الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين14%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250274 / تحميل: 14282
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمام علي بن الحسينعليه‌السلام زين العابدين

السيد زهير الأعرجي

١

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرا ) (١) .

وعن الإمام الرضاعليه‌السلام قال : (رحم الله عبداً أحيى أمرنا) قيل له : كيف يحيي أمركم ؟ قالعليه‌السلام : (يتعلم علومنا ويعلمها الناس ، فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لا تبعونا )(٢) .

ــــــــــــــــ

(١) سورة الأحزاب : الآية ٣٣ .

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ص ١٧١ .

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على محمدٍ رسول الله ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .

وبعد .

هذا الكتاب يتناول سيرة الإمام الرابع من أئمة أهل البيت علي بن الحسينعليه‌السلام ، وخصائصه الشخصية ، وآثاره في العلم والحكمة والموعظة .

وشخصية علي بن الحسينعليه‌السلام المعروف بالسجاد وزين العابدين لها أهمية تأريخية وعقائدية متميزة لسببين :

الأول : إمتلاكه اللياقة التامة الكاملة لمنصب الإمامة الكبرى وهو منصب إلهي مجعول من قبل الله تعالى ، كما أشار القرآن الكريم :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (١) وتلك اللياقة تعني حيازة الفضائل الإنسانية والكمالات الروحية والعلمية والجسدية واللياقة لا تكتمل إلا بعلمٍ رباني وفيضٍ إلهي يحيط بجميع شؤون ولاية الإمامعليه‌السلام ، وبمَلَكَة روحية تصونه عن الخطأ والنسيان ، والجهل والعصيان .

ــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤ .

٣

الثاني : طرق البيان اللفظي الرائع التي تميز بها السجادعليه‌السلام في زمن حفَلَ بالأدب والبلاغة والشعر ولكن لم يرقَ إلى نثر أهل البيتعليه‌السلام الديني الرائع غير أدبهم ، ولم تسمو إلى تلك المفاهيم المترابطة غير ألسنتهم الناطقة بالحق والصدق فقد أطنب الإمامعليه‌السلام في أدعيته ومناجاته ومواعظه وحكمه ودروسه في وصف الجنة والنار ، والنعيم والعذاب ، والآخرة والدنيا ، والخير والشر ، والإيمان والفسوق ، تشويقاً وتهويلاً ولا شك ان الإطناب في فلسفة اللغة من أرقى أساليب البلاغة ومن أروع صورها ووجوهها .

وبكلمة ، فقد مثَّلَ زين العابدينعليه‌السلام المنار الشامخ للخير والهداية في زمن عمَّ فيه الظلم والظلام وكلماته البليغة وسيرته العطرة سوف تبقى نموذجاً لشمولية الإسلام لكل جوابن الرحمة والمحبة في حياة الإنسان .

وله سبحانه وتعالى الشكر على إتمام النعمة ، وقبول العمل ، وغفران الزلل ، وحسن العاقبة في المبدأ والمآل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير .

زهير طالب الأعرجي

الأول من محرم الحرام ١٤٢٥ هـ

الحوزة العلمية

٤

محتويات الكتاب :

الفصل الأول : الترجمة التأريخية

الفصل الثاني : الخصائص الشخصية

الفصل الثالث : المعالم الإجتماعية

الفصل الرابع : الآثار المدوَّنة

الفصل الخامس : نصوصٌ منتقةُ

الفصل الأول : الترجمة التأريخية

ولادة علي بن الحسين عليه‌السلام

إذا أراد المؤرخ أن يؤرخ لحياة الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام ، فلابد أن يرجع قليلاً الى الوراء ، وبالتحديد الى فتح بلاد فارس زمن الخليفة الثاني فقد فتحت بلاد الفرس في السنة السادسة عشرة من الهجرة ، الا ان ملكها (يزدجرد بن شهريار بن كسرى أبرويز) هرب من عاصمة مملكته بعد سقوط المدائن بيد المسلمين ، وبقي متخفياً في أرياف فارس أربعة عشر عاماً حتى قتل سنة ٣٠ هجرية في مرو وصادف مقتله السنة السادسة من خلافة عثمان بن عفان .

وتشير الروايات التاريخية الى ان يزدجرد وصل الى المُلك سنة ١٦ هـ (بعد تمصير البصرة) أي بعد أربع سنوات فقط من تملك أبيه شهريان الذي أعتلى عرش فارس سنة ١٢ هـ أما جدهم كسرى أبرويز فقد قتل سنة وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي سنة ٣٦ هـ ، وهي السنة التي تصدى فيها علي بن أبي طالبعليه‌السلام للخلافة ، أرسلعليه‌السلام حريث بن جابر والياً على جانب المشرق ، فظفر بابنتي يزدجرد بن شهريار ، وبعثهما اليهعليه‌السلام وهو بالكوفة فنحل الامامعليه‌السلام شاه زنان الى ولده الحسين سيد شباب اهل الجنةعليه‌السلام فولدت له علي بن الحسينعليه‌السلام في الخامس من شهر

٥

شعبان سنة ٣٨ هـ(١) في الكوفة ، وقيل في المدينة وهو بعيد ونحل الأخرى إلى محمد بن أبي بكر ، فولدت له القاسم ، وهو فقيه معروف(٢) ونُسب إلى الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام انه كان يرى أن بنات الملوك ينبغي ان لا يعاملن معاملة الأسرى ولو كن كافرات(٣) ، وسنناقش دلالة ما نُسب إليهعليه‌السلام عما قليل .

وعندما قدمها أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إلى الحسينعليه‌السلام أوصاه بالإحسان إليها ، وسماها فاطمة تكريماً لها وتنبأعليه‌السلام نبوءته الصادقة : (يا أبا عبد الله لتلدن لك خير أهل الأرض ).

وهكذا كان ، فقد انجبت له زين العابدينعليه‌السلام وكان فعلاً خير أهل الأرض في ذلك الزمان ومواصفات فاضلة كتلك ، جعل تلك المرأة الكريمة تستحق لقب (سيدة النساء) حيث كانت تعرف به(٤) وهو لا يتعارض مع لقب فاطمة الزهراءعليه‌السلام ففاطمةعليه‌السلام في الحديث المستفيض عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين و(شاه زنان) سيدة نساء زمانها فلا تعارض في اللقبين .

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ والفصول المهمة لابن الصباغ ص ٢٠١ .

(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٨٤ وبحار الانوار ج ٤٦ ص ١٢ ح ٢٣ وعوالم العوالم ج ١٨ ص ٩ ح ٥.

(٣) تجد روايات فريبة من ذلك في الكافي ج ١ ص ٤٦٦ ح ١ وبصائر الدرجات ص ٣٣٥ ح ٨ .

(٤) نور الابصار للشبلنجي ص ١٢٦ .

٦

وحدثٌ بهذا الوزن لابد ان يؤرخه الشعراء ، فتصدى لذلك الصحابي التابعي أبو الاسود الدؤلي ( ت ٦٧ هـ ) في بيتٍ شعري رائع :

وإنّ وليداً بين كسرى وهاشمٍ

لأكرمُ من نيطت عليه التمائمُ(١)

ولم تمكث سيدة النساء بعد وضع وليدها الا قليلاً ، فقد أصابتها حمى النفاس فتوفيت (رض) على أثر ذلك فبقي الوليد يتيماً من جهة الأم فأوكل الإمام الحسينعليه‌السلام حضانته إلى إحدى النساء من أهل الصلاح والتقوى .

