الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة الجزء ١

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة0%

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة

مؤلف: الشيخ زين الدين علي بن محمد الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)
تصنيف:

الصفحات: 793
المشاهدات: 68588
تحميل: 11492


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68588 / تحميل: 11492
الحجم الحجم الحجم
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة الجزء 1

مؤلف:
العربية

ويلاحظ أن هذه المراقبة كانت على أشد ما يمكن في البلدان التي سبق أن تشكلت فيها دولة شيعية من قبل كحلب مثلا، حيث كانت موطن (الحمد انيين).

وإذا لاحظناما مضى بدقة نعرف سر الضغط الذي لقيه (الشهيد الثاني) عندما رجع من (بعلبك) إلى موطنه، إذكان في بعليك في (المدرسة النورية) شكل حلقة كبيرة يحضرها العلماء، وعشاق الفضيلة، فيلقي عليهم الشيخ دروسه وعظاته وإرشاداته. ثم تعلو منزلته وترتفع حتى يرجع إليه الانام ويصبح ملاذ الخاص والعام، يفتي كل فرقة بما يوافق مذهبها، ويدرس في المذاهب كتبها - كما يقول ابن العودي في رسالته. نعم لا تروق لهم هذه الحركة العلمية النشيطة في هذه المنطقة التي سبق أن كانت منطقة يحكمها (الشيعة)، وربما تتدرج حتى ترجع إلى الرضوخ (للحكام الشيعيين). فاذا يجب وضع الحد لهذا النشاط، وشل الحركة بالسرعة الممكنة حتى لا تتسرب إلى نقاط أخرى، وقبل أن يستفحل الامر فيصبح خارجا عن قدرتهم. ولكن كيف الطريق للوصول إلى هذا الهدف؟ ومن أين يبدأون وبماذا ينتهون؟ وكيف يتوصلون إلى تحقيق غرضهم المنشود. ليس لحل المشكلة إلا طريق واحد. وهو قطع الرأس، ثم كل شئ ينتهي.

لهذه السياسة المزعومة، والطائفية البغيضة، والخوف على الملك والسلطان، وحفظ العرش الذي شيدت أركانه بازهاق الارواح الطاهرة البربئة، ولهذه الدعاوى المزيفة ذهب (الشهيد الثاني) ضحية جهاده وجهوده في سبيل الاسلام والتشيع.

٢٠١

ينقل (حسن بك روملو) في تاريخه الفارسي (أحسن التواريخ) نصا يدل بكل وضوح أن الشهيد لم يقتل إلا لتخوف السلطة القائمة من شخصيته الفذة، وإقبال الناس عليه، وتدريسه (الفقه الشعي) إلى جانب الآراء الفقهية الاخرى..

يقول: في سنة 965 في أواسط سلطنة (الشاه طهماسب الصفوي) استشهد إفادة مآب، حاوي المعقول والمنقول، جامع الفروع والاصول الشيخ زين الدين العاملي.

كان السبب في شهادته أن جماعة من السنيين قالوا لرستم باشا الوزير الاعظم للسلطان سليمان ملك الروم: إن الشيخ زين الدين يدعي الاجتهاد ويتردد إليه كثير من علماء الشيعة، ويقرأون عليه كتب الامامية وغرضهم بذلك إشاعة التشيع، فأرسل رستم باشا الوزير في طلب الشيخ زين الدين - وكان وقتئذ بمكة المعظمة فأخذه من مكة، وذهبوا به إلى استنبول فقتلوه فيها من غير أن يعرضوه على السلطان سليمان(1) .

والآن - بعدما عرضنا على القارئ هذا النص الذي يدل دلالة واضحة على ما قلنا - يأتي دور السؤال عن الاشخاص الذين وشوا عند رستم باشا وقالوا له ما قالوا؟ نظن أن الجواب على هذا السؤال واضح بعدما عرفنا قصة (الشهيد) مع القاضي (معروف الشامي) الذي كان ينتظر بدوره أن يستحصل (الشهيد) منه عرضا حتى تجيب الخلافة العثمانية إلى مايطلب من التدريس لكن الشهيد أرسل تلميذه ابن العودي إلى القاضي، ليعلمه عن عزمه على السفرالى بلاد الروم، وأوصاه أن لا يأخذ منه العرض.

