الكافي في الفقه

الكافي في الفقه0%

الكافي في الفقه مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 542

الكافي في الفقه

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: تقى الدين ابى الصلاح الحلبى
تصنيف: الصفحات: 542
المشاهدات: 28424
تحميل: 5612

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 542 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28424 / تحميل: 5612
الحجم الحجم الحجم
الكافي في الفقه

الكافي في الفقه

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التكليف العقلي

٤١

[ حقيقة التكليف ]

... واشترطنا(1) فرض الطاعة في المريد كالقديم سبحانه تعالى ومن خلق ، والنبي والأمة ، والامام والرعية ، والسيد وعبده ، والوالد وولده ، والمنعم على غيره بجميع ما تقوم به حياته وتكمل به مسرته ، لأنا نعلم أنه متى أراد أحد من ذكرناه ممن تلزمه طاعته شيئا سميت إرادته تكليفا ، ولا يصح ذلك في من لا طاعة له كالأغنياء والفقراء ، وانما أوجبت هذه القضية لوجوب امتثال مراد من ذكرناه وسقوط فرض الامتثال في من عداه.

واشترطنا المشقة ، من حيث كانت ارادة ما فيه لذة كالأكل والشرب ، أو ما لا لذة فيه ولا مشقة ، لا تكون تكليفا بغير شبهة.

واشترطنا الابتداء ، لأنه لو أراد من تجب طاعته ما فيه مشقة قد تقدمت ارادة غيره له كالصدق والإنصاف واجتناب الظلم والكذب وفعل الصلاة والزكاة واجتناب الزنا والربا لم يكن مكلفا ولا إرادته تكليفا من حيث كانت ارادة القديم سبحانه سابقة لإرادته.

__________________

(1) قال المؤلف في كتابه « تقريب المعارف » : فأما حقيقة التكليف فهي ارادة الأعلى من الأدنى ما فيه مشقة على جهة الابتداء والدليل على صحة ذلك أنه متى تكاملت هذه الشروط وصف المريد بأنه مكلف والإرادة بأنها تكليف والمراد منه بأنه مكلف ، ومتى اختل شرط لم يثبت شي‌ء من هذا الوصف.

٤٢

والدليل على صحة هذا الحد انه متى تكاملت الشروط التي بيناها سمى المريد مكلفا وإرادته تكليفا والمراد منه مكلفا.

وقد تجوز العلماء وأتباعهم فوصفوا المراد بأنه تكليف ، فقالوا : التكليف العقلي كذا والتكليف السمعي كذا ، يريدون بذلك ما تعلقت ارادة المكلف سبحانه [ به ] دونها وهذا مجاز وليس بحقيقة ، لتعلق(1) سبحانه دونها وكون هذه في تكليف من لا يجوز منه إيثار القبيح كالقديم سبحانه ومن علمت عصمته من الخلق ، ولذلك وجب على كل من أراد منه من يجوز منه القبيح ، النظر في مراده ، فان كان حسنا لزمه الامتثال ، وان كان قبيحا قبح الامتثال وان كان المريد منعما بما تجب له طاعته ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصيته سبحانه ، لعظم انعامه على الحي وانغمار كل نعمة لمنعم سواه في جنبه وكون ذلك فرعا له وغير منفصل.

وما أراده القديم سبحانه من الخلق على ضربين :

أحدهما طريق العلم به العقول [ ثانيهما ] طريق العلم به السمع.

والعقلي على ضربين : أحدهما العلم به من فعله تعالى في العاقل ابتداء فهو لذلك مضطر الى العلم به [ ثانيهما ] طريق العلم به نظر المكلف في الأدلة المنصوبة عليه(2) طريق به اخبار من ثبت صدقه بالبرهان أو بخطابه المعلوم إضافته إليه سبحانه.

وطريق العلم بكلامه سبحانه أحد أمرين لا ثالث لهما :

أحدهما : أن يقترن الكلام المسموع بمعجز ، كمخاطبة موسى من الشجرة واقتران ذلك بانقلاب العصا ثعبانا واليد بيضاء.

__________________

(1) هنا بياض في النسخ.

(2) هنا كلمة تقرء هكذا : والتمني.

٤٣

الثاني : أن يخبر من ثبت صدقه في كلام مخصوص انه كلامه كأخبار وأخبار عيسى ...

وخطاب حجة(1) من تأمل ذلك وجده صحيحا وما لا يوجب العلم لا يكون طريقا الى خطاب التكليف المتعلق بالمصالح التي لا يعلمها الأعلام الغيوب.

(2) في بيان التكليف الضروري ، هذا التكليف على ضربين واجب ومندوب.

والواجب على ضربين : أفعال وتروك ، والمندوب اليه كذلك.

فالأفعال الواجبة الصدق والإنصاف وشكر المنعم ورد الوديعة وقضاء الدين والتحرز من المضار.

والتروك الواجبة الكذب والظلم والخطر والاستفساد والإغراء وتكليف ما لا يطاق وارادة القبيح.

