تربية الطفل في الإسلام

تربية الطفل في الإسلام 0%

تربية الطفل في الإسلام مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 114

تربية الطفل في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 114
المشاهدات: 27171
تحميل: 4535

توضيحات:

تربية الطفل في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27171 / تحميل: 4535
الحجم الحجم الحجم
تربية الطفل في الإسلام

تربية الطفل في الإسلام

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة) (1) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أحبّوا الصبيان وارحموهم، فإذا وعدتموهم فوفّوا لهم، فإنّّهم لا يرون إلاّ أنكم ترزقونهم) (2) .

ومن مصاديق محبّة الطفل وإشعاره بمكانته التشجيع له، ومدحه على ما ينجزه من أعمال وإنْ كانت يسيرة، والتجاوز عن بعض الهفوات، وعدم تسفيه أقواله أو أعماله، وعدم حمله على مالا يطيق كما جاء في قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رحم الله مَن أعان ولده على بِرّه... يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به...) (3) .

وتقبيل الطفل من أفضل الوسائل لإشعاره بالحب والحنان، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكثروا من قبلة أولادكم، فإنّ لكم بكلِّ قبلة درجة في الجنّة) (4) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن قبّل ولده كان له حسنة، ومَن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة...) (5) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم) (6) .

ومن مصاديق إشعار الطفل بأنّه محبوب إسماعه كلمات الحبّ والودّ

____________________

(1) مستدرك الوسائل 2: 626.

(2) مكارم الأخلاق: 219.

(3) الكافي 6: 50 | 6 باب بِرّ الأولاد.

(4) مكارم الأخلاق: 220.

(5) عدّة الداعي: 79.

(6) تحف العقول: 267.

٦١

ففي روايةٍ: (جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه، وأخذ الآخر فضمّه إلى إبطه الآخر، وقال: (هذان ريحانتاي من الدنيا)) (1) .

ومن أجل إشعار الطفل بمكانته الاجتماعية لتتعمّق الثقة بنفسه، كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يسلّم على الصغير والكبير كما جاء في الخبر أنّه: (مرّ على صبيان فسلّم عليهم) (2) .

وتعامل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع الحسن والحسين تعاملاً خاصاً، فقد (بايع الحسن والحسين وهما صبيّان) (3) .

وإشعار الطفل بالحب والحنان من أهم العوامل التي تساعده على الطاعة والانقياد للوالدين (4) .

والأفضل أن يكون إشعار الطفل بأنّه محبوب مرافقاً له في كلِّ الأوضاع والأحوال، حتّى وإنْ أخطأ أو ارتكب ما يوجب التأنيب أو العقاب، والأفضل أن نجعل الطفل مميّزاً بين الحب له وعدم كراهيته في حالة خطئه أو ذنبه، يقول الدكتور سپوك: (إنّنا كآباء يجب أن لا نجعل الطفل يشعر في أي مرحلة من مراحل عمره بأنّه منبوذ، ولو حتى بمجرّد نظرة عين، إنّ الطفل لا يستطيع أن يفرّق بين كراهية والديه لسلوكه وبين

____________________

(1) مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور 7: 14 ـ دار الفكر 1405 هـ ط1.

(2) مستدرك الوسائل 2: 69.

(3) تحف العقول: 337.

(4) قاموس الطفل الطبّي: 328.

٦٢

كراهيّتهما له) (1) .

ولكن بالتدريب وتكرار العمل يمكننا أن نقنع الطفل بأنّ العمل الخاطئ الذي يرتكبه مبغوضاً من قِبل والديه، أو من قِبل المجتمع مع بقاء المحبوبية له، ونحاول إقناعه بالإقلاع عن الأعمال الخاطئة، وإشعاره بأنّ الحب والحنان سيصل إلى أعلى درجاته في هذه الحالة.

خامساً: التوازن بين اللين والشدّة

تكريم الطفل والإحسان إليه وإشعاره بالحب والحنان، وإشعاره بمكانته الاجتماعية، وبأنّه مقبول عند والديه وعند المجتمع، يجب أنْ لا يتعدّى الحدود إلى درجة الإفراط في كلِّ ذلك، وأن لا تُتْرك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء، فلابدّ من وضع منهجٍ متوازن في التصرّف معه من قِبل الوالدين، فلا يتساهلا معه إلى أقصى حدود التساهل، ولا أن يُعنَّف على كلِّ شيء يرتكبه، فلا بدّ أنْ يكون اللين وتكون الشدّة في حدودهما، ويكون الاعتدال بينهما هو الحاكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام واطمئنان، يميّز بين السلوك المحبوب والسلوك المنبوذ؛ لأنّ السنين الخمسة الأُولى أو الستة من الحياة هي التي تكوّن نمط شخصيته.

وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.

____________________

(1) مشاكل الآباء: 141.

٦٣

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (شرّ الآباء من دعاه البرّ إلى الإفراط..) (1) وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية، على الوالدين أنْ يُشعِرا الطفل بأضرار هذه المخالفة وإقناعه بالإقلاع عنها، فإذا لم ينفع الإقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني، والعقوبة العاطفية خيرٌ من العقوبة البدنية، كما أجاب الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) حينما سُئِل عن كيفيّة التعامل مع الطفل؛ فقال: (لا تضربه واهجره... ولا تطل) (2) .

وقد أكّدت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.

فالإمام لا يدعو إلى اللين والتساهل مع الطفل في حالة تكرار الأخطاء، كما لا يدعو إلى استمرار العقوبة العاطفية وهي الهجر، وإنّما يدعو إلى الاعتدال والتوازن بين اللين والشدّة.

والإفراط أو التفريط يؤدّي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخلقية.

ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم، أنْ يحدث التوازن بين المدح والتأنيب، فالمدح الزائد كالتأنيبْ الزائد يؤثّر على التوازن الانفعالي للطفل، ويجعله مضطرباً قلقاً، فالطفل (الناشئ في ظل الرأفة الزائدة لا يطيق المقاومة أمام تقلّبات الحياة، ولا يستطيع الصراع معها) (3) .

وقد أكّدت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.

ويتأخّر النضوج العاطفي عند الطفل المدلّل، (وتطول فترة الطفولة

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 320

(2) بحار الأنوار 23: 114.

(3) الطفل بين الوراثة والتربية 2: 180 عن كتاب نحن والأبناء 39.

٦٤

لديه) (1) فيبقى محتاجاً لوالديه في كلِّ المواقف التي تواجهه وتستمر هذه الحالة معه حتى في كبره، فنجد في واقعنا الاجتماعي أطفالاً أو كباراً ينتظرون من المجتمع أن يلبّي مطالبهم أو يؤيّد آرائهم، أو يمدحهم ويثني عليهم، فهم لا يستطيعون مواجهة المشاكل التي تقف في طريق تلبية طموحاتهم، ونفس الكلام يأتي في سلوك الطفل المنبوذ، أو المتعرّض للإهانات أو التأنيب الزائد من قِبل والديه، ومحاسبته على كلِّ شيء يصدر منه، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإفراط في الملامة يشبّ نيران اللجاج) (2) .

ولذا نجد في المجتمع أنَّ الأحداث المنحرفين المتصفين بصفات عدوانية اتجاه الآخرين، كانوا معرّضين للإهانات والعقوبات المستمرّة.

وعلى الوالدين أنْ يضعوا للأطفال برنامجاً يوضّحون لهم المحبوب والمذموم من الأعمال، ويكون المدح أو التأنيب منصبّاً على العمل المرتكَب؛ لكي نزرع في قلوبهم حبّ الأعمال الصالحة وبغض الأعمال غير الصالحة، وأن تعمل على تقوية الضمير في نفس الطفل في هذهِ المرحلة حتى يكون صمّاماً له في المستقبل، فنزرع في قلبه الخوف من ارتكاب العمل غير الصالح والشوق إلى العمل الصالح، بدلاً من الخوف من العقوبة أو الشوق إلى المدح والإطراء، وعلى الوالدين أن يجعلوا المدح أو التأنيب خالصاً من أجل تربية الأطفال، وأن لا يعكسوا أوضاعهم النفسية في التربية، كمَن يواجه مشكلة فيصّب غضبه على

____________________

(1) علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 535.

(2) تحف العقول: 84.

٦٥

الطفل دون أي مبرّر.

وفي هذا الصدد (نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الأدب عند الغضب) (1) وهنالك بعض الحالات يجب على الوالدين الانتباه إليها لكي لا تأتي على عقل الطفل وعواطفه بآثار عكسيّة، فمثلاً: يقوم الطفل بكسر شيء ثمين فيصيبه الفرح؛ لأنّه يرى نفسه قد أقدم على شيء جميل بأن حوّل هذا الشيء إلى شيئين عن طريق عملية الكسر، فهو يحتاج في نظره إلى مدح وثناء، وهنا تأتي بدلاً من المدح العقوبة فيتفاجأ الطفل، وتكون للعقوبة تأثيراتها النفسية عليه.

