الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة الجزء ١

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة0%

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة

مؤلف: الشيخ زين الدين علي بن محمد الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)
تصنيف:

الصفحات: 793
المشاهدات: 68557
تحميل: 11490


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68557 / تحميل: 11490
الحجم الحجم الحجم
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة الجزء 1

مؤلف:
العربية

واليك توضيحا اكثر: ان للنفس الانسانية المعتبر عنها ب‍: (النفس الناطقة) جهتين تمتاز بهما: (الاولى): علمها بمصالح الاشياء ومفاسدها، ويعبر عن هذه الجهة بالقوة العلامة. (الثانية): عملها، أي حركتها نحو ما علمته خيرا او شرا. وتسمى هذه الجهة بالقوة العمالة.

وان هذه النفس الانسانية لها صلاحية الا كمال والارتفاع من الحضيض الترابي الارضي إلى الاوج النوري الرباني، وبين الامرين درجات متفاوتة. ثم ان حركة النفس نحو درجاتها الا كمالية حركة اختيارية، تستحق بها الفضل والثناء.

والنفس في اولى مراتب كمالها تتخلى عن الرذائل كلها، لتتحلى في المرتبة الثانية بحلى الفضائل والكرامات، ثم تتجلى لها في المرتبة الثالثة الحقائق كلها على ماهي عليها، وبعد ذلك وفي نهاية المطاف تلتحق بالفوز الاوفى: وهو الفناء في الذات: وهي السعادة الابدية، وان كل مرتبة مقدمة للمربتة التي بعدها، ولابد في تحققها في هذه المربتة من تحقق تلك المراتب وهي: " التخلية ثم التحلية ثم التجلية ".

هذه حركة النفس التصاعدية " وبأزائها حركة أخرى للنفس تسمى " حركة تسافلية " تنتهي إلى الاخلاد إلى الارض، والاختلاط مع الارواح الشريرة، وبذلك تصبح منبعثة لمجامع السيئات، ومصدرا للمفاسد ليكون شيطانا في صورة انسان.

وبعد هذه المقدمة الوجيزة نقول: إن كل نفس مهما كانت سمتها تتطلع في ذاتها إلى الكمال، وتسهدف نحوه، وأن السعادة الانسانية مأرب كل نفس سواء أكانت كانت مؤمنة أم كافرة، فهو الضالة المنشودة لجميع البشر.

نعم هذه غاية البشرية في ذاتها الاولى المودعة في فطرتها الاولية سوى أن الطرق التي تسلكها كل نفس متشعبة ومختلفة لا تلتقي على صعيد واحد. " فكل يدعى وصلا بليلى ".

لكن لما خلق الله هذا الانسان على وجه هذه البسيطة دبر له وسيلة البلوغ إلى سعادته دنيا وآخرة، فجل للوصول اليها منهجا قويما لايزل سالكه، ولا يضل.

قال الله تعالى: " ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقويها. (*)

٢٢١

(والشكر طوله) أي من جملة فضله الواسع، ومنه السابغ، فان كل مانتعاطاه من أفعالنا مستند إلى جوارحنا وقدرتنا وإراداتنا وسائر * (هامش 1) *( قد أفلح من زكيها وقد خاب من دسيها ) (1) .

وقال:( وهديناه النجدين ) (2) .

وقال:( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) (3) .

وليست الاديان السماوية سوى مناهج بلوغ الانسان إلى غايته القصوى والفوز على سعادته الابدية. والدين هو الصراط المستقيم الذي من سلكه كان من الذين أنعم الله عليهم. وأن وظيفة النفس الانسانية ان تسلك ذلك المنهج القويم لتدخل في عباد الله الذين اطمأنوا في حياتهم بلا اضطراب، أو تبلبل خاطر وتشويش بال، وبذلك حازوا على الدرجات العلى، ثم الانتهاء إلى الزلفى والقرب الذي هو رضوان الله الاكبر.

قال الله تعالى:( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .

وقال: " يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية، فاخلي في عبادي وادخلي " جنتي " الفجر: الآية.

