهما.

____________________

(١) وفى نسخة: اسحاق بن بشير.وقال ابن النديم في الفهرست ص ١٤٣: اسحاق بن بشير، من اصحاب السير والاحداث، وله من الكتب: كتاب المبتدا، كتاب الردة، كتاب الجمل، كتاب الالوية، كتاب صفين، كتاب حفر زمزم.وقال ابن حجر في لسان الميزان ج ١ ٣٥٤: اسحاق بن بشر، أبو حذيفة البخارى، صاحب كتاب المبتدا..ثم قال: لكن خلط ابن حبان ترجمته بترجمة الكاهلى، وكذا خبط ابن الجوزى، فقال في هذا: الكاهلى مولى بنى هاشم ولم يصب في قوله: الكاهلى، وهذا هو اسحاق بن بشر بن محمد بن عبدالله بن سالم..

وذكره النجاشى في رجال الصادقعليه‌السلام وقال: كان عاميا يعنى من أهل السنة.وذكر الذهبى نحوه في اعتدال الميزان ج ١ ١٨٤.ثم ذكر بعد ترجمته ترجمة اسحاق بن بشر بن مقاتل أبى يعقوب الكاهلى الكوفى، وضعفاه بما يطول ذكره إلى ان قال ابن حجر: وأرخ موسى بن هارون وفاته في سنة ثمان عشرة ومأتين.

وذكر الخطيب في تاريخ بغداد ج ٦ ٣٢٦: اسحاق بن بشر بن محمد بن عبدالله بن سالم أبوحذيفة البخارى مولى بنى هاشم، ولد ببلخ واستوطن بخارى فنسب اليها وهو صاحب كتاب المبتدا، وكتاب الفتوح، حدث عن محمد بن اسحاق و... وخلق من ائمة اهل العلم، احاديث باطلة، وروى عنه جماعة من الخراسانيين، ولم يرو عنه من البغداديين فيما أعلم سوى اسماعيل بن عيسى العطار، فانه سمع منه مصنفاته، ورواها عنه، وذكر الحسن بن علوية القطان ان هارون بن الرشيد بعث إلى أبى حذيفة فأقدمه بغداد...ثم ذكر جملة من الطعون فيه، ثم ذكر ص ٣٢٨ اسحاق بن بشر بن مقاتل أبويعقوب الكاهلى الكوفى.ومن روى عنه من البغداديين وغيرهم وما قالوا فيه من الطعون وقال: سنة ثمان وعشرين ومأتين فيها مات اسحاق بن بشر الكاهلى.

٨٢

ثقة(١)

____________________

(١) ووثقه محمد بن عمر الدار بجردى. ذكره ابن حجر والذهبى.ويؤيد توثيقه على اشكال ذكرناه في محله: أنه من اصحاب الصادقعليه‌السلام ، وممن قيل فيه: انه اسند عنه كما يأتى، ورواية ابن قولويه في كامل الزيارات ص ٧٠ باب ٢٢ ٥ اخبار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقتل الحسينعليه‌السلام باسناده عن عمرو بن المختار عنه عن القوام (العوام) مولى قريش عن مولاه عمرو بن هبيرة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . لكن ضعفه جماعة كثيرة من العامة، فقال ابن حجر والذهبى: تركوه، وكذبه على بن المدينى. وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه الا على جهة التعجب.وقال الدار قطنى: كذاب متروك. ثم قالا: وقال أبوبكر بن أبى شيبة: كذاب.وقال النقاش: يضع الحديث.وقال ابن الجوزى في الموضوعات: اجمعوا على انه كذاب.وقال الخليلى في الارشاد: اتهم بوضع الحديث.وقال ابن عدى: احاديثه منكرة..وقال الخطيب: كان غير ثقة.

وقال العقيلى: مجهول حدث مناكير، ليس لها اصل.قلت: ولعل الاصل فيما ذكره ابن حجر وغيره من تضعيفه في اخباره ورواياته المناكير: روايته باسناده عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: ستكون فتنه بعدى فالزموا علياعليه‌السلام فانه اول من يرانى، واول من يصافحنى يوم القيامة، وهو معى في السماء العليا، وهو الفارق بين الحق والباطل.

٨٣

روى(١) عن أبى عبداللهعليه‌السلام (٢) ، من العامة(٣) ، ذكروه في رجال أبى عبداللهعليه‌السلام .

____________________

(١) وذكر البرقى في اصحاب الباقرعليه‌السلام :(١٠) وايضا الشيخ (١٠٦). اسحاق بن بشير النبال. لكن في اتحاده مع الكاهلى نظرا.

(٢) كما ذكره الشيخ في اصحابهعليه‌السلام (١٤٩) قائلا: اسحاق بن بشر أبوحذيفة الخراسانى، اسند عنه.

قلت: تقدم تحقيق المراد من قوله (اسند عنه) في جماعة من اصحاب الصادقعليه‌السلام في ترجمة ابان بن عبدالملك ج ١ ٢٣١ من هذا الكتاب فلاحظ.

(٣) الجرم بكونه من العامة ينافى ذكره بتوثيق في مصنفى الشيعة، ولعل ذلك كان عولا على ذكرهم اياه في رجالهم ممن روى عن أبى عبداللهعليه‌السلام ، مع اعتقاده بانه من الشيعة الاما؟ ية، وقد عرفت حكاية ابن حجر عن النجاشى ذكره اسحاق هذا في رجال الصادقعليه‌السلام مع قوله: كان عاميا.

وقد ذكرنا في طبقات اصحابهعليه‌السلام من كتابنا في الطبقات: ان اصحابنا وغيرهم من العامة قد أحصوا رواة اصحاب الصادقعليه‌السلام ، بل قد خصوا لذلك تأليفا، وكان ما أحصوه زهاء اربعة آلاف رجال او أكثر حسب ما أحصيناه، والله الهادى إلى الحق والصواب.

٨٤

له كتاب(١) أخبرنا محمد بن على الكاتب قال حدثنا محمد بن وهبان قال حدثنا أبوالحسن بن أبى غسان الدقاق قال حدثنا على بن يحيى بن يزيد الكلينى قال حدثنا احمد بن سعيد قال حدثنا اسحاق.(٢)

____________________

(١) قد ظهر مما سبق ان له كتبا، لا كتابا واحدا كما هو ظاهر المتن بل في تمييز الاسحاقين او وحدتهما اشكال ظاهر فلا تغفل.

(٢) الدقاق والكلينى من رجال الطريق إلى كتابه مجهولان غير متميزين.

٨٥

١٧٠ - اسحاق بن يزيد بن اسماعيل الطائى

أبويعقوب، مولى، كوفى، ثقة، روى عن أبى عبداللهعليه‌السلام (٣) .

____________________

(٣) وذكره ابن حجر في لسان الميزان ج ١ ٣٨١ وقال: ذكره الطوسى في رجال الشيعة وقال: روى عن الباقررضي‌الله‌عنه ، وكان ثقة.وقال الشيخ في اصحاب الباقرعليه‌السلام (١٠٥): اسحاق بن يزيد بن اسماعيل الطائى، أبويعقوب الكوفى.وروى الكلينى في الكافى ج ١ ٩؟ ٢ عن على عن أبيه عن ابن أبى نصر عن أبى جميلة عن اسحاق بن يزيد قال قلت لابى جعفرعليه‌السلام : الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها؟ قال: اقطع ما كان داخلا عليك الحديث.ورواه في الفقيه ج ٢ ١٦٦ باسناده في المشيخة إلى اسحاق بن يزيد(٢٥٥) عن المثنى بن الوليد عنه.وذكرناه في طبقات اصحابهعليه‌السلام .وذكره الشيخ ايضا في اصحاب الصادقعليه‌السلام (١٤٩) كما تقدم، ولكن البرقى ذكره في اصحابهعليه‌السلام (٢٨) مقتصرا على اسم أبيه.

وقد روى عن اسحاق بن يزيد عن أبى عبداللهعليه‌السلام مثنى الحناط، كما في الكافى ج ٢ ١٥٨ وفى محاسن البرقى ج ٢ ٤١٠، والميثمى كما في التهذيب ج ٣ ٢٧١، والكافى ج ١ ١٠٦، ذكرناه بمن روى عنه في طبقات اصحابهعليه‌السلام .تنبيه: ذكر ابن داود في القسم الاول(٥٢): اسحاق بن بريد بالباء المفردة، والراء المهملة وقال: ومن اصحابنا من صحفه وقال: يزيد بالياء المثناة والزاء المعجمة، والحق الاول.

قلت: نظره إلى العلامة في الخلاصة(١١) ونسبة التصحيف إلى مثله في غير محله، مع منع صحة ضبط ما ذكره فان الموجود في الاخبار وكتب الرجال كما ذكرناه.

٨٦

وروى ابوه عن أبى جعفرعليهما‌السلام (١) له كتاب، يرويه عنه جماعة، أخبرنا على بن احمد قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا سعد بن عبدالله، و عبدالله بن جعفر قالا حدثنا محمد بن على ابوسمينة الصيرفى عن اسحاق بن

____________________

(١) اسناد الرواية عن أبى جعفرعليه‌السلام إلى أبيه، مشعر بتضعيف رواية اسحاق ولده عنهعليه‌السلام ، لكن قد عرفت ان الموجود في كتب الحديث رواية اسحاق عن أبى جعفرعليه‌السلام ، مضافا إلى ذكر الشيخ له في اصحابهعليه‌السلام . هذا ولكن في اصحاب الصادق من رجال الشيخ(١٥٨) بريد بن اسماعيل الطائى أبوعامر كوفى. فان صح ضبط اسحاق بن بريد كما في رجال ابن داود فالظاهر الاتحاد.

٨٧

يزيد(١) .

____________________

(١) ضعيف بأبى سمينة الضعيف. وطريق الصدوق اليه في المشيخة: محمد بن موسى بن المتوكل عن على بن الحسين السعد آبادى عن احمد بن أبى عبدالله البرقى عن احمد بن محمد بن أبى نصر البزنطى عن المثنى بن الوليد عن اسحاق بن يزيد. قلت: طريقه حسن بابن المتوكل وبالسعد آبادى.

٨٨

١٧١ - اسحاق بن غالب الاسدى(٢)

والبى(٣) عربى، صليب(٤)

____________________

(٢) ذكر السمعانى في الانساب ضبط الاسدس بفتح الهمزة وسكون السين المهملة بعدها الدال المهملة، وان النسبة إلى الازد، فبدلت السين من الزاى وهى افصح من الازد، والاسديون جماعة ينسبون إلى الاسد، وهو اسم عدة من القبائل.ويأتى انشاء الله في باب احمد ترجمة النجاشى للاسدى ما ينفع المقام.

(٣) بطن من بنى أسد، والنسبة إلى والبة بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن اسد بن خزيمة.

ذكره غير واحد، منهم السمعانى في الانساب، وذكر جماعة من الوالبيين المحدثين وغيرهم منهم بشر بن أبى حازم الشاعر الاسدى الوالبى.