وفي حالات أُخرى يكون الطفل بحاجة إلى التأنيب أو الذّم أو الهجران، أو العقوبة البدنية أحياناً، كما يقول الدكتور سپوك: (إنّ الأطفال في معظم الأحوال يفرحون؛ لأنّ الوالد قد وضع حدّاً لوقاحتهم) (2) .

والطفل في حالة مرضه بحاجة إلى الرعاية المتوازنة فلا إفراط ولا تفريط، فلا اهتمام زائد ولا عدم اهتمام، والتوازن أفضل، وهو إشعاره بالاهتمام في حدوده المعقولة؛ لأنّ (طريقة المبالغة التي تتبعها الأُمّهات عندما يُصاب أطفالهن بالمرض؛ تؤثّر على نفسيّة الطفل في الكبر... يخلق منه طفلاً مكتئباً كثير الشكوى سريع الانفعال) (3) .

ويجب مراعاة وحدة الأُسلوب التربوي من قِبل الوالدين، والاتفاق

____________________

(1) بحار الأنوار 79: 102.

(2) مشاكل الآباء: 75.

(3) قاموس الطفل الطبّي: 278.

٦٦

على منهجٍ واحدٍ من أجل أنْ يتعرّف الطفل على الصواب والخطأ في سلوكه، فلو استخدم الأب التأنيب مع الطفل لخطأ معيّن، فعلى الأُم أن لا تخالف الأب في ذلك، وكذا الحال في المدح؛ لأنّ (الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين... كتناقضات أُسلوب المعاملة، كالتذبذب بين التسامح والشدّة... والتدليل والإهمال، وتكون نتيجة هذه التطوّرات: إمّا خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة والإحباط والوسواس من ناحية، أو المغالاة في الاعتماد على الغير والسلوك المدلّل وضعف الشخصية من ناحية أُخرى) (1) .

سادساً: العدالة بين الأطفال

الطفل الأول في الأُسرة يكون موضع حب وحنان وعناية من قِبل والديه؛ لأنّه الطفل الأول والطفل الوحيد، فيُمنح الاهتمام الزائد، والرأفة الزائدة، وتُلبّى كثيراً من حاجاته المادية والنفسية، فنجد الوالدين يسعيان إلى إرضائه بمختلف الوسائل، ويوفرّون له ما يحتاجه من ملابس وألعاب وغير ذلك من الحاجات، ويكون مصاحباً لوالديه في أغلب الأوقات سواء مع الأُم أو مع الأب أو مع كليهما، وبعبارة أُخرى يلقى دلالاً واهتماماً استثنائياً. ومثل هذا الطفل وبهذه العناية والاهتمام، سيواجه مشكلة صعبة عليه في حالة ولادة الطفل الثاني، وتبدأ مخاوفه من الطفل الثاني؛ لأنّه سيكون منافساً له في كلِّ شيء، ينافسه في حب الوالدين ورعايتهم له، وينافسه في منصبه باعتباره الطفل الوحيد سابقاً، وينافسه في ألعابه،

____________________

(1) أضواء على النفس البشرية، للدكتور الزين عباس عمارة: 302 ـ دار الثقافة 1407 هـ ط1.

٦٧

وتبدأ بوادر الغيرة عليه منذ أول يوم الولادة، إذ ينشغل الوالدان بالوضع الطارئ الجديد وسلامة الوالدة والطفل، فإذا لم ينتبه الوالدان إلى هذه الظاهرة، فإنّ غيرة الطفل الأول ستتحوّل بالتدريج إلى عداء وكراهية للطفل الجديد، وينعكس هذا العداء على أوضاعه النفسية والعاطفية، ويزداد كلمّا انصبّ الاهتمام بالطفل الجديد وأُخرج الطفل الأول عن دائرة الاهتمام، فيجب على الوالدين الالتفات إلى ذلك والوقاية من هذه الظاهرة الجديدة، وإبقاء الطفل الأول على التمتّع بنفس الاهتمام والرعاية وإشعاره بالحب والحنان، وتحبيبه للطفل الثاني، وإقناعه بأنّه سيصبح أخاً أو أُختاً له يسلّيه ويتعاون معه، وأنّه ليس منافساً له في الحب والاهتمام، ويجب عليهما تصديق هذا الإقناع في الواقع بأن تقوم الأُم باحتضانه وتقبيله، ويقوم الأب بتلبية حاجاته أو شراء ألعاب جديدة له، إلى غير ذلك من وسائل الاهتمام والرعاية الواقعية، والحل الأمثل هو العدالة والمساواة بين الطفل الأول والثاني؛ فإنّها وقاية وعلاج للغيرة والكراهية والعداء.

