نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي0%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف: الصفحات: 326
المشاهدات: 90272
تحميل: 5265

توضيحات:

نظرات حول الإعداد الروحي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90272 / تحميل: 5265
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

باستمرار فهؤلاء الذين يؤمنون بالله تعالى كما يؤمنون بكرويّة الأرض ، ودورانها حول الشمس ، ولا يتعاملون شعوريّاً مع هذه الفكرة الخطيرة. لا يتمثّلون في ذلك الوعي الديني والكوني ، وإنّما هم فقط ( يفهمونه ) ويبقى الوعي لهذا الإنسان الذي يفكّر في الأشياء ، ويحسّها من خلال ارتباطها بالله ويتذكّر الله باستمرار

وما يُشترط بالإنسان المسلم غير ما يُشترط في الشخصية الإسلامية ، إنّ ما يشترط في الإنسان المسلم من أجل أنْ ينتمي رسمياً إلى الإسلام ، هو أنْ يؤمن بالله ورسوله إيمانَ فهم ، ويعلّق هذا الإيمان بكلمة الشهادة مثلاً لأكثر فهم ولكن ما يشترط في الشخصية الإسلامية ، ويعتبر العنصر الأول من عناصرها شيء آخر هو ، الوعي الإيماني ، أو الإيمان بوعي ، بمعايشة ذهنية. بالنظر إلى الأشياء ، والعالم من خلال الارتباط بالله تعالى

وبهذه يصبح الفكر الإسلامي شيئاً آخر ، أو بالأحرى ينتقل إلى مرحلة أخرى هي مرحلة ( الرؤية الفكرية ) أو ( البصيرة ) شيء تحسّه ، وتراه. وتؤمن به كما تؤمن بالأشياء التي تواجهها ، وتقوم في حسّك وعقلك(١) فمثلما ترى نفسك وأنت تشاهد الأشياء ، وتبصرها. وينشدّ ذهنك إليها. كذلك ترى نفسك وأنت تؤمن بالله وتؤمن باليوم الآخر ومرحليّة هذه الحياة

مراحل الاعتقاد

في هذا العالم ناس ملحدون ، تمردوا على خالقهم ، فأنكروا وجوده ، أو عاشوا في هذه الحياة معيشة ضنكاً ، وفيه أيضا مشككون ، قد أتعبتهم

١٠١

الحيرة ، واستحكم فيهم القلق ، والتردّد. إلى جانب هؤلاء ، هناك مؤمنون بالله تعالى عند حدود ( الفهم ) ويقرّرون وجود الله تعالى كما يقرّرون وجود الحياة على كوكب المرّيخ ، أو كما يشرحون لك تحوّل السدم إلى مجرات. فهم يؤمنون بالله من الناحية الفعلية ، والمنطقية ، ولكنهم لا يؤمنون به شعورياً، ولا يحسون وجوده المقدس. وهنالك المؤمنون الذين تجاوزوا مرحلة ( الفهم ) إلى مرحلة ( الوعي )

وإيمان الوعي هو أنْ تبصر الله في خلقه وعند نعمه ، ولا تنساه نسيان شعور بل تعيش وجوده وتستشعر به تعالى ، وهناك من يتجاوز مرحلة ( الوعي ) إلى مرحلة ( الإحساس ) واليقين ، ( فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون ، وهم والنار كمن قد رآها ، فهم فيها معذّبون )

وهكذا فمراحل الاعتقاد ثلاثة كما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الإيمان أفضل من الإسلام ، وإنّ اليقين أفضل من الإيمان ، وما مِن شيء أعزّ من اليقين )(٢)

المرحلة الأولى : مرحلة الإسلام ، وهي أنْ تؤمن إيمان ( فهم ) بشهادة ( لا إله إلا اللّه ، محمد رسول الله ) ، ولا تقتضي هذه المرحلة سوى التصديق بالله تعالى ، وكماله وتوحيده ، ونبوة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتؤمن إجمالا بما جاء به ، كما تصدّق بالنظريات العلمية مثلاً من دون معايشة ومشاركة ، ومن هنا جاء في خبر سُماعة عن الصادقعليه‌السلام :

