الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة الجزء ١

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة0%

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 793

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة

مؤلف: الشيخ زين الدين علي بن محمد الجبعي العاملي (الشهيد الثاني)
تصنيف:

الصفحات: 793
المشاهدات: 68568
تحميل: 11492


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 793 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 68568 / تحميل: 11492
الحجم الحجم الحجم
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية - مقدمة الجزء 1

مؤلف:
العربية

فيما احرق من (مؤسسات الشيعة) وبيوتهم، ومدارسهم في الكرخ.

(ثانيتهما مكتبة أستاذه السيد المرتضى) التي كانت تحتوي على ثمانين الف كتاب، والتي لازمها ثماني وعشرين سنة كل هذه العوامل، وعوامل أخرى أدت إلى نشوء (الشيخ الطوسي) وتكوين ذهنيته، وثقافته الواسعة).

وقد انتقل (الشيخ الطوسي) إلى (النجف الاشرف) سنة 448 حينما كبس على داره وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام كما يقول ابن الجوزي. وظل بالنجف يمارس مهمته في (زعامة الشيعة) والتدريس والتأليف وتطوير مناهج الدراسة الفقهية اثني عشر سنة حتى أن آثره الله لدار لقائه في محرم سنة 460 عن خمس وسبعين سنة. ومهما كان من أمر فقد اتيح (للشيخ الطوسي) أن يبلغ بالمدرسة التي فتح أبوابها أستاذه (المفيد والمرتضى) إلى القمة، ويفرض وجودها على الاجواء الثقافية في بغداد وفي العراق عامة. حتى أن الخليفة القائم بأمر الله بن القادر بالله جعل له كرسي الافادة والبحث، ونصبه لهذا المكان الرفيع، وكان لكرسي الافادة والكلام مقام كبير يومذاك ب‍ (بغداد). وهذا يعني أن (الشيخ) فرض وجود المدرسة رغم ميول الجهاز المعادية، ورغم معارضات المذاهب الكلامية والفقهية الاخرى على أجواء العراق الثقافية.

وقدر له لاول مرة أن يفتح باب الاجتهاد المطلق، والنظر والرأي على مصراعيه واسعا، وأن ينظم مناهج الاستنباط والاجتهاد، ويأصل الاصول، ويضع مناهج البحث للاصول، ويفرع المسائل، ويضع

٦١

أصول الدراسة والخلافية في الفقه، وعشرات من أمثالها مما أسدى (الشيخ الطوسي) إلى المدرسة الفقهية من الخدمات. وقد ذكر العلامة الجليل الشيخ آغا بزرك اسم (سبع وأربعين مؤلفا) للشيخ مما وصل اليه من أسماء مصنفاته.

ملامح المدرسة

ومما تقدم تبين للباحث أن (مدرسة بغداد) كانت فتحا جديدا في عالم البحث الفقهي بصورة عامة، فقد كان البحث الفقهي - كما استعر ضنا ملامحه باجمال - في مدارس (المدينة والكوفة وقم) لا يخرج عن حدود استعراض السنة، ونقل الحديث، ولم يبلغ رغم تطور المدرسة في عهودها الثلاثة مرحلة الرأي والاجتهاد.

ولم نلمس في هذه العهود الثلاثة ملامح عن الصياغة الفقهية والصناعة فيما بين أيدينا من آثار عصور الفقه الثلاثة الاولى بشكل ملموس واضح الملامح. ولاول مرة يلمس الباحث آثار الصناعة والصياغة الفنية، والاجتهاد والرأي والتفريغ في كتابات هذا العصر، ولا سيما كتب (المرتضى) الاصولية وكتب (الشيخ) الفقهية والاصولية. ولو حاول الباحث أن يدمج العصور الاولى بعضها في بعض، ويعتبر هذه الفترة فاتحة عصر ثان، ومدرسة جديدة في الفقه لم يبتعد كثيرا عن الصواب.

ومهما يكن من أمر فلنحاول أن ندرس ملامح هذه المدرسة مرة أخرى، ليتاح لنا أن نقيس بدقة أبعاد هذه المدرسة، ونضع لها حدودا

٦٢

تفضلها عن المدارس السابقة عليها، واللاحقة لها:

1 - وأولى هذه الملامح: أن (الفقه) خرج في هذا الدور عن الاقتصار على استعراض نصوص الكتاب، وما صح من السنة إلى معالجة النصوص، واستخدام الاصول والقواعد، فقد كانت مهمة البحث الفقهي في الادوار السابقة عرض النصوص، وفهمها وتذوقها. ولامر ما يطلق على هذا العلم اسم (الفقه)، فالفقه هو الفهم ومهمة الفقيه قبل هذه المرحلة ما كانت تتجاوز في الاعم الاغلب فهم النصوص الصحيحة وتذوقها.

