الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين0%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد زهير الأعرجي
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 226329
تحميل: 11526

توضيحات:

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226329 / تحميل: 11526
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام زين العابدين

السيد زهير الأعرجي

١

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا ) (١) .

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام قال : (رحم الله عبداً أحيى أمرنا) قيل له : كيف يحيي أمركم ؟ قالعليه‌السلام : (يتعلم علومنا ويعلمها الناس ، فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا )(٢) .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٣ .

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ١٧١ .

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .

وبعد .

هذا الكتاب يتناول سيرة الإمام الرابع من أئمة أهل البيت علي بن الحسينعليه‌السلام ، وخصائصه الشخصية ، وآثاره في العلم والحكمة والموعظة .

وشخصية علي بن الحسينعليه‌السلام المعروف بالسجاد وزين العابدين لها أهمية تأريخية وعقائدية متميزة لسببين :

الأول : إمتلاكه اللياقة التامة الكاملة لمنصب الإمامة الكبرى وهو منصب إلهي مجعول من قبل الله تعالى ، كما أشار القرآن الكريم :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (١) وتلك اللياقة تعني حيازة الفضائل الإنسانية والكمالات الروحية والعلمية والجسدية واللياقة لا تكتمل إلا بعلمٍ رباني وفيضٍ إلهي يحيط بجميع شؤون ولاية الإمامعليه‌السلام ، وبمَلَكَة روحية تصونه عن الخطأ والنسيان ، والجهل والعصيان .

ــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤ .

٣

الثاني : طرق البيان اللفظي الرائع التي تميز بها السجادعليه‌السلام في زمن حفَلَ بالأدب والبلاغة والشعر ولكن لم يرقَ إلى نثر أهل البيتعليه‌السلام الديني الرائع غير أدبهم ، ولم تسمو إلى تلك المفاهيم المترابطة غير ألسنتهم الناطقة بالحق والصدق فقد أطنب الإمامعليه‌السلام في أدعيته ومناجاته ومواعظه وحكمه ودروسه في وصف الجنة والنار ، والنعيم والعذاب ، والآخرة والدنيا ، والخير والشر ، والإيمان والفسوق ، تشويقاً وتهويلاً ولا شك ان الإطناب في فلسفة اللغة من أرقى أساليب البلاغة ومن أروع صورها ووجوهها .

وبكلمة ، فقد مثَّلَ زين العابدينعليه‌السلام المنار الشامخ للخير والهداية في زمن عمَّ فيه الظلم والظلام وكلماته البليغة وسيرته العطرة سوف تبقى نموذجاً لشمولية الإسلام لكل جوابن الرحمة والمحبة في حياة الإنسان .

وله سبحانه وتعالى الشكر على إتمام النعمة ، وقبول العمل ، وغفران الزلل ، وحسن العاقبة في المبدأ والمآل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير .

زهير طالب الأعرجي

الأول من محرم الحرام ١٤٢٥ هـ

الحوزة العلمية

٤

محتويات الكتاب :

الفصل الأول : الترجمة التأريخية

الفصل الثاني : الخصائص الشخصية

الفصل الثالث : المعالم الإجتماعية

الفصل الرابع : الآثار المدوَّنة

الفصل الخامس : نصوصٌ منتقةُ

الفصل الأول : الترجمة التأريخية

ولادة علي بن الحسين عليه‌السلام

إذا أراد المؤرخ أن يؤرخ لحياة الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام ، فلابد أن يرجع قليلاً الى الوراء ، وبالتحديد الى فتح بلاد فارس زمن الخليفة الثاني فقد فتحت بلاد الفرس في السنة السادسة عشرة من الهجرة ، الا ان ملكها (يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز) هرب من عاصمة مملكته بعد سقوط المدائن بيد المسلمين ، وبقي متخفياً في أرياف فارس أربعة عشر عاماً حتى قتل سنة ٣٠ هجرية في مرو وصادف مقتله السنة السادسة من خلافة عثمان بن عفان .

