الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين14%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250283 / تحميل: 14282
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المِسك؛ لأنّها طينة الفرْخ المستشهَد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرْخ المبارك، وزَعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعْر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها، اللّهمّ فأبقِها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة...) (١) .

مصاب الحسينعليه‌السلام في حياة أنبياء اللهعليهم‌السلام وأُممهم

١) - ونقل العلاّمة المجلسي (ره) عن كتاب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى:( فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ... ) ، أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمةعليهم‌السلام ، فلقّنه جبرئيل:(قل: يا حميد بحقّ محمّد، يا عالي بحقّ عليّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ومنك الإحسان، فلمّا ذُكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال:يا أخي جبرئيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عَبرتي؟

قال جبرئيل:ولدك هذا يُصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب.

فقال:يا أخي، وما هي؟

قال:يُقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراه يا آدم وهو يقول: واعطشاه! واقلّة ناصراه! حتى يحُول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يُجِبه أحدٌ إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف! فيُذبح ذبح الشاة من قَفاه! ويَنهب رَحلَه أعداؤه! وتُشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٤٧٨ - ٤٨٠ المجلس ٨٧ رقم ٥، وكمال الدين: ٢: ٥٣٢ - ٥٣٥، باب ٤٨، رقم١.

(٢) البقرة: ٣٧.

٤١

المنّان)، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى)(١) .

٢) - روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول:(لمّا أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه‌السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبْش الذي أنزله عليه، تمنّى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه‌السلام بيده، وأنّه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه؛ ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعزّ وِلده بيده، فيستحقّ بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب!

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، مَن أحبّ خلقي إليك؟

فقال: يا ربّ، ما خلقتَ خلقاً هو أحبّ إليَّ من حبيبك محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، أفهو أحبّ إليك أو نفسك؟

قال: بل هو أحبُّ إليَّ من نفسي.

قال: فولدهُ أحبّ إليك أو ولدك؟

قال: بل ولده.

قال: فَذبحُ ولده ظلماً على أيدي أعدائه أوجع لقلبك، أو ذبح وَلدكَ بيدك في طاعتي؟

قال: يا ربّ، بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي.

قال: يا إبراهيم، فإنّ طائفة تزعم أنّها من أمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستقتل الحسينعليه‌السلام ابنه من بعده ظلماً وعدواناً كما يُذبح الكبش، فيستوجبون بذلك سخطي.

فجزع إبراهيمعليه‌السلام لذلك وتوجّع قلبه، وأقبلَ يبكي!

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا إبراهيم، قد فديتُ جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسينعليه‌السلام وقتله، وأوجبتُ لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب!

____________________

(١) البحار: ٤٤، باب ٣٠، حديث رقم ٤٤.

٤٢

فذلك قول الله عزّ وجلّ: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) ، ولا حول ولا قوّة لاّ بالله العليّ العظيم) (١) .

٣) - ونقل الشيخ قطب الدين الراوندي عن تاريخ محمّد النجّار، شيخ المحدّثين بالمدرسة المستنصرية بإسناد مرفوع إلى أنس بن مالك، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال:(لمّا أراد الله أن يهلك قوم نوح أوحى إليه أن شُقَّ ألواح الساج، فلمّا شقّها لم يدرِ ما يصنع بها، فهبط جبرئيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت بها مئة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار، فسمّر بالمسامير كلّها السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يُضيء الكوكب في أُفق السماء فتحيّر نوح، فأنطقَ الله المسمار بلسان طلِق ذلِق: أنا على اسم خير الأنبياء محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهبط جبرئيل، فقال له: يا جبرئيل، ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله؟

فقال: هذا باسم سيّد الأنبياء محمّد بن عبد الله، أَسْمِرْهُ على جانب السفينة الأيمن.

ثمّ ضرب بيده على مسمار ثانٍ فأشرقَ وأنار!

فقال نوح: وما هذا المسمار؟

فقال: هذا مسمار أخيه وابن عمّه سيّد الأوصياء عليّ بن أبي طالب، فأسْمِرْهُ على جانب السفينة الأيسر في أوّلها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرقَ وأنار!