وفي هذه المرحلة انقلبت عملية (الاستنباط) إلى صناعة عملية لها اصولها وقواعدها، وانفصل البحث (الاصولي) عن البحث الفقهي وأفرد بدراسات ومطالعات خاصة، وقام البحث الفقهي على نتائج هذه الدراسات والمطالعات، ولاول مرة في (تاريخ الفقه الجعفري) يلمح الباحث ملامح الصناعة في كتابات (الشيخ الطوسي) الفقهية، وطبيعي أن الصناعة الفقهية في هذه الفترة كانت تطوي مراحلها البدائية، ولكنه مع ذلك كانت بداية لعهد جديد، وخاتمة لعهد مضى. ولاول مرة في هذا الدور قام (السيد المرتضى) بمحاولة دراسة المسائل الاصولية مفصولة عن الفقه بصورة موضوعية، وتنقيح المسائل الاصولية في كتب ودراسات مستقلة، إلا أنها كانت مع ذلك بدائية ولم تتجاوز في غالب الاحوال مباحث الالفاظ: من الاوامر والنواهي ودلالات هيئات الالفاظ وموادها.

2 - وظاهرة أخرى من ملامح هذا العصر هو تفريع المسائل الفقهية واستحداث فروع جديدة لم تتعرض لها نصوص الروايات، وكان البحث

٦٣

الفقهي فيما سبق هذا الدور - لا يتجاوز حدود بيان الحكم الشرعي باستعراض الروايات الواردة في الباب. ولم نعهد من أحد من الفقهاء المتقدمين على هذا العصر محاولة معالجة فروع جديدة لم تتعرض لها الروايات. والسر واضح، فلم يقدر للفقه الجعفري أن يدخل قبل هذا العصر دور المعالجة والصناعة، وتفريع فرع على فرع آخر، أو حكم شرعي أو قاعدة شرعية تحتاج إلى شئ أكثر من استعراض خصوص الاحكام والقواعد، فلا يتم ذلك عادة من غير المعالجة والصناعة.

وهذا لم يتوفر للبحث الفقهي قبل هذا العهد: وربما يصح أن نقول: إن (الشيخ الطوسي) كان أول من قام بهذه التجربة في كتابه المبسوط، فقد ذكر في أول الكتاب أن الذي دعاه إلى تصنيفه أن (الامامية) لم يكونوا يفرعون الفروع إلى زمانه، وكانوا يقفون عند النصوص التي وصلت إليهم عن المتقدمين من المحدثين، وكان ذلك من دوافع الطعن على (الفقه الجعفري)، فقام بهذه المحاولة لسد هذا الفراغ في البحث الفقهي.

3 - والظاهرة الثالثة من ملامح هذا العصر: هو ظهور (الفقه المقارن). أو (الخلافي). فحينما تمركزت (المدرسة الشيعية) في الفقه في (بغداد وفرضت وجودها على الاجواء العلمية في حاضرة العالم الاسلامي أثار ذلك أصحاب المذاهب الفقهية الاخرى، وأعلنوا المعارضة بوجه المدرسة بصورة صريحة، وأثاروا المسائل الخلافية بصورة حادة، وأدى ذلك إلى اصطدام فقهاء الشيعة بفقهاء المذاهب الاخرى في الندوات والمجالس العامة في المسائل الفقهية الخلافية، ومهما يكن من أمر، ومهما كانت الدوافع السياسية التي كانت تثير

٦٤

هذه المسائل، فقد أدى ذلك إلى خصوبة البحث الفقهي، فالخلاف والانشقاق دائما يؤدي إلى الخصوبة، لا العقم، ويدل على خصوبة الذهنية لا عمقها. وكان من آثار ظهور الخلاف بين (الفقه الامامي) والمذاهب الفقهية الاخرى، واتساع رقعة الخلاف بينها: أن تفرغ (فقهاء الشيعة) لبحث المسائل الخلافية بصورة موضوعية، وبشكل مسهب. وظهر هذا النوع من البحث الفقهي لاول مرة في هذا العصر على يد (المفيد والمرتضى والطوسى).

وتوسع (الشيخ الطوسى) بشكل خاص لدراسة هذا الجانب من البحث الفقهي في كتابه الكبير (الخلاف) بشكل موسع تناول فيه المسائل الفقهية (الشيعة والسنة) في مختلف أبواب الفقه، وتعرض في كل مسألة لما يسند الجانبين من الادلة، وناقش آراء المذاهب الاخرى في كثير من المسائل. والكتاب - رغم قدمه - قيم لا يستغني عنه باحث فقيه. وكان من هذا القبيل استعراض المسائل التي تنفرد فيها الشيعة برأي والاستدلال له وانتصاره.

