الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات0%

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 443

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: عبد الهادي محمد تقي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 443
المشاهدات: 79051
تحميل: 4297

توضيحات:

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 443 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79051 / تحميل: 4297
الحجم الحجم الحجم
الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

الفتاوى الميسرة العبادات - المعاملات

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( حواريّة النّفاس )

٨١

٨٢

قال أبي: ‏سأحدّثك اليوم عن النّفاس.

‏‏‏* وما النفاس ؟

-‏ دم تراه المرأة عند الولادة أو بعدها بسبب الولادة ونسمّي المرأة عندئذٍ بالنُفَساء.

‏‏‏* وكم يستمرّ النفاس ؟

-‏ أكثر النفاس عشرة أيّام.

‏‏‏* وأقلّه.. ؟

-‏ لا حدَّ لأقلَّه، فقد يكون دقيقة وقد يكون أقلّ من ذلك.

‏‏‏* وهل يختلف النفاس بين امرأة وأخرى ؟

-‏ النُفَساء ثلاثة أقسام لكلّ منها حكمٌ خاصٌ بها.

الأوّل: ‏مَن لا يتجاوَز نزف الدم عندها عشرة أيّام.

‏‏‏* وما حكمها ؟

-‏ تعتبر فترة نزول الدم كلّها نِفاساً.

الثاني : ‏مَن يتجاوَز نزف دمها عشرة أيّام، ولها عادة عدديّة في الحيض محدّدة كأنْ تكون عادتها في الحيض خمسة أيّام من كلّ شهر.

٨٣

‏‏‏* وما حكمها ؟

-‏ أنْ تعتبر مدّة عادتها نفاساً، خمسة أيّام في مثالنا السابق.

‏‏‏* والأيّام الباقية ؟

-‏ تعتبرها استحاضة.

الثالث : ‏مَن يتجاوَز نزف دمها عشرة أيّام، وليس لها عادة عدديّة في الحيض محدّدة.

‏‏‏* ما حكمها ؟

-‏ حكمها أنْ تعتبر مدّة نفاسها عشرة أيّام.

‏‏‏* إذا كانت النُفَساء ذات عادة في الحيض محدّدة، وتجاوز نزف دمها عدد أيّام عادتها وهي لا تدري هل سينقطع نزف الدم قبل عشرة أيّام، أو سيستمر إلى ما بعد العشرة ؟

-‏ يمكنها أنْ تترك العبادة اِلي تمام عشرة أيّام، فإنْ انقطع نزف الدم اعتبرت المدّة كلّها نفاساً، وإنْ تجاوز الدم اليوم العاشر تغتسل وتعمل عمل المستحاضة.

‏‏‏* وتلك المدّة الفاصلة بين نهاية عادتها وتمام العشرة ، تلك التي تركت فيها العبادة ؟

-‏ تعتبرها استحاضة، وتقضي ما فاتها فيها مِن عبادة.

‏‏‏* إذا انقطع نزف الدم في اليوم الأوّل ثُمّ عاد لينقطع مرّة أُخرى في اليوم العاشر مثلاً أو في أيِّ يوم كان قبله..؟

-‏ كان النزف الأوّل والنزف الثاني كلاهما نفاساً.

٨٤

‏‏‏* وفترة النقاء الفاصلة بينهما ؟

-‏ [حكمها أنْ تجمع فيها بين أعمال الطاهرة مِن النّفاس وما تتركه النفساء].

‏‏‏* إذا انقطع نزف الدم ثمّ عاد، ثمّ انقطع، ثمّ عاد، وهكذا، ولكنّه لم يتجاوز بمجموعه عشرة أيّام ؟

-‏ كانت أيّام الدم كلّها نفاساً وأما أيّام النقاء [فتجمع فيها بين أعمال الطاهرة وتروك النُفساء].

‏‏‏* إذا أتمّت النفساء نفاسها، ثمّ رأت الدّم بعد ذلك ؟

-‏ كلّ دمٍ تراه النفساء بعد إتمام نفاسها وإِلى عشرة أيّام لاحقة فهو استحاضة، سَواءٌ أكان الدّم بصفات دم الحيض أم لم يكن، وسَواء أكان في أيّام عادتها أم لم يكن.