هذه هي طريقطة السعادة لهذه النفس البشرية، فعليها أن تسلك هذه الطريقة اذا شاء‌ت النجاح في بغيتها، وإلا فلو سلكت غيرها فهي طموحة ولا تنال ما تروم مهما جدت أو جهدت.

___________________________________

(1) الشمس: الآية 7 8 9 10.

(2) البلد: الآية 10.

(3) الدهر: الآية 3 (*)

٢٢٢

أسباب حركاتنا، وهي بأسرها مستندة إلى جوده، ومستفادة من نعمه.

وكذلك ما يصدر عنا من الشكر، وسائر العبادات نعمة منه، فكيف تقابل نعمته بنعمته، وقد روي أن هذا الخاطر(1) خطر لداوودعليه‌السلام ، وكذا لموسىعليه‌السلام فقال: " يارب كيف أشكرك وأنا لاأستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك؟ "(2) وفي رواية أخرى " وشكري لك نعمة أخرى توجب علي الشكر لك "، فأوحى الله تعالى إليه " إذا عرفت هذا فقد شكرتني "(3) وفي خبر آخر " إذا عرفت أن النعم مني فقد رضيت بذلك منك شكرا "(4) .

(حمدا وشكرا كثيرا كما هو أهله)، يمكن كون الكاف في هذا التركيب زائدة مثلها في " ليس كمثله شئ "، لان الغرض حمده بما هو أهله، لا بحمد يشابه الحمد الذي هو أهله، وما موصولة و " هو أهله " صلتها وعائدها، والتقدير الحمد والشكر الذي هو أهله مع منافرة تنكيرهما لجعل الموصول صفة لهما، أو نكرة موصوفة بدلا من " حمدا وشكرا " لئلا يلزم التكرار(5) .

___________________________________

(1) الخاطر: مايعرض على البال من فكر أو تدبير.

(2) و(3) و(4) راجع (بحار الانوار الجزء 71. ص 36. الحديث 32 باب الشكر. وجامع السعادات) من طبعتنا الحديثة الجزء 3 فصل " الشكر نعمة يجب شكرها " ص 242.

(5) هذا تعليل لجعل " ما " النكرة بد لا عن " حمدا وشكرا " معا، إذ لو جعلت بدلا عن أحدهما لاحتيج إلى تقدير ها بدلا عن الآخر أيضا. (*)

٢٢٣

وقد تجعل ما أيضا زائدة، والتقدير: حمدا وشكرا هو أهله.

ويمكن كون الكاف حرف تشبيه، اعتبارا بأن الحمد الذي هو أهله لا يقدر عليه هذا الحامد ولا غيره، بل لا يقدر عليه إلا الله تعالى كما أشار إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: " لا أحصي ثناء‌ا عليك أنت كما أثنيت على نفسك "، وفي التشبيه حينئذ سؤال أن يلحقه الله تعالى بذلك الفرد الكامل من الحمد، تفضلا منه تعالى، مثله في قولهم " حمدا وشكرا مل‌ء السماوات والارض، وحمدا يفوق حمد الحامدين " ونحو ذلك.

واختار الحمد بهذه الكلمة لما روي عن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله " من قال: " الحمد لله كما هو أهله " شغل كتاب السماء، فيقولون اللهم إنا لا نعلم الغيب، فيقول تعالى: أكتبوها كما قالها عبدي، وعلى ثوابها "(2) .

___________________________________

(1) لم نعثر على مصدره إلا في جامع السعادات من طبعتنا الحديثة الجزء 3 ص 3 آخر فصل الذكر.

واليك نص الحديث: إن الله عزوجل أوحى إلى موسىعليه‌السلام : يا موسى اشكرني حق شكري.

فقال: يارب كيف اشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به علي؟ قال: ياموسى الآن شكرتني، حيث علمت أن ذلك مني.

(2) (وسائل الشيعة). الجزء 4. ص 1196. الباب 20. الحديث 1. (*)

٢٢٤

(وأسأله تسهيل ما) أي الشئ، و وهو العلم الذي (يلزم حمله وتعليم ما لا يسع) أي لا يجوز (جهله) وهوالعلم الشرعي الواجب.

