رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي37%

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 152

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي
  • البداية
  • السابق
  • 152 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 132056 / تحميل: 9932
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

رسالة ماجستير المدعي والمدعى عليه في الفقه الإمامي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

٦ - إذا تساويا في عدد الشهود سمعت دعوى من كانت شهوده أقوى عدالة مع يمينه.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (وهكذا، لو تساويا في العدد وتفاضلا في العدالة، رجح بالعدالة، وهو إذا كانت إحداهما أقوى عدالة)(١) .

وقال صاحب كتاب (الخلاف)(٢) إن الطائفة أجمعت على ذلك، وكذلك الروايات الواردة في هذا الصدد تثبت ما قال وقد ذكر هذه الرواية:

عن أبي بصير، قال سألت [الإمام] أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم الذي في يده الدار البينة أنّه ورثها عن أبيه لا يدري كيف كان أمرها، فقال: (أكثرهما بينة يستحلف ويدفع إليه) وذكر أن علياًعليه‌السلام أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنّهم أنتجوها على مذودهم، ولم يبيعوا ولم يهبوا. وأقام هؤلاء البينة أنّهم أنتجوها على مذودهم، لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم(٣) .

٧ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه مع وجود الشاهدين للمدّعي.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٤) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٧.

(٢) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٤ - ٦٥ ب حكم المدعيين في حق يقيم كل واحد منهما البينة على أنه له ح٣٣٤٤، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب ٢١ الشاهدين يشهدان على رجل بطلاق امرأته وهو غائب فيحضر الرجل وينكر الطلاق ح٦، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٤ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٩ ب ١٢ حكم تعارض البينتين، وما ترجح به أحدهما، وما يحكم به عند فقد الترجيح ح١.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤١

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٨ - إذا كان المدّعى به في يد المدّعى عليه وأقام المدّعي البينة على أنه له وأقام المدّعى عليه شاهدان فالحكم أن ينتزع الشيء من يد المدّعى عليه ويسلم للمدّعي لأن البينة عليه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا ادعى رجل على رجل عقاراً أو حيواناً أو غيره، وأقام بذلك البينة، وأقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه أن يخرج الشيء من يد مالكه إلى المدّعي لأن البينة عليه)(١) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦١، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٩، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٩، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٣٨٥، تكملة العروة الوثقى للسيد اليزدي ٢: ١٤٩، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٨٨، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦. مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٢ ح٣، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٩١ ح ٥ مع اختلاف يسير.

٤٢

النقطة الثانية: أسباب عدم سماع الدّعوى

١ - لا تسمع دعوى المدّعى عليه عند قيام دعوى عليه حتى تنتهي دعوى المدّعي بصدور الحكم.

جاء ذلك في كتاب (شرائع الإسلام)(١) بما نصه: (السادسة: إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى لم تسمع حتى يجيب عن الدّعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو).

٢ - لا تسمع الدّعوى إذا فقد أحد أركانها الثلاثة وهم المدّعي والمدّعى عليه والمدّعى به.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث اشترط بعضهم بقوله: (أن يكون المدّعى به معلوماً بوجه، فلا تسمع دعوى المجهول المطلق …إلى آخره)، وقال: (أن يكون للمدّعي طرف يدعي عليه، فلو ادعى أمراً من دون أن تكون على شخص ينازعه فلا تسمع، كما لو أراد إصدار حكم من فقيه يكون قاطعاً للدّعوى المحتملة…إلى آخره)(٢) .

٣ - لا تسمع الدّعوى في الحدود بدون بينة لأنه ليس فيها يمين على المنكر.

فأفتى بذلك بعض الفقهاء(٣) بقوله: (الثالثة: لا تسمع الدّعوى في الحدود مجردة عن البينة، ولا يتوجه اليمين على المنكر).

٤ - لا تسمع الدّعوى لو تحقق كذب البينة.

قال ذلك صاحب كتاب شرائع الإسلام)(٤) بقوله: (الأولى: لو شهد للمدّعي أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من ذلك قطعاً أو أكثر سقطت البينة لتحقق كذبها).

٥ - إذا شهد للمدّعي شاهدان وطلب المدّعى عليه يمينه لم يُصْغَ له.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: ( مسألة ٦: إذا شهد شاهدان بما يدعيه المدّعي، فقال المشهود عليه احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلف)(٥) .

مستدلاً بذلك بأنه لا دليل شرعي يثبت طلب المدّعى عليه والأصل براءة ذمة المدّعي من اليمين.

____________________

(١) شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١.

(٢) تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٤١١ - ٤١٢.

(٣) رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي٢: ٤٠٥، قواعد الأحكام للعلامة الحلي ٣: ٤٤٥، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٩، كشف الرموز للفاضل الآبي ٢: ٥٠٣، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٩٦، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٧١

(٤) جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٤٧٤، تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ١٩٦، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٩٠١ - ٩٠٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٤: ١١٦، كتاب القضاء للسيد الگبايگاني ٢: ٢٢.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٥.

٤٣

وكذلك للخبر الوارد عن ابن عباس: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه) فمن جعل البينة واليمين في جانب واحد من طرفي الدّعوى - إما المدّعي أو المدّعى عليه - فقد ترك الخبر.

٦- تسقط الدّعوى إذا رد المدّعى عليه اليمين، ولم يكن للمدّعي شاهدان، ولم يحلف، لعدم ترتب الأثر على دعواه.

دليلنا في ذلك ما ذكره الفقهاء(١) بقولهم: (فإن رد المدّعى عليه اليمين على المدّعي إذا لم يكن للمدّعي شاهدان فلم يحلف فلا حق له).

٧ - إذا رضي المدّعي بيمين المدّعى عليه سقط حقه بذلك وإن أقام البينة بعد ذلك.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إن حلف المنكر (المدّعى عليه) سقطت الدّعوى)(٢) .

والظاهر أنهم استدلوا على هذه الفتوى بهذه الروايات وهي:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت اليمين بحق المدّعي فلا دعوى له، قلت له: وإن كان عليه بينة عادلة؟ قال: نعم، وإن أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له، وكان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه)(٣) .

ب - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يكون له على الرجل مال فيجحده قال: (إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه بعد اليمين شيئاً وإن تركه ولم يستحلفه فهو على حقه)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦٦، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٠، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٦٨ ح٢٥، المقنع للشيخ الصدوق: ٣٩٦، وكذلك الهداية: ٢٨٥، المبسوط للشيخ الطوسي ٨: ٢١٥.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٢٩٤، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٦ - ٣٩٧، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٤: ٤٧٢، مستمسك العروة للسيد الحكيم ١٢: ١٨٦ - ١٨٧، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧٣، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ١٧١، الحدائق الناضرة للمحقق البحراني ١٨: ٤١١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ٢٠٦، كتاب القضاء للشيخ الآشتياني: ١١٢، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٦: ٣١ مع اختلاف الألفاظ.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٧ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمين وإن كانت له بينة ح ١، التهذيب للشيخ الطوسي ٦: ٢٣١ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح١٦، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٦١ ب بطلان حق المدّعي بالتحليف وإن كان له بينة ح ٣٣٤٠.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٠١ ب آداب اقتضاء الدين ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٥ زاد في ذلك بقوله (وإن حبسه فليس له أن يأخذ منه شيئاً وإن تركه … إلى آخر الحديث )، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٨٦ ب ٤٨ ح ١.

٤٤

وقد قيّدت هذه الروايات سقوط الدّعوى في هذا الفرض بشرطين وهما: الأول: طلب المدّعي اليمين من المدّعى عليه، والآخر: حلف المدّعى عليه، وإلاّ فلا تسقط الدّعوى، وله حق المطالبة بما يدّعي به.

وهناك روايات أخرى تدل على المطلوب، ولكن بمضامين أخرى مثل: (إن خانك فلا تخنه، ولا تدخل فيما عبته فيه)(١) ، أو (ليس له أن يطلب منه)(٢) ، أو (إن كان قد ظلمك فلا تظلمه)(٣) تركناها مخافة التطويل.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية الدعوى

أولاً: الكتاب الكريم

جاءت مشروعية الدّعوى في طريق القرآن الكريم بقوله تعالى في الآيات الكريمة الآتية:

١- قوله تعالى:( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) . أي يمتنعون عن ذلك ويرفضون، لأنهم يعلمون أن الحق سوف يكون عليهم.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٥: ٩٨ ب قصاص الدين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٨٥ ح٣٦٩٦، الاستبصار للشيخ الطوسي٣: ٥٢ ب ٢٧ ح ٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ١٩٧ ح ٦٢ وص٣٤٨ ح ١٠١.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٨ ب من رضي باليمين فحلف له فلا دعوى له بعد اليمن وإن كان له بينة ح ٣، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٢ ح ٥٦٧ و٨: ٢٩٤ ح١٠٨٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٠ - ٤٣١ ح١٤، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٥٣ - ٥٤ ح ١٧٥، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٨٩ ح ٨٠٢، و٨: ٢٩٣ ح ١٠٨٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤٦ - ٢٤٧ ب ١٠ ح ٢.

(٤) سورة النور: آية ٤٨.

٤٥

وهذه صفة المنافقين حيث يقول صاحب كتاب (التبيان) في حقهم: (إذا دعوا إلى رسول الله ليحكم بينهم في شيء اختلفوا فيه وامتنعوا ظلماً لأنفسهم، وكفروا بنبيهم، وأما إذا كان الحكم لصالحهم يأتوا إليه مذعنين أي منقادين من غير إكراه)(١) .

من خلال فهمنا لمنطوق الآية الكريم يظهر أن هناك دعوى قائمة بين من دعتهم هذه الآية إلى حكم الله ورسوله، وهذا يثبت لنا مشروعية الدّعوى فيها من خلال الأمر الصادر الذي مفاده الرجوع عند المخاصمة إلى الله تعالى ورسوله ليحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون، والرجوع إلى الله تعالى أي إلى ما جاء في كتابه الكريم من سن القوانين بعد أن يفسره رسوله الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (٢) .

