الكافي في الفقه

الكافي في الفقه0%

الكافي في الفقه مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 542

الكافي في الفقه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: تقى الدين ابى الصلاح الحلبى
تصنيف: الصفحات: 542
المشاهدات: 28427
تحميل: 5614

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 542 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28427 / تحميل: 5614
الحجم الحجم الحجم
الكافي في الفقه

الكافي في الفقه

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المعصوم ، إذ لا مشارك لهم في ذلك إلا الأنبياء ، فوجب لذلك القول بإمامتهم ، ولا يقدح فيما اعتبرناه ما تدين به الخوارج فيهم ، لان الخوارج تقدح في عدالتهم بما وضح برهان حسنه ، وأجمع المسلمون على ذلك فيه ، وكلامنا مختص بتنزيههم عما يثبت قبحه. يوضح ذلك تدين كثير من العقلاء بضلال الأنبياءعليهم‌السلام وكذبهم في دعويهم ولم يقدح هذا الاعتقاد في صدقهم وعلو منزلتهم من حيث أسند إلى مجرد الاعتقاد المعلوم فساده بالحجة.

ومما يدل على إمامتهم صلوات الله عليهم قوله تعالى( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (5) فأمر من لا يعلم بسؤال أهل الذكر ليعلم ، ولم يخص ذلك بشي‌ء ، دون شي‌ء ، وذلك مقتض لعلم المسئولين بكل شي‌ء يسئلون عنه معصومين فيما يفتون به ، لقبح الأمر بمسألة من لا يعلم ما يسئل عنه ، وعدم العلم لفتيا من يجوز عليه الخطاء عن قصد أو سهو ، وإذا ثبت كون أهل الذكر المأمور بمسألتهم في الآية بهاتين الصفتين ثبت تخصيصهما بالمذكورين ، لأنه لا أحد قال بذلك في الآية الأخص بها المذكورين.

وان شئت قل : لا أحد أثبت الصفتين لأحد عداهم ، وكل من أثبتها للمذكورين قال بإمامتهم.

ولان فتياهم إذا كان موجبا للعلم وجب الاقتداء بهم فيه ، لحصول الأمان من زللهم ، دون من لا يوجبه فتياه ولا يؤمن فيه الضلال ، ووجوب الاقتداء بهم برهان إمامتهم ، وبهذا الاعتبار يسقط قول من زعم أن أهل الذكر في الآية هم اليهود والنصارى ، أو القراء ، أو الفقهاء ، لانتفاء الصفتين الثابتتين لأهل الذكر عن كل واحد من هؤلاء باتفاق.

ويدل أيضا على إمامتهم قوله تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ

__________________

(5) سورة النحل ، الاية : 43 وسورة الأنبياء ، الاية : 7.

١٠١

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (1) فأوجب سبحانه طاعة أولى الأمر على الوجه الذي أوجب طاعته تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله على كل مكلف حاضر لنزول الاية وناشى‌ء الى انقضاء التكليف وفي كل أمر ، فيجب عموم طاعة اولى الأمر كذلك ، لوجوب إلحاق المعطوف بحكم المعطوف عليه ، وذلك مقتض لامامتهم ، إذ لا أحد وجبت طاعته على هذا الوجه الا من ثبتت إمامته بعد الرسول ، ولا أحد قال بذلك في الآية الأخص بها عليا والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسينعليهم‌السلام ، ولان عموم طاعتهم مقتض لعصمتهم ، لأنه لو جاز عليهم القبيح مع إطلاق الأمر بطاعتهم في كل شي‌ء لكان ذلك أمرا بالقبيح المتعذر منه تعالى ، وإذا ثبتت عصمة اولى الأمر ثبت توجه الآية الى من عيناه ، لأنه لم تثبت هذه الصفة لأحد ولا ادعيت له عداهم.

وان شئت قلت : لا أحد قال بذلك في الآية الأخص بها من ذكرناه.

ولأن الأمة في الآية رجلان : قائل انها في أمراء(2) السرايا عن ولاية أبي بكر وعمر وعثمان وعليعليه‌السلام خاصة ، وقائل انها في أئمة الهدىعليهم‌السلام ، وقد علمنا اختصاص طاعة اولى الأمر بمن ولو عليه ، وبما كانوا أمراء فيه ، وبالزمان الذي اختصت به ولايتهم ، وطاعتهم كما ترى خاصة من كل وجه ، فطاعة [ وطاعة ظ ] اولى الأمر في الآية عامة من كل وجه ، فيجب لفساد أحد القولين صحة الأخر ، وصحته تقتضي امامة المذكورينعليهم‌السلام .