ــــــــــــــــ

(١) بحار الانوار ج ٤٦ ص ١٦٦ نيطت : علّقت والتمائم : خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين وقد زعم بعض الباحثين بأن خلو ديوان أبي الأسود الدؤلي (تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين ، بغداد ١٩٥٤ م) من هذا البيت يرجح عدم صحة القصة ولكن هذا ترجيح بدون مرجح ، لأ، خلو الديوان لا يعني عدم صحة نسبة البيت الى الدؤلي خصوصاً وان من يجمع الديوان بعد وفاة الشاعر قد يحذف بعض المواد حسبما يرتأيه فكره وعقيدته وذوقه وعلى أية حال فقد ورد قريباً من لفظ هذا البيت في شعر الرماح ين يزيد المري المشهور بابن ميادة ( ت ١٣٦ هـ ) لما فخر بنفسه أباً واماً فقال :

انا ابن أبي سلمى وجدي ظالم

وأمي حصان حصنتها الأعاجمُ

أليس غلام بين كسرى وظالم

بأكرم من نيطت عليه التمائم ؟

٧

الأم الموحدة ودلالة ( لتلدن لك خير أهل الأرض )

وقد يثار تساؤل هنا ، وهو : كيف تمكنت امرأة وثنية على الظاهر ، غير عربية ، بنت أحد الملوك الذين بقوا على وثنيتهم ، من السمو إلى تلك الدرجة الكريمة لتكون أماً لإمام طاهر معصوم من أئمة المسلمين ؟

وجواب ذلك نرتبه في نقاط تالية :

١ ـ ان التوحيد قد رفع أفراداً كانوا يعيشون في أمم جاهلية تعبد الأوثان ؛ فكان الموحدون يخفون عقيدتهم أو يلوذون بالصمت أمام تيار الشرك والافتراض الصحيح ان سيدة النساء كانت امرأة موحدة في أمة كافرة ، لم تلوثها أوساخ الوثنية وهي ليست بمعزل عن أ÷ل التوحيد في ذلك الزمان فقد عاش الموحدون من بني هاشم في مجتمع قريش الوثني ، ولم يلوثهم درن الوثنية الجاهلية .

وأكثر ما استطاع الأمويون تزويره في هذا النطاق هو الزعم بان أم السجادعليه‌السلام كانت من سبايا كابل ، كما أرسلها اليعقوبي في تاريخه دون تدقيق(١) والخطأ واضح لان فتح كابل كان في سنة ثلاث واربعين للهجرة على يد عبدالرحمن بن سمرة الأموي من قبل

ــــــــــــــــ

(١) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ طبعة النجف .

٨

معاوية والسجادعليه‌السلام ولد سنة ٣٨ للهجرة بالاتفاق فلا يصح ذلك الزعم .

٢ ـ من المحتمل قوياً أن أمر إيمان ابنيّ ( يزجرد ) بالله عزوجل وبمبدأ التوحيد كان شائعاً في ذلك الزمان وإلاّ ، فان الإمام علياًعليه‌السلام لايمكن أن يتسرع في نحل امرأة لايعرف عن ماضيها وحاضرها شيئاً لابنه الحسينعليه‌السلام ، ويوعده بانها ستكون من أفضل نساء زمانها وستلد له خير أهل الأرض خصوصاً إذا لحظنا تأكيد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حسن إختيار الزوجة ، مثل كون الخال أحد الضحيعين فاختاروا لنطفكم(١) ، وتوقوا على أولادكم من لبن البغي والمجنونة فان اللبن يعدي(٢) ، والنهي عن استرضاع الحمقاء لأن الولد ينزع إلى اللبن(٣) ، ونحوها من الأخبار .

وحتى ما قيل عن رأهعليه‌السلام من ان بنات الملوك لا يعاملن معاملة الأسرى ، لاتفسر مغزى قولهعليه‌السلام للحسين : ( يا أبا عبدالله لتلدن لك خير أهل الأرض ) ومجرد اطلاق عنوان السلطة الوارثية والأمارة السياسية دون افتراض الصلاح والتقوى والإيمان ، لايمكن ان يوّلد خيراً على الأرض .

ــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي .

(٢) المقنعة للشيخ المفيد ص ٦١ .

(٣) نوادر الراوندي ص ١٣ .

٩

ولكننا نميل إلى ان ما قالهعليه‌السلام في سيدة النساء يدل دلالة قوية على انها كانت امرأة استثنائية فهو على الأقل يعلم انها امرأة موحدة مؤمنة بلاله عزوجل وهذا ليس غريباً ، فالتاريخ ينقل لنا قصص مشابهة لنساء مؤمنات في أسر كافرة ، منها : امرأة فرعون الموحدة المؤمنة التي دعت الله عزوجل ان يبني لها بيتاً في الجنة وان ينجيها من فرعون وعمله ولا يشك أحد بكفر فرعون وظلمه وتعديه على حقوق الخلق وخالق .

قال المجلسي في ( بحار الأنوار )(١) : ان أم السجادعليه‌السلام رأت فاطمة الزهراءعليه‌السلام وأسلمت قبل ان يأخذها عسكر المسلمين ولها قصة وهي أنها قالت : رأيت في النوم ـ قبل ورود عسكر المسلمين ـ كأن محمداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل دارنا ، وجلس مع الحسينعليه‌السلام وخطبني له وزوّجني منه ، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطر غير هذا فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أتتني وعرضت عليّ الإسلام فأسلمت ثم قالتعليه‌السلام : (إن الغلبة تكون للمسلمين ، وإنك تصلين عن قريب الى ابني الحسين سالمة لا يصيبك بسوء أحد ) قالت : وكان من الحال أني خرجت الى المدينة ما مسّ يدي انسان .

ــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١١ نقلاً عن كتاب الخرائج .

١٠

ونقل الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) ان أمير المؤمنينعليه‌السلام سأل شاه زنان حين أسرّت : ( ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل ؟ ) قالت : حفظت عنه انه كان يقول : إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه ، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة فقالعليه‌السلام : ( ما أحن ما قال أبوك ! تذلّ الأمور للمقادير ، حتى يكون الحتف في التدبير )(١) .

أقول : وربما كان المقصود من لفظ ( أبيك ) في قول الإمامعليه‌السلام هو جدها كسرى لإحتمال وجوده في الملك عام الفيل وعلى أية حال فان ذلك القول يدلّ على حسن نظر وقوة رأي .

٣ ـ لو لم تكن سيدة النساء موحّدة ومؤمنة ومن أهل الصلاح ومعروفة بذلك ، لما ترك يزيد ذلك الأمر عندما واجه الإمام زين العابدينعليه‌السلام في بلاط الخلافة في الشام بعد أقل من شهر من واقعة كربلاء سنة ٦١ هـ وقد أنتقص من كان على شاكلة ( يزيد ) ابن الأمة ، أو زوج الأمة بعد عتقها ولنا في ذلك قرائن تاريخية تؤيد ما ذهبنا إليه :

أ ـ فقد عيّر هشام بن عبد الملك زيداً بن علي بانه ابن أمة مع ان الله عزوجل حلل الأماء قال هشام لزيد : أنت المؤهّل نفسك للخلافة ، الراجي لها ؟ وما أنت وذاك لا أمّ لك ، وإنما أنت ابن أمةٍ فقال زيد

ــــــــــــــــ

(١) الإرشاد ص ١٦٠ .

١١

 (رض) : (اني لا أعلم أحداً أعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث ، وهو إسماعيل بن إبراهيمعليه‌السلام فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام ؟ وبعد فما يقصر برجل أبو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ؟ ) وفي ذلك دلالة على ان أمر الأمة كان محل انتقاص عند العرب زمن الجاهلية ، ومن بقي عليها زمن الإسلام .

ب ـ وحاول عبدالملك بن مروان الانتقاص من الإمام زين العابدينعليه‌السلام لانه اعتق أمة ثم تزوجها على سنة الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فأجابه الإمامعليه‌السلام بعد ان ذكّره بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأمر : (... وقد رفع الله بالسلام الخسيسة ، وتمم به النقيصة )(١) وهذه الرواية على شاكلة سابقتها في كون الإماء من موارد الانتقاص عند العرب زمن الجاهلية .