(وأستعينه على القيام بما يبقي أجره) على الدوام، لان ثوابه في الجنة( أكلها دائم وظلها ) (1) ، (ويحسن في الملا الاعلى ذكره). أصل الملا الاشراف والرؤساء الذين يرجع إلى قوله تعالى:( ألم تر إلى الملا من بنى إسرائيل ) (2) .

قيل لهم ذلك لانهم ملاء بالرأي والغنا، أو أنهم يملاون العين والقلب، والمراد بالملا الاعلى الملائكة، (وترجى مثوبته وذخره) وفي كل ذلك إشارة إلى الترغيب فيما هو بصدده من تصنيف العلم الشرعي و تحقيقه، وبذل الجهد في تعليمه.

(وأشهد أن لا إله الا الله) تصرح بما قد دل عليه الحمد السابق، بالالتزام من التوحيد، وخص هذه الكلمة، لانها أعلى كلمة وأشرف لفظة نطق بها في التوحيد، منطبقة على جميع مراتبه، و " لا " فيها هي النافية للجنس، و " إنه " اسمها. قيل والخبر محذوف تقديره " موجود ". و يضعف بأنه لا ينفي إمكان إله معبود بالحق غيره تعالى، لان الامكان أعم من الوجود(3) .

___________________________________

(1) الرعد: الآية 37.

(2) البقرة: الآية 246.

(3) اختلفت الآراء في توجيه كلمة " لا اله الا الله " مقصودا بها جوانب ثلاث: (دلالتها) على إثبات إله واحد واجب الوجود و (دلالتها) على نفي شريك له نفي امكان. (*)و (دلالتها) على نفي الشريك نفي وجود. فلو قدر الخبر لفظة " موجود " أي لا إله موجود إلا الله - لم تدل على نفي امكان الشريك.

ولو قدر الخبر لفظة " ممكن " أي لا اله ممكن الا الله - لم تدل على إثبات إله واحد واجب الوجود، لانه يكون المعنى: " لا يكون الامكان ثابتا لغير الله "، وهذا لا يدل على الوجود الفعلي لله تعالى.

" ولو قدر الخبر لفظة مستحق للعبادة " أي لا إله مستحق للعبادة إلا الله - لم تدل على نفي الشريك المطلق، لانه يكون المعنى: " نفي آلهة مستحقين للعبادة سوى الله " أما نفي آلهة غير مستحقين فمسكوت عنه.

ولذلك حاول الشهيد الثانيرحمه‌الله توجيهها بوجهين آخرين: (الوجه الاول): أن هذه الجملة لا تحتاج إلى تقدير خبر أصلا نظرا إلى أن أصل هذا الكلام كان (الله إله) مبتدأ وخبر، ثم أريد الحصر في المسند اليه - اي الله - فقدم الخبر مقرونا بالنفي، وأخر المبتدأ مقرونا ب‍ " إلا "، فصار " لا إله إلا الله " كما في قولنا " " ما قائم إلا زيد " واصله: " زيد قائم ".

والمعنى على ذلك: نفي كل إله ومعبود سوى الله نفيا مطلقا، سواء النفي الامكاني، والنفي الفعلي (الوجه الثاني): أن هذه الكلمة تدل على " نفي الشريك، إمكانا ووجودا، واثبات الوجود وجوبا لله تعالى " دلالة شرعية: بمعنى أن الشارع نقلها إلى هذا المعنى المقصود، وإن كانت بحسب اللغة لا تدل عليه.

ولكن الاولى: أن تحمل هذه الكلمة على مفادها الظاهري، وهو نفي الوجود عن سوى الله، وذلك نظرا إلى أنها رد على ما كان = (*)= المشركون يزعمونه من وجود آلهة غير الله، فوردت هذه الكلمة " لا إله إلا الله " نفيا لذلك المعتقد، فالتقدير: " لا إله في الوجود سوى الله ". أما مرحلة نفي إمكان الشريك فليست هذه الكلمة بصددها أصلا.

٢٢٥

وقيل: " ممكن ". وفيه أنه لا يقتضي وجوده بالفعل.

وقيل: مستحق للعبادة.