وتشير الروايات التاريخية الى ان يزدجرد وصل الى المُلك سنة ١٦ هـ (بعد تمصير البصرة) أي بعد أربع سنوات فقط من تملك أبيه شهريان الذي أعتلى عرش فارس سنة ١٢ هـ أما جدهم كسرى أبرويز فقد قتل سنة وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي سنة ٣٦ هـ ، وهي السنة التي تصدى فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام للخلافة ، أرسلعليه‌السلام حريث بن جابر والياً على جانب المشرق ، فظفر بابنتي يزدجرد بن شهريار ، وبعثهما اليهعليه‌السلام وهو بالكوفة فنحل الامامعليه‌السلام شاه زنان الى ولده الحسين سيد شباب اهل الجنةعليه‌السلام فولدت له علي بن الحسينعليه‌السلام في الخامس من شهر

٥

شعبان سنة ٣٨ هـ(١) في الكوفة ، وقيل في المدينة وهو بعيد ونحل الأخرى إلى محمد بن أبي بكر ، فولدت له القاسم ، وهو فقيه معروف(٢) ونُسب إلى الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام انه كان يرى أن بنات الملوك ينبغي ان لا يعاملن معاملة الأسرى ولو كن كافرات(٣) ، وسنناقش دلالة ما نُسب إليهعليه‌السلام عما قليل .

وعندما قدمها أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى الحسينعليه‌السلام أوصاه بالإحسان إليها ، وسماها فاطمة تكريماً لها وتنبأعليه‌السلام نبوءته الصادقة : (يا أبا عبد الله لتلدن لك خير أهل الأرض ).

وهكذا كان ، فقد انجبت له زين العابدينعليه‌السلام وكان فعلاً خير أهل الأرض في ذلك الزمان ومواصفات فاضلة كتلك ، جعل تلك المرأة الكريمة تستحق لقب (سيدة النساء) حيث كانت تعرف به(٤) وهو لا يتعارض مع لقب فاطمة الزهراءعليه‌السلام ففاطمةعليه‌السلام في الحديث المستفيض عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين و(شاه زنان) سيدة نساء زمانها فلا تعارض في اللقبين .

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢٠١ .

(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٨٤ وبحار الانوار ج ٤٦ ص ١٢ ح ٢٣ وعوالم العوالم ج ١٨ ص ٩ ح ٥.

(٣) تجد روايات فريبة من ذلك في الكافي ج ١ ص ٤٦٦ ح ١ وبصائر الدرجات ص ٣٣٥ ح ٨ .

(٤) نور الابصار للشبلنجي ص ١٢٦ .

٦

وحدثٌ بهذا الوزن لابد ان يؤرخه الشعراء ، فتصدى لذلك الصحابي التابعي أبو الاسود الدؤلي ( ت ٦٧ هـ ) في بيتٍ شعري رائع :

وإنّ وليداً بين كسرى وهاشمٍ

لأكرمُ من نيطت عليه التمائمُ(١)

ولم تمكث سيدة النساء بعد وضع وليدها الا قليلاً ، فقد أصابتها حمى النفاس فتوفيت (رض) على أثر ذلك فبقي الوليد يتيماً من جهة الأم فأوكل الإمام الحسينعليه‌السلام حضانته إلى إحدى النساء من أهل الصلاح والتقوى .

ــــــــــــــــ

(١) بحار الانوار ج ٤٦ ص ١٦٦ نيطت : علّقت والتمائم : خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين وقد زعم بعض الباحثين بأن خلو ديوان أبي الأسود الدؤلي (تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين ، بغداد ١٩٥٤ م) من هذا البيت يرجح عدم صحة القصة ولكن هذا ترجيح بدون مرجح ، لأ، خلو الديوان لا يعني عدم صحة نسبة البيت الى الدؤلي خصوصاً وان من يجمع الديوان بعد وفاة الشاعر قد يحذف بعض المواد حسبما يرتأيه فكره وعقيدته وذوقه وعلى أية حال فقد ورد قريباً من لفظ هذا البيت في شعر الرماح ين يزيد المري المشهور بابن ميادة ( ت ١٣٦ هـ ) لما فخر بنفسه أباً واماً فقال :

