رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي25%

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 152

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132044 / تحميل: 9929
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ومن خلال هذا يمكن أن نقول بأنّ المدّعى عليه: هو من ادّعي عليه حقّاً، أو ملكاً مطلقاً، وخالف قوله قول الشاكي، وأنكر مدّعاه، ويجبر على الخصومة إن تَرَكَ.

ونقصد بالإطلاق هنا أي: سواء كان ذلك الحقّ حقّاً ماديّاً كالدين، أو معنوياً كالنسب مثلاً، وسواء كان الملك معيناً، كأنّ يقول: هذه الدار، أو غير معيّن فيحتاج إلى وصف.

المطلب الرابع: التعريف الاصطلاحي للمدّعى عليه

ذكر الفقهاء للمدّعى عليه تعاريفاً اصطلاحية نذكر بعضاً منها:

١ - المدّعى عليه: هو من ادّعي عليه شيء في يده، أو في ذمته، فهو المدّعى عليه لغة وشرعاً(١) .

٢ - المدّعى عليه: هو الذي لا يُتْرَكُ لو تَرَكَ الخصومة، أو الذي يدّعي الظاهر أو الأصل(٢) .

٣ - المدّعى عليه: هو الذي لا يُتْرَكُ لو تَرَكَ الخصومة، وقيل: هو الذي يدّعي الأصل، أو أمراً ظاهراً(٣) .

٤ - المدّعى عليه: هو كلّ مَنْ أطلق عليه العرف المدّعى عليه، يحكم عليه بما هي وظيفته شرعاً(٤) .

٥ - المدّعى عليه: هو مَنْ يرى العرف بشأنه أنّ عليه مؤونة عدم الإثبات(٥) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢٥٦.

(٢) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٣٦، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٤: ٣٢٣ بتصرف.

(٣) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٩٣، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٤، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٨١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ٥٩ بتصرف.

(٤) مقتبس من كتاب القضاء للمحقق الآشتياني: ٣٣٦.

(٥) مقتبس من كتاب مباني تكملة المنهاج للسيد الخوئي ١: ٤٢.

٢١

المطلب الخامس: ملاحظات حول التعاريف

١ - التعريف الذي ذكره صاحب كتاب (المبسوط) فيه وهم للقاريء في أوّل وهلة، إلاّ بعد التدقيق والنظر في المراد، بعد إرجاع الضمائر إلى ما يناسبها، وهذا لا يكون إلاّ لمن له باع في ذلك، حيث يقول & بعد ما ذكر يد الغير وذمته: (فإن كان الشيء في يده … إلى آخره) فلربّما يفسّرها البعض بيد الغير وهو غير صحيح، بل المقصود يد المدّعي وفي هذه الحالة لا يسمّى مدّعياً لأنّ يده يد إمارة على الملكية، إلاّ أن يثبت العكس، فمن يثبت العكس هو المدّعي، وصاحب اليد يكون مدّعياً عليه.

٢ - التعريفين الثاني والثالث لم يعطيا تعريفاً دقيقاً لهما، وخصوصاً أنّهما عبّرا عن (المدّعى عليه) بالمنكر، وليس بالضرورة أن يكون المدّعى عليه (منكراً)، بل ربّما يكون منصفاً، فيعطي الحقّ لأهله، وذلك باعترافه، أو يكون ذا شخصيّة لا تسمح له أن يلطّخ سمعته بشيء تافه، فيعطيه للمدّعي بغية الحفاظ على شخصيته، وإن كان الحقّ له.

٣ - التعريف الذي ذكره صاحب كتاب (الجواهر) - في النقطة الرابعة من (التعريف الاصطلاحي للمدّعي) - غير واضح البيان، ولا يمكن أن نصل به إلى نتيجة لتعريف المدّعي والمنكر، وكما عبّر بعض الفقهاء بأنّها عبارة (مشوشة)(١) .

____________________

(١) راجع كتاب القضاء في الفقه الإسلامي للسيد الحائري: ٢٥٩.

٢٢

ومن خلال ما قدمناه يظهر: أنّ المدّعي والمدّعى عليه ليس لهما تعريف خاص يتميزان به عن بعضهما البعض بنظر الشارع المقدس، بل هو موكول إلى العرف، لما قدّمناه في بداية تعريفهما، حيث قلنا - في بداية المبحث تحت عنوان (مقدّمة) -: أنّه يمكن أن يكون المدّعي منكراً والمنكر مدّعياً وذلك بدفع الدّعوى من قبل المنكر وجعلها لصالحه.

والظاهر: أن العرف يرى أن المدّعي: هو الذي يتقدّم بشكوى ضد شخص معين زاعماً أنّ له حقّاً، أو ملكاً عنده، سواء كانت الشكوى عن طريق مجلس القضاء أم لا، وسواء كان متيقّناً مما يدّعي أم لا.

وأما المدّعى عليه: فهو ما قدّمت ضدّه الشكوى، سواء كان ظالماً أو مظلوماً.

المبحث الثالث: تعريف الإقرار والمُقِرّ والمُقَرّ له والمُقَرّ به

ويمكن البحث فيه عدّة مطالب، منها :

المطلب الأول: التعريف اللغوي للإقرار

الإقرار مصدر أقر، معناه: التثبت والتمكن، والإقرار: الاعتراف بالشيء، وأقر بالحقّ: اعترف به، واعترف بالشيء: أقرّ به، والاعتراف: الإقرار بالذنب.

قال تعالى في كتابه الكريم:( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) ، وهو اعتراف الشخص بحقّ عليه لآخر(٢) .

فالإقرار بموردنا: هو اعتراف شخص لآخر، بأنّ هنالك حقّ له، أو ملك متعلق بذمته، أو تحت يده.

____________________

(١) سورة التوبة: آية ١٠٢.

(٢) العين للخليل الفراهيدي ٥: ٢٢، معجم لغة الفقهاء لمحمد قلعجي: ٨٣، الصحاح ٢: ٧٩٠، القاموس الفقهي لأبي جيب: ٢٤٨، لسان العرب لابن منظور ٥: ٨٨ بتصرف.

٢٣

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي للإقرار

عرف الإقرار جملة من فقهاء الطائفة بقولهم:(الإقرار: إخبار الإنسان مطلقاً بحقّ واجب عليه، بشرط التنجيز لا التعليق فيه)(١) .

ونقصد بالإطلاق هنا: سواء كان الإقرار عن طريق اللسان، أو الإشارة المفهمة لذلك.

ونقصد بالتنجيز: أن لا يكون مقيّداً بشرط، مثل قوله: إن قدم زيد، وما شاكل ذلك، والتعليق عكسه.

وضربوا للإقرار عدة أمثله منها: (لو قال: لي عليك كذا، فقال: نعم، أو أجل، أو بلى، أو أنا مقرّ به فهو إقرار، وكذا لو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى)(٢) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ٣٦٩، جواهر الفقه لابن البراج: ٩١، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٤١١، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٤٢٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٣: ٦٩٠، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ١٠٩، رسائل الكركي للمحقق الكركي ١: ٢٠٩، جامع المقاصد للمحقق الكركي ٩: ١٨٦، رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ١١: ٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢٨٣، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٣١٤، شرح اللمعة للشهيد الثاني ٦: ٣٨، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٥: ٣٤، بتصرف.

(٢) رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ١١: ٢٥.

٢٤

المطلب الثالث: تعريف المُقِرِّ والمُقَرِّ له والمُقَرِّ به

أولاً: تعريف المُقِرِّ

المقر: المعترف، وهو صاحب الإقرار: أي من أقر على نفسه بحقّ لغيره عليه، أو نفى حقّه على غيره(١) .

ثانياً: تعريف المُقَرِّ له

يمكن أن نقول أنّ المقرّ له: هو الشخص الذي اعترف له المقرّ بحقّ ما، كان له عليه.

ثالثاً: تعريف المُقَرِّ به

يمكن أن يقال أنّ المقرّ به: هو ما اعترف به المقرّ للمقرّ له، مبيّناً قيمته، وأوصافه، وما إلى ذلك، مما يتّضح به، إنْ تطلب الأمر ذلك.