وفيه أنه لا يدل على نفي التعدد مطلقا(1) وذهب المحققون إلى عدم الاحتياج إلى الخبر وأن " إلا الله " مبتدأ وخبره " لاإله "، اذ كان الاصل " الله اله "، فلما اريد الحصر زيد " لا والا " ومعناه " الله اله "، ومعبود بالحق لا غيره " او انها نقلت شرعا إلى نفي الامكان والوجود عن إله سوى الله، مع الدلالة على وجوده تعالى وان لم تدل عليه لغة.

(وحده لا شريك له) تأكيد لما قد استفيد من التوحيد الخالص، حسن ذكره في هذا المقام لمزيد الاهتمام(2) .

(وأشهد أن محمدا نبي أرسله)، قرن الشهادة بالرسالة بشهادة التوحيد، لانها بمنزلة الباب لها، وقد شرف الله نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله بكونه لا يذكر إلا يذكر معه، وذكر الشهادتين في الخطبة لما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أن " كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء "(3) .

و " محمد " علم منقول من اسم مفعول المضعف، وسمي به

___________________________________

(1) سواء أكان مستحقا للعبادة، أم غير مستححق لها.

(2) للتوكيد دواع تقتضيه، فبين أن السبب الداعي له هو زيادة الاهتمام.

(3) رواه صاحب التاج عن أبي هريرة في باب خطبة الجمعة. (*)

٢٢٦

نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله إلهاما من الله تعالى، وتفاؤلا بأنه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة.

وقد قيل لجده عبدالمطلب وقد سماه في يوم سابع ولادته لموت أبيه قبلها: لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ فقال: " رجوت أن يحمد في السماء والارض " وقد حقق الله رجاء‌ه(1) ،

___________________________________

(1) ذكر ابن عساكر: أنه لما كان اليوم السابع من ولادته ذبح عنه ودعا قريشا، فلما أكلوا قالوا: يا عبدالمطلب ارأيت ابنك هذا الذي اكرمتنا على وجهه ما سميته؟ قال: سميته محمدا.

قالوا فلما رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: " أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الارض ".

والشارح نقل مضمونه، وأما جملة " فحقق الله رجاء‌ه " من زيادة الشارح.

وأما موت أبيه فمختلف فيه: فقد ذكر ابن هشام أنه توفي وأم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حامل به.

وذكر ابن عساكر: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بطن أمه ومات والده.

وقال الواقدي: هذا أثبت الاقاويل عندنا وفي شرح سيرة ابن هشام: اكثر العلماء على أن عبدالله مات ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في المهد ابن شهرين أو اكثر من ذلك، وقيل: بل مات ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ابن ثمان وعشرين شهرا.

= (*)= وفي تاريخ اليعقوبي: وقال بعضهم: إنه توفي قبل ان يولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال: وهذا غير صحيح لان الاجماع على أنه توفي بعد مولد واسند وفاته بعد مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهرين إلى الرواية عن الام الصادقعليه‌السلام ؟ ولم نجد رواية في ذلك سوى ما ذكره (الكليني قدس الله نفسه) من عير اسناد.

ففي اصول الكافي: (توفي ابوه عبدالله عند اخواله بالمدينة وهو ابن شهرين).

٢٢٧

و " النبئ " بالهمز من النبأ وهو الخبر، لان النبي مخبر عن الله تعالى وبلاهمز وهو الاكثر إما تخفيفا من المهموز بقلب همزته ياء، أو أن أصله من النبوة بفتح النون وسكون الباء أي الرفعة، لان النبي مرفوع الرتبة على غيره من الخلق، ونبه بقوله: (أرسله) على جمعه بين النبوة والرسالة والاول أعم مطلقا، لانه إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه فإن أمر بذلك فرسول الله أيضا، أو أمر بتبليغه وإن لم يكن له كتاب(1) أو نسخ لبعض شرع من قبله كيوشععليه‌السلام ، فإن كان له ذلك فرسول أيضا.

وقيل هما بمعنى واحد، وهو معنى الرسول على الاول (على العالمين) جمع " العالم "، وهو اسم لما يعلم به كالخاتم، والقالب(2) غلب

___________________________________

(1) هذا معنى آخر للنبي وهو انه إنسان أوحي اليه بشرع وامر بتبليغه وسواء أكان له كتاب ام لم يكن، وسواء اكانت شريعة ناسخة ام لم تكن.