يقول صاحب كتاب (التبيان)، وكذلك صاحب كتاب (مجمع البيان)(٣) أن الحكم الذي دعوا فيه إلى الكتاب يحتمل ثلاثة أشياء:

أحدهما: أن يكون نبوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الثاني: أن يكون أمر إبراهيم فإن دينه الإسلام.

الثالث: أن يكون حداً من الحدود (الرجم) لأنهم نازعوا في ذلك.

____________________

(١) التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣ بتصرف.

(٢) سورة آل عمران: آية ٢٣.

(٣) التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٢٥، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٢: ٢٦٥.

٤٦

ونحن لا يهمنا هذا التفصيل، لأنه ليس غرضنا التفسير، بل يهمنا ثبوت مشروعية الدّعوى في هذه الآية الكريمة، وقد ثبت بأمر الأفراد المتنازعة بالرجوع إلى كتاب الله تعالى ليكون حكماً بينهم، ومعنى هذا أن هناك دعوى قائمة مشروعة.

٣ - قوله تعالى:( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) . أي الفائزون برضا الله لطاعتهم لرسوله وانقيادهم لأوامره ونواهيه وهي مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام كما جاء ذلك في تفسير (التبيان)(٢) .

وهذه الآية الثالثة التي تدل على ثبوت مشروعية الدّعوى لما تحمله من تشويق وترغيب على أن من يقبل أن يتحاكم إلى الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما هو إلاّ دليل على صحة إيمانه بالله تعالى وبرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه سوف يكون من الفائزين في الآخرة.

٤ - قوله تعالى:( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) (٣) . أي إصابة الحكم الحق وذلك بالطلب من المدّعي البينة ومن المدّعى عليه اليمين(٤) .

إن الله تعالى أمر نبيه داودعليه‌السلام أن يحكم بين المتخاصمين وأن يثبت على المدّعي البينة واليمين على المدّعى عليه لدليل على صحة مشروعية الدّعوى وثبوتها.

____________________

(١) سورة النور: آية ٥١.

(٢) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٧: ٤٥٢، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٧: ٢٦٣.

(٣) سورة ص: آية ٢٠.

(٤) راجع التبيان للشيخ الطوسي ٨: ٥٥٠، مجمع البيان للشيخ الطبرسي ٨: ٣٤٩.

٤٧

ثانياً: السنّة الشريفة

وردت أحاديث كثيرة بصدد مشروعية الدّعوى نقتصر على بعض منها:

١ - ما جاء في الكافي(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أن(إن الله البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يبطل دم امرئ مسلم).

٢ - وأيضاً في الكافي(٢) : عن بريد بن معاوية عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة فقال: (الحقوق كلها البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً فقالت الأنصار: إن فلان اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيدوه برمته فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيدوه برمته، فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره فوداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من عنده وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذ رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكف عن قتله وإلاّ حلف المدّعى عليه قسام خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً وإلاّ أغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون).

٣ - ما جاء في مَنْ لا يحضره الفقيه(٣) : عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام : (إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ - ٣٦٢ ح٦.

(٢) ن. م ٧: ٣٦١ ح ٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٢ - ٣ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢١٦.

٤٨

٤ - وفي مَن لا يحضره الفقيه أيضاً(١) : عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال: (أيّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقٍّ فدعاه إلى رجل من إخوانكم ليحكم بينه وبينه فأبى إلاّ أن يرافعه إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا قال الله بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ… الآية ) (٢) ).

ثالثاً: الإجماع

لقد انعقد الإجماع منذ بداية الإسلام وإلى يومنا هذا - بل منذ نشأت الاختلافات بين أفراد النوع البشري وإلى أن تنتهي الدنيا - على مشروعية الدّعوى وجوازها، وذلك لضرورتها في الحياة.

حيث من خلالها يتم قطع الخصومات وانتهاء المنازعات بين الأطراف لكي يسود العالم الأمن والأمان والسعادة.

وهذه كتب الفقهاء ومؤلفاتهم تثبت ذلك، فهي لا تخلوا من كتاب يسمى ب- (كتاب القضاء) الذي يثبتون فيه معنى القضاء وما يتعلق به من مسائل لا مجال لذكرها فمن أراد فليراجع الكافي، والوسائل، وكتب العلامة، والمحقق، والجواهري، وغيرهم.

رابعاً: العقل

لقد ثبت عقلاً أن حل النزاعات بين الناس وحسم أمر الدّعوى حسن، وكل أمر حسن مرغوب فيه عند العقل، ويحكم بلزوم فعله. وبهذا نثبت صحة مشروعية الدّعوى.

____________________

(١) ن .م: ٤ ب من يجوز التحاكم إليه ومن لا يجوز ح ٣٢٢٠.

(٢) سورة النساء: آية ٦٠.

٤٩

المطلب الثالث: ترجيح أحد المدّعيين وجعله مدعياً

هناك جملة من المرجحات التي يمكن أن تجعل أحد المدّعيين مدّعياً والآخر مدّعى عليه، وهي كالآتي:

١ - الترجيح بالأسبقية:

إذا قدم الخصمان دعوى على بعضهما البعض، قدمت دعوى الأسبق.

أفتى بذلك فقهاء الطائفة حيث قالوا: (إذا تحاكم خصمان فادعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى، فالذي يدعي بالدّعوى أولاً أحق من صاحبه أن يسمع منه)(١) .

٢ - الترجيح بالجلوس على يمين المدّعي الآخر:

إذا تشاح الخصمان في الابتداء سمعت دعوى من كان على يمين خصمه.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (أن الخصمين إذا ابتدرا الدّعوى بين يدي الحاكم، وتشاحا في الابتداء بها وجب على الحاكم أن يسمع من الذي عن يمين خصمه)(٢) .

الدليل على ذلك: هو إطباق الطائفة عليه، كما عبّر الشريف المرتضى بذلك(٣) .

ثم قال الشريف الرضي معللاً ذلك بقوله: (لأن مّنْ خالف ما ذكرناه إنما اعتمد على الرأي والاجتهاد دون النص والتوقيف، ومثل ذلك الرجوع فيه إلى التوقيف أولى وأحرى)(٤) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣ - ١٢٤ مع اختلاف بالألفاظ.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٠، المقنعة للشيخ المفيد: ٧٢٥، الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥، السرائر لابن إدريس ٢: ١٥٧، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٩٤، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٣: ٤٣٤، مستند الشيعة للمحقق النراقي ١٧: ١٢٣، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٤: ٨٧١ مع اختلاف بالألفاظ.

(٣) الانتصار للشريف الرضي: ٤٩٥.

(٤) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥.

٥٠

وبعدها اعترض على ابن الجنيد - عندما فسّر رواية ابن محبوب، التي رواها عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، والتي نصها: (قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقدّم صاحب اليمين في المجلس بالكلام)(١) - قائلاً: (قال ابن الجنيد: يحتمل أن يكون أراد بذلك المدّعي، لأن اليمين مردودة إليه، قال ابن الجنيد: إلاّ أن ابن محبوب فسّر ذلك في حديث رواه عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبداللهعليه‌السلام أنه قال: (إذا تقدمت مع خصم إلى والٍ أو قاضٍ فكن عن يمينه - يعني عن يمين الخصم -)(٢) ، وهذا تخليط من ابن الجنيد، لأن التأويلات إنما تدخل بحيث تشكل الأمور، ولا خلاف بين القوم أنه إنما أراد يمين الخصم دون اليمين التي هي القسم)(٣) .

ونحن نرى ما يراه الشريف المرتضى لأنه هو الأرجح والأصح، لما للرواية من وضوح في هذه المسألة.

٣ - تقديم من له بيّنة وإلاّ فالترجيح بالقرعة:

إذا ادعى كلاهما أنه أحضر صاحبه للدّعوى فإن كان لأحدهما بينة سمع منه، وإلاّ أقرع بينهما.

أفتى بذلك صاحب كتاب (الوسيلة) بقوله: (وإذا حضر خصمان للتداعي لم يخل حالهما من أربعة أوجه: … أو ادعى كلاهما أنه قد أحضره للدّعوى، … والثاني: إن كان لأحدهما بينة حكم عليها، وإن لم يكن أقرع بينهما)(٤) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ١٤ ب آداب القضاء ح ٣٢٤١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٧ ب ٨٨ آداب الحكام ح ٨، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢١٨ ب ٥ يستحب للإنسان أن يقوم عن يمين خصمه ح ١.

(٣) الانتصار للشريف المرتضى: ٤٩٥ - ٤٩٦.

(٤) الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢١١.

٥١

٤ - تقديم من له شاهدان على من له شاهد ويمين:

إذا كان لأحد المدّعيين شاهدان وللآخر شاهد وامرأتان تساويا في الدّعوى، وأما إذا كان لأحدهما شاهدان والآخر شاهد ويمينه فلا.

أفتى بذلك الشيخ الطوسي والقمي(١) بقولهما: (إذا كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد وامرأتان، تقابلتا بلا خلاف بيننا وبين الشافعي. فأما إن كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد واحد، وقال: أحلف مع شاهدي، فإنهما لا يتقابلان).

واستدلا على ذلك بالإجماع على تقابلهما، وبأن التهمة تلحق من حلف لنفسه، ولا تلحق الشاهدين لأنهما يحلفان لغيرهما.

٥ - الترجيح بالقرعة عند تعارض البينتان:

إذا تساوت البينتان ولا مرجّح لأحدهما أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق له، لأن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه.

ذكر ذلك الفقهاء(٢) بقولهم: ( إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما على الأخرى، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق).

مستدلين عليه بالإجماع على أن القرعة لكل أمر مشكل، وهذا منه، مضافاً إلى ذلك الروايات الكثيرة التي ذكرنا بعضها في بحث القرعة فلا داع للإعادة.

