نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي0%

نظرات حول الإعداد الروحي مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 326

نظرات حول الإعداد الروحي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد مهدي الآصفي
تصنيف: الصفحات: 326
المشاهدات: 88703
تحميل: 5132

توضيحات:

نظرات حول الإعداد الروحي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 326 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88703 / تحميل: 5132
الحجم الحجم الحجم
نظرات حول الإعداد الروحي

نظرات حول الإعداد الروحي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

اللّه ، الذي اختطفته أيدي الإجرام البعثية من بيننا وهو بعد في غضاضة شبابه الطاهر النقي

إنّ قراءة سريعة وعابرة لهذا الكتاب يكشف عن أنّ كاتب هذا الكتاب لا يتحدث فيه عن دروس ونظريات وأفكار قرأها وسلّم بها ، وإنّما يتحدث عن معاناة ، وأنّ هذه الأشواط التي يصوّرها المؤلّف في الكتاب لتحرّك الإنسان إلى اللّه تعالى. قد قطعها المؤلّف غالباً فجاء الكتاب تعبيراً عن معاناة ومعايشة

وهذه الناحية مِن أهمّ خصائص المؤلّف الشهيدرحمه‌الله ، حيث كان بفضل اللّه تعالى يضم إلى الذهنية الخصبة والفكر الوقّاد ، والنبوغ المبكّر ، والرؤية النافذة. قلباً واعياً وبصيرة نافذة ، وصدراً شرحه اللّه تعالى ، ونوراً في القلب ، وانقطاعاً إلى اللّه ، وتبتّلاً وابتهالاً ويقيناً باللّه.

والى هذا وذاك ، كان يضمرحمه‌الله معاناة الداعية ، وخبرة وتجربة العاملين في سبيل اللّه ، ولا يملّ همّ الدعوة ، ويسعى في تحقيق أهدافها بنفسٍ صابرة مطمئنّة ، لا يعرف التعب والكلل ولا يملّ من العمل ولا يتسلّل إلى روحه الكبيرة اليأس ولا يجزع من ساحة العمل في حالة من الأحوال

كانت مدرسته محرابه ، ومحرابه ساحة عمله وجهاده ، وكان يجمع بشكلٍ يبعث على الإعجال بين هذه السوح الثلاث ، ويعمل فيها جميعاً بتوازنٍ عجيب ، فهو عالمٌ ضليع يراهق الاجتهاد رغم شبابه الغض

وكان يطرح فيه أُستاذه الكبير الشهيد الصدررحمه‌الله آمالاً كبيرة

٢١

لمستقبله في الفقاهة والعلم ، وفي نفس الوقت كان يتميّز بروحه الشفافة النقيّة والصافية ، وانقطاعه إلى اللّه تعالى ، وتهجّده ، ودعائه ، ومداومته على ذكر اللّه ، ثمّ كان إلى جنب ذلك مِن خيرة الدعاة إلى اللّه تعالى في الساحة الإسلامية في العراق ، في السرّاء والضرّاء ، لا يكلّ ولا يتعب ولا يعرف اليأس والخوف طريقاً إلى قلبه ، يتّقد نشاطاً وعملاً ، ويبعث في نفوس إخوانه الهمّة ، والنشاط ، والأمل والحركة. وقليل من الناس كذلك وذلك من فضل اللّه تعالى

وإذا علِمنا أنّ الشهيد السعيد الشيخحسين معن قد استطاع أنْ يجتاز هذه الأشواط البعيدة في العمل ويحقّق هذه المكاسب ويبلغ هذه القمم الرفيعة من العلم والعمل وهو بعد في سنّي الشباب لم يتجاوز العشرينات مِن عمره كان أدعى للإعجاب .

***

ومن الحقّ أنْ نقول في هذا الشهيد السعيد وفي الدعوة المباركة التي التزمها ، وامتزجت بدمه ، وروحه ، وعقله وأحاسيسه ، فكانت جزءاً لا يتجزّأ مِن وجوده. أنّ الدعوة الإسلامية هي التي فجّرت هذه الكفاءات والمواهب والقدرات في نفس شهيدنا السعيد ، وأنّه مدين إلى الدعوة بالكثير مِن الكفاءات والقابليّات والمنح.

إنّ الدعوة الإسلاميّة لا تبدع هذه الكفاءات ، وإنّما يبدعها اللّه تعالى بفضله ، ويودّعها حيث يشاء في نفوس عباده ، ولكنّ الدعوة الإسلامية ، وساحات العمل والجهاد تكتشفان هذه المواهب ، والكفاءات ، وتفجرانها

٢٢

وهذه سنّة اللّه تعالى في حياة العاملين. فإنّ العمل والجهاد كما يأخذان مِن العاملين يعطيانه أيضاً ، وما يعطيان أكثر ممّا يأخذان منه

وقد تفتّحت مواهب هذا الشاب وقدراته في ربيع عمره في هذا الحقل المبارك فأتى ثماره طيّبة شهيّة مباركة.