وتتأكّد أهميّة العدالة والمساواة كلمّا تقدم الطفلان في العمر، إذ تنمو مشاعرهما وعواطفهما ونضوجهم العقلي واللغوي بالتدريج يجعلهما يفهمان معنى العدالة ومعنى المساواة، ويشخّصان مصاديقها في الواقع العملي، وقد وردت الروايات المتظافرة لتؤكّد على إشاعة العدالة بين الأطفال.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف) (1) .

والعدالة بين الأطفال مطلقة وشاملة لكلِّ الجوانب الحياتية التي تحيط

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 220.

٦٨

بالأطفال في جانبها المادي والمعنوي، أي في إشباع حاجاتهما الماديّة، وحاجاتهما المعنوية للحب والتقدير والاهتمام.

جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أنّه نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (فهلاّ ساويت بينهما)) (1) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ الله تعالى يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل) (2) .

وأكدّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على العدالة في العطاء والهدية، سواء في الأكل والشرب والثياب والألعاب إلى غير ذلك، كما جاء في قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ساووا بين أولادكم في العطيّة، فلو كنت مفضّلاً أحداً لفضلّتُ النساء) (3) .

وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبّون أن يعدلوا بينكم في البرّ واللطف) (4) .

والعدالة لا تعني عدم التفضيل بين الأطفال، فبعض الأطفال يكونون أكثر جاذبية من بعض من قِبل الوالدين، فعن رفاعة الأسدي قال: (سألت أبا الحسن ـ موسى بن جعفر (عليه السلام) ـ عن الرجل يكون له بنون وأُمّهم ليست بواحدة، أيفضّل أحدهم على الآخر؟ قال (عليه السلام): (نعم، لا بأس به، قد كان أبي (عليه السلام) يفضلّني على أخي عبد الله)) (5) والتفضيل يجب أن يكون مستوراً لا يظهره أمامهما ويحتفظ به في

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 221.

(2) كنز العمّال 16: 445 | 45350.

(3) كنز العمّال 16: 444 | 45346.

(4) كنز العمّال 16: 444 | 45347.

(5) مكارم الأخلاق: 221.

٦٩

مشاعره القلبيّة، أمّا في الواقع فلا يعمل إلاّ بالعدالة والمساواة، كما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (قال والدي: والله لأُصانع بعض ولدي وأُجلسه على فخذي وأُكثر له المحبّة، وأُكثر له الشكر، وإنّ الحق لغيره من ولدي، ولكن محافظةً عليه منه ومن غيره؛ لئلاّ يصنعوا به ما فعل بيوسف إخوته) (1) ؛ لأنّ عدم العدالة له تأثيره السلبي على نفسية الأطفال، تؤدّي إلى زرع روح الكراهة والبغضاء بينهم، وتؤدي بهم في النتيجة إلى العداء المستحكم، واتخاذ الموقف غير السليم، كما فعل أُخوة يوسف به حينما ألقوه في البئر.

وقد كانت السيرة قائمة على أساس إشاعة العدالة بين الأطفال، سواء كانوا أُخوة أو أرحام، فعن عبد الله بن عبّاس قال: (كنت عند النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا) (2) .

فإبراهيم ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والحسين ابن بنته، ومع كلِّ هذهِ الاختلافات في الروابط فإنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يفرّق في المعاملة بينهما.

وفي رواية (كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصلّي فجاء الحسن والحسين فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر) (3) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب على المنبر فجاء الحسن والحسين

____________________

(1) مستدرك الوسائل 12: 626.

(2) بحار الأنوار 43: 261.

(3) بحار الأنوار 43: 275.

٧٠

يمشيان ويعثران (فنزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه) (1) .

ومن مصاديق العدالة والمساواة هو عدم إقامة المقارنة بين الأطفال، في صفاتهم الجسمية والمعنوية والنفسية، فلا يصح أن يقال فلان أجمل من فلان، أو أذكى منه أو أكثر خُلقاً منه؛ لأنّها ستكون منبعاً للحقد؛ لانّ المقارنة بين الأطفال تؤدّي إلى (الغيرة من بعضهم وإلى التنافس) (2) .

والمقارنة تؤدّي إلى فقدان الثقة بين الأشقّاء والعكس صحيح: (عدم التفرقة في المعاملة، هو أكبر دعامة لخلق جو من الثقة المتبادلة بينه وبين سائر أفراد العائلة) (3) .