‏‏‏* وماذا يترتّب على النفساء من أحكام.

-‏ يترتّب عليها كلّ ما ترتّب على الحائض مِن أحكام سَواءٌ أكانت واجبات أم مستحبّات أم مكروهات أم محرّمات [حتّى حرمة قراءة آية السجدة مِن سوَر العزائم، ودخول مسجدَي مكّة والمدينة ولو علي نحو الاجتياز، ودخول المساجد الأُخرى بغير اجتياز، ووضع شيء في المساجد] راجع حواريّة الحيض.

* * * * *

٨٥

٨٦

( حواريّة الاستحاضة )

٨٧

٨٨

جلَس أبي جلسته المعتادة مُزداناً به مكانُه المخصّص له كلّ يوم، وبدأ فأضفى على حوار اليوم اسم( الاستحاضة ) .

وما أنْ أتمّت كلمة الاستحاضة تكوينها اللفظي واستوَت كجسدٍ مِن كلام حتّى خطَر في ذهني أنّ حروف الكلمة هي حروف كلمة الحيض، مُصاغة منها، أو محوّرة عنها وإذ استولى عليَّ هذا الخاطر برَق في ذهني خيطٌ من دمٍ راعف، وأخذَ يتشكّل متّخذاً هيئة امرأة.

‏‏‏فقلت: ‏وهل الاستحاضة مِن مختصّات النساء ؟

قال: ‏نعم.

‏‏‏قلت: ‏وهل هي نضح دموي..؟

قال: ‏نعم.. ولكن..‏

* ولكن ماذا ؟

-‏ لكن شرط أنْ لا يكون دم حيض، ولا نفاس، ولا جرح، ولا قرح ولا افتضاض بكارة.

قلت: ‏معنى هذا أنّ الاستحاضة هي كلّ دم لا يكون حيضاً ولا نفاساً ولا جرحاً ولا قرحاً ولا دم تمزّق غشاء البكارة.

٨٩

قال: ‏نعم.

قلت: ‏هذه دِماء عديدة.

قال: ‏بعضها دليلٌ خصوبة المرأة وشبابها ألا ترى أنّها حين تشيخ وينقطع عنها دم الحيض لا تنجب.

قلتُ: ‏دم الجروح والقروح والنفاس معروف عادة ولكن كيف تعرف المرأة أنّ هذا الدم دم استحاضة وليس دم حيض.

قال: ‏تذكُر مواصفات دم الحيض ؟

قلت: ‏نعم، فهو دمٌ أحمر أو أسود، يخرج بحرقة، وحرارة.

قال: ‏غالباً ما تكون مواصفات دم الاستحاضة مُخالفة لمواصفات دم الحيض، فدم الاستحاضة غالباً أصفر اللون، ورقيق، ويخرج بلا لذعٍ ولا حرقة.

قلتُ: ‏وكيف تُشخّص المرأة أنّ هذا الدم ليس دم تمزّق غشاء البكارة إذا صادف ذلك يوم الزواج ؟

قال: ‏دم تمزّق غشاء البكارة يحيط بالقطنة، ويطوِّقها كهلالٍ مِن دم، بينما قد تنغمس القطنة بدم الاستحاضة، وقد يزيد فيتجاوزها إلى ما ربطتها به ؟

‏‏‏* إذن دم الاستحاضة قد يستوعب القطنة بخضابة ؟

-‏ نعم، وقد لا يستوعبها، فالاستحاضة على ثلاثة أقسام:‏

استحاضة كثيرة : ‏إذا انغمست القطنة بالدم وزاد، فتجاوزَها إلى ما ربطتها به ولوّثه.

٩٠

واستحاضة متوسّطة : ‏إذا انغمست القطنة بالدم، ولكنّه توقف عندها فلم يتجاوَز إلى ما ربطتها به.

واستحاضة قليلة : ‏إذا لوَّن الدّم القطنة ولم يغمسها، لقلّته.