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٤ وكذلك المبسوط ٨: ٢٥٨ - ٢٥٩، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٦١٦.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٦: ٣٣٧ وكذلك المبسوط ٨: ٢٤١، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٥٣٥، جامع الخلاف والوفاق للقمّي: ٦١٣، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٨: ٣٦٨، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١٢: ٥٥٤، تحرير الوسيلة للسيد الخميني ٢: ٢٦١.

٥٢

المبحث الثاني: أنواع الدّعوى

لربما يتساءل البعض عن مورد هذا البحث وما هو ربطه بالبحث ؟

إنا لسنا بصدد ذكر أنواع الدّعوى، بل الهدف من هذا البحث هو ذكر بعض أنواع الدعاوى التي يمكن قبولها من المدّعي لصحتها والفرق بينها وبين التي لا يمكن قبولها لفسادها.

ونحن لو تتبعنا كلمات الفقهاء بما كتبوه في الدعاوى لوجدناهم يقسمون الدّعوى من

ناحية الصحة والفساد إلى قسمين وهما:

القسم الأول: الدّعوى الصحيحة

وهي التي استوفت الشروط بحيث يمكن سماعها.

القسم الثاني: الدّعوى الفاسدة

وهي التي لم تستوف الشروط كلها أو بعضها بحيث لا يمكن سماعها.

ونحن نكتفي بذكر نماذج من الدعوى الصحيحة، ومن خلالها تتضح لنا الدعوى الفاسدة لأنه كل ما ترتب على الدعوى الصحيحة من شروط ترتب عكسه للدعوى الفاسدة.

٥٣

نماذج من الدعوى الصحيحة

أولاً: دعوى البيعان

هناك مسائل خلافية تحدث بين البائع والمشتري حول المبيع وما يرتبط به، ونحن هنا نذكر بعضاً من هذه المسائل وهي:

١ - إذا كان الخلاف بين البائع والمشتري في مقدار ثمن المبيع أو جنسه فهنا فرعان:

أ - إذا كان المثمن تالفاً فالقول قول المشتري مع يمينه.

ب - إذا كان المثمن سالماً فالقول قول البائع مع يمينه.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن أو جنسه، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه)(١) .

وقد استدل بعضهم على ذلك بعدة أدلة منها:

أولاً - إجماع الفرقة على ذلك.

ثانياً - هناك عدة روايات في هذا الصدد نذكر منها:

الرواية الأولى: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال: (البينة على مّنْ ادّعى واليمين على مّنْ أنكر)(٢) ، وفي غيرها (واليمين على مَنْ ادّعي عليه)(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٧، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، السرائر لابن إدريس الحلي ٢: ٣١٨ - ٣١٩، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧، المختصر النافع للمحقق الحلي: ١٢٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١، كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع الخلاف والوفاق للقمي: ٢٧٨، مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦، المهذب البارع لابن فهد الحلي ٢: ٣٦٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤ بتصرف.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٩٣ ب ٢٥ وجوب الحكم بملكية صاحب اليد حتى يثبت خلافه وجواز الشهادة لصاحب اليد بالملك وأنه لا يجب على القاضي تتبع أحكام من قبله وحكم اختلاف الزوجين في متاع البيت ح٣.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ح١، دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي ٢: ٥٢٠ - ٥٢١ ح١٨٥٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٢٩ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٣ ب٣ أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه في المال وحكم دعوى القتل والجرح وأن بينة المدعى عليه لا تقبل مع التعارض وغيره ح١.

٥٤

والمشتري مدّعى عليه وهو المنكر، لأنهما - أي البائع والمشتري - اتفقا على العقد وانتقال الملك، والمشتري معترف بذلك، والبائع يدّعي عليه الزيادة وهو ينكرها، فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة أن القول قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.

ولكن روي عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا: (القول قول البائع) فحملنا على أنه مع بقاء السلعة(١) .

الرواية الثانية - مضافاً إلى ما ذكره المستدلون على هذه المسألة فهناك رواية لأحمد بن محمد بن أبي نصر، ومع أنها مرسلة لكن منجبرة بعمل الأصحاب بها، كما يذكر ذلك بعض الفقهاء(٢) ، وهي كالآتي:

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في رجل يبيع الشيء فيقول المشتري: هو بكذا وكذا، بأقل ما قال البائع ؟ قال: (القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشيء قائماً بعينه)(٣) .

وقد ردّ العلامة الحلي هذه الرواية بكتابه ( مختلف الشيعة) قائلاً: (إنه منقطع السند فلا حجة فيه)(٤) ، وهو مردود بانجبارها بعمل الأصحاب كما ذكرنا ذلك.

وتردد في أصل المسألة بكتابه (تحرير الأحكام) قائلاً: (وعندي في ذلك تردد)(٥) .

____________________

(١) راجع الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٤٨، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٧ - ٥٨، غنية النزوع لابن زهرة الحلبي: ٢٣١، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠ بتصرف.

(٢) راجع كشف الرموز للفاضل الآبي ١: ٤٥٢، جامع المقاصد للمحقق الكركي ٤: ٤٤١، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ٣: ٢٥٨، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٩٧، رياض المسائل لسيد علي الطباطبائي ٨: ١٥٠، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٣: ١٨٤.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٥: ١٧٤ ب إذا اختلف البائع والمشتري ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٧: ٢٦ ب٢ عقود البيع ح ٢٦ وص ٢٢٩- ٢٣٠ ب ٢١ من الزيادات ح٢١، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٨: ٥٩ ب ١١ حكم اختلاف البائع والمشتري في قدر الثمن ح ١.

(٤) راجع مختلف الشيعة للعلامة الحلي ٥: ٢٩٦.

(٥) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

٥٥

٢ - إذا اختلف البائع والمشتري في نوع المبيع، وليس هناك بينة، فالقول قول البائع مع يمينه بأنه ما باع المشتري ما يدّعيه، والقول قول المشتري مع يمينه بأنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، ولا يجب عليهما في الحلف النفي والإثبات.

فإن حلف البائع إنه ما باع المشتري ما يدّعيه، بقي هذا المبيع على ملكه يتصرف به كيف يشاء. وإما المشتري، فإن حلف أنه ما اشترى من البائع ما يدّعيه، فإن كان ما يدّعيه البائع في يد المشتري، فلا يجوز للبائع مطالبته به لأنه يدّعيه، وإن كان ما يدّعيه البائع بيده فلا يحق له التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، نعم يجوز له بيعه وأخذ مقدار ثمنه منه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله:

(إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منها الجمع بين النفي والإثبات، ولا يكون هذا تحالفاً، وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف بها.

وأما المشتري، فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدّعيه، وإن كان في يد البائع فإنه لا يجوز التصرف به، لأنه معترف بأنه للمشتري وأن ثمنه في ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن)(١) .

مستدلاً على ذلك بقوله: (إن ها هنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادّعى ابتياع العبد كان عليه البينة، فإذا عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادّعى المشتري أنه اشترى الجارية، كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين)(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (الجامع للشرايع): أنهما يتحالفان، كل واحد منها لدعوى صاحبه وينفسخ البيع، ولم يذكر التفصيل بأن العبد بيد المشتري أم لا(٣) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٢.

(٢) م. س: ١٥٣.

(٣) راجع الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ - ٢٧٢.

٥٦

٣ - إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في الثمن أوالمثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في الثمن، لأصالة عدم الزيادة فيه، والقول قول ورثة البائع مع يمينهم في المثمن لأصالة عدم البيع.

أفتى بذلك بعض فقهاء الطائفة بقوله: (إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع في المثمن مع اليمين)(١) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن، لأن ورثة المتبايعان قد اتفقا على البيع، ولكن ادّعى ورثة البائع أن الثمن أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعلى مدّعي الزيادة البينة، فإذا عدمت فعلى منكرها اليمين لأصالة عدم الزيادة.

واستدل على أن القول قول ورثة البائع في المثمن، لأن الأصل عدم البيع فمن ادّعاه فعليه البينة، وعلى منكره اليمين لأصالة بقاء ملك البائع على ورثته(٢) .

وقد ذكر صاحب كتاب (تحرير الأحكام) الشق الأول من المسألة (مقدار الثمن) قائلاً: (القول قول ورثة المشتري على كل حال، سواء كانت تالفة أو باقية)(٣) .

٤ - إذا اختلف المتبايعان في شرط يفسد البيع، فالقول قول مدّعي الصحة، وعلى مدّعي الفساد البينة، لأصالة الصحة في العقود.

قال بهذا بعض الفقهاء بقولهم: (إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، كان القول قول مّنْ يدّعي الصحة، وعلى مّنْ ادّعى الفساد البينة)(٤) .

وقد استدل صاحب كتاب (الخلاف) على ذلك: بأن الأصل في العقد الصحة، فمن ادّعى الفساد فعليه الدلالة(٥) .

____________________

(١) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٢٨٧.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٣ - ١٥٤ بتصرف.

(٣) راجع تحرير الأحكام للعلامة الحلي ٢: ٣٦٢.

(٤) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠، الجامع للشرايع ليحيى بن سعيد الحلي: ٢٧١ بتصرف.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي ٣: ١٥٠ بتصرف.

٥٧

٥ - إذا اختلفا في جودة الثمن وعدمه فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع مدّعٍ فعليه البينة والمشتري منكر فعليه اليمين، والأصل أن البائع قد قبضه جيداً.

أفتى بهذا صاحب كتاب (المبسوط) بقوله: (إذا قبض البائع الثمن، ثم ادّعى أن فيما قبضه زيفاً، وأنكر المشتري ذلك، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعي عليه أنه قبضه منه زيفاً فيحتاج إلى بينة، والأصل أنه قبضه جياداً)(١) .