ونلاحظ عند كثير من الآباء مواقفَ غير مقصودة بأن يقول: إنّ ابني فلان يشبهني، وفلان لا يشبهني. فحتى هذه المقارنة تعمل عملها في الغيرة والتنافس، والأفضل اجتنابها.

ومن العدالة هو عدم التمييز بين الولد والبنت؛ لأنّ التميز يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على نفسيّة البنت، وعلى زرع العداوة والحقد بين الأُخت وأخيها، وهذه ظاهرة شائعة في أغلب البلدان، حيثُ يميل الأبوين إلى الابن أكثر من ميلهما إلى البنت، ويلبيّان مطاليب الولد أكثر من مطاليب البنت، ولغرض التقليل من شأن هذهِ الظاهرة؛ جاءت الروايات لتعطي للبنت عناية استثنائية، وتمرّن الأبوين عليها، كما جاء عن ابن عباس، عن رسول ً

____________________

(1) بحار الأنوار 43: 284.

(2) حديث إلى الأُمّهات: 68.

(3) قاموس الطفل الطبّي: 274.

٧١

الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور..) (1) .

والبدء بالإناث لا يوّلد أي تأثير سلبي على الطفل الابن؛ لأنّه يراه أمراً طبيعياً فلابدّ من تقديم أحدهم، وغالباً ما يسكت الطفل ولا يلتفت إلى التمييز إنْ حصل على عطاء والديه، سواء كان العطاء أوّلاً أو ثانياً.

والعدالة بين الأطفال لا تعني أن لا نتخذ أُسلوباً للتشجيع بأن تُخصّص هدية إضافية لمَن يعمل عملاً صالحاً؛ فإنّ ذلك ضروري لتشجيع الطفل على السلوك الصالح، وقد ينفع في إقامة المنافسة المشروعة بين الأطفال لا تؤثّر على نفسيّاتهم بصورة سلبية، بل يجدونها أمراً مشروعاً وحقّاً طبيعياً. وعلى الوالدين التعامل بحذر في مثل هذه الحالة بالتعرّف على نفسية أطفالهم، وابتكار الأساليب الناجحة في التشجيع، المنسجمة مع حالاتهم النفسية التي لا تؤدّي إلى الشعور بعدم العدالة.

ومهما تحقّقت العدالة والمساواة بين الأطفال، فإنّها لا تستطيع إنهاء بعض المظاهر السلبية كالشجار والصراع بين الأطفال، وهي ظاهرة طبيعية تحدث بين الأطفال في كل أو أغلب الأُسر، فتحدث حالات من النقاش الحاد أو الاشتباك بالأيدي بين الأطفال، ويتهم أحد الأطفال أخاه أو أُخته بأنّه المقصِّر في حقّه أو البادئ في العدوان عليه، وفي مثل هذه الحالة على الوالدين أن يدرسا المشكلة دراسة موضوعية، وأن ينظرا إلى الشجار والصراع بأنّه حالة طبيعية، فإذا كان سهلاً وبسيطاً ومحدوداً، فالأفضل عدم التدخّل في إنهائه، وأن يُترك الأطفال يعالجون أُمورهم بأنفسهم

____________________

(1) مكارم الأخلاق: 221.

٧٢

لإنهاء الشجار، وليس صحيحاً أن يدخل الوالدان أو أحدهما كقاضي في الحكم بينهما؛ لأنّ الحكم لأحد الأطفال دون الآخر لا ينسجم مع مبدأ تطبيق العدالة والمساواة مع الأطفال، أمّا إذا تكرّر الشجار والصراع عدّة مرّات أو كان مستمرّاً طول النهار، أو كان قاسياً وخطراً على الأطفال، يأتي دور الأبوين في التدخّل لإنهائه، بإصدار الأوامر لكليهما بالتوقّف السريع عن الاستمرار به، أو إلفات نظرهم إلى موضوع آخر، وإشغالهم به، أو التدخّل لإبعاد أحدهم عن الآخر، وإذا تطلبّ الأمر استخدام التأنيب، أو العقوبة المعنوية، فالأفضل أن تكون موجّهة لكليهما انسجاماً مع تطبيق العدالة بين الأطفال.

سابعاً: الحرّيّة في اللعب

اللعب استعداد فطري عند الطفل، يتم من خلاله التخلّص من الطاقة الزائدة، وهو مقدّمة للعمل الجدّي الهادف، وفيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين، وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية، ومن خلاله يكتسب الطفل المعرفة الدقيقة بخصائص الأشياء التي تحيط به. فللعب فوائد متعددة للطفل، وهو ضروري للطفل في هذه المرحلة والمرحلة التي تليها، فالطفل (يتعلّم عن طريق اللعب عادات التحكّم في الذات والتعاون والثقة بالنفس... والألعاب تضفي على نفسيّته البهجة والسرور، وتنمّي مواهبه وقدرته على الخلق والإبداع) (1) .