(٤) خالص النسب في العروبة. وهم من بيت فيهم الشعراء لاهل البيتعليه‌السلام ، منهم:

١ - غالب بن بشر الاسدى: وعن ابن الاثير في النهاية عده في الصحابة.

٢ - بشر بن غالب بن بشر ابومالك الاسدى الكوفى: ذكر البرقى في اصحاب السجادعليه‌السلام ممن كان من اصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام : بشر بن غالب، وفى اصحاب الباقرعليه‌السلام ص ٨ ممن كان من اصحاب السجادعليه‌السلام بشر بن غالب الاسدى، وفى اصحاب الصادقعليه‌السلام ممن كان من اصحاب الحسن والحسين وعلى بن الحسينعليه‌السلام ص ٩: بشر بن غالب الاسدى.

وذكر الشيخ في اصحاب الحسينعليه‌السلام ص ٧٢: بشر بن غالب، وفى اصحاب السجادعليه‌السلام ص ٨٤: بشر بن غالب الاسدى الكوفى.

وذكر ابن ابى الحديد في الشرح ج ٤ ص ١٢٤٨ ٢٥٢ حديث دخول شبيب الكوفة وبعث الحجاج بشر بن غالب الاسدى في ألفى رجل لدفعه.

وذكر الذهبى في ميزان الاعتدال ج ١ ٣٢٢: بشر بن عالب الكوفى وقال: عن اخيه بشير بن غالب، وعنه الاعمش.قال الازدى متروك.وقال ابن حجر في لسان الميزان ج ٢ ٢٨ نحوه، ثم روى باسناد الازدى عن بشر بن غالب عن أخيه بشير بن غالب قال: قدمت على الحسن بن علىعليه‌السلام ، فسألنى عن بلدنا، الحديث.

ثم قال: وقال ابن حبان في الثقات: بشر بن غالب الاسدى يروى عن الحسن بن علىعليه‌السلام ، روى عنه ابن اشوع، وعبدالله بن شريك.ثم ساق ابن حبان نسبه إلى أسد بن خزيمة بن مدركة وقال: والظاهر ان هذا آخر غير الذى ذكره النسائى، اتفقا في الاسم، واسم الاب، والنسبة، وقد فرق بينهما ايضا الازدى ثم قال: وذكره ابوعمر والكشى في رجال الشيعة، وقال: عالم، فاضل، جليل القدر، وقال: روى عن الحسين بن علىعليه‌السلام ، وعن ابنه زين العابدينعليه‌السلام .اقول: وهذا الذى حكاه ابن ححر عن الكشى ممالا يوجد في الاختيار من رجاله الموجود في عصرنا، وكان في اصل رجاله الذى كان موجودا عند ابن حجر ويحكى عنه كثيرا، وقد ضاعت نسخه كضياع اكثر كتب الشيعة حسب الظروف القاسية.ثم قال ابن حجر: روى اخوه عبدالله بن غالب من رواية عقبة بن بشير عنه، والذى ذكره ابن حبان يحتمل ان يكون احدهما.وذكر قبله: بشر بن غالب الاسدى، وقال: عن الزهرى، قال الازدى: مجهول.وفى الكنى للنسائى حدثنا لوين، حدثنا حسين بن بسطام، حدثنى ابومالك بشر بن غالب بن بشر عن الزهرى عن مجمع بن جارية عن عمه، يرفعه: (لا دين لمن لا عقل له).قال النسائى: هذا حديث باطل منكر.قلت: واستفدنا منه كنيته، وتسمية جده.اقول: قد عرفت توثيق بشر بن غالب الاسدى من امام الجرح والتعديل عند العامة، وهو ابن حبان، كما عرفت اطرائه بالعلم والفضيلة وجلالة القدر من علم الاسلام وامام الجرح والتعديل عند الشيعة: ابوعمرو الكشى،=

٨٩

____________________

=فلا تبال بما ترى منم التضعيف والانكار عليه من متعصبى العامة عنادا وجهلا بالقول في الرجال رأيا وظنا بالسوء فيهم، افلا ترى ان امامهم النسائى قد تجرأ قولا في حديثه: هذا حديث باطل منكر، ولم يدر ان الحديث مطابق للقرآن الكريم اذ قال جل شأنه: ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون.يونس ١٠٠، كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون.الانعام ١٢٥ وانما العامة يضعفون من روى عن ائمة اهل البيتعليه‌السلام برواية المناكير وبالغلو والوضع بما اخلقته عصبياتهم الجاهلية وعدائهم للشيعة وائمتهمعليه‌السلام ، وقد اوضحنا الحق في ذلك في محله، وقد اكثر ابن ابى حاتم في كتابه الكبير في الجرح والتعديل تضعيف من ينتمى إلى اهل البيت برواية المناكير، وخباثه الرأى، بل بأعظم من ذلك اعتمادا على والده، المعاند للشيعة، المكثر في الوقيعة فيهم رأيا وظنا بالسوء تعصبا وجهالة.

٣ - بشير بن غالب الاسدى: قد عرفت حاله مما تقدم في أخيه: بشر.

٤ - جعفر بن غالب الاسدى: ذكره بعض اصحابنا في الرجال عن الصدوق، ولعله يتحد مع أخيه حفص.

٥ - حفص بن غالب الاسدى: روى الصدوق في باب الحيل من آداب القضاء من كتابه (من لا يحضره الفقيه) ج ٣ ١٢ ٢ عن عمرو بن شمر عن حفص بن غالب الاسدى قضاء الامام امير المؤمنينعليه‌السلام في زمن عمر.

٦ - عبدالله بن غالب، ابوعلى الشاعر الفقيه الثقة الاسدى.: ذكره النجاشى في مصنفى الشيعة ويأتى ذكره بترجمته.

٧ - اسحاق بن غالب الشاعر الثقة الاسدى الكوفى.

٩٠

ثقة(١) وأخوه عبدالله كذلك(٢) ، وكانا شاعرين(٣)

____________________

(١) كان اسحاق بن غالب كوفيا ذكره الشيخ وغيره، وقد وثقه النجاشى ايضا فيما يأتى انشاء الله في ترجمة اخيه عبدالله، قائلا: ثقة ثقة، واخوه اسحاق بن غالب.

(٢) اى وأخوه ثقة ايضا، كما يأتى توثيقه في ترجمته مستقلا، وترجمة اسحاق عطفا.

(٣) وقال ابن حجر في لسان الميزان ج ١ ٣٦٨: اسحاق بن غالب الاسدى الكوفى، ذكره الكشى في رجال الشيعة وقال: كان شاعرا..قلت: وقد ذكرنا اسحاق وأخاه عبدالله في الشعراء من اصحاب ابى عبداللهعليه‌السلام في طبقات اصحابه.

٩١

رويا عن أبى عبداللهعليه‌السلام (١) له كتاب، يرويه عدة من اصحابنا، اخبرنا محمد بن على قال حدثنا احمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا سعد قال حدثنا محمد بن الحسين، وعبدالله بن محمد بن عيسى عن صفوان، عن اسحاق بن غالب(٢) .

١٧٢ - اسحاق بن عبدالله بن سعد بن مالك الاشعرى(٣)

قمى، ثقة.

____________________

(١) وذكره الشيخ في اصحاب الصادقعليه‌السلام (١٤٩) قائلا: اسحاق بن غالب الاسدى الكوفى.

كما ذكره ابن حجر في لسان الميزان ج ١ ٣٦٨ حكاية عن الكشى من اصحابه قائلا: وكان شاعرا، روى عن جعفر الصادقعليه‌السلام ، روى عن صفوان.قلت: روى جماعة عن اسحاق بن غالب عن ابى عبداللهعليه‌السلام ذكرناهم في طبقات اصحابه، منهم: ابراهيم بن عبدالحميد، وصفوان بن يحيى، والحسين بن مهران، وعمرو بن ابى المقدام، والحسن بن محبوب.

(٢) طريق النجاشى إلى كتابه صحيح على كلام باحمد بن محمد بن يحيى وبمحمد بن على شيخ النجاشى.

(٣) هو اسحاق بن عبدالله بن سعد بن مالك بن الاحوص بن السائب بن مالك بن عامر الاشعرى، الاتى ذكر نسبه في احمد بن محمد بن عيسى الاشعرى.وتقدم في ج ٢ ٢٤٧ من هذا الكتاب ترجمة الحسين بن محمد بن عمران الاشعرى، ذكر نسب الاشعريين، وايضا ذكر جماعة كثيرة من رواة الحديث من هذا البيت الرفيع، وعمومته وأبناء عمومته. كما يأتى انشاء الله ذكر ابن اخيه اسحاق بن آدم، واخويه ادريس وعيسى، ويأتى ايضا تكنية اسحاق بن عبدالله بأبى يعقوب.

٩٢

روى(١) عن ابى عبدالله(٢)

____________________

(١) روى اسحاق القمى عن أبى جعفرعليه‌السلام ، وذكره الشيخ في اصحاب الباقرعليه‌السلام (١٠٧ ٤٧).

وروى الصدوق في علل الشرايع ج ٢ ٤٨٩ باب ٢٤٠ عن ابن المتوكل، عن السعد آبادى، عن البرقى عن أبيه، عن عبدالله بن محمد الهمدانى عن اسحاق القمى قال: دخلت على ابى جعفر الباقرعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك أخبرنى عن المؤمن (الحديث بطوله، ويدل على معرفة اسحاق القمى وأدبه، إلى ان قال:) قلت: جعلت فداك قد أرى المؤمن الموحد الذى يقول بقولى، ويدين بولايتكم، وليس بينى وبينه خلاف يشرب المسكر الحديث.

(٢) وذكره البرقى(٢٨) والشيخ (١٤٩ ١٤٢) في اصحاب الصادقعليه‌السلام بعنوان: اسحاق بن عبدالله الاشعرى القمى. وروى الشيخ في التهذيب ج ١ ٦ والاستبصار ج ١ ٧٩ في الصحيح عن محمد بن أبى عمير عن اسحاق بن عبدالله الاشعرى عن أبى عبداللهعليه‌السلام ناقضية الحدث للوضوء.

وروى الكلينى في اصول الكافى ج ١ ٤٣ باب النهى عن القول بغير علم، عن على بن ابراهيم عن ابيه، عن ابن أبى عمير، عن يونس بن عبدالرحمان، عن ابى يعقوب اسحاق بن عبدالله عن ابى عبداللهعليه‌السلام قال: ان الله حض عباده بآيتين من كتابه الحديث وقد ذكرناه في اصحابهماعليهما‌السلام من كتابنا في الطبقات.