وقلنا ان العلم بوجوب تلك الأفعال وقبح هذه التروك ضروري من فعله تعالى لحصوله ابتداء لكل عاقل على وجه لا يمكنه دفعه ولا إدخال شبهة عليه ولو كان مكتسبا من فعل العالم بمعلومه لجاز خلو بعض زمان التكليف بل كله منه ، واختصاصه ببعض العقلاء ، وصحة الخروج عنه مع كمال العقل كسائر العلوم المكتسبة ، والمعلوم خلاف ذلك.

وجهة وجوب الأفعال كونها صدقا وإنصافا وشكر النعمة ، وجهة قبح التروك كونها ظلما وكذبا ، لان كل من علم إنصافا وصدقا وشكر النعمة ورد الوديعة علم بوجوبها وكل من علم ظلما وكذبا وخطرا واستقباحا علم قبحها ولو كان

__________________

(1) حججه ، كذا في بعض النسخ.

(2) هنا بياض في النسخ ، والظاهر ان الساقط كلمة « فصل ».

٤٤

لوجوب(1) الأفعال وقبح التروك.(2) ولا يجوز تعلق وجوب أفعاله وقبح تروكه بغير ما هي عليه لان ذلك يقتضي تقدم. عليه(3) وقد علمنا أنه لا تكليف قبله فثبت أن الوجه في وجوب اجتناب تروكه ما هو عليه في نفسه.

فأما الأفعال واجب.(4) تعين فرضها فالمكلف مندوب الى العزم عليها متى تعينت.

وجميعها يصح خلو العاقل من تكليفها عند كمال عقله وفي ما يليه من الأزمنة إلا التحرز من الضرر بفعل النظر الموصل إلى المعرفة الواجبة على كل عاقل في كل حال على ما نبينه ان شاء الله.

واما التروك فواجب على كل عاقل اجتنابها في كل حال ذكر للوجه الذي له قبحت فلا يصح خلو عاقل من وجوب اجتنابها.

والمندوب الى فعله الإحسان والحلم والوقار والجود والعفة وحسن السمت وحسن الصحبة والجوار ولين الكلمة والجانب والأمر بالحسن والنهى عن القبيح وأمثال ذلك.

والتروك المكروهة في مقابلة هذه الأفعال المندوبة إليها بالعكس ، ووجه حسن فعل هذه الأفعال واجتناب هذه التروك كونه إحسانا وحلما لان كل من علم ذلك علم حسنه والترغيب فيه.

(5) في بيان التكليف المكتسب.(6) العقلية شيئان : توحيد

__________________

(1) في بعض النسخ : على وجوب.

(2) هنا بياض في بعض النسخ.

(3) هنا بياض في بعض النسخ وفي بعضها الأخر هكذا : « يقتضي تقدمه عليها » من دون بياض.

(4) هنا بياض في النسخ.

(5) هنا بياض في النسخ ، والظاهر أن الساقط كلمة « فصل ».

(6) هنا بياض في النسخ.

٤٥

وعدل ، والتوحيد ينقسم.(1) فالإثبات إثبات صانع العالم سبحانه قادر.(2) حيا مريدا بإرادة يفعلها.(3) الصفات لتصح معرفته سبحانه بصفاته ونفى التشبيه عنه ليصح كونه قديما ونفى الحاجة عنه ليعلم كونه غنيا ونفى الإدراك له بشي‌ء من الحواس أنتج(4) نفى التشبيه عنه تعالى ، وأنه لا ثاني له في القدم والصفات المذكورة لكل المعرفة بالتوحيد.

والعدل تنزيه أفعاله سبحانه وما يتعلق بها من التكاليف والمباحات عن القبيح.

والواجب من هذا التكليف العلم وطريقه لوقوفه عليه ، وجهة وجوبه كونه شرطا في العلم بالثواب والعقاب وشكر المنعم الذي لا يصحان ولما يعلم المنعم المثيب المعاقب ، وهذا التكليف لا ينفك منه عاقل ، ونحن نبين وجوب العلم بهذا التكليف وجهة وجوبه والسبب الموصل اليه والأدلة المنصوبة عليه مجملا ومفصلا.

فاما الدلالة على وجوب المعرفة بالتوحيد والعدل فهي أن كل حي عند كمال عقله يجد عليه آثار نفع من كونه حيا سميعا بصيرا عاقلا مميزا قادرا متكلما مدركا للمدركات منتفعا بها يجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم ، ويعلم أنه ان كان ذلك نعمة فهي أعظم من كل نعمة لانغمارها في جنبها ، وكونها فرعا لها واستحالة انفرادها منها ، ويعلم وجوب شكر المنعم واستحقاق المدح به والذم على الإخلال بواجبة ، ويجوز أن يكون له صانع صنعه وفعل النفع به محسنا اليه به تعريضا للثواب على شكره ومعاقبا على الإخلال بحمده ويجد في عقله وجوب ...