___________________________________

(1) أعيان الشيعة. الجزء 33 ص 292

٢٠٢

وهذا تحد سافرتحدى الشهيد به القاضي، وخدش كرامته، إذ لا يجوز تقديم طلب إلى مركز الخلافة إلا أن يكون مرفقا بكتاب القاضي حتى لو كان الطالب هو إمام المذهب الذي هو آعلى شخص في نظرهم.

فكيف يذهب (الشهيد) خاليا من عرض القاضي؟ أثرت هذه القصة في نفس القاضي، وأضمر الحقد على الشهيد وازداد حقدا عندما رجع الشهيد مرفوع الرأس، مقضي الطلب.

وزاد في الطين بلة أن (الشهيد) في (القسطنطيننية) لم يتشبث بذوي الجاه والمكانة، ولم يتوسل لقضاء حاجته بأصحاب النفوذ: من الامراء وأمثالهم وإنما اكتفى عن كل هذا برسالة كتبها في عشرة علوم مختلفة، ووقعت الرسالة في نفوس المسؤولين موقعا حسنا كان لها الاثر في الحصول على مايريد.

أضف إلى كل هذا الاتجاه العريض، والمكانة السامية، والحفاوة البالغة التي رافقت المدة التي بقي فيها (الشهيد) في (حلب) ودرس في (المدرسة النورية).

أليس كل هذه عوامل عداء في نفس (معروف الشامي) القاضي الذي يرى هو انه على الناس بعد ورود (الشهيد) إلى هذا القطر و (الشهيد) نفسه كان يحس بالخطر المحدق به، ويتوقع الخاتمة المشرفة التي ختم بها حياته، انه كان يحسب للموضوع حسابه، ويؤكد لخواص مريديه وتلامذته أنه مقتول لا محالة.

كيفية استشهاده

اختلف المترجمون للشهيد في كيفية استشهاده بعض الاختلاف ونحن

٢٠٣

تنتل فيما يلي ماذكره الشيخ الحر العاملي في كتاب (أمل الآمل)(1) .

قال: وكان سبب قتله - على ما سمعته من بعض المشائخ، ورأيته بخط بعضهم: أنه ترافع اليه رجلان فحكم لاحدهما على الآخر، فغضب المحكوم عليه وذهب إلى قاضي صيدا واسمه (معروف)، وكان الشيخ مشغولا في تلك الايام بتأليف (شرح اللمعة)، وفي كل يوم يكتب منه غالبا كراسا، ويظهر من نسخة الاصل أنه ألفه في سته أشهر وستة أيام لانه كتب على ظهر النسخة تاريخ ابتداء تأليفه.

فأرسل القاضي إلى (جبع) من يطلبه، وكان مقيما في كرم له مدة منفردا عن البلد متفرغا للتأليف، فقال له بعض أهل البلد. قد سافر عنا مدة فخطر ببال الشيخ أن يسافر إلى الحج، وكان قد حج مرارا لكنه قصد الاختيار، فسافر في محمل مغطى، وكتب (قاضي صيدا) إلى (سلطان الروم) أنه قد وجد ببلاد (الشام) رجل مبدع عن (المذاهب الاربعة)، فأرسل السلطان رجلا في طلب الشيخ، وقال له: إئتني به حيا حتى اجمع بينه، وبين علماء بلادي فيبحثوا معه، ويطلعوا على مذهبه فيخبروني فاحكم على بما يقتضيه مذهبي.

فجاء الرجل فأخبر أن الشيخ توجه إلى (مكة) فذهب في طلبه فاجتمع به في طريق (مكة)، فقال له: تكون معي حتى نحج بيت الله ثم افعل بي ما تريد، فرضي بذلك. فلما فرغ من الحج سافر معه إلى (بلاد الروم)، فلما وصل اليها رآه رجل فسأله عن الشيخ فقال: رجل من (علماء الشيعة الامامية) أريد أن أرسله إلى السلطان.

___________________________________

(1) راجع (أمل الآمل) الجزء 1. ص 90. (*)

٢٠٤

فقال، أو ما تخاف أن يخبر السلطان بأنك قد قصرت في خدمته وآذيته وله هناك أصحاب يساعدونه فيكون سببا لهلاكك؟ بل الرأي أن تقتله وتأخذ برأسه إلى السلطان. فقتله في مكانه من ساحل البحر، وكان هناك جماعة من (التركمان) فرأوا في تلك الليلة أنوارا تنزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبة.