ولقد هيأ اللّه تعالى لشباب العراق بشكل خاص في الدعوة الإسلامية المباركة فرصة مباركة للنمو والانطلاق والتحرّك ، بعد سنوات عجاف من الخمول والضياع والحيرة والقلق والسقوط. مرّت علىّ العراق وعلى العالم الإسلامي جميعاً

فانطلقت هذه المسيرة تكتسح من أمامها رواسب سنيّ التخلّف ، وتبعث الحركة والوعي والقوّة والعزم في نفوس الشباب.

وفي هذا الوسط الحركي المبارك نشأ جيل من الشباب يتطلّع إلى إقامة حكم اللّه على وجه الأرض ، وتعبيد الإنسان للّه ، وكسر كبرياء الطاغوت وهيبته وإعادة الإسلام إلى صلب الحياة ، وإعطاء الإسلام الدور القيادي الفعّال في حياة الإنسان.

وتحرّك هذا الجيل بهذا الاتّجاه وعمل على تطهير المجتمع الإسلامي في العراق من رواسب سنوات التخلّف ونفوذ الاستكبار ، ومقاومة الحكّام العملاء الذين كانوا يمثّلون مصالح الاستكبار في المنطقة ، ومواجهة التحديّات بصبرٍ وإيمان ، فكان جوّ الدعوة الإسلامية في العراق مزيجاً من الإيمان والفكر والجهاد

٢٣

وشاء اللّه تعالى أنْ تنطلق هذه المسيرة المباركة مِن النجف الأشرف بالذات ، قاعدة الفقاهة ومدرسة أهل البيت منذ ألف سنة ، وشاء اللّه تعالى أنْ تكون بداية هذه الحركة على يدِ عددٍ من كبار الفقهاء وعلماء هذه الحوزة المباركة ، وشاء اللّه أنْ يكون الرعيل الأوّل مِن أبناء هذه المسيرة خليطاً مِن طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف وطلبة الجامعات ، تصافحاً وتعانقاً في جوّ الدعوة ، وانطلقا في موكب هذه المسيرة

والذي يعرف ما بذلت أجهزة الاستكبار العالمي وعملاؤه مِن جهدٍ لعزل هذين القطّاعَين المؤثّرين في المجتمع الحوزة والجامعة. يعرف قيمة الدعوة الإسلامية ودورها الكبير في كسر الحواجز النفسية والاجتماعية ، والسياسية بينهما ، وتشكيل مسيرة واحدة منهما.

واستمرت هذه المسيرة المباركة ، حتى التحمت بمسيرة الثورة الإسلامية في إيران ، بقيادة الإمام الخميني حفظه اللّه. في مثل هذا الجو المزدوج العبق : الحوزة العلمية ، والدعوة الإسلامية ، نشأ الشهيد الشيخحسين معن ،رحمه‌الله ، وتفتّحت كفاءاته وإمكاناته ، وانطلق باتّجاه العمل الإسلامي ، وتحرّك ، ودعا ، وكتب ، ودرّس ، وحاضر ، وخطب في الجماهير ، وربّى ، وجاهد ، وكافح جلاوزة البعث ، وسُجن ، وعُذّب في اللّه ، ثمّ استشهد ،رحمه‌الله ، وختم اللّه حياته بمسك الشهادة وآثره بها

***

وإذا ذكرنا الشيخحسين معن رحمه‌الله ، فلا يسعنا أنْ لا نذكر الجهود التي بذلها أستاذه الكبير الفقيه والمفكّر الإسلامي الرائد السعيد السيّد

٢٤

الصدررحمه‌الله في تربية وإعداد الشهيد

فقد لمّح السيد الشهيد الصدررحمه‌الله في هذا الشاب ملامح الذكاء والنبوغ المبكر والأصالة والنجابة فاحتضنه برعايته الخاصّة وأسبغ عليه عواطفه الأبوية المباركة ، وتبنى تربيته ، وكان يضع فيه ثقته وآمالاً كبيرة

وكان الشهيد الشيخحسين معن يحفظ لأُستاذه الكبير إلى آخر حياته احتراماً وحبّاً خالصاً. فرحم اللّه الأُستاذ والتلميذ ، وحقّق اللّه تعالى آمالهما بسقوط أعمدة الكفر وقيام حكم اللّه على أرض الرافدين ، وسلام عليهما يوم ولِدا ويوم استشهدا ويوم يبعثان حيَّين .

