ظرافة اﻷحلام

ظرافة اﻷحلام0%

ظرافة اﻷحلام مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: كتب
الصفحات: 99

ظرافة اﻷحلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد السماوي
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: الصفحات: 99
المشاهدات: 42002
تحميل: 5918

توضيحات:

ظرافة اﻷحلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 99 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42002 / تحميل: 5918
الحجم الحجم الحجم
ظرافة اﻷحلام

ظرافة اﻷحلام

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال في تخميس التشطير:

بَراك الإله تعالى عُلاه = لتَرفع في الحَمد أسمى لِواه

فصار وِلاك بمَنٍّ وِلاه = أبا حسن أنت عَين الإله

وأُذُن إرادته الواعيه

أباح لك العِلم رَبٌ وَهوب = وأولاك عِلم البِدا والوجوب

فأنت الزعيم بعِلم الغُيوب = ظهرت على ما تسرُّ القلوب

فهل عنك تَعزُب مِن خافيه

رأيتك تَصدع بالمعجزات = بحال الحَياة وحال المَمات

فياحَمقُ مَن بك قاس الرِفاة = وأنت مُدير رَحى الكائنات

ومُمسك أفلاكها الجاريه

جريت إلى الله طَلق العِنان = فأعطاك ما عزّ فَضلاً وَهان

ومَلَكَك الخَلقَ إنساً وجان = فإنْ شِئت تَرفع فوق الجِنان

وإنْ شِئت تَسفع بالناصيه

سَبقت مع المصطفى بالصَفاء = فسُدتَ النبيين والأوصياء

فأنت أخوه الأکيد الإِخاء = وأنت الّذي أُمم الأنبياء

أعدَّت وِلاك لها واقيه

تَعيش بذكرك كي تَهتدي = وأنت بصُلب ولم تولد

تعاليم رُسل بهم تقتدي = فقد أنبأوها بأنْ تَغتدي

لَديك إذا حُشرت جاثيه

٤١

وأنت الصِراط وبُرهانه = دقيق وِلاك وعِنوانه

وحُبك في الحَشر ميزانه = فمَن بك قد تمَّ إيمانه

أصاب كرامته الباقية

ومرَّ كَما تَنثني الغُصون = يُلاقي التَهاني فُنوناً فُنون

فهان الصِراط وكلٌّ يهون = وراح بفَوزٍ قَرير العُيون

يُساق إلى جَنَّة عاليه

أولئك مَن ظُلَّلوا في لِواك = ونالوا رِضا ربهم في رِضاك

تولّوك حُبَّاً وعادوا عِداك = وأمَّا الّذين تولّوا سِواك

أصابتهم الذلَّة الباديه

وأُلبس أبدانهم والنفوس = سَرابيل نار فبِئس اللُبوس

فَقْيدوا إلى النار قَود الشموس = وراحوا خواسئ نُكْسَ الرُؤوس

يُساقون دعَّاً إلى الهاويه

الفصل التاسع:

وجدت في مجموعة شعر، فيه مدائح للنبي (صلّى الله عليه وآله) وللأئمة (عليهم السلام) مدائح ومراثي، وفيها أنَّ مَجد الدين بن جميل صاحب المَخزن للناصر، غضب عليه فحبسه سنين فضاق صدره، فمدح أمير المؤمنين (عليه السلام) بقصيدة ذات يوم في محرّم وهي:

ألمَّت وهي حاسرةٌ لثاما = وقد ملأت ذَوائبها الظلاما

٤٢

وأَجرت أَدمعاً كالطَلِّ هبَّت = له رِيح الصَبا فَجرى تواما

وقالت أَقصَدتك يد الليالي = وكنت لِخائفٍ منها عِصاما

وأَعوَزك اليسير وكنت فينا = ثُمالاً للأرامل واليتامى

فقلتُ لها كذاك الدَهر يَجني = فَقُري وارقبي الشهر الحراما

فإنّي سَوف أدعو الله فيه = وأجعل مَدح حيدرة‌ إماما

وأَبعثها إليه منقَّحات = يَفوح الشْيح منها والخُزامى

تَزور فتىً كأنَّ أبا قُبيس = تَسنَّم مَنكبيه أو شماما

أغرٌّ له إذا ذُكرت أياد = عطاء وابل يَشفي الأواما

وأَبلَج لو ألمَّ به ابن هند = لأوسعه حياءً وابتساما

ولو رَمق السماء وليس فيه = حياً لاستمطرت غيثاً رُكاما

وتَلثمُ مِن تُراب أبي تُراب = تُراباً يبرئ الداء العِقاما

فتَحظى عِنده وتَؤب عنه = وقد فازتْ وأدركت المراما

بقَصد أخي النبي ومَن حباه = بأوصاف يَفوق بها الأناما

ومَن أعطاه يوم غدير خُمٍّ = صريح المَجد والشَرف القُدامى

ومَن ردَّت ذُكاء له فصلَّى = أداءً بعد ما كَست الظَلاما

وآثر بالطعام وقد توالت = ثلاثٌ لم يَذُق فيها طعاما

بقُرص مِن شعير ليس يَرضى = سوى المِلح الجَريش له أداما

فرُدَّ عليه ذاك القُرص قُرصاً = وزاد عليه فَوق القرص جاما

أبا حسن وأنت فَتى إذا ما = دعاه المُستجير حِمىً وحامى

٤٣

أُزرتك يَقظة غرر القَوافي = فزُرني يابن فاطمة مناما

وبشّرني بأنَّك لي مجير = وأنَّك مانعي عن أنْ أُضاما

وكيف يَخاف حادثة الليالي = فَتىً يُعطيه حيدرة ذِماما

سَقتك سَحائب الرِضوان سحّاً = كفَيض يديك يَنسجم انسجاما

قال: ونام فرأى أمير المؤمنين (عليه السلام) فتلاها عليه، فقال له:(( الساعة تَخرج )) ، فانتبه فرحاً، وجعل يجمع رحله فسأله مَن كان معه، فقال: الآن أخرج فظنّوا به الاختلال وتغيُّر العقل، فطُرق باب السِجن ودُعي إلى الناصر فخرج، وأخبره الرسول أنَّه وجده متهيئاً للخروج، فلمَّا مَثُل بين يديه، قال: أُخبرتُ أنَّك عند مجيئ الرسول إليك كنت متهيئاً للخروج؟ قال: نعم، قال: مَن أعلمك باطلاقك؟ قال: أمير المؤمنين (عليه السلام) وحكى له القصة، فقال الناصر: صدقت إنّي رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامي، فأمرني بإطلاقك في هذه الساعة، وتوعَّدني إنْ تركتك للصُبح، ثم أعطاه ألف دينار وأعاده في محلِّه من الديوان، وردَّ إليه ما صادره منه.

(أقول): ولم أقف على ترجمة مجد الدين هذا، ولعلَّني أقف عليها فيما بعد.

الفصل العاشر:

روى ابن حمويه المُتوفَّى سنة ٧٢٢، في كتابه فرائد السمطين بسنده عن بشر بن الحرث، أنَّه رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) في المنام، قال: فسلَّمت عليه، وقلت له: يا أمير المؤمنين، لو قلتَ لي شيئاً لعلَّ الله أنْ

٤٤

ينفعني به، فقال:(( ما أحسنَ تيه الفقراء على الأغنياء، ثقة بالله )) ، فقلت: يا أمير المؤمنين، لو زدتني، فذهب وهو يقول:

قد كنت مَيْتاً فصرتَ حيَّاً = وعن قليل تَصير مَيْتاً

غِرّ بدار الفناء بيت = فابنِ بِدار البَقاء بَيتا

فانتبهت من نومي، وأنا أحفظهما، وأعتبر فيهما انتهى.

٤٥

الباب الثالث:

فيما يتعلَّق بفاطمة (عليها السلام)

وفيه سبعة فصول:

الفصل الأول:

ذكر ياقوت الحَموي المُتوفَّى سنة ٦٥٥، في كتابه إرشاد الألباء، المعروف بمعجم الأدباء، في ترجمة علي بن عبد الله بن وصيف، الناشي الحلاء، المُتوفَّى سنة ٣٦٦، قال: قال ابن عبد الرحيم: حدَّثني الخالع، قال: كنت مع والدي سنة ٣٤٦، وأنا صبي في مجلس الكبودي، في المسجد الّذي بين الورّاقين والصَاغة، وهو غاصٌّ بالناس، وإذا رجل قد وافى وعليه مرقَّعة، وفي يديه سَطيحة ورَكوة، ومعه عكَّاز وهو شعث، فسلَّم على الجماعة بصوت يرفعه، ثم قال: أنا رسول فاطمة الزهراء ( صلوات الله عليها ) فقالوا: مرحباً بك وأهلاً، ورفعوه، فقال: أتعرفون لي أحمد المزوق النائح؟ فقالوا: ها هو جالس، فقال: رأيت مولاتنا فاطمة (عليها السلام) في