____________________

(١) معجم ألفاظ الفقه الجعفري للدكتور أحمد فتح الله: ٤٠٣.

٢٥

المبحث الرابع: تعريف البيّنة

ونبحث فيه مطلبين، هما:

المطلب الأول: التعريف اللغوي

البيّنة: مذكّرها بيّن. وجمعها بيّنات. وهي صفة من بان يبين. بمعنى: وضح. وبيّنة أي واضحة. وهو صفة لمحذوف: أي الدلالة البيّنة، أو العلامة.

والبيّنة: هي الحجة والبرهان. قال تعالى:( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (١) أي هاتوا حجّتكم وبيّنتكم.

والبيّنة: بمعنى الجلاء والوضوح. قال الشاعر:

فإنّ الحقّ مقطعه ثلاث

يمين أو نفار أو جلاء

والجلاء بكسر الجيم: البيّنة والشهود.

والبيّنة: بمعنى الانقطاع والانفصال. يقال: بان الشيء عن الشيء إذا انقطع وانفصل.

والبيّنة: بمعنى الظهور. يقال: بان الشيء بياناً، وأبان واستبان وبيّن وتبيّن إذا ظهر.

والبيّنة: الدلالة الواضحة. عقلية كانت أو حسّيّة، ومنه سمّيت شهادة الشاهدين بيّنة.

وقال الحرالي: البيّنة من القول والكون ما لا ينازعه منازع لوضوحه.

وقال بعضهم: البيّنة: الدلالة الفاصلة بين القضية الصادقة والكاذبة.

____________________

(١) سورة البقرة: آية ١١١، سورة النمل: آية ٦٤.

٢٦

وقال آخر: ما ظهر برهانه في الطبع والعلم والعقل بحيث لا مندوحة عن شهود وجوده(١) .

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي

ذكر الشيخ مكارم الشيرازي في كتابه (القواعد الفقهية) بأن البيّنة: (هي شهادة عدلين، أو ما يقوم مقامهما من شهادة المرأة، في جميع الموضوعات، مما ترتب على حكم من أحكام الشرع)(٢) .

ومما تقدّم - في التعريف اللغوي والاصطلاحي للبيّنة - يظهر أن البيّنة: هي كل ما يثبت قول الخصمين أو نفيه، سواء كان شاهدان أو دليل قاطع لا يمكن معارضته عقلاً أو نقلاً، كذكر مواصفات العين المدّعاة التي لا يمكن معرفتها إلاّ من قبل صاحبها، كما هو الحال في اللقطة.

____________________

(١) لسان العرب لابن منظور ١٣: ٥١، تاج العروس للزبيدي ١: ٨٣٣٠، المغرب من ترتيب المعرب لابن المطرز ١: ٩٨، أنيس الفقهاء للقونوي ١: ٢٣٧، التعاريف للمناوي ١: ١٥٤، المطلع للبعلي الحنفي ١: ٤٠٣ بتصرف.

(٢) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٤٥.

٢٧

المبحث الخامس: تعريف اليمين

وفيه مطلبان، هما:

المطلب الأول: التعريف اللغوي

اليمين: القسم. وهو عبارة عن تأكيد الأمر، وتقويته، وتحقيقه، بذكر اسم الله تعالى، أو بصفة من صفاته.

واليمين الغموس: هي التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار، وقيل: هي التي تقتطع بها مال غيرك، وهي الكاذبة الفاجرة. وقيل: هي التي يتعمّدها صاحبها، عالماً بأنّ الأمر بخلافه، ليقتطع بها الحقوق، وهو الحلف على فعل أو ترك ماض كاذباً.

والإقتاب في اليمين: التغليظ فيها. ويقال: أرفق به ولا تقتب عليه في اليمين: أي لا تغلّظ عليه فيها. وكذلك غلَّظتُ اليمين: أي قوّيتها وأكّدتها، وعَقَّدَ اليمين: أكّدها كذلك. قال أبو زيد في قوله تعالى:( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (١) وعاقَدَت أيمانُكُم، وقد قُرئ عَقَّدت بالتشديد معناه التوكيد والتغليظ كقوله تعالى:( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ) (٢) ، وكذلك قوله تعالى:( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ ) (٣) ، ويقال للقسم أيضاً: يمين، لأنهم كانوا إذا تحالفوا أو توافقوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه، كما يفعل في بيعة السلطان، فيقال: أخذ يمينه، وأخذ صفقته، إذا فعل ذلك، ثم قيل للحلف بالله، وبكل ما يحلف به يمين، إذ كان ذلك يقع مع التصافق بالأيمان(٤) .

____________________

(١) سورة النساء: آية ٣٣.

(٢) سورة النحل: آية ٩١.

(٣) سورة المائدة: آية ٨٩.

(٤) لسان العرب لابن منظور ٦: ١٥٦، القاموس المحيط للفيروزآبادي ١: ٧٢٤ وص ١٦٠٢، تاج العروس للزبيدي ١: ٨٤٠ وص ٢١٢٦ وص ٤٠٤٥، المصباح المنير للمقري الفيومي ٢: ٤٢١ و ص ٤٥١ وص ٤٥٣، النهاية في غريب الحديث والأثر للجزري ٣: ٧٢٤، غريب الحديث لابن الجوزي ١: ٥٠ وج٢: ١٦٣، العين للخليل الفراهيدي ١: ١٤٠ وج ٤ ص ٣٨٠ وج ٨: ٣٨٧، أنيس الفقهاء للقونوي ١: ١٧٢، التعريفات للجرجاني ١: ٣٣٢، التعاريف للمناوي ١: ٧٥١، مختار الصحاح للرازي ١: ٤٨٨ بتصرف.

٢٨

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي

لقد عرف صاحب كتاب (مهذب الأحكام) اليمين بقوله: (هو الحلف بالله تعالى، لترك فعل فيما مضى، أو عدم إتيان فعل فيما يأتي، ويطلق عليه القَسَم أيضاً)(١) .

وهذا التعريف غير تام لكل أقسام اليمين التي سوف نذكرها لاحقاً إنشاء الله تعالى.

ويمكن أن نستخلص من مطالعتنا على أراء الفقهاء بما كتبوه في اليمين أن نعرف اليمين بأنّه: حلف الشخص مطلقاً، على أمر ما في داخله، يرى أنّه من مصلحته فعل ذلك من أجله، سواء كان ذلك الأمر يجلب له نفعاً دنيوياً، أم نفعاً، أو ضرّاً أخروياً.

____________________

(١) مهذّب الأحكام في بيان الحلال والحرام للسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري٢٢:٢٤٢.

٢٩

ونقصد ب- (مطلقاً) هنا: سواء كان الحلف (بالله U ) أو بغيره، ونقصد ب- (أمر ما) سواء كان يجب عليه فعل ذلك الأمر أو لا يجب، ونقصد ب- (يجلب له نفعاً دنيوياً، أم نفعاً أو ضراً أخروياً) سواء كان الحلف كاذباً لإنقاذ نفسه، أو ماله، أو نفس أخرى أو مالها، وسواء كان ظلماً أولا.

تنبيه :

ذكرنا الحلف بغير الله تعالى - بقولنا (نقصد) - لا يعني أننا نعتقد بانعقاده، بل هو حلف باطل، ولكن ذكرنا ذلك لكي يتم التعريف به حتى عند من يعتقد بانعقاده بغير الله تعالى.

المبحث السادس: تعريف الإنكار

ونبحث فيه مطلبين، هما:

المطلب الأول: التعريف اللغوي

النكر: الدهاء، وهو نعت للأمر الشديد، والرجل الداهي، والنكرة: نقيض المعرفة، الإنكار: قلة المعرفة، والتنكير: التغير عن حال تسرك إلى حال تكرهها، والنكير: اسم للإنكار الذي يعني به التغير، ونكر الأمر بالضم: أي صعب واشتد، وأنكر الأمر: جهله، والإنكار الجحود، والمنكر من الأمر: خلاف المعروف، وقد تكرر في الحديث الإنكار والمنكر، وهو ضد المعروف، وكل ما قبّحه الشرع وحرمه وكرهه، فهو منكر، قال تعالى في كتابه الكريم:( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ) (١) ، والنكير: اسم الإنكار الذي معناه التغيير، قال تعالى:( فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ) (٢) والتناكر: التجاهل(٣) .