وسكوت يزيد أقوى دليل على ان أم الإمام زين العابدينعليه‌السلام كانت من الإيمان والاصلاح ما كان معروفاً ومشهوراً في ذلك الزمان .

وإن كان هذا ينطبق على سيدة النساء ، فانه بالدلالة التاريخية ينطبق على أختها أم القاسم ، زوجة محمد بن أبي بكر .

ــــــــــــــــ

(١) الكافي على هامش مرآة العقول ج ٣ ص ٤٤٨ .

١٢

٤ ـ لم يظهر من الأحاديث المروية في الكتب الرواثية عن ان ابنيّ يزدجرد كانتا من سبايا الفرس ، عدا رواية ابن جرير الطبري في دلائل الإمامة ص ٨١ ولا نعمل مدى صحة رواية الطبري ، خصوصاً وانها تذكر بانهما دخلتا على عمر بن الخطاب في المدينة وهو غير صحيح ، لان يزدجرد كان حياً في زمن عمر ، و لم يقتل حتى سنة ٣٠ هـ ، وكان ذلك في خلافة عثمان ودخولها الى معسكر المسلمين كان بعد مقتل أبيها فرواية الطبري ساقطة تاريخياً .

اذن نستنتج بانهما لم يكونا من سبايا الفرس ، وربما كان رغبتهما للإتصال بالمسلمين زمن الإمام العادل علي بن ابي طالبعليه‌السلام دعاؤه لوالديه ، ويشمل أمه بالدلالة التضمنية ، هو دليل آخر على إيمانها ولو كانت مشركة لما جاز له الدعاء لها .

وكان للامام الحسينعليه‌السلام أمة ربّت السجادعليه‌السلام واشتهرت بانها أمّه وعنها قيل للسجادعليه‌السلام : أنت من أبر الناس ولا نراك تأكل مع أمك فقالعليه‌السلام : (اني أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فاكون قد عققتها )(١) وأرادعليه‌السلام بلزوم رعاية حق المربية ، وأطلق على مخالفتها اسم العقوق فهنا جملة أمور :

ــــــــــــــــ

(١) الكامل للمبرد ج ١ ص ١٦١ وعيون الاخبار لابن قتيبة ج ٣ ص ٩٧ .

١٣

أ ـ انهعليه‌السلام لم يتعمد مخالفتها وانما تخوف من سبق يده لما سبقت عينها اليه .

ب ـ انها لم تكن أمه البيولوجية ( التكوينية ) ، بل كان أمه الاعتبارية التي نزلت بمنزلة الأم من حيث الرعاية .

ج ـ ينبغي ، مفهوماً حسبما يستفاد من هذه الرواية ، ان يكون حال الولد مع أمه التكوينية ـ وهي التي حملته تسعة اشهر وتحملت مشاق الولادة والرضاعة من أجله ـ أعظم وأكبر .

والخلاصة ، انه لايمكن حمل عقيدة والدة الإمام زين العابدينعليه‌السلام إلاّ على محمل الإيمان بالله عز وجل ومبدأ التوحيد ونحلها للحسينعليه‌السلام كان قد شرّفها ، ووضعها في المحل الطاهر الذي كانت تأمله كل موحّدة بالله لم تتهيأ لها الظروف لإعلان إسلامها أمام الملأ الواسع العريض .

مراحل حياة الإمام علي بن الحسين ( ٣٨ ـ ٩٥ هـ )

ويمكننا تقسيمن حياة الإمام السجادعليه‌السلام إلى ثلاث مراحل متصلة ومتضافرة بعضها مع الآخر الأولى : وتمتد من سنة ٣٨ هجرية ن وهو تاريخ ولادته بالكوفة الى بداية سنة ٦١ ، وهي السنة التي شهدت واقعة كربلاء واستشهاد والده الحسينعليه‌السلام مع من

١٤

صرع في أرض الطف والثانية : وتمتد من سنة ٦١ هجرية وحتى سنة ٦٧ هـ ، وهي الفترة الواقعة بين مقتل الحسينعليه‌السلام ومقتل قاتليه ، والثالثة : تمتد من سنة ٦٧ هـ وحتى استشهاد سنة ٩٥ هـ على يد الوليد بن عبدالملك بن مروان وفترة إمامة السجادعليه‌السلام الدينية والاجتماعية تغطي المرحلتين الثانية والثالثة ، وهي أربع وثلاثين عاماً وعاصر في مدة إمامته : يزيد بن معاوية ، ومعاوية بن يزيد ، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، والوليد بن عبدالملك وسوف نبحث الآن المرحلة الأولى من حياتهعليه‌السلام بصورة مفصّلة .

المرحلة الأولى : ( سنة ٣٨ ـ ٦١ هـ )

قضى السجادعليه‌السلام هذه الفترة من حياته ، وهي من تاريخ ولادته وحتى استشهاد والده الحسينعليه‌السلام في كربلاء ، حياةً اسرية طبيعية تلقى فيها صنوف التربية الروحية من والدهعليه‌السلام بالخصوص لكنه عاش فترة مضطربة سياسياً ، على المستوى الاجتماعي فقد عاصرعليه‌السلام وهو في الثانية من عمره استشهاد جده علي أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة وعاصر ، وهو في الثالثة عشرة من عمره استشهاد عمه الإمام الحسنعليه‌السلام في المدينة المنورة ورافق أباه الحسينعليه‌السلام تمام مدة إمامته وهي عشر سنوات ، وحضر واقعة كربلاء حيث استشهد والده واخوته وعمه العباس وابناء عمومته ، وهو في الثالثة والعشرين من عمره .

١٥

وقد أعتاد أئمة أهل البيتعليه‌السلام بوصية من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإذعان للإمام الحيعليه‌السلام والصمت بمعنى أنهم كانواعليه‌السلام لا يدلون برأي شرعي او مسألة فقهية أو حكم للناس ، وإمام منصوص عليه موجودٌ بينهم ، بل كانوا يتركون ذلك للإمام المنصوص عليه فلم ينهض الحسنعليه‌السلام بأعباء الإمامة بحضرة والده الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينهض الحسينعليه‌السلام بأعباء الإمامة بحضرة أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام فلا غرابة ان نلمس صمت زين العابدينعليه‌السلام في حضرة والده الامام الحسينعليه‌السلام الى ان استشهد في كربلاء سنة ٦١ هـ وعنهدا جاء دورهعليه‌السلام في إرشاد الناس .

ومرحلة الإعداد تلك تبدأ بالولادة ، ثم الطفولة ، والشباب ، والزواج ، وحتى الذهاب الى كربلاء وما حصل فيها .

الاحتفاء بالمولود

لايخفى ان ولادة علي بن الحسينعليه‌السلام في ٥ شعبان سنة ٣٨ هـ(١) كانت مورداً للاحتفاء عند آل البيتعليه‌السلام لسببين :

ــــــــــــــــ

(١) مطالب السؤول ج ٢ ص ٤١ ونور الأبصار ص ١٥٣ .

١٦

الأول : كرامة المولود التي عبرت عنها روايات متواترة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت قد تنبأت بمولودٍ يملأ الدنيا عبادة وسجوداً ، وتضرعاً وخشوعاً منها : ما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : كنت جالساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين في حجره وهو يلاعبه ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيد العابدين ، فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فان أنت أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام )(١) وداوم جابر على التقرب من أهل البيتعليه‌السلام ، وكانت له علاقة متميزة بالامام زين العابدينعليه‌السلام ، وكان يصلي وراءهعليه‌السلام .

