نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي0%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف: الصفحات: 326
المشاهدات: 88700
تحميل: 5132

توضيحات:

نظرات حول الإعداد الروحي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88700 / تحميل: 5132
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وإصراراً على الاستمرار على النهج ، وعلى الولاء للحق. كانت ( الزيارات ) بيعاً وشراء للأنفس ، والأموال في سبيل الله تعالى. وكانت تظاهرة وتعظيماً لشعائر الله في الأرض. واستهداء بمصابيح الهدى الزاهرة في ليل الانحراف الداجي. والأيام الصعبة السوداء. فليس - على هذا - من عجب أنْ رأينا زيارة سيد الشهداءعليه‌السلام تفضل في النصوص على الكثير من الإعمال والمستحبات الخطيرة

هذا مضافاً إلى ما ورد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام :

( إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالتعهد زيارة قبورهم ، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم ، وتصديقاً بما رغبوا فيه كانوا أئمّتهم شفعاءهم يوم القيامة )

(١) - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( إنّ زيارة قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارة قبور الشهداء ، وزيارة قبر الحسين صلوات الله عليه ، تعدل حجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله )

(٢) - ( عن عمران بن عبد الله بن طلحة الهندي ، عن أبيه قال : دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام

قال : ( يا عبد الله بن طلحة ، ما تزور قبر أبي الحسين ). قلت : بلى إنّا لنأتيه

قال : ( أتأتونه في كل جمعة ؟) قلت لا ، قال : ( أفتأتونه في كل شهر ؟ ) قلت : لا، فقال : ( ما أجفاكم ، إنّ زيارته تعدل حجّة وعمرة )

٣٠١

(٣) - وعن أبي الحسن موسىعليه‌السلام :

( أدنى ما يثاب به زائر أبي عبد اللهعليه‌السلام بشط الفرات إذا عرف حقّه ، وحرمته وولايته ، أنْ يُغفر له ما تقدّم من ذنبه ، وما تأخّر )

(٤) - من وصايا أبي جعفرعليه‌السلام لأصحابه - كما عن محمد بن مسلم :

( مروا شيعتنا بزيارة الحسينعليه‌السلام ؛ فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كلّ مؤمن يقرّ به بالإمامة من الله )

(٥) - علي بن ميمون الصائغ قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( يا علي ، بلغني أنّ أناساً من شيعتنا تمرّ بهم السنة والسنتان ، وأكثر من ذلك لا يزورون الحسين بن علي ) ، قلت : إنّي لأعرف أناساً كثيراً بهذه الصفة. فقال : ( أما والله لحظّهم أخطأوا ، وعن ثواب الله زاغوا ، وعن جوار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنّة تباعدوا )(١٥)

ونلاحظ من خلال بعض هذه النصوص : أنّ من أهداف الأئمةعليهم‌السلام

٣٠٢

أنْ يخلقوا تيّاراً اجتماعياً لزيارة الإمام الحسينعليه‌السلام . وكان هذا مرتبطاً بأهداف الثورة ونجاحها

ونلاحظ أيضاً أنّ زيارة المشاهد ليست فقط محاولة لخلق جو إيماني. وإنما هي أيضاً استشعار لوجود القدوة. وتمثّل معانيها الخيرة في الفكر ، والروح ، والسلوك ، وفي العطاء والجهاد ؟ تأكيداً للشعور بالائتمام والاقتداء.

الأخ الصالح في الله

وممّا ينبغي على المؤمن - في مجال التربية الروحية - اتخاذ الأخ الصالح في الله. والإخوة الصلحاء. فإنّ للإخوة والقرناء التأثير البالغ على شخصية الإنسان ؛ لأنّهم أكثر ما في البيئة الاجتماعية تأثيراً عليه ، وأثراً في شخصيته. وقد سجّل القرآن الكريم أنّ بعض الناس دخلوا إلى النار بسبب قرناء السوء. وبعضٌ كادوا أنْ يدخلوها. وعن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( المرء على دين خليله وقرينه )(١٦)

والتعاشر بين المؤمنين ، ولقاؤهم ، وعلاقتهم الشخصية له دور كبير في استمرار الروح الإيمانية عندهم ، وتنميتها وتحصينهم من الانحراف ، والتحلل ، والتميع وتركيز القيم الإيمانية في نفوسهم فهي - بأي مستوى كانت من الجدية والهدفية - مثمرة ومنتجة ، وأفضل بكثير من العزلة والانطواء على الذات. إنّ الانطواء ، والعزلة عند أكثر الناس سبب لانحرافهم تماماً مثل معاشرة الأشرار.