وقد كان بعض من لا بصيرة له قدح في عموم طاعة اولى الأمر ، بأن قال : عموم طاعته سبحانه ورسوله غير مستفاد من الآية ، وانما يعلم بدليل غيرها ، فيجب اقامة دليل من غير الظاهر على عموم طاعة اولى الأمر.

__________________

(1) سورة النساء ، الاية : 59.

(2) أمر ، كذا في النسخ. ولعل الصحيح ما أثبتناه.

١٠٢

فأجبنا أن مطلق الأمر بالطاعة يقتضي تناوله لكل مخاطب في كل زمان وأمر ، وانما يفتقر التخصيص إلى دلالة ، وإذا كان هذا معلوما من مطلق كل خطاب ، وعطف بأولى الأمر على ما تقدمت دلالة الخطاب على عمومه ، وجب إلحاقهم به. وبأنا لو سلمنا أن عموم طاعته سبحانه ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله معلوم بدليل غير الآية ، لم يقدح ذلك في مقصودنا ، من حيث كان المخاطب العالم بعموم الطاعتين إذا قيل له أطع الله ورسوله فهم بما تقدم له من الدلالة عموم الطاعة ، فإذا عطف على هذه الطاعة بأولى الأمر وجب عليه إلحاقهم في عموم الطاعة بما تقدم له العلم بعمومه وخوطب به.

ويدل أيضا على إمامتهمعليهم‌السلام قوله تعالى( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (1) فأخبر سبحانه قاطعاً بأن الرد الى اولى الأمر يقتضي العلم بما يستنبطه الراد إليهم ، كاقتضائه مع الرد الى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك يقتضي صفتي العلم والعصمة لأولي الأمر حسب ما أوجبناه في أية أهل الذكر ، وذلك يقتضي تخصيص الآية بأئمتنا ، ووجوب الاقتداء بهم ، وثبوت إمامتهم حسب ما رتبناه فيما سلف.

ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ) (2) يعني الاقتداء بهم ، إذ الأمر بالكون معهم في المكان لا فائدة فيه ، وذلك يقتضي وجوب الاقتداء بهم في كل شي‌ء ، لأنه سبحانه يخص(3)

__________________

(1) سورة النساء ، الاية : 83.

(2) سورة التوبة ، الاية : 119.

(3) كذا في النسخ. ولكن قال في تقريب المعارف : ومنها قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ) فأمر باتباع المذكورين ولم يخص جهة الكون بشي‌ء دون شي‌ء فيجب اتباعهم في كل شي‌ء.

١٠٣

شيئا من شي‌ء ، ولا يحسن الأمر بالاقتداء على هذا الوجه مع جواز القبيح على المقتدى به ، وإذا ثبت عصمة الصادقين ثبت توجه الخطاب الى ما ذكرناه لما بيناه من الاعتبار.

ولأنه تعالى وصف المأمور بأتباعهم بالصدق عنده سبحانه ، وذلك مانع من توجهه الى من يجوز عليه الكذب ، لان جوازه يمنع من القطع بالصدق عند الله ، وإذا ثبت عصمتهم بهذا الاعتبار أيضا ثبت تخصيص الذكر في الآية بأئمتناعليهم‌السلام .

ولأنه سبحانه وصفهم بالصدق فمنع ذلك من كذبهم ، من حيث كان حصوله منهم يقتضي وصفهم به وذلك مناف لخبره تعالى.

فكأنه سبحانه فيما أمر به من مسألة أهل الذكر وطاعة اولى الأمر والرد إليهم والاقتداء بالصادقين ، أمر بمسألة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة المهديعليهم‌السلام وطاعتهم والرد إليهم والاقتداء بهم بأسمائهم وأعيانهم ، إذ لا فرق بين أن ينص على الأسماء المخصوصة ، أو على الصفات المختصة بالمسمين ، بل النص على الصفات أظهر في الحجة ، لحصول الاشتراك في الأسماء ، وانتفائه في الصفات المختصة ، وإذا كان لو نص على إمامتهم والاقتداء بهم بأسمائهم وأنسابهم لم يحصل على قلب مكلف ريب في أمرهم ، وكان النص على الصفة المختصة أظهر في الحجة ، وجب لنصه عليها ارتفاع الشك في إمامتهم.

ويدل على ذلك من جهة السنة ما اتفق عليه نقلة(1) الشيعة وفي نقلهم الحجة ، ورواه أصحاب الحديث من غيرهم ، ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال في غير موطن : « اني

__________________

(1) اتفق على نقله الشيعة.