فتبين مما تقدم أن معنى الإنكار: هو ما صعب واشتدّ على الشخص تصديقه ومعرفته، لجهله فيه، وما كره انتسابه إليه، وجحوده وإنكاره له.

____________________

(١) سورة الكهف: آية ٧٤.

(٢) سورة الحج: آية ٤٤، سورة سبأ: آية ٤٥، سورة فاطر: آية ٢٦، سورة الملك: آية ١٨.

(٣) العين للخليل الفراهيدي ٥: ٣٥٥، ترتيب إصلاح المنطق لابن السكيت الأهوازي: ٦٦، الصحاح للجوهري ٢: ٨٣٧، لسان العرب لابن منظور ٥: ٢٣٢ - ٢٣٤، القاموس المحيط للفيروزآبادي ٢: ١٤٨، تاج العروس للزبيدي ٣: ٥٨٣ - ٥٨٤.

٣٠

المطلب الثاني: التعريف الإصطلاحي

يمكن استلهام التعريف الإصطلاحي للإنكار من كلمات الفقهاء، وذلك بالرجوع إلى معنى الإقرار، حيث إنّه عكسه تماماً.

ولهذا يمكن أن يقال بأنّ الإنكار: (هو نفي الإنسان مطلقاً بأن هناك حقاً واجباً عليه)(١) .

ونقصد بالإطلاق هنا: سواء كان الإنكار عن طريق اللسان، أو الإشارة المفهمة لذلك.

____________________

(١) راجع المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ٣٦٩، جواهر الفقه لابن البرّاج: ٩١، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٤١١، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٤٢٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٣: ٦٩٠، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ١٠٩، رسائل المحقق الكركي ١: ٢٠٩ وجامع المقاصد للمحقق الكركي٩: ١٨٦، رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ١١: ٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢٨٣، كشف الرموز للفاضل الآبي٢: ٣١٤، شرح اللمعة للشهيد الثاني ٦: ٣٨، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٥: ٣٤، بتصرف.

٣١

المبحث السابع: تعريف النكول والسكوت

ونبحث فيه عدّة مطالب، منها:

المطلب الأول: التعريف اللغوي للنكول

نكل: بمعنى امتنع وترك، وينكل: يمتنع ويترك، ويقال: (نكل زيد) إذا أراد أن يصنع شيئاً فهابه. ونكل بفتح الكاف وكسرها حكاه ابن القطاع وغيره. قال المطرز: وذلك بأن يرجع عن شيء قاله، وعدو قاومه، أو شهادة أرادها، أو يمين تعين عليه أن يحلفها. ونكل عن اليمين: حاد وامتنع عنه، وترك الإقدام عليه(١) .

وتبين مما تقدّم أن معنى النكول: هو رجوع الشخص وندمه عما أقدم عليه سابقاً، مضمراً ذلك غير كشاف لحقيقته خارجاً.

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي للنكول

يمكن أن نستنتج مما هو مضمر في طيّات عبارات الفقهاء الفقهية أنّ النكول هو عبارة عن: سكوت المدّعى عليه عن أداء اليمين، وعدم إرجاعه إلى المدّعي لكي تتبين الحقيقة.

____________________

(١) المصباح المنير للمقري الفيومي ٢: ٦٢٥، النهاية في غريب الأثر للجزري ٥: ٢٤٥، العين للخليل الفراهيدي ٥: ٣٧٢، تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ١: ٣٣٥، المطلع للبعلي الحنبلي ١: ٢٣٨ بتصرف.

٣٢

المطلب الثالث: التعريف اللغوي للسكوت

سَكَتَ سَكْتاً وسُكُوتاً: أي صَمَتَ، وسَكَتَ الغَضَبُ: بمعنى سكن، والسكوت: معناه السكون، والانقطاع عن الكلام. يقال: سَكَتَ الرجلُ يَسْكُتُ سَكْتَاً: إذا سكن. وسَكَتَ يَسْكُتُ سُكُوتاً وسَكْتاً: إذا قطع الكلام، ورجلٌ سِكّيْتٌ: كثير السكوت صبراً عن الكلام، وأسْكَتَ عن الشيء: أعرض(١) .

ومما تقدّم يمكن أن يقال بأنّ السكوت: هو الإعراض عن الكلام، سواء كان بإرادة من الساكت أم لا.

المطلب الرابع: التعريف الاصطلاحي للسكوت

يمكن أن يستفاد من كلمات الفقهاء معنى السكوت بأنّه: إمساك آلة الكلام عن استعمالها فيه، مع التمكن من ذلك(٢) .

____________________

(١) لسان العرب لابن منظور ٢: ٤٣، المصباح المنير للمقري الفيومي ١: ٢٨١، العين للخليل الفراهيدي ٥: ٣٠٥ - ٣٠٦ بتصرف.

(٢) رسائل المرتضى للشريف المرتضى ٢: ٢٧٢ - ٢٧٣ بتصرف.

٣٣

المبحث الثامن: تعريف القرعة

ونبحث فيه مطلبين، هما :

المطلب الأول: التعريف اللغوي

القُرْعَةً والمُقارَعَةُ: المساهمة. والإقتراع: الاختيار. وتَقارَعَ القومُ واقْتَرَعُوا بمعنى واحد، والاسم: القُرْعَةُ. واقترعتُ بينهم إقراعاً هيأتهم للقُرْعَةِ على شيء. وقارَعْتُهُ فَقَرَعْتُهُ أصابتني القُرْعَةُ دونه، ومنه حديث عائشة: (أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرع بين نسائه فقَرَعْتُ في السفرة التي أصابني فيها ما أصابني)(١) .

ومن خلال ما تقدم يمكن تعريف القُرْعَةُ بأنّها: المساهمة والمشاركة على حيازة شيء، عن طريق اختيار، وإخراج ما يُساهَمُ ويُشارَكُ به من بين المجموع.

المطلب الثاني: التعريف الاصطلاحي

عند مراجعة الكتب الفقية في مسألة القرعة، ومتى يمكن استخدامها، وكيفيتها، وما إلى ذلك من المسائل العالقة بها، يمكن أن تُعَرَّفَ بهذا التعريف وهو:

القرعة: عبارة عن المساهمة والاشتراك في أمر مستعصٍ ليس له حل، إلاّ التسليم لما سوف يخرجه الله تعالى لمن هو له من بين المشتركين فيها، سواء كان ذلك الأمر طلب حقّ أو غيره.

____________________

(١) القاموس المحيط للفيروزآبادي ١: ٩٦٩ - ٩٧٠، تاج العروس للزبيدي ١: ٥٤٦٧، النهاية في غريب الأثر للجزري ٥: ٣٦٠، مختار الصحاح للرازي ١: ٥٦٠، المصباح المنير للمقري الفيومي ٢: ٤٩٩، المغرب في ترتيب المعرب لابن المطرز ٢: ١٧٠ بتصرف.

٣٤

الفصل الثاني: شروط المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به ومصبّ النزاع

وفيه عدّة مباحث، منها :

المبحث الأول: شروط المدّعي.

المبحث الثاني: شروط المدّعى عليه.

المبحث الثالث: شروط المدّعى به.

المبحث الرابع: مصبّ النّزاع بين المدّعي والمدّعى به.

المبحث الأول: شروط المدّعي

ذكر الفقهاء(١) شروطاً للمدّعي، ومنها:

١ - البلوغ، فلا تقبل الدّعوى من الصغير ولو كان مراهقاً.

٢ - العقل، فلا تسمع من المجنون ولو كان إدوارياً إذا ترافع حال جنونه.

٣ - أن يدّعي لنفسه، فلو أدّعى لأجنبي لم تقبل.

٤ - أن يدّعي لمن له ولاية الدّعوى عنه ما يصح منه تملكه، خرج بالقيد الأول من هذا الشرط المدّعي لغيره، إلاّ إذا كان وليّاً، أو وكيلاً، أو وصيّاً على ذلك الغير، أو حاكماً، أو نائباً للحاكم لمن لم يجد المذكورين الثلاثة، وبالقيد الثاني منه خروج ادّعاء المسلم لما لم يحل تملّكه كالخمر أو الخنزير ولو على ذمي.