١٠٢

( الإسلام شهادة أنْ لا اللّه إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح ، والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس)(٣)

المرحلة الثانية : مرحلة الإيمان ، وهي إنْ تؤمن بالحقائق الدينية الكبرى إيمان ( وعي ) لا إيمان فهم. وبالإيمان تخرج من مستوى الفهم ، والتقدير العقلي لقضية الوجود الإلهي ، واليوم الآخر ، وارتباط الخلق ببارئه إلى مستوى الوعي ودخول القضية إلى القلب ، والمعايشة الروحية ، واستشعار الهداية والطمأنينة

( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )

وفي خبر سُماعة عن الصادقعليه‌السلام :

( . والإيمان : الهدى ، وما ثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام درجة ) (٤)

وعن الفضيل بن يَسار عن الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الإيمان ما وقر في القلوب )(٥)

١٠٣

يبقى هنا : إنّ العمل بالشريعة إنّما هو نتيجة للإيمان ؛ لأنّه من عناصره ، ومظهر له لا مخبر. وبهذا نجمع بين ما دل على دخالة العمل في الإيمان ، وما دل على خروجه عنه من النصوص

ويبقى أيضاً : إنّ من الممكن في مرحلة الإيمان أنْ يقع شيء من الوسوسة ، ولا يضر ذلك في إيمان المؤمن ، فإنّ الإيمان اطمئنان القلب ، وعقدة الهداية التي تسري في النفس ، وهذا لا يلغيه وقوع خاطرة شيطانية في الذهن

ففي حديث صحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ( جاء رجلٌ إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، هلكت. فقال له : أتاك الخبيث ، فقال لك : مَن خلقك ؟ فقلت : الله ، فقال لك : الله من خلقه ؟ قال : إي ، والذي بعثك بالحق نبيّاً لكان كذا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذاك والله محض الإيمان )(٦) إلى غير ذلك من النصوص الواردة في عدم منافاة الوسوسة للإيمان

المرحلة الثالثة : مرحلة اليقين ، وهي أعلى المراحل وأسماها ، وأعزّها، وهي مرحلة الإحساس ، وانكشاف الغطاء

( لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً )

وتحوّل الغيب إلى شهادة

وليس هنا وسوسة ، أو فراغ ، وإنّما هو تواجد مستمر للقضية في الإحساس ، والشعور

وأنت تستطيع أنْ تجد الكثير من المؤمنين الذين عاشوا قضية الإيمان ، ودخَل الإيمان قلوبهم ، وشاع الهدى في نفوسهم ، ولكنّ اليقين أمرٌ عزيز لا

١٠٤

يأتي إلاّ للفرد النادر من الناس. فعن الرضاعليه‌السلام :

( الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين )(٧)

ومن نماذج أهل اليقين ما جاء في نص معتبر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالناس الصبح فنظر إلى شاب ، وهو يخفق ، ويهوي برأسه ( تأخذه سنة من النعاس فيميل رأسه ) مصفرّاً لونه ، قد نحف جسمه ، وغارت عيناه في رأسه فقال رسول الله : كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت يا رسول الله موقناً. فعجب رسول الله من قوله ، وقال : ( إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول الله ، هو الذي أحزنني ، وأسهر ليلي ، وأظمأ هواجري ، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتى كأنّي أنظر إلى عرض ربّي وقد نصب للحساب ، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم ، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون ، وعلى الأرائك متّكئون وكأنّي أنظر إلى أهل النار ، وهم فيها معذّبون مصطرخون ، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : هذا عبدٌ نور اللّه قلبه بالإيمان ثمّ ، قال : الزم ما أنت عليه. فقال الشاب : ادع الله لي يا رسول الله ، أنْ أرزق الشهادة معك. فدعا له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يلبث أنْ خرج في بعض غزوات النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فاستشهد بعد تسعة نفر فكان هو العاشر )(٨)