(2) (القالب) بفتح اللام وكسرها: آلة تفرغ فيها المعادن المنصهرة، لتخرج على شكل خاص. (*)

٢٢٨

فيما يعلم به الصانع، وهو كل ما سواه من الجواهر والاعراض، فإنها لامكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده، وجمعه ليشمل ما تحته من الاجناس المختلفة، وغلب العقلاء منهم، فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم.

وقيل اسم وضع لذوي العلم من الملائكة والثقلين، وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع.

وقيل المراد به الناس ههنا، فإن كل واحد منهم (عالم أصغر) من حيث إنه يشتمل على نظائر ما في (العالم الاكبر)، من الجواهر والاعراض التي يعلم بها الصانع، كما يعلم بما أبدعه في العالم الاكبر (اصطفاه) أى اختاره (وفضله) عليهم أجمعين.

(صلى الله عليه) من الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: (صلوا عليه وسلموا، تسليما)(1) ، وأصلها الدعاء ، لكنها منه تعالى مجاز في الرحمة وغاية السؤال بها عائد إلى المصلي، لان الله تعالى قد أعطى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثر فيه صلاة مصل، كما نطقت به الاخبار(2) ، وصرح به العلماء الاخيار. وكان ينبغي اتباعها بالسلام عملا بظاهر الامر(3)

___________________________________

(1) و(2) (وسائل الشيعة) الجزء 4. ص 1135الباب 36 الحديث 1 وص 1138 الحديث 15.

اليك نص الحديث عن محمد بن مروان عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : صلاتكم علي اجابة لدعائكم، وزكاة لاعمالكم.

(3) وانما عبر بالظاهر للاحتمال الآتي المصرح به في بعض الاخبار المصدر نفسه. ص 1113. الباب 35. الحديث 21. = (*)= وفي الحديث الاول يقولعليه‌السلام : وأماقوله تعالى: فسلموا تسليما يعني التسليم له فيما ورد عنه.

٢٢٩

وإنما تركه للتنبيه على عدم تحتم إرادته من الآية، لجواز كون المراد به الانقياد، بخلاف الصلاة، (وعلى آله) وهم عندنا (علي وفاطمة والحسنان)(1) ، ويطلق تغليبا على باقي الائمةعليهم‌السلام ، ونبه على اختصاصهمعليهم‌السلام بهذا الاسم بقوله: (الذين حفظوا ماحمله) بالتخفيف من أحكام الدين، (وعقلوا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما عن جبريل عقله)، ولا يتوهم مساواتهم له بذلك في الفضيلة، لاختصاصهصلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم بمزايا أخر تصير بها نسبتهم إليه كنسبة غيرهمعليهم‌السلام من الرعية إليهم لانهمعليهم‌السلام في وقتهصلى‌الله‌عليه‌وآله من جملة رعيته.

ثم نبه على ما أوجب فضيلتهم، وتخصيصهم بالذكر بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: (حتى قرن) الظاهر عود الضمير المستكن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لانه قرن (بينهم وبين حكم الكتاب) في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

___________________________________

(1) آل الرجل، أو أهله: من يخصه ء‌ينتسب اليه، واختص استعمال (آل) من ذوي الشرف والمقام، فيقال: آل الرسول ولايقال آل الحجام مثلا. وأهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هم الخمسة أصحاب الكساء وهم المقصودون من آية التطهير: على ما رواه الفريقان عن أم سلمة وعائشة. وآل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عام لذريته، على ما ورد في الاحاديث فشمول الآل للائمة المعصومينعليهم‌السلام واضح، ولا وجه لتفسير الشارح الآل بأصحاب الكساء إلا باعتبار أصله. (*)

٢٣٠

(إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي " الحديث(1) .