وكان الزهري(٢) إذا حدّث عن علي بن الحسينعليه‌السلام ، قال : حدثني ( زين العابدين ) علي بن الحسين فقال له سفيان بن عيينة :ولم تقول له زين العابدين ؟ قال : لأّني سمعت سعيد بن المسيب يحدّث

ــــــــــــــــ

(١) هذا الحديث وفي لفظه أحاديث أخرى أخرجها في إحقاق الحق ج ١٢ ص ١٣ ـ ١٦ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٩ ص ١٠٦ .

(٢) كان محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( ٥٨ ـ ١٢٤ هـ ) من حاشية آل مروان ، فكان معلماً لأولاد هشام بن عبدالملك ( تهذيب التهذيب ج٩ ص ٤٤٩ ) حيث أمره هشام أن يملي على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث مما لا يتصل بفضائل أهل البيتعليه‌السلام فأطراه علماء العامة ورفعوه فوق مستوى العلم والفضيلة قال أبو علي الحائري في منتهى المقال في ترجمته : لا ريب في عداوته ونصبه لأمير المؤمنينعليه‌السلام أدرجه العلامة الحلي وابن داود في رجالهما في الضعفاء ، ولم يعتد به الشيخ محمد طه نجف ، حيث لم يأت على ذكره في ( اتقان المقال ) .

١٧

عن ابن عباس أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ أين زين العابدين ؟ فكأني أنظر الى ولدي علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب يخطر بين الصفوف )(١) .

الثاني : الجمع عند علي بن الحسينعليه‌السلام بين ملامح عنصرين هما صلب العرب وترائب العجم وهو أمرٌ جديد على وجه التقريب إلا إذا أخذنا بنظر الإعتبار هنا زواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ماريا القبطية المهداة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حاكم الاسكندرية القبطي إلا ان ماريا كانت عربية من الأقباط ، بينما كانت سيدة النساء من العجم .

ولا نجد غرابة اذن في أن يطلق الإمام الجسينعليه‌السلام على ابنه عليعليه‌السلام لقب : ابن الخيرتين فخيرته من العرب قريش ( ومن قريش بني هاشم ) ومن العجم أهل فارس ، وهم أقرب الأقوام بعد العرب آنذاك إلى الإسلام .

ولا غرابة في أن ينشد أبو الأسود الدؤلي :

وان وليداً بين كسرى وهاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

ــــــــــــــــ

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٢٦٩ والامالي ص ٣٣١ .

١٨

في الأسرة

والمشهور شهرة عظيمة ان السجادعليه‌السلام كان أكبر أولاد الإمام الحسين بن عليعليه‌السلام ومن الضروري توضيح الفكرة القائلة بأن الإمامة لا علاقة لها بالولد الأكبر أو الأصغر ، بل هي بالنص والوصية فالإمامة من الله عزوجل يودعها حيث يشاء من عباده :( وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) (١) ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٢) وسوف نفصّل هذا الموضوع في الفصل الثاني باذنه تعالى .

عاش السجادعليه‌السلام في أسرة مكونة من تسعة أفراد : أبوه الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وأخويه علي الأصغر الذي يسمى خطأ بعلي الأكبر ( وأمه ليلى بنت أبي مرة الثقفية ) ، وجعفر ( وأمه قضاعيه ) وأختيه : سكينة ( وأمها الرباب بنت امرئ القيس ) ، وفاطمة ( وأمها أم إسحاق بنت طلحة وهي تميمية )(٣) ثم ولد للحسينعليه‌السلام عبدالله ( الرضيع ) وأمه الرباب قبل أشهر من واقعة

ــــــــــــــــ

(١) سورة القصص : الآية ٦٨ .

(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٦ .

(٣) إرشاد المفيد ج٢ ص١٣٥ ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٧٧ .

١٩

الطف وذبح فيها وتوفي جعفر في حياة أبيه الحسينعليه‌السلام ، واستشهد علي الأصغر في كربلاء سنة ٦١ للهجرة .

ترعرع السجادعليه‌السلام في المدينة ، بعد استشهاد جده الإمام عليعليه‌السلام في الكوفة سنة ٤٠ هـ فقد رجع الهاشميون إلى مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أن مكثوا مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في الكوفة أربع سنوات وأشهراً وكان اسمراً ، نحيفاً ، رقيقاً من كثرة العبادة .

تزوجعليه‌السلام في هذه الفترة من حياته ( سنة ٥٤ للهجرة على الإرجح ) من ابنة عمه : فاطمة بنت الإمام الحسين بن علي بن ابي طالبعليه‌السلام ، فيكون زواجه منها وهو في السادسة عشرة من عمره فأنجبت له محمد الباقرعليه‌السلام ، وهو الإمام الخامس من أئمة أهل البيتعليه‌السلام ، سنة ٥٨ هـ ثم تزوج لاحقاً بأمهات أولاد فولدن له أولاداً ذكوراً وإناثاً ، أبرزهم زيد بن علي وعبدالله الباهر وكانا معروفين بالفضل والجهاد في الاسلام ومجموع أولاد زين العابدينعليه‌السلام حسب الروايات خمشة عشر ولداً : أحد عشر من الذكور وأربعة من الأناث وكان للباقرعليه‌السلام يوم الطف ثلاث سنين .

وكان السجادعليه‌السلام كثيراً ما يدعو لاولاده ، فيقول : (اللهم ومنّ عليّ ببقاء ولدي ، وبإصلاحهم لي ، وبامتاعي بهم آلهي أمدد لي في أعمارهم ، وزد في آجالهم ، وربّ لي صغيرهم ، وقوّ لي ضعيفهم ، وأصح لي ابدانهم وأديانهم وأخلاقهم ، وعافهم في أنفسهم ، وفي جوراحهم ، وفي كل ما عنيت به من أمرهم ، وأدرر لي وعلى يدي ارزاقهم ، واجعلهم أبراراً أتقياء بصراء سامعين ، مطيعين لك ، ولأوليائك محبين ناصحين ، ولجميع اعدائك معاندين ) .

٢٠

قوله :( نحن ) : هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم ، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها ، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ؛ لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت ، وقيل ضمت ؛ لان موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و( مصلحون ) خبره .

قوله تعالى :( ألا ) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب ، وقيل معناها حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهذا في غاية البعد .

قوله :( هم المفسدون ) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن ، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ؛ لان الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .

قوله تعالى :( وإذا قيل لهم آمنوا ) القائم مقام المفعول هو القول ، ويفسره آمنوا ؛ لان الامر والنهى قول .

قوله :( كما آمن الناس ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف : أى إيمانا مثل إيمان الناس ، ومثله ـ كما آمن السفهاء ـ .

قوله :( السفهاء ألا إنهم ) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه : أحدها تحقيقهما وهو الاصل ، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى ، والثالث تليين الاولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية ، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو ، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ؛ لان ذلك تقريب من الالف ، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة ، وأجازه قوم .

قوله تعالى :( لقوا الذين آمنوا ) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحركت القاف بالضم تبعا للواو ، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت ، وقرأ ابن السميقع : لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة " .

٢١

قوله :( خلوا إلى ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة ، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة .

قوله :( إنا معكم ) الاصل : إننا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خففت ، كقوله تعالى : " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ، أى كائنون معكم .

قوله تعالى :( مستهزء‌ون ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك : يرمون ، ويضم الزاى ، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم " .

قوله تعالى :( يعمهون ) هو حال من الهاء والميم في يمدهم ، وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا ، وإن شئت بيعمهون ، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم ؛ لان العامل الواحد لا يعمل في حالين .

قوله تعالى :( اشتروا الضلالة ) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو .

فإن قلت : فالواو هنا متحركة .

قيل : حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة ، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان ، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله : لو استطعنا ، وقيل ضمت ؛ لان الضمة هنا أخف من الكسرة ؛ لانها من جنس الواو ، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت ؛ لانها ضمير فاعل ، فهى مثل التاء في قمت ، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن ، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو : أثؤب ، ومنهم من يفتحها للتخفيف ، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين ، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين ، وهو ضعيف ؛ لان قبلها فتحة ، والفتحة لا تدل عليها .