وفي هذا الفن من فنون الفقه كتب (السيد المرتضى) كتاب (الانتصار) ويقال له (متفردات الامامية) صنفه للوزير (عميد الدين) في بيان الفروع التي شنع على الشيعة بأنهم خالفوا فيها الاجماع. ومن هذا القبيل أيضا كتاب (الاعلام فيها اتفقت الامامية عليه من الاحكام مما اتفقت العامة على خلافهم فيه) للمفيد، ألفه بطلب تلميذه المرتضى.

4 - وظاهرة أخرى من ملامح هذا العصر ظهور (الاجماعات) والاستدلال بها، ولايعنينا هنا أن نتحدث عن (حجية الاجماع)

٦٥

وما قيل، أو يقال فيه،فذلك كله خارج عن مهمتنا في هذا البحث.

وما يهمنا أن نشير اليه: أن توسع البحث الفقهي وتكامله دفع الفقهاء إلى استكشاف أدلة جديدة للاستنباط، فيما اذا لم يجدوا في المورد نصا أو لم يقتنعوا بسلامة النص من حيث السند، أو الدلالة. فوجدوا في اجماع فقهاء المذاهب عامة، أو فقهاء الطائفة في عصر واحد دليلا على وجود نص شرعي يجوز الاعتماد عليه، إذ لا يمكن أن يجمع فقهاء المذاهب على حكم من دون وجود نص على ذلك أو دليل على سلامة الحكم، إذ لا يمكن أن يخطأ فقهاء الامة جميعا دون أن يحصل منهم من ينشق عليهم، ويصيب الواقع. وظهر الاحتجاج بالاجماع بصورة واضحة في هذا العصر وعند (الشيخ الطوسي) بصورة خاصة.

ومؤلفات الفقهاء المتقدمين على هذا العصر - وإن كانت لا تخلو عن التمسك بالاجماع - إلا أن هذه الظاهرة تبدو في كتب الشيخ بصورة خاصة، وفي آثار هذه المدرسة بصورة عامة أكثر من أي وقت سابق. ولا يخلو هذه الظاهرة على أي حال من دلالة على توسع البحث الفقهي وتكامله، والحاجة إلى أدلة جديدة يسندها الكتاب والسنة والعقل.

ويتضح مما تقدم أن البحث الفقهي خطا خطوة كبيرة في هذه المرحلة من حياته، وأشرف على أعتاب مرحلة جديدة بعد أن خلف وراء‌ه مرحلة طويلة، ودخل دور المراهقة حاملا تجارب ثلاثة قرون حافلة بالجهود المثمرة، والتجارب الخصبة. وبلغت التجربة الجديدة قمتها في حياة (الشيخ الطوسي) حيث قام بمحاولات تجديدية جريئة في تطوير عملية الاستنباط على الصعيد الفقهي والاصولي.

٦٦

ولكي يلمس القارئ التراث الضخم الذي خلفة (الشيخ) والتجربة الجريئة التي خاضها في تطوير منهج البحث الفقهي ننقل إلى القارئ النص التالي من مقدمة كتابه (المبسوط): قال في مقدمة الكتاب: إني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة، والمنتسبين إلى علم الفروع يستخفون بفقه أصحابنا (الامامية)، وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل، ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقضة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل، ولا التفريع، ولا الاصول لان جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين.

وهذا جهل منهم بمذاهبنا، وقلة تأمل لاصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إما خصوصا، أو عموما، أو تصريحا، أو تلويحا.

وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا، ومخرج على مذاهبنا، لا على وجه (القياس) بل على طريقة توجب علما يجب العمل عليها، ويسوغ المسير اليها: من البناء على الاصل، وبراء‌ة الذمة، وغير ذلك. مع أن اكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا، وانما كثر عددها عند الفقهاء بتركيبهم المسائل بعضها على بعض، وتعليقها، والتدقيق فيها، حتى أن كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة. وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك تتوق نفسي إليه، فيقطعني عن ذلك القواطع، وتشغلني الشواغل

٦٧

وتضعف نيتي أيضا فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه، وترك عنايتهم به لانهم ألفوا الاخبار، وما رووه من صريح الالفاظ، حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منه، وقصر فهمهم عنها.