ثانياً: دعوى الزوج والزوجة

يتعرض الزوج والزوجة في بعض الأحيان إلى بعض المشاكل العالقة في بيت الزوجية مثل: النفقة والتمكين وما إلى ذلك، وقد وضعت الشريعة الإسلامية لهذه المشاكل حلولاً وأحكاماً، نذكر ما يخص أمر الدّعوى والإنكار:

١ - إذا اختلفا في قبض المهر وعدمه، أو النفقة وعدمها، فالقول قول الزوج مع يمينه.

أفتى بهذا فقهاء الطائفة بقولهم: (إذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة، فالذي رواه أصحابنا أن القول قول الزوج، وعليها البينة)(٢) .

مستدلين على ذلك بعدة أدلة منها:

١ - إجماع الفرقة على ذلك.

٢ - الأخبار الواردة في هذا الصدد.

٣ - مضافاً إلى العادة الجارية بين الناس بأن الزوجة لا تمكن الزوج إلاّ بعد استلام المهر، ولا تقيم معه إلاّ إذا أنفق عليها، وخلاف هذا عليها البينة(٣) .

____________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ٢: ١٥٥، جواهر الفقه لابن البراج: ٥٩.

(٢) الخلاف للشيخ الطوسي ٥: ١١٦.

(٣) ن. م: ١١٦.

٥٨

٢ - إذا اختلعا واختلفا في النقد أو القدر أو الجنس فالقول قول الزوجة مع يمينها، لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه)، والزوج هنا مدّعٍ، لأنه يدّعي ما تنكره الزوجة، فكانت عليه البينة، فإذا لم تكن، كان القول قول الزوجة(١) .

٣- إذا اختلفا في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة فالقول قول الزوجة مع يمينها.

أفتى بذلك صاحب كتاب (منهاج الصالحين) بقوله: (إذا اختلف الزوجان في الإنفاق وعدمه مع اتفاقهما على استحقاق النفقة، فالقول قول الزوجة مع يمنيها، إذا لم يكن للزوج بينة)(٢) .

وقد استظهر السيد الخوئي بأن القول قول الزوجة وذلك بقوله: ( فالظاهر أن القول قول الزوجة مع يمينها، بلا فرق بين أن يكون الزوج غائباً أو كانت الزوجة منعزلة عنه وغير ذلك)(٣) ولم يذكر: إذا لم يكن للزوج بينة.

٤ - إذا اختلفا في الإعسار واليسار، وادعى الزوج أنه غير قادر على الإنفاق، وادعت الزوجة القدرة فالقول قول الزوج مع يمينه.

نعم إذا كان موسراً وادعى تلف ماله وقد صار معسراً فالقول قول الزوجة مع يمينها.

ذكر ذلك فقهاء الطائفة بقوله: (إذا اختلفا في الإعسار واليسار، فادعى الزوج الإعسار، وأنه لا يقدر على الإنفاق، وادعت الزوجة يساره، كان القول قول الزوج مع يمينه، نعم إذا كان الزوج موسراً، وادعى تلف أمواله، وأنه صار معسراً، فأنكرته الزوجة، كان القول قولها مع يمينها)(٤) .

____________________

(١) جواهر الفقه للقاضي ابن البراج: ١٧٨ بتصرف.

(٢) منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

(٣) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩٠.

(٤) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ٢: ٢٩١، منهاج الصالحين للسيد السيستاني ٣: ١٣٠.

٥٩

ثالثاً: دعوى الزوجة وورثة الزوج

كثيراً ما تقع مشاكل بين الزوجة وورثة الزوج في مسألة الإرث، وما إلى ذلك من المسائل، وقد جاء ديننا الحنيف بحلول لهذه المشكلات العالقة بينهما، وحل النزاعات، نذكر بعضاً منها:

١- إذا ادّعت الزوجة أن ما في يدها هو ملكها أو في مقابل مهرها أو دين كان عنده وما إلى ذلك، ولم يكن لها بينة، فالقول قول الوارث مع يمينه(١) .

٢- إذا أمر الرجل زوجته بالخروج إلى بعض الأمصار ثم مات، وادّعى الوارث بأن الزوج لم ينقلها، فالقول قولها، لأنها والوارث متساويان في عدم العلم بمراد الزوج، وأن ظاهر قوله موافق لدعواها، لأن قول الزوج: اخرجي إلى المصر الفلاني ظاهره النقل(٢) .

رابعاً: الدّعوى بحق الميت

نذكر بعض المسائل الخلافية بين ورثة الميت والمدّعي عليه ومنها:

١- إذا أوصى الميت لشخص أن له حظ أو نصيب أو شيء من ماله وما إلى ذلك، وادّعى الموصى له أن ورثته يعلمون مقداره، فالقول قول الورثة مع يمينهم بأنهم لا يعلمون.

ذكر ذلك الفقهاء بقولهم: (إذا قال لفلان حظ من مالي أو نصيب أو قليل فإنه يرجع إلى الورثة ويقال لهم أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك، كما أنه إذا قال أعطوه شيئاً من مالي إلاّ أن يدّعي الموصى له أكثر من ذلك، وأن الورثة يعلمون ذلك، فإنه يكون القول قول الورثة مع يمينهم أنهم لا يعلمون، وكذلك في جزء وكثير سواء)(٣) .

____________________

(١) رسائل الكركي للمحقق الكركي ٢: ٣١٣، القضاء للسيد الكلبايكاني ٢: ٢٧٠ بتصرف.

(٢) جواهر الفقه للقاضي ابن البرّاج: ١٩٣ بتصرف.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ٤: ٧ - ٨، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ٢: ٤٩٩، وكذلك إرشاد الأذهان ١: ٤٦١ ، شرائع الإسلام للمحقق الحلي ٢: ٤٧٥، إيضاح الفوائد لابن العلامة ٢: ٥٣٣، جامع المقاصد للمحقق الكركي١٠: ٢١٤، الوصايا والمواريث للشيخ الأنصاري: ٩٦، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٢٨: ٣٣٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فإن توصيف البيّنة بالعدول مرتين في الرواية دليل على أن المراد منها الشهود العدول عند إطلاقها، ولذا أطلق عنوان البيّنة على هذا المعنى من غير تغيير بالعدول في نفس هذه الرواية مراراً، حيث قال [الإمام] الصادقعليه‌السلام في إنماجوابه: (حقها للمدّعي ولا أقبل من الذي في يده البيّنة، لأن الله أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي، فإن كانت له بيّنة وإلاّ فيمين الذي هو في )) .يده، هكذا أمر الله

وقد ذكر ستة روايات في هذا الأمر وفي آخر البحث يقول:

(ويتحصل من جميع ذلك أن كونها حقيقة في هذا المعنى في زمن الأئمةعليهم‌السلام بحيث يفهم منها عند إطلاقها لا ينبغي إنكاره، وأما كونها كذلك في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو قابل للتأمل، وإن كان بعض ما مرّ مشعراً بكونه كذلك حتى في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله والله العالم)(١) .

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية البيّنة

أولاً: الكتاب العزيز

لقد ذكرت البيّنة في القرآن الكريم بصورة المفرد في تسع وعشرين موضعاً، وأُريد بها المعنى اللغوي (الدلالة الواضحة والبرهان والحجة والأمر البيّن)(٢) ، ومنها:

١ - قوله تعالى:( سَلْ بَنِي إِسْرائيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (٣) .

٢ - قوله تعالى:( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) (٤) .

____________________

(١) القواعد الفقهية للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ٢: ٤٧ - ٥١.

(٢) راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي، التفسير الصافي للفيض الكاشاني، التبيان للشيخ الطوسي، الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي، كنز الدقائق للميرزا محمد المشهدي وغيرها من التفاسير في خصوص هذه الآيات الكريمة.

(٣) سورة البقرة: آية ٢١١.

(٤) سورة الأنعام: آية ٥٧.

٨١

٣ - قوله تعالى:( أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ ) (١) .

٤ - قوله تعالى:( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢) .

وهناك الكثير من الآيات الكريمة أعرضنا عنها مخافة التطويل، مثل: آية ٨٥ من سورة الأعراف، وآية ٤٢ من سورة الأنفال، وآية ١٧، ٢٨، ٦٣، ٨٨ من سورة هود، وآية ١٣٣ من سورة طه، وآية ٣٥ من سورة العنكبوت، وآية ١٤ من سورة محمد، وآية ١، ٤ من سورة البيّنة، وغيرها.

وذكر القرآن الكريم البيّنة في صورة الجمع في اثنين وخمسين موضعاً في نفس المعنى اللغوي المذكور أعلاه، ومنها:

١ - قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاّ الْفَاسِقُونَ ) (٣) .

٢ - قوله تعالى:( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (٤) .

٣ - قوله تعالى:( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) (٥) .

____________________

(١) سورة الأنعام: آية ١٥٧.

(٢) سورة الأعراف: آية ٧٣.

(٣) سورة البقرة: آية ٩٩.

(٤) سورة آل عمران: آية ٩٧.

(٥) سورة يونس: آية ١٥.

٨٢

وغيرها من الآيات المباركة، مثل: آية ١٠١ سورة الإسرار، وآية ٧٣ من سورة مريم، وآية ١٦، ٧٢ من سورة الحج، وآية ١ من سورة النور، و٣٦ من سورة القصص، وغيرها الكثير تركناه مخافة الإسهاب في ذكرها.

وهناك آيات أخرى تدل على حجية قول العدلين من دون أن تصرّح بعنوان البيّنة، ولا أرى ضيراً في هذا، لأنهما من مصاديق البينة، وربما كان من باب تخصيصهما بالمناسبة التي ذكرتهما:

١ - قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الآثِمِينَ ) (١) .

يقول الشيخ مكارم الشيرازي في كتابه (القواعد الفقهية): (ودلالتها على قول العدلين واضحة، وإن لم يكن موردها خصوص الشهادة، بل يحتمل كونهما مع ذلك وصيين عن الميت، فإذا قبلت قولهما في الشهادة والوصاية فقبوله في الشهادة المجردة عن الوصاية بطريق أولى)(٢) .