محمد مهدي الآصفي

٢١ / صفر / ١٤٠٥ ه‍ـ

الهوامش

____________________

(٢٠) - زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي ص ٦٣

(٢١) - مثير الأحزان ص ٥٦

(٢٢) - خصائص حياة الإمام الخميني ٢٠، ٢١، ٢٢

٢٥

٢٦

نبذة مختصرة عن حياة المؤلّف الشهيدرحمه‌الله

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لا تنطلق العبقرية والعظمة من أماكن معيّنة أو حيّزٍ محدود فحسب ، سواء كان هذا الحيّز عائليّاً أو دراسيّاً أو ما إلى ذلك ، بل قد تنطلق مِن كوخ متواضع في قريةٍ نائية أو من عائلةٍ مغمورة وغير مشهورة بالعلم أو الحكم أو السياسة

في قرية صغيرة من قُرى كربلاء الدم والشهادة والثورة ، كانت تسكن عائلة الحاج ناصر - أحد المتنفّذين في عشيرته (ألبوحِسن ) - وكان الشاب ( معن ) أكبر أولاده متطلّعاً منذ نعومة أظافره لطلب العلم ، ومتشوّقاً للدراسة الدينية ولكن والده يرفض ذلك بشدّة فإذا رأى هذا الشاب طلاب العلم يؤمّون كربلاء للدراسة يبقى متحسّراً لحرمانه من نعمة العلم ، فإذا عرض طلبه على والده زجره بشدّة وأخيراً اعتمد على نفسه فتعلّم القراءة والكتابة من زملائه في القرية ، وقرأ القرآن إلى أنْ صار معلّماً فيه. وعندما رزقه الله ولداً كانت الأُمنية الكبرى في نفسه : أنْ يرى ولده طالب عِلم فلمّا أكمل ولده الصف السادس الابتدائي منعه مِن مواصلة الدراسة في المدارس الرسمية. وعندما بلغ سنّ التكليف ذهب به إلى الحوزة العلمية في كربلاء. وهكذا بدأ شهيدنا حياته الدراسية ، ولم تمضِ عليه في حوزة كربلاء إلاّ عدّة شهور. وبينما كان الوالد يستقبل زوّار الإمام الحسينعليه‌السلام من المشاة في الزيارة الشعبانية ، حيث كان يفتح

٢٧

بيته لزوّار الإمام الحسينعليه‌السلام في هذه المناسبة استضافه أحد طلاّب العلم(٢٣) في النجف الأشرف ، ودار الحديث حول الدراسة في الحوزة ، فاقترح عليه أنْ ينقل ولده إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف ، بعد أنْ رأى فيه علائم الذكاء والنبوغ ، رغم صغَر سنّه ، فما كان اليوم الثاني إلاّ وأصبح الوالد في النجف الأشرف ليدخل ولده في مدرسة العلوم الإسلامية

ومن هنا برَزت معالم النبوغ في شخصية شهيدنا ، فجلب ذكاؤه نظر المجدين من طلاب العلم فحظي باهتمامهم ورعايتهم لما يتّسم به من ذكاءٍ خارق ، وذهنٍ ثاقب ، وجدّية منقطعة النظير ، حتى كان الإمام الشهيد الصدر يُسمّيه بالطالب المجد. ومِن جدّيته أنّ الكتاب ما كان لِيُفارقه أبداً ، حتى في المجالس العامّة مع إخوانه فبينما كانوا يتفكّهون في مجالسهم تراه منشدّاً إلى كتابه ، وإذا أشكلت عليه مسألة من مسائل الفقه والأصول تجده يعيدها مرّات ومرّات ولا يتركها حتى يفهمها ، ويهضمها جيداً ، وهكذا استمر شهيدنا بجدية متناهية ، حتى قطع مرحلة السطوح في سنوات لا تتعدّى أصابع اليد ليلتحق بالدراسات العليا المعبّر عنها بـ ( البحث الخارج ) وما مضت سنوات حتى لمع نجمه في حلقات الدرس العليا.

وممّا زاد في جديته وفاعليته انتماؤه لحزب الدعوة الإسلامية عام ١٣٩٠ه ، وظل مندكّاً في هذا التيار المبارك ، رغم الهجمة الشرسة ، التي شنّتها سلطات البعث الكافر في بغداد ، على الدعوة المباركة ، سنة ١٣٩٤ه‍ ، فطورد شهيدنا الغالي على أثرها مطاردة عنيفة جداً ، ممّا حمله على تغيير زيّه ، لمواصلة عمله. وبالرغم من هذا ، لم يكن ليوقفه عن تحصيله ،

٢٨

فكان يكلّف زملاءه ، بتسجيل محاضرات الإمام الشهيد الصدر والسيد الخوئي ليتابعها يوماً بيوم ، فلما ضاق به الأمر اضطر لأنْ يخرج من النجف الأشرف ليختفي في محافظات أُخرى وبالرغم من هذا الحرَج والمضايقة لم ينقطع عن العمل الرسالي ، فكان يلتقي بإخوانه في أماكن محدّدة ليتدارس معهم ظروف الدعوة فيوصلوا له الأخبار ويأخذوا منه التوجيهات والطروحات الرسالية.