__________________

(1) هنا بياض في النسخ.

(2) هنا بياض في النسخ.

(3) هنا بياض في النسخ.

(4) في جميع النسخ : أقبح ، والظاهر ما أثبتناه.

٤٦

المظنون والمعلوم وحسن طلب النفع المعلوم والمظنون. من يعلم نفعا هو المدح. ويظن ضررا هو العقاب فوجب لذلك عليه معرفة من خلقه وخلق النفع له ليعلم قصده فيشكره ان كان منعما فيجوز عظيم النفع من المدح والثواب وينجو من عظيم الضرر بالذم والعقاب ، ولا سبيل الى معرفته الا بالنظر في آثار صنعته [ صنعه خ ] لوقوعها بحسبه ، لعلمنا بأن من نظر في تنقل الأجسام علم حدوثها دون غيره ، ومن نظر في برهان الصفات النفسية علم ثبوتها وكيفية استحقاقها دون غيرها.

ومن نظر في برهان النبوة علم صحتها دون الإمامة ، وان العلم يكثر بكثرة النظر ويقل بقلته ، ويرتفع من دونه ، فلو كان للمعارف(1) سبب غير النظر لجاز أن ينظر العاقل في برهان حدوث الأجسام فيعلم النبوة ، وينظر في برهان النبوة فيعلم الإمامة ، ويحصل جميع المعارف للعامي المتشاغل بالتكسب المعرض عن النظر ، ولا يحصل شي‌ء منها للعاقل الناظر في الأدلة الموفي النظر حقه ، والمعلوم خلاف ذلك ، فاذا وجبت المعرفة للوجه الذي ذكرناه ولم يكن لها سبب الا النظر وجب كونه أول الأفعال الواجبة لعموم العلم لكل عاقل بوجوب ما لا يتم الواجب الا به.

وجه وجوب النظر كونه تحرزا من ضرر لولا فعله لم يأمن العاقل نزوله به من الذم والعقاب. وجه وجوب. شرطا في شكر النعمة التي يستحيل معرفتها من. بالمنعم سبحانه وأول منظور فيه الجواهر والأجناس ..

[ الدليل ] على حدوث الجواهر انها لو كانت قديمة لوجب أن يختص فيما لم يزل بجهته ، لوجوب حاجتها في الوجود إلى جهة ، وذلك الاختصاص لا يكون الا لأنفسها أو لمقتض قديم إذ كان اسناد حكم فيما لم يزل الى مؤثر

__________________

(1) للعارف خ.

٤٧

متجدد محالا ، واختصاص الجواهر بالجهات لأنفسها أو لمقتض قديم محال ، لان ذلك يقتضي استحالة خروجها عنها ، لان الحكم المسند الى النفس أو الى مقتض قديم لا يجوز بطلانه ، لاستحالة بطلان موجبه ، وفي علمنا بصحة تنقلها في(1) الجهات دليل على أنها لم يختصها لأنفسها ولا لمقتض قديم.

وأيضا فإن اختصاصها لأحد الأمرين يقتضي كونها بأسرها في جهة واحدة لتماثلها ووجوب المشاركة في صفة النفس وما وجب عنها من الحكم ان كان ذلك للنفس ، وان كان لمعنى قديم فكذلك ، لكون القديم مثلا للقديم ومشاركا له في كل ما جاز عليه ووجب له واستحال عليه ، وفي علمنا باستحالة ذلك دليل على انها لم يختص الجهات لأنفسها ولا لمقتض قديم وذلك يحيل وجودها فيما لم يزل ويقتضي تجددها بعد عدم ، وهذا هو معنى القول بحدوثها.

وإذا ثبت أن الجواهر محدثة ثبت حدوث ما حلها من الاعراض لاستحالة انفرادها منها ، وما يستحيل وجوده من دون وجود الحوادث يجب أن يكون محدثا ، وهي على ضربين :

ضرب يصح تعلقه بالمحدث وهو الاعتقادات والظنون والنظر والإرادات والكراهات والاعتماد والأصوات والألوان(2) والتأليف والالام المتولدة عن.

وضرب يستحيل تعلقه بالمحدث وهي الحياة والقدرة والشهوة والنفور بالمحدثين والعلوم الضرورية والحرارة والبرودة. والالام المبتدئة.

وقلنا بتعذر جنس الجواهر وهذه الأجناس من الاعراض على كل محدث لتوفر دواعيه إلى شي‌ء منها وخلوها من الصوارف [ الطوارق خ ] وتعذرها

__________________

(1) من.

(2) في بعض النسخ : الأكوان.

٤٨

لا لوجه يعقل ، وكل شي‌ء تعذر لا لمانع معقول فإنها تعذر للاستحالة ، وإذا ثبت خلاف هذه الأجناس وتعذرها على كل محدث ، ثبت أن لها محدثا ليس بمحدث.