٩٣

وابى الحسنعليهما‌السلام (١) وابنه احمد بن اسحاق مشهور(٢) ، اخبرنا احمد بن عبدالواحد عن على بن حبشى عن حميد عن على بن بزرج عنه.(٣)

١٧٣ - اسحاق بن جندب ابواسماعيل الفرايضى (الفضايرى)

ثقة ثقة، روى عن أبى عبداللهعليه‌السلام ، ذكره اصحابنا في الرجال(٤) ،

____________________

(١) روى الشيخ في التهذيب ج ٥ ١٧٢ و ١٧٣ و ٢٠٠ و ٢٩٠ وفى الاستبصار ايضا باسناده عن محمد بن سهل عن ابيه عن اسحاق بن عبدالله عن ابى الحسن موسىعليه‌السلام تحديد حج التمتع إلى يوم التروية وص ٢٠٠ بهذا الاسناد عنهعليه‌السلام تمتع المقيم بمكة في حجه، وص ٢٩٠ ٩٨٥ ايضا عنه وظيفة من يخاف فوت الموقفين.

(٢) وتأتى ترجمته في باب احمد.

(٣) لم يصرح بكتابه لكن الظاهر ان الطريق انما هو إلى كتابه. وقال الشيخ في الفهرست(١٦): اسحاق القمى له كتاب، اخبرنا به احمد بن عبدون عن ابى طالب الانبارى عن حميد بن زياد عن احمد بن زياد الخزاعى عنه.قلت: طريق النجاشى اليه موثق بحميد واما ابن حبشى فهو وان لم يصرح بتوثيق الا ان التلعكبرى روى عنه، وطريق الشيخ فيه الخزاعى ولم يظهر حاله.

(٤) ذكره ابن حجر في لسان الميزان ج ١ ٣٥٩ وقال: ذكره النجاشى في رجال الشيعة، وقال: روى عن جعفر الصادقعليه‌السلام ، روى عنه عبيس، و وصفه بالعبادة والتصنيف.

قلت: نسخ رجال النجاشى الموجودة خالية عن توصيفه الاسحاق هذا بالعبادة. وفى طريقه إلى كتابه: البصرى الذى لم يظهر حاله.

٩٤

له كتاب، رواه عنه عبيس وغيره، اخبرنا احمد بن عبدالواحد عن على بن حبشى عن حميد قال: حدثنا ابوجعفر احمد بن الحسن بن على البصرى عن عبيس عنه.

١٧٤ - اسحاق بن آدم بن عبدالله بن سعد الاشعرى القمى(١)

روى عن الرضاعليه‌السلام (٢) له كتاب يرويه جماعة، اخبرنا محمد بن على قال حدثنا احمد بن محمد بن يحيى قال حدثنا ابى قال حدثنا محمد بن ابى

____________________

(١) تقدم في ترجمة عمه اسحاق بن عبدالله ذكره، وذكر نسبه، كما تأتى ترجمة أخيه زكريا بن آدم، وذكره ابن حجر في لسان الميزان ج ١ ٣٤٢ بترجمة قريبة مما في المتن ولكن قال: وله تصانيف.

(٢) ظاهر العبارة روايته عنهعليه‌السلام بلا واسطة كما تؤيده طبقته، ورواية محمد بن الحسين بن ابى الخطاب الذى روى عن الرضاعليه‌السلام وعده النجاشى في ترجمته كما تأتى، ممن يسكن بروايته، وقد تكون رواية محمد بن ابى الحسين عنه مشيرة إلى جلالته.واما رواية الشيخ في التهذيب ج ٢ ٢٧٨. والاستبصار ج ١ ٣٠٤ عن ابن محبوب عن محمد بن الحسين عن اسحاق بن آدم عن ابى العباس المفضل بن حسان الدالانى عن زكريا بن آدم عن ابى الحسن الرضاعليه‌السلام ، فلا تنافى رواية اسحاق بن آدم عنهعليه‌السلام بلا واسطة، فقد كثرت رواية اصحاب امام ومن روى عن امامعليه‌السلام عنه بواسطة او بواسطتين.

٩٥

الصهبان عن اسحاق به.(١)

١٧٥ - اسحاق بن محمد بن احمد بن ابان بن مرار بن عبدالله

يعرف عبدالله: عقبة، وعقاب بن الحرث النخعى، اخو الاشتر(٢) .

____________________

(١) كالصحيح باحمد، وروى الشيخ في الفهرست(١٥) كتابه عن ابن أبى جيد عن محمد بن ابى الصهبان عنه.

وطريقه ايضا صحيح بناء‌ا على وثاقة ابن ابى جيد، فانه من مشايخ النجاشى الثقات.

(٢) كان جده عبدالله بن الحرث النخعى الكوفى، اخو مالك الاشتر، من اصحاب امير المؤمنينعليه‌السلام ذكره الشيخ، وقد ذكره ابن داود في القسم الثانى، وذكر فيه رواية الكشى، وهى اجنبية عنه، وقد حققناه عند ذكره في اصحاب امير المؤمنينعليه‌السلام من طبقاتنا الكبرى. ولعل في تعريف الاسحاق به وبأخوة جده للاشتر ايماء‌ا إلى مدحه. وتقدمت ترجمة ابنه ابراهيم بن اسحاق الاحمرى في هذا الشرح ج ١ ٢٧٤. (*)

٩٦

وهو معدن التخليط(١) .

____________________

(١) قال ابن الغضائرى: اسحاق بن محمد بن احمد بن ابان بن مرار، يكنى أبا يعقوب الاحمر، فاسد المذهب، كذاب في الرواية، وضاع للحديث لا يلتفت إلى ما رواه ولا يرتفع بحديثه، وللعياشى معه خبر في وضعه الحديث المشهور. وذكر الحلىرحمه‌الله في الخلاصة ص ٢٠١ كلام النجاشى وابن الغضائرى نحو ما تقدم وزاد: والاسحاقية تنسب اليه.

قلت: أما خبر الكشى ص ٣٢٩ عن العياشى فهو في اسحاق بن محمد البصرى ويأتى الكلام في تعددهما.

وقال في لسان لميزان ج ١ ٣٧٠ عن الحسن بن يحيى النوبختى بعد ذكر غلوه: قال: وعمل كتابا في التوحيد جاء فيه بجنون وتخليط. قلت: بل أتى بزندقة وقرمطة: انتهى.

وسمى الكتاب المذكور (الصراط) ونقضه عليه الفياض بن على بن محمد بن الفياض بكتاب سماه: (القسطاس).

اقول: لم يرد في رواية ان اسحاق هذا (معدن التخليط)، وليس ذلك امرا محسوسا يشهد فتعتبر روايته او يحكم بشهادته، وانما هو أمر محدوس اجتهادا من رواياته وكتبه، فينبغى للتحقيق فيه النظر إلى رواياته وكتبه.

اما رواياته:

١ - فروى الكلينى في الكافى ج ١ ٣٢٧ ٩ في النص على امامة ابى محمد الحسن العسكرىعليه‌السلام عن على بن محمد، عن اسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى بن درياب قال: دخلت على ابى الحسنعليه‌السلام بعد مضى ابى جعفر، فعزيته عنه، وابومحمدعليه‌السلام جالس فبكى أبومحمدعليه‌السلام ، فأقبل عليه أبوالحسنعليه‌السلام ، فقال له: ان الله تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله.

ورواه المفيد في الارشاد عن ابن قولويه عن الكلينى نحوه.

٢ - وعنه عن اسحاق بن محمد عن ابى هاشم الجعفرى: قال كنت عند أبى الحسنعليه‌السلام بعد ما مضى ابنه ابوجعفر، وانى لافكر في نفسى اريد ان اقول: كأنهما اعنى أبا جعفر وأبا محمدعليهما‌السلام كابى الحسن موسى واسماعيل ابنى جعفر بن محمدعليه‌السلام ، وان قصتهما كقصتهما، اذ كان ابومحمدعليه‌السلام المرجا بعد ابى جعفرعليه‌السلام ، فأقبل على ابوالحسنعليه‌السلام قبل ان أنطق، فقال: نعم يا ابا هاشم ! بد الله في ابى محمدعليه‌السلام بعد ابى جعفرعليه‌السلام ما لم يكن يعرف له كما بداله في موسىعليه‌السلام بعد مضى اسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك وان كره المبطلون، وابومحمد ابنى الخلف من بعدى، عنده علم ما يحتاج اليه، ومعه آلة الامامة.

ورواه الشيخ في الغيبة ص ١٢ في موت محمد في حيات أبيه نحوه عن سعد بن عبدالله الاشعرى عن أبى هاشم نحوه وفى آخره: والحمد الله. ورواه المفيد ايضا في الارشاد عن ابن قولويه الحديث.

قلت: آلة الامامة الكتب والسلام مما يختص بالامام ويوجد عنده كما في الروايات.

٣ - وعنه عن اسحاق بن محمد عن محمد بن يحيى بن درياب، عن أبى بكر الفهفكى قال: كتب إلى ابوالحسنعليه‌السلام : أبومحمد ابنى اصح (أنصح) آل محمد غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الاكبر من ولدى، وهو الخلف، واليه ينتهى عرى الامامة وأحكامها، فما كنت سائلى فسله عنه، فعنده ما يحتاج اليه. ورواه المفيد في الارشاد والطبرسى في اعلام الورى.

٤ - وعن على بن محمد الكلينى عن اسحاق بن محمد (النخعى. في الغيبة) عن شاهويه بن عبدالله الجلاب قال: كتب إلى ابوالحسنعليه‌السلام في كتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبى جعفرعليه‌السلام ، وقلقت لذلك، فلا تغتم، فان الله عزوجل (لا ضل قوما بعد اذ هديناهم حتى يبين لهم ما يتقون) وصاحبك بعدى ابومحمد ابنىعليه‌السلام وعنده ما تحتاجون اليه، يقدم ما يشاء الله=

٩٧

____________________

=ويؤخر ما يشاء الله (ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او ثلها)، قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذى عقل يقظان.

ورواه المفيد في الارشاد ص ٣٣٧ والشيخ في الغيبة ص ١٢١ وغيرهم بزيادة وتفصيل فليراجع.

٥ - وعن على بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن احمد العلوى، عن داود بن القاسم: قال سمعت ابا الحسنعليه‌السلام يقول: الخلف من بعدى الحسنعليه‌السلام ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلنى الله فداك؟ فقال: انكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمدعليه‌السلام . اقول: ولعل اسحاق هو المراد بمن ذكره.

ورواه ايضا مكررا في باب النهى عن الاسم ص ٣٣٢، ورواه الشيخ في الغيبة ص ١٢١ عن سعد عن محمد بن احمد العلوى الحديث.

٦ - وروى الكلينى ايضا في باب الغيبة ج ١ ص ٣٣٧ ٦ عن محمد بن يحيى عن جعفر بن محمد، عن اسحاق بن محمد، عن يحيى بن المثنى، عن عبدالله بن بكير عن عبيد بن زرارة قال معت ابا عبداللهعليه‌السلام يقول: يفقد الناس امامهم، يشهد الموسم، فيراهم ولا يرونه.