انا ابن أبي سلمى وجدي ظالم

وأمي حصان حصنتها الأعاجمُ

أليس غلام بين كسرى وظالم

بأكرم من نيطت عليه التمائم ؟

٧

الأم الموحدة ودلالة ( لتلدن لك خير أهل الأرض )

وقد يثار تساؤل هنا ، وهو : كيف تمكنت امرأة وثنية على الظاهر ، غير عربية ، بنت أحد الملوك الذين بقوا على وثنيتهم ، من السمو إلى تلك الدرجة الكريمة لتكون أماً لإمام طاهر معصوم من أئمة المسلمين ؟

وجواب ذلك نرتبه في نقاط تالية :

١ ـ ان التوحيد قد رفع أفراداً كانوا يعيشون في أمم جاهلية تعبد الأوثان ؛ فكان الموحدون يخفون عقيدتهم أو يلوذون بالصمت أمام تيار الشرك والافتراض الصحيح ان سيدة النساء كانت امرأة موحدة في أمة كافرة ، لم تلوثها أوساخ الوثنية وهي ليست بمعزل عن أ÷ل التوحيد في ذلك الزمان فقد عاش الموحدون من بني هاشم في مجتمع قريش الوثني ، ولم يلوثهم درن الوثنية الجاهلية .

وأكثر ما استطاع الأمويون تزويره في هذا النطاق هو الزعم بان أم السجادعليه‌السلام كانت من سبايا كابل ، كما أرسلها اليعقوبي في تاريخه دون تدقيق(١) والخطأ واضح لان فتح كابل كان في سنة ثلاث واربعين للهجرة على يد عبدالرحمن بن سمرة الأموي من قبل

ــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ طبعة النجف .

٨

معاوية والسجادعليه‌السلام ولد سنة ٣٨ للهجرة بالاتفاق فلا يصح ذلك الزعم .

٢ ـ من المحتمل قوياً أن أمر إيمان ابنيّ ( يزجرد ) بالله عزوجل وبمبدأ التوحيد كان شائعاً في ذلك الزمان وإلاّ ، فان الإمام علياًعليه‌السلام لايمكن أن يتسرع في نحل امرأة لايعرف عن ماضيها وحاضرها شيئاً لابنه الحسينعليه‌السلام ، ويوعده بانها ستكون من أفضل نساء زمانها وستلد له خير أهل الأرض خصوصاً إذا لحظنا تأكيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حسن إختيار الزوجة ، مثل كون الخال أحد الضحيعين فاختاروا لنطفكم(١) ، وتوقوا على أولادكم من لبن البغي والمجنونة فان اللبن يعدي(٢) ، والنهي عن استرضاع الحمقاء لأن الولد ينزع إلى اللبن(٣) ، ونحوها من الأخبار .

وحتى ما قيل عن رأهعليه‌السلام من ان بنات الملوك لا يعاملن معاملة الأسرى ، لاتفسر مغزى قولهعليه‌السلام للحسين : ( يا أبا عبدالله لتلدن لك خير أهل الأرض ) ومجرد اطلاق عنوان السلطة الوارثية والأمارة السياسية دون افتراض الصلاح والتقوى والإيمان ، لايمكن ان يوّلد خيراً على الأرض .

ــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي .

(٢) المقنعة للشيخ المفيد ص ٦١ .

(٣) نوادر الراوندي ص ١٣ .

٩

ولكننا نميل إلى ان ما قالهعليه‌السلام في سيدة النساء يدل دلالة قوية على انها كانت امرأة استثنائية فهو على الأقل يعلم انها امرأة موحدة مؤمنة بلاله عزوجل وهذا ليس غريباً ، فالتاريخ ينقل لنا قصص مشابهة لنساء مؤمنات في أسر كافرة ، منها : امرأة فرعون الموحدة المؤمنة التي دعت الله عزوجل ان يبني لها بيتاً في الجنة وان ينجيها من فرعون وعمله ولا يشك أحد بكفر فرعون وظلمه وتعديه على حقوق الخلق وخالق .