وقلنا ذلك لأنا قد علمنا أن هاهنا حوادث كالكتابة والبناء وعلمنا أن لها محدثا هو من تعلقت به ، بدليل وقوعها بحسب أحواله من قصوده وعلومه وقدره واستحقاقه المدح على حسنها والذم على قبيحها ، وعلمنا انها انما احتاجت إليه في حدوثها دون عدمها وبقائها لاستغنائها في حالتي العدم والبقاء عن مؤثر لصفتي العدم والبقاء ، فيجب الحكم بحاجة كل محدث في حدوثه الى محدث.

وقد ثبت حدوث الجواهر والأجناس المخصوصة من الاعراض وتعذرها على المحدثين ، فيجب أن يكون لها محدثا مخالفا لها.

ووقوع هذه التأثيرات من جهته سبحانه يقتضي كونه قادرا لحصول العلم بكون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة لمن تعذر عليه من كان عليها وجب وصفه بقادر.

ووقوع الفعل مقتض للصحة وزيادة وحدوثها بحكمة(1) كالإنسان والفرس والبقر والفيل يقتضي كونه سبحانه عالما لافتقار صفة الأحكام الى حال زائدة على كون القادر قادرا لتعذره على أكثر القادرين ، ومن كان عليها وجب وصفه بكونه عالما.

وكونه تعالى قادرا عالما يقتضي كونه حيا موجودا بدليل تعلق المقدورات والمعلومات وصحة وقوعها من جهة واستحالة ذلك من معدوم أو موجود ليس بحي.

__________________

(1) محكمة.

٤٩

واحداثه سبحانه ما يتعذر على كل محدث دليل على كونه قديما ، إذ لو كان سبحانه محدثا لتعذر عليه ما يتعذر على المحدث.

وهذه الصفات نفسية لوجوبها له وثبوت صفة الجواز في صفات المعاني والفاعل ، لان(1) طريق إثبات المعاني وصفات الفاعل متعذرة في صفاته تعالى فثبت أنها للنفس. ومعنى ذلك أنه تعالى قادر عالم حي قديم لما هو عليه سبحانه ، لا معنى هو غيره كسواد الجسم ولا بصفة بالفاعل ككون الصوت أمرا أو خبرا.

وإذا ثبت كونه تعالى قديما وان صفاته نفسية ، ثبت استحقاقه لها فيما لم يزل ، واستحالة خروجه عنها ، من حيث اقتضى قدمه وجوده في كل حال ماضية ومستقبلة ، وثبوت الصفة المستندة إلى النفس في جميع أحوال وجود الموصوف بها ، لكونها مقتضاة عما هو عليه واستحالة وجود المقتضى وانتفاء مقتضاه.

وكونه تعالى حيا لا آفة به يقتضي وصفه سبحانه بسميع بصير ، ويوجب إثباته مدركا متى وجدت المدركات ، بدليل وصف الحي الذي لا آفة به بسميع وبصير ، ووجوب حصول حكم الإدراك متى وجد المدرك وارتفعت الموانع.

ووقوع أفعاله تعالى على وجه دون وجه وفي حال دون حال دليل على انه سبحانه مريد ، لعلمنا بافتقار ذلك الى أمر زائد على كون الحي قادرا عالما لأنه قد يقدر على أشياء ، ويعلم أشياء كثيرة ، ويؤثر إيجاد بعضها دون بعض ، وفي حال دون اخرى ، وعلى وجه دون وجه ، كالقادر على التجارة والكتابة والعالم بضروبهما قد يؤثر الكتابة مرة ، والتجارة أخرى ، ويقصد الى نوع من إحديهما دون نوع ، وفي حال دون حال ، مع تساوي الكل في كونه مقدورا معلوما له ، فاقتضى ذلك ثبوت صفة له زائدة على كونه قادرا عالما ، تلك الصفة

__________________

(1) ولأن.

٥٠

هي كونه مريدا.

وإرادته تعالى فعله(1) لان كونه مريدا لنفسه أو لمعنى قديم يقتضي قدم المرادات ، أو كونه عازما ، وكلا الأمرين مستحيل. وكونها من فعل قديم غيره فاسد بما نذكره من فساد إثبات قديم ثان. والحدوث ( كذا )(2) لا يقدر على فعل الإرادة لغيره ، لأنها لا يقع الا مبتدءا ، وابتداء الفعل بالقدرة في غير محلها محال.

وهي موجودة لا في محل ، لان حلولها فيه تعالى لا يجوز ، لان المحل لا يكون الا متحيزا وقد دللنا على حدوث المتحيزات وقدمه سبحانه ، ولا يجوز حلولها في غيره من حي ولا جماد ، لأن حلولها في الجماد مستحيل من حيث كانت مما يوجب حالا لحى ، وحلولها في حي يوجب رجوع حكمها اليه دونه تعالى ، لان المحل بحكم ما حله أولى ، فثبت وجودها لا في محل ، ولوجودها على هذا الوجه الذي له ، انقطعت عن(3) كل حي ما أوجب(4) اختصاصها(5) به تعالى. ولا يعجب من هذا ذو فطنة بهذا العلم ، لأنه إذا ثبت كونه تعالى مريدا وفسد أن يكون مريدا لنفسه أو لمعنى قديم ثبت انه مريد بإرادة يستحيل أن تحله أو تحل غيره ، اقتضى ذلك وجودها لا في محل ، وزال التعجب مما اقتضاه البرهان.