٧ - وروى الكلينى في باب الصلوة في الكعبة وفوقها ج ٣ ٢١، والشيخ ايضا في التهذيب ج ٢ ٣٧٦ ١٥٦٦ فيما يجوز لصلوة فيه عن على بن محمد عن اسحاق بن محمد عن عبدالسلام بن صالح، عن الرضاعليه‌السلام في الذى تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة قال: ان قام لم يكن قبلة، ولكنه يستلقى على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التى في السماء البيت المعمور و يقرأ، فاذا اراد ان يركع عمض عينيه، اذا اراد ان يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه، والسجود على نحو ذلك.

قلت: ورويا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن احدهماعليهما‌السلام قال: لا تصل المكتوبة في الكعبة.

وفى الكافى: وروى في حديث آخر: يصلى في اربع جوانبها اذا اضطر إلى ذلك. و (ح) فالحديث ربما يحمل على النافلة.

٨ - وروى الكلينى في اصول الكافى ج ١ ١٥٥ باب الجبر والقدر والامر ببن الامرين عن على بن محمد، عن سهل بن زياد، واسحاق بن محمد و غيرهما رفعوه قال كان امير المؤمنينعليه‌السلام جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين الحديث بطوله، وهو في نفى الجبر والتفويض واثبات الامر بين الامرين.

فلاحظ وتدبر حتى تعرف كيف يكون اسحاق بن محمد معدن التخليط ومن اهل التفويض.

٩ - وروى الشيخ في التهذيب ج ٩ ٢٧٤ ٩٢٢ باب ميراث الاولاد عن محمد بن يعقوب (في الكافى ج ٢ ٢٥٨ والطبع الجديد ج ٧ ٨٤ باب علة كيف للذكر سهمان) عن على بن محمد، ومحمد بن ابى عبدالله، عن اسحاق بن محمد النخعى قال: سأل الفهفكى أبا محمدعليه‌السلام : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين؟ فقال ابومحمدعليه‌السلام : ان المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة، انما ذلك على الرجال. فقلت في نفسى قد كان قيل لى: ان ابن ابى العوجاء سأل ابا عبداللهعليه‌السلام عن هذه المسألة فاجابه بهذا الجواب. فأقبل ابومحمدعليه‌السلام على، فقال: نعم هذه مسألة ابن ابى العوجاء، والجواب منا واحد اذا كان معنى المسألة واحدا، جرى لاخرنا مثل ما جرى لاولنا، واولنا وآخرنا في العلم سواء، ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولامير المؤمنينعليه‌السلام فضلهما.

١٠ - وروى الكلينى في اصول الكافى ج ٣٤٣ ٤ باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في امر الامامة عن محمد بن ابى عبدالله وعلى بن محمد عن اسحاق بن محمد النخعى، عن ابى هاشم داود بن القاسم الجعفرى قال كنت عند ابى محمدعليه‌السلام فاستؤذن لرجل من اهل اليمن عليه، فدخل رجل عبل، طويل، جسيم، فسلم عليه بالولاية، فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس، فجلس ملاصقا لى، فقلت في نفسى: ليت شعرى من هذا؟ فقال ابومحمدعليه‌السلام : هذا من ولد الاعرابية صاحبة الحصاة التى طبع آبائىعليه‌السلام فيها بخواتيمهم فانطبعت، وقد جائها معه يريد ان اطبع فيها،=

٩٨

____________________

=ثم قال: هاتها، فأخرج حصاة وفى جانب منها موضع أملس، فأخذها ابومحمدعليه‌السلام ، ثم أخرج خاتمه فطبع فيها فأنطبع، فكأنى أرى نقش خاتمة الساعة: (الحسن بن على)، فقلت لليمانى: رأيته قبل هذا قط؟ قال: لا والله وانى لمنذ دهر حريص على رؤيته، حتى كان الساعة أتانى شاب لست أراه فقال لى: قم فأدخل، فدخلت.

ثم نهض اليمانى، وهو يقول: رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت ذريه بعضها من بعض، اشهد بالله ان حقك الواجب كوجوب حق امير المؤمنينعليه‌السلام والائمة من بعده صلوات الله عليهم اجمعين. ثم مضى، فلم اره بعد ذلك. قال اسحاق: قال ابوهاشم الجعفرى: وسألته عن اسمه؟ فقال: اسمى: مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن ام غانم، وهى الاعرابية اليمانية، صاحبة الحصاة التى طبع فيها امير المؤمنينعليه‌السلام والسبط إلى وقت ابى الحسنعليه‌السلام .

وروى الشيخ في الغيبة ص ١٢٢ عن سعد بن عبدالله الاشعرى عن ابى هامش الحديث نحوه.

وروى حديث الحصاة للحبابة الوالية قبل هذا الحديث، كما انه قد رواه الكلينى وساير مشايخنا بطرقهم كما في ابواب النصوص على امامتهم وفضائلهم وغرائب امرهم.

١١ - وروى ايضا ج ١ ٥٠٨ ٩ باب مولد ابى محمد العسكرىعليه‌السلام عن على بن محمد ومحمد بن ابى عبدالله عن اسحاق بن محمد النخعى قال حدثنى سفيان بن محمد الضعفى قال كتبت إلى ابى محمدعليه‌السلام اسأله عن الوليجة وهو قول الله تعالى (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليحة. التوبة ١٥)، قلت في نفسى لا في الكتاب: من ترى المؤمنين هيهنا؟ فرجع الجواب: الوليجة الذى يقام دون ولى الامر.

وحدثتك نفسك عن المؤمنين: من هم في هذا الموضع، فهم الائمة الذين يؤمنون على الله فيجيز أمانهم.

١٢ إلى ٢٤ - وروى ايضا في هذا الباب بعد الحديث المتقدم اثنى عشر حديثا في معجزاتهعليه‌السلام منها ما رواه (١٠) عن اسحاق عن ابى هاشم الجعفرى حديث شكايته عن ضيق محبسه إلى ابى محمد العسكرىعليه‌السلام وفيه ظهور معجزاتهعليه‌السلام ، كما روى في الخبر ١١، ١٢، ١٣، ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، ١٨، ١٩، ٢٠، ٢١، ٢٢ معجزات كثيره عن الامام ابى محمد الحسن بن على العسكرىعليه‌السلام فمن اراد فليراجع.

وقد روى الشيخ الطوسى في كتاب الغيبة جملة من معجزاته ص ١٢٢، وان شئت فلاحظ بحار الانوار ج ٥٠ من ص ٢٣٩ إلى ص ٣٣٦.

٢٥ - ما رواه في الكافى ج ٥ ٩٤ ١٠ باب الدين من كتاب المعيشة عن على بن محمد، عن اسحاق بن محمد النخعى، عن محمد بن جمهور، عن فضالة، عن موسى بن بكر قال: ما احصى ما سمعت ابا الحسن موسىعليه‌السلام ينشد:

فان يك يا اميم على دين

فعمران بن موسى يستدين

٢٦ - ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد ج ٦ ٣٧٨ في ترجمة اسحاق بن محمد بن احمد بن ابان ابى يعقوب النخعى الاحمر قال اخبرنى عن محمد بن احمد بن رزق عن محمد بن عبدالله بن ابراهيم الشافعى حدثنا بشر بن موسى حدثنا عبيد بن الهيثم حدثنا اسحاق بن محمد بن احمد، ابويعقوب النخعى حدثنا عبدالله بن الفضل بن عبدالله بن ابى الهياج بن محمد بن ابى سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب، ابومنذر الكلبى عن ابى مخنف لوط بن يحيى، عن فضيل بن خديج عن كميل بن زياد النخعى قال: اخذ بيدى امير المؤمنين على بن ابيطالبعليه‌السلام بالكوفة، فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال لى: يا كميل ان هذه القلوب أوعية، وخيرها أوعاها للعلم، احفظ عنى ما اقول لك: الناس ثلثة، عالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أنباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.يا كميل بن زياد ! العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الانفاق.=

٩٩

____________________

=يا كميل بن زياد ! محبة العالم دين يدان، تكسبه الطاعة في حياته، و جميل الا حدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله، العلم حاكم والمال محكوم عليه.

يا كميل ! مات خزان الاموال وهم احياء والعلماء باقون ما بقى الدهر، اعيانهم مفقودة وامثالهم في القلوب موجودة، الا ان هيهنا وأشار إلى صدره لعلما جما لو اصبت له حملة، بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين للدنيا..

وذكر الحديث كذا في اصل ابن رزق، وذكر لنا: ان الشافعى قطعه من هيهنا فلم يتمه.

اذا عرفت هذا نقول: ان ما اشتملت عليه هذه الروايات من الفضائل لال محمد صلوات الله عليهم اجمعين مما قد تطابقت عليه ظواهر جملة من الايات والروايات بل النصوص المتواترة اجمالا مع صحة أسانيد كثير منها وقامت عليه ضرورة المذهب كما لا يخفى على اهل اللب والمعرفة، وان جهلها القاصرون او انكرها المعاندون الظلمة وقد رواها مشايخ الشيعة وأعلام الطائفة، واعيان ثقاة الرواة ومن لا يطعن عليه في الحديث والرواية.

كما قد استقر رأى الطائفة عولا على الايات الظاهرات والروايات المأثورات على عصمة الانبياء وسيدهم محمد وآله الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين واختصاصهم بعلم الله بموهبته وارتضائهم لغيبه واجتبائهم لفضله وكرمه وأنه اظهرهم الله تعالى بارادته على الضمائر وأوقفهم على الخفايا والسرائر وعلمهم ما لا يعلمه الناس واكرمهم باجابة دعائهم وسخر لهم البر والبحر والدواب والطير والجن والانس، والان لهم الحديد وأبرد لهم النار وجعلها لهم سلاما وفلق لهم البحر وأغاض لهم الماء وجعل لهمعليه‌السلام غير ذلك من الايات الباهرات. أفينكر البغدادى وابنا الجوزى وحجر وأضرابهما او يشك في اصل امكان صدور الايات وظهورها من البشر فكيف ينكر ما هو ثابت للانبياء بضرورة الكتاب؟ ! أو ينكر ثبوتها لمحمد وآلهعليه‌السلام وقد تطابقت الايات و الروايات على فضلهم وان لهم ما للانبياءعليه‌السلام ؟ ! أو ينكر ثبوتها لابى محمد العسكرىعليه‌السلام وهو أحدهم وبقية آل ابراهيم ووالد خاتمهم صلوات الله عليهم؟ ! او ينكر رواية مثلها من اسحاق الاحمرى؟ ! ولتحقيق ذلك محل آخر يوجب التعرض له تفصيلا الخروج عن وضع الكتاب الا انه لا بأس بالاشارة اليه لعموم الفائدة.