أمّا الساعات التي ينفرد فيها وحده في المكتبة فقد كنت أرى منه : العجب العجاب في الجدية والتهام الكتب بمختلف أنواعها. كنت أراقبه عن كثب فإذا انبلج النهار ثنى ركبتيه وانكبّ على المطالعة إلى وقت الظهر ، وهكذا بقية الليل والنهار لا يتوقّف عن البحث والدرس وقد كنت أُحصي الساعات التي يقضيها في القراءة والبحث حتى كانت تصل إلى ( ١٦ ساعة ) في الليل والنهار وربّما بلغ في بعض الأحيان أكثر مِن ذلك وغالباً ما كنت أراه منكبّاً على الورقة والقلم حتى يطلع الفجر. حتى إذا اعترضت عليه يوماً لكثرة أتعابه قال :

( إنّ هدفنا أوسع وأكبر من أعمارنا ، ونحن يجب علينا في أوقات المطاردة واستحالة التحرّك أنْ ننقطع إلى الدرس والبحث ، وإذا فُسِح لنا المجال للعمل فيجب أنْ ننطلق بكلّ ما أوتينا من قوّة لإقامة الدولة الإسلامية.)

وبناءً على هذا الفهم الحركي نجده في فترة اختفائه وعلى وجه التحديد بعد إعدام كوكبة الدعوة الأُولى سنة ١٣٩٤ هـ - ١٣٩٥ هـ‍

أنتج عدّة بحوث

٢٩

في ظرف خمسة أشهر منها :

١ - الحرية في الإسلام

٢ - بحث ضخم بعنوان ( العلاقة الفقهية في الاقتصاد الإسلامي )

٣ - شرح الأُسس المنطقية للسيد الصدر

وكُتب أُخرى لا أذكرها جيداً. ولمّا هدأت العاصفة الهوجاء وخفّ الطلب ، عاد مرّة أخرى إلى النجف الأشرف ليواصل عمله بصورةٍ أوسع ، وهنا تجلّت خصاله الرسالية وبرزت شخصيته العلمية ، واستطيع أنْ أوجزها بالنقاط التالية :

١ - الاستماتة في سبيل اللّه :

كان شعاره ( المستميت لا يموت ) وكان يقول : إنّنا نحن الدعاة يجب أنْ لا نفكّر بشيء اسمه الحياة ، حتى قيام الحكومة الإسلامية في العراق ، إنّنا وقود الثورة الإسلامية والتفكير بغير هذا غير صحيح ، فما علينا إلاّ أنْ نتحرّك بجدٍّ وفاعليّة ونشاط ونبذل كلّ شيء في سبيل هذا الهدف العظيم ، حتى تُسفك دماؤنا في سبيل اللّه تعالى.

وكم كان أصدقاؤه يحذّرونه من سطوة الظالمين لحقدهم عليه ، وحبّذوا له الخروج من العراق إلاّ أنّه رفض ذلك بشدّة وأصرّ على مواصلة عمله في العراق وإنْ أدى ذلك إلى استشهاده. وكم مّرة قال : إنّنا باقون ها هنا تُسفك دماؤنا. ولتركّز هذا العنصر في شخصيته ما كان الخوف ليعرف إلى

٣٠

نفسه طريقاً أبداً ؛ ذلك لأنّه أعطى نفسه للّه. وكان يرى أنّها ملكه يتصرّف بها كيف يشاء

٢ - الجدّية والدأب على العمل :

كان دائب العمل ليل نهار على الصعيدين الفكري والاجتماعي بلا انقطاع ولا توقّف. بين دراسة وتدريس وبحث ، ودعوة إلى اللّه متواصلة لا تفتر ، ولا تلين ، وكنت أرى منه العجب فهو كلّما ازدادت الصعاب ، والمصائب يزداد عزيمة ، ومضاءً ، ومواصلة للعمل

إنّ انبعاثه للعمل بهذه الدرجة يدلّ على أنّ نفسه وصلت إلى حدِّ اليقين في إيمانها بصحّة الفكر الذي نذر نفسه له ، حتى عاد لا يرى في الوجود قوة مؤثّرة غير القوة المطلقة التي آمن بها.