‏‏‏* وما حكم كلٍّ منها ؟

-‏ في الاستحاضة الكثيرة، يجب على المرأة أنْ تغتسل ثلاثة أغسال، غسلاً لصلاة الصبح، وغسلاً لصلاتَي الظهر والعصر إذا جمعتهما وغسلاً لصلاتي المغرب والعشاء إذا جمعتهما.

‏‏‏* وإذا فرّقت بينهما ؟

-‏ اغتسلت لكلّ صلاة.

* وهل هذا حكمها في مطلق الأحوال ؟

-‏ لا، بل هذا حكمها فيما إذا كان الدم صبيباً لا ينقطع بروزه على القطنة، وأمّا إذا كان بروزه عليها متقطّعاً بحيث تتمكّن من الاغتسال والإتيان بصلاة واحدة أو أزيَد قبل بروز الدم عليها مرّة أُخرى [فعليها تجديد الغسل كلّما برز الدم، فلو اغتسلت وصلت الظهر ثمّ برز الدم على القطنة قبل صلاة العصر أو في إثنائها وجب عليها الاغتسال لها] ولو كان الفصل بين البروزين بمقدارٍ تتمكّن فيه من الإتيان بصلاتين أو عدّة صلوات جاز لها ذلك من دون حاجةٍ الى تجديد الغُسل.

هذا في الاستحاضة الكثيرة.

وفي الاستحاضة المتوسّطة يجب عليها أنْ تتوضّأ لكلّ صلاة

٩١

[وتغتسل في كلّ يوم مرّة واحدة قبل وضوءاتها].

‏‏‏* اضرب لي مثلاً على ذلك.

-‏ قبل صلاة الفجر -‏ مثلاً -‏ اكتشفت المرأة أنّها مستحاضة فاختبرت نفسها فكانت استحاضتها متوسّطة [تغتسل] ثُمّ تتوضّأ لصلاة الفجر ويكفيها غسلها هذا لكّل صلوات ذلك اليوم مع وضوء لكلّ صلاة، فإنْ حلّ اليوم الثاني [اغتسلت] ثُمّ توضّأت وهكذا لو توالت بتلك الصفة فلم تنقص ولم تزد.

وفي الاستحاضة القليلة: ‏يجب عليها فقط أنْ تتوضّأ لكلّ صلاةٍ واجبة كانت أم مستحبة.

‏‏‏* وهل تتبدّل استحاضة المرأة مِن قسمٍ الى قسم ؟

-‏ نعم قد تتبدّل فتتحوّل القليلة الى كثيرة، والكثيرة إلى قليلة، وهكذا.

‏‏‏* وكيف تعرف المرأة بتحوّل استحاضتها ؟

-‏ [عليها أنْ تختبر نفسها قبل الصلاة لتعرف ذلك]، ثُمّ لتعمل وِفق ما تقتضيه نتيجة الاختبار، فإذا تبيّن أنّها استحاضة قليلة عمِلت بما تمليه عليها أحكام الاستحاضة القليلة، وإِنْ تبيّن أنّها استحاضة متوسّطة عمِلت بما تمليه عليها أحكام الاستحاضة المتوسّطة وهكذا.

‏‏‏* والقطنة المنقوعة بالدم والشداد وما ربطتها به إذا لاقى الدّم ؟

-‏ يحسُن بها أنْ تبدّلهما أو تُطهّرهما لكلّ صلاة إذا كانت

٩٢

استحاضتها قليلة أو متوسّطة وأمّا إذا كانت كثيرة [فيلزمها ذلك أنْ أمكنها] وتتحفّظ مِن خروج الدم للفترة مِن نهاية الغُسل إلى نهاية الصلاة، إذا لم يضرّ بحالها تحفّظها.

‏‏‏* وهل عليها أنْ تُسرع إلى الصلاة بعد الإتيان بما عليها مِن الطهارة ؟

-‏ [نعم].

-‏ وماذا يترتّب على الاستحاضة مِن أحكام ؟

-‏أوّلاً : ‏يجب على المستحاضة أنْ تتطهّر بعد انقطاع الدم للصلاة الآتية بالوضوء إنْ كانت استحاضتها قليلة أو متوسّطة، وبالغسل إنْ كانت استحاضتها كثيرة.