وأخذ الرجل رأسه إلى السلطان، فأنكر عليه وقال: أمرتك أن نأتيني به حيا فقتلته، وسعى السيد عبدالرحيم العباسي(1) في قتل ذلك الرجل فقتله السلطان.

هكذا قضوا على الشهيد، ولكنه بقي حيا يذكر ما دامت آثاره باقية وهي لم تندثرمدى الدهر.

فسلام على تلك الروح الطاهرة التي جاهدت فأنارت وخلفت تراثا ضخما فأضاء‌ت، وسلام عليها ما دامت السماوات والارض، وتحيات زاكيات ما بقي الليل والنهار.

___________________________________

(1) كان هذا السيد الجليل من أولاد العباس بن أمير المؤمنين عليهما الصلاة والسلام. (*)

٢٠٥

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

للشهيد السعيد

زين الدين الجبعى العاملى (الشهيد الثانى)قدس‌سره

911 - 965

٢٠٦

٢٠٧

٢٠٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي شرح صدورنا(1) بلمعة(1) من شرائع الاسلام كافية في بيان(3) الخطاب، ونور قلوبنا من لوامع دروس الاحكام بما فيه تذكرة وذكرى لاولى الالباب، وكر منا بقبول منتهى نهاية الارشاد وغاية المراد في المعاش والمآب

___________________________________

(1) أي وسعها لفهم المطالب.

(2) اللمعة - بالضم ثم السكون - جاء‌ت على معان: القطعة الجماعة، البلغة، البقعة، الموضع. والذي يناسب المقام من هذه المعاني هو (البلغة) باعتبار أن البلغة ما يكتفى به، وهذا الكتاب واف بمهمات المسائل الفقهية، إلا أن الشهيد الثاني ذكر في وجه التسمية وجها آخر على ما يأتي وهو: أن اللمعة هي البقعة من الارض ذات الكلا اذا يبست وصار لها بياض، وأصله من اللمعان: وهو الاضاء‌ة والبريق، لان البقعة من الارض ذات الكلا المذكور كأنها تضئ دون سائر البقاع، وعدي ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه، لاستنارة الاذهان به، وتمييزه عن سائر الكلام فكأنه في نفسه ذو ضياء ونور.

(3) البيان في اللغة هو الظهور، ولعل المقصود بالخطاب: الاحكام الشرعية التي هي الخطابات الالهية.

(4) المآب: اسم المكان من " الاب " بمعنى الرجوع، كمعاد من العود، والمكان من الكون، يريد بيان نفع الكتاب في المعاش أي الحياة الدنيا، والمآب أي الحياة الاخرى (*)

٢٠٩

والصلاة على من أرسل لتحرير قواعد الدين، وتهذيب مدارك الصواب، محمد الكامل في مقام الفخار، الجامع من سرائر الاستبصار للعجب العجاب(1) ، وعلى آله الائمة النجباء، وأصحابه الاجلة الاتقياء خير آل وأصحاب.

ونسألك اللهم أن تنور قلوبنا بأنوار هدايتك، وتلحظ وجودنا بعين عنايتك، إنك أنت الوهاب(2) .

___________________________________

(1) العجاب بالضم: تأكيد العجب السابق عليه، وربما يقصد به أعلى مراتب العجب.

(2) لقد جرى ديدن المؤلفين القدامى في صدر مؤلفاتهم على أن يشيروا إلى الكتب المدونة في ذلك الفن، كما يشيروا إلى المطالب المبحوث عنها في الكتاب اشارة رمزية يسميها علم البديع " براعة الاستهلال " لذا ترى الشهيد الثاني -قدس‌سره - في خطبة شرح اللمعة يشير إلى موضوع البحث بقوله: (شرائع) و (أحكام) كما يرمز إلى الكتب المهمة المدونة في علم الفقه، فجاء باسم: شرائع الاسلام للمحقق الحلي الكافية لابي الصلاح الحلبي لوامع دروس الاحكام لابي الصلاح الحلبي بيان الخطاب لابي الصلاح الحلبي الدروس للشهيد الاول الذكرى للشهيد الاول غاية المراد للشهيد الاول التذكرة للعلامة الحلي المنتهى للعلامة الحلي الارشاد للعلامة الحلي التحرير للعلامة الحلي القواعد للعلامة الحلي النهاية للعلامة الحلي التهذيب لشيخ الطائفة الطوسي الاستبصار لشيخ الطائفة الطوسي المدارك للسيد محمد العاملي الجامع لابن البراج الكامل ليحيى بن سعيد الحلي السرائر لابن ادريس