١٠٤

مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وقال في مقامات : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها وقع في النار » وفي رواية « هلك » وفي رواية « غرق » وقال في مواضع أخر : « مثل أهل بيتي فيكم كباب حطة من دخله كان آمنا ».

ووجه الحديث الأول ، أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر على جهة الاخبار بالتمسك بكتاب الله وعترته ، وخص المرادين من العترة بصفة يقتضي عصمتهم ، هي أمان المتمسك بهم من الضلال ، إذ لو كان الخطاء جائزا على المتمسك لم يكن المتمسك آمنا من الضلال ، ولأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بينهم وبين الكتاب المهيمن على كل حجة في وجوب التمسك ، وذلك مقتض لكونهم حججا يجب الاقتداء بهم كالكتاب ، ولأنه صلوات الله عليه وعليهم أوجب التمسك بهم في كل شي‌ء ببرهان إطلاق التمسك من غير تخصيص ، ولمساواته في ذلك بينهم وبين الكتاب الذي يجب التمسك بجميعه ، وذلك مقتض للاقتداء بأقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالتكليف ، وهذا معنى فرض الطاعة الذي لا يستحقه إلا الامام وهو دال أيضا على عصمتهم لما بيناه من ان عموم الاقتداء يقتضي عصمة المقتدى به.

ووجه عموم الحديثين(1) الثاني والثالث ، انهصلى‌الله‌عليه‌وآله نص على نجاة متبع أهل بيته وأمانه من الضلال ، وذلك برهان عصمتهم ، إذ لو جاز عليهم الخطاء لم يكن القطع بنجاة متبعهم وأمانه من الضلال ، وثبوت عصمتهم مقتض لامامتهم لأنه لا أحدا فرق بين الأمرين ، وثبوت هذه الأمور فيمن تعلق به مقتضى الاخبار دليل على تخصيصها بمن عيناه من الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم دون سائر الذرية ، لأنها لم يثبت لأحد عداهم ولا ادعيت له.

__________________

(1) في بعض النسخ هكذا : ووجوب جهة عموم الحديثين.

١٠٥

ويدل أيضا على إمامتهمعليهم‌السلام عموم العلم لكل مخالط بنباهة(1) قدرهم في البأس ، وعظم [ قدر. خ ] منزلتهم عند الولي والعدو ، وتعظيم الشيعة لهم ، وترشيحهم لامامة الأنام ، وتدين أوليائهم بذلك فيهم ، وكثرة أعدائهم له(2) من قريش المتغلبين أولا وآخرا على خلافة الإسلام وأعوانهم عليها ، واجتهاد الكل في الغض منهم ، واضافة وصمة إليهم ، ثابتة أو متخرصة ، وسلامة أعراضهم من ذلك ، وبراءة ذمتهم منه عند الكل ، وشهادة الجميع بضلالة من قرفهم بشي‌ء من القبائح ، وهذا برهان عصمتهم وكونهم حججا حبس الله الألسن عن التحرز(3) عليهم ما يقدح في وقارهم ارادة منه سبحانه وتعالى للاحتجاج بهم على خلقه.

ومما يدل على إمامتهمعليهم‌السلام بظهور(4) علمهم في العقليات والشرعيات والآداب وتبريزهم في ذلك على أهل الأعصار ، وحاجة الكل إليهم واستغنائهم عنهم ، وثبوت حجتهم فيه على كل مشار اليه من علماء مخالفيهم ، واستمرار ذلك في الأزمان والأعيان ، وسلامته من التقصير عند المعضلات ، والعجز عند المشكلات ، مع فقد العلم والظن بأحد يضافون اليه بتعليم ، أو ينسبون اليه بتفهيم ، مع دعوى شيعتهم بنبوتهم(5) بذلك(6) من جميع الأيام(7) .

__________________

(1) بنهاية.

(2) كذا في نسخ.

(3) كذا في بعض النسخ وفي بعضها الأخر التحرض ، ولعل الصحيح : التخرص.

(4) كذا.

(5) كذا في النسخ.

(6) في بعض النسخ : وبذلك.

(7) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح : الأنام.