كل هذا كان يُستوحى من سلوكه ، وصموده ، وإصراره على العمل ، كانت تصله أخبار سيّئة جداً فلا تعيقه عن عمله ولا تؤثّر فيه ، بل كان يعتبر ذلك أمراً طبيعياً وخلاصة القول : إنّ الرجل كان دؤوباً مجدّاً في عمله بمستوى قلّ نظيره في أوساط المجدّين.

٣ - الابتكار والتفنّن في أُسلوب العمل والبحث :

منذ سنة ( ١٣٩٤ هـ ‍) وقوى الظلم والعدوان تواصل البحث عنه في كلّ حدب ، وصوب. وما تركت مكاناً تتوقّع أنْ تجده فيه ، إلاّ اقتحمته ، وبأساليبٍ متباينة ، إلاّ أنّها لم تفلح إلاّ بعد ستّ سنوات ، ولم يكن هو المقصود وإنّما كان من باب الصدف

لقد اكتسب مهارة كبيرة في العمل السرّي ، والتملّص من الأعداء ،

٣١

والتخفّي عنهم إلى حدّ إنّه دخل السجن باسم مستعار وحكم عليه بالسجن المؤبّد ، ونقل إلى أبي غريب إلى أنْ كشفه اعتراف أحد الموقوفين سامحه اللّه.

وأمّا أُسلوبه في البحث ، والمناظرة فقد كان مبتكراً وجامعاً ومانعاً حيث أنّه كان واسع الثقافة في العلوم الحديثة على شتّى أصعدتها. إضافة إلى تخصّصه في العلوم الإسلامية. كان دقيقاً وأدبياً في المناظرة رأيته وقد ناظر الشيوعيّين ، ودعاة الاشتراكية ، ومروّجي الحضارة الغربية يستمع إليهم إلى أنْ يفرغوا ما في جُعبهم. وبعد ذلك أراه ينقضّ على أفكارهم مفنّداً ، وناسفاً وما يقومون عنه إلاّ وهم قد نبذوا ما جاءوا به.

قصده أحد دعاة الوجودية يوماً ، وبقي فترة يتحدّث له عن الفلسفة الوجودية ، ولما انتهى ، أخذ الشيخ الشهيد يشرح له عن الفلسفة الوجودية ابتداءً بتأسيسها ومروراً بأهدافها وانتهاءً بأسرارها وأبعادها فبقي ذلك الرجل متعجّباً وظنّ أنّه وجودي مثله ، وبعد أنّ شرحها له وشدّه إليه انقض على الفلسفة الوجوديّة وأخذ ينسفها لبنةً لبنة ، إلى أنْ انتزعها مِن ذهنه وقام عنه بعد مجلسٍ طويل ، وهو يقول عنه عجيب أمر هذا العالم ما أعمق ثقافته ! انّه لم يكن كلاسيكياً ، أنّه عميق الفكر

٤ - العمق الثقافي :

كان شهيدنا واسع الباع في العلوم الإسلامية عميق الغور فيها ، وخصوصاً : الفقه والأصول والمنطق والفلسفة على ما وصفه عارفوه من زملائه طلاب العلم

٣٢

وقد حضرت دروسه في تدريس المنطق وكتاب فلسفتنا واقتصادنا فكان كالسيل المنحدر من جبل شاهق لا يتوقف في مسألة ولا تشكّل عليه قضية ، وكان يشرح كتب السيد الشهيد ويزيد عليها وقد أشار مرّة إلى أنّ اقتصادنا وفلسفتنا - بالرغم من إكباره لهما - بعد إنْ قطعا فترة عشرين سنة من الكفاح الفكري أصبحا الآن بحاجة إلى المزيد من التوسيع لما استجدّ من بحوث فكريّة في الرأسمالية والماركسية والاشتراكية.

كنت أراه دائماً يركّز على بحث الفلسفات الأجنبية الشرقية منها والغربية وكذلك في العلوم الاقتصادية بكلّ أشكالها. مضافاً إلى عمقه الفكري في العلوم الإسلامية. وكان ينوي القيام ببحث مقارن بين القوانين الغربية والدساتير الإسلامية.

كان دائم الاطلاع على ما يستجد من بحوث العلوم الحديثة بصورة مستمّرة قلّما يفوته كتاب يصدر في ذلك ، وعندما تتمعن في مكتبته يأخذك العجب ، وتتصوّر أنْ صاحب هذه المكتبة فيلسوف ماركسي أو يوناني.