ازاحة الشكوك في روايات النخعى

واذ بلغ الامر إلى هذا نقول: ان ما اعجب الطاعن وأرا به بل اوقعه في الشك وسوء الظن ثم ألجاه إلى الانكار عليه، بل رميه له بالغلو والكذب، والافتراء، بل بالزندقة والكفر، والخروج عن الملة والدين ان كان هو الوجه الاول وانكار اصل امكان صدور الايات وظهورها من غير الله جل شأنه، وأن ليس لغيره تعالى العلم بما لا يشهده او يحجب عنه، كما انه ليس له التصرف فيما ليس تحت سلطانه بلا توسط دعاء او مسألة ممن يقدر عليه، فهل هذا الا كفر بالله تعالى وبما انزله على رسله.

أو ليست آيات القرآن الحكيم شهادات على وقوع امثاله من كثير ممن اجتباه الله وارتضاه وأصطفاه من أنبيائه ورسله وأوصيائهمعليه‌السلام ؟ ! فقد كانت الملائكة والجن تتصرف باذن ربها في الاشياء فانظر اذ عدت الملائكة صافات زاجرات تاليات متوفيات للانفس، وهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وكانت الجن والشياطين ممن سخرها الله تعالى لسليمان بن داودعليهما‌السلام فيعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل و جفان كالجواب وقد ورراسيات وغير ذلك مما تحير القول فيه، وكل ذلك فضلا منه تعالى كما قال له (هذا عطاؤنا فامن او امسك بغير حساب. ص ٣٩).

واذ سخر لسليمان الريح عاصفة تجرى بامره إلى الارض التى بارك الله لها وسخر له الريح تجرى بأمره رخاعا حيث اصاب وسخر له الريح غدوها شهر و رواحها شهر، فلاحظ آيات سور ص ٣٦، والانبياء ٨١، وسبا ١٢. واذ سخر الله تعالى لسليمان القطر حيث اساله فقال تعالى: (وأسلموا له عين القطر.. سبا ١٢).

كما انه تعالى قد علم داود وسليمان منطق الطير والنمل، وآتاهما من كل شيئ فضلا مبينا حيث قال: وقالا الحمد لله الذى فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا ايها الناس علمنا منطق الطير واوتينا من كل شيئ ان هذا لهو=

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

وكلُ نعيم لا محالة زائلُ

قال عثمان : كذبت ، نعيمُ الجنة لا يزول فاستثقل « لبيد » تكذيب عثمان وتحدّيه له في ذلك الجمع فقال : يا معشر قريش واللّه ما كان يؤذى جليسُكم ، فمتى حدث هذا فيكم؟؟

فقال رجلٌ مِن القوم : إنَّ هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا فلا تجدنَ في نفسكَ من قوله.

فردّ عليه « عثمان » حتّى تفاقم الأمر بينهما فقام إليه ذلك الرجلُ فلطم عينه فخضّرها ( واصابها ) ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال : أما واللّه يا ابن أخي إن كانت عينُك عَمّا أصابها لغنيّة لقد كنت في ذمة منيعة ( وهو يريد أنك لو بقيت في ذمتي وجواري لما اصابك ما أصابك ).

فقال عثمان رادّاً عليه : بل واللّه إن عيني الصحيحة لفقيرةٌ إلى مِثل ما أصابَ اُختَها في اللّه ، واني لفي جوار من هو أعزُّ منكَ ، واقدرُ يا أبا عبد شمس.

فقال له الوليد : هلمّ يا ابنَ أخي إن شئت فعُد إلى جوارك ، فقال ابنُ مظعون : لا(١) .

وكانت هذه صورةٌ رائعةٌ من صور كثيرة لصمود المسلمين ، وتفانيهمْ في سبيل العقيدة ، وإصرارهم على النهج الّذي اختاروه ، ومواساة بعضهم لبعض في أشدّ فترة من فترات التاريخ الإسلامي.

وفدٌ مسيحيُّ لتقصّي الحقائق يدخل مكة :

قدمَ على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكة عشرون رجلا من النصارى حين بلغهم خبرُه من الحبشة ، مبعوثين من قِبَل أساقفتها لتقصّي الحقائق بمكة ، والتعرف على الإسلام. فوجدوا رسول اللّه في المسجد ، فجلسوا إليه ، وكلّموه وسألوه عن مسائل ، ورجالٌ من قريش فيهم « أبو جهل » في أنديتهم حول الكعبة.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٧٠ و ٣٧١.

٤٦١

فلما فرغوا من مسألة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما أرادوا دعاهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اللّه عز وجلّ وتلا عليهم آيات من القرآن الكريم ، فكان لها من التأثير البالغ في نفوسهم بحيث عندما سمعوها فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا له وامنوا به وصدّقوه ، بعد ما عرفوا منه ما كان يوصَف في كتابهم ( الانجيل ) من أمره.

فلما قامُوا عنه ، ورأت قريش ما نتج عنه ذلك اللقاء استثقله « ابو جهل » فقال للنصارى الذين اسلموا معترضاً وموبّخاً : خيَّبكُمُ اللّه مِن ركب بعَثكُم مَن وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئنّ مجالسُكم عنده حتّى فارقتُم دينكُم وصدَّقتموهُ بما قال ، ما نعلمُ ركباً أحمقَ مِنكُم.

فأجابه اولئك بقولهم : سلامٌ عليكم لا نُجاهِلكم ، لنا ما نحنُ عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نأل أنفسنا خيراً(١) .

وبذلك الكلام الرفيق الجميل ردّوا على فرعون مكة الّذي كان يبغي ـ كسحابة داكنة ـ حجب أشعة الشمس المشرقة ، وحالوا دون وقوع صدام.

قريش توفد إلى يهود يثرب للتحقيق :

لقد ايقظ وفدُ نصارى الحبشة إلى مكة وما نجم عن لقائهم برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشاً ودفعهم إلى تكوين وَفد يتألف من « النضر بن الحارث » و « عُقبة بن ابي معيط » وغيرهما وإرسالهم إلى أحبار يهود المدينة ليسألونهم عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه.

فقال أحبارُ اليهود لمبعوثي قريش : سَلوا محمَّداً عن ثلاث نأمركم بهنَّ ، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسَل ، وان لم يفعل فالرجلُ متقوّلٌ ، فروا فيه رأيكم ، سلوه :

١ ـ عن فتية ذَهبوا في الدهر الأول ( يعنون بهم أصحاب الكهف ) ما كان

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٩٠ و ٣٩٣ وقد نزلت في هذا الشأن الآيات ٥٢ إلى ٥٥ من سورة القصص.

٤٦٢

من امرهم ، فانه قد كان لهم حديثٌ عجيبٌ.

٢ ـ وعن رجل طوّاف ( يعنون به ذا القرنين ) قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وخبرُه؟

٢ ـ وعن الروح ما هي؟

فاذا أخبركم بذلك فاتبعوهُ ، فانه نَبيّ ، وان لم يفعل ، فهو رَجُلٌ متقوِّلٌ فاصنَعوا في أمره ما بدا لكم.

فعادَ وفد قريش إلى « مكة » ولما قدموها قالوا لقريش ما سمعوه من أحبار اليهود.

فجاؤوا إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطرحوا عليه الاسئلة الثلاثة السالفة. فقال رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انتظر في ذلك وحياً.(١)

ثم نزل الوحيُ يحملُ إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأجوبة المطلوبة على تلك الاسئلة.

وقد ورَدَ الجواب عن السؤال عن الروح في الآية ٨٥ من سورة الإسراء.

واُجيبَ على السؤالين الآخرين عن أصحاب « الكهف » وذي القرنين بتفصيل في سورة « الكهف » ضمن الآيات ٩ ـ ٢٨ والآيات ٧٣ ـ ٩٣.

وقدوردت تفصيلاتُ هذه الإجابات الّتي أجابَ بها رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أسئلتهم في كتب التفسير.

ولابدَّ هنا من أن نُذكِّر القارئ الكريم بنقطة مفيدة وهي أنّ المراد من « الرّوح » في سؤال القوم ليس هو الرُّوح الإنسانية بل كان المراد هو جبرئيل الأمين ، ( بقرينة أنَّ المقترحين الاصليين لهذه الأسئلة : هم اليهود وكانوا يكرهون الروح الامين ، ويعادونه ) ، وهو أمرٌ مبحوثٌ في محلِّه من كتب التفسير.

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٠٠ ـ ٣٠٢.

٤٦٣

٤٦٤

١٨

الأسلحةُ الصَديئة

والاساليب الفاشلة

نظّمْ أسياد قريش صفوفهم لمكافحة عقيدة التوحيد ، بعد أن أدركوا عقم المواقف المبعثرة من هذا الدّين وأهله.

فقد حاولوا في بداية الأمر أن يُثنُوا رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المضيّ في مواصلة دعوته ، وذلك بتطميعه بالمال والجاه وماشابه ذلك ، ولكن لم يحصلوا من ذلك على شيء ، فقد خيّب ذلك الرجلُ المجاهدُ ظنونهم فيه ، وبدّد آمالهم في اثنائه عن هدفه بكلمته الخالدة المدوّية : « واللّه لو وَضعوا الشمس في يميني ، والقَمر في يساري على أن أترك هذا الأمر لما فعلتُ » وهو يعني ان تمليكه العالم كلَه لا يثنيه عن هدفه ولا يصرفه عن تحقيق ما نُدِبَ إليه وارسل به.

فعمدوا إلى سلاح آخر هو التهديد والأذى ، والتنكيل به وباصحابه وانصاره ، ولكنهم واجهوا صمودَه وصمود أنصاره واصحابه ، وثباتهم الّذي ادى إلى انتصار المؤمنين في هذا الميدان ، وخيبة المشركين وهزيمتهم.

وقد بَلَغ من ثبات المسلمين على الطريق أنهم أقدموا على مغادرة الوطن ، وترك الأهل والعيال ، والهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم إلى اللّه ، وسعياً وراء نشره وبثه في غير الجزيرة من الآفاق.

ولكن رغم إخفاق أسياد قريش المشركين في جميع هذه الجهات والميادين

٤٦٥

وعجزهم عن استئصال شجرة التوحيد الفتية ، وفشل جميع الأسلحة الّتي استخدموها للقضاء على الدين الجديد وأهله ، لم تنته محاولاتهم الإجهاضيّة بل عمدوا هذه المرّة إلى استخدام سلاح جديد حسبوه أمضى من سوابقه.

وهذا السلاح هو سلاحُ الدعاية ضدّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لانه صحيحٌ أن ايذاء وتعذيب جماعة المؤمنين في « مكة » تمنع غيرهم من سُكان « مكّة » من الإنضواء إلى الإسلام إلاّ ان الحجيج الذين كانوا يسافرون إلى مكة في الأشهر الحرُم وكانوا يلتقون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جوّ من الأمن والطمأنينة خلال تلك المواسم كانوا يتأثَّرون بدعوة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتزعزعُ اعتقادهم بالأوثان على الأقل ، ان لم يؤمنوا بدينه ، ولم يستجيبوا لدعوته ، ثم إنهم كانوا ينقلون رسالة الإسلام وانباء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مواطنهم ، ومناطِقهم وكان ينتشر بذلك اسم رسول اللّه ، وأنباء دينه في شتّى مناطق الجزيرة العربية ، وكان هذا هو بنفسه ضربة قوية توجَّه إلى صرح الوثنية في مكة ، وعاملا قوياً في انتشار عقيدة التوحيد ، وسطوع أمره.