ولا صفة له سبحانه زائدة على ما أثبتناه ، من حيث كان طريق إثباته تعالى

__________________

(1) في بعض النسخ : فعلمه ، والظاهر أنه تصحيف.

(2) قال في تقريب المعارف : وكونها من فعل غيره من المحدثين محال لان المحدث لا يقدر على فعل الإرادة في غيره لاختصاص احداثها بالابتداء وتعذر الابتداء من المحدث في غيره.

(3) على.

(4) ما وجب.

(5) اختصاصه.

٥١

الفعل ، فيجب أن يقف إثبات صفاته على صفات الفعل ، وليس الفعل ( للفعل ظ ) الا ثلاث صفات : مجرد وجوده وهو دال على كون فاعله قادرا ، وأحكامه وهو دال على كون محكمه عالما ، وترتبه على الوجوه وفي الأحوال وهو دال على أن مرتبة مريد ، وإثبات صفة لا يدل عليها الفعل بنفسه ولا بواسطة محال ، ولأنه لا حكم لصفة زائدة ، وإثبات ما لا حكم له كنفيه ، وإثبات ما لا فرق في إثباته ونفيه جهالة.

ان قيل : فقد أثبت له تعالى صفات زائدة على كونه تعالى قادرا عالما مريدا فما وجهها؟ قيل : لم نثبت الا ما له تعلق بهذه الصفات ، أما كونه تعالى حيا موجودا فلثبوت كونه قادرا عالما لاستحالة ثبوت حال القادر العالم لمن ليس بحي موجود. وأما كونه مدركا سميعا بصيرا فمن أحكام كونه حيا. وكون هذه الصفات نفسية(1) في استحقاقها وليس بأمر زائد على ثبوتها.

وثبوت كونه تعالى قديما مقتض لكونه سبحانه غنيا تستحيل عليه الحاجة لأن الحاجة لا تكون الا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان الا على من يلذ ويألم لان الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له ويستضر بما يألم به أو يغتم لأجله ، واللذة والألم لا يجوزان الا على ذي شهوة ونفور إذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه ، ومعنى الم أنه أدرك ما ينفر عنه ، ومعنى مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع اليه أو الى من يجرى مجراه واندفاع ضرر ، ومعنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو الى من يجرى مجراه أو فوت نفع ، فعاد معنى السرور والغم الى النفع والضرر.

إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر الى محل استحال تخصيصها

__________________

(1) قال في تقريب المعارف : وكونها نفسية كيفية في استحقاقها.

٥٢

به تعالى ، لاستحالة كونه سبحانه محلا للاعراض ، ولأنه لا دليل من جهة الفعل ( كذا ) إلى إثباته تعالى مشتهيا ولا نافرا ، وإذا استحال عليه تعالى الشهوة والنفور استحال عليه اللذة والألم [ وإذا استحال عليه اللذة والألم(1) ] استحال الضرر والنفع ، وإذا استحال الضرر والنفع استحالت عليه تعالى الحاجة ، واستحالتها يقتضي كونه غنيا.

وثبوت قدمه وحدوث الجواهر والاعراض يحيل كونه تعالى مشتهيا لشي‌ء من الجنسين ، لان ذلك يقتضي حدوثه أو قدمهما ، وكلا الأمرين محال.

وكونه تعالى لا يشبه شيئا يحيل إدراكه سبحانه بشي‌ء من الحواس لاختصاص الإدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الاعراض ، وليس هو من الجنسين ، فاستحال إدراكه تعالى.

ولأنه لو كان مما يصح أن يدرك بشي‌ء من الحواس لوجب أن ندركه(2) الان لأنا على الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع ، وهو سبحانه موجود والموانع مستحلية عليه لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة ، وذلك اجمع من صفات المتحيزات ، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها ، فلو كان مما يصح أن يدرك لأدركناه الان ، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل ، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم إدراكه [ وعدم إدراكه ](3) مع وجوبه لو كان ممن يدرك تعالى دليل على استحالة الإدراك عليه.

__________________

(1) هذه الجملة زدناها بمقتضى السياق.

(2) في بعض النسخ : يدرك.

(3) هذه الجملة زدناها بمقتضى ترتيب العبارة.

٥٣

وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئا يحيل عليه التنقل والاختصاص بالحياة(1) والمجاورة لأن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز.

ويحيل عليه سبحانه الحلول وإيجاب الأحوال والأحكام ، لان ذلك من خواص الاعراض ، فيسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الأصنام والمنجمين والنصارى والغلاة ، لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره على ما سلف بيانه.