ثانياً : ‏يحرُم على المستحاضة بأقسامها الثلاثة مسّ كتابة القرآن الكريم قبل تحصيل طهارتها، ويجوز بعدهُ قَبل إتمام صلاتها.

ثالثاً : ‏يجوز طلاق المستحاضة أثناء الاستحاضة.

رابعاً : ‏لا يترتّب على الاستحاضة ما كان يترتّب على الحيض: ‏مِن حُرمة الاتّصال الجنسي، وحرمة دخول المساجد، والمكث فيها، ووضع شيء فيها، وقراءة آيات السجدة.

خامساً : ‏يصحّ الصوم في الاستحاضة القليلة والمتوسّطة وإنْ لم تأتِ المستحاضة بما يجِب عليها للصلاة مِن الوضوء أو الغسل وأمّا المستحاضة استحاضةً كثيرة فذَهَب جمعٌ من الفقهاء رضوان الله عليهم إلى أنّ صحّة صومِها تتوقّف على إتيانها بما يجب عليها من غُسل الليلة السابقة على يوم الصوم ومن أغسال نهاريّة و لكن

٩٣

الأصح أنّه لا يتوقّف على ذلك صحّة صومها.

سادساً : ‏لا يجب على المستحاضة الكثيرة الوضوء مع الأغسال ويجب على المستحاضة المتوسّطة الوضوء بعد الغُسل [الواجب عليها].

* * * * *

٩٤

( حواريّة الموت )

٩٥

٩٦

لا أكتمكم أنّي ساعة بدأ أبي حواره عن الموت كنت متوتّراً، مستفّز الأعصاب، مستنفراً، قلِقاً، مشدوداً شدّاً عنيفاً الى وجهِ أبي ونبرات صوتِه وانحناءاتها وهو يتحدّث عن الموت ببطءٍ حذِر، ينمُّ عن توجّسٍ محسوب ‏‏‏.‏‏‏‏‏‏‏‏‏ ‎ ‏‏

‏‏‏‏‏لا أكتمكم كذلك أنّي كلّما تفوَّه أبي بكلمة ( الموت ) -‏ تلك الكلمة المخيفة المرعبة المجهولة -‏ أحسست بتسارع غير طبيعي لنبضٍ باتَ لفَرْط خوفي ممّا أصغي إليه يصبغ وجهي وأذنيّ، على غير قصدٍ منّي، بلونٍ قاتمٍ وينثر فوق جبهتي وأنفي حبّات مكتنزةٍ مِن عرقٍ محموم‏‏‏.

وإذ اكتسبت نبرة صوت أبي الخفيضة وشاحاً رماديّاً مِن توجّس حذِر وهو يسرد التفاصيل عن ( الموت والميّت ) راحت وتائر خوفي وقلقي تتصاعد شيئاً فشيئاً حتّى فضحَتْني‏‏.

‏ثمّ زادت، فضيّقت عليّ بعد افتضاح أمري فرجة بوّابة الاعتراف‏‏.

‏وحين لاحظ أبي أمارات الخوف على تضاريس وجهي وحدَقَات عينَيَّ طاغيةً مستحكمة سألني.‏‏

٩٧

-‏ أأنت خائف..؟‏

‏* ‏‏وكيف لا أخاف !‏.

‏-‏ أخائف أنت مِن الموت أم مِن الميّت ؟‏

وإذ كنتُ أخاف من الميّت أكثر ممّا أخاف مِن الموت قلت:‏‏

‏* مِن الميّت ‏‏.

‏لقد كان خوفاً مرعباً ذاك الذي اعترفت به اليوم فلم أكن قد شاهدت طيلة عمري شخصاً يحتضر أو يموت، بل لم أكن قد سمِعت قبل يومي هذا سرداً عمّا ينبغي عليّ أنْ أفعله وأمامي مَن يحتضر أو يموت‏‏.