وكنت عملت على قديم الوقت كتاب (النهاية)، وذكرت جميع ما رواها أصحابنا في مصنفاتهم، وأصلوها من المسائل، وفرقوه في كتبهم ورتبته ترتيب الفقه، وجمعت بين النظائر، ورتبت فيه الكتب على مارتبت للعلة التي بينتها هناك، ولم أتعرض للتفريع على المسائل، ولا لتعقيد الابواب وترتيب المسائل، وتعليقها، والجمع بين نظائرها، بل أو ردت جميع ذلك، أو اكثره بالالفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك، وعملت يآخره مختصرا جمل العقود في العبادات سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار وعقود الابواب فيما يتعلق بالعبادات، ووعدت فيه أن اعمل كتابا في الفروع خاصة يضاف إلى كتاب (النهاية) ويجتمع معه، فيكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج اليه.

ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه، لان الفرع إنما يفهمه إذا ضبط الاصل معه فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد يجمع كتب الفقه التي فصلها الفقهاء: وهي نحو من ثلاثين كتابا أذكر كل كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الالفاظ، واقتصرت على مجرد الفقه، دون الادعية والآداب، واعقد فيه الابواب، واقسم فيه المسائل، وأجمع بين النظائر، وأستوفيه غاية الاستيفاء، وأذكر اكثر الفروع التي ذكرها المخالفون، وأقول ما عندي على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجيه اصولنا، بعد أن اذكر اصول جميع المسائل(1) .

___________________________________

(1) كتاب المبسوط للشيخ الطوسي الطبعة الحروفية الثانية. الجزء 1 ص 2 - 3 (*).

٦٨

وهذا الحديث يشعرنا بضخامة العمل الذي قام به الشيخ في مجال البحث الفقهي والاصولي، فقد كان المتقدمون من الفقهاء يقتصرون على الفروع المذكورة في نصوص الاحاديث، ويعرضون عن تفريع فروع جديدة على هذه الفروع، واستنتاج أحكام جديدة لم يتعرض لها النص بدلالة المطابقة.

وكان فقهاء المذاهب الاخرى يجدون في هذا الاعراض والاقتصار مجالا للمؤاخذة والتنقيص، ويعتبرون ذلك من آثار الاعراض عن الاخذ بالقياس والرأي، فحاول الشيخ أن يثبت تفاهة هذا الرأي، ويعلن خصوبة البحث الفقهي عند (الشيعة)، وعدم عجزه عن تناول فروع، ومسائل جديده مستحدثة، وأن مدارك (الفقه الامامي) لا تقصر عن استيعاب فرع من الفروع مهما كان. ولا يجد الباحث الفقيه فرعا لا يجد له في (أصول الفقه الامامي وأحكامه) علاجا.

ووجد ثانيا جمود الفقهاء المتقدمين على ألفاظ ومباني واصول خاصة حتى أن أحدهم يستوحش لو بدل لفظ مكان لفظ آخر، فحاول أن يقضي على هذا الجمود، ويعيد صياغة الفقه والاستنباط من جديد بما يراه من موازين، واصول وقواعد تلائم مصادر التشريع.

ووجد ثالثا أن الفروع الفقهية مبعثرة خلال الكتب الفقهية بصورة مشوشة لايجمعها جامع، ولا يضم بعضها إلى بعض بتبويب خاص فحاول أن يجمع بين النظائر، وينظمها في أبواب خاصة، ويضم المسائل بعضها إلى بعض وينسقها.

ووجد رابعا أن نصوص الحديث تعرض للاحتجاج بها على الحكم عرضا من غير أن يعالج، والحكم الشرعي يؤخذ من مدلول النص أخذا مباشرا من دون أن يتوسط بين العرض والعطاء صناعة ومعالجة، وكان

٦٩

من أثر ذلك أن الفقه ظل مقتصرا على استعراض فروع فقهية محدودة تحددها مداليل النصوص المطابقية.

وحاول الشيخ لتلافي هذا النقص أن يبني الفروع على الاصول، وأن يصيغ عملية الاستنباط في قالب الصناعة والفن، وأن يؤسس الاصول ويستخرج القواعد التي يبني عليها الفقيه في الاستنباط، حتى يوسع من أبعاد البحث الفقهي، ويمسح عنها سمات العجز والقصر عن تناول المسائل الجديدة والفروع المستحدثة. ويظهر للباحثين أن هذا العجز لم يكن لقصور في أداة الاستنباط عند (الشيعة) وإنما كان لبساطة المحاولات والتجارب التي قام بها السلف في الاستنباط، وبداية شكل عملية الاجتهاد لديهم لطبيعة المرحلة التي كان يمر بها الفقه في تلك العصور.