٥ - عدم الحجر لسفه إذا كانت الدّعوى مستلزمة للتصرف المالي، نعم تقبل إذا كان السفه قبل الحجر.

وقد جمع البعض الشرطين الأوليين بشرط واحد بقولهم (كمال المدّعي) كما في الدروس للشهيد الأول، أو ب- (التكليف) كما جاء في القضاء والشهادات للشيخ الأنصاري، وكذلك كشف الرموز للفاضل الآبي(٢) .

____________________

(١) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٣٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٩٣، الدروس للشهيد الأول ٢: ٨٤ ، القضاء والشهادات للشيخ الأنصاري: ١٦٧، كشف الرموز للفاضل الآبي٢: ٥٠٥، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١٠.

(٢) راجع نفس المصدر أعلاه.

٣٥

المبحث الثاني: شروط المدّعى عليه

أنّ للمدّعى عليه شروطاً يجب توفرها فيه، وإلاّ تكون الدّعوى مختلة، ومنها :

١ - أن يكون معيناً. خرج بهذا الشرط الجماعة غير المعينة (غير المحصورين).

أفتى بذلك صاحب كتاب (قواعد الأحكام) بقوله: (الثاني تعلق الدّعوى بشخص معين، أو أشخاص معينين، فلو ادّعى على مجهولين لم تسمع)(١) .

٢ - جائز التصرف. فلا تصح الدّعوى على المملوك والمحجور عليه لسفه وغيره إذا كان الحجر قبل الدّعوى.

أفتى بذلك صاحب كتاب (شرائع الإسلام)(٢) في جواب المدّعى عليه بقوله: ( وأما الإقرار: فيلزم إذا كان جائز التصرف).

وكذلك صاحب كتاب (المقنعة)(٣) بقوله: (فإن أقر به، ولم يرتب بعقله واختياره، ألزمه الخروج منه إليه). أي أنه جائز التصرف ليس محجور عليه بسفه وغيره.

٣ - أن يكون ممن يصح منه مباشرة الجناية.

قال بذلك صاحب كتاب (قواعد الأحكام) بقوله: (الثالث: توجه الدّعوى إلى من تصح منه مباشرة الجناية)(٤) .

تنبيه :

لا يشترط في المدّعى عليه البلوغ والعقل.

ذكر ذلك صاحب كتاب (قواعد الأحكام) في شروط الدعوى حيث ذكر أن يكون بالغاً رشيداً حال الدعوى - أي المدّعي - ثم قال: (ولا يشترط ذلك في المدّعى عليه، بل لو ادعى على مجنون أو طفل تولي الحكومة الولي)(٥) .

____________________

(١) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٦١٠.

(٢) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٢.

(٣) المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٣.

(٤) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٦١١.

(٥) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٦١٠.

٣٦

المبحث الثالث: شروط المدّعى به

من أهم الشروط التي ذكرها الفقهاء(١) في المدّعى به ما يلي:

١ - أن يكون معلوماً. خرج بهذا الشرط المجهول المطلق مثل قوله لي عليه شيئاً، وأما غير المطلق فيطالب مدعيه بالوصف.

٢ - أن يكون ممن يصح تملكه.

٣- ذكر مواصفاته إن كان مثلياً، وذكر قيمته إن كان قيميّاً.

أفتى بذلك الفقهاء ومفاده: (إذا كان المدّعى به من الأثمان - كالدينار- ، افتقر إلى ذكر جنسه ونوعه وقدره، وإن كان مثلياً - كالفرش - ، ضبطت أوصافه، وإن كان قيميّاً فقيمته)(٢) .

____________________

(١) المختصر النافع للمحقق الحلي: ٢٧٦، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١٠.

(٢) راجع الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني ٢: ٢٤١، تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ١٨٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٢.

٣٧

المبحث الرابع: مصبّ النزاع بين المدّعي والمدّعى عليه

من المعلوم أن النزاع بين المدّعي والمدّعى عليه إنما يتم على حق أو عين يدّعيه أحدهما على الآخر، سواء كانت بيده أم لا.

أما إذا كانا معترفين بالحق أو العين لأحدهما، وإنما النزاع في مخالفة الآخر لهذا الحق أو غصبه لهذه العين، فهذا أمر أخر لا يدخل في باب النزاع الذي يحمل أحكام المدّعي والمدّعى عليه، لأن معنى المدّعي في باب القضاء هو مَنْ يدّعي حقاً أو عيناً على أحد، والمدّعى عليه هو مَنْ ادُّعي عليه هذا الحق أو هذه العين، سواء أنكر أو أقر أو سكت.

أما لو ادّعى مثلاً: أن فلاناً ساكن في بيتي، ويعترف فلان أن هذا بيته، ولكن ينكر أنه ساكن فيه، وكانت دعوى المدّعي لا لأجل المطالبة بأجرة السكن لكي يرجع الأمر إلى دعوى حق عليه ينكره، بل لخروجه من الدار، فهذا ليس من باب القضاء المتعارف الذي يحكم فيه بأن البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه.

وكذلك لو ادعى أن فلاناً يريد قتلي، وأنكر فلان ذلك، فهذا ليسي من باب القضاء ليحكم فيه بالبيّنات والأيمان، وإنما هذا من باب دفع الظلم والمنكر، وحفظ الأمن.

وإذا ما قام الحاكم بهذا - بوصفه ولياً للأمر أو وكيلاً عنه، إن كانت وكالته شاملة لأمور من هذا القبيل لا بوصفه قاضياً - فليس مورده القضاء لأن معنى القضاء عرفاً لا يشمل مثل هذا المورد.

ويمكن التمييز بين ما يراد به الفصل بين الخصومات، وبين ما يراد به الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر بما يلي:

١ - إذا كان النزاع في تدارك حق أُهدِرَ فبابه القضاء، وما كان في إهدار حق فبابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢ - إذا كان النزاع في رفع الظلم فبابه القضاء، وإذا كان في دفع الظلم فبابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٣ - إذا كان النزاع راجعاً إلى الماضي فبابه القضاء، وإذا كان راجعاً إلى المستقبل فبابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مسألة القضاء.

وبكلام آخر أدق: أن القضاء عرفاً يعني: إدانة أحد المدّعيين أو تبرئته، وكل ما خرج عن هذا فلا تثبت به أحكام المدّعي والمدّعى عليه.

إذن فالحق في مصبّ النزاع هو معرفة عنوان المدّعي والمدّعى عليه، وعلى القاضي ملاحظة الصدق العرفي لمعرفتها(١) .

____________________

(١) راجع: القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٣٥٠، القضاء في الفقه الإسلامي للسيد الحائري: ٩٣ - ٩٥.

٣٨

الفصل الثالث: شروط الدعوى وأنواعها

ويمكن البحث فيه في عدّة مباحث، منها:

المبحث الأول: أركان الدعوى وشروطها.

المبحث الثاني: أنواع الدعوى.

المبحث الأول: أركان الدعوى وشروطها

وفيه مطالب، منها:

المطلب الأول: أركان الدعوى

ولابد لكل دعوى من أركان أساسية ثلاثة لكي يتم من خلالها البت بالحكم، وهي كالآتي:

الركن الأول: المدّعي.

الركن الثاني: المدّعى عليه.

الركن الثالث: المدّعى به.

ولقد ذكرنا التعاريف الخاصة بهم وشروط كل واحد منهم في الفصول الأول والثاني فلا نعيد.

المطلب الثاني: شروط الدعوى وأدلّة مشروعيتها

ويمكن البحث فيه بعدّة نقاط، منها:

النقطة الأولى: شروط سماع الدّعوى

يشترط في سماع الدّعوى عدة أمور منها:

٣٩

١ - أن تكون الدّعوى صحيحة ولازمة للطرفين(١) .

أفتى صاحب كتاب (قواعد الأحكام)(٢) حيث قال: (يشترط في الدّعوى الصحة واللزوم، فلو ادعى هبة لم تسمع إلاّ مع دعوى الإقباض، وكذا الوقف والرهن عند مشترطه فيه ).