١٠٥

ذكر الله

إن مرحلة الإيمان التي تمثل الحد الأدنى في الشخصية الإسلامية ، ويعيش معها الكثير من المؤمنين. تتضمن عنصرين : -

الأول : عدم الارتياب ، والشك في وجود الله تعالى وأيّة حقيقة دينية أخرى ، لقد بحث المتكلّمون في أنّ الظن وهو الاحتمال الراجح الذي يُعاكسه احتمال آخر مرجوح ، هل يكفي في تحقق الإسلام ، وانتماء الإنسان إلى الإسلام ؟ وهذا على مستوى البحث الكلامي بحث وجيه

وأمّا على المستوى التربوي. فإنّ من الواضح أنّ أي احتمال معاكس وأيّ ارتياب في أي حقيقة دينية ، فهو يتكافأ مع الحد الأدنى المطلوب في الشخصية الإسلامية

يقول تعالى :

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (٩)

الثاني : ذكر الله. وذكر الشيء ، حفظه في النفس والشعور به ، وذكر الله تعالى : هو أن يكون وجدانك ، وشعورك ممتلئ به منشدّاً إليه

أي أن تعيش خشية الله تعالى في مشاعرك وتفكيرك ، ومن نتائج هذا الحضور الشعوري لله تعالى في ذهن المؤمن ذكره على اللسان ، وتسبيحه وحمده

١٠٦

فذهن المؤمن وشعوره ( ميّال ) بطبعه إلى ذكر الله تعالى ، والارتباط المستمر به. و( تداعيات ) ذهنه تكون عادةً إليه تعالى ؛ لأنّ الله تعالى هو ( وجهة ) حياته ومحور تفكيره ، وشعوره وتوجّهه النفسي ، فهو إذا تجدّدت عليه نعمة ذكر الله ، وإذا نزلت به نازلة ذكر الله واسترجع ، وإذا أقدم على فعلٍ ذكر الله ، وإذا أذنب ذكَر الله واستغفر إليه ، وإذا نظر إلى إبداع الخلق ، وشيء من ملكوت السماوات والأرض ذكَر الله ، هكذا

وهكذا فإنّ أغلب أحاسيسه وأفكاره ( تدعوه ) إلى ذِكر الله تعالى ، وهذا هو العيش الشعوري ، والحياة الذهنية المؤمنة مع خالق الكون العظيم المتعال. أمّا أنْ يكون الإيمان بالله تعالى مجرّد كلمة تتردّد على الأفواه ، وفهم لا يخرج عن دائرة الجزم والتصديق الساذج دون أنْ يشيع في العقل والشعور والتفكير. فليس هذا من الإيمان في شيء. وغاية الأمر أنّه خطوة نحو الإيمان. وأرضيّة من الممكن أنْ يبنى عليه الإيمان ، والذكر.

كان متمّم بن نويرة يبكي أخاه مالكاً. يذكره ويبكيه عندما يرى ناراً ؛ لأنه بذاك يذكر نار أخيه الموقدة إلى الصباح تنتظر الضيوف ، ويبكيه ويذكره كلّما رأى قبراً ، لقبرٍ ثوى بين اللوى فالدكائك ، ولامه صاحبه على ذلك على هذه التوسعة في معايشة ذكرى مالك على هذا البكاء عند كلّ قبر

وكان جواب متمّم أبياتاً من الشعر يقف إلى الآن عندها الأديب ، وعالِم النفس ، والمؤمن الذي يبحث عن تجارب شعورية تشبه تجربة المؤمنين مع الله :

لقد لامني عند القبور على البكا

رفيقي لتذارف الدموع السوافكي

فقال أتبكي كلّ قبرٍ رأيته

لقبرٍ ثوى بيــن اللوى والدكائك

١٠٧

فقلت له :