ومن خلال اللعب يتحقق (النمو النفسي والعقلي والاجتماعي

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 221 ـ 222.

٧٣

والانفعالي للطفل... ويتعلّم الطفل من خلاله المعايير الاجتماعية، وضبط الانفعالات والنظام والتعاون... ويشبع حاجات الطفل مثل حب التملّك... ويشعر الطفل بالمتعة ويعيش طفولته) (1) .

فاللعب حاجة ضرورية للطفل، فلا يمكن أن نتصوّر أو نرى طفلاً لا يلعب، وحتى الأنبياء والصالحين فإنّهم مرّوا في مرحلة اللعب، وان اختلفوا عن الآخرين في طريقة وأُسلوب اللعب، ولذا جاءت الروايات لتؤكّد على إشباع هذه الحاجة؛ قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (دع ابنك يلعب سبع سنين...) (2) .

ووردت رواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتعبير آخر (الولد سيّد سبع سنين...) (3) .

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (يرخى الصبي سبعاً...) (4) .

فالروايات تؤكّد على أنّ مرحلة ما قبل الثامنة من العمر هي مرحلة اللعب، وعلى الوالدين أن يمنحا الطفل الحرية في اللعب دون ضغطٍ أو إكراه، باستثناء الألعاب الخطرة التي يجب إبعادها عن الطفل أو إبعاده عنها.

والحرية في اللعب تعني: عدم تدخّل الوالدين في اختيار وقت اللعب

____________________

(1) العلاج النفسي الجماعي للأطفال، لكاميليا عبد الفتاح: 162 ـ مكتبة النهضة المصرية 1975 م.

(2) مكارم الأخلاق: 222.

(3) مكارم الأخلاق: 222.

(4) مكارم الأخلاق: 223.

٧٤

أو نوعه أو أُسلوبه، ما دام اللعب لا ينافي الأخلاق العامة ولا خطورة فيه على الطفل أو على الآخرين، والطفل في هذه المرحلة لا يحبّذ تدخّل الوالدين في شؤونه، ولا يحبّذ كثرة الأوامر الصادرة إليه.

وأفضل اللعب عند الطفل هو اللعب الذي يختاره، أو يصنعه بنفسه، أو يكتشف بنفسه طريقة جديدة للعب، أو طريقة خاصة لاستعمال اللعب. ومن الأفضل للطفل أن يقوم الوالدان بتوفير اللعبة التي يحتاجها الطفل، وتكون منسجمة مع رغباته، يقول الدكتور سپوك: (إنّنا يجب أن نترك للأطفال إدارة شؤون ألعابهم حتى يستطيعوا التعلّم منها... لابد أن نترك له قيادة الأمر بنفسه، وأن يتبع ما يقوله له خياله، بهذا فقط تصبح اللعبة مفيدة، إنّها يجب أن تكون معلّمة له، ولابدّ أن يخضعها لأفكاره، وعندما يجد نفسه في حاجة إلى مساعدة أحد الوالدين لإدارة الكميّة من المشاكل الطارئة مع لعبته، فلابدّ أن يساعده الوالدان) (1) .

ويؤكّد جميع علماء النفس والتربية على حرية الأطفال في اللعب (إذا حاول الأطفال رسم برنامج خاص لهم في أعمالهم فلا تمنعوهم من ذلك؛ لأنّ مواصلة تطبيق خطّة مرسومة، دون وقوف العوائق في طريق ذلك، عامل فعّال في تكوّن الشخصية عندهم) (2) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشجّع الحسن والحسين على المصارعة بينهما فإنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخل ذات ليلة بيت فاطمة (عليها السلام) ومعه الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال لهما:

____________________

(1) مشاكل الآباء: 106.

(2) الطفل بين الوراثة والتربية 2: 64، عن كتاب نحن والأبناء 56.

٧٥

(قوما فاصطرعا...) (1) .