٣٠٣

وهكذا ينبغي على المؤمن :

(١) - التخلّص من العلاقة بقرناء السوء إذ :

( لا ينبغي للمسلم أنْ يواخي الفاجر ؛ فإنّه يزيّن له فعله ، ويحب أنْ يكون مثله ، ولا يعينه على أمر دنياه ولا أمر معاده. ومدخله إليه ومخرجه من عنده شين عليه ) كما ورد عن أمير المؤمنين(١٧)

ولكن إذا كان يضمن عدم التأثّر به ويحتمل التأثير عليه فلا بأس بمصاحبته من أجل هدايته ، وإصلاحه ، وفي ذلك ثواب عظيم

( يا علي ، لأنْ يهدينّ الله بك رجلاً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وما غربت )

(٢) - عدم العزلة والانقباض عن الناس خصوصاً عن المؤمنين لما للعزلة من أخطار كثيرة ، وكبيرة على شخصية الإنسان. وإنْ كانت العزلة الموقتة الدورية أمراً ضرورياً في حياة المؤمن كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى

ولذا ورد عنهمعليهم‌السلام : الحث على التزاور والتعاطف

( اتقوا الله كثيراً ، وكونوا إخوة بررة ، متحابين في الله ، متواصلين متراحمين ، تزاوروا ، وتلاقوا ، وتذاكروا أمرنا ، وأحيوه )

٣٠٤

( تواصوا ، وتباروا ، وتراحموا ، وكونوا إخوة بررة ، كما أمركم الله عزّ وجل )

وعن خثيمة قال : دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام أودّعه فقال :

( يا خثيمة ، أبلغ من ترى من موالينا السلام ، وأوصهم بتقوى الله العظيم ، وأنْ يعود غنيّهم على فقيرهم ، وقويّهم على ضعيفهم. وأنْ يشهد حيّهم جنازة ميّتهم ، وأنْ يتلاقوا في بيوتهم ، فإنْ لقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا ، رحم الله عبداً أحيى أمرنا ، يا خثيمة ، أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم شيئاً إلاّ بعمل ، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بالورع ، وأنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ خالفه إلى غيره )

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :

( لقاء الإخوان مغنم جسيم وإنْ قلّوا )

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم ، وذكراً لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطف

٣٠٥

بعضكم على بعض )

وعن ميسر عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لي :

( أتخلون ، وتتحدثون ، وتقولون ما شئتم ؟ فقلت : إي والله ، إنّا لنخلو ونتحدث ، ونقول ما شئنا. فقال : أما والله لوددّت أنّي معكم في تلك المواطن ، أما والله إنّي لأحب ريحكم وأرواحكم ، وأنّكم على دين الله ، ودين ملائكته ، فأعينوا بورعٍ واجتهاد )(١٨)

(٣) - وليس يكفي قطع العلاقة مع الأشرار ، وقرناء السوء وتكوين العلاقات الوثيقة بالمؤمنين. وإنّما يلزم كل مؤمن - من أجل تكوين الجو الإيماني - أنْ ينمّي من جدية العلاقة لا بمعنى إخلائها من كل مضمون عاطفي ، وصلات شخصية ، بل بمعنى إثرائها ، والاستفادة الرسالية منها. لأنّ هذا هدف رئيس من أهداف تمتين العلاقة ، وتوثيقها بالمؤمنين.

الأزمنة الخاصّة للعبادة والتربية

وكما أمر الإسلام باتخاذ ( أمكنة ) خاصة للتربية والعبادة كذلك ركّز في الشعور الديني عند المسلمين ( أزمنة معيّنة ) خصّصها للتربية ، والعبادة من قبيل الشهر العظيمر ، شهر رمضان المبارك ، شهر الله الذي يستضيف فيه المؤمنين ويستمطرون بركاته ، وهداه ، وغفرانه ، ورحمته.