ويمكن عوده إلى الله تعالى، لان إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك مستند إلى الوحي الالهى، لانه( لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) (2) وهو الظاهر من قوله: (وجعلهم قدوة لاولي الالباب) فإن الجاعل ذلك هو الله تعالى، مع جواز أن يراد به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا، و (الالباب) العقول، وخص ذويهم لانهم المنتفعون بالعبر، المقتفون لسديد الاثر (صلاة دائمة بدوام الاحقاب) جمع (حقب) بضم الحاء والقاف، وهو الدهر، ومنه قوله تعالى:( أو أمضي حقبا ) (3) أي دائمة بدوام الدهور.

وأما (الحقب) بضم الحاء وسكون القاف وهو ثمانون سنة - فجمعه (حقاب) بالكسر، مثل قف وقفاف(4) نص عليه الجوهري.

(أما بعد) الحمد والصلاة، و (أما) كلمة فيها معنى الشرط

___________________________________

(1) الحديث متواتر بين الفريقين راجع صحيح مسلم الجزء 7. ص 122. وسنن الترمذي الجزء 2. ص 307. ومسند احمد الجزء 3. ص 14 - 17 و 26 / 59 و 4 / 366 و 371 و 5 / 182 و 189 ولزيادة التفصيل راجع كتاب حديث الثقلين الصادرمن دار التقريب القاهرة.

(2) سورة النجم: الآية 53.

(3) الكهف: الآية 61.

(4) القفاف: ما ارتفع من الارض، أو الظاهر من كل شئ. (*)

٢٣١

ولهذا كانت الفاء لازمة في جوابها، والتقدير " مهما يكن من شئ بعد الحمد والصلاة فهو كذا "، فوقعت كلمة " أما " موقع اسم هو المبتدأ وفعل هو الشرط، وتضمنت معناهما فلزمها لصوق الاسم(1) اللازم للمبتدأ للاول إبقاء له بحسب الامكان، ولزمها الفاء للثاني(2) .

و (بعد) ظرف زمان، وكثيرا ما يحذف منه المضاف إليه وينوى معناه، فيبنى على الضم.

(فهذه) إشارة إلى العبارات الذهنية التي يريد كتابتها، إن كان وضع الخطبة قبل التصنيف، أو كتبها إن كان بعده، نزلها منزلة الشخص المشاهد المحسوس، فأشار إليه ب‍ (هذه) الموضوع للمشار إليه المحسوس (اللمعة) بضم اللام، وهي لغة: البقعة من الارض ذات الكلا إذا يبست وصار لها بياض، وأصله من (اللمعان) وهو الاضاء‌ة والبريق لان البقعة من الارض ذات الكلا المذكور كأنها تضئ دون سائر البقاع وعدي ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه، لاستنارة الاذهان به، ولتميزه عن سائر الكلام، فكأنه في نفسه ذو ضياء ونور (الدمشقية) بكسر الدال وفتح الميم، نسبها إلى (دمشق) المدينة المعروفة، لانه صنفها بها في بعض أوقات إقامته بها (في فقه الامامية) الاثنى عشرية أيدهم الله تعالى، (إجابة) منصوب على المفعول لاجله، والعامل محذوف، أي

___________________________________

(1) مقصوده: أن الاسمية لما كانت لازمة وضرورية لكل مبتدأ ولم تكن (أما) اسما، فوجب أن يلصق بها اسم، إيفاء لحق المتبدأ حسب الامكان، وهو هنا كلمة (بعد).

(2) أي لما كانت (أما) متضمنة معنى الشرط لزم بعدها الفاء الملك. (*)

٢٣٢

صنفها إجابة (لالتماس) وهو طلب المساوي من مثله ولو بالادعاء، كما في أبواب الخطابة (بعض الديانين) أي المطيعين لله في أمره ونهيه. وهذا البعض هو شمس الدين محمد الآوي(1) من أصحاب السلطان علي بن مؤيد ملك خراسان(2) وما والاها في ذلك الوقت، إلى أن استولى

___________________________________

(1) الآوي: نسبة إلى " آوه "، بمد الالف وكسر الواو، ويقال لها: " آوج " و " آبه " قرية بين قم وساوة وري على بعد فرسخين من ساوه. وقيل: اربعة فراسخ. وكانت " آوه " مدينة كبيرة وأهلها شيعه امامية من قديم الايام وفي معجم البلدان الجزء 3 ص 179: كانت بآوه دار كتب لم يكن في الدنيا اعظم منها احرصها التتر.

