ظرافة اﻷحلام

ظرافة اﻷحلام0%

ظرافة اﻷحلام مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: كتب
الصفحات: 99

ظرافة اﻷحلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد السماوي
الناشر: منشورات الشريف الرضي
تصنيف: الصفحات: 99
المشاهدات: 42000
تحميل: 5917

توضيحات:

ظرافة اﻷحلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 99 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42000 / تحميل: 5917
الحجم الحجم الحجم
ظرافة اﻷحلام

ظرافة اﻷحلام

مؤلف:
الناشر: منشورات الشريف الرضي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وتَتَرقرق بماء الحُسن الصافي غير الآسن، ولكنْ يمنعني ما ذكرت مِن العُذر في طَبع الديوان وشهرته.

الفصل السابع:

أخبرني الشيخ الفاضل، التقي الأديب، الشيخ محمد الرضا بن القاسم بن محمد بن ناصر بن محمد بن القاسم بن محمد بن عيسى النجفي الغرّاوي، نسبة‌ إلى الغرّة بالغين المعجمة، والراء المهملة والتشديد، قَبيلة مِن الخَزرج، المولود سنة ١٣٠٣ في قرية ميامين من إيران؛ لأنَّ أباه زار الرضا (عليه السلام) ومعه أهله، فولِد في الطريق، كما كَتَبَ ذلك لي بخطِّه سلَّمه الله، قال: اتفق لي سنة ١٣٥٣ أنّي نظمت موشَّحة في نصف شعبان، في تَهنئة بولادة الحسين (عليه السلام ) في أول شعبان من تلك السنة؛ لنذر كان عليَّ مطلعها:

رقَصَتْ أغصانُ طوبى طَربا = وشَدْت أطيارها أبهى الغِنا

وحُميا البِشر شعَّت حَببا = مُذ تَعاطى الحور أكواب الهَنا

فأكملت نسيبها وابتدأت بذِكر الولادة المباركة، فرأيت في المَنام السيّدة الزهراء ( صلوات الله عليها ) وأمامَها طِفل صَغير عليه ثياب سود، فقالت لي:(( لا تَمدح ابني في تَهنئة الميلاد، ولكن ارثه، وقل:

بأبي المقتول غَمَّاً بالظما = ما له ريٌّ سِوى فَيض الدِما

منعوا قُرَّة عيني وِردَه = عَجباً مهري عليه حُرِّما

٦١

(قال): فانتبهت وفي حِفظي البيتان، فإذا هما يَليقان بوزن الموشَّحة التي نَظمت بعضاً منها، فرثَيت بأمرها (عليها السلام) الحسين (عليه السلام) وضَمَّنت البيتين المذكورين، فكانت موشَّحةً، أوَّلها يعد النَسيب تهنئة وآخرها رثاءً وندبة.

(أقول): وأنا أذكر منها ما يتعلَّق بالغرض من التهنئة والرثاء، وهو قوله:

بَدر سَعد أشرق الكَون له = إذ له بُرجاً غَدا سَعد السُعود

هذه الأملاك تَتلو فَضله = حَيثُ ما كانت هُبوطاً وصُعود

لم تَلد أمٌّ وليداً مِثله = قَبل هذا وإلى يَوم الورود

مَرحباً بابن النبي مَرحباً = قَد بَلغنا فيه غايات المُنى

وجَميع البؤس عنَّا ذَهبا = وبه الإحسان طُراً عمَّنا

* * *

بالمولود له الفَضل العَميم = حَيث مِيكال أتى يَخدمه

وله جِبريل في الجَمع العَظيم = لم يَزل مِن شَرف يَلثمه

وبه فُطْرُس للرَّب الكَريم = قد دعا مُبتغياً يَرحمه

فأزال الله منه الوَصبا = وانثنى يَرفل في بَرد الهَنا

قائلاً أعتقني حِلف الإبا = وإليَّ السِبط حَقاً أحسنا

* * *

كلُّ مَولود إذا ما وِلدا = أمُّه تُملأ سُروراً وفرح

وأخو الودِّ يُهنّي مُنشدا = ما له قد كان مِن شِعر سَنح

وابنة المُختار لمَّا أنْ بدا = نور وَجه السِبط يزهو ووضح

٦٢

قَلبها بالوَجد مِنها اضطرب = ودَم الدَمع عليه هَتنا

فتَمنَّت أنَّه ما وِهبا = وتَراه العَين حَيَّاً زَمنا

* * *

إذ وَعت أنَّ أباها أخبرا = بالّذي يَجري عليه مِن بَلا

فيَحزُّ الشِمر منه مَنحرا = يَوم عاشورا بشاطي كَربلا

وبجُرد الخَيل مَرضوض القرى = عاري الجِسم يُرى بين الملا

ودَم النَحر له قد خَضبا = وسَوافي الريح كانت كَفنا

لم يَكن غير السوافي جُلببا = وعن الشَمس سِوى ظِل القَنا

* * *

قد شَجاها مَحض وَصف ذُكِرا = عندها مِن دون أنْ تَنظره

كَيف فيها لو رأته في العَرى = سَلِبْاً قد قَطَعوا خُنصره

عارياً يَحرقه حَرَّ الثرى = وتَدوس الخَيل منه صَدره

وعلى عالي الرِماح انتُصِبا = رأسُه الأزهرُ لمّاع الثَرى

ونِساه هَتَكوها حُجُبا = وطَوت سَهلاً وحَزناً حُزُنا

* * *

لو رأت تِلك الصَفايا عِندما = أبُرِزت قائلة تَنعى الحُمى

(بأبي المَقتول غَمَّاً بالظما = ما له رَيٌّ سِوى فَيض الدِما)

بأبي مَن قد قَضى مُهتَضَما = بأبي مَن رِزؤهُ أبكى السَما

بأبي مَن رَحله قد نُهبا = بأبي مَن قد مَضى مُمتَحنا

بأبي مَن حَقه قد غُصبا = ثم قاسى مِن عِداه المِحنا

* * *

لو تراه الطُهر أمسى وَحده = مُفرداً قد كظ أحشاه الظَما

٦٣

لانحَنت تَصرُخ ولهى عِنده = وحَشاها بشَجاها اضَطرما

(مَنعوا قُرة عَيني وِرْدَه = عَجباً مَهري عليه حُرِّما)

فمَضى ظامي الحَشا لن يَشربا = قَطرة يا لَيته قد أُجِّنا

ما الّذي ضَرهمُ إذ طَلبا = لو يَجودون بما كان لَنا

٦٤

الباب الرابع

فيما يتعلَّق بالحسن ( عليه السلام ) مِن النَظام المَتلو

وفيه فَصلان:

الفصل الأول:

أخبرني الشيخ العالم الجليل، الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الرسول بن الشيخ سعد الحكيمي العَبسيّ السماوي، المُتوفَّى سنة ١٣٣١ بمرض الفالِج، أصابه بالسماوة، ودُفن في النجف في زاوية الصحن، بين القبلة والمشرق في الحُجرة التي هي زاوية، قال: ضاق بي أمرٌ، وكنت في النجف ليلة ولادة الحسن الزَكي (عليه السلام) سنة ١٣٠٧، فنظمت بَيتين مُستغيثاً به (عليه السلام) وهما:

أيا بن البَشير ويابن النَذير = ويا ذَروة المَجد مِن هاشم

أغثني فأنَّك نِعم المُغيث = فَديتك مِن ظالم غاشم

ثم جَعلت أردِّدها حتى نِمت، فرأيت في منامي الحسن (عليه السلام) وأنا أقرأ عليه البَيتين وهو يَستمع، وانتبهت فعلِمت أنَّ الفَرج قد

٦٥

دَنا، وكان الأمر كذلك.

(أقول): ولمّا أنشدنيها سنة ١٣١١ بالسماوة، سألَني تَخميسها فخمَّستها بقولي:

إذا ضِقت ذَرعاً بأمر عَسير = فلُذ بحِمى الحسن المُستنير

ونادِ به صارخاً مُستجير = أيا بن البَشير ويا بن النَذير

ويا ذَروة المَجد مِن هاشم

أتيتك مُستصرخاً مُستَغيث = أجِدُ إليك بسَير حَثيث

وخَلفي عَدو غَشوم خَبيث = أغثني فأنَّك نِعم المُغيث

فَديتك مِن ظالم غاشم

الفصل الثاني:

كنت سنة ١٣٣٦هـ في النجف، فنظمت في أيام وَفاة‌ الحسن (عليه السلام) قصيدة رِثاء له، ذات أربعة أشطر آخرها العين، وهي قولي:

دَعا فتَضرم القَلب الصَديع = وفاض مِن العيون دَمٌ نَجيع

فأنشده الخَلي أو الخَليع = (أ مِنْ رَيحانة الدَاعي السَميع)