٢ - يجب أن يكون المدّعي جازماً بما يدعيه، فلا تصح بمجرد الشك والظن والاحتمال.

ذكر ذلك بعض فقهاء الطائفة(٣) حيث قال: (ولا بد من إيراد الدّعوى بصيغة الجزم، فلو قال: أظن أو أتوهم لم تسمع).

٣ - تسمع دعوى المدّعي على الغائب في حقوق الناس لا في حقوق الله تعالى إذا أقام على دعواه البينة.

ذكر ذلك صاحب كتاب (تحرير الوسيلة)(٤) بقوله: (مسألة ٥: لا يشترط في سماع الدّعوى حضور المدّعى عليه في بلد المدّعى، فلو ادعى على الغائب من البلد سواء كان مسافراً أو كان من بلد آخر، قريباً كان أو بعيداً تسمع، فإذا أقام البينة حكم القاضي … إلى آخره ).

وكذلك قوله في مسألة ٦: (الظاهر اختصاص جواز الحكم على الغائب بحقوق الناس فلا يجوز الحكم عليه في حقوق الله تعالى مثل الزنا … إلى آخره ).

٤ - أن يكون لها أثر لو حكم على طبقها. فلا تصح دعوى الهبة والوقف من دون إقباض.

٥ - تسمع دعوى من كان أكثرهما شهوداً إذا تنازعا على عيناً لا يد لأحدهما عليها مع يمينه.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف)(٥) بقوله: ( مسألة ٤: إذا تنازعا عيناً لا يد لواحد منهما عليها، فأقام أحدهما شاهدين، والآخر أربعة شهود، فالظاهر من مذهب أصحابنا أنه يرجع بكثرة الشهود، ويحلف، ويحكم له بالحق).

____________________

(١) نقصد بالصحيحة في مقابل الفاسدة، ونعني بها التي استوفت كل الشروط المتوفرة في قبولها من أهلية المدّعي والمدّعى عليه للدّعوى والخصومة وأن يكون المدّعى به معلوماً ومما يصح تملكه وما إلى ذلك.

ونقصد باللزوم: أن يكون المدّعي والمدّعى عليه ملزمَين بقبول وتنفيذ الحكم الصادر تجاههما والعمل على طبقه.

(٢) قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٣٦

(٣) راجع رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٢١٩، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٥، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١، تكملة منهاج الصالحين للسيد الخوئي: ٦، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١٢.

(٤) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٤: ٤١٤.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٣.

٤٠

٦ - إذا تساويا في عدد الشهود سمعت دعوى من كانت شهوده أقوى عدالة مع يمينه.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (وهكذا، لو تساويا في العدد وتفاضلا في العدالة، رجح بالعدالة، وهو إذا كانت إحداهما أقوى عدالة)(١) .

وقال صاحب كتاب (الخلاف)(٢) إن الطائفة أجمعت على ذلك، وكذلك الروايات الواردة في هذا الصدد تثبت ما قال وقد ذكر هذه الرواية:

عن أبي بصير، قال سألت [الإمام] أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة أنّه ورثها عن أبيه لا يدري كيف كان أمرها، فقال: (أكثرهما بينة يستحلف ويدفع إليه) وذكر أن علياًعليه‌السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم، ولم يبيعوا ولم يهبوا. وأقام هؤلاء البينة أنّهم أنتجوها على مذودهم، لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم(٣) .

٧ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه مع وجود الشاهدين للمدّعي.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٤) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٧.

(٢) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٤ - ٦٥ ب حكم المدعيين في حق يقيم كل واحد منهما البينة على أنه له ح٣٣٤٤، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب ٢١ الشاهدين يشهدان على رجل بطلاق امرأته وهو غائب فيحضر الرجل وينكر الطلاق ح٦، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٤ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٩ ب ١٢ حكم تعارض البينتين، وما ترجح به أحدهما، وما يحكم به عند فقد الترجيح ح١.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤١

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٨ - إذا كان المدّعى به في يد المدّعى عليه وأقام المدّعي البينة على أنه له وأقام المدّعى عليه شاهدان فالحكم أن ينتزع الشيء من يد المدّعى عليه ويسلم للمدّعي لأن البينة عليه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا ادعى رجل على رجل عقاراً أو حيواناً أو غيره، وأقام بذلك البينة، وأقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه أن يخرج الشيء من يد مالكه إلى المدّعي لأن البينة عليه)(١) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦١، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٩، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٩، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٣٨٥، تكملة العروة الوثقى للسيد اليزدي ٢: ١٤٩، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٨٨، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٢ ح٣، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٩١ ح ٥ مع اختلاف يسير.

٤٢

النقطة الثانية: أسباب عدم سماع الدّعوى

١ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه عند قيام دعوى عليه حتى تنتهي دعوى المدّعي بصدور الحكم.

جاء ذلك في كتاب (شرائع الإسلام)(١) بما نصه: (السادسة: إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم تسمع حتى يجيب عن الدّعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو).

٢ - لا تسمع الدّعوى إذا فقد أحد أركانها الثلاثة وهم المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث اشترط بعضهم بقوله: (أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق …إلى آخره)، وقال: (أن يكون للمدّعي طرف يدعي عليه، فلو ادعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فلا تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدّعوى المحتملة…إلى آخره)(٢) .

٣ - لا تسمع الدّعوى في الحدود بدون بينة لأنه ليس فيها يمين على المنكر.

فأفتى بذلك بعض الفقهاء(٣) بقوله: (الثالثة: لا تسمع الدّعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه اليمين على المنكر).

٤ - لا تسمع الدّعوى لو تحقق كذب البينة.

قال ذلك صاحب كتاب شرائع الإسلام)(٤) بقوله: (الأولى: لو شهد للمدّعي أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من ذلك قطعاً أو أكثر سقطت البينة لتحقق كذبها).

٥ - إذا شهد للمدّعي شاهدان وطلب المدّعى عليه يمينه لم يُصْغَ له.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٥) .

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

____________________

(١) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١.

(٢) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١١ - ٤١٢.

(٣) رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي٢: ٤٠٥، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٤٥، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٩، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٣، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٩٦، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٧١

(٤) جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٤٧٤، تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ١٩٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٩٠١ - ٩٠٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ١١٦، كتاب القضاء للسيد الگبايگاني ٢: ٢٢.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤٣

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٦- تسقط الدّعوى إذا رد المدّعى عليه اليمين، ولم يكن للمدّعي شاهدان، ولم يحلف، لعدم ترتب الأثر على دعواه.

دليلنا في ذلك ما ذكره الفقهاء(١) بقولهم: (فإن رد المدّعى عليه اليمين على المدّعي إذا لم يكن للمدّعي شاهدان فلم يحلف فلا حق له).

٧ - إذا رضي المدّعي بيمين المدّعى عليه سقط حقه بذلك وإن أقام البينة بعد ذلك.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إن حلف المنكر (المدّعى عليه) سقطت الدّعوى)(٢) .

والظاهر أنهم استدلوا على هذه الفتوى بهذه الروايات وهي:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدّعي فلا دعوى له، قلت له: وإن كان عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه)(٣) .

ب - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده قال: (إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٠، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٦٨ ح٢٥، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٦، وكذلك الهداية: ٢٨٥، المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢١٥.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٢٩٤، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٦ - ٣٩٧، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٧٢، مستمسك العروة للسيد الحكيم ١٢: ١٨٦ - ١٨٧، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٣، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ١٧١، الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ١٨: ٤١١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٢٠٦، كتاب القضاء للشيخ الآشتياني: ١١٢، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٣١ مع اختلاف الألفاظ.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٧ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين وإن كانت له بينة ح ١، التهذيب للشيخ الطوسي ٦: ٢٣١ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح١٦، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦١ ب بطلان حق المدّعي بالتحليف وإن كان له بينة ح ٣٣٤٠.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٠١ ب آداب اقتضاء الدين ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٥ زاد في ذلك بقوله (وإن حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئاً وإن تركه … إلى آخر الحديث )، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٨٦ ب ٤٨ ح ١.