١٠٦

واجتهاد ملوك الأزمنة من أعدائهم في تكذيبهم ، وتوفر دواعيهم إلى إظهار تخرصهم ، لما في ثبوته من فساد أمرهم ، ولزوم الحجة لهم ، وتعذر ذلك على مر الزمان والى الان ، برهان واضح على كونهم حججا لله تعالى وحفظة لدينه ، لوقوف ذلك التخصيص عليه سبحانه كالأنبياءعليهم‌السلام ، إذ لم تجر العادة في أحد تقدم في علم وبرز فيه ، الا ومن يضاف اليه معروف ، ومن ينسب تعلمه منه مشهور ، ومع ذلك فقصوره عن كثير من الأجوبة ظاهر وعجزه عند المعضلات حاصل ، وانقطاعه حين المناظرة ثابت.

ويدل على إمامتهمعليهم‌السلام ما حصل من تعظيمهم بعد الوفاة من الدائن بإمامتهم والمخالف فيها ، وقصد مشاهدهم من أطراف البلاد ، والخضوع لتربهم ، والتوسل الى الله بحقهم ، والعياذ بها من جبابرة الزمان ، والامتناع بذمتها من أهل الطغيان ، مع ارتفاع الرجاء والخوف عاجلا بشي‌ء من ذلك ، وحصول ضد هذه القضية في المتغلبين عليهم في إمامة الأيام(1) مع علو سلطانهم وكثرة أعوانهم ، وخمول ذكرهم بعد الوفاة واندراس قبورهم بعد الممات ، من الولي الدائن بخلافتهم فضلا عن العالم بضلالتهم ، وهذا برهان واضح على منزلتهم عند الله وثبوت حجتهم لديه.

ومما يدل على إمامتهمعليهم‌السلام ثبوت النص من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كل منهم على الذي يليه في الحجة وهو على ضربين :

أحدهما نص على العدد المخصوص كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله للحسينعليه‌السلام : « أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمة حجج تسع ، تاسعهم قائمهم أعلمهم أحلمهم أفضلهم » وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عدد الأئمة بعدي عدد نقباء موسى ». وحديث اللوح ، وحديث الصحائف وحديث الخضرعليه‌السلام ، وأمثال ذلك مما نقله محدثوا العامة ، وأطبق

__________________

(1) الأنام

١٠٧

عليه ناقلوا الإمامية ، ولا أحد قال بهذا العدد المخصوص الا خصه بما ذكرنا.

والضرب الثاني نص كل امام منهم على ولده من بعده ، وورود هذا الضرب من النص في نفس(1) الإمامية متواتر يقتضي ثبوته.

من أراد الوقوف على ذين الضربين من النص فليتأمل ظرف ( كنا ) النقل وما أورده من ذلك شيوخنارضي‌الله‌عنه .

ويدل على إمامتهمعليهم‌السلام ظهور المعجزات على أيديهم كظهورها على أيدي الأنبياءعليهم‌السلام ، وطريق العلم بها تواتر الشيعة الإمامية بظهورها على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأعيان الأئمة من ذريته صلوات الله عليهم ، كتواتر الناقلين لمعجزات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يعلم ذلك من حالهم كل متأمل لنقلهم ، فاذا ظهرت المعجزات على أيديهم مقترنة بدعواهم للإمامة ، وثبت النص من الله تعالى بها عليهم زال الريب في ثبوتها لهم.

ويدل أيضا على إمامتهم صلوات الله عليهم حصول العلم لكل مخالط لهم وسامع لأخبارهم ، بدعواهم الإمامة في أنفسهم ، وكونهم حججا لا يسع أحدا مخالفتهم ، وتدينهم بضلال المتقدم عليهم ومن اتبعه ، وظهور هذه الدعوى من(2) شيعتهم فيهم وفي(3) من خالفهم ، وصريح فتياهم بذلك واحتجاجهم له مع اختصاصهم بهم ، وحمل حقوق الأموال إليهم ، وأخذ معالم الدين عنهم وتدينهم بتخصيص الحق بفتياهم ، وضلال من خالفها ، مقتض لثبوت هذه الدعوى ، والحكم بصحتها ، إذ لو كانوا كاذبين فيها أوجب الحكم بضلالهم ، ولا أحد من الأمة يعتد بقوله يذهب الى ذلك فيهم ، وخلاف الخوارج قد بيّنا

__________________

(1) في بعض النسخ : نفوس.

(2) في بعض النسخ : وشيعتهم.

(3) في بعض النسخ : ومن مخالفيهم.

١٠٨

سقوطه فيما سلف.