وعن صفوان الجمّال قال: (... أقبل أبو الحسن موسى، وهو صغير ومعه عناق مكيّة، وهو يقول لها: اسجدي لربّك، فأخذه أبو عبد الله (عليه السلام) وضمّه إليه..) (2) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمنح الحرية الكاملة للحسن والحسين في التعامل معه، فكان الحسن والحسين أحياناً (يركبان ظهر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويقولان: حَلْ حَلْ، فيقول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): نعم الجمل جملكما) (3) ومثل هذه العملية تتكرّر في علاقة الطفل مع أبيه، إذ يقوم الأطفال بالركوب على ظهر أحد الوالدين في الصلاة، ولذا يجب على الوالدين عدم تعنيف الطفل على ذلك وترك الحرية له، فإنّه سيتركها بمرور الزمن.

وقد يفهم من بعض الروايات أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يسهّل مثل هذهِ العملية وإن كانت على مرأى المجتمع، فعن عبد الله بن الزبير قال: (أنا أحدّثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم إليه الحسن بن عليّ، رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع، فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر) (4) .

____________________

(1) بحار الأنوار 103: 189.

(2) الكافي 1: 311 | 15 باب 71 من كتاب الحجّة.

(3) بحار الأنوار 43: 296.

(4) مختصر تاريخ دمشق 7: 10.

٧٦

وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يشارك الحسن والحسين في فعلهما، ومشاركته لا تعني التدخّل في شؤونهما، وإنّما يشارك متصرّفاً كأنّّه أحدهما (فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يبرك للحسن والحسين ويخالف بين أيديهما وأرجلهما، ويقول: (نعم الجمل جملكما)) (1) .

ومشاركة الوالدين أو أحدهما للأطفال في اللعب ضروري جدّاً وهي من (أهم العوامل لتنمية قدرات الطفل، وأهمّها أن يصبح مستقلاً وقويّ الشخصية) (2) .

وأفضل طرق المشاركة في اللعب: أن يتكلّم الوالدان مع الأطفال بالكلمات والعبارات التي يفهمونها، والمتناسبة مع مستواهم اللغوي والعقلي. وبمعنى آخر: أن يتصرّف وكأنّه طفل، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن كان عنده صبي فليتصاب له) (3) .

وقد أكدّ علماء التربية هذه الحقيقة، يقول موريس تي يش: (يجب أن تسلكوا مع أولادكم كأصدقاء، أن تعملوا معهم، أن تشاركوهم في اللعب... أن تتحدثوا معهم بعبارات الودّ والصداقة... إنّ الفرد يجب أن يعرف كيف يجعل نفسه بمستوى الأطفال ويتكلّم بلغة يفهمونها) (4) .

واللعب مع الأطفال يمنحهم الإحساس بالمكانة المرموقة، ويُدخِل عليهم البهجة والسرور فيجب (على الكبار الخضوع لرغبة الصغار إذا

____________________

(1) مستدرك الوسائل 2: 626.

(2) قاموس الطفل الطبّي: 222.

(3) مَن لا يحضره الفقيه 3: 312 | 21 باب فضل الأولاد.

(4) الطفل بين الوراثة والتربية 2: 97.

٧٧

طلبوا منهم اللعب معهم) (1) .

واللعب وسيلة من وسائل التربية والإعداد للعمل الجدّي فهو (وسيلة لفهم نفسيّات الأطفال، والوقوف على استعداداتهم، ووسيلة لتعليمهم وتربيتهم اجتماعياً وخُلقياً) (2) .

ويعتبر لعب الأطفال تعبيراً حقيقياً عن سلوكهم السوي أو المضطرب (فالطفل أثناء لعبه، يعبّر عن مشكلاته وصراعاته التي يعاني منها، ويسقط ما بنفسه من انفعالات تجاه الكبار على لعبه) (3) .

ومن هنا فعلى الوالدين مراقبة الأطفال في لعبهم دون أنْ يشعروا بالمراقبة، فسيحصلون على معلومات متكاملة عن جميع الجوانب لدى الطفل، في التفاعل الاجتماعي بينهم، وملاحظة الأحاديث والانفعالات التي تصاحب اللعب، وملاحظة أُسلوب تعبير الطفل عن رغباته وحاجاته ومخاوفه ومشكلاته، وخصوصاً في حالة التكرار المتزايد، وملاحظة سلوك الأطفال من حيثُ اللين والعنف، والاضطرابات العاطفية، وملاحظة آرائه بوالديه، وخصوصاً في حالة تمثيل الطفل لدور الأب أو دور الأُم، ومن خلال المراقبة والملاحظة يمكن التعرّف على نموّه اللغوي والعقلي والعاطفي، ويأتي دور الوالدين بعد المراقبة في وضع منهج متكامل للتوجيه والتربية؛ ينسجم مع حالة الطفل العاطفية والنفسية والعقلية.

____________________

(1) قاموس الطفل الطبّي: 317.