٢٢

قوله تعالى :( مثلهم كمثل ) ابتداء وخبر ، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ .

قوله :( الذى استوقد ) الذى هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده ، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان : أحدهما هو جنس مثل : من وما : فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع ، والثانى أنه أراد الذين ، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله :

" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال : أولئك هم المتقون ، واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقر بمعنى قر ، وقيل استوقد استدعى الايقاد .

قوله تعالى : ( فلما أضاء‌ت ) لما هنا اسم ، وهى ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى ، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل : إذا ، وأضاء‌ت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به ، وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاء‌ت النار وأضاء‌ت بمعنى ، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا ، وفى " ما " ثلاثة أوجه : أحدها هى بمعنى الذى ، والثانى هى نكرة موصوفة ، أى مكانا حوله ، والثالث هى زائدة .

قوله :( ذهب الله بنورهم ) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له ، والتقدير أذهب الله نورهم ، ومثله في القرآن كثير ، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد ، أى ذهبت ومعى زيد .

قوله تعالى :( وتركهم في ظلمات ) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ؛ لان المعنى صيرهم ، وليس المراد به الترك هو الاهمال ، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات ، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا ، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى ، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الاول .

قوله تعالى :( صم بكم ) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف : أى هم صم ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون .

٢٣

قوله تعالى :( فهم لا يرجعون ) جملة مستأنفة ، وقيل موضعها حال وهو خطأ ؛ لان ما بعد الفاء لا يكون حالا ؛ لان الفاء ترتب ، والاحوال لا ترتيب فيها ، ويرجعون فعل لازم ، أى لا ينتهون عن باطلهم ، أو لايرجعون إلى الحق ، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره : فهم لايردون جوابا ، مثل قوله :" إنه على رجعه لقادر " .

قوله تعالى :( أو كصيب ) في " أو " أربعة أوجه : أحدها أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب ، كقوله : " إلى مائة ألف أو يزيدون " : أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم ، والثانى أنها للتخيير : أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم ، والثالث أنها للاباحة ، والرابع أنها للابهام ، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيب ، ومثله قوله تعالى " كونوا هوداأو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى ، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو ، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله: " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره : أو مثلهم كمثل صيب ، وفى الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيب ، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون ، والمعنى على ذلك ؛ لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر ، وأصل صيب : صيوب على فيعل ، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها ، ومثله: مين وهين ، وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل ، وهو خطأ ؛ لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل( من السماء ) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب ؛ لان التقدير : كمطر صيب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ، ومن لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف : أى كصيب كائن من السماء ، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، ونظائره تقاس عليه ( فيه ظلمات ) الهاء تعود على صيب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ؛ لانه قد قوى بكونه صفة لصيب ، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير ، والجملة في موضع جر صفة لصيب ، والجمهور على ضم اللام ، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام ، والرعد مصدر رعد يرعد ، والبرق مصدر أيضا ، وهما على ذلك موحدتان هنا ، ويجوز أن يكون الرعد

٢٤

والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم : رجل عدل وصوم( يجعلون ) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب ، وأن يكون مستأنفا ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد ؛ لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعده من الشذوذ ( من الصواعق ) أى من صوت الصواعق( حذر الموت ) مفعول له ، وقيل مصدر : أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به( محيط ) إصله محوط ؛ لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء .

قوله تعالى :( يكاد ) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها ، ولذلك لم تدخل عليه أن ؛ لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو ، والاصل : يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه ، كدت بضم الكاف ، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا ، ولكنه قارب الوقوع ، وموضع( يخطف ) نصب ؛ لانه خبر كاد ، والمعنى : قارب البرق خطف الابصار ، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى :( إلا من خطف الخطفة ) وفيه قراء‌ات شاذة : إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء ، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والاصل : يختطف ، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء ، والثالثة كذلك ، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل ، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع ، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا ، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين ( كلما ) هى هنا ظرف ، وكذلك كل موضع كان لها جواب ، و " ما " مصدرية ، والزمان محذوف أى كل وقت إضاء‌ة ، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت ، والعائد محذوف : أى كل وقت أضاء لهم فيه ، والعامل في كل جوابها ، و( فيه ) أى في ضوئه والمعنى بضوئه ، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها ، والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء( شاء ) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره : شئت شيئا ، وقالوا : أشأته أى حملته على أن يشاء( لذهب بسمعهم ) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به ، وعلى كل متعلق ب‍( قدير ) في موضع نصب .

٢٥

قوله تعالى :( ياأيها الناس ) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام ، وبنيت ؛ لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه ؛ لان الاصل أن تباشر " يا " الناس ، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه ؛ لانه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء ، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز : يازيد الظريف ، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لايلزم ذكرها( من قبلكم ) من هنا لابتداء الغاية في الزمان ، والتقدير : والذين خلقهم من قبل خلقكم ، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه( لعلكم ) متعلق في المعنى باعبدوا ، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى ، والاصل توتقيون ، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره ، فوزنه الآن تفتعون .

قوله تعالى : ( الذى جعل ) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعنى ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذى ، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض ، وفراشا حال ، ومثله : والسماء بناء ، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين ، وهما الارض وفراشا ومثله : والسماء بناء ، ولكم متعلق بجعل ، أى لاجلكم( من السماء ) متعلق بأنزل ، وهى لابتداء غاية المكان ، ويجوز أن يكون حالا ، والتقدير : ماء كائنا من السماء ، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف ، والاصل في ماء موه لقولهم : ماهت الركية تموه ، وفى الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس ( من الثمرات ) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و( لكم ) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر( فلا تجعلوا ) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين ، والانداد جمع ند ونديد ( وأنتم تعلمون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال ، ومفعول تعلمون محذوف ، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى .

٢٦

قوله تعالى :( وإن كنتم ) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول : أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك ، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ، إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لاتدل على حدث( مما نزلنا ) في موضع جر صفة لريب : أى ريب كائن مما نزلنا ، والعائد على " ما " محذوف : أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، ويجوز أن يتعلق " من " بريب : أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا( فأتوا ) أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء ؛ لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية ، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله : الذى ايتمن ، فتصيرها ياء في اللفظ ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله : ياصالح أوتنا ، ومنهم من يقول : ذن لى( من مثله ) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم ، فيكون من للابتداء ، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه "( وادعوا ) لام الكلمة محذوف ؛ لانه حذف في الواحد دليلا

على السكون الذى هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة( من دون الله ) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداء‌كم منفردين عن الله أو عن أنصار الله .

قوله تعالى :( فإن لم تفعلوا ) الجزم بلم لا بإن ؛ لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " ( وقودها الناس ) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب ، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ، ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس ، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس ( أعدت ) جملة في موضع الحال من النار ، والعامل فيها فاتقوا

٢٧

ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء : أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال ، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس .

قوله تعالى : ( أن لهم جنات ) فتحت أن هاهنا ؛ لان التقدير لهم ، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر ؛ لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه ، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة ؛ لانه موضع تزاد فيه ، فكأنها ملفوظ بها ، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا( تجرى من تحتها الانهار ) الجملة في موضع نصب صفة للجنات ، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن ، من تحتها الخبر ولابتحتها ؛ لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها ، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف ، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها( كلما رزقوا منها ) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام ، ويجوز أن يكون حالا من الجنات ؛ لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها ، وهو قوله منها( رزقنا من قبل ) أى رزقناه فحذف العائد ، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة ؛ لان التقدير من قبل هذا( وأتوا به ) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك ، وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و( متشابها ) حال من الهاء في به( ولهم فيها أزواج ) أزواج مبتدأ ولهم الخبر ، وفيها ظرف للاستقرار ، ولايكون فيها الخبر ؛ لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم و ( فيها ) الثانية تتعلق ب‍( خالدون ) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم ، والعامل فيها معنى الاستقرار .