وكونه تعالى بهذه الصفات يقتضي تفرده سبحانه بها ويحيل إثبات ثان له فيها من حيث لو كان هناك قديم ثان لوجب أن يستحق جميع ما بيناه استحقاق فاعل العالم له من الصفات الواجبة والجائزة إثباتا ونفيا فيؤدى ذلك الى إثبات ذاتين لا حكم لهما يزيد على حكم الذات الواحدة وإثبات ذلك محال ، فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له. وقلنا ذلك لان القدماء لو كانوا مائة فما زاد لم تزد حالهم عليه لو كان واحدا ، ولا يميز فعلهم من فعل قديم واحد ، من حيث كان كل ما تصح إضافته الى هذا العدد تصح إضافته إلى القديم الواحد سبحانه ، فصار إثبات ما زاد على واحد لا حكم له ، ولا سبيل الى تميزه ، ولا فرق بين إثباته ونفيه ، وما هذه حاله لا يصح إثباته ، لكون ذلك تجاهلا ومفضيا الى كل جهالة فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له.

وأيضا فلا دليل من جهة العقل على إثبات قديم ثان وقد ورد السمع المقطوع على إضافته إلى القديم سبحانه بنفي ثان له تعالى وهو مما لا يجوز عليه سبحانه الكذب فوجب لذلك القطع على كونه واحدا ، ودلالة السمع على التوحيد آكد من دلالة العقول لاحتمال جميعها لدخول الشبهة المشكلة في التوحيد وبعد ذلك عن برهان السمع.

__________________

(1) كذا في جميع النسخ ، ولعل الصحيح : بالجهات.

٥٤

فصل في مسائل العدل(1)

معنى قولنا : انه تعالى عادل هو أنه لا يخل(2) بواجب في حكمته ولا يفعل قبيحا ، وإذا ثبت بالبرهان كونه تعالى عالما لا يجهل شيئا وغنيا لا يحتاج إلى شي‌ء ثبت كونه عادلا من حيث كان وقوع القبيح لا يصح الا لجهل به أو لسهو عنه أو حاجة اليه ، وكل ذلك مستحيل فيه تعالى ، فيجب القطع على كونه عادلا والحكم بجميع أفعاله وما يتعلق بها بالحسن.

وهذا القدر كاف في تنزيهه سبحانه عن القبيح على جهة الجملة ، وان فقدنا العلم بوجه الحسن في كل منها على جهة التفصيل ، غير أنا نسلك منهج السلفرضي‌الله‌عنه في بيان وجه الحكمة في جميع ما فعله سبحانه وأمر به وأباحه على جهة التفصيل لتكمل الفائدة وتسقط الشبهة في ذلك من كل وجه.

فأول ذلك إثبات العقل طريقا الى العلم بوجوب واجبات وقبح قبائح وجبت وقبحت لما هي عليه ليكون الكلام في العدل وفساد الجبر مبنيا على ذلك وقد سلف بيان ذلك وأوضحنا أن العلم بوجوب الصدق والإنصاف وسائر الواجبات الأولة وقبح الظلم والكذب وسائر القبائح الأولة ضروري من أوائل العقول لا تعلق للعبد به ، وأنه انما وجبت الأفعال لكونها صدقا وإنصافا وقبحت التروك لكونها ظلما وكذبا فأغني عن إعادتها ههنا.

وإذا ثبت ذلك وجب إثباته سبحانه قادرا على القبيح ليصح تنزيهه عنه ، والدالة على ذلك ثبوت كونه تعالى قادرا لنفسه ، وذلك يقتضي كونه سبحانه

__________________

(1) كلام في معنى العدل. كذا في بعض النسخ.

(2) في النسخ : لا يحيل.

٥٥

قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا ، والقبيح من جملة المقدورات بغير شبهة فيجب أن يكون قادرا عليه.

وأيضا فإن صفة القبح وجه للفعل كالحسن(1) وليس بجنس فيجب لكونه تعالى قادرا على سائر الأجناس أن يكون قادرا على وجوهها التي يحدث عليها.

ومنع النظام(2) من كونه تعالى قادرا على القبيح لما يؤدي إليه من الجهل أو الحاجة المستحيلين عليه سبحانه أو انقلاب دلالة القبيح.

وذلك فاسد كاشف عن جهله بكون القديم سبحانه قادرا لنفسه ، إذ لو علم ذلك وكونه مقتضيا للقدرة على كل ما يصح كونه مقدورا مع علمه بكون القبيح مقدورا للعباد لم ينف كونه تعالى قادرا على القبيح.

وكذلك لو علم ان من حق القادر على الشي‌ء أن يكون قادرا على جنس ضده مع علمه بأنه قادر على الحسن(3) لم ينف كونه قادرا على القبيح ، جنسا كان القبح(4) أو وجها. وهذا يدل على جهله بالتوحيد والعدل.