من هنا اتخذ سادةُ قريش اُسلوباً آخر ، قاصدين بذلك الحيلولة دون انتشار الإسلام ، واتساع رقعته ، وقطع علاقة المجتمع العربي به.

واليك فيما يأتي بيان تفاصيل هذا الاسلوب ، وهذه الخطة :

١ ـ الاتّهاماتُ الباطلة :

يمكن التعرف على شخصية أي واحد وتقييمها من خلال ما يرميه به اعداؤه من شتائم وسباب ، وما يكيلون له من اتهامات ونسب ، فَإن العدو يسعى دائماً إلى أن يتهم خصمَه بنوع من أنواع التهم ليُضِلَّ الناس ، ويصرفهم عنه ، وليتمكن بما يحوكُه حوله من أراجيف وأباطيل الحط من شأنه في المجتمع واسقاطه من الانظار والأعين.

ان العدوّ الذكيّ يسعى دائماً إلى أن ينسب إلى منافسه ما يُصدِّقه ولو فئة خاصة من الناس على الاقل ، ويوجبُ شكَّهم في صدقه ، ويتجنب تلك النِسَب

٤٦٦

التي لا تصدَّق في شأنه ، ولا تناسبُ اخلاقه وافعاله المعروفة عنه ، ولا تمسه بشكل من الأشكال ، لأنه سوف لا يَجني في هذه الحالة إلا عكسَ ما يقصد ، وخلاف ما يريد.

ومن هنا يستطيع المؤرخُ المحققُ أن يتعرف على الشخصية الواقعية لمن يدرسه ، وعلى مكانته الإجتماعية ، وأخلاقه وسجاياه ولو من خلال ما ينسبُه الأعداء إليه ، وما يكيلون له من أكاذيب وإفتراءات ، ونسب باطلة واتهامات ، لأنّ العدوّ الّذي لا يخاف أحداً لا يقصّرُ في كيل كلِّ تهمة تنفعُهُ وتخدمُ غرضَه إلى الطرف الآخر ، ويستخدم هذا السلاح ( أي سلاح الدعاية ) ما استطاع ، وما ساعدته معرفُته بالظروف ، ودرايته بالفَرص.

فاذا لم ينسَب إليه أيُّ شيء من تلك النسب الباطلة فان ذلك إنما هو لأجل طهارة جيبه ، ونقاء صفحته ، وتنزُّه شخصيته عن تلك النسب ، ولأنّ المجتمع لم يكن ليعبأ بها ولم يصدّقها في شأنه.

ولو أننا تصفّحنا اوراق التاريخ الإسلامي لرأينا أن قريشاً مع ما كانت تكنُّ من عداء ، وتحِملُ من حِقد على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانت تسعى بكل جهدها أن تهدم صرح الإسلام الجديد الظهور ، وأن تحطّ من شأن مؤسسه وبانيه لم تستطع مع ذلك أن تستفيد من هذا السلاح ، وتستخدمه كاملا.

فقد كانت تفكّر في نفسها : ماذا تقول في حق رسول اللّه؟ وماذا ترى تنسب إليه؟؟

هل تتهمه بالخيانة المالية وها هم جماعة منهم قد ائتمنوه على أموالهم؟!(١) كما أن حياته الشريفة طوال الاربعين سنة الماضية جسدت امانته امام الجميع ، فهو الامين بلا منازع؟

هل تتهمه بالجري والانسياق وراء الشهوة واللّذة؟ وكيف تقول في حقه مثل هذا الكلام مع أنه بدأ حياته الشبابية بالتزويج بزوجة كبيرة السنّ إلى درجة

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٦٢.

٤٦٧

مّا ، وبقي معها حتّى لحظة انعقاد هذه الشورى في « دار الندوة » بهدف الدعاية ضدَه ، ولم يُعهَد منه زلّة قدم في هذا السبيل قط؟!

وبالتالي بماذا تتهم محمَّداً الصادق الأمين ، الطاهر العفيف ، وأية تهمة ترى يمكن أن تُصدَّق في حقه ، أو يحتمل الناس صدقها في شأنه ولو بنسبة واحد في المائة؟

لقد تحيَّر سادة « دار الندوة » وأقطابها في كيفية استخدام هذا السلاح ، سلاح الدعاية ضدّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرَّروا في نهاية الأمر أن يطرحوا هذا الأمر على صنديد من صناديد قريش ويطلبوا رأيه فيه ، وهو « الوليد بن المُغيرة » وكان ذا سنّ فيهم ، ومكانة ، فقال لهم :

يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم وان وفود العرب ستقدَم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فاجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيكذّبُ بعضكم بعضاً ، ويردُ قولُكم بعضُه بعضاً.

قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به.

قال : بل أنتم قولوا أسمَع.

قالوا : نقول كاهن.

قال : لا واللّه ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكُهّانَ فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه.

قالوا : فنقول : مجنون.

قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته.

قالوا : فنقول : ساحر.

فقال : ما هو بساحر لقد رأينا السحّار وسحرهم فما هو بنفثهم ولا عقدهم.

وهكذا تحيَّروا في ما ينسبون إلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأخيراً اتفقوا على أن يقولوا : أنه ساحر جاء بقول هو سِحرٌ يفرق به بين المرء وابيه وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته وبين المرء وعشيرته.

ويدلُّ عليه ما أوجده من الخلاف والإنشقاق والتفرُّق بين أهل مكة الَّذين

٤٦٨

كان يضرب بهم المثل في الوحدة والاتفاق(١) .

وقد ذكر المفسِّرون في تفسير سورة « المدثر » هذه القصة بنحو آخر فقالوا : لمّا اُنزل على رسول اللّه « حم تنزيلُ الْكِتاب ) قام إلى المسجد و « الوليد بن المغيرة » قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبيُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستماعه لقراءته ، أعاد قراءة الآية ، فتركت الآية في نفس الوليد تأثيراً شديداً فانطلق إلى منزله ، ولم يخرج منه أيّاماً ، فسخرت منه قريشٌ وقالت : صبأ ـ واللّه ـ الوليدُ ثم مشى رجال من قريش إليه وسألوه رأيه في قرآن محمَّد ، واقترح كل واحد منهم أمراً ، ولكنه رد عليها بالنفي جميعاً فقالت قريش إذن ما هو؟ فتفكر « الوليد » في نفسه ثم قال : ما هو إلاّ ساحرٌ أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله ، ووُلده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر(٢) .

ويرى المفسرون أن الآيات التالية في شأنه إذ يقول اللّه تعالى : «ذَرْني وَمَنْ خَلقْتُ وَحيداً. وَجَعلْتُ لَهُ مالا مَمدُوداً. وَبَنينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تمهيداً. ثُمّ يَطْمَعُ أنْ أزيدَ. كَلا انّه كانَ لآياتِنا عَنيداً. سارْهقُهُ صَعُوداً. إنّه فكَّرَ وَقدّر. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدّرَ. ثُمَّ نَظرَ. ثُمَّ عَبسَ وَبَسرَ. ثُمَّ أَدْبَر وَاْستَكْبَرَ. فَقالَ إنْ هذا إلاّ سِحْرٌ يُؤْثَر ... ( إلى قوله : )فَما لَهُمْ عِنَ التَذكِرَة مُعْرضيْن. كأَنَّهُمْ حُمُرٌ مستنفِرة فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَة »(٣) .

* * *

الإصرار في نسبة الجنون إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يعتبر إتصاف النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتهاره بين الناس بالصدق والامانة وغيرها من مكارم الأخلاق منذ شبابه من مسلَّمات التاريخ.

وهو بالتالي أمرٌ اعترف به حتّى أعداؤه الالدّاء ، فقد دانوا بفضله ، وأقرُّوا

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٧٠.

٢ ـ مجمع البيان : ج ١٠ ، ص ٣٨٦ و ٣٨٧.

٣ ـ المدثر : من ١١ ـ ٥١.

٤٦٩

بأخلاقه الكريمة وسجاياه النبيلة ، دون تلكؤ ، ولا إبطاء.

وقد كانَ من أوصافه الحسنة البارزة ان جميع الناس كانوا يدعونه « الصادق » « الامين » وكانوا يثقون بأمانته ثقة كبرى(١) حتّى أن المشركين كانوا يودعون ما غلى من أموالهم عنده ، واستمر هذا الأمر حتّى عشرة أعوام بعد دعوته العلنيّة.

وحيث أن دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ثقلت على المعاندين فاجتهدوا في أن يصرفوا عنه الناس بما ينسبون إليه من بعض النسب الّتي توجب سوء الظنّ به ، ومن ثم إفشال دعوته ، وحيث أنهم كانوا يعلمون أن النِسَبَ الاُخرى ممّا لا يقيم لها المشركون وزناً ، لأنها امور بسيطة في نظرهم ، من هنا رأوا بأن يتهمونه بالجنون ، والزعم بان ما يقوله ويقرؤه ما هو إلاّ من نسج الخيال ، ومن أثر الجنون الّذي لا يتنافى مع الزهد ، والأمانة ، وذلك تكذيباً لدعوته.

ثم عملت قريش على إشاعة هذه النسبة ، واتخذت وسائل عديدة وما كرة لترويجها وبثّها بين الناس.

ومن شدّة مكرهم ومراءاتهم أنّهم كانوا يتخذون موقف المتسائل المحايد فيطرحون هذه التهمة في قالب الشك ، والترديد إذ يقولون : «أفترى على اللّه كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ »(٢) .

وهذه هي بعينها الحيلةُ الشيطانية الّتي يتوسَّل بها ويتستر وراءها أعداء الحقيقة دائماً عند ما يريدون تكذيب المصلحين العظام ، واسقاط خطواتهم وافكارهم من الاعتبار ، والحطّ من شأنها وأهميتها.

ويشير القرآنُ أيضاً إلى انّ هذا الاسلوب الماكر الذميم لم يكن مختصاً بالمعارضين في عهد الرسالة المحمَّدية ، بل كان المعارضون في الأعصر الغابرة أيضاً يتوسلون بهذا السلاح لتكذيب الرسل ، والانبياء إذ يقول عنهم :

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٩ ، ص ٦٢ عن عبيداللّه بن ابي رافع : كانت قريش تدعو محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهلية الامين وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك كلُ من كان يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والامر كذلك.

٢ ـ سبأ : ٨.

٤٧٠

«كَذلكَ مَا أتى الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُول إلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتواصَوْا بِه بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ »(١) .

وتحدّث الاناجيلُ الحاضرة هي الاُخرى عن ان المسيحعليه‌السلام عندما وعظ اليهود قالوا : إنّ فيه شيطاناً ، فهو يهذي فلماذا تسمعون إليه؟!(٢) .