٤٦

النوم، فقالت لي:(( إمضِ إلى بغداد واطلبه، وقل له: نُح على ولدي الحسين (عليه السلام) بشعر الناشي الّذي يقول فيه:

بَني أحمد قلبي بكم يَتَقطَّع = بمثل مُصابي فيكم ليس يُسمع ))

قال: وكان الناشي حاضراً، فبكى ولَطم لَطماً عظيماً على وجهه، وتبعه أحمد المزوق والناس كلهم، وكان أشدُّ الناس كلِّهم في ذلك الناشي والمزوق، فناحوا بهذه القصيدة‌ إلى أنْ صلَّى الناس الظهر وتقوَّض المجلس، وجهدوا بالرجل أن يأخذ شيئاً منهم، فأبى، وقال: والله لو أُعطيت الدنيا ما أخذتها، فإنّي لا أرى أنْ أكون رسول مولاتي، ثم آخذ من ذلك عِوضاً، ثم انصرف ولم يقبل شيئاً، قال ياقوت: وهذه القصيدة بضعة عشر بيتاً، وذكر منها قوله:

عَجِبت لكم تَفنون قتلاً بسيفه = ويَسطو عليكم مَن لكم كان يَخضع

فما بِقعة‌ في الأرض شَرقاً ومَغرب = وليس لكم فيها قَتيل ومصرع

ظُلمتم وقُتِّلتم وقُسّم فَيئكم = وضاقت بكم أرض فلم يَحمِ موضع

كأنَّ رسول الله أوصى بقتلكم = فأجسامكم في كلِّ أرض توزَّع

(أقول): ولم أظفر ببقيّتها سوى ما ذكره السروي في المناقب، وهو قوله:

جُسوم على البَوغاء تُرمى وأرؤوس = على أرؤوس اللُدن الذوابل تُرفع

تُوارون لم تأوِ فِراشاً جنوبكم = ويُسلمني طِيب الهُجوع فأهجع

وظفرت في بعض الكتب بزيادة في القصة، وهي أن الناشي لما سمع

٤٧

كلام الرسول أجهش في البكاء، وحلف أنَّه نظمها لليلته، وأنَّه لم يَسمعها منه أحد، ثم أرسل عليها إلى داره، وناح بها المزوق والحاضرون.

الفصل الثاني:

ذكر القاضي التَنوخي، في الجزء الأول من كتابه نشوار المحاضرة، قال: حدَّثني أبي، قال: خرج إلينا يوماً أبو الحسن الكاتب، فقال: أتعرفون ببغداد رجلاً يُقال له: ابن أصدق؟ قال: فلم يَعرفه من أهل المجلس غَيري، فقلت: نعم! فكيف سألت عنه؟ فقال: أيُّ شيء يفعل؟ قلت: يَنوح على الحسين (عليه السلام) قال: فبكى أبو الحسن، وقال: إنَّ عندي عَجوزاً ربَّتني من أهل كَرخ جدّان عفطية اللسان، الأغلب على لِسانها النَبطية، لا يُمكنها أن تُقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تَروي شعراً، وهي من صالحات نساء المسلمين كَثيرة الصيام والتهجُّد، وإنَّها انتبهت البارحة في جَوف الليل، ومَرقدها قَريب من مَوضعي، فصاحت بي يا أبا الحسن، فقلت: مالك؟ فقالت: ألحقني! فجئتها فوجدتها تَرعُد، فقلت: ما أصابك؟ فقالت: إنّي كنت قد صلّيت ورِدي ونِمت، فرأيت السَّاع كأنّي في دَرب مِن دُروب الكَرخ، فإذا بِدار نظيفة بيضاء، مَليحة السياج، مفتوحة الباب، ونساء عليه، فقلت لهن: من مات أو ما الخبر؟ فأومأن إلى داخل الدار، فدخلت فإذا بِحُجرة نَظيفة في غاية الحُسن، وفي صَحنها امرأة شابةً لم أرَ قطُّ أحسنَ منها، ولا أبهى ولا أجمل، وعليها ثياب حَسَنة

٤٨

بِياض مروي لين، وهي مُلتحفة فَوقها بإزار أبيض جِدَّاً، وفي حِجرها رأس رجُل يَشخُب دماً، فقلت: من أنتِ؟ قالت:(( لا عليك، أنا فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهذا رأس ابني الحسين (عليه السلام) قولي لابن أصدق عني أن ينوح بهذا:

لم أُمرِّضه فأسلو = لا ولا كان مَريضا ))

فانتبهت فزعة، قال: وقالت العجوز، لم أمرّطا بالطاء ؛لأنَّها لم تتمكَّن من إقامة الضاد، فسكتتُ منها إلى أن نامت، ثم قال لي: يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حَمَّلَتك الأمانة، ولزمتك إلى أنْ تبلَّغها له، فقلت: سمعاً وطاعة لأمر سيدة نساء العالمين، قال: وكان هذا في شعبان، والناس إذ ذاك يَلقون جهداً جهيداً من الحنابلة إذا أرادوا الخروج إلى الحائر، فلم أزل أتلطَّف حتى خرجت ليلة النصف من شعبان، فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته، فقلت له: إنَّ فاطمة (عليها السلام) تأمرك أنْ تنوح بالقصيدة:

لم أمرِّضه فأسلو = لا ولا كان مَريضا

وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك، قال: فانزعج من قولي، فقَصصت عليه وعلى من حضر الحديث، فأجهشوا بالبكاء، وما ناح تلك الليلة إلاّ بهذه القصيدة، وأولها:

أيُها العَينان فيضا = واستهلاَّ لا تَغيضا

قال: وهي لبعض شعراء الكوفيين، وعُدت إلى أبي الحسن فأخبرته بما

٤٩

جرى، قال: وقال أبي وابن عياش: كانت ببغداد نائحة مجيدة حاذقة تُعرف (بخلب) تَنوح بهذه القصيدة، فسمِعناها في دور بعض الرؤساء؛ لأنَّ الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكَّنون من النياحة إلاّ بعِزِّ سُلطان أو سراً، لأجل الحنابلة ولم يكن النَوح إلاّ مراثي الحسين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) فقط، من غَير تَعريض بالسَلف، فبَلَغَنا أنَّ البربهاري قال: بَلَغَني أنَّ نائحة يُقال لها: خلبا اطلبوها فاقتلوها، انتهت عبارة النشوار.

(أقول): ذكر الشيخ ابن شهرآشوب السروي في كتاب المناقب، ناقلاً عن أمالي المفيد النيشابوري أنَّ ذرة النائحة رأت في المنام فاطمة الزهراء (عليها السلام) واقفة على قبر ولدها الحسين (عليه السلام)، فلمَّا سلَّمت عليها أمرتها أنْ تنوح لها بهذه الأبيات، وأنشدتها:

أيُها العَينان فيضا = واستهلاَّ لا تَغيضا

وابكيا بالطف مذبو = حاً على الترب رَِضيضا

لم أمرِّضه قتيلاً = لا ولا كان مريضا

(ثم أقول): لم أعثر على اسم العجوز المُربية لأبي الحسن الكاتب، ولم أعرِف ذرة النائحة، هل هي خلب الشهيدة على ما يظهر أولا؟ ولم أقف على شاعر القصيدة مَن هو مِن الكوفيين، ولم أسمع غير هذه الأبيات الثلاثة منها، وكنت قد خمَّست هذه الأبيات قبلاً ورفلّتها، وأنا أذكرها هيهنا مُخمَّسة مُرفلَّة وهي:

٥٠

شِمِتُ بالطف وَميضا = فانثنى القلب رَميضا

وجَناح الصَبر هِيضا = (أيُها العينان فيضا

واستهلاَّ لا تَغيضا

فلعلّي أستريح

كم لاحشائى جَذْبُ = ولصدق الصَبر كَذْبُ

أنهِلا فالوَرد عَذب = (وابكيا بالطف مَذبو

حاً على التُرب رَضيضا)

أفَيَرتَضُّ الذَبيح

يا حشا زيدي عويلا = وابكي يا عَينُ طويلا

لِمَ لَمْ أَحضر قليلا = (لَمْ أمرّضه قَتيلا

لا ولا كان مَريضا)

فيُداريه الصحيح

الفصل الثالث:

ذكر السيّد الجليل ابن عنبة النسّابة،‌ المُتوفَّى سنة ٨٢٨، في عُمدة الطالب في نسب بني داود بن موسى الحسني، قال: ولبَني داود حِكاية جَليلة مشهورة بين النسَّابين وغيرهم، وهي مذكورة في ديوان ابن عنين، وهي أنَّ أبا المحاسن نصر الله بن عنين، الشاعر الدمشقي توجَّه إلى مكة شرَّفها الله تعالى، ومعه مال وأقمشة، فخرج عليه بعض بَني داود فأخذوا