____________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ١: ٢٠٩، باب ١٧ حديث رقم ١ / وعنه البحار: ٤٤: ٢٢٥، باب ٣٠، حديث رقم ٦ (وعن أمالي الصدوق أيضاً)، وقال العلاّمة المجلسي (ره) في ذيل هذا الخبر: (وأقول: ليس في الخبر أنّه فدى إسماعيل بالحسين، بل فيه أنّه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل بجزعه على الحسينعليه‌السلام ، وظاهرٌ أنّ الفداء على هذا ليس على معناه، بل المراد التعويض، ولما كان أسفهُ على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه، عوّضه الله بما هو أجلّ وأشرف وأكثر ثواباً، وهو الجزع على الحسينعليه‌السلام ).

٤٣

فقال جبرئيل: هذا مسمار فاطمة فأسمِره إلى جانب مسمار أبيها.

ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار!

فقال جبرئيل: هذا مسمار الحسن فأسمِره إلى جانب مسمار أبيه، ثمّ ضرب إلى مسمار خامس فزهر وأنار وأظهر النداوة!

فقال جبرئيل: هذا مسمار الحسين فأسمِره إلى جانب مسمار أبيه.

فقال نوح: يا جبرئيل، ما هذه النداوة؟

فقال: هذا الدم.

فذكر قصّة الحسين عليه‌السلام وما تعمل الأمّة به، فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله) (١) .

٤) - وروى الشيخ الصدوق (ره) بإسنادٍ إلى الإمام الرضاعليه‌السلام قال:(قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنَّ موسى بن عمران سأل ربّه عزّ وجلّ فقال: يا ربّ، إنّ أخي هارون مات فاغفر له، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإنّي أنتقم له من قاتله) (٢) .

٥) - وروى الشيخ الصدوق (ره) في علل الشرائع بسندٍ إلى الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(إنّ إسماعيل الذي قال الله عزّ وجلّ في كتابه: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ) ،لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبيّاً من الأنبياء بعثه الله عزّ وجلّ إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه مَلَك فقال:

____________________

(١) البحار: ٤٤: ٢٣٠، باب ٣٠، حديث رقم ١٢ عن الخرايج والجرايح، ولم نجده في الخرايج والجرايح المطبوع.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام : ٢: ٤٧، باب ٣١، حديث رقم ١٧٩ / والظاهر أنّ المراد بقاتل الحسينعليه‌السلام أعمّ وأوسع ممّن باشر قتله بذبحه، إذ يدخل في هذا العنوان الممهدِّون لقتله والآمرون بذلك، والذين اشتركوا في مواجهته وحصره وقتاله، ومَن أعان على ذلك، الراضون بذلك إلى قيام يوم الدين، هذا ما تؤكّده نصوص كثيرة متضافرة مأثورة عن أهل البيتعليهم‌السلام .

٤٤

إنّ الله جلّ جلاله بعثني إليك فمُري بما شئت، فقال: لي أُسوة بما يُصنع بالحسين عليه‌السلام ) (١) .

ورواه الشيخ الصدوق (ره) أيضاً بتفاوت وبسند آخر إلى الإمام الصادقعليه‌السلام (٢) .

وروى ابن قولويه (ره) بسندٍ عن بُرير بن معاوية العجليِّ قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : يا بن رسول الله، أخبِرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ) ، أكان إسماعيل بن إبراهيمعليهما‌السلام ؟ فإنَّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم!

فقالعليه‌السلام :إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإنَّ إبراهيم كان حجّة لله قائماً، صاحب شريعة، فإلى مَن أُرسل إسماعيل إذاً؟

قلت: فمَن كان جُعلتُ فداك؟

قالعليه‌السلام :ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ، بعثه الله إلى قومه فكذّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجّه إليه سطاطائيل مَلك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، أنا سطاطائيل مَلَك العذاب، وجّهني إليك ربّ العزّ؛ لأُعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئتَ، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك، فأوحى الله إليه: فما حاجتك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربّ إنّك أخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمّد بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرتَ خير خلقك بما تفعل أمّته بالحسين بن علي عليهما‌السلام من بعد نبيّها، وإنّك وعدتَ الحسين عليه‌السلام أنْ تُكِرَّهُ إلى الدنيا حتّى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ أن تكِرَّني إلى الدنيا

____________________

(١) علل الشرائع: ٧٧، باب ٦٧، حديث رقم ٢، ورواه ابن قولويه (ره) مسنداً في كامل الزيارات: ٦٢ - ٦٣، باب ١٩، حديث رقم ١.