هوامش

__________________

(١٠) - الوسائل أبواب الذكر

(١١) - البيان من تفسير القرآن للسيد الخوئي ص ٢٦ - ٢٧

(١٢) - المرجع السابق ص ٢٩ - ٣٠

(١٣) - هذا مع أنّهم ( الأئمة ) يفعلون العكس ويقولون : ( ما خالف كتاب الله فهو زخرف لم نقله ) و( ما جائكم عنّي يُخالف كتاب الله فلم أقله ) ، و( كل شيء لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) و( وما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه )

(١٤) - الوسائل أحكام المساجد باب ٣

(١٥) - الوسائل أبواب المزار من كتاب الحج باب ٢ و٢٥ و٣٧ و٣٨

(١٦) - أصول الكافي ج ٢ ص ٦٤٢

(١٧) - أصول الكافي ج ٢ ص ٦٤

(١٨) - أصول الكافي ج ٢ ص ١٧٥ - ١٧٩ وص ١٨٦ - ١٨٧

٣٠٦

هذا الشهر الحافل بالعطاء ، والممارسات العبادية التي يعزّ على الإنسان المؤمن أنْ تفوته حتى لو كان يمارس أعمالاً أخرى أهم وألزم

هذا الشهر الذي فيه كثرة ، وتركيزاً في الصلاة ، وكثرة وتركيزاً في الدعاء ، والتوجّه إلى الله تعالى. واحتفالاً عامّاً في مشاعر الناس ، وشعاراتهم. الشهر المليء بالخيرات ، والمليء بالمناسبات الدينية العظيمة

لقد شاء الله تعالى في تربيته لعباده. أنْ يوجد إلى جانب الخط الدائم في التربية. خط الصلاة اليومية والذكر المستمر خطاً آخر دورياً يتمثّل في أوقات معينة يستعد فيها المؤمنون إلى نشاطات عبادية أكبر

دورة أسبوعية تمثّله في يوم الجمعة المباركة من حيث ما فيه من أدعية ، وزيارات ، وتوجيهات ، ودورة سنوية متمثّلة في شهر رمضان المبارك ، الذي يتم الإعداد الروحي له في شهر رجب ، وشعبان ، والشهرين العظيمين في الشهور. ودورة حياتية متمثلة في الحج قابلة للاستزادة في كل حين. ودورة في أيام معدودات متمثلة في الاعتكاف الذي يمكن أداؤه في أي وقت تقريباً وفي هذه الدورات ينتفي مضعف الألفة الذي نجده في الصلاة اليومية ، ويعيش المؤمن العبادة غضّة طريّة في أيامٍ قليلة من العمر.

خامساً : الثقافة الإيمانية

الثقافة هي - في واحد من مداليلها المتعددة ، نقصده هنا بالذات - هي الرؤى الفكرية التي تؤثّر في عواطف الإنسان وسلوكه ، وقيمه ،

٣٠٧

وطريقته في الحياة

والثقافة الإيمانية ، هي بصائر ، وهدى ، وأفكار تقرب من الله وتسهل الطريق على من يريد أنْ يتكامل في هذا الطريق

ليست الأفكار مقطوعة الصلة بالحياة العاطفية والسلوكية للإنسان ، بل لها أكبر الأثر فيها ، وتؤثّر ، وتتأثّر بها ، ويتكاملان ، كما يقتضي ذلك منطق القرآن الكريم

( كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) (١٩)

( لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ) (٢٠)

وعلى أساس هذا المنطق القرآني ففي الثقافات ما يقرب إلى الله ومنها ما يبعد عنه : الدافع إلى الله الذي يفتح للإنسان عينه ، ويبصره نقاط ضعفه ، وسبيل نموه ، وأساسيات حياته الدينية ، ومنها الحاجز الذي يحول بين الروح الإنسانية ، وبين الانطلاق في طريق التحرّر الذاتي والتكامل الوجداني وعبادة الله

والثقافة الإيمانية التي تقرب إلى الله تعالى. تتألّف من عنصرين :