٢ - قوله تعالى:( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) (٣) .

____________________

(١) سورة المائدة: آية ١٠٦.

(٢) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٥٢.

(٣) سورة الطلاق: آية ٢.

٨٣

ذكر الشيخ مكارم الشيرازي حول هذه الآية الكريمة بقوله: (دلّ على وجوب كون الكفارة مماثلاً للحيوان الذي اصطاده، وحيث أن المماثلة قد تخفى وتكون مورداً للشك وجب أن تكون بحكم ذوي عدل، أي خبرتين عدلين، … إلى أن يقول: نعم يرد عليه أن الآية ناظرة إلى حجية قول أهل الخبرة، مع أن كلامنا في حجية قول الشاهدين في المحسوسات.

ولكن يمكن الجواب عنه بأن حجية قول العدلين في الحدسيات دليل على حجيته في الحسيات بطريق أولى فتأمل)(١) .

٣ - قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (٢) .

____________________

(١) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٥٢ - ٥٣.

(٢) سورة البقرة: آية ٢٨٢.

٨٤

يقول الشيخ مكارم الشيرازي: (دلت الآية على وجوب أو استحباب كتابة الديون وإشهاد رجلين مسلمين بقرينة قوله تعالى: (من رجالكم) …) إلى أن يقول: (فالآية دالة على حجية قول العدلين في الديون، وكذا في أبواب البيوع …) إلى أن يقول: (وتحصل مما ذكرنا حجية شهادة العدلين في الطلاق، والوصية، والدين، والبيع، وأحكام الكفارات، وهل يمكن استفادة العموم من هذه الموارد الخاصة، أو لابد من الاقتصار على مواردها، وعدم التعدي منها إلى غيرها ؟

الإنصاف أن بحسب الفهم العرفي يصطاد منها العموم بلا إشكال، لا سيما مع مناسبة الحكم والموضوع، وقوله تعالى في أحكام الدين: (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) الذي هو من قبيل التعليل وهو دليل على العموم ولا أقل من الإشعار.

وبالجملة ولو لم يكن في المقام دليل آخر على العموم كفانا ما ورد في الكتاب العزيز(١) ).

وهناك آيات أخرى لا مجال لذكرها خوف الإسهاب في الموضوع.

ثانياً: السنّة الشريفة

لقد ذكر أصحاب كتب الحديث روايات تثبت مشروعية البيّنة في الدّعوى بين المتخاصمين، ومنها:

١- محمد بن سنان، عن [الإمام] الرضاعليه‌السلام فيما كتب إليه في جواب مسائله: - (والعلة في شهادة أربعة في الزنا، واثنتين في سائر الحقوق، لشدّة حد المحصن، لأن فيه القتل، فجعل فيه الشهادة مغلّظة، لما فيه من قتل، وذهاب نسب ولده، لفساد الميراث)(٢) .

٢- سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (في كتاب عليعليه‌السلام : أن نبيّاً من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ كيف أقضي فيما لم أشهد ولم أر ؟ قال: فأوحى الله تعالى إليه احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي تحلفهم به، وقال: هذا لمن لم تقم له بيّنة)(٣) .

____________________

(١) القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٥٣ - ٥٤ (المقام الثاني في أدلة حجية البيّنة).

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٣٨ ب ٥ أن الزنا لا يثبت إلاّ بأربعة شهداء، وسائر الحقوق تثبت بشاهدين ح٢، عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ١: ١٠٣، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٣: ٤٦٦، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ٦: ١٠١ وج ١٠١: ٣٠١ ب ١ الشهادة وأحكامها وعللها ح ٥.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٥ ب القضاء بالبيّنات والأيمان ح ٤، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٣٨ ب ٨٩ كيفية الحكم والقضاء ح ١، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٢٩ ب ١ أن الحكم بالبيّنة اليمين ح ١، الجواهر السنية للحر العاملي: ٣١٥ - ٣١٦، مكاتيب الرسول لأحمدي الميانجي ٢: ٢٨٣ - ٢٨٤.

٨٥

٣ - يونس، عمّن رواه قال: (استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدّعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدّعى عليه، فإن لم يحلف وردّ اليمين المدّعي فهي واجبة عليه أن يحلف، ويأخذ حقّه، فإن أبى أن يحلف فلا شيء له)(١) .

وهناك روايات كثيرة وردت في أبواب مختلفة، وفي مواضيع خاصة، ربما تتجاوز حد التواتر، ويمكن أن يستدل بها للعموم، لأن قبول قول الشاهدين فيها ناشئ من حجية قول العدلين في جميع الأبواب(٢) .

ثالثاً: الإجماع

أن الذي يتتبع كلمات فقهاء الطائفة في كتبهم الفقهية في مسألة البيّنة يجد أنهم قد اعتمدوا حجيتها بصورة عامة في مسائلهم الفقهية في جميع أبوابها، إلاّ ما ندر منهم، وقد يعتبر رأيه رأياً شاذاً عن أرائهم.

رابعاً: العقل

مما لا شك فيه أن العقل يستحسن قول الثقة ويعتبره حجة في إثبات الموضوعات، سواء كان في القضاء أو غيره، ويقبّح قول غير الثقة ويعتبره غير ملزم، وغير حجة في إثباتها.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٦ ب من لم يكن له بيّنة فيرد عليه اليمين ح ٣، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٤١ - ٢٤٢ ب ٧ أن المدّعي إذا لم يكن له بيّنة فله استحلاف المنكر، فإن رد اليمين على المدّعي فحلف ثبتت الدّعوى، وإن نكل بطلت ح ٤ وص ٢٧١: ب ١٥ ثبوت دعوى المالية بشهادة رجل وامرأتين، وبشهادة امرأتين ويمين ح ٢.

(٢) مقتبس من القواعد الفقهية للشيخ مكارم الشيرازي ٢: ٦١.

٨٦

المطلب الرابع: اليمين

ونبحث فيه عدّة نقاط، منها :

النقطة الأولى: أنواع اليمين

يمكن أن نقسّم اليمين إلى نوعين أساسيين هما:

النوع الأول: اليمين الكاذبة

وهي محرّمة، وعليها كفّارة اليمين، والتي تسمّى باليمين الغموس، التي تؤدي بصاحبها إلى النار، وقد حذّرت الشريعة المقدّسة منها، وذلك بما يلي :

أ- قوله تعالى:( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

ب - عن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن ميمون، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: (قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع)(٢) ، أي اليمين الكاذبة وهي المعبّر عنها بالغموس.

ج - عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (اليمين الصبر الكاذبة تترك الديار بلاقع)(٣) .

النوع الثاني: اليمين الصادقة

وهي مكروهة بنصّ الآية الكريمة:( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٤) ، وقد جاءت السنّة الشريفة مؤكّدة تلك الكراهيّة في أحاديث كثيرة، ومنها ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيته لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام بقوله: (يا علي لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة)(٥) .

____________________

(١) سورة المائدة: آية ٨٩.

(٢) ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ٢٢٦.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٦ ب اليمين الكاذبة ح٦.

(٤) سورة البقرة: آية ٢٢٤.

(٥) تحف العقول لابن شعبة الحراني: ١٤.

٨٧

النقطة الثانية: أقسام اليمين

أردنا بهذا العنوان والذي سبقه هو التمييز بين المعنى الخاص باليمين والحكم الشرعي له، فالنقطة الأولى تدل على معنى اليمين، وهذه تدل على الحكم المترتب عليه، وقد قسم الفقهاء اليمين من ناحية الحكم الشرعي إلى قسمين:

القسم الأول: ما فيه الكفارة

وهذا على قسمين(١) :

أ - أن يحلف الشخص على شيء لا يجب عليه فعله، فيحلف أن يفعله، فعليه الكفارة إذا لم يفعله.

وفي هذه الحال قد أصبح الفعل عليه واجباً بسبب اليمين، فإذا خالف وجبت عليه كفارة اليمين.

ب - أن يحلف الشخص على شيء يجب عليه أن يفعله، فيحلف أن يفعله، فعليه الكفارة إذا لم يفعله.

وهنا يكون الوجوب مؤكداً عليه بسبب يمينه، فإذا خالف وجبت عليه كفارة اليمين، مضافاً إلى تحمله عقوبة مخالفة الواجب.

القسم الثاني: ما لا كفارة فيه

وهذا القسم على ثلاث أقسام(٢) :

أ - لا كفارة عليه، بل يؤجر إذا حلف كذباً، مثل الحلف على خلاص مسلم أو مال مسلم من معتد عليه أو لص وما شاكل ذلك.

ب - لا كفارة عليه ولا أجر له، مثل الحلف على شيء، ثم يجد ما هو خير منه فيترك اليمين ويرجع إلى ما هو الخير.

ج - لا كفارة عليه، وفيها دخول النار، مثل إذا حلف على شيء ظلماً، وهذه هي اليمين الغموس التي توجب النار ولا كفارة عليها في الدنيا.

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٧٣، المنقع للشيخ الصدوق: ٤٠٧، وكذلك الهداية: ٢٧٩، المراسم العلوية لسلار بن عبد العزيز: ١٨٧ - ١٨٨، النهاية للشيخ الطوسي: ٥٥٧ و٥٥٩ بتصرف.

(٢) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٧٣، المنقع للشيخ الصدوق: ٤٠٧، وكذلك الهداية: ٢٧٩، المراسم العلوية لسلار بن عبد العزيز: ١٨٧ - ١٨٨، النهاية للشيخ الطوسي: ٥٥٧، ٥٥٩ بتصرف.