قال المجلسي في ( بحار الأنوار )(١) : ان أم السجادعليه‌السلام رأت فاطمة الزهراءعليه‌السلام وأسلمت قبل ان يأخذها عسكر المسلمين ولها قصة وهي أنها قالت : رأيت في النوم ـ قبل ورود عسكر المسلمين ـ كأن محمداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل دارنا ، وجلس مع الحسينعليه‌السلام وخطبني له وزوّجني منه ، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطر غير هذا فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أتتني وعرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثم قالتعليه‌السلام : (إن الغلبة تكون للمسلمين ، وإنك تصلين عن قريب الى ابني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد ) قالت : وكان من الحال أني خرجت الى المدينة ما مسّ يدي انسان .

ــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١١ نقلاً عن كتاب الخرائج .

١٠

ونقل الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ان أمير المؤمنينعليه‌السلام سأل شاه زنان حين أسرّت : ( ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل ؟ ) قالت : حفظت عنه انه كان يقول : إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه ، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة فقالعليه‌السلام : ( ما أحن ما قال أبوك ! تذلّ الأمور للمقادير ، حتى يكون الحتف في التدبير )(١) .

أقول : وربما كان المقصود من لفظ ( أبيك ) في قول الإمامعليه‌السلام هو جدها كسرى لإحتمال وجوده في الملك عام الفيل وعلى أية حال فان ذلك القول يدلّ على حسن نظر وقوة رأي .

٣ ـ لو لم تكن سيدة النساء موحّدة ومؤمنة ومن أهل الصلاح ومعروفة بذلك ، لما ترك يزيد ذلك الأمر عندما واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام في بلاط الخلافة في الشام بعد أقل من شهر من واقعة كربلاء سنة ٦١ هـ وقد أنتقص من كان على شاكلة ( يزيد ) ابن الأمة ، أو زوج الأمة بعد عتقها ولنا في ذلك قرائن تاريخية تؤيد ما ذهبنا إليه :

أ ـ فقد عيّر هشام بن عبد الملك زيداً بن علي بانه ابن أمة مع ان الله عزوجل حلل الأماء قال هشام لزيد : أنت المؤهّل نفسك للخلافة ، الراجي لها ؟ وما أنت وذاك لا أمّ لك ، وإنما أنت ابن أمةٍ فقال زيد

ــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ص ١٦٠ .

١١

 (رض) : (اني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيمعليه‌السلام فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام ؟ وبعد فما يقصر برجل أبو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ؟ ) وفي ذلك دلالة على ان أمر الأمة كان محل انتقاص عند العرب زمن الجاهلية ، ومن بقي عليها زمن الإسلام .

ب ـ وحاول عبدالملك بن مروان الانتقاص من الإمام زين العابدينعليه‌السلام لانه اعتق أمة ثم تزوجها على سنة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأجابه الإمامعليه‌السلام بعد ان ذكّره بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمر : (... وقد رفع الله بالسلام الخسيسة ، وتمم به النقيصة )(١) وهذه الرواية على شاكلة سابقتها في كون الإماء من موارد الانتقاص عند العرب زمن الجاهلية .

وسكوت يزيد أقوى دليل على ان أم الإمام زين العابدينعليه‌السلام كانت من الإيمان والاصلاح ما كان معروفاً ومشهوراً في ذلك الزمان .

وإن كان هذا ينطبق على سيدة النساء ، فانه بالدلالة التاريخية ينطبق على أختها أم القاسم ، زوجة محمد بن أبي بكر .

ــــــــــــــــ

(١) الكافي على هامش مرآة العقول ج ٣ ص ٤٤٨ .

١٢

٤ ـ لم يظهر من الأحاديث المروية في الكتب الرواثية عن ان ابنيّ يزدجرد كانتا من سبايا الفرس ، عدا رواية ابن جرير الطبري في دلائل الإمامة ص ٨١ ولا نعمل مدى صحة رواية الطبري ، خصوصاً وانها تذكر بانهما دخلتا على عمر بن الخطاب في المدينة وهو غير صحيح ، لان يزدجرد كان حياً في زمن عمر ، و لم يقتل حتى سنة ٣٠ هـ ، وكان ذلك في خلافة عثمان ودخولها الى معسكر المسلمين كان بعد مقتل أبيها فرواية الطبري ساقطة تاريخياً .