(2) علم النفس أُسسه وتطبيقاته التربوية، للدكتور عبد العزيز القوصي: 239 ـ 1978 م ط8.

(3) علم النفس العلاجي، للدكتور اجلال سري: 152 ـ عالم الكتب 1990 ط1.

٧٨

والملاحظة والمراقبة غير المباشرة تجدي نفعاً أكثر من الملاحظة والمراقبة المباشرة عن طريق المشاركة في اللعب؛ لأنّ الطفل في هذهِ الحالة المباشرة يخفي كثيراً من عواطفه وآرائه وتصوّراته خجلاً من والديه أو خوفاً منهم.

ثامناً: التربية الجنسية وإبعاد الطفل عن الإثارة

التربية الجنسية من أصعب وأعقد أنواع التربية، وهي من الظواهر التي تسبّب إحراجاً للوالدين، وتتنوّع طريقة التربية تبعاً للمنهج الذي يتبنّاه الوالدان، وتبعاً للعادات والتقاليد الحاكمة على المجتمع، وتبعاً لدرجة الإدراك والوعي التي يحملها الوالدان، ولذا نجد إفراطاً أو تفريطاً في كثير من أساليب التربية الجنسية، والطفل سواء كان ذكراً أم أُنثى يبدأ بالتساؤل عن كثير من الأُمور المتعلّقة بالجنس، فيتساءل عن كيفية خلقه في بطن أُمّه، واختصاص الأُم بالحمل دون الأب، وكيفية الولادة، ويتساءل عن عدم الحمل عند الطفلة الصغيرة أو المرأة غير المتزوّجة، ويتساءل عن الفرق بين الذكر والأنثى وعن سببه، إضافة إلى العديد من الأسئلة، ومن العقل والحصانة أن يعتبر الوالدان أنّ هذهِ الأسئلة طبيعية، فلا يظهروا مخاوفهم منها، والأفضل عدم منع الطفل من هذه الأسئلة؛ لأنّه سيبحث عن الإجابة من غير الوالدين فتسبّب له أتعاباً وانزعاجات وقلقاً إن كانت إجابات غير شافية أو إجابات صريحة، فعلى الوالدين أن يكونا على استعداد تام لمساعدة الطفل بإجابات معقولة مريحة تشبع فضولهم وتقطع تساؤلاتهم بعد الإقناع والوثوق بها، على أن تكون منسجمة مع فهم الطفل وإدراكه ودرجة تقبّله. وعلى سبيل المثال: إن سأل عن الحمل

٧٩

فيكون الجواب (إنّ الله تعالى يضع الطفل في بطن أُمه)، وإن سأل على الاختلاف بين الجنسين يكون الجواب (أنتَ مثل والدك، وأنتِ مثل والدتك) أو يقال له: (لقد خلق الله الأولاد مختلفين عن البنات)، وأن تكون الإجابة بشكل طبيعي بعيداً عن القلق والاضطراب، بل بشكل هادئ لا يفهم الطفل من خلالها أنّ سؤاله والجواب عنه غير طبيعي؛ لأنّه يدفعه للبحث بنفسه عن الجواب.

وهنالك رغبات عند الأطفال يجب أنْ تُعالج بصورة هادئة ومرنة، دون تزمّتٍ باستخدام التأنيب أو الضرب، ففي المرحلة التي تقع بين السنة الثالثة والخامسة أو السادسة من العمر يميل الأطفال إلى (التلذّذ بعرض أجسامهم من حين لآخر) (1) .

وبعض الأطفال يعبثون باللعب بأعضائهم التناسلية، فعلى الوالدين إبعادهم عن ذلك بالأُسلوب الهادئ وإشغالهم بشيءٍ آخر، وعليهم أن لا يتعرّوا أمام الأطفال، فإنّ معظم الأطبّاء النفسيين قررّوا من واقع خبراتهم وتجاربهم (أنّ عري الأبوين وكشفهم لما يجب أن يُستر، أمر مزعج للطفل)، ويعلّق الدكتور سپوك على ذلك قائلاً: (اقترح على كلِّ الآباء والأُمّهات، أن يراعوا ذلك ويستروا ما يجب أن يُستر إلى الحد المعقول في وجود الطفل، دون أن يحيطوا الأمر بهالات الانزعاج العفوية التي تحدث في كلِّ أُسرة) (2) .

وأغلب الأطفال في مرحلة الطفولة المبكّرة من العام الرابع حتى

____________________

(1) مشاكل الآباء: 282.

(2) مشاكل الآباء: 283.

٨٠