قوله تعالى :( لايستحيى ) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين ، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياء‌ان ، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء ، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم ، ووزنه على هذا يستفع ، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت ، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد( أن يضرب ) أى من أن يضرب ، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل

٢٨

( ما ) حرف زائد للتوكيد و( بعوضة ) بدل من مثلا ، وقيل مانكرة موصوفة ، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى ، ويحذف المبتدأ ، أى الذى هو بعوضة ، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره : مثلا هو بعوضة( فما فوقها ) الفاء للعطف ، ومانكرة موصوفة ، أو بمنزلة الذى ، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار ، والمعطوف عليه بعوضة( أما ) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط ، ويذكر لتفصيل ماأجمل ، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره ، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون ، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر ، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط( من ربهم ) في موضع نصب على الحال : والتقدير : أنه ثابت أو مستقر من ربهم ، والعامل معنى الحق ، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه( ماذا ) فيه قولان : أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذى و( أراد ) صلة له ، والعائد محذوف ، والذى وصلته خبر المبتدإ ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام ، وموضعه نصب بأراد ، ولاضمير في الفعل ، والتقدير أى شئ أراد الله( مثلا ) تمييز : أى من مثل ، ويجوز أن يكون حالا من هذا : أى متمثلا أو متمثلا به ، فيكون حالا من اسم الله( يضل ) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله ، ويجوز أن يكون مستأنفا( إلا الفاسقين ) مفعول يضل ، وليس بمنصوب على الاستثناء ؛ لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا .

قوله تعالى : ( الذين ينقضون ) في موضع نصب صفة للفاسقين ، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى ، وان يكون رفعا على الخبر ، أى هم الذين ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبرقوله : " أولئك هم الخاسرون " ( من بعد ) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك ، وزائدة على رأى من لم يجزه ، وهو مشكل على أصله ؛ لانه لايجيز زيادة من في الواجب( ميثاقه ) مصدر بمعنى الايثاق ، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد ، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل ، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول( ماأمر ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة ، و( أن يوصل ) في موضع جر بدلا من الهاء ، أى يوصله ، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل

٢٩

الاشتمال تقديره : ويقطعون وصل ماأمر الله به ، ويجوز أن يكون في موضع رفع : أى هو أن يوصل ( أولئك ) مبتدأ و( هم ) مبتدأ ثان أو فصل ، و ( الخاسرون ) الخبر .

قوله تعالى :( كيف تكفرون بالله ) كيف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه تكفرون ، وصاحب الحال الضمير في تكفرون ، والتقدير : أمعاندين تكفرون ، ونحو ذلك ، وتكفرون يتعدى بحرف الجر ، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا( وكنتم ) قد معه مضمرة والجملة حال( ثم إليه ) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله" فأحياكم " .

قوله تعالى :( جميعا ) حال في معنى مجتمعا( فسواهن ) إنما جمع الضمير ؛ لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة( سبع سموات ) سبع منصوب على البدل من الضمير ، وقيل التقدير : فسوى منهن سبع سموات ، كقوله : واختار موسى قومه ـ فيكون مفعولا به ، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا( وهو ) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم ، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت ، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو ، ويقرأ بالضم على الاصل .

قوله تعالى :( وإذ قال ) هو مفعول به تقديره : واذكر إذ قال : وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك ، وقيل إذ زائدة و ( للملائكة ) مختلف في واحدها وأصلها .

فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل ؛ لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر :

وغلام أرسلته أمه

بألوك فبذلنا ماسأل

فالهمزة فاء الكلمة ، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا : ملاك قال الشاعر :

فلست لانسى ولكن لملاك

تنزل من جو السماء يصوب

فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة .

٣٠

وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة ، وأصل ملك : ملاك من غير نقل ، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت ، فوزنه الآن مفاعلة ، وقال آخرون عين الكلمة واو ، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه ، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك : ملاك مثل معاذ ، ثم حذفت عينه تخفيفا ، فيكون أصل ملائكة : ملاوكة ، مثل مقاولة ، فأبدلت الواو همزة ، كما أبدلت واو مصائب .

وقال آخرون : ملك فعل من الملك ، وهى القوة ، فالميم أصل ، ولاحذف فيه ، لكنه جمع على فعائلة شاذا( جاعل ) يراد به الاستقبال فلذلك عمل ، ويجوز أن يكون بمعنى خالق ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون( في الارض ) هو الثانى( خليفة ) فعيلة بمعنى فاعل ، أى يخلف غيره ، وزيدت الهاء للمبالغة( أتجعل ) الهمزة للاسترشاد ، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل ، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم ، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير( يسفك ) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء ، وقد قرئ بضمها وهى لغتان ، ويقرأ بالتشديد للتكثير ، وهمزة( الدماء ) منقلبة عن ياء ؛ لان الاصل دمى ؛ لانهم قالوا دميان( بحمدك ) في موضع الحال تقديره : نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك( ونقدس لك ) أى لاجلك ، ويجوز أن تكون اللام زائدة : أى نقدسك ، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله( إني أعلم ) الاصل إننى ، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية ، هذا هو الصحيح ، وأعلم : يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا ، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل ، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم : هؤلاء حواج بيت الله ، بالنصب والجر ، وسقط التنوين ؛ لان هذا الاسم لاينصرف ، فإن قلت : أفعل لاينصب مفعولا .

قيل : إن كانت من معه مرادة لم ينصب ، وأعلم هنا بمعنى عالم ، ويجوز أن يريد بأعلم : أعلم منكم ، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم ، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله " .

٣١

قوله تعالى :( وعلم ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال ، وقوى ذلك إضمار الفاعل ، وقرئ " وعلم آدم " على مالم يسم فاعله ، وآدم أفعل ، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل ؛ لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة ، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا ، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم ، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى( ثم عرضهم ) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير ( هؤلاء إن كنتم ) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل ، ويقرأ بهمزة واحدة ، قيل المحذوفة هى الاولى ؛ لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى ، وقيل المحذوفة الثانية ؛ لان الثقل بها حصل ، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس ، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف .

قوله تعالى :( سبحانك ) سبحان اسم واقع موقع المصدر ، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ، ولايكاد يستعمل إلا مضافا ؛ لان الاضافة تبين من المعظم ، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف ، والالف والنون في آخره مثل عثمان ، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به ؛ لانه المسبح ، ويجوز أن يكون فاعلا ؛ لان المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره : سبحت الله تسبيحا ( إلا ماعلمتنا ) مامصدرية أى إلا علما علمتناه ، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم ، كقولك لاإله إلا الله ، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى ، ويكون علم بمعنى معلوم : أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه ، ولايجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم ؛ لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لايبنى( إنك أنت العليم ) أنت مبتدأ والعليم خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب ، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد ؛ لانها لو وقعت لكانت بدلا ، وإياك لم يؤكد بها ، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب ، و( الحكيم ) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة ، وهو صحيح ؛ لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى ، والعليم بمعنى العالم ، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم ، وأن يكون بمعنى المحكم .