(١) - المنهج الإسلامي في التفكير الذي ينظر إلى الأشياء بالطريقة القرآنية ، أو المنطق الإسلامي الخاص ، الصدور عن القرآن الكريم ،

٣٠٨

التلقّي من الله تعالى ، والانفتاح على كلماته التعامل الفكري مع الغيب ، لا الغيبية الميتة ، بل التعقّل الذي يأخذ فيه الدين موقعاً مركزياً ، سَواء في الشعور أم في الالتزام. والمعايشة الفكرية الكثيرة ، للفكر الغربي والاتجاهات المادية ، وعدم الاهتمام الثقافي بالقرآن الكريم والسنّة ، والتاريخ الخاص يؤثّر بشكل واضح على طريقة المؤمن في التفكير ، وكيفية تناوله للأمور ، ويبدو له الدين من خلال ذلك اتجاهاً بين الاتجاهات. وطريقة من الطرق يدافع عنها ولكن منهكاً مرهقاً

(٢) - الأفكار والمعلومات الإيمانية في مجال العبادة والأخلاق ، والسيرة والقرآن الكريم ، والنفس البشرية والعلاقات مع الناس ، وغير ذلك ممّا تتشكل المعرفة فيه إعداداً فكري ، للتربية الروحية ، وتكوين الأحاسيس ، والمشاعر الإيمانية ، وبناء السلوك الديني المستقيم ، وقد تعيش مع الكثير من المؤمنين ، يستهينون بالإعمال العبادية ، فلا يرونها مهمة إنّما المهم عندهم الفكر ، والعمل الفكري ، والاهتمام بأمور الناس ، وهؤلاء لا يفتقرون إلى قلبٍ سليم ، أو نيّة حسنة أو روح دينية ، وإنّما يفتقرون إلى رؤية سليمة فقط من الممكن أنْ تتوضّح لهم بسهولة. فيفتح لهم ذلك الطريق إلى الله. والنمو الروحي والوجداني

إنّ الأفكار والثقافة التي تتصل بالقرآن الكريم ، وكلمات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وسيرته تصحّح الكثير من الأفكار الخاطئة عن التربية الروحية ، وعن الإسلام بشكلٍ عام ، وتصدر بالإنسان المسلم من منبع ثقافي أصيل ، وتخلق له إطاراً ذهني ، وشعوراً يتعامل معه. وداخله ، وهو إطار يفترض المبادئ الدينية ، ويجعل من المؤمن يتعامل مع الأفكار

٣٠٩

من خلاله ، وليس على حسابها. وهي أيضاً معايشة ، ولقاء مستمر مع الله تعالى ، ومع القادة الميامين الأطهارعليه‌السلام

ومن الممكن هنا أنْ نسجّل بعض الكتب في المجال الأخلاقي والتربوي نرى من الضروري للإنسان المؤمن أنْ يتدارسه ، ويتعامل معها باستمرار :

(١) - أصول الكافي لثقة الإسلام الكليني المتوفى في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، والجزء الثاني منه بالخصوص وهو يشتمل على كتاب الإيمان ، والكفر ، كتاب الدعاء ، كتاب فضل القرآن ، كتاب العشرة

(٢) - وسائل الشيعة للحر العاملي ، فإنّ فيه مجموعة كبيرة مفيدة من هذه الناحية. منها : - كتاب جهاد النفس. المذكور في كتاب الجهاد ، وكتاب أبواب العشرة. في كتاب الحج ، كتاب جامع السعادات للنراقي ، وهو كتاب أخلاقي إسلامي. وهو على العموم كتاب نافع جليل ، ومؤثّر أريد به أنْ يكون ردّاً على الانحراف الصوفي والتحلل الديني في آن واحد ، ولا يضر في الاستفادة من هذا الكتاب عدم ضبط رواياته ، أو تأثره بالفلسفة الإغريقية وروحه الفردية أحياناً ؛ لأنّه كما قلنا نافع على العموم. ومأمون الجانب في هذا المجال

ومن الكتب النافعة وفي هذا المجال. مجال الفكر الإيماني كتاب فلسفة الصلاة ،ومكّة في ضمير المسلم للشيخ علي الكوراني ، وتذكرة الدعاء للبهي الخولي ، والكتاب المسيحي ، دائرة المعارف السيكولوجية المترجم في

٣١٠

جزئين من قبل عبد اللطيف شرارة ، وبعض آخر فإنّه كتاب نفسي عملي ومفيد.