٥١

ما كان معه، وسَلبوه وجرحوه، فكتب إلى المَلك العَزيز ابن أيوب صاحب اليَمن، وقد كان أخوه المَلك الناصر، أرسل إليه يَطلبه؛ ليقيم بالساحل المفتتح من أيدي الافرنج، فزهَّده ابن عنين في الساحل، ورغَّبه في اليمن، وحرَّضه على الأشراف الّذين فعلوا به ما فعلوا، بقصيدة أولها:

أَعيت صِفات نِداك المُصْقع اللُسنا = وحُزت في الجود حدَّ الحُسن والحَسنا

وما تُريد بجسم لا حَياة له = مَن خَلَّص الزِبْد ما أبقى لك اللبنا

فلا تَقُل ساحل الافرنج أفتحه = فَما يُساوي إذا قايسته عدنا

وإنْ أردت جِهاداً فارو سَيفك مِن = قَوم أضاعوا فرْوضَ الله والسُننا

طهِّر بسيفك بيت الله من دَنس = ومِن خَساسة أقوام به وخَنا

ولا تَقُل أنَّهم أولاد فاطمة = لو أدركوا آل حَرْب حاربوا الحَسنا

(قال): فلمَّا قال هذه القصيدة، رأى في النوم فاطمة الزهراء ( سلام الله تعالى عليها ) وهي تَطوف بالبيت، فسلَّم عليها، فلم تُجبه، فتَضرَّع لها وتذلَّل، وسألها عن ذنبه الّذي أوجب عدم جوابه في سلامه، فأنشدته الزهراء (عليها السلام):

حاشا بَني فاطمة كلّهم = مِن خِسة تَعرُض أومِن خَنا

وإنَّما الأيام في غَدرها = وفِعلها السّوء‌ أساءت بنا

أَ إنْ أسى من وِلدي واحد = وَجَّهت كلَّ السبِّ عَمداً لنا

فتُب إلى الله فمَن يَقترف = ذَنباً بنا يُغفر له ما جَنى

وأكرِم لعين المصطفى جدِّهم = ولا تُهن من آله أعيُنا

٥٢

فكلُّ ما نالك منهم عنّا = تَلقى به في الحشر مِنّا هَنا

قال أبو المحاسن نصر بن عنين: فانتبهت مِن منامي فَزِعاً مرعوباً، وقد أكمل الله عافيتي من الجروح والمرض، فكتبت هذه الأبيات إذ حفظتها، وتُبت إلى الله تعالى مِمّا قلت، وقطعت تلك القصيدة، وقلت معتذراً:

عُذراً بَني بنت نبي الهدى = تَصفح عن ذَنب مُسيّئ جَنى

وتَوبة تَقبلها مِن أخي = مَقالة توقعه في العَنا

والله لو قطَّعني واحد = منهم بسيف البَغي أو بالقَنا

لم أرَ ما يفعله سيّئاً = بل أنَّه في الفعل قد أحسنا

قال السيّد: قد اختصرت ألفاظ هذه القصيدة وهي مشهورة، رواها لي الشيخ تاج الدين أبو عبد الله محمد بن معية الحسيني، وجدّي لأُمّي الشيخ فخر الدين، أبو جعفر محمد بن الشيخ الفاضل زين الدين الحسين بن حديد الأسدي، كلاهما عن السيّد السعيد بهاء الدين داود بن أبي الفُتوح، عن أبي المحاسن نصر الله بن عنين صاحب الواقعة، وقد ذكرها البادرائي في كتابه الدر النظيم وغيره من المصنِّفين.

الفصل الرابع:

ذكر السيّد العلاَّمة المصنِّف السعيد الشهيد، السيّد نصر الله بن الحسين الموسوي الفائزي الحائري مدرِّس كربلاء، المستشهد سنة‌ (١١٦٠) في القسطنطينية، في ديوانه - ومن خط تلميذه الفاضل الأديب السيّد

٥٣

حسين بن السيّد رشيد الرضوي النجفي الحائري، المُتوفَّى سنة‌ (١١٥٦) نُقلت - قال: رأى بعض الصلحاء فاطمة الزهراء (عليها السلام) في المنام، فقالت له:(( من يُكمل هذا الشَطر في رثاء ولدي الحسين، وهو:

مِن غَير جُرم الحسين يُقتل= )).