‏كنت قبل هذا اليوم حين أُشاهد جنازة محمولة تنتابني حالة اكتئاب مضجر، وضيقٍ موجّع، حتّى لأُحول بصري عنها لأقطع خيط الذّاكرة من أنْ يسترسل‏‏.

‏* نعم أخاف من الميّت‏‏.

‏قتلها مرّة أُخرى لأُعيد تثبيت قناعتي‏‏.

‏-‏ أتخاف من الميّت أكثر ممّا تخاف من الموت وما بعد الموت ؟‏

‏قال أبي وأضاف: ‏أتخاف مَن كان قبل لحظةِ موته حيّاً مثلك يأكل ويشرب، ويبكي ويضحك، ويتنزه ويحلم، وينام‏‏.

‏ثمّ.. ثمّ هجم عليه ما لو هجَم على كلّ حيّ لصرَعه‏‏.

‏لماذا لا تكون واقعيّاً أكثر، فتخاف مِن الموت أكثر ممّا تخاف

٩٨

مِن الميّت ؟‏

‏أسألتَ نفسك أين ذهبَت كلّ تلك الأُمم السالفة وأجيالها المتعاقبة يوم ( أصبَحَت مساكنُهم أجداثاً، وأموالُهم ميراثاً، لا يعرفون مَن آثارهم، ولا يحفلون مَن بكاهم، ولا يجيبون مَن دعاهم ).

‏ فكم.. و( تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) ‏‏.

‏ثمّ أين ذهَب مَن تعرف ممّن ذهب ؟‏

‏أين آباؤك السابقون، وأجدادك الماضون.. أين فلان.. أين فلان.. أين فلان..؟! لقد ( استبدلوا بظهر الأرض بطناً، وبالسعة ضيقاً، وبالأهل غربةً، وبالنّور ظلمةً )‏‏.

‏ثمّ أنشد أبي:‏ ‏‏

كلّنا في غفلةٍ والموتُ يغدو ويَروحُ‏ُُُُُُُ

‏نُح على نفسِك يا مِسكين إنْ كنت تَنوحُ‏

‏لستَ بالباقي ولو عمّرت ما عمرّ نوحُ‏

‏وران صمتٌ كثيف على وجهه كانت الدّقائق تمُرّ فيه ثقيلةً بطيئة متأنّية كَمَن يعيد ترتيب صورة ما في ذهنه، أو يعيد تجميع شيءٍ متناثر هنا وهناك في ذاكرته حتّى قطع صوتُه حبْل ذلك الصمت قائلاً:‏‏

‏رحِمَك الله يا أبا الحسن يومَ قُلت قبل ساعة موتك: ‏( أنا بالأمسِ صاحبُكم، وأنا اليوم عِبرةٌ لكم، وغداً مُفارقكم، ليعظكم

٩٩

هدوِّي، وخفوت إطراقي، وسُكون أطرافي، فإنّه أوعظ للمُعتَبرين مِن المنطِق البليغ والقَولِ المَسموع)

‏ويوم قُلت يا سيدي:‏‏

‏( واعلموا أنّه ليس لهذا الجِلد الرّقيق صبرٌ على النار، فارحموا نفوسكم فإنّكم قد جرّبتموها في مصائب الدنيا‏‏.

‏أفرأيتم جزَع أحدِكم مِن الشوكة تُصيبه، والعثرةِ تدميه، والرمضاء تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابِقَين مِن نار ضجيع حجَر وقرينَ شيطان ؟‏

‏أعلمتم أنّ مالِكاً إذا غضِب على النار حطّم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجَرها توثّبت بين أبوابها جزعاً مِن زجرته ) ؟!‏.

‏وأردف أبي:‏‏

‏آنَ لك وقد تكلّفت أنْ تخاف الموت لهول ما بَعد الموت: ‏( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) .

( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ‏‏.

‏وليكن الميّت أو المحتضر مذكِّراً لك بما سيؤول إليه مصيرُك.. لا مخيفاً مرعباً لك ‏.

‏قالها أبي وصمَت ومُنذ قالها بدأت أعيد النظر بترتيب

١٠٠