إنّ الشجا يبعث الشجا

فدعني فهذا كلّه قبر مالك

إنّ شدّة مقتل مالك في نفس متمّم وسعت من نقاط التفاعل الشعوري بين الأخ وأخيه ، وأظهرت الترابطات الخفية بين ما يشاهده ويحسّه من قبر ، ونار ، وغير ذلك ، وبين الأخ القتيل

والمؤمن كذلك مع الله وان شدة تعلقه بالله تعالى وانشداده إليه يجعله دائم الذكر له سريع الإدراك

للترابطات الموجودة بين الأمور المحسوسة من حوادث وأشياء ، وظواهر ، وبين الخالق العظيم

إنّ تجربة ذِكر الله تعالى ، ومعايشته الشعورية والذهنية تقوم على أساس توسعة المثيرات الباعثة للذكر شعورياً. فبينما لا يتذكّر الإنسان العادي الله إلاّ عند حوادث استثنائية فإنّ الإنسان المؤمن ، يذكره عند عدد كبير جداً من الحوادث ، والظواهر ، والأشياء ، والأفعال. من خلال إدراكه للترابطات الخفية والظاهرة بين هذه الأمور وبين الله - ويفترق هنا الإنسان المؤمن مهما بلغ من الانشداد إلى الله تعالى عن الإنسان المتصوّف المغالي في العمليات التصوفية

إذ يحتفظ الإنسان المؤمن بقدرته العقلية على التمييز بين ( ما يذكره ) بالله تعالى ، وبينه سبحانه دون أنْ يوحّد بين المذكِّر والمذكَّر به. أمّا الإنسان الصوفي الذي يُغالي في التصوّف فهو يفقد قدرته العقلية على التمييز ويؤكّد - في شَطَحاته - وحدة المخلوقات مع الخالق

هذا وبما أنّ حالة التواجد الشعوري المستمر لفكرة الإيمان بالله تعالى في

١٠٨

النفس أمر غير ممكن - عملياً - فلذا كان ما يربّي عليه القرآن الكريم هو ، أن نذكر الله ذكراً كثيراً مع إتاحة الفرصة للذكر المستمر. الدائم لله :

وقد تنوّع الحث القرآني على ذكر اللّه تعالى :

(١) - ذكر الله كثيراً :

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ) (١٠)

(٢) - ذكره تعالى عند الذنب :

( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ اللَّهُ ) (١١)

(٣) - ذكر الله في مواطن العبادة وأوقاتها :

( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) (١٢)

( وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ )

( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً )

(٤) ذكره تعالى في الشدّة والبلاء :

١٠٩

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً ) (١٣)

( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (١٤)

(٥) - ذكره تعالى عند التذكير :

( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَاناً ) (١٥)

( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً ) (١٦)

(٦) - ذكر الله تعالى بصورة مطلقة

( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ) (١٧) الى آخر ما ورد من الحث على ذكر الله ، واستحضاره في مختلف مجالات حياة الإنسان .وهذه الآيات الكريمة إمّا أن تحث على الذكر الذهني لله تعالى بشكلٍ مباشر ، أو أنّها تحث على الذكر اللفظي ، ليكون ذلك سبباً للذكر الذهني وعلى أي حال فهي لا تهدف إلى اللفظ وتكرار الأصوات ، وإنّما إلى الذكر الحقيقي ، والمعايشة الذهنية.