(2) وهو الخواجا علي بن مؤيد السبزواري آخر ملوك (السربدارية) المعروفين وكان شيعي المذهب، وكان كثير العطاء محبا للعلم والفضيلة ومكر ما للسادات ويفضلهم على سائر العلماء، و (السربدارية) ملوك حكموا بعض اعمال خراسان لفترة ما بين(738 - 783) اتخذوا (سبزوار) مقرا للحكم، ثم اندمجوا ضمن امبراطورية الامير تيمور كوركان.

كان اول ملوكهم الامير عبدالرزاق المؤسس لهذه السلسلة، وكان شعاره الذي قام به ان قال: " لو نصلب شنقا افضل من القتل ذلا ".

فاشتهروا من ذلك بملوك (السربدارية وهي كلمة فارسية مركبة من (سر) أي (الرأس) و (دار) اي المشنقة). (*)

٢٣٣

على بلاده " تيمور لنك " فصار معه قسرا(1) إلى أن توفي في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة بعد ان استشهد المصنف (قدس‌سره ) بتسع سنين.

وكان بينه وبين المصنف (قدس‌سره ) مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق، ثم إلى الشام.

وطلب منه أخيرا التوجه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطف والتعظيم والحث للمصنف (رحمه‌الله ) على ذلك، فإبى واعتذر إليه، وصنف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير، على ما نقله عنه ولده المبرور أبوطالب محمد، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الاصل، ولم يتمكن أحد من نسخها منه لضنته بها، وإنما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول تعظيما لها، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل، ثم أصلحه المصنف بعد ذلك بما يناسب المقام، ربما كان مغايرا للاصل بحسب اللفظ، وذلك في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة.

ونقل عن المصنف (رحمه‌الله ) أن مجلسه بدمشق ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور لخلطته بهم و صحبته لهم، قال: " فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل علي أحد منهم فيراه، فما دخل علي أحد منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه، وكان ذلك من خفي الالطاف "، وهو من جملة كراماته قدس الله روحه ونور ضريحه.

(وحسبنا الله)، أي محسبنا وكافينا.

(ونعم المعين) عطف إما على جملة " حسبنا الله "، بتقدير

___________________________________

(1) اي جبرا (*)

٢٣٤

المعطوفة خبرية(1) ، بتقدير المبتدأ مع ما يوجبه، أي " مقول في حقه ذلك " أو بتقدير المعطوف عليها إنشائية(2) . أو على خبر المعطوف عليها خاصة(3) فتقع الجملة الانشائية خبر

___________________________________

(1) وهي جملة " نعم المعين " الانشائية، لان نعم من افعال المدح فيستدعي تقدير ها جملة خبرية: بأن تجعل خبرا لمتبدأ محذوف وهو " هو ". وهذا التقدير يستلزم تقديرا آخر وهو " مقول في حقه كذا " حتى ينسجم المعنى، وبكون " نعم المعين " مقولا للقول المحذوف هكذا: " وهو مقول في حقه نعم المعين ".

(2) وهي جملة " حسبنا الله "، وكونها انشائية باعتبار ان المقصود: (اللهم اعطنا واكفنا).

(3) لما كانت عبارة المصنف في بادئ النظر مشوشة الاعراب من جهة عطف الانشاء على الخبر، فلذلك تصدى الشارح (رحمه‌الله ) إلى توجيهها بأمور:

(الاول): تأويل الجملة المعطوفة إلى جملة خبرية، بجعلها هكذا: " وهو مقول في حقه نعم المعين ".

(الثاني): تقدير المعطوف عليها انشائية باعتبارها جملة دعائية اي.

" اللهم اعطنا واكفنا ".

(الثالث): تأويل " نعم المعين " إلى مفرد وعطفها على مفرد وهو " حسبنا ".

(الرابع): إبقاء جملة " نعم المعين " على جملة انشائية، ولكن بعطفها على مفرد وهو " حسبنا "، فتصبح جملة انشائية خبرا عن متبدأ ولا اشكال فيه.