٨٨

ويمكن الاستدلال على قسمي اليمين بهذه الرواية:

قال [الإمام] الصادقعليه‌السلام : (اليمين على وجهين: أحدهما: أن يحلف الرجل على شيء لا يلزمه أن يفعل فيحلف أنه يفعل ذلك الشيء، أو يحلف على ما يلزمه أن يفعل فعليه الكفارة إذا لم يفعل، والأخرى على ثلاثة أوجه: منها ما يؤجر الرجل عليه إذا حلف كاذباً، ومنها ما لا كفارة عليه ولا أجر له، ومنها ما لا كفارة عليه فيها، والعقوبة فيها دخول النار. فأما التي يؤجر عليها الرجل إذا حلف كاذباً ولا تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعدّ يتعدّى عليه من لصّ أو غيره، وأما التي لا كفارة عليه فيها ولا أجر له فهو أن يحلف الرجل على شيء ثم يجد ما هو خير من اليمين فيترك اليمين ويرجع إلى الذي هو خير، وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم، أو على حقّه ظلماً، فهذه يمين غموس توجب النار، ولا كفارة عليه في الدنيا)(١) .

والظاهر أن هذه الرواية نفسها قد قسّمها صاحب كتاب (وسائل الشيعة) إلى ثلاثة أقسام فجعل كل قسم منها في باب يناسبه، مع ذكره لها بتمامها في باب آخر غير الأبواب الثلاثة، وقد نهج نفس المنهج صاحب كتاب (مستدرك الوسائل) فراجع(٢) .

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٦٦ - ٣٦٧ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٢٩٧، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٤٩ ب ٢٣ انعقاد اليمين على فعل الواجب وترك الحرام فتجب الكفارة بالمخالفة وقدر الكفارة ح ٥، بحار الأنوار ١٠١: ٢٢١ ح ٢٤ مع تقديم وتأخير في مضمون الرواية.

(٢) وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢١٥ ب ٩ تحريم الحلف على الماضي مع تعمد الكذب وعدم لزوم الكفارة بها ح ٣ وص ٢٢٦ ب ١٢ جواز الحلف باليمين الكاذبة للتقية كدفع الظالم عن نفسه أو ماله أو نفس مؤمن أو ماله ح ٩ وص٢٤٢ - ٢٤٣ ب ١٨ أن من حلف يميناً ثم رأى مخالفتها خيراً من الوفاء بها جاز له المخالفة بل استحبت ولا كفارة عليه ح ٩، مستدرك الوسائل للميزرا النوري ١٦: ٣٨ ب ٣ تحريم اليمين الكاذبة، لغير ضرورة وتقية ح ٤ وص ٤١ ب ٥ تحريم الحلف على الماضي مع تعمد الكذب، وعدم لزوم الكفارة ح ٢ وص٥٢ ب ١٣ أن من حلف يميناً ثم رأى مخالفتها خيراً من الوفاء بها، جاز المخالفة، بل استحبت، ولا كفارة عليه ح ٥ وص ٥٦ ب ١٧ انعقاد اليمين على فعل الواجب وترك الحرام، فتجب الكفارة بالمخالفة، وقدر الكفارة ح ٣ و٤.

٨٩

النقطة الثالثة: ما يكره الحلف عليه

١ - لا يحلف المدّعى عليه على مبلغ ماليّ بخس.

وقد أفتى بذلك الفقهاء بقولهم: (وإذا ادعى عليك مالاً ولم يكن على بينة، فأراد المدّعي أن يحلفك، فإن كان مقدار ثلاثين درهماً فأعطه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ثلاثين درهماً فاحلف ولا تعطه)(١) .

واستدلوا على ذلك بالروايات التالية:

أ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إذا ادعى عليك مال، ولم يكن له عليك، فأراد أن يحلفك، فإن بلغ مقدار ثلاثين درهماً فأعطيه ولا تحلف، وإن كان أكثر من ذلك فاحلف ولا تعطه)(٢) .

ب - عنهعليه‌السلام أيضاً قال: (لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين، قال:( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ) (٣) ،(٤) .فإنه

____________________

(١) المقنع للشيخ الصدوق: ٤١٢، مسالك الإفهام للشهيد الثاني ١١: ٢٩٣، مجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي ١٢: ١٧٧، نهاية المرام للسيد العاملي ٢: ٣٤٢، كفاية الأحكام للمحقق السبزواري: ٢٢٨، كشف اللثام للفاضل الهندي ٢: ٢٢٣، التحفة السنية للسيد عبدالله الجزائري: ٢٠٨، رياض المسائل للسيد علي الطباطبائي ٢: ٤٠٣، مستند الشيعة للمحقق النراقي: ١٧: ٤٧٥، جواهر الكلام للشيخ الجواهري ٤٠: ٢٣٧، جامع المدارك للسيد الخوانساري ٥: ٦٦ و٦: ٤٥.

(٢) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٥ ب كراهية اليمين ح ٦، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ٢٠١ - ٢٠٢ ب ٣ ح ١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٣ ح١٠٣٧ مضيفاً (ولم يكن له عليك شيء … وساق الحديث).

(٣) سورة البقرة: آية ٢٢٤.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٤ ب كراهية اليمين ح ١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٦٢ ح ٤٢٨١، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٢ ح ١٠٣٣، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ١٩٨ ب ١ كراهية اليمين الصادقة وعدم تحريمها ح ٥.

٩٠

ج - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: (وإني لأكره أن أقول والله على حال من الأحوال)(١) .

٢ - يكره للمدّعي استحلاف المدّعى عليه مع الإنكار واليسار تعظيماً لاسم الله تعالى(٢) .

ويمكن الاستدلال عليه بهذه الرواية وهي:

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (من أجلَّ الله أن يُحْلَفَ به خيراً مما ذهب منه)(٣) .كاذباً أعطاه الله

٣ - أن لا يحلف ذو الدين والفضل إذا ابتلي بدعوى باطلة وكانت لا تؤثر على ماله(٤) .

ويمكن الاستدلال عليه بهذه الرواية:

قال [الإمام] أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : (ما ترك عبد شيئاً لله ففقده)(٥) .

٤ - لا يرد اليمين على ذي الدّعوى الباطلة، بل يمينه أولى في هذه المسألة(٦) .

ويمكن الاستدلال عليها بهذه الرواية:

روى حماد بن عثمان، عن محمد بن أبي الصباح قال: قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : إنّ أمّي تصدّقت عليّ بنصيب لها في الدار، فقلت لها: إنّ القضاة لا يجيزون هذا، ولكن اكتبيه شرى، فقالت: اصنع من ذلك ما بدا لك، وكل ما ترى أن يسوغ لك، فتوثّقت، فأراد بعض الورثة أن يستحلفني أنّي قد نقّدتها الثمن، ولم أنقدها شيئاً فما ترى ؟ فقال: (فاحلف لهم)(٧) .

____________________

(١) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٩٠ ح ١٠٧٢، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٨١ ب ٦ الحلف صادقاً وكاذباً وتحليف الغير ح ١٨.

(٢) الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ٤٤٣ بتصرف.

(٣) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤٣٤ ب كراهية اليمين ح ٢، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٧٠ - ٣٧١ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٢٩٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٢ ح ١٠٣٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٣: ١٩٨ ب١ كراهية اليمين الصادقة وعدم تحريمها ح ٣.

(٤) الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ٤٤٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٧١ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٣٠٠.

(٦) الكافي لأبي الصلاح الحلبي: ٤٤٣.

(٧) النوادر لأحمد بن عيسى الأشعري: ٢٨ - ٢٩ ح ٢١، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٦١ ب الأيمان والنذور والكفارات ح ٤٢٧٦ وج ٤: ٢٤٨ ب الوقف والصدقة والنحل ح ٥٥٨٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٨: ٢٨٧ كتاب الأيمان والنذور والكفارات ب ٤ الأيمان والأقسام ح ٤٨ وج ٩: ١٣٨ كتاب الوقوف والصدقات ب الوقوف والصدقات ح ٢٧، وسائل الشيعة للحر العاملي ١٩: ١٩٦ - ١٩٧ ب ٩ جواز وقف المشاع والصدقة به قبل القسمة وقبل القبض ح ٥ وج ٢٣: ٢٨١ ب ٤٣ جواز الحلف في الدّعوى على غير الواقع للتوصل إلى الحق ودفع ظلم قضاة الجور ح ١، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٦: ٧٦ - ٧٧ ب ٣٣ جواز الحلف في الدّعوى على غير الواقع، للتوصل إلى الحق، ودفع ظلم قضاة الجور ح ١، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٢٣٣ ب ح ٨٢.

٩١

النقطة الرابعة: أدّلة مشروعية اليمين

أولاً: الكتاب الكريم

لقد ذكر القرآن الكريم كثيراً من الآيات المباركات التي تشير إلى مشروعية اليمين أو ما نعبّر عنه بالقسم أو الحَلْف، ويمكن تقسيمها إلى قسمين :

القسم الأول: الحلف بالله تعالى

وهذا القسم هو الذي له أثر شرعي على الحالف أو المُقسِم، وهو الذي قبله الشرع من بقية الأيمان ويمكن تقسيمه من خلال حروف القسم إلى ثلاثة أقسام:

أ- حرف الواو

لقد ذكر القرآن الكريم بعض الأيات التي وردت في حرف القسم الواو، ومنها:

١- قوله تعالى:( ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (١) .

٢- قوله تعالى:( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ(٢) فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ (٣) وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٤) .

٣- قوله تعالى:( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ) (٥) .

٤- قوله تعالى:( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً (٦) ) (٧) .

____________________

(١) سورة الأنعام: آية ٢٣.

(٢) حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم: أي يجعلوك حكماً، أو حاكماً فيما وقع بينهم من الخصومة، والتبس عليهم من أحكام الشريعة. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٣: ١٢١)

(٣) لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت: أي لا تضيق صدورهم به. (راجع التبيان في تفسير القرآن للطوسي ٣: ٢٤٦).

(٤) سورة النساء: آية ٦٥.

(٥) سورة الحجر: آية ٩٢.

(٦) جثيّاً: أي على رُكَبِهِمْ (تفسير القمي ١: ٢٣١.

(٧) سورة مريم: آية ٦٨.