٤٤

وقد قيّدت هذه الروايات سقوط الدّعوى في هذا الفرض بشرطين وهما: الأول: طلب المدّعي اليمين من المدّعى عليه، والآخر: حلف المدّعى عليه، وإلاّ فلا تسقط الدّعوى، وله حق المطالبة بما يدّعي به.

وهناك روايات أخرى تدل على المطلوب، ولكن بمضامين أخرى مثل: (إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته فيه)(١) ، أو (ليس له أن يطلب منه)(٢) ، أو (إن كان قد ظلمك فلا تظلمه)(٣) تركناها مخافة التطويل.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية الدعوى

أولاً: الكتاب الكريم

جاءت مشروعية الدّعوى في طريق القرآن الكريم بقوله تعالى في الآيات الكريمة الآتية:

١- قوله تعالى:( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) . أي يمتنعون عن ذلك ويرفضون، لأنهم يعلمون أن الحق سوف يكون عليهم.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٥: ٩٨ ب قصاص الدين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٦، الاستبصار للشيخ الطوسي٣: ٥٢ ب ٢٧ ح ٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ١٩٧ ح ٦٢ وص٣٤٨ ح ١٠١.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمن وإن كان له بينة ح ٣، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٢ ح ٥٦٧ و٨: ٢٩٤ ح١٠٨٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٠ - ٤٣١ ح١٤، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٥٣ - ٥٤ ح ١٧٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٨٩ ح ٨٠٢، و٨: ٢٩٣ ح ١٠٨٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٦ - ٢٤٧ ب ١٠ ح ٢.

(٤) سورة النور: آية ٤٨.

٤٥

وهذه صفة المنافقين حيث يقول صاحب كتاب (التبيان) في حقهم: (إذا دعوا إلى رسول الله ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه وامتنعوا ظلماً لأنفسهم، وكفروا بنبيهم، وأما إذا كان الحكم لصالحهم يأتوا إليه مذعنين أي منقادين من غير إكراه)(١) .

من خلال فهمنا لمنطوق الآية الكريم يظهر أن هناك دعوى قائمة بين من دعتهم هذه الآية إلى حكم الله ورسوله، وهذا يثبت لنا مشروعية الدّعوى فيها من خلال الأمر الصادر الذي مفاده الرجوع عند المخاصمة إلى الله تعالى ورسوله ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون، والرجوع إلى الله تعالى أي إلى ما جاء في كتابه الكريم من سن القوانين بعد أن يفسره رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢) .

يقول صاحب كتاب (التبيان)، وكذلك صاحب كتاب (مجمع البيان)(٣) أن الحكم الذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء:

أحدهما: أن يكون نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: أن يكون أمر إبراهيم فإن دينه الإسلام.

الثالث: أن يكون حداً من الحدود (الرجم) لأنهم نازعوا في ذلك.

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣ بتصرف.

(٢) سورة آل عمران: آية ٢٣.

(٣) التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٢٥، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٢: ٢٦٥.

٤٦

ونحن لا يهمنا هذا التفصيل، لأنه ليس غرضنا التفسير، بل يهمنا ثبوت مشروعية الدّعوى في هذه الآية الكريمة، وقد ثبت بأمر الأفراد المتنازعة بالرجوع إلى كتاب الله تعالى ليكون حكماً بينهم، ومعنى هذا أن هناك دعوى قائمة مشروعة.

٣ - قوله تعالى:( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) . أي الفائزون برضا الله لطاعتهم لرسوله وانقيادهم لأوامره ونواهيه وهي مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما جاء ذلك في تفسير (التبيان)(٢) .

وهذه الآية الثالثة التي تدل على ثبوت مشروعية الدّعوى لما تحمله من تشويق وترغيب على أن من يقبل أن يتحاكم إلى الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو إلاّ دليل على صحة إيمانه بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه سوف يكون من الفائزين في الآخرة.

٤ - قوله تعالى:( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (٣) . أي إصابة الحكم الحق وذلك بالطلب من المدّعي البينة ومن المدّعى عليه اليمين(٤) .

إن الله تعالى أمر نبيه داودعليه‌السلام أن يحكم بين المتخاصمين وأن يثبت على المدّعي البينة واليمين على المدّعى عليه لدليل على صحة مشروعية الدّعوى وثبوتها.

____________________

(١) سورة النور: آية ٥١.

(٢) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٢، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣.

(٣) سورة ص: آية ٢٠.

(٤) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٨: ٥٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٨: ٣٤٩.

٤٧

ثانياً: السنّة الشريفة

وردت أحاديث كثيرة بصدد مشروعية الدّعوى نقتصر على بعض منها:

١ - ما جاء في الكافي(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أن(إن الله البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يبطل دم امرئ مسلم).

٢ - وأيضاً في الكافي(٢) : عن بريد بن معاوية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة فقال: (الحقوق كلها البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيدوه برمته فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذ رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكف عن قتله وإلاّ حلف المدّعى عليه قسام خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً وإلاّ أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون).

٣ - ما جاء في مَنْ لا يحضره الفقيه(٣) : عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ - ٣٦٢ ح٦.

(٢) ن. م ٧: ٣٦١ ح ٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٢ - ٣ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢١٦.

٤٨

٤ - وفي مَن لا يحضره الفقيه أيضاً(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: (أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقٍّ فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا قال الله بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ… الآية ) (٢) ).

ثالثاً: الإجماع

لقد انعقد الإجماع منذ بداية الإسلام وإلى يومنا هذا - بل منذ نشأت الاختلافات بين أفراد النوع البشري وإلى أن تنتهي الدنيا - على مشروعية الدّعوى وجوازها، وذلك لضرورتها في الحياة.

حيث من خلالها يتم قطع الخصومات وانتهاء المنازعات بين الأطراف لكي يسود العالم الأمن والأمان والسعادة.

وهذه كتب الفقهاء ومؤلفاتهم تثبت ذلك، فهي لا تخلوا من كتاب يسمى ب- (كتاب القضاء) الذي يثبتون فيه معنى القضاء وما يتعلق به من مسائل لا مجال لذكرها فمن أراد فليراجع الكافي، والوسائل، وكتب العلامة، والمحقق، والجواهري، وغيرهم.

رابعاً: العقل

لقد ثبت عقلاً أن حل النزاعات بين الناس وحسم أمر الدّعوى حسن، وكل أمر حسن مرغوب فيه عند العقل، ويحكم بلزوم فعله. وبهذا نثبت صحة مشروعية الدّعوى.

____________________

(١) ن .م: ٤ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢٢٠.

(٢) سورة النساء: آية ٦٠.

٤٩

المطلب الثالث: ترجيح أحد المدّعيين وجعله مدعياً

هناك جملة من المرجحات التي يمكن أن تجعل أحد المدّعيين مدّعياً والآخر مدّعى عليه، وهي كالآتي:

١ - الترجيح بالأسبقية:

إذا قدم الخصمان دعوى على بعضهما البعض، قدمت دعوى الأسبق.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث قالوا: (إذا تحاكم خصمان فادعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى، فالذي يدعي بالدّعوى أولاً أحق من صاحبه أن يسمع منه)(١) .

٢ - الترجيح بالجلوس على يمين المدّعي الآخر:

إذا تشاح الخصمان في الابتداء سمعت دعوى من كان على يمين خصمه.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (أن الخصمين إذا ابتدرا الدّعوى بين يدي الحاكم، وتشاحا في الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي عن يمين خصمه)(٢) .

الدليل على ذلك: هو إطباق الطائفة عليه، كما عبّر الشريف المرتضى بذلك(٣) .

ثم قال الشريف الرضي معللاً ذلك بقوله: (لأن مّنْ خالف ما ذكرناه إنما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣ - ١٢٤ مع اختلاف بالألفاظ.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥، السرائر لابن إدريس ٢: ١٥٧، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٤، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٣٤، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١ مع اختلاف بالألفاظ.

(٣) الانتصار للشريف الرضي: ٤٩٥.

(٤) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥.