سادساً : مخالفة الأهواء - الصوم :

إنّ كل مؤمن له أهواؤه - قلّت أو كثرت وهي قد تتعلّق بالمال ، الأكل والشرب ، الجاه والمركز ، التحكّم والسيطرة على الآخرين ، الخ

والهدف النهائي الذي يطمح إليه المؤمن هو إلغاء هذه الأهواء من نفسه ، وتطهير مشاعره ، ووجدانه ودوافعه منها تطهيراً كاملاً

أمّا المهمّة الآنية والملحة ، فهي إضعاف تأثير هذه الأهواء على السلوك ، والتحكم فيها ، وعدم السماح لها بالسيطرة على النفس ، بل عدم السماح لها بالنفوذ بأي شكل من الإشكال

وبكلمة أخرى : إنّ المهمّة الآنية للإنسان المؤمن هي تأمين سيطرة الإرادة الربانية على النشاط ، والسلوك بحيث تكون مقدمة على الأهواء ، والميول الذاتية في النفس

والتحكّم في الأهواء ، وإلغاؤها نهائياً من صفحة النفس والشعور ينتج من مجموعة عوامل أهمّها أو من أهمّها. مخالفة الهوى

( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )

وذلك لان كل عاطفة ، أو انفعال أو هوى ، يضعف إذا لم تنفذ مطالبه ، ولم يلبّ ما تقتضيه من تصرفات

٣١١

وبكلمة أخرى : توجد لدينا حقيقتان ثابتتان :

(١) - إنّ لكل عاطفة أو هوى ، أو انفعال تصرّفاً يقتضيه وينتهي إليه ، فحب المال ينتهي إلى الحفاظ عليه ، وعدم التصدّق به وحبّ المركز يقتضي من الإنسان أنْ يحاول الظهور أمام الناس في المجالات الفكرية ، أو الخطابية أو الدينية

(٢) - إنّ الفصل بين الهوى ، وبين نتيجته العملية ، وعدم تلبية مطالبه إضعاف له ، وزعزعة لسيطرته على النفس ، وتحكمه في السلوك ، وتقوية للإرادة الربانية ( الجهاز الحاكم في الشخصية الإسلامية ). والفصل بين الهوى ، ونتيجته العملية أمر ممكن لان العلاقة بينهما علاقة ( الاقتضاء ) لا علاقة ( اللزوم )

إنّ مخالفة الأهواء بالنسبة إلى الإنسان المؤمن العامل في سبيل الله هي من أهم مهامه الآنية ؛ لأنّه أحوج من غيره إلى الإرادة الحازمة ، والقدرة على التحكم في الأهواء ومخالفة النفس. إنّ خوف مقام الله تعالى ، ومخالفة النفس ، والصبر ، واليقين هي دعائم الشخصية الرسالية القيادية ، أو من دعائمها المهمة ، وقد بين الله تعالى ، إنّه قد جعل من بني إسرائيل أئمّة لمّا صبروا ، وكانوا بآياته يوقنون والصبر ، هو الإرادة الحازمة ضد ميول النفس ، واتجاهاتها الذاتية ، ولا يتم تكوين هذه الإرادة إلاّ من خلال مخالفة النفس

وللإسلام طريقته الخاصة في مخالفة الأهواء. إنّ الصوفي لا يهمه أنْ يخالف هواه عن طريق إلقاء ماله في البحر. أو عن طريق سرقة أموال

٣١٢

الناس ليكتشفوه بعد ذلك فيهينوه ، وتسقط هيبته من أعينهم فيعاف الظهور ، والمركز ، أو عن طريق الوقوف على رأسه إلى الصباح كما ينقل الغزالي ذلك في ( إحياء علوم الدين )