(الخامس): جعل الواو استينافية لاعاطفة، فنتخلص عن المحذور = (*)= بالكلية.

هذا كله على تقدير صحة عطف الانشاء على الاخبار. أما اذا جوزنا ذلك فلا موجب لهذه التكلفات، وقد اجاز علماء الادب ذلك، مستشهدين بقوله تعالى: " إنا اعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر "

ويقول الشاعر: * وقائلة خولان فانكح فتاتهم * راجع بهذا الصدد كتاب المغني لابن هشام.

٢٣٥

المبتدأ، فيكون عطف مفرد متعلقه جملة انشائية.

او يقال: ان الجملة التي لها محل من الاعراب لا حرج في عطفها كذلك(1) . او تجعل الواو معترضة لا عاطفة، مع أن جماعة من النحاة أجازوا عطف الانشائية على الخبرية، وبالعكس، واستشهدوا عليه بآيات قرآنية، وشواهد شعرية. (وهي مبنية) أي مرتبة، أو ما هو أعم من الترتيب(2) (على كتب) بضم التاء وسكونها جمع كتاب، وهو فعال من " الكتب " بالفتح وهو الجمع، سمي به المكتوب المخصوص لجمعة المسائل المتكثرة.

___________________________________

(1) أي عطف الجملة على المفرد، اذ كانت الجملة في محل الاعراب.

(2) الترتيب هوالتأليف، فيكون التأليف أعم من الترتيب بحسب المفهوم.

٢٣٦

والكتاب أيضا مصدر مزيد مشتق من المجرد، لموافقته له في حروفه الاصلية ومعناه(1) .

___________________________________

(1)مقصوده: أن " كتاب " تارة يكون اسما مجردا من الكتب بمعنى الجمع. واخرى يكون مزيدا من باب المفاعلة، وأن الثاني أيضا مشتق ومأخوذ من الاول بدليل إتحاد حروفه ومعناه مع الاول، إذ اتحاد الحروف والمعنى دليل على الاشتقاق.

فمقصوده من قوله: " مصدر مزيد مشتق من المجرد " أن هذا الثلاثي المزيد مأخوذ من ذاك المجرد الذي هو بمعنى الجمع، وهذا لنفي احتمال أن يكون مزيدا لغير ذاك. (*)

٢٣٧

الجزء الاول: القسم الاول (كتاب الطهارة)

٢٣٨

٢٣٩

(الطهارة) مصدر " طهر " بضم العين وفتحها، والاسم الطهر بالضم(1) (وهي لغة النظافة) والنزاهة من الادناس.

___________________________________

(1) ذكروا للفرق بين المصدر واسمه امورا:

(الاول): ان الاسم الدال على مجرد الحدث إن كان علما - كحماد علما للمحمدة. او كان مبدوء‌ا بميم زائدة - لغير المفاعلة كمضرب -. اومتجاوزا فعله الثلاثة وهو بزنة اسم الحدث الثلاثي - كغسل من اغتسل - فهو اسم مصدر، وإلا فهو مصدر.

(الثاني): ان المصدر يدل على الحدث بنفسه، واسم المصدر يدل على الحدث بواسطة المصدر، فمدلول المصدر معنى، ومدلول اسم المصدر لفظ المصدر.

(الثالث): ان المصدر يدل على الحدث، واسم المصدر يدل على الهيئة الحاصلة منه.

(الرابع) ان اسم المصدر ما ليس على أوزان مصدر فعله، لكنه بمعناه، كما في اسماء الافعال، فانها تدل على المعاني الفعلية من غير أن تكون على اوزان الافعال.

(الخامس): ان المصدر موضوع لفعل الشئ والانفعال به، واسم المصدر موضوع لاصل ذلك الشئ.

خذ لذلك مثالا، الاغتسال مثلا موضوع لايجاد أفعال تدريجية مخصوصة: من غسل الرأس مع الرقبة، والجانب الايمن بتمامه، والجانب الايسر بتمامه، ومعها العورة. والغسل عبارة عن مجموع نفس تلك الافعال. فما ذكره الشارح فرقا بين الطهارة والطهور يجري على الاول بتكلف وعلى الخامس بوضوح.

٢٤٠