فانتبه وأخبر السيّد نصر الله، فانتدب ورثى الحسين (عليه السلام) بقصيدة جعل أوّلها الشطر المذكور انتهى.

ثم ذكر القصيدة، وهي قوله:

(مِن غَير جُرم الحسين يُقتل) = وبالدِماء جِسمه يُغسل

وتَنسج الأكفان مِن عَفر الثَرى = له جُنوب وصَبا وشَمأل

وقَطنه شَيبته ونَعشه = رُمح له الرجس سِنان يَحْمِلَ

ويَطأون صدره بخَيلهم = والعِلم فيه والكِتاب المُنزل

ويَشتكي حَرَّ الظَما والسيف مِن = أوداجه يُروى دَماً ويَنهل

والمُرتضى الساقي على الحَوض غداً = أبوه والجدُّ النبيُّ المُرسل

وأُمّه الطُهر الفرات مَهرها = وكفُّه كَم فاض منها جدول

والمسلمون لا يُبالون بما = جَرى وقد خَرَّت ذلك الأجبُل

وهدّ رُكن العَرش مِمّا ناله = والأرَضون عمّها التَزلزل

وقد بَكت لها السماوات دَما = وأمْست الأملاك منها تَعول

والمُرتضى وفاطم والحسن ال = سبط بَكوا مِمَّا دهى وَوَلْوَلوا

أفديه فرداً ما له مِن ناصر = سِوى أسى وعَبرة تُسلسل

قد حرَّموا الماء عليه قَسوة = وللوحوش والكِلاب حلَّلوا

٥٤

وصَرَّعوا أصحابه مِن حَوله = فيا لشُهب في التُراب تَأفّل

ويا لآساد عليها قد سَطت = كِلاب حَرب لا سقاها مَنهل

وأركبوا نساءه عارية = على صِعاب ليس فيها ذُلًَّل

ونسوة الطاغي يزيد في حمى = أمن عليهنَّ السُتور تُسدل

وأرضَعوا ثَدي المَنايا طِفله = فمَهده صُخورها والجَندل

وأطلقوا دُموعه على ابنه = وكَيف لا وهم له قد غَلَّلوا

فيا لَهيب القَلب لا تَطفِ ولو = هَمى مِن الدَمع سَحاب هُطَّل

ويا لِساني جُدْ بأنواع الرِثا = على إمام قد بكته الرُسل

وساعِد الزَهراء إنْ نوحها = يَكاد مِنه يَذبل يزلزل

كَيف بها إذا أتَت وشَعرُها = مِن فَوق كَتفيها عفاءً مُسبل

وفي يَديها ثَوبه مُضمَّخاً = بالدَم والأعداء طُراً ذُهَّل

وهو بلا رأس فتُبدي صَرخة = مِنها جميع العالمين تُذهَل

فيأمُر الجَبار ناراً اسمها = هَبْهَب قد أظلم مِنها المَدخل

فتَلقط الأرْجاس عن آخرهم = فيَصْهلون وسَطها وتَصهل

يا آل طاها أنتم ذَخيرتي = وليس لي سِوى وِلاكم مَوئل

فأتحفوني في غدٍ بشِربة = تُطفى بها نار بقلبي تُشعل

صلّى عليكم ربُنا ما أرقلت = شَوقاً إلى قَصد حُماكم مُرِقل

نجزت، وقد شطَّر هذه القَصيدة، السيّد العالِم التَقي الأديب، السيّد أحمد بن السيّد العالِم الفاضِل الجَليل، السيّد محمّد الحسني البغدادي الشهير

٥٥

بالعطّار المُتوفَّى سنة‌ (١٢١٥) بتشطير جدير بالاثبات، ولكنَّه مطبوع مع الأصل في كتاب (دار السلام) للنوري، فمَن رامه فلينظره هناك، وانتدب بعده جامع هذا الكتاب، فقدَّم على ذلك الشطر مقدمة شجَّر فيها كلمات الشطر، فقال:

(مِن) دَم أحشائي اهمِلي يا مقلُ = قد فُني الدمع الّذي يَنهمل

(غَير) ي يَسلو ذكر يوم كربلا = أسلو وما سَلا النبيُّ المُرسل

(جُرم) جَنته آل حَرب لم يَدع = للمَرء سَلوانا وصَبراً يَجمل

أ (الحسين) يَقتلون ظامئاً = وأُمُّه الزهراء فيه تُثكل

(يُقتل) وهي تَشتكي قائلة = (مِن غَير جُرم الحسين يُقتل)