(العصر الخامس)

مدرسة الحلة

برزت (مدرسة الحلة الفقهية) بعد احتلال (بغداد) على يد هولاكو التتار، فقد كانت (مدرسة بغداد) قبل الاحتلال حافلة بالفقهاء والباحثين وحلقات الدراسة الواسعة، وكان النشاط الفكري فيما قبل الاحتلال على قدم وساق. وحينما أحتلت بغداد من قبل المغول أو فد أهل الحلة وفدا إلى قيادة الجيش المغولي يلتمسون الامان لبلدهم، فاستجاب لهم (هولاكو) وآمنهم على بلدهم بعد ان اختبر صدقهم.

٧٠

وبذلك ظلت (الحلة) مأمونة من النكبة التي حلت بسائر البلاد في محنة الاحتلال المغولي، وأخذت تستقطب الشاردين من (بغداد) من الطلاب والاساتذة والفقهاء. واجتمع في الحلة عدد كبير من الطلاب والعلماء، وانتقل معهم النشاط العلمي من (بغداد) إلى (الحلة)، واحتفلت هذه البلدة وهي يومئذ من الحواضر الاسلامية الكبرى بما كانت تحتفل به (بغداد) من وجوه النشاط الفكري: ندوات البحث والجدل، وحلقات الدراسة والمكاتب والمدارس، وغيرها. واستقرت المدرسة في الحلة.

وظهر في هذا الدور في الحلة فقهاء كبار كان لهم الاثر الكبير في تطوير مناهج الفقه والاصول الامامي، وتجديد صياغة عملية الاجتهاد، وتنظيم أبواب الفقه ك‍ (المحقق الحلي والعلامة الحلي وولده فخر المحققين وابن أبي الفوارس والشهيد الاول وابن طاوس وابن ورام)، وغيرهم من فطاحل الاعلام ورجال الفكر. ولكي نلمس أثر هذا العصر وفقهائه في تطوير مناهج البحث الفقهي نستعرض بايجاز تراجم بعض رجال هذه المدرسة:

1 - (المحقق الحلي)

نجم الدين أبوالقاسم جعفر بن سعيد الحلي رائد (مدرسة الحلة الفقهية) ومن كبار فقهاء الشيعة.

قال عنه تلميذه ابن داود: الامام العلامة واحد عصره. كان ألسن اهل زمانه، وأقومهم بالحجة وأسرعهم استحضارا(1) " كان مجلسه يزدحم " بالعلماء والفضلاء ممن كانوا يقصدونه للاستفادة

___________________________________

(1) الكنى والالقاب الجزء 3. ص 134 (*).

٧١

من حديثه، والاستزادة من علمه "(1) . وحضر (المحقق الطوسي) يوما مجلس درسه من (بغداد)، فأراد المحقق الحلي أن يقف عن التدريس، احتراما لورود (المحقق الطوسي) فالتمس منه الطوسي أن يستمر في درسه.

وكان بحث (المحقق) في القبلة، فجرى الحديث عن مسألة استحباب التياسر في قبلة أهل (العراق)، فاعترض (الطوسي) على (المحقق) بأن الاستحباب لا معنى له، إذ التياسر إن كان من القبلة فحرام، وإن كان إلى القبلة فواجب.

فأجاب (المحقق): من القبلة إلى القبلة.

فسكت (المحقق الطوسي).

فلما رجع إلى (بغداد) كتب له (المحقق الحلي) رسالة لطيفة في تحقيق المسألة استحسنها (المحقق الطوسى). وقد أورد الرسالة الشيخ (احمد بن فهد) في (المهذب) بتمامها.

وقد قدر (للمحقق الحلي) أن يجدد كثيرا في مناهج البحث الفقهي والاصولي، وأن يكون رائد هذه المدرسة، ويكفي في فضله على المدرسة الفقهية أنه ربي تلميذا بمستوى (العلامة الحلي)، وأنه خلف كتبا قيمة في الفقه لا يزال الفقهاء يتناولونها، ويتعاطونها باعتزاز ك‍ (شرايع الاسلام) في مجلدين، وكتاب (النافع)، وكتاب (المعتبر) في شرح المختصر، وكتاب (نكت النهاية)، وكتاب (المعارج) في أصول الفقه وغيرها.

توفى سنة 676 هجرية، وكان سبب وفاته أنه سقط من أعلى درج في داره فخر ميتا لوقته، فتفجع الناس لموته، واجتمع لتشييعه خلق كثير، ودفن في الحلة، وقبره هناك يزار ويتبرك به، وأخيرا عمر وجدد بناؤه على يد اهل الخير من أهالي الحلة.

___________________________________

(1) مجالس المؤمنين الجزء 1. ص 57 مترجم عن الفارسية (*).

٧٢

2 - (العلامة الحلي)

جمال الدين حسن بن يوسف بن علي بن المطهر، ولد في الحلة سنة 648 ه‍ ونشأ فيها، وتوفي سنة 726 ه‍.