٢١٠

وبعد: فهذه تعليقة لطيفة، وفوائد خفيفة أضفتها إلى المختصر الشريف، والمؤلف المنيف(1) ، المشتعل على امهات المطالب الشرعية الموسوم ب‍ " اللمعة الدمشقية " من مصنفات شيخنا وإمامنا المحقق البدل(2) النحرير(3) المدقق الجامع بين منقبة العلم والسعادة، ومرتبة العمل والشهادة الامام السعيد أبي عبدالله الشهيد محمد بن مكي أعلى الله درجته كما شرف خاتمته. جعلتها جارية له مجرى الشرح الفاتح لمغلقه، والمقيد لمطلقه والمتمم لفوائده، والمهذب لقواعده، ينتفع به المبتدي، ويستمد منه المتوسط والمنتهي، تقربت بوضعه إلى رب الارباب، وأجبت به ملتمس بعض فضلاء الاصحاب أيدهم الله تعالى بمعونته، ووفقهم لطاعته.

اقتصرت فيه على بحت(4) الفوائد، وجعلتهما ككتاب واحد، وسميته: (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) سائلا من الله جل اسمه أن يكتبه في صحائف الحسنات، وأن يجعله وسيلة إلى رفع الدرجات، ويقرنه برضاه، ويجعله خالصا من شوب سواه، فهو حسبي ونعم الوكيل.

___________________________________

(1) المنيف: العالي شأنا أو مكانا.

(2) البدل: الكريم الشريف،.

(3) التحرير - بكسر النون -: الحاذق الماهر.

(4) البحت - بالتاء المثناة من فوق -: الخالص.

٢١١

قال المصنف قدس الله لطيفه(1) وأجزل تشريفه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الباء للملابسة، والظرف مستقر(2) حال من ضمير ابتدئ الكتاب كما في " دخلت عليه بثياب السفر ". أو للاستعانة والظرف لغو كما في " كتبت بالقلم ".

___________________________________

(1) اللطيف: الذي لايدرك بأدنى نظر، أو الذي لا يرى والمقصود منه هنا الروح لانه غير مرئي، ولا يدرك بأدنى نظر، وبهذا اللحاظ عبر عنه باللطيف.

(2) الظرف المستقر: ما كان متعلقه من الافعال العامة ومحذوفا والغو مالم يكن كذلك، وقد أوضح ذلك الشهيد الثاني نفسه بقوله: الظرف المستقر بفتح القاف: ما كان متعلقه عاما واجب الحذف كالواقع خبرا، أو صفة، أو حالا أو صلة. سمي بذلك، لاستقرار الضمير فيه والاصل " مستقر فيه " حذفت لفظة " فيه " تخفيفا. أو لتعلقه بالاستقرار العام، واللغو ما كان متعلقه خاصا سواء ذكر أم حذف. سمي بذلك، لكونه فارغا من الضمير فهو لغو - كذا ذكره جماعة من النحاة. (*)وبذلك يظهر الفرق بين جعل الباء للملابسة والاستعانة، لان متعلق الاول عام واجب الحذف، والثاني خاص غير معين للحاكية في مثال الكتاب.

٢١٢

والاول أدخل في التعظيم(1) . والثاني لتمام الانقطاع، لاشعاره بأن الفعل لا يتم بدون اسمه تعالى.

وإضافته إلى الله تعالى، دون باقي أسمائه لانها معان وصفات(2) وفي التبرك بالاسم أو الاستعانة به كمال التعظيم للمسمى، فلا يدل على اتحادهما(3) ، بل دلت الاضافة على تغايرهما. و " الرحمن " و " الرحيم " اسمان بنيا للمبالغة(4) من رحم

___________________________________

(1) يعني أن المعنى الاول أدخل في تعظيم الاسم، لاشعاره على أنه لم يجعل الاسم واسطة وآلة للعمل، كما كان القلم آلة للكتابة.