٥٠

وبعدها اعترض على ابن الجنيد - عندما فسّر رواية ابن محبوب، التي رواها عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والتي نصها: (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام)(١) - قائلاً: (قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدّعي، لأن اليمين مردودة إليه، قال ابن الجنيد: إلاّ أن ابن محبوب فسّر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: (إذا تقدمت مع خصم إلى والٍ أو قاضٍ فكن عن يمينه - يعني عن يمين الخصم -)(٢) ، وهذا تخليط من ابن الجنيد، لأن التأويلات إنما تدخل بحيث تشكل الأمور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين التي هي القسم)(٣) .

ونحن نرى ما يراه الشريف المرتضى لأنه هو الأرجح والأصح، لما للرواية من وضوح في هذه المسألة.

٣ - تقديم من له بيّنة وإلاّ فالترجيح بالقرعة:

إذا ادعى كلاهما أنه أحضر صاحبه للدّعوى فإن كان لأحدهما بينة سمع منه، وإلاّ أقرع بينهما.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الوسيلة) بقوله: (وإذا حضر خصمان للتداعي لم يخل حالهما من أربعة أوجه: … أو ادعى كلاهما أنه قد أحضره للدّعوى، … والثاني: إن كان لأحدهما بينة حكم عليها، وإن لم يكن أقرع بينهما)(٤) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٧ ب ٨٨ آداب الحكام ح ٨، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢١٨ ب ٥ يستحب للإنسان أن يقوم عن يمين خصمه ح ١.

(٣) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥ - ٤٩٦.

(٤) الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١.

٥١

٤ - تقديم من له شاهدان على من له شاهد ويمين:

إذا كان لأحد المدّعيين شاهدان وللآخر شاهد وامرأتان تساويا في الدّعوى، وأما إذا كان لأحدهما شاهدان والآخر شاهد ويمينه فلا.

أفتى بذلك الشيخ الطوسي والقمي(١) بقولهما: (إذا كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد وامرأتان، تقابلتا بلا خلاف بيننا وبين الشافعي. فأما إن كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد واحد، وقال: أحلف مع شاهدي، فإنهما لا يتقابلان).

واستدلا على ذلك بالإجماع على تقابلهما، وبأن التهمة تلحق من حلف لنفسه، ولا تلحق الشاهدين لأنهما يحلفان لغيرهما.

٥ - الترجيح بالقرعة عند تعارض البينتان:

إذا تساوت البينتان ولا مرجّح لأحدهما أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق له، لأن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه.

ذكر ذلك الفقهاء(٢) بقولهم: ( إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق).

مستدلين عليه بالإجماع على أن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه، مضافاً إلى ذلك الروايات الكثيرة التي ذكرنا بعضها في بحث القرعة فلا داع للإعادة.

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤ وكذلك المبسوط ٨: ٢٥٨ - ٢٥٩، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٦١٦.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٧ وكذلك المبسوط ٨: ٢٤١، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٥٣٥، جامع الخلاف والوفاق للقمّي: ٦١٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٨، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٢: ٥٥٤، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٢٦١.

٥٢

المبحث الثاني: أنواع الدّعوى

لربما يتساءل البعض عن مورد هذا البحث وما هو ربطه بالبحث ؟

إنا لسنا بصدد ذكر أنواع الدّعوى، بل الهدف من هذا البحث هو ذكر بعض أنواع الدعاوى التي يمكن قبولها من المدّعي لصحتها والفرق بينها وبين التي لا يمكن قبولها لفسادها.

ونحن لو تتبعنا كلمات الفقهاء بما كتبوه في الدعاوى لوجدناهم يقسمون الدّعوى من

ناحية الصحة والفساد إلى قسمين وهما:

القسم الأول: الدّعوى الصحيحة

وهي التي استوفت الشروط بحيث يمكن سماعها.

القسم الثاني: الدّعوى الفاسدة

وهي التي لم تستوف الشروط كلها أو بعضها بحيث لا يمكن سماعها.

ونحن نكتفي بذكر نماذج من الدعوى الصحيحة، ومن خلالها تتضح لنا الدعوى الفاسدة لأنه كل ما ترتب على الدعوى الصحيحة من شروط ترتب عكسه للدعوى الفاسدة.

٥٣

نماذج من الدعوى الصحيحة

أولاً: دعوى البيعان

هناك مسائل خلافية تحدث بين البائع والمشتري حول المبيع وما يرتبط به، ونحن هنا نذكر بعضاً من هذه المسائل وهي:

١ - إذا كان الخلاف بين البائع والمشتري في مقدار ثمن المبيع أو جنسه فهنا فرعان:

أ - إذا كان المثمن تالفاً فالقول قول المشتري مع يمينه.

ب - إذا كان المثمن سالماً فالقول قول البائع مع يمينه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو جنسه، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه)(١) .

وقد استدل بعضهم على ذلك بعدة أدلة منها:

أولاً - إجماع الفرقة على ذلك.

ثانياً - هناك عدة روايات في هذا الصدد نذكر منها:

الرواية الأولى: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (البينة على مّنْ ادّعى واليمين على مّنْ أنكر)(٢) ، وفي غيرها (واليمين على مَنْ ادّعي عليه)(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٧، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، السرائر لابن إدريس الحلي ٢: ٣١٨ - ٣١٩، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧، المختصر النافع للمحقق الحلي: ١٢٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١، كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٢٧٨، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٢: ٣٦٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤ بتصرف.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٩٣ ب ٢٥ وجوب الحكم بملكية صاحب اليد حتى يثبت خلافه وجواز الشهادة لصاحب اليد بالملك وأنه لا يجب على القاضي تتبع أحكام من قبله وحكم اختلاف الزوجين في متاع البيت ح٣.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ح١، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ٢: ٥٢٠ - ٥٢١ ح١٨٥٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٩ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٣ ب٣ أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه في المال وحكم دعوى القتل والجرح وأن بينة المدعى عليه لا تقبل مع التعارض وغيره ح١.

٥٤

والمشتري مدّعى عليه وهو المنكر، لأنهما - أي البائع والمشتري - اتفقا على العقد وانتقال الملك، والمشتري معترف بذلك، والبائع يدّعي عليه الزيادة وهو ينكرها، فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة أن القول قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.

ولكن روي عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا: (القول قول البائع) فحملنا على أنه مع بقاء السلعة(١) .

الرواية الثانية - مضافاً إلى ما ذكره المستدلون على هذه المسألة فهناك رواية لأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومع أنها مرسلة لكن منجبرة بعمل الأصحاب بها، كما يذكر ذلك بعض الفقهاء(٢) ، وهي كالآتي:

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في رجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا وكذا، بأقل ما قال البائع ؟ قال: (القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه)(٣) .

وقد ردّ العلامة الحلي هذه الرواية بكتابه ( مختلف الشيعة) قائلاً: (إنه منقطع السند فلا حجة فيه)(٤) ، وهو مردود بانجبارها بعمل الأصحاب كما ذكرنا ذلك.

وتردد في أصل المسألة بكتابه (تحرير الأحكام) قائلاً: (وعندي في ذلك تردد)(٥) .

____________________

(١) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٨، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠ بتصرف.

(٢) راجع كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع المقاصد للمحقق الكركي ٤: ٤٤١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ٣: ٢٥٨، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٧٤ ب إذا اختلف البائع والمشتري ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٧: ٢٦ ب٢ عقود البيع ح ٢٦ وص ٢٢٩- ٢٣٠ ب ٢١ من الزيادات ح٢١، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٨: ٥٩ ب ١١ حكم اختلاف البائع والمشتري في قدر الثمن ح ١.

(٤) راجع مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦.

(٥) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

٥٥

٢ - إذا اختلف البائع والمشتري في نوع المبيع، وليس هناك بينة، فالقول قول البائع مع يمينه بأنه ما باع المشتري ما يدّعيه، والقول قول المشتري مع يمينه بأنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، ولا يجب عليهما في الحلف النفي والإثبات.

فإن حلف البائع إنه ما باع المشتري ما يدّعيه، بقي هذا المبيع على ملكه يتصرف به كيف يشاء. وإما المشتري، فإن حلف أنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، فإن كان ما يدّعيه البائع في يد المشتري، فلا يجوز للبائع مطالبته به لأنه يدّعيه، وإن كان ما يدّعيه البائع بيده فلا يحق له التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، نعم يجوز له بيعه وأخذ مقدار ثمنه منه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله:

(إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منها الجمع بين النفي والإثبات، ولا يكون هذا تحالفاً، وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف بها.