إنّ هذه الوسائل محرّمة في نظر الإسلام ، ولم ينزل الله بها من سلطان ، قلنا فيما سبق إنّ من روائع الإسلام ، ومن نعم الله تعالى علينا أنّه كما حدّد لنا الأهداف التربوية كذلك حدّد لنا الوسائل ولم يتركنا للتخبط الصوفي ، وترهات الغزالي ، وأمثاله ، أو إلى طريقة التأمل البوذي. أو غير ذلك من محاولات هذا الكائن الجاهل الضعيف

أمر الإسلام بالتحكّم في النفس. وأكد على ضرورة سيطرة الإرادة الربّانية ومخالفة الأهواء. وحدّد لنا الطريق

لا ترمِ مالك في البحر ، ولا تبسط يدك كل البسط فتقعد ملوماً مدحوراً ، ولا تسرف لأنْ الله لا يحب المسرفين ، ولكن أنفق العفو ، وأدّ الصدقات المستحبّة والواجبة. والإسلام يعي أنّ الهدف من الزكاة ، والصدقة ليس هو إعانة الفقراء فقط ولكن تطهير الوجدان البشري من حب المال ، وتمكّنه من القلب

( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )

ومن هنا فإنّ الإسلام في باب الصدقة أوجب الزكاة. ولكن من جهة أخرى حث على الصدقة. وكان هذا الحث بدرجة الاستحباب.

٣١٣

وهذا يعني أنّ الإسلام يريد من ذلك أنْ يكون طواعية ، واختياراً ليكون أثر قدرة على التطهير والتزكية. وحثّ إلى جانب ذلك أنْ تكون الصدقة سرّاً ؛ لأنّ صدقة السر أفضل من صدقة العلانية. وأكثر قدرة على تنمية الروح المخلصة والروح المرتبطة بالله. ومن هنا كان على المؤمن أنْ ينفق عفو ماله وفضله ، أنْ يتحسس حاجات إخوانه ، وأنْ يحافظ على الطابع السرّي للإنفاق قدر الإمكان

ولم يرد الإسلام أنْ يعيش على مزابل الكلاب ليواجه بذلك أهواءه كما يقول الصوفي

(لا يكون الصوفي صوفياً حتى يجعل من زوجته أرملة ، ومن أولاده أيتاماً ، ويعيش على مزابل الكلاب )

وإنّما أمره إلى جانب الصدقة ، والإنفاق السري أنْ يصون لسانه من الكذب ، والغيبة ، ومن محاولات الظهور والثرثرة ، وأنْ تكون قاعدته الصمت إلاّ في موارد الحاجة والضرورة ، وأنْ يتعلّم الصوم المستحب. الذي يكف به عن الشهوة ساعات.

شهوة الجنس ، وشهوة الطعام والشراب. والصوم المستحب من أروع العبادات الإسلامية التي تربط الإنسان بالله تعالى ، وتنمّي الإرادة ، وتصعد من ملكة الصبر. ومن أهم مجالات الصوم المستحب ، صوم ثلاثة أيام في الشهر. ( أول خميس من الشهر ، وآخر خميس ، والأربعاء الوسطى ) وقد ورد الحث الشديد على ذلك في النصوص. وهو من القدرات الروحية التي إنْ كانت مستحبّة على

٣١٤

الإنسان المسلم من زاوية شرعية ، فهي إلزامية على الداعية من ناحية المنطق الأخلاقي ، والروحية الإسلامية ؛ لأنّ الداعية يلزمه أنْ يعد نفسه لتحمّل القول الثقيل ، والسير في طريق ذات الشوكة ، وأنْ يعاني مرارة الاستقامة في خضم العمل الاجتماعي ، وكل هذا لا يتم إلا من خلال التربية ، والإعداد الروحي القائم على هذا ، وأمثاله. ومن عناصر الداعية المسلم في هذا الميدان هو أنْ يتأمّل ذاته ، ويحسب نشاطاته ، ويدرسها. سيجد أنّ بعض التصرّفات تقوم على أساس دواعي الهوى ولم يقصد الله فيها ، ولم يذكره أصلاً. هنا يجب عليه ، أو ينبغي له أنْ يتوقف مؤقتاً ، وأنْ يتأمّل قبل الأداء ، فإنْ كان تصرّفه ، وموقفه ضرورياً من الناحية الشرعية أقدم عليه ، وأداه مثاباً مأجوراً ، وأنْ لم يكن موقفه ضرورياً من الناحية الشرعية ، والدعوتية تركه ، وأهمله. خاصة في موارد التقييمات ، والكلام على الناس ، ومواجهتهم