(2) لان لفظ الجلالة (الله) علم للذات المقدسة المستجمعة لجميع الكمالات. أما سائر الاسماء فانها وإن دلت على ذاته تعالى وكانت من مختصاته أيضا - الا أنها أسماء له تعالى بلحاظ معان منتزعة عن بعض أوصاف الكمال، أو عن بعض أفعاله.

(3) ذهب بعضهم إلى أن الاسم عين المسمى، ولذلك كان الابتداء به تعظيما لله تعالى، لكن الشارح يرى هذه الدعوى باطلة فجعل يرد عليها بأنه لو كان الاسم عين المسمى لما صح اضافته اليه، لان الشئ لايضاف إلى نفسه، وأما التعظيم فمستفاد من ذكر الاسم باعتبار مسماه.

(4) الرحمان وصف لله تعالى. قيل: يفيد المبالغة نظرا إلى ان زيادة المباني تدل على زيادة المعاني ولكن ذلك لم يثبت، ولعل المبالغة مستفادة من حذف المتعلق. (*)وأما " الرحيم " فهو من الاروزان المشتركة بين المبالغة كعليم والوصف المجرد كشريف.

٢١٣

كالغضبان من " غصب " والعليم من " علم ".

والاول أبلغ، لان زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى، ومختص به تعالى، لا لانه من الصفات الغالبة، لانه يقتضي جواز استعماله في غيره تعالى بحسب الوضع وليس كذلك، بل لان معناه المنعم الحقيقي(1) البالغ في الرحمة غايتها.

وتعقيبه بالرحيم من قبيل التتميم، فإنه لمادل على جلائل النعم وأصولها ذكر الرحيم ليتناول ماخرج منها(2) .

(الله أحمد) جمع بين التسمية والتحميد في الابتداء جريا على قضية الامر في كل أمر ذى بال(3) ، فإن الابتداء يعتبر في العرف ممتدا من حين الاخذ في التصنيف إلى الشروع في المقصود، فيقارنه التسمية والتحميد ونحوهما، ولهذا يقدر الفعل المحذوف في أوائل التصانيف

___________________________________

(1) تقييد المنعم بالحقيقي لاخراج المنعم النسبي من سوى الله تعالى لان الانعام الحقيقي ما يكون محضا وخاليا عن رجاء العوض حتى الثواب الاخروي، وهذا لا يتحقق إلا في المنعم الاول: وهو الله تعالى.

(2) وهي فروع النعم وصغارها، على تقدير وجود صغير النعمة.

(3) اشارة إلى الحديث المشهور: " كل أمر ذي بال لم يبدأ ببسم الله فهو أبتر، أو أقطع ". وكذلك الحدث في الابتداء بالحمد.

راجع (بحار الانوار) الجزء 76: ص 35 الحديث 1 باب الافتتاح بالتسمية.

وتفسير البرهان الجزء 1 حديث 11. (*)و (وسائل الشيعة) الجزء 4. ص 1194.

الباب 17 الحديث 4 لكنا لم نعئر على حديث الحمد من طرق أصحابنا. نعم في شرح التاج في آخر باب خطبة الجمعة روى: " أن كل كلام لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أجزم ".

٢١٤

" أبتدئ " سواء اعتبر الظرف مستقرا أم لغوا، لان فيه امتثالا للحديث لفظا ومعنى، وفي تقدير غيره معنى فقط(1) . وقدم التسمية(2) إقتفاء‌ا لما نطق به الكتاب، واتفق عليه أولو الالباب. وابتدأ في اللفظ باسم الله، لمناسبة مرتبته في الوجود العيني، لانه الاول فيه، فناسب كون اللفظي ونحوه كذلك(3) ، وقدم ما هو الاهم(4) وإن كان حقه التأخر باعتبار المعمولية، للتنبيه على إفادة الحصر على طريقة " إياك نعبد "(5) .

___________________________________

(1) لانه لو قدر (ابتدئ) كان الابتداء بالتسمية لفظا ومعنى. أما لو قدر غيره كان الابتداء بالتسمية لفظا فقط، لان ذلك المقدر يكون سابقا على الاسم.