وعلى كلّ فإنّ أبا سجاد كان عالماً ، ومفكّراً رسالياً بكلّ ما للكلمة من أبعاد وكان يؤكّد دائماً على زملائه وطلاّبه بقراءة الفكر الإسلامي أوّلاً واستيعابه ، وهضمه ، وتمثيله ، فإذا وصل إلى درجة لا يدخل الشكّ ، في نفسه مِن أي جانب من جوانب الفكر ، انتقل إلى قراءة الفكر المادي بشقّيه الشرقي والغربي. وأخذا الجوانب الايجابية ومقارنته مع الفكر الإسلامي لإبراز معالم القوة في شريعة السماء.

٣٣

٥ - عمق الوعي الحركي :

اتّسم شهيدنا بروح حركية عالية لا تفتر ولا تلين أبداً في كلّ الظروف ، ولهذا لم يكن يهدأ له بال دون عمَل وخدمة متواصلة للمبدأ السامي رغم تعالي روح الحركية وسيطرتها على نفسه لم يكن ارتجالياً في أعماله ، بل كان دقيقاً في التخطيط والتنفيذ ، وقلّما سلك طريقاً أو قام بعمل قبل أنْ يحسب له ألف حساب

ولهذا واصل عمله في العراق طيلة ست سنوات من المطاردة العنيفة ، المتواصلة في كل مكان ، ولكن لم يثبت على نفسه أي أثر ولم يعطِ أيّ مستمسك يَطمع السلطة الغاشمة فيه. كان عالي الانضباط دقيق التحرّك بين بغداد ، والنجف ، وديالى ، والبصرة متنكّراً ، وحاملاً هوية مزوّرة يعبر بها نقاط التفتيش

وكان عميق الغور كتوماً إلى حدّ كبير بحيث أنّني عشت معه فترة طويلة ، ولم أستطع أنْ أقف على حقيقة انتمائه للدعوة المباركة ، إلاّ بعد أنْ عرفتها مِن بعض أصدقائه وزملائه ، ونتيجة لتفانيه وذوبانه في مبدئه الحركي كان يخرج في أيّام المحنة مِن الصباح ، ولا يرجع حتى منتصف الليل ، متنقلاً من فردٍ إلى آخر يقضي حاجة هذا ويوجّه ذاك وينقذ الثالث من ورطته

٦ - انشداده للثورة الإسلامية في إيران :

عندما انفجرت الثورة الإسلامية في إيران ملكت على شهيدنا كلّ أحاسيسه ومشاعره ووقته ؛ لذا كنّا نراه دائم التفكير فيها ، ويُتابع أحداثها ساعة بعد ساعة ، ويرفد إخوانه بالموقف السياسي ، والتحليل

٣٤

العميق للأحداث ، ويؤكّد للمؤمنين بما يبعث الأمل في انتصار الإسلام ، ويقول : ( إنّ الإمام الخميني سيعود إلى إيران ، ويقود المسيرة ، ويحطّم كلّ عروش الطاغوت ، وإنّ الانتصار حتميّ إنْ شاء اللّه وعلينا أنْ نكون الامتداد الطبيعي للثورة الإسلامية المظفّرة ، وأنْ نعمل بكلّ جهودنا على إنجاح تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران أكثر مِن اهتمامنا في العراق ؛ لأنّه لا سامح اللّه لو انتكست هذه الثورة ، فلا يقوم للإسلام قائم حتى قيام صاحب الأمر. وعلينا أنْ نعمل بكلّ توجيهات الإمام حفظه اللّه.

ولذلك كان حريصاً كلّ الحرص في بيان أبعاد الثورة وأهدافها ، وعظمتها ، ولذا رأيناه يشدّ الناس إلى قيادة الإمام ، ويعمل على تحصيل صور الإمام ليوزعها في النجف الأشرف وخارجه.)

وكثيراً ما كان يجلب لنا أكثر من كتاب كان ممنوعاً في العراق يومذاك ، وكانت هذه الكتب قد تهرّأت وتلف بعض موضوعاتها من كثرة تداولها

ولا أنسى ذلك الموقف الذي كان يتتبّع فيه عناوين الكتب في مكتبتي ، وأفرز مجموعة من الكراسات منها كتب قد حصلت عليها من دار التوحيد وكان مثل هذه الكتب قليلاً ومحذوراً في العراق آنذاك ، وطلب منّي أنْ يأخذها لينتفع بها الإخوة الدعاة ، فلمّا قلّت له : أرجو المحافظة عليها وإرجاعها قال : إنّ الدعوة المباركة قد علّمتنا إنّ الداعية لا يملك شيئاً ، هذه الأشياء مثل تساهم في تغيير الأُمة وإنّ طلاّبنا بحاجة إليها فينبغي أنْ لا نبخل عليهم(٢٤)

٣٥

٧ - الإيثار ونكران الذات :

في أيّام المحنة الأخيرة سنة ١٩٧٩ برزت على شهيدنا سمة نكران الذات ، وذوبان المصلحة الخاصة في مصلحة الإسلام إلى حدٍّ لا يصدق. فقد كان الدعاة المشردون من المحافظات الأُخرى يأوون إلى النجف الأشرف للتخفّي فكان أبو سجّاد يبذل كلّ جهده لتأمين اختفائهم وراحتهم ووصلهم بحلقات العمل.