اذن نستنتج بانهما لم يكونا من سبايا الفرس ، وربما كان رغبتهما للإتصال بالمسلمين زمن الإمام العادل علي بن ابي طالبعليه‌السلام دعاؤه لوالديه ، ويشمل أمه بالدلالة التضمنية ، هو دليل آخر على إيمانها ولو كانت مشركة لما جاز له الدعاء لها .

وكان للامام الحسينعليه‌السلام أمة ربّت السجادعليه‌السلام واشتهرت بانها أمّه وعنها قيل للسجادعليه‌السلام : أنت من أبر الناس ولا نراك تأكل مع أمك فقالعليه‌السلام : (اني أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فاكون قد عققتها )(١) وأرادعليه‌السلام بلزوم رعاية حق المربية ، وأطلق على مخالفتها اسم العقوق فهنا جملة أمور :

ــــــــــــــــ

(١) الكامل للمبرد ج ١ ص ١٦١ وعيون الاخبار لابن قتيبة ج ٣ ص ٩٧ .

١٣

أ ـ انهعليه‌السلام لم يتعمد مخالفتها وانما تخوف من سبق يده لما سبقت عينها اليه .

ب ـ انها لم تكن أمه البيولوجية ( التكوينية ) ، بل كان أمه الاعتبارية التي نزلت بمنزلة الأم من حيث الرعاية .

ج ـ ينبغي ، مفهوماً حسبما يستفاد من هذه الرواية ، ان يكون حال الولد مع أمه التكوينية ـ وهي التي حملته تسعة اشهر وتحملت مشاق الولادة والرضاعة من أجله ـ أعظم وأكبر .

والخلاصة ، انه لايمكن حمل عقيدة والدة الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلاّ على محمل الإيمان بالله عز وجل ومبدأ التوحيد ونحلها للحسينعليه‌السلام كان قد شرّفها ، ووضعها في المحل الطاهر الذي كانت تأمله كل موحّدة بالله لم تتهيأ لها الظروف لإعلان إسلامها أمام الملأ الواسع العريض .

مراحل حياة الإمام علي بن الحسين ( ٣٨ ـ ٩٥ هـ )

ويمكننا تقسيمن حياة الإمام السجادعليه‌السلام إلى ثلاث مراحل متصلة ومتضافرة بعضها مع الآخر الأولى : وتمتد من سنة ٣٨ هجرية ن وهو تاريخ ولادته بالكوفة الى بداية سنة ٦١ ، وهي السنة التي شهدت واقعة كربلاء واستشهاد والده الحسينعليه‌السلام مع من

١٤

صرع في أرض الطف والثانية : وتمتد من سنة ٦١ هجرية وحتى سنة ٦٧ هـ ، وهي الفترة الواقعة بين مقتل الحسينعليه‌السلام ومقتل قاتليه ، والثالثة : تمتد من سنة ٦٧ هـ وحتى استشهاد سنة ٩٥ هـ على يد الوليد بن عبدالملك بن مروان وفترة إمامة السجادعليه‌السلام الدينية والاجتماعية تغطي المرحلتين الثانية والثالثة ، وهي أربع وثلاثين عاماً وعاصر في مدة إمامته : يزيد بن معاوية ، ومعاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، والوليد بن عبدالملك وسوف نبحث الآن المرحلة الأولى من حياتهعليه‌السلام بصورة مفصّلة .