وإذا ثبت امامة من ذكرناه وعصمتهم وكونهم أعلم الأمة المأمور بالاقتداء بهم ، وجب ثبوت باقي الصفات لهم من الفضل على الرعية والتقدم عليها في الشجاعة والعبادة والزهد ، ويلزم لذلك اتباعهم والأخذ عنهم والقطع على فساد امامة من عداهم وضلال المفتي بخلافهم ومن اتبعهم متدينا بامامة أولئك وصحة فتياها و(1) لذهاب الكل عن الحق الواضح ببرهانه.

ولا يقدح فيما ادعيناه من ظهور المعجزات عليهم دعوى المعتزلة ومن وافقها في ذلك ، لان(2) المعجز موضوع لإبانة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من غيره ، وليسوا بأنبياء ، وكون ذلك منفرا عن النظر في معجز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتجويز ظهوره على من ليس بنبي.

لان ثبوتها بالنقل المتواتر تسقط هذه المعارضة من حيث كان ثبوت الشي‌ء فرعا لجوازه.

ويؤكده أيضا حصول اليقين بظهور المعجزات على من ليس بنبي.

فمن ذلك أم موسى( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (3) ففعلت ما أمرت به ، وهذا يقتضي ظهور المعجز لها من وجهين : أحدهما الوحي وهو معجز ، والثاني انهاعليها‌السلام لا يجوز ان تقدم على جعل ولدها في التابوت وطرحه في اليم الا بعد اليقين بأن الأمر لها بذلك هو القديم سبحانه

__________________

(1) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة الواو.

(2) كذا في النسخ.

(3) سورة القصص ، الاية : 7.

١٠٩

ولا سبيل الى ذلك الا بظهور معجز تعلم به ان الخطاب المتضمن لذلك وحي منه سبحانه ، وأم موسى ليست بنبي.

ومن ذلك ظهوره لمريم في عدة مواضع : منها نزول الرزق عليها من السماء حسب ما أخبر به سبحانه بقوله( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ : يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) (1) ولا شبهة في أن نزول الرزق من السماء معجزة ، ومنها معاينة الملك المبشر لها بالمسيحعليه‌السلام في صورة بشرى ، ومنها كلام المسيح لها من تحتها في حال الولادة في قوله تعالى( فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا ) (2) وكلام الطفل معجز ، وتساقط الرطب من النخلة اليابسة حسب ما ورد في التفسير معجز ، ومنها نطق المسيحعليه‌السلام ببراءة ساحتها في قوله تعالى( فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) (3) وهو معجز متكامل الشروط لكونه خارقا للعادة عقيب دعواها برأيه ساحتها من فعله سبحانه.

ومن ذلك قوله سبحانه( قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (4) فاتى به كذلك وهذا معجز باهر لوصي سليمانعليه‌السلام

ومن ذلك ما أجمع المسلمون عليه من ظهور المعجزات على تلاميذ

__________________

(1) سورة آل عمران ، الاية : 37.

(2) سورة مريم ، الاية : 24.

(3) سورة مريم ، الاية : 30 ـ 29.

(4) سورة النحل ، الاية : 40.

١١٠

المسيحعليه‌السلام وليسوا بأنبياء.

ولا انفصال من ذلك بقولهم ان معجز آصف لسليمان ، والتلاميذ للمسيح ، لان المعلوم تخصيص المعجز بمن ذكرناه تصديقا لهم وتشريفا دالا على علو منازلهم عنده سبحانه ، ولا يجوز العدول به عنهم.

وبعد فما له منعوا من ظهور المعجز على من ليس بنبي يقتضي المنع من ظهوره على من انتفت عنه النبوة ، فإذا ثبت ظهوره على من ذكرنا وليسوا بأنبياء سقط معتمدهم.

على أنهم إذا أجازوا ظهور المعجز على غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبته إلى نبي الوقت أو الملة(1) جاز لنا مثل ذلك في أئمتنا ، لكونهم أوصياء رسول الله وحفظة شرعه كآصف من سليمان والتلاميذ من عيسى ، بل هم أعلى رتبة عند الله وأجل منزلة.

فأما كون المعجز موضوعا للابانة فمعنى ذلك ابانة الصادق من الكاذب ، والمرجع في صفته إليه ، فإن كان صالحا فقط لم يدع نبوة ولا امامة ، وان كان اماما حسب لم يدع نبوة ولا رسالة ، وان كان نبيا لم يقتصر على ما دونها ، من حيث كان المعجز مؤمنا من كذبه لتعلقه بمقدور من لا يجوز عليه تصديق الكذاب ، وتجويز ذلك لا يقتضي النفير عن النظر في معجز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لان مدعى النبوة لا بد أن يخوف من ترك النظر في معجزة بفوت ما أرسل به من المصالح ، وليست هذه حال من يظهر على يديه من الأئمة والصالحين ، لأنهم لا يخوفون من فرق شريعة(2) .