سابعاً المحاسبة والنقد الذاتي

(١) عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال :

( ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإنْ عمل حسناً استزاد الله ، وإنْ عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه )

(٢) - عن أبي ذر ( ره ) في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

( يا أبا ذر حاسب نفسك ، قبل أن تحاسب ،

٣١٥

فإنّه أهون لحسابك غداً ، وزن نفسك ، قبل أنْ توزن. وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض ، لا تخفى على الله خافية. يا أبا ذر ، لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه اشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ، ومن أين ملبسه ، امن حلال أو من حرام ، يا أبا ذر ، من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار )

(٣) عن عليعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

( أكيس الكيّسين مَن حاسب نفسه ، وعمل لما بعد الموت ) ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، كيف يحاسب نفسه ؟

قال : ( إذا أصبح ثمّ أمسى رجع إلى نفسه وقال : يا نفسي ، إنّ هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً. والله يسألك عنه بما أفنيته ، فما الذي عملت فيه أذكرت الله أم حمدته ، أقضيت حوائج مؤمن فيه ، أنفّست عنه كربه ، أحفظته بعد الموت في مخلفيه ، أكففت عن غيبة أخ مؤمن ، أعنت مسلماً ، ما الذي صنعت فيه ؟ فيذكر ما كان منه ،

٣١٦

فإنْ ذكر أنّه جرى منه خير حمد الله ، وكبره على توفيقه وإنْ ذكر معصية ، أو تقصيراً استغفر الله ، وعزم على ترك معاودته)

(٤) علي بن طاوس روينا في الحديث النبوي المشهور :

( حاسبوا أنفسكم قبل أنْ تحاسَبوا ، وزِنوها قبل أنْ توزَنوا ، وتجهّزوا للعرض الأكبر )(٢١)

إنّ البناء الروحي. وهو تمكين الإيمان والإرادة الربانية من النفس في فكرها ، ووجدانها ، ونشاطها. لا يتم إلاّ من خلال تقوية الإيمان ، والوجدان الإسلامية ، والإرادة الربانية من جهة. والوعي الذاتي ، ومعرفة حيَل النفس ، وأساليبها في الدفاع ، ونقاط ضعفها من جهة أُخرى ؛ وذلك لأنّ من الممكن أنْ تعمل الدوافع الذاتية في النفس من دون أنْ يشعر بها الإنسان

والوعي الذاتي الشامل ، ومعرفة النفس يتم من خلال ما يلي :

(١) - دراسة النفس دراسة شاملة. حيث يقوم المؤمن هنا بملاحظة ذاته من خلال تجربتها السابقة ، وخبرته الطويلة بها ، ويدرسها دراسة كاملة. ويحدّد ما فيها من نقاط ضعف ، ونقاط قوة. ويركّز ذلك في ذهنه ، أو يسجله في مذكّراته ، وتشمل هذه الدراسة الحالات كافّة ، الجانب الثقافي ، والجانب الروحي والجانب العلمي. الخ

(٢) - يراقب الإنسان المؤمن ذاته ، ويركّز نظره عليها في نشاطها

٣١٧

اليومي

(٣) - يحاسب ذاته محاسبة دورية يومية ، أو أسبوعية ، ويدرس في ذلك نشاطاته السابقة ما قدمه ، وما خالف فيه ، وما قصر عنه ويحدّد ذلك. فيحمد الله ، إنْ هو أطاع الله وذكره وتورّع عن محارمه ، ويتوب عما خالف. ويعزم على الترك ، ويبني نهجاً جديداً ، وهكذا في كل دورة

وليحذر المؤمن إثناء كل ذلك من خداع النفس ، ومن غرورها ، وعجبها فإنّها أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم الله. مهلكة لصاحبها إلاّ ما وفّق

ثامناً : الاعتكاف

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

( كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان العشر الأواخر ( من رمضان ) اعتكف في المسجد وضُربت له قبّة من شعر ، وشمّر المئزر وطوى فراشه )