المرحلة الأولى : ( سنة ٣٨ ـ ٦١ هـ )

قضى السجادعليه‌السلام هذه الفترة من حياته ، وهي من تاريخ ولادته وحتى استشهاد والده الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، حياةً اسرية طبيعية تلقى فيها صنوف التربية الروحية من والدهعليه‌السلام بالخصوص لكنه عاش فترة مضطربة سياسياً ، على المستوى الاجتماعي فقد عاصرعليه‌السلام وهو في الثانية من عمره استشهاد جده علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة وعاصر ، وهو في الثالثة عشرة من عمره استشهاد عمه الإمام الحسنعليه‌السلام في المدينة المنورة ورافق أباه الحسينعليه‌السلام تمام مدة إمامته وهي عشر سنوات ، وحضر واقعة كربلاء حيث استشهد والده واخوته وعمه العباس وابناء عمومته ، وهو في الثالثة والعشرين من عمره .

١٥

وقد أعتاد أئمة أهل البيتعليه‌السلام بوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإذعان للإمام الحيعليه‌السلام والصمت بمعنى أنهم كانواعليه‌السلام لا يدلون برأي شرعي او مسألة فقهية أو حكم للناس ، وإمام منصوص عليه موجودٌ بينهم ، بل كانوا يتركون ذلك للإمام المنصوص عليه فلم ينهض الحسنعليه‌السلام بأعباء الإمامة بحضرة والده الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينهض الحسينعليه‌السلام بأعباء الإمامة بحضرة أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام فلا غرابة ان نلمس صمت زين العابدينعليه‌السلام في حضرة والده الامام الحسينعليه‌السلام الى ان استشهد في كربلاء سنة ٦١ هـ وعنهدا جاء دورهعليه‌السلام في إرشاد الناس .

ومرحلة الإعداد تلك تبدأ بالولادة ، ثم الطفولة ، والشباب ، والزواج ، وحتى الذهاب الى كربلاء وما حصل فيها .

الاحتفاء بالمولود

لايخفى ان ولادة علي بن الحسينعليه‌السلام في ٥ شعبان سنة ٣٨ هـ(١) كانت مورداً للاحتفاء عند آل البيتعليه‌السلام لسببين :

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ ونور الأبصار ص ١٥٣ .

١٦

الأول : كرامة المولود التي عبرت عنها روايات متواترة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت قد تنبأت بمولودٍ يملأ الدنيا عبادة وسجوداً ، وتضرعاً وخشوعاً منها : ما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : كنت جالساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين في حجره وهو يلاعبه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيد العابدين ، فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فان أنت أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام )(١) وداوم جابر على التقرب من أهل البيتعليه‌السلام ، وكانت له علاقة متميزة بالامام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان يصلي وراءهعليه‌السلام .

وكان الزهري(٢) إذا حدّث عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، قال : حدثني ( زين العابدين ) علي بن الحسين فقال له سفيان بن عيينة :ولم تقول له زين العابدين ؟ قال : لأّني سمعت سعيد بن المسيب يحدّث

ــــــــــــــــ

(١) هذا الحديث وفي لفظه أحاديث أخرى أخرجها في إحقاق الحق ج ١٢ ص ١٣ ـ ١٦ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٩ ص ١٠٦ .

(٢) كان محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( ٥٨ ـ ١٢٤ هـ ) من حاشية آل مروان ، فكان معلماً لأولاد هشام بن عبدالملك ( تهذيب التهذيب ج٩ ص ٤٤٩ ) حيث أمره هشام أن يملي على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث مما لا يتصل بفضائل أهل البيتعليه‌السلام فأطراه علماء العامة ورفعوه فوق مستوى العلم والفضيلة قال أبو علي الحائري في منتهى المقال في ترجمته : لا ريب في عداوته ونصبه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أدرجه العلامة الحلي وابن داود في رجالهما في الضعفاء ، ولم يعتد به الشيخ محمد طه نجف ، حيث لم يأت على ذكره في ( اتقان المقال ) .

١٧

عن ابن عباس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أين زين العابدين ؟ فكأني أنظر الى ولدي علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب يخطر بين الصفوف )(١) .

الثاني : الجمع عند علي بن الحسينعليه‌السلام بين ملامح عنصرين هما صلب العرب وترائب العجم وهو أمرٌ جديد على وجه التقريب إلا إذا أخذنا بنظر الإعتبار هنا زواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ماريا القبطية المهداة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حاكم الاسكندرية القبطي إلا ان ماريا كانت عربية من الأقباط ، بينما كانت سيدة النساء من العجم .