__________________

(1) كذا في النسخ.

(2) كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها الأخر : لأنهم لا يخافون من ترك الشريعة ، ولعل الصحيح : لا يخوفون من فوت شريعة.

١١١

على أن المعجز عندنا لا يظهر الا على من لنا في تمييزه بظهوره عليه وتصديقه به مصلحة ، أما الأئمةعليهم‌السلام فقد بينا كونهم حججا في التكليف العقلي وألطافا فيه ، ذوي صفات لا يمكن تمييزهم [ لها. خ ] الا بمعجز أو نص يستند اليه وحفظة للشرع ، وكونهم كذلك يقتضي كونهم على أحوال لا يمكن تعيينهم لها إلا بأحد الأمرين ، فجاز ظهور المعجزات عليهم في حال ووجوبها(1) في أخرى ، وتعين فرض النظر فيها عند تخويفهم كتعينه في معجزات الأنبياء. وأما الصالحون فليعلم الناظر في معجزاتهم كونهم كذلك عند الله تعالى فيتولاهم ظاهرا وباطنا ، وإذا شارك الأئمة والصالحون الأنبياءعليهم‌السلام في حصول المصلحة بمعرفتهم وفوتها(2) للجهل بهم تعين فرض النظر في إعلامهم كتعينه في إعلام الأنبياء ولم يقتض ذلك تنفيرا عنه في موضع دون موضع(3) ، إذ التنفير انما كان يحصل لو جوزنا ظهور المعجز على من لا مصلحة لنا في العلم بصدقه ، فأما والحال بخلاف ذلك فشبه الخصم ساقطة.

ولا يقدح في شي‌ء مما علمناه من صحة إمامتهمعليهم‌السلام امساكهم عن المطالبة بحقوقهم للمتقدمين عليهم ، وانقيادهم إليهم في الظاهر ، وكفهم عن الأمور المختص فرضها بهم : من جهاد وأمر ونهى ومظاهرة الأعداء وإظهار فتيا ، لان قيام البرهان بصحة إمامتهم وعصمتهمعليهم‌السلام يقتضي الحكم على جميع أفعالهم وتروكهم بالحسن ، كما يقطع بمثل ذلك في أفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وتروكه لثبوت عصمته.

ولان ما ذكرناه وما لم نذكره من الاعتراضات انما يتعين عليهم بشرط تكامل

__________________

(1) كذا في النسخ.

(2) في بعض النسخ : فوقها وهو تصحيف ظاهرا.

(3) كذا في النسخ.

١١٢

شروط الأمر والنهى دون اختلال شي‌ء منها ، فلا يصح الاعتراض لشي‌ء(1) من ذلك ممن لم يثبت تعين فرضه بتكامل شروط الأمر والنهى لهم وهيهات ، على أن اختلاف(2) شروط الأمر والنهى فيهم معلوم لكل من عرف حالهم مع المتقدمين عليهم والمتغلبين على أمور المسلمين ، وأن جميعهم وكل واحد منهم غير آمن مع لزومه منزلة(3) وانقطاعه عن شيعته ، فكيف بما زاد على ذلك من المحاربة ومدافعة ذي العدد الكثير من الظالمين.

وبما قدمناه من الأدلة وحل الشبه(4) يسقط سؤال من يعترض في امامة صاحب الزمانعليه‌السلام ، أو يقدح بغيبته في وجوده ، من حيث كان ما قدمناه من الأدلة على امامة أعيان الأئمة ، دالة على إمامتهعليه‌السلام كدلالتها على امامة آبائهعليه‌السلام .

ولان المخالف في إمامتهعليه‌السلام لا يعدوا أن يكون مسلما لامامة آبائهعليه‌السلام تسليم جدل أو دين ، أو منازعا فيها ، فان كان منازعا وجب الاشتغال معه بإيضاح الأدلة عليها وحمل امامة صاحب الزمانعليه‌السلام عليها ، وان كان مسلما لها سقط خلافه في إمامتهعليه‌السلام ، لأنه لا أحد من الأمة أثبت امامة آبائه ونازع في إمامته.

ولان المعلوم من دينهم القول بإمامة الثاني عشر والنص على إمامته وصفة غيبته ، فصار لذلك العلم بإمامتهمعليهم‌السلام علما بإمامته ، كما ان العلم بنبوة نبينا علم بوجوب صلاة(5) الخمس وصوم الشهر وحج البيت ، فكما لا يصح القول بنبوته مع الشك في هذه العبادات كذلك لا يصح القول بإمامة آبائهعليهم‌السلام مع

__________________

(1) بشي‌ء.