تتلمذ في الفقه على خاله (المحقق الحلي) وفي الفلسفة والرياضيات على (المحقق الطوسي)، فنشأ كما أراد أستاذاه، وظهر على أترابه وزملائه وعرف بالنبوغ وهو بعد لم يتجاوز سن المراهقة، وانتقلت الزعامة في التدريس والفتيا اليه بعد وفاة أستاذه (المحقق الحلي).

وقد قدر للعلامة الحلي بفضل ما أوتي من نبوغ، وبفضل استاذه الكبير (المحقق الحلي)، وجهوده الخاصة أن يساهم مساهمة فعالة في تطوير مناهج الفقه والاصول، وان يوسع دراسة الفقه.

وتعتبر موسوعة (العلامة الحلي) الفقهية الجليلة (التذكرة) أول موسوعة فقهية من نوعها في تاريخ تطوير (الفقه الشيعي) من حيث السعة والمقارنة والشمول، وتطور مناهج البحث، وطبع أخيرا بأحسن اسلوب مع التصحيح والتعليق عليها.

وبلغت (مدرسة الحلة) في حياة العلامة بفضل جهوده القيمة كما قدر له لاول مرة أن يتفرغ لدراسة المسائل الخلافية بين (فقهاء الشيعة) بصورة مستقلة في كتابه الكبير (المختلف).

3 - (فخر المحققين)

أبوطالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر من وجوه الطائفة وأعيانها، تلمذ على أبيه (العلامة الحلي)، ونشأ برعايته وعنايته، وقرأ عليه مختلف العلوم النقلية والعقلية، وبرز في ذلك كله. اكمل بعض تآليف والده العلامة (كالالفين) وغيره، وشرح البعض الآخر ك‍ (القواعد).

٧٣

قال فيه الشيخ الحر العامليقدس‌سره : كان فاضلا محققا فقيها ثقة جليلا. قام بتربية تلامذة كبار في الفقه كان منهم الشهيد الاولرحمه‌الله .

4 - (الشهيد الاول)

أبوعبدالله محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن شمس الدين محمد الدمشقي الجزيني، ولد سنة 734، واستشهد سنة 786 بدمشق. ولد في جزين من بلدان جبل عامل، وهاجر إلى الحلة لطلب العلم.

تتلمذ عل فخر المحققين بالحلة ولازمه، وتتلمذ على آخرين من تلاميذ (العلامة الحلي) في الفقه والفلسفة.

زار كثيرا من حواضر العالم الاسلامي في وقته، ك‍ (مكة المكرمة) و (المدينة المنورة) و (بغداد) و (مصر) و (دمشق) و (بيت المقدس) و (مقام الخليل ابراهيم)، واجتمع فيها بمشايخ العامة، وتاحت له هذه الاسفار نوعا من التلاقح الفكري بين مناهج البحث الفقهي والاصولي عند (الشيعة والسنة).

وقرأ كثيرا من كتب السنة في الفقه والحديث، وروى عنهم حتى قال في إجازته لابن الخازن: إني أروي عن نحو أربعين شيخا من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل ابراهيم. وهذا النص يدل على أن الشهيد الاول جمع بين ثقافتي الشيعة والسنة في الفقه والحديث، ولاقح بين المنهجين في حدود ما تمسح به طبيعة المنهجين. خلف كتبا كثيرة تمتاز بروعة البيان، ودقة الملاحظة، وعمق الفكرة وسعة الافق: منها (الذكرى) و (الدروس الشرعية في فقه الامامية)

٧٤

و (غاية المراد في شرح نكت الارشاد) وكتاب (البيان) و (الباقيات الصالحات) و (اللمعة الدمشقية) و (الالفية) و (النفلية) و (الاربعون حديثا) وكتاب (المزار) و (خلاصة الاعتبار في الفقه والاعتمار) و (والقواعد) وغير ذلك. كانت وفاته بدمشق. حيث قتل فيها بالسيف، ثم صلب، ثم رجم ثم أحرق بفتوى القاضي برهان الدين المالكي، وعباد بن جماعة الشافعي بعد ما حبس سنة كاملة في قلعة الشام في محنة أليمة نعرض عنها هنا.

ملامح المدرسة

ومما تقدم نستطيع أن نتبين الملامح الاولية للمدرسة، فقد كانت (مدرسة الحلة) استمرارا لمدرسة بغداد، ولم يقدر للمدرسة رغم ضخامة العمل الذي قامت بأعبائه في مجال تطوير مناهج الدراسة الفقهية ان تهز مرة اخرى مناهج الاستنباط كما فعل (الشيخ الطوسي) من قبل.