ولهذا تراه يخرج من بيته ويسكن فيه عائلة ، أو عائلتين من المطاردين ويذهب هو ليفتش عن مأوى له ولأطفاله ، ولقد رأيته واللّه يشهد يدور على الطلبة ليأخذ مِن هذا صحناً ، ومن ذاك قدراً ومن ثالث فراشاً ، ليؤمن استقرار الدعاة المشردين حتى خرج من ثلاث بيوت أجرها لنفسه وبقي هو وعائلته في بيت ليس فيه غير فراش لا يكفي لشخص واحد، وتوسد هو وزوجته حجراً في ذلك البيت بعد أن أمّن مأوى أكثر مِن عشرين عائلة مِن عوائل الدعاة في النجف الأشرف ، وكنت أراه فاقد الراحة إذا عرف بأنّ أحد الإخوة الدعاة في حاجة شيء. ولا يهدأ له بال حتى يؤمّنها ، إمّا هو وعائلته فلا يهمّه إنْ وفّرها ، أو لم يوفّرها.

٨ - السمو الروحي :

كان شهيدنا عميق التديّن ، قوي الانشداد إلى اللّه تعالى ، يتجلّى ذلك بدقّة التزامه في الأحكام الشرعية. بصورة واعية تامّة. فإذا ما انفتل إلى صلاته تراه خاشعاً خاضعاً باكياً. وأمّا إذا سكن الليل واختلى بربّه تراه ناحباً متوسّلاً داعياً. وكان يتستّر على أعماله هذه بحيث يُحاول أنْ لا

٣٦

يعرفها أحد. وأما تكتمه على أعماله ، وعدم ذكرها أبداً ، فقد كان بدرجة عالية جداً فما سمعته يوماً قال أنا الذي قمت بالعمل الفلاني ، أو تحدّث عن انجاز قام به ، أو عن هدف حققه ، أو خطوة خطاها. كان لا يحب أن تذكر أعماله أبداً ، ويحرّم على الشخص الذي عرفها أنْ يذكرها. وكان يبني إعداده الروحي على الحب ، والخوف والرجاء ، كما ذكر ذلك في كتابه الإعداد الروحي.

٩ - تطلعه إلى الشهادة :

أذكر يوماً كنا جالسين في النجف مع مجموعة من الأخوة من طلبة العلم وبعض الدعاة. وأخذ كل منهم يتحدّث عن اعتقاله وتعذيبه ومواقفه وكان أبو سجاد صامتاً يستمع بدقة لعرض الأُخوة فتبسم وقال : ( أظن أنّ اللّه لا يحبّني ولذا فإنّي الوحيد منكم لم يبتلني اللّه بما ابتلاكم ) فضحكنا وعلقنا بفكاهة على كلامه وكثيراً ما سمعته يقول ، وهو ساجد : اللهمّ ارزقنا الشهادة في سبيلك. وكان يؤكّد دائماً إن التطلّع للشهادة من العناصر الرئيسية التي يجب أنْ تتجلّى في شخصية الداعية ، ومن هذا المنطلق كتب في ختام وصيته :

( وأُوصي والدَيَّ إذا رزقني اللّه الشهادة أنْ يجعلا يوم شهادتي كيوم عرسي ) ، وفعلاً عندما سلّمت جثته الطاهرة وقفت والدته المثكولة به لتطلق نغمات الفرح التي أطلقتها يوم عرسه

١٠ - الهمّ الرسالي

كان الهمّ بأمر الإسلام ، وحال المسلمين ووضع الأمة وأوضاع العاملين ، هو الحالة الملازمة لأبي سجاد ، حتى كان يسأل عن كلّ الأمور

٣٧

المتعلّقة بذلك ، ويُتابع الأخبار والأحداث ويهتمّ بجميع التفاصيل ، ولطالما رأيته يفكّر فيما ينبغي أنْ نعمله ، ونسعى إليه للنهوض بحالة الأمّة وتغييرها بالإسلام ، حتى رأيته يستنكر على العامل في سبيل اللّه أنْ تكون له ساعات يخلَد فيها إلى الراحة والدعة عن العمل ، ومتابعته.