(2) كذا في النسخ ، والظاهر : اختلال.

(3) هذه الكلمة موجودة في بعض النسخ ، ولعل الصحيح : منزلة.

(4) الشبهة ، كذا في بعض النسخ.

(5) في بعض النسخ : صلوات.

١١٣

الشك في إمامتهعليه‌السلام .

وإذا كانت إمامتهعليه‌السلام ثابتة كآبائه وجب تكامل الصفات الواجبة للإمام له من العصمة والفضل والعلم والعبادة والزهد والشجاعة واقتضى لذلك(1) الحكم لغيبته وما يتبعها في عدم فتياه وارتفاع ما يتعلق به فرضه مع الإمكان من جهاد واقامة حد وقبض حق بالحسن ، إذ لا فرق في العلم بحسن الفعل والإخلال بين أن يعلم ذلك مفصلا وبين أن يستند الى اختيار من لا يجوز عليه اختيار القبيح. ولهذا حكمنا لجميع ما خلقه القديم سبحانه وأراده وفعله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ودعيا(2) اليه بالحسن ، ولما كرهاه(3) بالقبح ، لقيام البرهان على حكمته سبحانه وعصمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يحتج الى تفصيل الوجه في ذلك.

وقد تبرع شيوخنارضي‌الله‌عنه وتبرعنا بيان الوجه الحكمي في جميع ما يسأل عنه المخالف في امامة صاحب الزمانعليه‌السلام وغيبته كما تبرعوا وتبرعنا بمثل ذلك في شبه التوحيد والعدل والنبوة ،(4) الوقوف(5) عليه في مواضعه يغني إيراده ههنا ، إذ كانت الجملة التي عقدناها كافية في ثبوت الحجة في امامة صاحب الزمانعليه‌السلام وسقوط ما يعترضها من الشبهة. والمنة(6) لله تعالى.

__________________

(1) ذلك ، كذا في بعض النسخ.

(2) في بعض النسخ : دعا.

(3) في بعض النسخ : كرهه.

(4) في بعض النسخ : النبوات.

(5) في بعض النسخ : والوقوف.

(6) في بعض النسخ : والمشية.

١١٤

التكليف السمعي

١١٥

١١٦

فصل في بيان التكليف السمعي

التكليف الشرعي على ثلاثة أضرب : عبادات ومحرمات وأحكام.

والعبادات على ضربين : مفروض ومسنون ، ولكل وجه يجب امتثاله له

فوجه الفرائض كون فعلها لطفا في الواجب العقلي واجتناب القبيح ويقبح(1) تركها ، لأنه ترك الواجب(2) .

وجهة السنن كونها لطفا في المندوب العقلي ، ولم يقبح تركها كما لم يقبح ترك ما هي لطف فيه.

وجهة قبح(3) المحرمات كون فعلها مفسدة داعيا إلى قبائح العقول ، وصارفا عن واجباتها ، ويجب اجتنابها لأنه اجتناب القبيح.

ووجه الأحكام ليعلم المكلف الوجه الذي له يحسن التصرف فيقف(4) . عليه ويجتنب ما عداه ، فتكليفه فيها راجع الى العبادات من وجه والى المحرمات

__________________

(1) في بعض النسخ : وقبح تركها.

(2) في بعض النسخ : ترك لواجب.

(3) في جميع النسخ هكذا : وجهه وقبح المحرمات. والظاهر ما أثبتناه.

(4) في جميع النسخ : فيقفه.

١١٧

من آخر ، على ما نذكره.

وقلنا ذلك لأنه لا بد لكل شي‌ء حسن أو قبيح من وجه له كان كذلك لو لا ذلك لم يكن ما حسن بالحسن أولى من القبح ، ولا ما قبح بالقبح أولى من الحسن ، فلا يخلو أن يكون الوجه كونها كذلك كالصدق والإنصاف والظلم والكذب ، أو الأمر والنهى(1) على ما يقوله المجبرة ، أو كون ذلك شكر النعمة على ما يقوله بعض أهل العدل ، أو كون الترك في العبادات مفسدة وفي القبائح مصلحة ، أو ما يقوله من كون فعل العبادات مصلحة وفعل القبائح مفسدة.