فأما شبهته فمبنية على فرض وقوع القبيح ، وذلك بناء فاسد ، لأنه سبحانه لا يفعل شيئا إلا لداع مقصود ، لاستحالة السهو والعبث عليه ، ولا داع الى القبيح الا الحاجة وهي مستحيلة فيه سبحانه ، فلم يبق له داع اليه فاستحال منه فعله وان كان قادرا عليه ، وسقط لذلك تقدير النظام.

__________________

(1) في جميع النسخ : كالجنس ، والصحيح ما أثبتناه ، راجع تقريب المعارف للمؤلف باب العدل.

(2) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام ، توفي سنة 231. ويطلق على أصحابه النظامية.

(3) في جميع النسخ : الجنس ، والصحيح ما أثبتناه.

(4) في جميع النسخ : القبيح.

٥٦

وهو سبحانه لا يفعل القبيح لما قدمناه من علمه بقبحه وبأنه غنى عنه لأن صفة القبح صارف قوى فلا يصح أن يفعله الا من جهل ثبوتها أودعته الحاجة الى الفعل أو الترك لينفى الصارف بالجهل أو يقابل داعي الحاجة لصارف القبح.

وكونه تعالى لا يفعل القبيح مقتضيا أن لا يريده ، من حيث لو أراده لم يرده إلا بإرادة يفعلها على ما سلف بيانه ، وارادة القبيح قبيحة ، لأن كل من علمها ارادة لقبيح علم قبحها ، وذلك مقتض لكونه تعالى فاعلا للقبيح وقد بينا فساده(1) فثبت أنه لا يريد القبيح ، وإذا ثبت أنه سبحانه لا يريد القبيح ثبت أنه كاره له ، لأنه لا يجوز أن يخلو ما كلفه تعالى من الإرادة والكراهة.

وكذلك وجب كونه تعالى مريدا لما فعله وكلفة ، لاستحالة فعله ما لا غرض فيه ، وتكليف ما لا يريده ولا يكرهه ، فما علمناه مرادا له سبحانه حكمنا بحسنة فإن علمناه كارها للإخلال به وجب الحكم بوجوبه ، وما علمناه مكروها له حكمنا بقبحه ووجوب اجتنابه.

وكونه تعالى مكلفا فعل المثلين والمختلفين والضدين واجتناب ما له هذا الحكم موجب إقدار المكلف على ذلك قبل وقوعه ومزيحا لعلته بالتمكين منه والعلم به واللطف فيه ، وكون ذلك شاقا مقتض لكونه وصلة الى ما لا يحسن الابتداء به من النفع ، لان خلاف ذلك ينقض كونه سبحانه عادلا.

ويحسن توضيح برهان ما أجملناه مفصلا :

أما برهان كون المكلف قادرا فهو أنا نعلم تعلق التأثيرات به ووقوعها من جهته وذلك مقتض لكونها من فعله على ما نبينه ، وكونه فاعلا فرع لكونه قادرا لاستحالة النظر ليس بقادر(2) .

__________________

(1) في جميع النسخ : وقد امناه ، والظاهر ما أثبتناه.

(2) كذا في جميع النسخ ، والظاهر ان العبارة ناقصة.

٥٧

ولأنا نعلم حيا يصح منه التصرف في الجهات وحمل الثقيل وحيا لا يصح منه ذلك فيجب أن يكون من صح منه الفعل على صفة ليست حاصلة لمن تعذر عليه لو لا ثبوتها له وانتفاؤها عن الأخر لصح الفعل منهما معا أو تعذر عليهما ومن كان على تلك الصفة سماه أهل اللغة العربية قادرا ، وقلنا انه فاعل لعلمنا بوجوب وقوع التأثيرات المتعلقة به بحسب أحواله من قصوده وعلومه وقدره(1) ولو كانت فعلا لغيره لجاز أن يقصد الذهاب يمنة فيقع يسرة ، ويقصد إلى الكتابة فيقع البناء ، ويقع الكتابة من الأمي ويتعذر على القادر العالم بها ، ويصح حمل الثقيل في الضعيف ويتعذر الخفيف على الأيد القوى ، والمعلوم خلاف ذلك.

وأيضا فمن المعلوم توجه المدح والتعظيم الى من تعلق به التأثير الحسن ، والذم والاستخفاف الى من تعلق به التأثير القبيح ، والذم والاستخفاف والمدح والتعظيم توابع لحدوث الفعل على وجه الحسن أو القبح(2) ، فيجب تعلق صفتي الحسن والقبح(3) بمحدث الحسن والقبيح(4) لاستحالة تعلقهما بغيره.

ولأنا نعلم قبح مدحه أو ذمة على خلقه وهيأته ، فلو كان حكم التأثيرات حكمها لقبح مدحه وذمه على شي‌ء منها كقبحه على صورة وبناء(5) ، واختلاف(6) الحال دليل واضح على تعلق التأثيرات بقدوره(7) وتعلق خلقه بالقديم سبحانه.