(2) المراد بالسمية هو " بسم الله الرحمن الرحيم " وقدمها على التحميد اقتداء بالكتاب العزيز.

(3) مقصودة: أن ذاته المقدسة كانت متقدمة على أفعاله، فناسب تقديم اسمه على تحميده، لان الحمد على النعم وهي متأخرة عن ذاته.

(4) أي قدم المصنف الله في " الله احمد ".

(5) يعني أن لفظة الجلالة وإن كانت معمولة لقوله: احمد، لكنها تقدمت للاهمية، ولافادة الحصر. (*)

٢١٥

ونسب الحمد إليه تعالى باعتبار لفظ " الله " لانه اسم للذات المقدسة، بخلاف باقي أسمائه تعالى، لانها صفات كما مر، ولهذا يحمل عليه ، ولا يحمل على شئ منها.

ونسبة الحمد إلى الذات باعتبار وصف تشعر بعليته(1) ، وجعل جملة الحمد فعلية لتجدده حالا فحالا بحسب تجدد المحمود عليه، وهي خبرية لفظا إنشائية معنى(2) للثناء على الله تعالى بصفات كماله ونعوت جلاله، وما ذكر فرد من أفراده. ولما كان المحمود مختارا مستحقا للحمد على الاطلاق اختار الحمد على المدح والشكر(3) (استتماما لنعمته) نصب على المفعول له، تنبيها

___________________________________

(1) تعتبر نسبة الحمد إلى الذات المقدسة باعتبار ما أضيف اليه من الاسم أو الوصف، فاذا أضيف الحمد إلى " الله " فمعناه الحمد على جميع الصفات الكمالية وإذا اضيف إلى الرحمان، أو الخالق كان معناه الحمد على رحمانيته أو خالقيته مثلا، وهكذا.

(2) أي اللفظ خبر، ومعناه الانشاء.

(3) اختار الحمد على المدح، لان المدح يعم ما اذا كان الثناء على الجميل الاختياري وغير الاختياري. أما الحمد فيختص بالثناء على الجميل الاختياري، وهذا هو المناسب للمقام. وكذلك اختيار الحمد على الشكر، لان الشكر ينحصر في تجاه الانعام. أما الحمد فيعم كل جميل سواء أكانت نعمة، أم فضيلة.

وإلى ذلك يشير الشارح بقوله: (لما كان المحمود مختارا) أي لذلك (*)ناسب ذكر الحمد دون المدح.

٢١٦

على كونه من غايات الحمد.

والمراد به هنا الشكر، لانه رأسه(1) وأظهر أفراده، وهو ناظر(2) إلى قوله تعالى:( لئن شكرتم لازيدنكم ) (3) لان الاستتمام طلب التمام، وهو مستلزم للزيادة، وذلك باعث على رجاء المزيد، وهذه اللفظة مأخوذة من كلام عليعليه‌السلام في بعض خطبه(4) .

و " النعمة " هي المنفعة الواصلة إلى الغير على جهة الاحسان إليه، وهي موجبة للشكر المستلزم للمزيد، ووحدها للتنبيه على أن نعم الله تعالى أعظم من أن تستتم على عبد، فإن فيضه غير متناه كما ولا كيفا

___________________________________

(1) لما كان الحمد والشكر يتحدان في الثناء باللسان على الانعام الذي هو جميل إختياري، فمقصود المصنف من الحمد هنا هو الذي يتصادق مع الشكر، فان الحمد رأس الشكر، وما شكر الله عبد لم يحمده كما ورد في الحديث.

(2) وهو - أي قوله: " الله احمد " - ناظر إلى قوله تعالى: " لئن شكرتم لازيدنكم " فيما أن المصنف عبر بالحمد وهو رأس الشكر واظهر افراده فيكون مصداقا للآية الكريمة، فصح قوله: استتماما لنعمته " أي طلبا لاتمامها، لان الله تعالى وعد بازيادة في النعم عند الشكر وهو لايخلف المعاد.

(3) ابراهيم: الآية 7.

(4) نهج البلاغة الجزء 1. ص 27 طبع بيروت منشورات المكتبة الاهلية.