هوامش

____________________

(١) - قد يكون معنى البصيرة في مثل قوله تعالى :( بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) و( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) هو الفكرة التي تشتمل على عنصري

(١) - الطابع العملي. أو بالأحرى أنها فكرة ذات عطاءات عملية

(٢) - إنها فكرة معايشة ومستحضرة فالبصيرة ترادف الوعي ، أو الرؤى الفكرية

(٢) - أصول الكافي ج ٢ ص ٥١

(٣) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٠

(٤) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٥

(٥) - أصول الكافي ج ٢ ص ٢٦

(٦) - أصول الكافي ج ٢ ص ٤٢٠

(٧) - أصول الكافي ج ٢ ص ٥١

(٨) - أصول الكافي ج ٢ ص ٥٣

(٩) - الحجرات / ١٥

(١٠) - الأحزاب / ٤١

(١١) - آل عمران ١٣٥

(١٢) - البقرة / ١٩٨

(١٣) - الأنفال / ٤٥

(١٤) - البقرة / ٤٦

(١٥) - الفرقان / ٧٣

(١٦) - السجدة / ١٥

(١٧) - الأعراف / ٢٠٥

١١٠

من عطاء الذكْر

قلنا : إن ذِكر الله هو المعايشة الشعورية له ، والإحساس بوجوده المقدّس باستمرار

وللذكر هذا آثار عظيمة في شخصية الإنسان المؤمن. نذكرها فيما يلي :

١ - إنّ ذكر الله تعالى شعور بمراقبته ، ورصده لأفعال العبد وتصرّفاته وفي هذا قوّة عظيمة ( دافعة ) على الالتزام والتقيّد بالحدود ، والقيود الإسلامية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( مِن أشدّ ما فرض اللّه على خلقه ذكر الله كثيراً. ثمّ قال : لا أعني سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله والله اكبر ، وإنْ كان منه ، ولكن ذكر الله عندما حلّ وحرّم ، فإنّ كان طاعة عمل بها ، وإنْ كان معصية تركها )(١٨)

وفي هذا الخبر دلالة واضحة على أنّ المفهوم السليم للذكر هو ذكر الله في النفس خيفة ، وتضرّعاً وإن كان للذكر اللفظي دور ، وأهمية تربوية كما مر

٢ - إنّ تجاوز الأشياء الحاضرة المتناهية ، والعيش الشعوري مع الله تعالى ، يخلق حالة التعالي ، والتسامي في شخصية الإنسان المسلم ، هذه الحالة التي تُعد من أكبر مميزاته الشخصية ، وسماته الذاتية. فإنّ مَن يعيش

١١١

حلاوة الذكر ويتنعم باستشعار اللّه تعالى يقترن ذلك لديه الشعور بالتعالي ، والتسامي على صغائر الأمور وجزئيات الحياة ، التي تشغل همّ الناس وتقع مورداً لتنافسهم ، وتصارعهم

٣ - وهذا ( التجاوز ) الشعوري ، والتعالي ، والتسامي في المشاعر ، والمدركات هو الذي يخلق في شخصية الإنسان المسلم حالة أُخرى هي( الاطمئنان ) ، والاستقرار النفسي و( السكينة ) ، و( الوقار ) - في مفهومه الأخلاقي الأصيل - قال الله تعالى :

( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (١٩)

والسبب في الاطمئنان بذكر الله تعالى. هو أنّ الاستقرار النفسي ، إنّما يتحقّق للشخصية فيما إذا ارتبطت شعورياً بمنطلقات غير متغيّرة

أمّا إذا انشدّت إلى أشياء متحرّكة ، مضطربة ، فإنّ هذا الاضطراب سينعكس على النفس بصورة قلق على شيءٍ يخشى زواله ، أو شيءٍ يخشى وقوعه ، وبصورة خوف ، وهم ، وحزن. وجزع

والمؤمن إذ يعزف عن الدنيا ، ويكفر بقيمها الفانية ، ويعيش شعورياً مع الله. ويرتبط نفسياً به ، فإنّ الاستقرار عندئذ هو النتيجة الطبيعية المترتّبة على ثبات الله تعالى الذي تتعلّق به النفس ، والشعور

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٢٠)

١١٢

( إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاّ الْمُصَلِّينَ ) (٢١)

٤ - ويتعرّض الإنسان في مسيرته إلى ألوان من المكاره والمضايقات ، والوحدة ، والغربة ، إذ يتفرّق الناس عنه ويسخرون منه ، ويكذّبونه ، ويعيشون في عالم غير ما يعيش فيه