وعنهعليه‌السلام عن آبائه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( اعتكاف عشرة في شهر رمضان تعدل حجّتين ، وعمرتين )(٢٢)

في الاعتكاف عناصر متعدّدة ، وجهات كثيرة تمثّل طابعه التربوي المتميز وفيه :

٣١٨

(١) - التفرّغ للعبادة وذكر الله. فالمؤمن في أيّامه العادية يحكم ضرورات الحياة ، وضرورات العمل لا يمكن أنْ يؤدّي الكثير من المستحبّات العبادية ، ولهذا فهو يقتصر على مقدار قليل معيّن من العبادات أمّا الاعتكاف ، فهو المكث في المساجد للعبادة. فيه يتفرّغ الإنسان المؤمن ، ويتنصّل مؤقّتاً عن الأشغال في الحياة الخاصة ، والأعمال الاجتماعية ليؤدّي لربّه حقه. ولنفسه حقّها. وهو عليه دورة تربوية ضرورية للإنسان المسلم ، يستزيد فيها من ذكر الله ، ومعايشة تصوراته عن الكون ، والحياة ، والوجود ، ويتذكّر فيها أيّام الله الخالية فتعيش روحه ، وقلبه ، بالنشاط العبادي المكثّف الجديد على النفس ، الذي لم يتضرّر بالألفة ، وروتين العادة ، واقتطاع هذه الأيام المعدودة ضرورة تربوية من أجل الإعداد ، والتركيز الروحي. وهو نظام اختطّه الله تعالى في منهجه التربوي لهذا الإنسان

(٢) - مخالفة الأهواء. متمثّلة في الصوم إذ ( لا اعتكاف إلا بصوم ) الذي يمثّل مخالفة هوى النفس في الأكل والشرب والجماع. وفي الامتناع عن المراء ، والجدال

(٣) - العزلة المؤقّتة عن الناس ، وإتاحة الفرصة لمراجعة النفس ، ومحاسبتها واختبارها. فأنت في خضمّ العمل الاجتماعي مملوك لمهمّاتك الاجتماعية. وهذا ما يضعف من أصالة الفعل ، وإيداع النشاط ، ومن مراجعة الذات ، وتقييمها وبالتنصّل مؤقّتاً من العمل الاجتماعي ، وسفاسف الحياة الصغيرة ، وحتى عن العمل الفكري يتيح للإنسان أنْ يراجع ذاته ، وينظر في عيوبها ، ويقيمها تقييماً شاملاً ، ولينطلق بعد ذلك

٣١٩

في مواقفه عن طواعية ، واختيار ، وتلقائية ، وإخلاص وليزيد من تثبّته الديني ، وتركيز علاقته بالله تعالى وانقطاع رجائه ، وانشداه إلى الناس ، والأشياء ، والأهداف المرحلية اليومية

ومن هنا كان الاعتكاف. إحدى الضرورات الدورية المهمّة للداعية يتخلّى فيها عن رداءة التصرّف ، ويمحّص ذاته من شوائب الرياء والسمعة والانشداد إلى الناس ويتجلّى فيها الإخلاص ، والتثبّت ، والتركيز ، الديني. تركيز العلاقة بالله تعالى. ونشير أخيراً. إلى أنّ الإسلام لا يشجع العزلة التامّة المستمرّة عن الناس فإنّ في هذا أخطاراً كبيرة على النفس ، وتتنافى مع ما يعدّه الإسلام للإنسان المسلم من أدوار اجتماعية ، وعطاء اجتماعي متميّز. ولهذا يؤكّد الإسلام في نصوص كثيرة على أنْ لا يكون الاعتكاف إلاّ في مسجد جامع تقام فيه الصلاة جماعة.

تاسعاً : نظرة عامّة في الأساليب التربوية(٢٣)

نلاحظ أنّ أساليب الإسلام في التربية أكثر مما ذكرنا. ونحن هنا لخصّناها بإيجاز

عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

( لا خير في العيش إلاّ لرجلين : رجلٌ يزداد في كل يوم خيراً ، ورجل يتدارك منيته ( سيئته ) بالتوبة )

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :

٣٢٠