٩٢

ب - حرف التاء

ذكر القرآن الكريم هذا القسم في بعض الآيات الكريمة، منها:

١- قوله تعالى:( وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (١) ) (٢) .

٢- قوله تعالى:( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ) ،( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٣) ) ،( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ (٤) اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) ،( قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٥) ) (٦) .

٣- قوله تعالى:( وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٧) ) ،( تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٨) .

____________________

(١) لأكيدن: لأدبرن أمراً خفياً يسوؤكم بعد ذهابكم عنها. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٧: ٩٤ بتصرف).

(٢) سورة الأنبياء: آية ٥٧.

(٣) تفتأ تذكر … أو تكون من الهالكين: أي لا تزال تذكر يوسف حتى تكون فاسد العقل أو تكون من الميتين. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٥: ٤٤٤ بتصرف).

(٤) آثرك: أي فضلك. (التبيان في تفسير القرآن للطوسي ٦: ١٩٠).

(٥) لفي ضلالك القديم: أي لفي ذهابك عن الصواب قدماً بإفراطك في محبة يوسف وإكثارك ذكره والتوقع للقائه. (تفسير الصافي للفيض الكاشاني ٣: ٤٣).

(٦) سورة يوسف: آية ٧٣، ٨٥، ٩١، ٩٥.

(٧) تفترون: أي تكذبون. (راجع تفسير مجمع البيان للطبرسي ٦: ١٦٧ بتصرف).

(٨) سورة النحل: آية ٥٦، ٦٣.

٩٣

ج - حرف الباء

هناك آيات ربما تكون مشعرة بالقسم بهذا الحرف الثالث، ومنها:

١- قوله تعالى:( فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) (١) .

٢- قوله تعالى:( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ) (٢) .

القسم الثاني: القسم بظواهر الكون

لقد أقسم الله تبارك وتعالى بظواهر الكون في بعض الآيات التي ذكرها القرآن الكريم، والتي تعبّر عن تعظيم المُقْسَم به، وتوكيداً للمُقْسَم عليه، وهذا القسم ليس له اعتبار شرعي بالنسبة للحالف، ولا يترتب عليه أثر شرعي تجاهه، ونحن نذكر بعض الآيات التي وردت في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر، ومنها:

١- قوله تعالى:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) (٣) .

٢- قوله تعالى:( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) (٤) .

٣- قوله تعالى:( وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ) (٥) .

٤- قوله تعالى:( وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ) (٦) .

____________________

(١) سورة المائدة: آية ١٠٧.

(٢) سورة الأنعام: آية ١٠٩.

(٣) سورة النجم: آية ١- ٢.

(٤) سورة الشمس: آية ١ - ٢.

(٥) سورة المدثر: آية ٣٣.

(٦) سورة التكوير: آية ١٧.

٩٤

ثانياً: السنّة الشريفة

هناك أحاديث كثيرة وردت في اليمين تدل على أنه عمل مشروع ضمن الضوابط التي تذكرها الكتب الفقهية، ومن هذه الأحاديث ما يلي:

١ - عن بريد بن معاوية، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن القسامة، فقال: (الحقوق كلها البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه إلاّ في الدم خاصة …)(١) .

٢ - قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، والصلح جائز بين المسلمين إلاّ صلح أحل حراماً أو حرم حلالاً)(٢) .

وهناك الكثير تركناه لاشتراك أكثره مع البيّنة وقد ذكرنا بعض منه فيها، ولمخافة الإسهاب في البحث.

ثالثاً: الإجماع

لو تتبعنا كتب الفقهاء لوجدناهم قد أعطوا لليمين مشروعية للوصول من خلاله إلى النتائج النهائية لحل الخصومات بين الطرفين بعد البينة، فلم تجد أحداً في هذا الصدد مخالفاً في ذلك.

فهذا مثلاً الشيخ الطوسي يذكر أن الشريكين إذا اختلفا، أو المضارب وصاحب المال في شيء من الأشياء، (كانت البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه، مثل الدعاوي في سائر الأحكام)(٣) .

وكذلك بقيّة الفقهاء كلهم على هذا المنوال، فمن أراد المزيد فليراجع كتبهم الفقهية، ولا داعي للإطالة في ذلك.

____________________

(١) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٣٦١ ب القسامة ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٣٢ ب الصلح ح ٣٢٦٧.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي: ٤٢٩.

٩٥

رابعاً: العقل

لو رجعنا إلى العقل بغض النظر عن الأدلة السابقة لوجدناه يستحسن ظاهرة اليمين عند فقد البينة، ويجعلها الطريقة المثلى لحل النزاع بين الطرفين، فبدونه ربما تبقى المسألة معلقة إلى أجل غير مسمى، بل ربما تشتد الأزمة بينهما وتصل إلى حد لا تحمد عقباه، لهذا نراه يستحسن هذه الظاهرة ولا يستقبحها.

المطلب الخامس: القرعة

ونبحث فيه ثلاث نقاط، وهي :

النقطة الأولى: بعض موارد إجراء القرعة

ذكر الفقهاء موارد إجراء القرعة في كتبهم الفقهية بشكل متفرقات، ونحن نذكر بعضاً منها تحت هذا العنوان لكي يسهل الإطلاع عليها، وهي كالآتي:

١ - أن القرعة تجري في كل ما لا يتهيأ فيه الإشهاد عليه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (فقه الرضا) بقوله: (كل ما لا يتهيأ فيه الإشهاد عليه، فإن الحق فيه أن يستعمل فيه القرعة)(١) .

مستدلاً على كلامه بهذه الرواية: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: (أي قضية أعدل من القرعة، إذا فوض الأمر إلى الله، لقوله تعالى:( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) )، الآتي ذكرها في أدلّة مشروعية القرعة.

٢ - إذا تساوى الشهود في العدد والعدالة أقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف وكان الحكم له.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (فإن تساويا في العدالة، كان الحكم لأكثرهما شهوداً مع يمينه بالله تعالى: أن الحق له، فإن تساويا في العدد، أقرع بينهم، فمن خرج عليه، حلف، وكان الحكم له)(٣) .

٣ - تجري القرعة على كل أمر مشكل يشتبه الحكم فيه.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (كل أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن تستعمل فيه القرعة)(٤) .

مستدلاً على قوله بما جاء عن الإمام أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، وعن غيره من آبائه وأبنائهعليهم‌السلام من قولهم: (كل مجهول ففيه القرعة، قلت له: إن القرعة تخطأ وتصيب ! فقال: كل ما حكم الله به فليس بمخطئ)(٥) .

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٢.

(٢) سورة الصافات: آية ١٤١.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي: ٣٤٣ - ٣٤٤.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي: ٣٤٥ - ٣٤٦، الوسيلة لابن حمزة الطوسي: ٢٣٣ باختلاف يسير.

(٥) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٢ ب الحكم بالقرعة ح ٣٣٨٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٤٠ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضهما على بعض وحكم القرعة ح ٢٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥٩ - ٢٦٠ ب ١٣ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح١١، فتح الأبواب للسيد ابن طاووس: ٢٧٢، الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ١: ٦٩٤ ب ٨٣ أن القرعة لكل أمر مجهول إلاّ ما استثني ح١، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٣٢٥ ب ٦ القرعة ح٦.

٩٦

٤ - إذا اشترك شخصان في شراء جارية فواقعاها في طهر واحد، وأتت بولد لهما، ولم يعرف أيهما أبوه أقرع بينهما.

ذكر ذلك بعض الفقهاء بقولهم: (لو أن رجلين اشتريا جارية وواقعاها جميعاً، ظناً منهما بأن ذلك جائز لهما، فأتت بولد، لكان الحكم فيه أن يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة ألحق به الولد، ويغرم نصف قيمة الجارية لصاحبه، وعلى كل واحد منها نصف الحد)(١) .

٥ - إذا كان لشخص مجموعة من العبيد فأعتق ثلثهم مثلاً بعد موته ولم يعلم من هم أقرع بينهم، فمن خرج في القرعة فهو حر. ذكر ذلك صاحب كتاب (العويص) بقوله: ( (٦٣) مسألة أخرى: رجل له ثلاثون عبداً، فأعتق ثلثهم عند موته، فلم يعلم مّنْ المعتق منهم. الجواب: يقرع بينهم، فمن خرجت القرعة عليه عتق)(٢) .

٦ - إذا ولد مولود ولم يعرف هل هو ذكر أم أنثى، أقرع عليه، فإذا خرج سهم الذكور ألحق بهم، وإن خرج سهم الإناث ألحق بهن، وورث ميراثهم.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (إذا ولد مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، أقرع عليه، فإن خرج سهم الرجال ألحق بهم، وورث ميراثهم، وإن خرج سهم النساء ألحق بهن، وورث ميراثهن)(٣) .

٧ - إذا اختلطت بهيمة موطوءة مع قطيع من البهائم، قُسِّمَ إلى قسمين وأقرع بينهما، فمن خرجت القرعة عليه قُسِّمَ مرة أخرى وهكذا إلى أن تبقى واحدة، فيجرى عليها الحكم وهو الحرق بالنار بعد الذبح.

ذكر ذلك صاحب كتاب (النهاية) بقوله: (فإن اختلطت البهيمة الموطوءة بغيرها من البهائم، ولم تتميز، قسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة وأقرع بينهما، فما وقعت عليه القرعة قسم من رأس، وأقرع بينهما إلى أن لا تبقى إلاّ واحدة، ثم تأخذ وتحرق بالنار بعد الذبح، وليس ذلك على جهة العقوبة لها، لكن لما يعلم الله تعالى من المصلحة في ذلك، ولدفع العار بها عن صاحبها)(٤) .

٨ - إذا مات اللقيط وادعى رجلان أنه ولدهما، وتعارضت بينتاهما، أو لا بينة لهما، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به. ذكر ذلك صاحب كتاب (الخلاف) بقوله: (إذا ادعى أجنبيان بأنه ولدهما، وكان مع كل واحد منهما بينة، فتعارضتا، أو لا بينة معهما أصلاً، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به)(٥) .