وهنا قد ينتهي إلى ( ضيق ) نفسي يمنع عقله من الحركة ونفسه من الانطلاق ، وإرادته من الثبات والصمود ، وقد ينتهي به هذا الضيق إلى ( اليأس )، و( التشاؤم ) ، والشعور بالضعف ، والانكسار ، والذي يعالج هذه الحالة ويبعث في النفس الانفتاح، والتفاؤل ، ويجدد لها حيويّتها ، ونشاطها واندفاعها في حقول العمل ل له.

والجهاد في سبيله هو ذكر الله. واستشعاره ، والإحساس به كما يوجّه إلى ذلك ويدل عليه الإعداد القرآني للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في لحظات المعاناة من التكذيب ، والسخرية فاقرأ هذه الآيات المباركة ، ولاحظ كيف تعالج حالة ( الضيق ) النفسي بذكر الله تعالى. واستشعاره والإحساس به

( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ) (٢٢)

( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ

١١٣

لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) (٢٣)

( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) (٢٤)

المكانة الشعورية للحياة في نفس المؤمن

إنّ أشياء الحياة ، وظواهرها ، تدرك في شعور المؤمن في سياق مركب شامل يضم أطراف الوجود كلّه من حيث المبدأ والغاية ، والسنن الجارية فيه وفي هذا المركب الشامل الذي يضع المؤمن فيه أشياء الحياة ، وظواهرها سوف يعطي كلّ شيء منها ، قيمته الحقيقية فلا ( يحقر ) ولا ( يصمّ )

وقد نشأ في أطوار الحضارة المادية ، وحتى في الحضارة المادية المعاصرة اتجاهان مختلفان ، يمثّلان الانعكاس الطبيعي للنظرة المادية إلى العالم

(الأول ) : الاتجاه القائم على تصنيم ظواهر الحياة وبالخصوص ما يتعلّق منها بالهوى ، والشهوة ومن هنا أصبحت عبادة الدنيا البديل الطبيعي عن عبادة الله ، والتواجد الشعوري للدنيا في نفس الإنسان بديلاً عن التواجد الشعوري لله ، وحقائق الوجود الكبرى .

١١٤

(الثاني ) : الاتجاه القائم على تحقير الحياة ، وتفريغها من أيّ معنى ، وهنا يشعر الإنسان بالغربة في هذا الوجود والعبث ، والغثَيان ، والقلق ، الخ .

نتيجة لعدم الإيمان بارتباط هذا الكون بمبدأ وغاية وجودية ، والإنسان المؤمن في ارتباطه بالله عزّ وجل وتعامله مع العالم مِن خلال التصوّر الإسلامي له يضع الأشياء ، والحياة في مواضعها الطبيعية ويمنحها القِيم التي تستحقّها

فلأنّه يدرك أنّ كل هذه الظواهر الكونية أعراض وجودية - لو صحّ التعبير - وأنّ الحقيقة الوجودية الكاملة التامّة هي الله ، والله وحده وأنّ كل ما في الكون يأتي ويروح وكل شيء فان ، وأنّ أشياء هذه الحياة من أموال وبنين ، ونساء ليس لها قيمة إلاّ من خلال كونها ( نعماً ) إلهية ، ووسيلة خير فهو - لهذا - لا يمكن أنْ يصنّم هذه الأشياء ، والظواهر ولا يمكن أنْ تحتلّ في شعوره وتفكيره ما يحتله الله تعالى

ولأنّه يدرك أنّ هذا الكون هو فعل الله تعالى وأنّ الحياة نعمة من نعمه ، هي وما فيها من أشياء ، وأنّها يمكن أنْ تكون طريقاً ، ووسيلة تنتهي به إلى خير دائم. وسعادة أبدية يغطّيها رضوان الله تعالى ، فهو لا يمكن بحال أنْ ( يحقّر ) الحياة أو يتعامل معها - والعياذ بالله - كعبث لا معنى له