كان في إحدى المرّات وفي شهر رمضان المبارك توّاقاً لزيارة الأماميين العسكريّين في سامراء ولكنّه قال : إنّ الغياب عن العمل ولو لفترة قصيرة هو تفريط وتقصير ، فلا بدّ لي أنْ لا أُسافر سفرةً كهذه ، وإنْ كان ذلك السفر طاعة تتحقّق فيها زيارة الإمامينعليهما‌السلام ، ولكن ظروف العمل لا تسمح بذلك ، ولقد كان يُتابع حالة إخوانه ، ويُتابع شؤونهم المعاشية ، وطبيعة أعمالهم الرسالية ، فهو يسأل عن طبيعة الأعمال التي قام بها إخوانه من علماء المناطق ، وعلاقة المؤمنين بهم ، ويسعى جاهداً لتسديدهم ومناصحتهم(٢٥)

١١ - التقشف والزهد(٢٦) :

لم يكن الشيخ أبو سجّاد يُرى إلاّ وهو في حالة الكادحين المستضعفين ، حتى إنّ أحد الإخوة ممّن كان يراه في بيتي قد ظنّ أنّه عامل ؛ لأنّه لم يرَ عليه ، إلاّ مظهر ضعاف الناس

ولقد صحبته مدّة تزيد على السنة وهو يرتدي نفس الثوب الذي كثيراً ما ألحَحت عليه بتركه ، وطلبت منه أنْ يتقبّل منّي هديّة لاستبداله ؛ لأنّه بالي فرفض بشدّة ، وكان يُجيب أنّه يكتفي به وهو يسدّ حاجته

وحتى الكتاب الذي هو رأس مال طالب العلم ، وقد يفرط في كلّ

٣٨

شيء ، ولكنّه لا يفرّط في كتابه ، ولا يمكن أنْ يبيعه أو يهديه لأحد ، إلاّ أنّ شهيدنا السعيد الشيخحسين معَن كان يشتري مجموعة من الكتب التي هو بحاجة إليها ثمّ يسرع في قراءتها. واستخراج ما هو محتاج منها إليه ثمّ يرسلها إلى صاحب المكتبة ليبيعها ، أو يستبدلها بكتب أُخرى ينتفع بها بنفس الطريقة ، أو يحتفظ بما هو مهمٌّ منها ، ويضعه تحت تصرّف العاملين .

١٢ - صموده :

استمرّ شهيدنا في جهاده ، حتى نُصب له فخٌّ كافر وقَع فيه وأُدخل السجن باسمٍ مستعار. وضَرب في السجن أرقى آيات الصمود والثبات والمهارة في التخلّص من التهم الموجّهة إليه. إلاّ أنّ أحكام البعثيّين تصدر جزافاً ، وحسب المزاج وإلاّ كيف حُكِم عليه بالسجن المؤبّد باسمٍ مستعار غير معروف ، وحامله مجهول ، ونُقل إلى أبي غريب كسجينٍ حتى كُشِفت الشخصية الحقيقية ، وكان يوماً مشهوداً في دوائر الأمن ، حتى أُقيمت الأفراح في مديرية الأمن العامّة عندما اكتشفوا أنّ هذا الشخص هو الشيخحسين معَن ، الذي قضوا ستّ سنوات في التفتيش عنه وفي هذا الوقت اعتُقِلت عائلته ، والدَه وزوجته وطفلاه سجّاد وعارف .

يروي لنا أحد الموقوفين معه أنّه حين صدر عليه حُكم الإعدام عقدوا له مجلساً مع أساتذة عمل النفس والسياسة والاجتماع ، بإشراف مدير الأمن المجرم سعدون شاكر ، وأخذوا يوجّهون له أسئلة حول حزب البعث وحزب الدعوة ، فانطلق يُبيّن لهم مبادئ الدعوة الإسلامية وأصالتها ، وفساد حزب البعث ، وعمالته فقال له فاضل الزركاني :

٣٩

- يا شيخ حسين ، لو بقيت معهم ساعتين لجعلتهم دعاة

فردّ عليه شهيدنا البطل قائلاً :

- أعطني نصف ساعة أُخرى لأجعلهم دعاة

***

وهكذا مضى أبو سجّاد إلى ربّه ، مضرّجاً بدمه الثائر مسطّراً أحرفاً من نور ، لتبقى تضيء الدرب للأجيال السائرة في طريق ذات الشوكة اللاحب

فسلامٌ عليك يا أبا سجّاد !

يوم ولدت

ويوم جاهدت

ويوم وقفت تتحدّى الظالمين ، وأنت تحمل نور السماء

والسلام عليك :

يوم تقف بين يدي اللّه تعالى

مخاصماً أعداء الإسلام

***

يا أبا سجاد. وعارف !

٤٠