٣٢

قوله تعالى :( أنبئهم ) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل ، وبالياء على تليين الهمزة ، ولم نقلبها قلبا قياسيا ؛ لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت ، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولاياء ، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا ، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، وإلى الثانى بحرف الجر ، وهو قوله :( بأسمائهم ) وقد يتعدى بعن كقولك : أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى: " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه ،( وأعلم ماتبدون ) مستأنف وليس بمحكى بقوله :( ألم أقل لكم ) ويجوز أن يكون محكيا أيضا ، فيكون في موضع نصب ، وتبدون وزنه تفعون ، والمحذوف منه لامه وهى واو ؛ لانه من بدا يبدو ، والاصل في الياء التى في( إنى ) أن تحرك بالفتح ؛ لانها اسم مضمر على حرف واحد ، فتحرك مثل الكاف في إنك ، فمن حركها أخرجها على الاصل ، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة .

قوله تعالى :( للملائكة اسجدوا ) الجمهور على كسر التاء ، وقرئ بضمها وهى قراء‌ة ضعيفة جدا ، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ ، وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء ، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة ، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم ، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف ، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت : أفى سوأة أنتنه ، بفتح التاء ، وكأنها نوت الوقف على التاء ، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة( إلا إبليس ) استثناء منقطع ؛ لانه لم يكن من الملائكة ، وقيل هو متصل ؛ لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف ، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف ، وأنه لانظير له في الاسماء ، وهذا بعيد ، على أن في الاسماء مثله نحو : إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه ، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره : ترك السجود كارها له ومستكبرا( وكان من الكافرين ) مستأنف ، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا .

قوله :( اسكن أنت وزوجك ) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه ، والاصل في( كل ) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ،

٣٣

ومثله خذ ، ولايقاس عليه ، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر ، وحكى سيبويه أو كل شاذا( منها ) أى من ثمرتها ، فحذف المضاف ، وموضعه نصب بالفعل قبله ، ومن لابتداء الغاية و( رغدا ) صفة مصدر محذوف : أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : كلا مستطيبين متهنئين( حيث ) ظرف مكان ، والعامل فيه كلا ، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به ؛ لان الجنة مفعول وليس بظرف ؛ لانك تقول سكنت البصرة وسكنت الدار ، بمعنى نزلت ، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت( هذه الشجرة ) الهاء بدل من الياء في هذى ؛ لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى ، والياء للمؤنث مع الذال لاغير ، والهاء بدل منها ؛ لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه ، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج( فتكونا ) جواب النهى ؛ لان التقدير : إن تقربا تكونا ، وحذف النون هنا علامة النصب ؛ لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف .

قوله تعالى : ( فأزلهما ) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف : أى حملها على الزلة ، ويقرأ" فأزلهما " أى نحاهما ، وهو من قولك : زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته ، وألفه منقلبة عن واو( مما كانا فيه ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة : أى من نعيم أو عيش( اهبطوا ) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة ، وقرئ بضمها ، وهى لغة ( بعضكم لبعض عدو ) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين ، واللام متعلقة بعدو ؛ لان التقدير بعضكم عدو لبعض ، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر ، ويجوز أن يكون صفة لعدو ، فلما تقدم عليه صار حالا ، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو ، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال : " فإنهم عدو لى "( ولكم في الارض مستقر ) يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون حالا أيضا ، وتقديره : اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار ، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار ، و( إلى حين ) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع ؛ لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين .

٣٤

قوله تعالى :( فتلقى آدم ) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات ، وبالعكس ؛ لان كل ماتلقاك فقد تلقيته ، و( من ربه ) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى ، ويكون لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره : كلمات كائنة من ربه ، فلما قدمها انتصبت على الحال( إنه هو التواب ) هو هاهنا مثل أنت في " إنك أنت العليم الحكيم " وقد ذكر قوله( منها جميعا ) حال : أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة ، بحيث يشتركون في الهبوط( فإما ) إن حرف شرط ، وما حرف مؤكد له ، و( يأتينكم ) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية ، والفعل يصير بها مبنيا أبدا ، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس ؛ لان زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد ، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون ، وجواب الشرط( فمن تبع ) وجوابه ، ومن في موضع رفع بالابتداء ، والخبر تبع ، وفيه ضمير فاعل يرجع على من ، وموضع تبع جزم بمن .

والجواب( فلا خوف عليهم ) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط ، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت : من يقم أكرم زيدا جاز ، ولو قلت : من يقم زيدا أكرمه ، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز .

وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب ، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من ، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه ، والرفع والتنوين هنا أوجه

من البناء على الفتح لوجهين : أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع ، وهو قوله :( ولاهم ) ؛ لانه معرفة ، ولا لاتعمل في المعارف ، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان ، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو : قام زيد وعمرا كلمته ، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل ، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل والوجه الثانى من جهة المعنى ، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية وليس المراد ذلك ، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة .

فإن قيل : لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير ، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير .

٣٥

قيل : الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره : لاخوف كثير عليهم فيتوهم ثبوت الياء القليل ، وهو عكس ماقدر في السؤال .

فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا( هداى ) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة ، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت .

قوله :( بآياتنا ) الاصل في آية : أية ؛ لان فاء‌ها همزة وعينها ولامها ياء ان ؛ لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء ، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال ، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة ، ولو كانت عينها واوا لقالوا : آواء ، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس .

ومثله غاية وثاية ، وقيل أصلها أييه ، ثم قلبت الياء الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها ، وقبل أصلها أيية بفتح الاولى والثانية ، ثم فعل في الياء ماذكرنا وكلا الوجهين فيه نظر ؛ لان حكم الياء‌ين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف .

وقيل أصلها أيية على فاعلة ، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة ، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة ، وهذا ضعيف ؛ لان التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة( أولئك ) مبتدأ و( أصحاب النار ) خبره ، و( هم فيها خالدون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب ، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار ؛ لان في الجملة ضميرا يعود عليها ، ويكون العامل في الحال معنى الاضافة ، أو اللام المقدرة .

قوله تعالى :( يابنى إسرائيل ) إسرائيل لاينصرف ؛ لانه علم أعجمى ، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة ، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام ، ومنهم من يقول كذلك ، لا أنه يقلب الهمزة ياء ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء ومنهم من يحذفها فيقول إسرال ، ومنهم من يقول إسرائين بالنون ، وبنى جمع ابن جمع جمع السلامة ، وليس بسالم في الحقيقة ؛ لانه لم يسلم لفظ واحده في جمعه ، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين ، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو .

وقال قوم : لامه ياء ولاحجة في البنوة ؛ لانهم قد قالوا الفتوة وهى من الياء( أنعمت عليكم ) الاصل أنعمت بها ، ليكون الضمير عائدا على الموصول ، فحذفت حرف الجر

٣٦

فصار أنعمتها ، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله : " أهذا الذى بعث الله رسولا "( وأوفوا ) يقال في الماضى وفى ووفى وأوفى ، ومن هنا قرئ( أوف بعهدكم ) وأوف بالتخفيف والتشديد( وإياى ) منصوب بفعل محذوف دل عليه( فارهبون ) تقديره : وارهبوا إياى فارهبون ، ولايجوز أن يكون منصوبا بارهبون ؛ لانه قد تعدى إلى مفعوله .

قوله :( مصدقا ) حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت ، و( معكم ) منصوب على الظرف ، والعامل فيه الاستقرار( أول ) هى أفعل وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه ، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى ، وأصلها وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما ، ولم تخرج على الاصل كما خرج وقتت ووجوه كراهية اجتماع الواوين

وقال بعض الكوفيين : أصل الكلمة من وأل : يأل إذا نجا فأصلها أوأل ، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الاولى فيها .

وهذا ليس بقياس ، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف ، وقال بعضهم من آل يئول ، فأصل الكلمة أول ، ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو ، ثم عمل فيها ماعمل في الوجه الذى قبله فوزنه الآن أعفل( كافر ) لفظه واحد وهو في معنى الجمع : أى أول الكفار كما يقول هو أحسن رجل ، وقيل التقدير : أول فريق كافر .