ولأنّه يدرك ، ويعلم بأنّ هذه الحياة مرحلة من الحياة كلّفه اللّه تعالى فيها ، واختبره واستخلفه للقيام بدور معيّن ونمط معيّن من السلوك والاعتقاد ، فهي ليست لديه تحلّلاً من القيم ، وانهماكاً في اللذات ، وركضاً وراء الشهوة ، والأهواء

١١٥

وهكذا فإنّ لدى المؤمن ثلاثة إحساسات تجاه الحياة :

١ - الإحساس بهذه الحياة ك‍ ( نعمة إلهية ) وخير الهي يتفضّل به الله على هذا الكائن الفقير

وهو إحساس لا ينتهي إلى ( الشكر ) فقط ، وإنّما إلى الانفتاح النفسي على الحياة ، والتجاوب الشعوري معها أيضاً وبعض الناس ينظرون إلى النعم الإلهية من مال وبنين ونساء. بنظر شؤم ، وتطير ؛ لأنّها في اعتقاده هي مصائد الشيطان ، وحبائل مكره ، وخِدَعه وهذا خطأ. فإنّ أشياء هذه الحياة نعم الله. وخيره ، وبركاته ، وتفضّلاته على الناس. وحبائل الشيطان ، وخدعه ليست هذه الأشياء بذاتها. وإنّما هي أهواء النفس المرتبطة والمتعلّقة بها

٢ - الإحساس بهذه الحياة كمرحلة عابرة في مسيرة الحياة تمهّد إلى حياة دائمة خالدة ، والإحساس بقصر مدّتها وحركة أحداثها ، وعدَم استقرارها لأحد. وهي بهذا تسمّى ( دنيا ) لأنها أدنى من أنْ تمتلك قلب المؤمن أو تكون محطّاً لعبادته ، وهواه

وتربية هذا الإحساس من أهم ما حاوله القرآن الكريم والهداة المعصومونعليهم‌السلام باعتباره من قمم الإحساسات والمشاعر الإيمانية التي يتميز بها الإنسان المؤمن

( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (٢٥)

١١٦

( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (٢٦)

( وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ) (٢٧)

( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً *الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ) (٢٨)

( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (٢٩)

وهناك آيات كثيرة تؤكّد هذا المعنى ، وهناك عدد هائل من النصوص

١١٧

الواردة في تصوير عرضيّة الحياة الدنيا وزوالها. وكونها منطقة عبور ، وممر للآخرة ، ومرحلة تمهيدية لها

والغرض من هذا ليس ( تفهيم ) المسلمين هذه القضية الواضحة لديهم ، وإنّما ( تحسيسهم ) بذلك وتوعيتهم عليه ، حتى تكون لديهم ( بصيرة ) من بصائرهم ، ورؤية فكرية واضحة لديهم تهديهم الطريق ، وتدفعهم إلى العمل

إنّ وعي الحياة الدنيا على حقيقتها ، والإحساس بنهايتها ومرحليتها هو الطريق الطبيعي لإنهاء حالة الركون إلى الدنيا ، ومعانيها ، والركض وراءها والهم لها. يضيّع الإنسان المؤمن أحياناً في هذه الدنيا. فتراه يبني له أحلاماً واسعة ، يستهدف بها الجاه ، والمركز. والمجد والذكر الحسن عند الناس ، وينهمك في هذه الحياة. فيتصارع مع إخوته على معانٍ زائفة فيها. لماذا ؟ لأنّه يفتقد في هذه اللحظات أحاسيس المؤمنين ، ومشاعرهم ولا يملك فعلاً وعياً كونياً عامّاً يهديه الطريق ويحدّد له القيم الكبيرة لمعاني الإيمان ، والقِيَم الصغيرة لتوافه الحياة الدنيا ، ومعانيها المبتذلة