ومن ينظر في تراث هذا العصر الفقهي يلحظ بوضوح جهود (الشيخ) الفقهية من خلاله. ولكن ذلك لا يعني - على أي حال - إنكار المكاسب التي حققتها هذه المدرسة في (تطوير البحث الفقهي) بعد (مدرسة بغداد). ويمكننا أن نلخص أهم الملامح التي تميز هذه المدرسة عن مدرسة بغداد مايلي:

1 - (تنظيم أبواب الفقه): قدر (للشيخ الطوسي) - كما وجدناه يتحدث بذلك في مفتتح كتابه الكبير (المبسوط) - أن يجمع شتات الاشباه والنظائر في الفقه

٧٥

ويبوب كل ذلك في أبواب خاصة بعد ما أكثر الفروع، واستحدث فروعا جديدة. إلا أن الباحث يلحظ في كتب الشيخ - مع توفر الشيخ على تنظيم الفقه وتبويبه، وجمع النظائر والاشباه من فروعه - شيئا من التشويش في تبويب أبواب الفقه وكتبه. وهذا التشويش لا يختص بكتب الشيخ وحده، وانما يظهر على كتب المتقدمين عامة.

وفي هذه المدرسة لاول مرة نلتقي بكتاب (الشرايع) للمحقق الحليرحمه‌الله بتنظيم رائع لابواب الفقه استمر عليه فقهاء الشيعة بعد ذلك إلى العصر الحاضر. فقد قسم (المحقق الحلي) كتابه (شرايع الاسلام) إلى أقسام أربعة: الاول العبادات، الثاني العقود، الثالث الايقاعات، الرابع الاحكام. وينطلق إلى هذا التقسيم الرباعي بالشكل الثاني: الحكم الشرعي إما أن يتقوم بقصد القربة أم لا، والاول العبادات. والثاني إما أن يحتاج إلى اللفظ من الجانبين الموجب والقابل أو من جانب واحد، أو لا يحتاج إلى اللفظ فالاول العقود، والثاني الايقاعات، والثالث الاحكام، وبذلك تندرج أبواب الفقه في أقسام أربعة كما تقدم. وهذا تقسيم رائع يجمع مختلف أبواب الفقه، وهي من حصيلة هذه المدرسة، وتمت على يد (المحقق الحلي) بالذات.

2 - وظهرت في هذه الدورة الكتابة الفقهية الموسوعية، فألف (العلامة الحلي) موسوعته القيمة (تذكرة الفقهاء) في الفقه المقارن

٧٦

وهو عمل فقهي جليل لم يؤلف مثله بعده في الفقهه المقارن في السعة والاستيعاب. ومن يطلع على كتاب (التذكرة) يلمس فيه بوضوح ضخامة العمل الفقهي التي قدمها (العلامة الحلي)رحمه‌الله للفقه الاسلامي بصورة عامة وبمختلف مذاهبه. فقد حاول (العلامة) في كتابه هذا أن يجمع آراء مختلف المذاهب الاسلامية، ويناقش ذلك كلهه بموضوعية وهدوء يعز مثله في الدراسات المقارنة الاخرى.

3 - وكثر الاختلاف في هذا العصر بين فقهاء الامامية أنفسهم نتيجة لابتعادهم عن عصر الامام، واختلافهم في سلامة الروايات من حيث السند والدلالة. وكان لابد للفقيه نتيجة لتشعب الآراء والمذاهب في استنباط الاحكام، وتذوق المسائل أن يلم يمختلف وجوه الرأي في المسألة حتى يستطيع أن يحكم في المسألة برأيه.

وهذه الحاجة دعت العلماء في هذا العصر إلى أن يجمعوا المسائل المختلف فيها بين علماء الشيعة، واستعراض وجوه الاختلاف عندهم، كي يتاح للفقيه أولا أن يحيط علما بوجوه الاختلافى في المسألة، ويعرف المسألة المتفق عليها بين علماء الامامية ثانيا. وأول من كتب في هذا الموضوع شيخ الطائفة (الشيخ الطوسي) ألف كتاب (الخلاف) وهو موسوعة كبيرة تحتوي على فقه المذاهب الخمسة.