قوله تعالى :( وتكتموا الحق ) هو مجزوم بالعطف على : ولاتلبسوا ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو أى لاتجمعوا بينهما كقولك لاتأكل السمك وتشرب اللبن( وأنتم تعلمون ) في موضع نصب على الحال ، والعامل لاتلبسوا وتكتموا .

قوله تعالى :( وأقيموا الصلاة ) أصل أقيموا أقوموا فعمل فيه ماذكرناه في قوله :" ويقيمون الصلاة " في أول السورة( وآتوا الزكاة ) أصله آتيوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين ، ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه ، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم : زكا الشئ يزكو ، وقالوا في الجمع زكوات( مع الراكعين ) ظرف .

قوله تعالى :( وتنسون ) أصله تنسيون ، ثم عمل فيه ماذكرناه في قوله تعالى :" اشتروا الضلالة " ( أفلا تعقلون ) استفهام في معنى التوبيخ ولاموضع له .

٣٧

قوله تعالى :( واستعينوا ) أصله استعونوا ، وقد ذكر في الفاتحة( وإنها ) الضمير للصلاة ، وقيل للاستعانة ؛ لان استعينوا يدل عليها ، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها ، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود( إلا على الخاشعين ) في موضع نصب بكبيرة ، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل ؛ لانه ليس قبلها مايتعلق بكبيرة ليستثنى منه. فهو كقولك هو كبير على زيد .

قوله تعالى :( الذين يظنون ) صفة للخاشعين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعنى ، ورفع بإضمارهم( أنهم ) أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين لتضمنه مايتعلق به الظن وهو اللقاء .

وذكر من أسند إليه اللقاء .

وقال الاخفش : أن وماعملت فيه مفعول واحد ، وهو مصدر ، والمفعول الثانى محذوف تقديره : يظنون لقاء الله واقعا( ملاقوا ) أصله ملاقيوا ، ثم عمل فيه ماذكرنا في غير موضع وحذفت النون تخفيفا ؛ لانه نكرة إذا كان مستقبلا ، ولما حذفها أضاف( إليه ) الهاء ترجع إلى الله ، وقيل إلى اللقاء الذى دل عليه ملاقوا .

قوله تعالى :( وأنى فضلتكم ) في موضع نصب تقديره : واذكروا تفضيلى إياكم : قوله تعالى :( واتقوا يوما ) يوما هنا مفعول به ؛ لان الامر بالتقوى لايقع في يوم القيامة ، والتقدير : واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك( لاتجزى نفس ) الجملة في موضع نصب صفة اليوم ، والعائد محذوف تقديره : تجزى فيه .

ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه ؛ لان الظروف يتسع فيها ، ويجوز فيها مالايجوز في غيرها ، وقال غيره تحذف " في " فتصير تجزيه ، فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد ذلك( عن نفس ) في موضع نصب بتجزى ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، على أن يكون التقدير : شيئا عن نفس و( شيئا ) هنا في حكم المصدر ؛ لانه وقع موقع جزاء ، وهو كثير في القرآن ؛ لان الجزاء شئ فوضع العام موضع الخاص( ولايقبل منها شفاعة ولايؤخذ منها عدل ) أى فيه وكذلك( ولاهم ينصرون ) ، ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل ، فلما قدم انتصب على الحال ، ويقبل يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة ، وبالياء ؛ لانه غير حقيقى ، وحسن ذلك للفصل .

٣٨

قوله تعالى :( وإذ نجيناكم ) إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتى ، وكذلك : وإذ فرقنا ، وإذ واعدنا ، وإذ قلتم ياموسى ، وماكان مثله من العطوف( من آل فرعون ) أصل آل : أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل : آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ؛ لان التصغير يرد إلى الاصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الالف واوا ، ولم يرده إلى الاصل ، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله ، وقيل أصل آل : أول ، من آل يئول ؛ لان الانسان : يئول إلى أهله ، وفرعون أعجمى معرفة( يسومونكم ) في موضع نصب على الحال من آل( سوء العذاب ) مفعول به ؛ لان يسومونكم متعد إلى مفعولين ، يقال : سمته الخسف : أى ألزمته الذل( يذبحون ) في موضع حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الاولى ؛ لان حالين فصاعدا لاتكون عن شئ واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لايعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم ، والجمهور على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف( بلاء ) الهمزة بدل من واو ؛ لان الفعل منه بلوته ، ومنه قوله :" ولنبلونكم " ( من ربكم ) في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف .

قوله تعالى: ( فرقنا بكم البحر ) بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول أول ، والباء هنا في معنى اللام ، ويجوز أن يكون التقدير ، بسببكم ، ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد ، فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى " وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر " ويجوز أن تكون الباء للحال : أى فرقنا البحر وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة( وأنتم تنظرون ) في موضع الحال والعامل أغرقنا .

قوله تعالى :( واعدنا موسى ) وعد يتعدى إلى مفعولين تقول : وعدت زيدا مكان كذا ويوم كذا ، فالمفعول الاول موسى ، و( أربعين ) المفعول الثانى ، وفى الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في أربعين ، ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله وعاقبت اللص ، وقيل هو من ذلك ؛ لان الوعد من الله والقبول من موسى فصار كالوعد منه ، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل ، وموسى مفعل من أوسيت

٣٩

رأسه إذا حلقته ، فهو مثل أعطى فهو معطى ، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق .

فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ماقبلها ، وموسى اسم النبى لايقضى عليه بالاشتقاق ؛ لانه أعجمى ، وإنما يشتق موسى الحديد( ثم اتخذتم العجل ) أى إلها فحذف المفعول الثانى ومثله " باتخاذكم العجل " ، وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ، كقوله تعالى : " وقالوا اتخذ الله ولدا " وكقولك : اتخذت دارا وثوبا وماأشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الاظهار على الاصل( من بعده ) أى من بعد انطلاقه فحذف المضاف .

قوله تعالى :( لعلكم ) اللام الاولى أصل عند جماعة ، وإنما تحذف تخفيفا في قولك علك ، وقيل هى زائدة والاصل علك ، ولعل حرف والحذف تصرف والحرف بعيد منه .

قوله تعالى :( والفرقان ) هو في الاصل مصدر مثل الرجحان ، والغفران ، وقد جعل اسما للقرآن .

قوله تعالى :( لقومه ) اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ماقبلها ، وتزاد عليها ياء في اللفظ ؛ لانها خفية لاتبين كل البيان بالكسر وحده ، فإن كان قبلها ياء مثل عليه فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء ؛ لان الهاء خفية ضعيفة ، فإذا كان قبلها ياء وبعدها ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين ، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها واو في اللفظ ، نحو : إنه وغلامه لما ذكرنا( ياقوم ) حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة ، وهذا يجوز في النداء خاصة ؛ لانه لايلبس ، ومنهم من يثبت الياء ساكنة ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ماقبلها ، ومنهم من يقول : ياقوم بضم الميم( إلى بارئكم ) القراء‌ة بكسر الهمزة ؛ لان كسرها إعراب ، وروى عن أبى عمرو تسكينها فرار من توالى الحركات ، وسيبويه لايثبت هذه الرواية ، وكان يقول : إن الراوى لم يضبط عن أبى عمرو ؛ لان أبا عمرو اختلس الحركة فظن السامع أنه سكن( ذلكم ) قال بعضهم : الاصل ذانكم ؛ لان المقدم ذكره التوبة والقتل ، فأوقع المفرد موقع التثنية ؛ لان ذا يحتمل الجميع ، وهذا ليس بشئ لان قوله فاقتلوا تفسير التوبة فهو واحد( فتاب عليكم ) في الكلام حذف تقديره : ففعلتم فتاب عليكم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413