وأما المشتري، فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدّعيه، وإن كان في يد البائع فإنه لا يجوز التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن)(١) .

مستدلاً على ذلك بقوله: (إن ها هنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادّعى ابتياع العبد كان عليه البينة، فإذا عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادّعى المشتري أنه اشترى الجارية، كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين)(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (الجامع للشرايع): أنهما يتحالفان، كل واحد منها لدعوى صاحبه وينفسخ البيع، ولم يذكر التفصيل بأن العبد بيد المشتري أم لا(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٢.

(٢) م. س: ١٥٣.

(٣) راجع الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ - ٢٧٢.

٥٦

٣ - إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن أوالمثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في الثمن، لأصالة عدم الزيادة فيه، والقول قول ورثة البائع مع يمينهم في المثمن لأصالة عدم البيع.

أفتى بذلك بعض فقهاء الطائفة بقوله: (إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع في المثمن مع اليمين)(١) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن، لأن ورثة المتبايعان قد اتفقا على البيع، ولكن ادّعى ورثة البائع أن الثمن أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعلى مدّعي الزيادة البينة، فإذا عدمت فعلى منكرها اليمين لأصالة عدم الزيادة.

واستدل على أن القول قول ورثة البائع في المثمن، لأن الأصل عدم البيع فمن ادّعاه فعليه البينة، وعلى منكره اليمين لأصالة بقاء ملك البائع على ورثته(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (تحرير الأحكام) الشق الأول من المسألة (مقدار الثمن) قائلاً: (القول قول ورثة المشتري على كل حال، سواء كانت تالفة أو باقية)(٣) .

٤ - إذا اختلف المتبايعان في شرط يفسد البيع، فالقول قول مدّعي الصحة، وعلى مدّعي الفساد البينة، لأصالة الصحة في العقود.

قال بهذا بعض الفقهاء بقولهم: (إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، كان القول قول مّنْ يدّعي الصحة، وعلى مّنْ ادّعى الفساد البينة)(٤) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على ذلك: بأن الأصل في العقد الصحة، فمن ادّعى الفساد فعليه الدلالة(٥) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣ - ١٥٤ بتصرف.

(٣) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ بتصرف.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠ بتصرف.

٥٧

٥ - إذا اختلفا في جودة الثمن وعدمه فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع مدّعٍ فعليه البينة والمشتري منكر فعليه اليمين، والأصل أن البائع قد قبضه جيداً.

أفتى بهذا صاحب كتاب (المبسوط) بقوله: (إذا قبض البائع الثمن، ثم ادّعى أن فيما قبضه زيفاً، وأنكر المشتري ذلك، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه أنه قبضه منه زيفاً فيحتاج إلى بينة، والأصل أنه قبضه جياداً)(١) .

ثانياً: دعوى الزوج والزوجة

يتعرض الزوج والزوجة في بعض الأحيان إلى بعض المشاكل العالقة في بيت الزوجية مثل: النفقة والتمكين وما إلى ذلك، وقد وضعت الشريعة الإسلامية لهذه المشاكل حلولاً وأحكاماً، نذكر ما يخص أمر الدّعوى والإنكار:

١ - إذا اختلفا في قبض المهر وعدمه، أو النفقة وعدمها، فالقول قول الزوج مع يمينه.

أفتى بهذا فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة، فالذي رواه أصحابنا أن القول قول الزوج، وعليها البينة)(٢) .

مستدلين على ذلك بعدة أدلة منها:

١ - إجماع الفرقة على ذلك.

٢ - الأخبار الواردة في هذا الصدد.

٣ - مضافاً إلى العادة الجارية بين الناس بأن الزوجة لا تمكن الزوج إلاّ بعد استلام المهر، ولا تقيم معه إلاّ إذا أنفق عليها، وخلاف هذا عليها البينة(٣) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ١٥٥، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٩.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٥: ١١٦.

(٣) ن. م: ١١٦.

٥٨

٢ - إذا اختلعا واختلفا في النقد أو القدر أو الجنس فالقول قول الزوجة مع يمينها، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه)، والزوج هنا مدّعٍ، لأنه يدّعي ما تنكره الزوجة، فكانت عليه البينة، فإذا لم تكن، كان القول قول الزوجة(١) .

٣- إذا اختلفا في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها.

أفتى بذلك صاحب كتاب (منهاج الصالحين) بقوله: (إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة، فالقول قول الزوجة مع يمنيها، إذا لم يكن للزوج بينة)(٢) .

وقد استظهر السيد الخوئي بأن القول قول الزوجة وذلك بقوله: ( فالظاهر أن القول قول الزوجة مع يمينها، بلا فرق بين أن يكون الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه وغير ذلك)(٣) ولم يذكر: إذا لم يكن للزوج بينة.

٤ - إذا اختلفا في الإعسار واليسار، وادعى الزوج أنه غير قادر على الإنفاق، وادعت الزوجة القدرة فالقول قول الزوج مع يمينه.

نعم إذا كان موسراً وادعى تلف ماله وقد صار معسراً فالقول قول الزوجة مع يمينها.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إذا اختلفا في الإعسار واليسار، فادعى الزوج الإعسار، وأنه لا يقدر على الإنفاق، وادعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه، نعم إذا كان الزوج موسراً، وادعى تلف أمواله، وأنه صار معسراً، فأنكرته الزوجة، كان القول قولها مع يمينها)(٤) .

____________________

(١) جواهر الفقه للقاضي ابن البراج: ١٧٨ بتصرف.

(٢) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

(٣) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩٠.

(٤) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩١، منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

٥٩

ثالثاً: دعوى الزوجة وورثة الزوج

كثيراً ما تقع مشاكل بين الزوجة وورثة الزوج في مسألة الإرث، وما إلى ذلك من المسائل، وقد جاء ديننا الحنيف بحلول لهذه المشكلات العالقة بينهما، وحل النزاعات، نذكر بعضاً منها:

١- إذا ادّعت الزوجة أن ما في يدها هو ملكها أو في مقابل مهرها أو دين كان عنده وما إلى ذلك، ولم يكن لها بينة، فالقول قول الوارث مع يمينه(١) .

٢- إذا أمر الرجل زوجته بالخروج إلى بعض الأمصار ثم مات، وادّعى الوارث بأن الزوج لم ينقلها، فالقول قولها، لأنها والوارث متساويان في عدم العلم بمراد الزوج، وأن ظاهر قوله موافق لدعواها، لأن قول الزوج: اخرجي إلى المصر الفلاني ظاهره النقل(٢) .

رابعاً: الدّعوى بحق الميت

نذكر بعض المسائل الخلافية بين ورثة الميت والمدّعي عليه ومنها:

١- إذا أوصى الميت لشخص أن له حظ أو نصيب أو شيء من ماله وما إلى ذلك، وادّعى الموصى له أن ورثته يعلمون مقداره، فالقول قول الورثة مع يمينهم بأنهم لا يعلمون.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (إذا قال لفلان حظ من مالي أو نصيب أو قليل فإنه يرجع إلى الورثة ويقال لهم أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك، كما أنه إذا قال أعطوه شيئاً من مالي إلاّ أن يدّعي الموصى له أكثر من ذلك، وأن الورثة يعلمون ذلك، فإنه يكون القول قول الورثة مع يمينهم أنهم لا يعلمون، وكذلك في جزء وكثير سواء)(٣) .

____________________

(١) رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٣١٣، القضاء للسيد الكلبايكاني ٢: ٢٧٠ بتصرف.

(٢) جواهر الفقه للقاضي ابن البرّاج: ١٩٣ بتصرف.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ٤: ٧ - ٨، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ٢: ٤٩٩، وكذلك إرشاد الأذهان ١: ٤٦١ ، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٤٧٥، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٥٣٣، جامع المقاصد للمحقق الكركي١٠: ٢١٤، الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري: ٩٦، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٨: ٣٣٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152