ولا نجد غرابة اذن في أن يطلق الإمام الجسينعليه‌السلام على ابنه عليعليه‌السلام لقب : ابن الخيرتين فخيرته من العرب قريش ( ومن قريش بني هاشم ) ومن العجم أهل فارس ، وهم أقرب الأقوام بعد العرب آنذاك إلى الإسلام .

ولا غرابة في أن ينشد أبو الأسود الدؤلي :

وان وليداً بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

ــــــــــــــــ

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٢٦٩ والامالي ص ٣٣١ .

١٨

في الأسرة

والمشهور شهرة عظيمة ان السجادعليه‌السلام كان أكبر أولاد الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ومن الضروري توضيح الفكرة القائلة بأن الإمامة لا علاقة لها بالولد الأكبر أو الأصغر ، بل هي بالنص والوصية فالإمامة من الله عزوجل يودعها حيث يشاء من عباده :( وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (١) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٢) وسوف نفصّل هذا الموضوع في الفصل الثاني باذنه تعالى .

عاش السجادعليه‌السلام في أسرة مكونة من تسعة أفراد : أبوه الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخويه علي الأصغر الذي يسمى خطأ بعلي الأكبر ( وأمه ليلى بنت أبي مرة الثقفية ) ، وجعفر ( وأمه قضاعيه ) وأختيه : سكينة ( وأمها الرباب بنت امرئ القيس ) ، وفاطمة ( وأمها أم إسحاق بنت طلحة وهي تميمية )(٣) ثم ولد للحسينعليه‌السلام عبدالله ( الرضيع ) وأمه الرباب قبل أشهر من واقعة

ــــــــــــــــ

(١) سورة القصص : الآية ٦٨ .

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٦ .

(٣) إرشاد المفيد ج٢ ص١٣٥ ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٧٧ .

١٩

الطف وذبح فيها وتوفي جعفر في حياة أبيه الحسينعليه‌السلام ، واستشهد علي الأصغر في كربلاء سنة ٦١ للهجرة .

ترعرع السجادعليه‌السلام في المدينة ، بعد استشهاد جده الإمام عليعليه‌السلام في الكوفة سنة ٤٠ هـ فقد رجع الهاشميون إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن مكثوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة أربع سنوات وأشهراً وكان اسمراً ، نحيفاً ، رقيقاً من كثرة العبادة .

تزوجعليه‌السلام في هذه الفترة من حياته ( سنة ٥٤ للهجرة على الإرجح ) من ابنة عمه : فاطمة بنت الإمام الحسين بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، فيكون زواجه منها وهو في السادسة عشرة من عمره فأنجبت له محمد الباقرعليه‌السلام ، وهو الإمام الخامس من أئمة أهل البيتعليه‌السلام ، سنة ٥٨ هـ ثم تزوج لاحقاً بأمهات أولاد فولدن له أولاداً ذكوراً وإناثاً ، أبرزهم زيد بن علي وعبدالله الباهر وكانا معروفين بالفضل والجهاد في الاسلام ومجموع أولاد زين العابدينعليه‌السلام حسب الروايات خمشة عشر ولداً : أحد عشر من الذكور وأربعة من الأناث وكان للباقرعليه‌السلام يوم الطف ثلاث سنين .

وكان السجادعليه‌السلام كثيراً ما يدعو لاولاده ، فيقول : (اللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ، وبإصلاحهم لي ، وبامتاعي بهم آلهي أمدد لي في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وربّ لي صغيرهم ، وقوّ لي ضعيفهم ، وأصح لي ابدانهم وأديانهم وأخلاقهم ، وعافهم في أنفسهم ، وفي جوراحهم ، وفي كل ما عنيت به من أمرهم ، وأدرر لي وعلى يدي ارزاقهم ، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين ، مطيعين لك ، ولأوليائك محبين ناصحين ، ولجميع اعدائك معاندين ) .

٢٠