ثم اقتدى به (العلامة الحلي)، حيث جمع المسائل المختلف فيها بين علماء الطائفة في كتابه الكبير الضخم (المختلف) ولا تزال هذه الكتب موضع دراسة ومراجعة الفقهاء والدارسين:

٧٧

ومهما يكن من أمر فقد كانت (مدرسة الحلة) امتدادا لمدرسة بغداد، وتطويرا لمناهجها، أساليبها، فبالرغم من الفتح الفقهي الكبير الذي قدر لمدرسة بغداد على يد (الشيخ الطوسي) كانت المدرسة بداية لفتح جديد، ومرحلة جديدة الاستنباط لم تخل من بدائية. فقدر لمدرسة الحلة - نتيجة لممارسة هذا اللون الجديد من التفكير والاستنباط - أن تمسح عنها مظاهر البدائية، وأن تسوي من مسالكها وأن توسع الطريق للسالكين وتمهدها لهم.

ولئن كان (الشيخ الطوسي) بلغ قمة الفكر الفقهي لمدرسة بغداد فقد بلغ (العلامة الحلي) قمة الفكر الفقهي لمدرسة الحلة. ولولا جهود علماء هذا العصر لظلت (مدرسة بغداد) على المستوى التي خلفها الشيخ من ورائه، ولما قطعت هذه المراحل الطويلة التي قطعتها فيما بعد على أيدي علماء كبار، أمثال (المحقق) و (العلامة) و (الشهيد) وغيرهم.

٧٨

حياة الشهيد الاول

تمهيد

حياة الشهيد الاول الفقيه الاعظم (محمد بن مكي) العاملي الجزيني متشعبة الاطراف، بعيدة الغور، لا يكفي لدراستها واستعراضها هذا العرض السريع، واللمسات الخفيفة التي لا تمس من حياة الرجال غير ظواهر سطحية من حياتهم، يعرضها التاريخ بتفصيل، أو يلمح إليها باجمال. فقد جدد الفقيه الاعظم الشهيد الاول مدرسة في الفقه لها أبعادها وحدودها وسماتها الخاصة التي تميزها عن المدارس الفقهية السابقة عليها.

وخاض غمار السياسة، واشتبك مع الاتجاهات السياسية المعارضة في وقته، فأيده ناس من المؤمنين، وعارضه آخرون من المخالفين وحاربته فئة، واعترضت سبيله طائفة أخرى، واستدعاه حاكم خراسان واعتقله حاكم دمشق، وقتله في النهاية في حديث مشجي. فقد كان له أثر كبير إذا على الحياة الثقافية والفكرية، وعلى الحياة السياسية في وقته. ويزيد في أهمية ذلك كله أنه كان يمثل في الجانبين معا: الجانب الفكري، والجانب السياسي اتجاها فكريا خاصا. كان يلقى المعارضة كل المعارضة من قبل الواجهات السياسية والفكرية في وقته، باعتباره مذهبا فكريا وسياسيا خطرا على الكيان الاجتماعي

٧٩

القائم في وقته، وعلى الجهاز الحاكم بصورة خاصة. فكان دائما في مجالسه ومحافله واتصالاته وما يجري بينه وبين الآخرين من حديث محفوفا برقابة قاسية من قبل السلطة، كما كان هو قدس الله نفسه على حذر دائم، وحيطة مستمرة من أن تأخذ عليه السلطة فلتة سياسية تحتج بها عليه في اثبات المعارضة للجهاز الحاكم.

ومن ذلك تعرف الصعوبات التي واجهها (الشهيد الاول) في تثبيت ودعم (الكيان المذهبي) الذي كان يؤمن به فكريا وسياسيا، وما كان يلقى من عنت وأذى وجهد متواصل مرير في سبيل ذلك، إلى أن أمتحن في ذات نفسه فقتل شهيدا، وصلب بعد القتل، واحرق بعد الصلب. فحياة الشهيد الاول إذا أعمق من هذه السطحية، والظواهر التي يتناول مترجموه حياته بها.

ولا يتيسر للباحث أن يدرس شخصية الفقيه المترجم له وأثره في الحركة نمكرية، والسياسية المعارضة من دون أن يدرس عصر الشهيد الاول ربيئته، والبلاد التي كان ينتقل فيها، طالبا للعلم، وحاملا له، وباحثا عن الحق، وداعيا اليه، ومستوى الثقافة والفكر في عصر الشهيد الاول ولدى شيوخ الشهيد الذي كان يتصل بهم بدء حياته الدراسية، ويأخذ عنهم العلم. ومن دون ذلك لا يتيسر للباحث أن يلمس بوضوح أبعاد الاثر الذي تركه الفقيه الاعظم (الشهيد الاول) من الدراسات الفقهية، كما لا يسغني الباحث أن يدرس الاتجاهات السياسية في عصره، وحدودها ومعارضتها ليستطيع أن يدرس موقف الفقيه الاعظم (الشهيد الاول) من هذه الحركات والاثر الذي تركه من تكوين الواجهة المعارضة للسلطة والجهد الذي تحمله في سبيل ذلك.

٨٠