والقسم الأول ظاهر الفساد لأنه يقتضي أن يكون كل من علم الصلاة أو الزكاة علم وجههما وان(2) لم يختلف وجوبهما وقبح القبائح في الأزمان والأعيان كالصدق والكذب ، والمعلوم خلاف ذلك.

والقسم الثاني فاسد أيضا من حيث وجب كون المأمور على صفة لها حسن الأمر به قبل تعلق الأمر والنهى على صفة لها حسن النهى عنه قبل تعلقه به ، وذلك مانع من وقوف وجه الحسن على الأمر والقبح على النهى ، وانما كشف الأمر والنهى منه سبحانه عن حسن المأمور وقبح المنهي لكونه تعالى حكيما لا يأمر بقبيح ولا ينهى عن حسن. ولأن الأمر والنهى لو اقتضيا الحسن والقبح لاقتضيا ذلك في كل موضع ، فكان يقبح الصدق النهى عنه ويحسن الكذب للأمر به ، والمعلوم خلاف ذلك. ولأن صحة الأمر والنهى فرع للعلم بصدق الرسول الموقوف على النظر الواجب عن الخوف من فوت المصالح وتعلق المفاسد الحاصل قبل فعله ، فوقوف حسن الشرائع وقبحها على الأمر والنهى

__________________

(1) في بعض النسخ : أو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

(2) في بعض النسخ : علم وجههما إذ لم يختلف وجوبهما. ولعل الصحيح :

وان لا يختلف.

١١٨

يسد طريق العلم بصحتها على ما قررناه.

والثالث أظهر فسادا من حيث كان الشكر الاعتراف بالنعمة والخضوع لفاعلها وتعظيمه ، وهذه الحقيقة أجنبية من أفعال الشريعة وتروكها ، ولان شكره تعالى واجب على كل مكلف في كل حال ذكر ، والشرعيات بخلاف ذلك ، لاختصاص تكليفها بمكلف دون مكلف ، وزمان دون زمان. وليس لأحد أن يقول : فالعبادات لا تصح الا بعد أن تكون فاعلها معترفا بنعمة تعالى خاضعا بها له سبحانه ، لان ذلك من شرائط صحتها كالطهارة وستر العورة والنية وليس بوجه لها.

والرابع أبعد من الصحة لأن التعبد والنص والإشارة والتعيين توجهت الى فعل العبادات كالصلاة والزكاة ، والمحرمات كالزنا وشرب الخمر ، دون تركها ، ولو كان الترك هو المعتبر في التكليف لوجب توجه النص والتعيين اليه دون الفعل ، إذ هو المقصود.

فثبت ان الوجه ما ذكرناه.

ولأنه سبحانه قد نص على ذلك بقوله( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (1) و ( إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (2) وهذا صريح بكون الصلاة صارفة عن القبيح والخمر والميسر صارفان(3) عن الحسن.

وقلنا بما ذكرناه في الأحكام ، لان مريد النكاح متى لم يعلم الوجه الذي يقع عليه العقد الشرعي لم يحل له الوطي ، وكذلك مريد البيع والابتياع مع

__________________

(1) سورة العنكبوت ، الاية : 45.

(2) سورة المائدة ، الاية : 91.

(3) في بعض النسخ : صارفا.

١١٩

الجهل بالعقد الشرعي ، وكذلك القول في الإرث متى جهل الحكم له يحل له التصرف في الموروث ، فهو إذا متعبد بإيقاع العقد أو الفرقة على الوجه المشروع ، وعلى هذا يجري الحال في جميع الأحكام ، ورجوعها في التحقيق الى قبيل العبادات من وجه ، والتروك الشرعية من آخر ، من حيث كان امضاءها على خلاف ما قرره الشرع مكروها له سبحانه.

وإذا كان الوجه ما ذكرناه وجب على من كلف شيئا من الأفعال الشرعية أو تروكها أن يفعل ويترك الوجه(1) الذي شرع ، إذ هو المقصود متقربا به اليه سبحانه ، ولا يكون كذلك ولما يكون طائعا(2) فيه بامتثال مراده سبحانه في جميع صفاته وشروطه وأفعاله وتروكه عامدا في حاله(3) باعترافه بنعمة سبحانه وخضوعه له سبحانه ، وذلك فرع للعلم بما قدمناه من المعارف ، فمتى اختل شرط من هذه لم يكن فعله ولا اجتنابه عبادة ولا مصلحة.

__________________

(1) كذا في جميع النسخ ، والظاهر : للوجه.

(2) في جميع النسخ : طائفا والظاهر : ما أثبتناه.

(3) في بعض النسخ : حالة.

١٢٠