نِعم ريحانة الهادي النبيّ = ومُهجة فاطم وحَشا عليّ

تَذكر مِحنة الحسن الزَكي = فكان كما تَرى الخَطب الفَظيع

يقول المُصطفى ولدي إمام = أحاط به قُعود أو قِيام

ويَجحد قَوله منهم طُغام = ويَعصي أمره مَن لا يُطيع

هُم اغتالوه في جَنب المَدائن = بطَعنة مَغول مِن كَف خائن

٦٦

وهم سَلبوا القَطائف والظَعائن = فرفع رأسه الوَغد الوَضيع

فيا لله ما فَعلوا بحِجر = وما فَتَكوا بميّثم أو بعَمْرو

وما هَتكوا النِساء بكُلِّ خِدر = وما صَنعوا فيا بِئس الصَنيع

إلى أنْ ضاق ذَرع أبي محمّد = مِن المِحن التي ليست تُعدَّد

تُصابِرهن أضلاعُ تَوقُّدِ = وحِلم مِن تحَمَلَه ضَليع

يَرى الأعداء تَفتِك بالأحبَّة = وتَقتل منهم في كلِّ جَنبه

ويَسمع سَبَّ والده وسَبَّه = ويَحلِم إنْ ذا حِلمٍ مُريع

وما بَرِح العدوّ يَكيد كَيده = إلى أنْ سَمّه بيَدي جُعيده

فقَطَّع قلبَه وأباد أيده = كذلك يفعل السَمُّ النَقيع

فوالَهفي لِما في الطشت قاءا = مِن الكَبد التي ذهبت هَباءا

يُقلبها بعُودته اجِتلاءا = ويَعلم أنَّها تِرة تَضيع

وواحزني له يوصي أخاه = بأنْ يَدع العَدوَّ وما جَناه

ويحَمِلَ نَعشه يَلقى أباه = فإنْ يُمنع فمَدفنه البَقيع

ووا أسَفي على فِتيان هاشم = أتوا بالنَعش رامين العَمائم

فصَودر بالسِهام وبالصَوارم = وعاد يَشُّكه النَبل الوَقيع

فؤاد محمّد والرَوح مِنه = تُمانِعُه بنو الطُلقاء عَنه

رأى تَجديد عَهد لم يَخنه = بغَيبته فلم يَكُ يَستطيع

كأنّي بالنبيّ رَنا إليه = ومَدّ لضَمِّه كِلتا يَديه

فلمَّا عاد مُمُتَنَعاً عليه = تطأطأ مَتنه وهو الرَفيع

٦٧

إلى آخر القصيدة، وأسعدني التوفيق، فرأيت الحسن (عليه السلام) وكأنّي أقرؤها عليه، حتى بلغت إلى قولي: تطأطأ رأسه - وكنت نَظمتها قبلاً كذلك - فأطرق (عليه السلام) فأُلهمت أنَّه كَرِه تلك اللفظة؛ لِما فيها من عدم الآداب مع شَرف ذلك الجناب المُعظَّم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأبدلتها بقولي: تطأطأ مَتْنه، فرفع رأسه مُتبسِّماً فانتبهت.

والقصيدة موجودة في الديوان، فلا حاجة‌ إلى نقلها برُمَّتها، ولقد أكثرت منها؛ لأنَّ المَقام اقتضى ذلك مع التماس بعض المُحبّين.

٦٨

الباب الخامس:

فيما يتعلَّق بالحسين السبط (عليه السلام) مِن النَظام المَتلو

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول:

أخبرني الشيخ العالِم العابد المُعَمِّر، الشيخ عبد الله بن مَعتوق القَطيفي ( سلَّمه الله ) أيام مُجاورته في النجف لطلب العلِم سنة ١٣١٠، قال: أخبرني مَن أثق به مِن العلماء، قال: أخبرني الشيخ الفاضل الأديب، الحاج محمد علي بن الحاج محمد، المعروف بابن كَمّونة الأسديّ الحائريّ، المُتوفَّى سنة ١٢٨٣، وكان يَنوب عن أخويه: الميرزا حسن، والميرزا مهدي الخازِنين في الرَوضة الحسينية، ويلازم الرَوضة، قال: رأيت ذات ليلة في المَنام سيّدي الحسين (عليه السلام) في الروضة الشريفة واقفاً

٦٩

يَنظر إلى الزائرين، وهو يردِّد قوله: (فمِنّا المُنادي ومِنَّا السَميع)، قال: فانتبهت مِن مَنامي وأنا أحفظ هذا الشَطر، فأكملته بقولي:

سَبَقْنا فلا أحْد قَبلنا = سِوى مَن يَرانا ومِنّا الصَنيع

فذا الخَلق مِنّا إلينا لنا = (فمِنّا المُنادي ومِنّا السَميع)

قال الشيخ عبد الله: فخمَّستهما عند سَماعي لهما سنة ١٣٠٥؛ لأتعلَّق بسببٍ إلى الحسين (عليه السلام) فقلت:

أحَرنا عُقولاً سَعت نَحونا = فتاهت وما بَلغت كُنْهَنا

ونَحن عَبيد ولكنَّنا = سَبقنا فلا أحْد قَبلنا

سِوى مَن يَرانا ومِنّا الصَنيع

فمَن ساء فِعلاً ومَن أحسنا = يؤب لنا قَبل أنْ يوزَنا

نُنادي ونَسمع أنْ يَدعُنا = فذا الخَلق مِنّا إلينا لنا

(فمِنّا المُنادي ومِنّا السَميع)

الفصل الثاني :

أخبرني الشيخ الجَليل العالم الفاضل التقي، الشيخ الهادي بن الشيخ عباس بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( سلَّمه الله ) سنة ١٣٥٩، قال: زِرت الحسين (عليه السلام) بخدمة‌ أبي، وصحِبنا الحاج عبد علي بن الحاج قنبر من آل شريف، أحد تُجّار النجف وذوي الوجاهة والبيت الرفيع منهم، سنة ١٣٠٧ على طريق نهر الهندي، حتّى إذا وصلنا إلى السُليمانية‌ - قَرية تَبعُد عن كربلاء مِقدار فَرسخ -

٧٠

رمُدَت عين الحاج عبد علي رَمَداً شَديداً، فجئنا كربلاء وهو في اضطراب، بحيث لم يَستطِع الوصول إلى الرَوضة، وبات ليلته وهو يتَضوَّر من الوَجع، لم يَنم ولم يَدعنا نَنام مِمّا يَستغيث، ولم نَزْل كذلك إلى آخر الليل، فهَجع قليلاً ثم انتبه، فلم يَجد بعينه شيئاً، لا مِن الرَمد، ولا مِن الوَجع، فأخبرنا أنَّه رأى في نومته تلك كأنَّه زار الروضة، ولمّا دخل رأى الحسين (عليه السلام) جالساً فوق الشُبَّاك، ورأى الزوار الّذين في الروضة يَرتقون على الشُبَّاك إليه، ويُقَبِّلون يديه قال: فحين رأيت ذلك ألقيت عباءتي في الروضة خلفي، وشَمَّرت عن ذِراعي - وكان جسيماً - ثم ارتقيت على الشُبَّاك إليه؛ لأُقبِّل يديه، فلمّا نظر الحسين (عليه السلام) إليَّ تَفل في عيني، قال: فاحتدمت، وقلت: بانزعاج، لأيِّ شيء تَتَفل في عيني؟ وأنا زائرك ووافد إليك؛ لأُقبِّل يَديك واستشفي لعيني، هؤلاء الزوّار كُلُّهم فعلوا مِثل فِعلي، فلم تَصنع بواحد منهم ما صَنعت بي، فأجابني (عليه السلام) بتبسَّم وتَوأدَةٍ مُنشداً:

(فسقاها مِن رِيقه فشفاها)

قال: فانتبهت، وأنا كما تَرون، ليس بي شَيء مِن ذلك الوجع، ولا مِن ذلك الرَمد، قال الشيخ الهادي: فرأيناها كما يقول لا أثر فيها ولا رمد.

(أقول): وهذا الشَطر مِن قصيدة الشيخ الفاضل، المُلا كاظم بن الحاج محمد بن الحاج عبد الصمد بن مراد الأزري البغدادي المذكور، التي هي في مَدح النبي وآله ( عليهم الصلاة والسلام ) وهي ألف بيت، وجِد منها نَحو الستمائة بيت وتلف

٧١

الباقي، وهي مَشهورة مُخمَّخسة مطبوعة، مطلعها:

لِمَن الشَمس في قُباب قباها = شفَّ جِسم الدُجى بروح ضياها

يقول فيها ذاكِراً أميرَ المؤمنين (عليه السلام) وما كان منه يوم خيبر:

وله يوم خَيبر فَتَكات = كَبُرت مَنظراً على مَن رآها

يوم قال النبي أنّي سأُعطي = رايتي ليثَها وحامي حِماها

فاستطالت أعناق كُلِّ فَريق = ليَروا أيَّ ماجِد يُعطاها

فدعا أين وارث العلِم والحلِم = مُجير الأيام مِن بأساها

أينَ ذو النَجدة التي لو دَعته = في الثُريا مَروعة‌ لبَّاها

فأتاه الوَصي أرَمد عَينٍ = فسَقاها مِن رِيقه فشَفاها

ومَضى بطَلب الصُفوف فولَّت = عنه علِماً بأنَّه أمضاها

فيَرى مَرحباً بكَفِّ اقتدار = أقوياءَ الأقدار مِن ضُعْفاها

ودحا بَابَها بقوَّة بأس = لو حَمته الأفلاك منه دحاها

إلى آخر ما نظم من تلك الأبيات على غيره في تلك القصيدة الفريدة بين الألفيات:

وَصلٌ يَحسُن أن يَدخُل في هذا الفصل:

إنَّ للشيخ كاظم الأزري قصيدة في رثاء الحسين (عليه السلام) أبدع فيها كل الإبداع؛ فأخذت بمجامع الأفئدة ومدارك الأبصار ومَسالك الأسماع، وكنت خمَّست منها أبياتاً سنة ١٣٣٧، ثم في سنة ١٣٤٧ عَزمت على تَتِمَّة التخميس، فأعملت فكري فيه؛ وكان نشب بي تلك

٧٢

السنة وجع المفاصل، فخصَّ يدي اليُسرى، فكان يَعتريني في أغلب الأوقات، بحيث يُبطل حَركة يدي نهاراً وليلاً، حتى إنَّ الوَجع قد يُنبهني من نومي؛ لشدَّته فأجلس وأعرِّكها حتى يسكن، وبقي نحواً من ستة أشهر وهو لا يزيد إلاّ شدَّة، ولمّا أعملت فكري في التَتِمَّة جعلت أردّد تَخميسي السابق؛ ليفتح الله عليَّ، وكنت على فراشي ليلاً، فغلبني النوم وأنا أردّد بقولي:

أصحرتَ في الطَف ضُرغاماً بساحته = قد استَخف المَنايا مِن رَجاحته

مَلكتَ فأسجِح لمَكدود براحته = يا مَن تُدار المَنايا حَول راحته

مَوقوفة بين قوليه خُذي وذَري

قُتلت ظَمآن لم تُبلِّل ظَما شَفةٍ = إلاّ برَشف مَواضٍ أو مُثقَّفة

هُم يَعرفونك في ذات وفي صِفة = إنْ يَقتلوك فلا عن فَقْدِ مَعرفة

الشَمس مَعروفة بالعَين والأثر

إنْ يَقتلوك على شاطي الفُرات ظَما = فقد تَضَعْضَع كُرسي السَما عُظما

وقد بَكتك دَماً حتّى العِدى نَدْما = أيُّ المَحاجر لا تَبكي عليك دَما

أبكيت واللهِ حتّى محِجر الحَجر

وما نبَّهني من نومي إلاّ وَجع يدي نِصف الليل، ذلك الوَجع الّذي أجلسني مُرتاعاً بلا شِعور، سِوى شِعوري أنّي جلست قابضاً بيدي اليُمنى على عَضُد اليد اليُسرى، التي هي كُلُّها وَجع، وكُلُّها باطلةُ الحَركة، قائلاً: اللهم أُقسِم عليك بحق الحسين أنْ تُشفي يدي، فما هو إلا وأنا

٧٣

أشعر أنَّها برئت بتَّاً، فجعلت أُفكِّر هل بها وَجع بعد أو لا، فما أحسُّ وَجعاً، فأخذتني بَهرة واعترتني دَهشة لذلك الحال، ثم بقيِت جالساً أنتظر هل يَعود عليَّ الوجع، فلم يعد، وما كُدت أنام تلك الليلة مِن الفرح الّذي تداخلني مِن تلك المُعجزة للحسين (عليه السلام) ثم لم يَعُد إلى الآن بحمد الله تعالى وببركة الحسين (عليه السلام) وبفضل الشيخ الأزري (رضي الله عنه) فإنَّ إحسانه بنظمه النفيس دعاني إلى التخميس:

الفصل الثالث:

وجدت في مجموعة قديمة عند الشيخ الخَطيب، الشيخ كاظم بن الحسن بن سبتي النجفي، المُتوفَّى سنة ١٣٤٣ بالنجف، مُشتملة على مدائح ومراثٍ النبي والعترة المعصومين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وفيها في باب الراء، هذه رائية للشيخ حسن قَفطان - يَعني به الحسن بن علي بن عبد الحسين بن نَجم السعدي الرياحي النجفي، المُتوفَّى سنة ١٢٧٩ عن عُمْر يُناهز الثمانين، ودُفن بالصَحن الحيدري في الإيوان الكَبير خَلف الضَريح المُقدَّس - قال: وقد عُرضت على الحسين (عليه السلام) في المنام، فقَبِلَها وأجازه ولها قصة معروفة، وهي أحْد وسُتّون بيتاً أولها:

لِمَن الخِبا المَضروب في ذاك العَرى = مِن كربلا جَرى عليه ما جَرى

ما خِلتُ إلاّ أنَّه غاب به = آساد غَيل دونها أسَد الشَرى

فِتيان صِدق مِن ذَوابةِ هاشم = نَسباً مِن الشَمس المُنيرة أنورا

٧٤

شَبّوا وشَبَّ ببِيضهم وأكُفِهم = نارانِ نارُ وَغى ونار للقُرى

يَتذاكرون إذا خَلْوا بسميرهم = طَرباً سَوابق ضُمَّراً أو أسمرا

تَقْتادهم للعِزّ عَزمَةُ‌ أصيد = يَجِد المَنيَّة فيه طَعماً مُسكِرا

يَلقى الكتائِب باسماً ويَشُّم مِن = نَقع العَوادي في الطِراد العَنبرا

مَلِكٌ ممالِكه العوالِم كلُّها = طَوع المَشيئة قَبل ما أنْ يُأمرا

أعظِم به سلطان عِزٍّ شامِخ = لا جُرهماً أو تُبَّعاً أو حِمْيرا

شَرف تَفرع عن نَبي أو وَص = يٍّ أو بَتول لا حَديث يُفترى

بَعَثَتْ إليه زَخارفاً بصَحائف = زُمراً تَرى المَعروف شَيئاً مُنكرا

فأقام فيهم مُنْذراً ومُبشِّرا = ومُحذِّراً في الله حتّى أعذرا

حتّى إذا ازدَلفوا إليه رأوا به = أسداً يُحامي عن شَراه غَضنفرا

بَدراً تَحف به كواكبُ كلَّما = عاينتها عاينت صُبحاً مُسفرا

وغَدت تُواسيه المَنون عِصابة = طابت مَآثر في الأنام وعُنصرا

تَكسوهم الحَرب العَوان مَلابساً = مُستشعِرين بها النَجيع الأحمرا

يَتَسلَّقون مُطهَّماً يَستَصحبو = ن مُثقَّفاً يتَقلَّدون مذكَّرا

يَتَظلَّلون أرائكاً مَضروبةً = بيد العَواسل أو غَماماً عَثْيرا

نَسجت عَوامُلهم مِثال دُروعهم = زَرْداً بأجساد العِدى مُتصورا

نَصروا ابن بنت نَبيهم فَتَسَنَّموا = عِزَّاً لهم في النَشأتين ومَفخرا

بَذلوا نُفوسهم ظُماءً لا تَرى = ماءً يُباح ولا سَحاباً مُمُطِرا

حتّى أُبيدوا والرِّماح تَكفَّلت = بِجهازهم كَفناً حُنوطاً أقبُرا

٧٥

مُتلَفِّعين دَمَ الشهادة سُندساً = يوم التَغابن أو حَريراً أخضَرا

لله يَومُ ابن البتول فأنَّه = أشجى البَتولةَ والنَبي وحَيْدَرا

يومَ ابنُ حَيدر والخُيولُ مُحيطَة = بخِباه يَدعو بالنَصير فلن يَرى

إلاّ أعادي في عَوادٍ في عوا = رٍ في عَوالٍ في نِبال تُبْتَرى

فهناك دَمدم طامِناً في جأشه = بمُهنَّد يَسِم العَديد الأكثرا

مُتصَرِّفاً في جَمعهم بعَوامل = عادتْ بجَمعهمُ الصَحيح مُكَسَّرا

بأسٌ وسَيفٌ أخرسا ضَوضائَهم = لكنَّ أمرَ الله كان مُقدَّرا

فَهَوى على وَجه الثَرى روحي الفِدا = لك أيُّها الثاوي على وَجه الثَرى

أحسينُ هلْ وافاك جَدُّك زائراً = فرآك مَقطوع الوَتين مُعفَّرا

أمْ هلْ درى بكَ حَيدر في كَربلا = فَرداً غَريباً ظامياً أمْ ما درى