الفصل الخامس:

وذكر السيّد السعيد الشهيد، السيّد نصر الله أيضاً، في ديوانه الّذي بخط تلميذه السيّد حسين الرضوي، قال: إنَّ بَعض أهل البحرين مِمَن يوثَق به، رأى في منامه فاطمة الزهراء ( صلوات الله عليها ) في لَمّة من النساء، وهُنَّ يَنُحنَ على الحسين (عليه السلام) ببيت من الشعر، وهو قولهن:

وا حسيناً وا ذبيحاً مِن قف = واحسيناً واغسيلاً بالدِما

قال: فانتبه وهو يبكي ويردد فيه، واخبرني بذلك، فألحقت بالبيت قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام)، وهي قولي بعد البيت:

٥٦

وا غَريباً قُطنه شَيبته = إذ غَدا كافوره عَفر الثَّرى

وا سليباً نُسجتْ أكفانه = مِن ثَرى الطف دَبوراً وصَبا

وا طعيناً ماله نَعش سِوى الرُ = مح في كَف سِنان ذي الخَنا

وا وحيداً لم يُغمِّض طَرفه = كَف ذي رِفق به في كربلا

وا شَهيداً دَمه كالمِسك في = طيبه قد فَعَّم الجوَّ شَذى

وا صَريعاً أوطئوا خَيلهمُ = صَدر قُدس زُبُر العِلم حَوى

وا طريحاً في الثرى وهو ابن مَن = قاب قَوسين مِن الله دَنا

وا ذبيحاً يَتلظَّى عَطشاً = وأبوه صاحب الحَوض غَدا

وا قَتيلاً أحَرقوا خَيمته = وهو للدين الحَنيفي وِعا

وا حَزيناً ذَبحوا أنصاره = وبنيه وهو لا يَخشى العِدى

كيف يَخشى وهو نَجل المُرتضى = أسد الله الفَتى وابن الفَتى

أنا لا أنساه فَرداً ما له = مِن مُعين غَير دَمع وأسى

وهو ظامٍ والعِدى قد أوردوا = مِن دِماه السُمر مع بيض الظبا

قائلاً هل شُربة‌ أُطفي بها = حَرّ قَلب ذاب مِن فَرط الظَما

فأجابوه سنَسقيك الرَدى = بكؤوس البيض أو سُمر القَنا

إنَّنا لم نَنسَ بَدراً والّذي = قد دهانا من أبيك المُرتضى

فغدا يَسطو عَليهم واحداً = وهم أكثرُ مِن قَطر الحَيا

فإذا كَرَّ عليهم أشبهوا = حُمُراً قد شاهدت لَيث الشَرى

ثم أردوه صَريعاً في العَرا = ليت كلُّ الخَلق قد كانوا فِدا

٥٧

فدَنا الشِمر إليه وجَرى = ما جَرى شُلَّت يَداه وكَبا

ثُم علّوا فَوق رُمح رأسه = مِثل بَدر التَمّ أو شَمس الضُحى

فبَكته الإنس والجِن معاً = والسَما بالدَم مِن حَر الجَوى

وعليه الجِن ناحت وبما = في الحَشا باحت بأنواع الرِثا

ولقد زُلزِلَت الأرضون مِن = جَزع والدهر قد شَق الردا

وثياب الحُزن سودا لبست = كَعبة البَيت له طُول المَدى

ولَقد فَتَّت قَلب الحَجر الحُز = ن والحِجر بكى مِمَّا جَرى

وله زَمزم غاضت ومِنى = بَعده ما بَلغت طِيب المُنى

وشَجا المَشْعر ذا الرُزء الّذي = ما صَفا مِن بَعده عَيش الصَفا

وغَدت شَمس الضُحى كاسفة = أسفاً والبَدر مَعدوم الضَبا

وعَدا المُهر إلى نِسوانه = ناعياً يَندب مِمَّا قد دهى

فرأين السَرج منه خالياً = وهو مَخضوب النَواصي بالدِما

فلَطمنَ الفاطميات على = ما جَرى والدَمع في الخَد جرى

ثُم مِن بَعد سِباهن العِدى = فَوق أقتاب المَطايا كالاما

فَتهاوَينَ على جُثمانه = مُذ تَبدَّى عَارياً فَوق الثَرى

هذه تَندُب وجداً وا أخاً = حيثُ تَدعو تِلك حُزناً وا أخا