ومن المسلّم والبديهي أنَّ قريشاً لو كان في مقدورها أن تتهم رسولَ اللّه الصادق الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير هذا الاتهام وتنسب إليه غير هذه النسبة لما تأخرت عن ذلك ، ولكن حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشرقة خلال الاربعين سنة الماضية ، وسوابقه اللامعة في المجتمع المكيّ وغير المكي كانت تحول دون أن ينسبوا إليه شيئاً من تلك النسب القبيحة ، الذميمة.

لقد كانت « قريش » مستعدة لأن تستخدم أي شيء ـ مهما صغر ـ ضد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمثلا عند ما وجده أعداء الرسالة يجلس إلى غلام مسيحيّ يدعى « جبر » عند المروة ، انطلقوا يستخدمون هذا الأمر ضدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوراً فقالوا : واللّه ما يُعلِّمُ محمَّداً كثيراً ممّا يأتي به الا « جبر » النصراني.

فردّ عليهم القرآن الكريمُ بقوله : «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعلِّمُه بَشَرٌ لِسانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إلَيْهِ أعْجَميّ وَهذا لِسانٌ عَربيّ مُبِيْنٌ »(٣) .

«وَقَدْ جاءهُم رَسولٌ مُبينٌ ثُمَّ تَولُوا عَنهُ وَقالُوا معلَّمٌ مَجنُونٌ »(٤) .

القرآن يرد على جميع الاتهامات :

وربما نسبوا إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكهانة ، والكاهن هو من يتصل بعناصر من الجن(٥) أو الشياطين ويتلقى منهم اخباراً حول الماضي والمستقبل ،

__________________

١ ـ الذاريات : ٥٢ و ٥٣.

٢ ـ انجيل يوحنا : الفصل ١٠ ، الفقرة : ٢٠ ، والفصل ٧ ، الفقرة ٤٨ و ٥٢.

٣ ـ النحل : ١٠٣.

٤ ـ الدخان : ١٣ و ١٤.

٥ ـ الجن كائن من الكائنات ومخلوق من مخلوقات اللّه تعالى وقد اخبر به القرآن الكريم في مواضع عديدة كما سميت احدى السور باسم الجن.

٤٧١

وكان هذا موجوداً قبل الإسلام كما ترويه كتب السير والتواريخ(١) .

وقد رد القرآن الكريم على هذه المقالة وهذا الزعم إذ قال تعالى : «وَلا بِقَولْ كاهِن قَليلا ما تَذكَّرُونَ »(٢) كما ردّ ايضاً تهمة السحر ، والكذب والافتراء والشعر إذ قال تعالى وهو يصف المتهمين تارة بالكفر واُخرى بالظلم : «وَعَجِبُوا أَنْ جاءهُمْ مُنْذرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرونَ هذا سَاحِرٌ كَذّابٌ »(٣) .

وقال تعالى : «وَقالَ الظالِمُونَ إنْ تَتَّبِعُونَ إلاّ رَجُلا مَسْحُوراً »(٤) .

وقال سبحانه متعجباً مِنهم : «قالُوا إنَّما أنتَ مِنَ المُسحَّرينَ »(٥) .

وقال تعالى : «وَقالُوا يا أيُّها الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِكْرُ إنَّكَ لَمجْنُونٌ »(٦) .

وقال سبحانه : «وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُون »(٧) .

وقال عزّ وجلّ : «فَذكِّر فَما أَنْتَ بِنعْمةِ رَبّكَ بِكاهِن وَلا مَجْنُون »(٨) .

وقال تعالى : «قالُوا إنّما أنْتَ مُفْتَر بل أكثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ »(٩) .

وقال تعالى : «أمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْر سُوَر مِثلِه »(١٠) .

وقال سبحانه : «وَقالَ الّذينَ كَفَرُوا إنْ هذا إلاّ إفكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَليْهِ قَومٌ آخرونَ فَقدْ جاءوا ظُلماً وَزُوراً »(١١) .

وقال سبحانه : «أفتَرى عَلى اللّه كَذِباً أمْ بِهِ جِنَّةٌ »(١٢) .

وقال تعالى : «أَم يَقُولُونَ شاعِرٌ نَترَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُون »(١٣) .

وقال تعالى : «وَما عَلَّمْناهُ الشَّعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقران مُبِيْن »(١٤) .

وربما وصفوا القرآن بانه اضغاث احلام فردهم سبحانه بقوله.

«بَلْ قالُوا أضغاثُ أحْلام بلِ افْتراهُ بَلْ هُوَ شاعرٌ »(١٥) .

__________________

١ ـ راجع : بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب : ج ٣ ، ص ٢٦٩ باب علم الكهانة والعرافة.

٢ ـ الحاقة : ٤٢.

٣ ـ ص : ٤.

٤ ـ الفرقان : ٨.

٥ ـ الشعراء : ١٥٣.

٦ ـ الحجر : ٦.

٧ ـ التكوير : ٢٢.

٨ ـ الطور : ٢٩.

٩ ـ النحل : ١٠١.

١٠ ـ هود : ١٣.

١١ ـ الفرقان : ٤.

١٢ ـ سبأ : ٨.

١٣ ـ الطور : ٣٠.

١٤ ـ يس : ٦٩.

١٥ ـ الانبياء : ٥.

٤٧٢

وهكذا نجدهم ذهبوا في استخدام سلاح الاتهام والتشويش على الشخصية المحمَّدية والرسالة الإسلامية كل مذهب ، فمرة وصفوه بانه كاهن واُخرى بانه ساحر وثالثة بانه مسحور ، ورابعة بانه مجنون وخامسة بانه معلّم وسادسة بانه كذاب وسابعة بانه مفتري وثامنة بانه مفترى أو مجنون على سبيل الترديد وتاسعة بانه شاعر وعاشرة بان ما يقوله ما هو الاّ اضغاث احلام.

٢ ـ فكرةُ معارضة القرآن :

لم يُجدِ استخدام سلاح الإتهام ضد رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفعاً ، ولم يأت بالثمار الّتي كان يتوخاها المشركون منه ، لأن الناس كانوا يُدركون بفطنتهم وفراستهم أن للقرآن جاذبيّة غريبة ، وأنهم لم يسمعوا كلاماً حلواً ، وحديثاً عذباً مثله.

ان لكلماته من العمق والعذوبة بحيث يتقبّلها كلُ قلب ، وتسكن اليها كل نفس.

من هنا لم ينفع اتهام قريش لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون وبأنَّ ما يقوله إن هو الاّ من نسج الخيال ، ونتائج الجنون ، شيئاً ، فقررت أن تخطّط لتدبير آخر ظناً منهم بأنّ تنفيذه سيصرف الناس عنه ، وعن الاستماع إلى كتابه ، ألا وهو : معارضة القرآن الكريم.

فعمدت إلى « النضر بن الحارث » وكان من شياطين قريش ، وممّن كان يؤذي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قضى شطراً من حياته في الحيرة بالعراق وتعلّم بها أحاديث ملوك الفرس واحاديث « رُستم » و « إسفنديار » وقصصهم ، وحكاياتهم ، وأساطيرهم ، وطلبوا منه أن يجمع الناسَ ويقص عليهم من تلكم الأساطير والحكايات يلهي بها الناس عن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويصرفهم عن الإصغاء إلى القرآن الكريم!!

فكان إذا جلس رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجلساً فذكَّر الناس فيه باللّه ، وحذر قومه ما أصاب مَن قبلَهم من الاُمم من نقمة اللّه ، خَلفه « النضرُ » في مجلسه

٤٧٣

إذا قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : أنا واللّه يا معشر قريش أحسنُ حديثاً منه فهلمَّ إليّ ، فأنا اُحدِّثكم أحسنَ من حديثه.

ثم يحدّثهم عن ملوك الفرس و « رستم » و « اسفنديار » ثم يقول :

بماذا محمَّد أحسن حديثاً مني وما حديثه إلاّ أساطير الأَولين اكتتبهاكما اكتتبتُها؟(١) .

وقد كانت هذه الخُطة حمقاء جداً إلى درجة أنها لم تدم إلاّ عدة ايام لا اكثر حتّى أن قريشاً سأمت من أحاديث « النضر » وسرعان ما تفرّقت عنه.

وقدنزل في هذا الشأن آيات هي : «وَقالُوا أساطيرُ الأَوَّليْنَ اكتتبها فهي تمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأصِيْلا * قُلْ أَنْزلَهُ الَّذيْ يعْلَمُ السِّرّ في السَماواتِ وَالأَرْضِ إنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحيماً »(٢) .

* * *

تحججات صبيانيّة وجاهليّة :

وربما جسَّدوا معارضتهم للدعوة المحمَّدية في صورة تحججات ومجادلات جاهليّة ومآخذ سخيفة اخذوها على رسول اللّه ورسالته ، تنم عن تكبر وجهل ، وعناد ولجاج طبعوا عليه.

وها نحن نذكر ابرزها :

أ ـ لماذا لم ينزل القرآن على ثريّ من اثرياء مكة أو الطائف؟!

قال تعالى حاكيا قولهم : «لَولا نُزِّلَ هذا الْقُرانُ عَلى رَجُل مِنَ الْقَريَتَيْنِ عَظِيْم »(٣) .

ب ـ لماذا لم يرسل اليهم ملائكة ولماذا هو بشر؟!

قال تعالى عنهم : «وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أن يُؤْمِنُوا إذْ جاءهُمْ الهُدى إلاّ أَنْ قالُوا أبعَثَ اللّه بَشَراً

__________________

١ ـ السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٣٠٠ و ٣٥٨.

٢ ـ الفُرقان : ٥ و ٦.

٣ ـ الزخرف : ٣١.

٤٧٤

رَسُولا »(١) .

وقال تعالى حاكياً عنهم أيضاً : «وَقالُوا ما لِهذا الرَّسُول يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشي فِي الأَسْواقِ »(٢) .

ج ـ انَّه يدعو إلى خلاف ما كان عليه الآباء ، من الدين والعقيدة والسلوك؟

يقول عنهم سبحانه : «وَإذا قِيْلَ لَهُمْ تَعالَوْا إلى ما أَنْزَلَ الله وَإلى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْه آباءنا أو لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ »(٣) .

د ـ تبديل الآلهة بإلهٍ واحد.

قال اللّه عنهم : «وَعَجِبُوا أَنْ جاءهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّابٌ * أَجعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحِداً إنْ هذا لِشَيء عُجابٌ »(٤) .

هـ ـ القول بحشر الاجساد وتجدد الحياة في يوم القيامة.

قال تعالى عنهم : «وَقالُوا ءإذا ضَلَلْنا فِي الاْرْضِ ءإنّا لِفِي خَلْق جَدِيد »(٥) .