إنّ مشكلة الإنسان المسلم وكل إنسان ، أنْ يفهم أكثر بكثير ممّا يعي ، ويعيش في مداركه ، ومشاعره ، ويعي أكثر ممّا يطبّق ، وينسجم نفسياً مع ما يعيه ، ويشعر به

إن هذا الوعي بعرضية الحياة الدنيا ، ومرحليّتها لا يعطي قيمته في مقام العمل الاعتيادي. وإنّما أيضاً في مجال المواجهة ، والتصدّي لاضطهاد الجاهلية وسخرية الناس واستهزائهم ، ومن هنا أكّد عليه القرآن الكريم في عملية إعداد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد متعدّدة

١١٨

( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً * إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ) (٣٠)

( لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (٣١)

( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) (٣٢)

إنّ تنمية الوعي الكوني ، وتوسيع أُفق المؤمن ، وإطار تفكيره من أهم ما يعتني به القرآن الكريم. وذلك أنّ شخصية الإنسان تنمو بمقدار توسّع آفاقه ، ونمو وعيه الكوني الكلّي الشامل ، فأنت إذ تتحسّس الحياة بشمولها وتعي هذه الحياة مرحلة عابرة ، وتعيش هذا الوعي فسوف ترى كم يكون الطغيان تافهاً ، وكم يكون الطغاة صغاراً في الحساب التأريخي ، وحساب الحياة في شمولها وسعتها. وحساب الكون ، وخالق الكون. وسوف تبصر بعينيك القيمة الصغيرة لكلّ جاهلية ، وللجاهلية كلّها في حساب الحياة

٣ - الإحساس بالحياة الدنيا على أنّها دار فتنة واختبار ، على أنّها مرحلة لاختبار الفعالية البشرية ، وأخلاقية هذا الإنسان في مقام عبوديته ،

١١٩

وتعامله مع الله ، ودوره في هذه الحياة

( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (٣٣)

( وأنّ اليوم عملٌ ولا حساب ، وغداً حسابٌ ، ولا عمل )

هوامش

____________________

(١٨) - أصول الكافي ج ٢ ص ٨

(١٩) - الرعد / ٢٨

(٢٠) - الفجر / ٢٩

(٢١) - المعارج / ٢٠ - ٢٢

(٢٢) - طه / ١٣

(٢٣) - غافر / ٥٥

(٢٤) - ق / ٣٩ - ٤٠

(٢٥) - التوبة / ٣٨

(٢٦) - يونس / ٢٤

(٢٧) - الرعد / ٣٦

(٢٨) - الكهف / ٤٥ - ٤٦

(٢٩) - العنكبوت / ٤٦

(٣٠) - المزمل ١٠ - ١٣

(٣١) - آل عمران ١٩٦ - ١٩٧

(٣٢) - المعارج ٥ - ١٠

(٣٣) - سورة الملك ٢

ولا تنفصل عملية الإحساس بمرحلية الحياة الدنيا وعرضيّتها عن الإحساس بالموت ، واليوم الآخر. ويمكن أنْ نعد كل هذه الأحاسيس إحساساً واحداً. بنظرة إلى الحياة نظرة شاملة وبعيشها بشمولها هذا الذي يستوعب الحياة الدنيا ، ومرحلة الانتقال ، والمرحلة الأخيرة الأبدية

وقد حفل نهج البلاغة بالوعظ ، والتذكير بحقيقة الدنيا والموت ، والآخرة ؛ لأنّ عصر الإمامعليه‌السلام كان يعيش طغيان الروح الدنيوية والركون إلى الحياة الدنيا ، وكانت المهمّات التي أناطهاعليه‌السلام بالأمّة آنذاك مع ظروفها النفسية ، وحدّيته في تطبيق الإسلام بصورته الأصيلة تستدعي الكثير من الوعظ والتذكير. هذا كلّه مضافاً إلى أنّهعليه‌السلام كان بصدد بناء

١٢٠