ما عليهنَّ لبِاس ساتر = غَير نور منه يَعشو مَن رَنا

لَستُ أنسى سيد العُبَّاد إذ = أركبوه أعجُفاً عاري المَطا

والدِما تَشخَب مِن أفخاذه = وهو في قَيد ثَقيل وعَنا

٥٨

تارة يَبكي وطَوراً يَغتدي = رافعَ الطَرف إلى رَب السَما

إنْ رأى رأس أبيه شفَّهُ = نار وَجد دونها جَمر الغَضا

وبهذا الحَال قد ساروا بهم = لبلاد الشَّام مِن فَرط الشِقا

فانثنى الطّاغي يَزيد جَذلاً = ضاحكاً يَرشف كاسات الطَلا

ناكتاً ثَغراً لحامي الثَغر والآ = ية الكُبرى ومُصباح الهُدى

يا بَني المُختار يا مَن مَدحُهم = لم يَزل يَجلو عن القَلب الصَدا

إنَّ نصرَ الله يرجو منكمُ = شُربة يُطفي بها حَرَّ الجَوى

فاغيثوه بها يَوماً به = ليس للانسان إلاّ ما سعى

وعليكم صلوات الله ما = لَمع البَرق وما غَيثٌ هَمى

الفصل السادس:

أخبرني السيّد الجليل السعيد، العلاَّمة السيّد حسن بن السيّد هادي بن السيّد محمد علي الموسوي العاملي الكاظمي المعروف بصدر الدين، المُتوفَّى سنة ١١٥٤ في الكاظمية، قال: أخبرني السيّد السعيد الأديب، السيّد حيدر بن السيّد سليمان الحسيني الحلّي الشاعر، المُتوفَّى سنة ١٣٠٦ بالحلّة ودُفن في النَجف، قال: رأيت في المنام ذات ليلة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) فأتيت إليها لأسلم عليها، فلما دنوت منها قالت لي:

((أناعيَ قَتلى الطَف لا زِلت ناعيا = تُهيج على طول الليالي البَواكيا

أعدْ ذِكرهم في كربلا إنَّ ذِكرهم = طَوى جَزعاً طي السِّجل فؤاديا))

٥٩

قال: فأخذني البكاء، فانتبهت وأنا أحفَظ البيتين، فجَعلت أتمشَّى في بهوٍ لي وأردِّدها وأبكي، ففتح الله عليَّ أنْ قلت:

ودّع مُقلتي تَحمرُّ بعد ابيضاضه = بعد رزايا تَتَرك الدَمع داميا

ستَنسى الكَرى عَيني كأنَّ جِفونها = حَلفنَ بمَن تَنعاه أنْ لا تَلاقيا

وتُعطي الدُموع المُستهلات حَقها = محاجِر تَبكي بالغَوادي غَواديا

قال: ثم أتممت القصيدة.

(أقول): وهذه القصيدة مِن رَقائق مراثيه الحسينية، ولولا أنَّ شِعره مَطبوع مَسموع، يُناح به كما قالت السيّدة له (لا زِلتَ ناعيا) وكما صدق الله قولها ( صلوات الله عليها ) في شأنه، لَذكرتها كلُّها، ولكنّي أذكر منها أبياتاً؛ لتَسمع الشعر الحُرَّ الرقيق، وهي:

وأعَضاء مَجد ما توزَّعت الظبا = بتوزيعها إلا النَدى والمَعاليا

لئِن فرَّقتها آل حَرب فلم تَكُن = لتَجمع حتّى الحَشر إلا المَخازيا

لقد ألزمت كَف البَتول فؤادها = خُطوب يَطيح القلب منهنَّ واهيا

أبا حسن حَربٌ تَقاضتك دَينها = إلى أنْ أساءت في بَنيك التقاضيا

مضوا عُطَّري الابراد يأرج ذِكرهم = عَبيراً تهاداه الليالي غَواليا

غَداة ابن أُمِّ المَوت أجرى فرَندَه = بعَزمهم ثم انتضاهم مَواضيا

تناذرت الأعداء منه ابن غابة = على نَشزات الغْيل أصحَر طاويا

أنا لا والله، لا أستطيع أنْ أختار منها ما ذكرته هنا، فإنّي كلَّما أتيت ببيت في هذا المختصر، انثالت عليَّ الأبيات الأخر، تتَجلّى بالمحاسن،

٦٠