و ـ لماذا ليس عنده مثل ماكان لدى موسى من المعجزات كالثعبان المنقلب من العصا ، وقد توصل المشركون إلى هذا النمط من الاعتراض بسبب اتصالهم بأحبار اليهود.

يقول اللّه عنهم : «فَلَمّا جاءهُمْ الْحقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا اُوتِيَ مِثْلُ ما اُوْتيَ مُوسى »(٦) .

ز ـ لماذا ليس معه ملك يُرى ويشاهَد ويحضر معه في كل مقام ومشهد.

قال تعالى : «وَقالُوا لَولا اُنْزلَ عَلَيْهِ مَلَكْ »(٧) .

__________________

١ ـ الاسراء : ٩٤.

٢ ـ الفرقان : ٧.

٣ ـ المائدة : ١٠٤.

٤ ـ ص : ٤ و ٥.

٥ ـ السجدة : ١٠.

٦ ـ القصص : ٤٨.

٧ ـ الانعام : ٨.

٤٧٥

مقترحات عجيبة ومطاليب غريبة :

وكان المشركون إذا نفذت تحججاتهم واعتراضاتهم الواهية ، وقوبلوا بردود قوية وقاطعة عليها عمدوا إلى طرح مقترحات سخيفة على رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سياق معارضتهم لدعوته ونورد هنا ابرز تلك الاقتراحات ليعرف القارئ الكريم مدى معاناة النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قومه :

لقد اقترحوا عليه :

١ ـ ان يعبد اصنامهم سنة ويعبدوا إلهه سنة اُخرى وجعلوا ذلك شرطا لايمانهم بدعوته!!

فأنزل اللّه تعالى في ردّهم بسورة « الكافرون » : «بِسْم اللّه الرَّحْمن الرَّحيم. قُلْ يا أَيُّها الْكافِرُونَ * لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ. وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ. لَكُمْ دِينَكُمْ وَلِيَ دِيْنِ ».

٢ ـ تبديل القرآن ، فقد دفع نقدُ القرآن الكريم للوثنية ، والازاء على الاصنام ، دفعهم إلى ان يطلبوا من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يأتي لهم بقرآن آخر لا يحتوي على شجب عبادة الاوثان والازدراء بالاصنام ، وابطالها.

قال اللّه تعالى عن فعلهم هذا : «وَإذا تُتْلى عَلَيْهِم آياتُنا بيِّنات قالَ الَّذيْنَ لا يَرْجُونَ لِقاءنا ائتِ بِقُرآن غَيْر هذا أوْ بَدّلهُ »(١) .

فردّ اللّه عليهم بقوله : «قُلْ ما يَكُونُ لِيْ أَنْ اُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاء نَفْسِيْ إنْ اتّبعُ إلا ما يُوْحى إلَيَّ إنِّي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْم عَظيْم »(٢) .

٣ ـ مطاليب مادية عجيبة!!

__________________

١ و ٢ ـ يونس : ١٥.

٤٧٦

وقد عمدوا ـ بسبب عنادهم وعتوهم ـ إلى المطالبة باُمور لا ترتبط بهداية الناس ، مثل مطالبته بان يفجر لهم ينابيع ، أو يُسقط السماء على رؤوسهم قطعاً ، أو يصعد إلى السماء ، أو يأتي باللّه سبحانه وتعالى ، أو غير ذلك من الاقتراحات والمطاليب الّتي كانت إما مستحيلة في نفسها أوتناقض غرض الدعوة!!

قال اللّه حاكياً عنهم ذلك : «وَقالُوا لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يُنْبُوعاً. أوْ تَكُون لَكَ جَنّةٌ مِنْ نَخيْل وَعنَب فَتُفَجِّر الاْنهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أوْ تَأتِيَ بِاللّه وَالْمَلائكةِ قَبِيلا. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْت مِنْ زُخْرُف أوْ تَرْقى في السَّماء »(١) .

صبر النبيّ واستقامته وثباته :

ولقد قابل رسولُ اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل هذه التحججات الايذائية وما طرح مِنَ الاقتراحات المستحيلة بصبر عظيم وثبات هائل ، ايماناً منه بدعوته ، وحرصاً على ابلاغ رسالته ، وبفعل التأييد الالهي من جانب.

يقول اللّه تعالى في هذا الصدد :

١ ـ «فَاْصْبِرْ كَما صَبَرَ اُوْلوا العْزْم مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ »(٢) .

٢ ـ «وَاتّبِعْ ما يُوحْى إلَيْكَ وَاِصْبِرْ حَتّى يَحْكُمَ اللّه وَهُوَ خَيْرُ الحاكِميْن »(٣) .

٣ ـ «وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إلاّ بِاللّه وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ »(٤) .

٤ ـ «وَاصْبِرْ نَفْسكَ مَعَ الَّذيْنَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداوَة وَالعَشِيِّ »(٥) .

٥ ـ «فَاصْبِرْ لِحُكْم رَبّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الحُوْت »(٦) .

٦ ـ «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلا »(٧) .

__________________

١ ـ الاسراء : ٩٠ ـ ٩٣.

٢ ـ الاحقاف : ٣٥.

٣ ـ يونس : ١٠٩.

٤ ـ النحل : ١٢٧.

٥ ـ الكهف : ٢٨.

٦ ـ القلم : ٤٨.

٧ ـ المزمل : ١٠.

٤٧٧

معاجز النبيّ لم تنحصر في القرآن :

وبالمناسبة لابد أن نذكر أن المشركين ومن حذى حذوهم من الكفار والمعارضين للرسالة الإسلامية كانوا يطالبون رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعاجز وديات لا بدافع الرغبة في الايمان بدعوته بل بدافع اللجاج والعناد ، وإلا فان معاجز النبيّ لم تنحصر في الكتاب العزيز ، فقد اتى رسول اللّه بآيات ومعاجز كثيرة اُخرى غير القرآن ، كان كل واحد منها يكفي للاقتناع برسالته ، والايمان بصحة دعواه.

فالقرآن نفسه يشير إلى أبرز هذه المعاجز وهي :

١ ـ شقّ القمر

فقد طلب المشركون من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يشق لهم القمر نصفين حتّى يؤمنوا به ، فلمّا على ذلك لهم باذن اللّه كفروا به وقالوا انه سحر!!

يقول اللّه تعالى : «إقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ. وَإنْ يَروْا آيَة يُعْرضُوْا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتمِرّ »(١) .

٢ ـ المعراج

ان العروج برسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والّذي سيأتي مفصلا هو الآخر معجزة من معاجزه القوية ، وقد نطق بها القرآن بقوله : «سُبْحانَ الَّذي أسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرام إلى الْمَسْجِدَ الأَقْصى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُريَهُ مِنْ آياتِنا إنَّه هُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيرُ »(٢) .

____________

١ ـ القمر : ١ و ٢.

٢ ـ الاسراء : ١.

٤٧٨

٣ ـ مباهلة أهل الباطل

ان تقدم رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع مَن خرج بهم إلى المباهلة ، واحجام النصارى عن مباهلته ، معجزة اُخرى من معاجزهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه القضية إذ قال : «فَمَنْ حاجَّكَ فِيْهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءكَ مِنَ العلم فَقُل تَعالوا نَدْعُ أَبْناءنا وَأَبْناءكُمْ وَنِساءنا وَنِساءكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعلْ لَعْنَةَ اللّه عَلىَ الْكافِرينَ »(١) .

وستأتي قصَّة المباهلة على نحو التفصيل في حوادث السنة العاشرة من الهجرة.

٤ ـ الاخبار بالمغيبات

فقد كان رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبر عن اُمور غائبة كما يقول اللّه سبحانه حاكيا عنه : «وَاُنبِّئكُمْ بِما تأكلون وما تَدَّخِرُونَ فِيْ بُيُوتكُمْ »(٢) .

هذا وقد أخبرت الاخبار والاحاديث عن معاجز كثيرة لرسول اللّه غير القرآن الكريم.

__________________

١ ـ آل عمران : ٦١.

٢ ـ آل عمران : ٤٩ ، وقد اشار القرآن الكريم إلى موارد اُخرى من هذه القبيل.

فقد اخبر عن غلبة الروم بعد سنين : قال تعالى :

«الم غُلِبَتِ الرُّومُ * في أدْنى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَييغْلِبُونَ. في بِضْعِ سِنْينَ * للّه الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعدُ وَيَومئذ يَفْرحُ الْمؤمنون » ( الروم : ١ ـ ٤ ).

واخبر عن هلاك ابي لهب قال تعالى :

«تَبَّت يَدا أبي لَهَب وَتَبّ ... الخ ».

وأخبر عن هزيمة المشركين في بدر قال سبحانه :

«سيهزم الجمع ويولون الدبر » ( القمر : ٤٥ ).

٤٧٩

ومن هذه المعاجز ما ذكره الامام اميرالمؤمنين علّي بن أبي طالب ـ كما في نهج البلاغة ـ حول سؤال المشركين من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلع شجرة بعروقها وجذورها ولما فعل ذلك وقال : « يا أيّتها الشجرة ان كنت تؤمنين باللّه واليوم الآخر ، وتعلمين أني رسول اللّه فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ باذن اللّه ».

فانقلعت بعروقها ولها دوّي عجيب ووقفت بين يدي رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنهم كذّبوا وقالوا ساحر كذاب ، علواً واستكباراً.

وقد صرح الامام في كلامه هذا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرهم بانهم لا يؤمنون وان ظهرت لهم المعجزة الّتي طلبوها ، وان فيهم من يطرح في القليب ( في معركة بدر ) وان منهم من يحزّب الأحزاب ( لمعركة الخندق )(١) .

اصرار النبيّ على هداية قريش :

بل كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرص على هدايتهم وارشادهم وايقاظهم. فقد كان زعيم المسلمين وقائدهم يعلم جيداً بأن اعتقاد أغلبية الناس بالأوثان ما هو الاّ أمر نابع من تقليد الآباء ، والجدود ، أو اتباع أسياد القبيلة وكبرائها ، وهو بالتالي لا يستند إلى جذور في أعماق الناس واُسس في عقولهم ونفوسهم.

من هنا فانَّ أيَّ انقلاب يحصل ويحدث في اوساط السادة والكبراء بان يؤمن أحدهم مثلا كان كفيلا بأن يحلّ الكثير من المشاكل.

من هنا كان ثمة إصرار كبير على جرّ « الوليد بن المغيرة » الّذي أصبح ابنه « خالد » في ما بعد من قادة الجيش الاسلاميّ والمشاركين في الفتوح الإسلامية إلى صف المؤمنين بالرسالة المحمَّدية ، لأنّه كان أسنَّ مَن في قريش واكثرهم نفوذاً ، وأعلاهُم مكانة ، وأقواهم شخصية ، وكان يُدعى حكيم العرب ، وكانت العرب تحترم رأيه إذا اختلفت في أمر.

__________________

١ ـ نهج البلاغة : قسم الخطب الرقم ١٩٢.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543