__________________

(1) قدوره ظ.

(2) في بعض النسخ : القبيح.

(3) في بعض النسخ : القبيح.

(4) في بعض النسخ : القبح.

(5) كذا في جميع النسخ.

(6) في بعض النسخ : « وبناء اختلاف » بدون الواو.

(7) في بعض النسخ : بمقدوره.

٥٨

ومتى علمنا قادرا في الشاهد علمنا(1) تعلقه بالمتماثلات من مقدورات العباد كالأكوان في الجهة الواحدة والإرادة والكراهات والعلوم المتعلق كل منها بمتعلق واحد في وقت واحد على وجه واحد ، وبالمختلفات كالعلم والإرادة والعلوم المتعلقة بمعلومات مختلفة والإرادات المتعلقة بمرادات متغايرة أو بمعلوم أو مراد على وجوه مختلفة وبالضدين كأكوان في الجهات والعلوم وما يضاد كل واحد منها من الجهل والظن والإرادات وما يضادها من الكراهات(2) ، فلا يخلو أن يكون ذلك لان كل قدرة توجب هذا التعلق أو لأن لكل متعلق قدرة تخصه ، والثاني باطل لأنه يؤدى الى وجوب عدة قادرين تصح منهم الإرادة دون الكراهة ، والجهل دون العلم ، والكون في جهة دون جهة ، والمعلوم فساد ذلك ، فثبت إيجاب كل قدرة حال التعلق بالأمثال والمختلفات والأضداد ، وتعلق القادر بالضدين يوجب تقدم كونه قادرا لكونه فاعلا لأن القدرة لو وجب مصاحبتها للفعل مع تعلقها بالضدين لاقتضى ذلك وجود الضدين مع استحالته.

وأيضا فإن حاجة المقدور إلى القدرة ليخرج بها من العدم الى الوجود ، فيجب متى وجد أن يستغنى عنها كاستغنائه في حال البقاء ، وذلك يوجب تقدم القدرة عليه في الوجود ، وتأثير القدرة إيجاب حال الحي لها(3) يصح منه الفعل ، لأنها متى وجدت أوجبت هذه الحال ، وتأثير القادر يختص بالأحداث لان صفتي العدم والبقاء غير متعلق بقادر ، فلو لم يختص تأثيره بالأحداث لم يكن بين الفعل والفاعل تعلق.

وأما برهان تمكينه مما كلف فحكمة مكلفة سبحانه تقتضي تمكينه بصحة

__________________

(1) في بعض النسخ : علينا.

(2) في بعض النسخ : المكروهات.

(3) كذا في النسخ ، ولعل الصحيح هكذا : حال للحي بها.

٥٩

البنية فيما يحتاج من التكاليف إليها كاليد والرجل واللسان والاذن ، وأقداره على تحصيل ما يحتاج الفعل اليه من الآلات كالسيف والقوس ، وتبقيته الى أن يؤدى أو يمضى من الزمان ما يصح فيه الأداء كالحج ، أو تكميل العلم كالمعارف ، وفعل العلم فيه بحيث(1) لا مصلحة بكون العلم مكتسبا كالعلم الأول بوجوب الصدق والإنصاف وقبح الكذب والظلم ، وتكليفه تحصيل العلم بما لا يقوم فعله سبحانه فيه مقام اكتسابه في التوحيد والعدل ، وأقداره على فعل السبب المولد له وهو النظر ، وتبقيته الزمان الذي يصح فيه اكتساب العلوم ، ووقوف تكليفه على كونه مخيرا غير ممنوع ولا ملجأ ، واستصلاحه بما يدعوه الى الحسن ويصرفه عن القبيح من غنى أو فقر أو سقم ، وبيان ما له هذا الحكم من فعله كالرئاسة بالنبوة أو الإمامة والشرائع ، لأن تكليفه من دون التمكين تكليف ما لا يطاق ، ومن دون اللطف قبيح ، من حيث كانت علة المكلف غير مزاحة ، وقبح منعه كمنع التمكين.

يوضح ذلك أن من صنع طعاما لقوم يريد حضورهم إحسانا إليهم فعلم أو ظن أنهم لا يأتون الا برسوله فلم يرسل إليهم مع إقامته على ارادة الحضور يستحق الذم كما لو أغلق الباب من دونهم ، فاذا كان القديم سبحانه مريدا بالتكليف نفع المكلف وعلم سبحانه أنه لا يختاره الا أن يفعل فعلا أو يفعل هو فعلا وجب عليه أن يفعل سبحانه ما يختص به ويبين للمكلف ما يختص بمقدوره كما يجب في حق التكليف تمكين المكلف ، لثبوت صفة القبح في منع اللطف كثبوتها مع منع التمكين.

وبرهان حسن التكليف كونه تعريضا لنفع لا يحسن الابتداء به ، والتعريض

__________________

(1) حيث. ظ.

٦٠