هلاّ بَعثت إلى شَقيقك بالّذي = قاسيتَه فيها بَريداً مُخبِرا

مَن مُبْلِغ الزهراء أنَّ سَليلها = عارٍ ثلاثاً بالعرا لن يُقبَرا

وفَرى سِنان نَحره بحُسامه = شُلت يَداه أكان يَعلم ما فَرى

وبَناتها يَوم الطُفوف سَليبة = تُسبى على عُجف المَطايا حُسَّرا

فكأنَّهن لقَيصر ولرُبَّما = صانوا عن السَير المُعنِّف قَيصرا

لم أنسَ زينب وهي تَندُب نَدبها = يا كافلَ الأيتام يا غَوث الوَرى

سَهَّدت عَيني لَيتها عَميت إذا = مَرَّت على أجْفانِها سِنَةُ الكَرى

أثكلْتَني أسلْمتني أذللتني = يا طَود عِزٍّ كان لي سامي الذُرى

وخِباء أمن كُنت في الدُنيا وقد = أمسى بأرض الطَف مَحلول العُرى

٧٦

هلْ أستطيع تَصبُّراً وأراك في = رَمضائِها لا أستَطيع تَصبُّرا

ما كُنت أعْرِف قبل رأسك واعِظاً = بالذِكر قد تَخَذَ المُثْقَّفَ مِنبَرا

نَصبوه خَفضاً وهو رَفعٌ وانثنوا = بثنائه فمُهلِّلاً ومُكبِّرا

ويَزيد يَنكُته بمُخصَرة له = مُترَنِّماً مُتشَمِّتاً مُتجَبِّرا

لم أدْرِ مَن أنعاه يَومك يا حِمى = حَرمي ويا كَهفي إذا خَطْب عَرا

الأخْوة أنعى أمْ ابني عَمِّك ال = طيَّار أمْ أنعى علِيَّ الأكبرا

أم مُسلماً وبَني عَقيل أم بَني = الحَسن الزكي أمْ الرَضيع الأصغَرا

أمْ لابنك السَّجاد وهو مُعالِج = سُقماً وأقْتاداً وقَيداً والسِرى

أم للنِساء المُرْعَبات يَلُذن بي = ويَريْنَ في الخْيَم الحَريق المُسعِرا

مَنع الوَعيد نَعيَّها وبُكاءها = إلاّ تُردِّد زَفْرَة وتَحْسُّرا

ويَزيد يُرهْقهن في سُلطانه = مُتشمِّتاً مُتَجَبِّراً مُتَكَبِّرا

يَومٌ قَليل فيه أنْ بَكت السَما = بدَمٍ وكادت فيه أنْ تَتَفَطَرا

حتّى نَرى المَهدي يأخذ ثأره = ونَرى له في الغاضِرية عَسكرا

فعسى أخوض به الوَغى وأعود في = ظَفرٍ وفَتحٍ ضاحكاً مُستَبشِرا

يا كربلا طِلتِ السَما بمراتب = شَرقاً تمنَّت بَعضه أمُّ القُرى

أرج تضوَّع في ثَراك تَعطَّرت = منه جِنان الخُلد مِسكاً أذفرا

لا زال مَحلول النِطاق مُخيِّماً = في جانبيك وللغوادي مَصدرا

يابن النبي ذَخْرتُ فيك شَفاعةً = لي في المَعاد ولم يَخب مَن أذخَرا

انظُر إليَّ برَحمة فيه إذا = وافاك ظَهري بالخَطايا موقِرا

٧٧

ولوالدي ومَن أصاخ بسَمعه = لرثائي فيك ومَن رواه ومَن قرا

صلّى عليك الله ما صلّى له = أحد وسبَّح أو دَعا أو كبَّرا

الباب السادس

فيما يتعلَّق بعلي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) مِن النظام المتلو

وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول:

ذكر الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه عُيون الأخبار، قال: حدَّثنا علي بن محمد بن عمران الدقَّاق، قال: حدَّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سَهل بن زياد الآدمي، عن عَبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: حدَّثني معمر بن خلاد وجماعة، قالوا: دخلنا على علي الرضا (عليه السلام) فقال له: بَعضنا جَعَلَني الله فداك، ما لي أراك مُتغيِّر الوجه؟ فقال:(( إنّي بقيت ليلتي ساهراً متفكِّراً في قول مروان بن أبي حَفصة:

أنّى يَكون وليس ذاك بكائن = لبني البَنات وِراثة الأعمام

ثم نِمتُ، فإذا بشخص قد أخذ بعَضادتي الباب، وهو يقول:

أنّى يكون وليس ذاك بكائن = للمُشركين وِراثة الإسلام

لبَني البَنات نَصيبهم مِن جَدِّهم = والعَمُّ مَتروك بغير سِهام

ما للطَليق وللتُراث وإنّما = سَجد الطَليق مَخافة الصِمصام

٧٨

قد كان أخبرك القُرآن بفَضله = فمضى القَضاء به مِن الحُكّام

إنَّ ابن فاطمة المنوَّه باسمه = حاز الوِراثة مِن بني الأعمام

وبَقي ابن نتلة واقفاً مُتلدِّداً = يَبكي ويُسعده ذَووا الأرحام

(أقول): إنَّ مروان بن أبي حَفصة كان مولى بَني أُمية، وكان يَمدح الرَشيد ويَهجو أمير المؤمنين (عليه السلام) وله لامية في هِجاء أمير المؤمنين، ذكر منها جُملة ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وقد ردَّ عليه جماعة من المُتَقَدِّمين والمُتأخِّرين، آخرهم السيّد محمد المهدي بحر العُلوم الحسني الطباطبائي، المُتوفَّى سنة ١٢١٢ بلاميَّة تَقرب مِن مائتين وخمسين بيتاً شهيرة، والبيت الّذي ذكره الرضا (عليه السلام) له، مِن أبيات يُخاطِب بَني علي (عليه السلام) فيها ويقول:

خَلّوا الطَريق لمَعشرٍ عاداتُهم = حَطم المَناكب كلَّ يوم زُحام

وارضوا بما قَسم الإله لكم به = ودَعوا وِراثة كلِّ أصيد سامِ

أنّى يكون وليس ذاك بكائن = لبني البنات وِراثة الأعمام

وقد أجابته العلويون ومواليهم، بأجوبة كثيرة مِن ذلك الزمان إلى هذا الآن، فمنهم جعفر بن عفَّان الطائي الشاعر المشهور، روى أبو الفرج في الأغاني، عن محمد بن يحيى بن أبي مرة، قال: مررت على جعفر بن عفَّان الطائي، وهو على باب مَنزله، فقال لي: مرحباً بك ياأخا تَغلب، أجلِس فجلست، فقال لي: يا أبا يحيى، أما تعجب مِن مروان بن أبي حفصة لعنه الله حيث يقول:

٧٩

أنّى يكون وليس ذاك بكائن = لبَني البَنات وِراثة الأعمام

فقلت: بلى والله، إنّي لإتعجَّب منه، وأُكثر اللّعن عليه، فهل قلت في ذلك شيئاً؟ قال نعم قلت:

أنّى يكون وإنَّ ذاك لكائن = لبني البنات وِراثة الأعمام

للبنت نُصف كامل مِن ماله = والعمُّ مَتروك بغير سِهام

ما للطَليق وللتُراث وإنّما = سَجد الطَليق مَخافة الصِمصام

ومنهم مؤلِّف هذا الكتاب، فقد شطَّر أبيات مروان الثلاثة، وقَلبها هجواً لأعداء العلويين، فقال مُخاطباً لبني علي (عليه السلام):

(خَلّوا الطَريق لمَعشرٍ عاداتُهم) = تَطريق أظهُرِهم لصَدر غُلام

أفنوا فعادتهم لرهز عبيدهم = (حَطمُ المَناكب كلَّ يوم زحام)

(وأرضوا بما قَسم الإله لكم به) = طُهر النُفوس وعِفة الأجسام

إنْ يَمنعوكم إرثَكم فتَصبَّرو = (ودعوا وِراثة كلِّ أصيد سام)

(أنّى يكون وليس ذاك بكائن) = للمُلحدين وِراثة الإسلام

ليس الوِراثة للعُمومة إنَّما = (لبني البنات وِراثة الأعمام)

ثم خمّس التشطير إيضاحاً، فقال:

ضَلَّ الوَرى وبَنو النبي هُداتُهم = لكنْ أبى إلاّ الضلال عِداتهم

يا سادتي لا تَهتدي ساداتُهم = خلّوا الطَريق لمَعشر عاداتُهم

تَطريق أظهرِهم لصَدر غُلام

لا تَعرضوا أبداً إلى تَسديدهم = وذروهم بشَحيحهم وفَديدهم

٨٠