(5) بأن جعلها مفردا معرفا بلام الجنس، ولم يعبر بما يدل (*)على العموم، فلم يقل: استتماما لنعمه، أو للنعم، وما إلى ذلك لان نعمه تعالى غير متناهية في الكمية، فلايستطيع أحد استجماعها فلايحسن من العاقل طلب المحال. أما جنس النعمة فممكنة الحصول، وإن كان الجنس يختلف كما وكيفا حسب اختلاف قابليات الاشخاص واستعداداتهم، ووفق المصالح الملحوظة.

٢١٧

وفيها يتصور طلب تمام النعمة التي تصل إلى القوابل بحسب استعدادهم.

(والحمد فضله)، أشار إلى العجز عن القيام بحق النعمة، لان الحمد إذا كان من جملة فضله فيستحق عليه حمدا وشكرا فلا ينقضي ما يستحقه من المحامد، لعدم تناهي نعمه. واللام في " الحمد " يجوز كونه للعهد الذكري وهو المحمود به أو لا(1) . وللذهنى الصادر عنه، أو عن جميع الحامدين. وللاستغراق(2) ، لانتهائه مطلقا إليه بواسطة أو بدونها فتكون كل قطرة من قطرات بحار فضله، ولمحة من لمحات جوده.

___________________________________

(1) أي جملة " الله احمد " التي مرت.

(2) اعلم ان العهد الخارجي على ثلاثة أقسام:

(الاول): الذكرى: وهو الذي يتقدم لمصحوبها ذكر كقوله تعالى: " كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول (الثاني) العلمي: وهو أن يتقدم بمضمونها علم نحو " بالواد المقدس طوى " " وتحت الشجرة " لان ذلك معلوم عندهم.

(الثالث): الحضوري: وهو ان يكون مصحوبها حاضرا نحو " اليوم أكملت لكم دينكم ". والمراد من العهد الذهني هنا الثاني -.

٢١٨

والجنس: هو راجع إلى السابق باعتبار(1) .

(وإياه أشكر) على سبيل ما تقدم من التركيب المفيد لانحصار الشكر فيه، لرجوع النعم كلها إليه، وإن قيل للعبد فعل اختياري(2) لان آلاته وأسبابه التي يقتدر بها على الفعل لابد أن ينتهى إليه، فهو الحقيقي بجميع أفراد الشكر، وأردف الحمد بالشكر مع أنه لامح(3) له أولا، للتنبيه عليه بالخصوصية، ولمح تمام الآية (استسلاما) أي انقيادا (لعزته) وهي غاية أخرى للشكر كما مر فإن العبد يستعد بكمال الشكر لمعرفة المشكور، وهي مستلزمة للانقياد لعزته، والخضوع لعظمته، وهو ناظر إلى قوله تعالى:

___________________________________

(1) ووجه رجوعه اليه باعتبار ان جنس الحمد اذا كان محكوما عليه بكونه فضله اقتضى كون جميع افراده كذلك، لان الجنس - وان تم في ضمن فرد واحد - الا ان فردا من افراد الحمد هنا لو وجد مع غيره وجد الجنس معه ايضا فلا يكون مختصا به. وقد تقدم في كلامه ما يدل على اختصاصه به وانحصاره فيه فيكون الجنس مفيدا هنا فائدة الاستغراق بمعونة الكلام السابق المقتضي للاختصاص وان احتاج إلى دليل خارج وهو ان حصر حمده في الله يقتضي حصر حمد غيره، لاشتراكهما في المعنى الموجب للحصر.

(2) لعل الصحيح: " وان كان للعبد فعل اختياري ".

(3) اسم فاعل من " لمح " بمعنى اشار. (*)

٢١٩

( ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) (1) ، ولما تشتمل عليه الآية من التخويف المانع من مقابلة نعمة الله بالكفران، فقد جمع صدرها وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء. وقدم الرجاء لانه سوط النفس الناطقة المحرك لها نحو الطماح(2) والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.

___________________________________

(1) ابراهيم: الآية 7.

(2) الطماح والطموح هو الاعتلاء والتسامي، فان النفس البشرية بطبيعتها طامحة إلى التعالي والترقي، ومتطلعة إلى التسامي، وقد شبهها الشارح بفرس جموح لا يسلك جادة الاعتدال إلا بالخوف، والسيطرة على زمامه.

٢٢٠