مستدلاً على ذلك بإجماع الفرقة على أن كل مجهول فيه القرعة، وهذا داخل فيه.

نكتفي بهذا القدر خوفاً من الإطالة، ومن أراد الإطلاع أكثر فليراجع الكتب الفقهية ففيها ما يغني عن ذلك.

____________________

(١) فقه الرضا لابن بابويه: ٢٦٢، المقنع: ٤٠١، المقنعة للشيخ المفيد: ٥٤٤ بتصرف.

(٢) العويص للشيخ المفيد: ٥١.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي: ٣٤٥.

(٤) ن. م: ٧٠٩.

(٥) الخلاف للشيخ الطوسي: ٥٩٥.

٩٧

النقطة الثانية: كيفية إجراء القرعة وصيغتها

ذكر فقهاء الطائفة صيغة القرعة وهي: أن يكتب على سهم أو في قرطاس اسم الولد واسم أحد الرجلين، ثم يكتب في سهم آخر اسم الولد واسم الآخر، ويخلطا في سهام أو قراطيس متشابهة، ويقول المقرع - وهو الحاكم -: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بيّن لنا أمر هذا المولود، لنقضي فيه بحكمك.

ثم يخلط السهام بيده، ويأخذ منها واحداً، فأي سهم خرج أولاً - عليه اسم أحدهما - ألحق الولد به(١) .

والظاهر أن هذه الصيغة مستقاة من رواية فضيل بن يسار وما شابهها والتي سوف نذكرها ضمن النقطة الثالثة من (أدلة مشروعية القرعة - ثانياً: السنة الشريفة) الآتية إن شاء الله تعالى.

النقطة الثالثة: أدلّة مشروعية القرعة

أولاً: الكتاب الكريم

من أدلة مشروعية القرعة في القرآن الكريم هاتين الآيتين المباركتين:

١ - قوله تعالى:( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) .

وهذه الآية الكريمة تبين أن نبي الله (يونسعليه‌السلام ) قد شارك الذين في السفينة في القرعة عندما أرادوا أن يلقوا أحدهم إلى الحوت الذي تعرضهم فكان سهمه هو الذي خرج(٣) .

٢ - قوله تعالى:( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (٤) .

وهذه الآيات الثانية تبين كيف تشاح القوم على كفالة مريم فتحاكموا إلى القرعة فكانت من حظ نبي الله (زكرياعليه‌السلام )(٥) .

فتبيّن من خلال ذكر القرآن الكريم لقصة هاتين الآيتين الكريمتين وعدم ذمه لهما، دليل على مشروعية القرعة فيهما.

____________________

(١) المقنعة للشيخ المفيد: ٥٤٤.

(٢) سورة الصافات: آية ١٤١.

(٣) راجع تفسير القمي ٢: ٢٢٧، التبيان للشيخ الطوسي٨: ٥٢٨، مجمع البيان للطبرسي ٨: ٣٣٢، التفسير الأصفى للفيض الكاشاني ٢: ١٠٥٧، الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي ١٧: ١٦٣ وغيرها.

(٤) سورة آل عمران: آية ٤٤.

(٥) راجع تفسير التبيان للشيخ الطوسي ٢: ٤٥٩ - ٤٦٠، مجمع البيان للطبرسي٢: ٢٩٢، الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي ٣: ١٩٠ وغيرها.

٩٨

وربما يقول القائل: أن المراد من هاتين الآيتين هو الحكاية عن مشروعية القرعة في الشرائع السابقة، لا أنها مشروعة في عصرنا، فهذا غير واضح.

ولو تنزلنا فنقول: يمكن الاستفادة من الآيتين بأن القرعة كانت من الأمور المشروعة في الشرائع السابقة، ولم تكن من البدع والمنهيات، ونحن نستصحب بقاءها، وسريان مشروعيتها إلى وقتنا هذا(١) ، بناءً على استصحاب الشرائع السابقة.

ثانياً: السنّة الشريفة

لقد أثبتت السنة شرعية القرعة في عدة روايات ومنها:

١ - عن سماعة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (إن رجلين اختصما إلى عليعليه‌السلام في دابة فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده، وأقام كل واحد منهما بينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلم السهمين على كل واحد منهما بعلامة، ثم قال: اللهم رب السماوات السبع والأرضين السبع ورب العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أيهما كان صاحب الدابة وهو أولى بها فأسألك أن تخرج سهمه، فخرج سهم أحدهما، فقضى له بها)(٢) .

٢ - ورد في كتاب (النوادر): (وكان (الإمام) عليعليه‌السلام إذا أتاه عدة وعدلهم واحد أقرع بينهم، أيهم وقعت اليمين عليه استحلفهم، وقال: اللهم رب السماوات السبع أيهم كان الحق له فأده إليه، ثم يجعل الحق للذي يصير اليمين عليه إذا حلف)(٣) .

٣ - عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: (كان (الإمام) عليعليه‌السلام إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء وعددهم، أقرع بينهم على أيهم تصير اليمين، قال: وكان يقول: اللهم رب السماوات السبع أيهم كان له الحق فأده إليه، ثم يجعل الحق للذي تصير إليه الحق إذا حلف)(٤) .

____________________

(١) مقتبس من: القواعد (مائة قاعدة فقهية، معناً ومدركاً ومورداً) للسيد المصطفوي: ١٩٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٣ ب الحكم بالقرعة ح ٣٣٩٣، الاستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٤٠ ب٢٢ البينتين إذا تقابلتا ح ٧ وبسند آخر أيضاً من نفس الباب ص٤١ - ٤٢ ح ١٢، وكذلك تهذيب الأحكام ٦: ٢٣٥ ب٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضها على بعض وحكم القرعة ح ٧، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥٤ ب ١٢ حكم تعارض البينتين وما ترجح به أحدهما وما يحكم به عند فقد الترجيح ح ١٢.

(٣) النوادر لأحمد بن عيسى الأشعري: ١٦١ ب ٣٥ القسامة ح ٤١٢.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٧: ٤١٩ ب الرجلين يدعيان فيقيم كل واحد منهما البينة ح ٣، من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٤ ب حكم القرعة ح ٣٣٩٧ بإضافة (ورب الأرضين السبع)، الإستبصار للشيخ الطوسي ٣: ٣٩ ك القضايا والأحكام ب البينتين إذا تقابلتا ح ٢، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥١ ب ١٢ حكم تعارض البينتين وما ترجح به أحدهما وما يحكم به عند فقد الترجيح ح ٥.

٩٩

٤ - عن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مولود ليس له ما للرجال ولا ما للنساء، فقال: (ذا يقرع عليه الإمام، يكتب على سهم (عبد الله) ويكتب على سهم آخر (أمة الله) ثم يقول الإمام أو المقرع: (للهم أنت الله لا إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا أمر هذا المولود حتى نورثه ما فرضت له في كتابك) قال: ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة، ثم تجال فأيهما خرج ورث عليه)(١) .

٥ - عن منصور بن حازم قال: سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللهعليه‌السلام عن مسألة، فقال له: (هذه تخرج في القرعة، ثم قال: وأي قضية أعدل من القرعة إذا ؟ ! أليس الله يقول تبارك وتعالى:( فَسَاهَمَ فَكَانَفوض الأمر إلى الله مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) ،(٣) .

٦ - عن إسماعيل الجعفي قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إن المغيرة بن سعيد روى عنك أنك قلت له: إن الحائض تقضي الصلاة ؟ فقال: (ما له لا وفقه الله، إن امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرراً والمحرر للمسجد يدخله ثم لا يخرج منه أبداً، فلما وضعتها قالت: رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى، فلما وضعتها أدخلتها المسجد فساهمت عليها الأنبياء فأصابت القرعة زكريا وكفلها زكريا …إلى آخر الحديث)(٤) .

٧ - عن محمد بن الحكم قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفرصلى‌الله‌عليه‌وآله عن شيء فقال لي: (كل مجهول ففيه القرعة، فقلت: إن القرعة تخطئ وتصيب، به فليس بمخطئ)(٥) .فقال: كل ما حكم الله

وهناك روايات أخرى كثيرة في هذا الموضوع لا مجال لذكرها رعاية للاختصار، فمن أراد المزيد فليراجع كتب الحديث مثل: الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه والأمالي للشيخ الصدوق، ودعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي، والمحاسن للبرقي، والاستبصار والتهذيب للشيخ الطوسي وغيرها الكثير.

____________________

(١) المحاسن للبرقي ٢: ٦٠٣ ب ٤ القرعة ح ٢٩.

(٢) سورة الصافات: آية ١٤١.

(٣) المحاسن للبرقي ٢: ٦٠٣ ب ٤ القرعة ح ٣٠، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٦١ - ٢٦٢ ب ١٣ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح ١٧.

(٤) الكافي للشيخ الكليني ٣: ١٠٥ ب الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ح ٤، مستدرك الوسائل للميرزا النوري ١٧: ٣٧٦ ب ١١ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح ٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ٣: ٩٢ ب الحكم بالقرعة ح ٣٣٨٩، تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ٦: ٢٤٠ ب ٩٠ البينتين يتقابلان أو يترجح بعضهما على بعض وحكم القرعة ح ٢٤، وسائل الشيعة للحر العاملي ٢٧: ٢٥٩ - ٢٦٠ ب ١٣ الحكم بالقرعة في القضايا المشكلة، وجملة من مواقعها وكيفيتها ح١١، فتح الأبواب للسيد ابن طاووس: ٢٧٢، الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي ١: ٦٩٤ ب ٨٣ أن القرعة لكل أمر مجهول إلاّ ما استثني ح١، بحار الأنوار للعلامة المجلسي ١٠١: ٣٢٥ ب ٦ القرعة ح٦.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152