(٢) علل الشرائع: ٧٨، باب ٦٧، حديث رقم ٣. ورواه ابن قولويه (ره) مسنداً في كامل الزيارات: ٦٣، باب ١٩، حديث رقم ٢.

٤٥

حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي، كما تُكِرُّ الحسين عليه‌السلام ، فوعدَ الله إسماعيل بن حزقيل ذلك فهو يُكَرّ مع الحسين عليه‌السلام ) (١) .

٦) - وروى الشيخ الصدوق في أماليه بسندّ إلى سالم بن أبي جعدة قال: سمعت كعب الأحبار يقول: إنّ في كتابنا أنّ رجلاً من وِلْد محمّد رسول الله يُقتل، ولا يجفّ عرَق دوابّ أصحابه، حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العِين.

فمرَّ بنا الحسنعليه‌السلام ، فقلنا: هو هذا؟

قال:(لا.

فمرَّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا: هو هذا؟

قال:نعم) (٢) .

٧) - وروى الشيخ الصدوق (ره) أيضاً بسندٍ إلى يحيى بن يمان، عن إمامٍ لبني سليم، عن أشياخ لهم قالوا: غزونا بلاد الروم فدخلنا كنيسة من كنائسهم فوجدنا فيها مكتوباً:

أيرجو معشرٌ قتلوا حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

قالوا: فسألنا: منذ كم هذا في كنيستكم؟

فقالوا: قبل أن يُبعث نبيّكم بثلاثمئة عام)(٣) .

وقال الشيخ ابن نما (ره): (وحدّث عبد الرحمان بن مسلم، عن أبيه أنّه قال: غزونا بلاد الروم فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينية وعليها شيء

____________________

(١) كامل الزيارات: ٦٣ - ٦٤، باب ١٩، حديث رقم ٣.

(٢) أمالي الصدوق: ١٢١ المجلس ٢٩، حديث رقم ٤.

(٣) أمالي الصدوق: ١١٣، المجلس ٢٧، حديث رقم ٦.

٤٦

مكتوب، فسألنا أُناساً من أهل الشام يقرأون بالرومية، فإذا هو مكتوب هذا البيت [ الشعر ].

وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال: قال عبد الله بن الصفّار صاحب أبي حمزة الصوفي: غزونا غزاة وسبَينا سبياً، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى، فأكرمناه وأحسنّا إليه، فقال لنا: أخبَرَني أبي عن آبائه، أنّهم حضروا في بلاد الروم حضراً قبل أن يُبعث النبيّ العربي بثلاثمئة سنة، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند هذا البيت من الشعر:

أترجو عُصبة قَتَلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

والمسند كلام أولاد شيث)(١) .

الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ومصاب الحسينعليه‌السلام

كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكر ما يجري على الإمام الحسينعليه‌السلام من المصائب الفادحة، حزن واغتمّ وبكى وأبكى مَن حوله، منذ أن بشّرته الملائكة

____________________

(١) مثير الأحزان: ٩٦ - ٩٧ / وقال الشيخ ابن نما (ره) أيضاً: فروى النطنزي، عن جماعة، عن سليمان بن مهران الأعمش قال: بينما أنا في الطواف أيّام الموسم إذا رجل يقول: اللّهم اغفر لي وأنا أعلم أنّك لا تغفر، فسألته عن السبب فقال: كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام، فنزلنا أوّل مرحلة رَحَلنا من كربلا على دير للنصارى، والرأس مركوز على رمح، فوضعنا الطعام ونحن نأكل إذا بكفّ على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطراً بدم:

أترجو أمّة قَتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزعنا جزعاً شديداً وأهوى بعضنا إلى الكفّ فغاب، فعاد أصحابي.

٤٧

بالحسينعليه‌السلام ، ثمّ منذ اليوم الأوّل من حياة الإمام الحسينعليه‌السلام إلى آخر أيّامهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمأثور المرويّ في هذا الصدد كثير متنوّع، انتقينا منه نماذج على سبيل المثال تبرّكاً، هي:

١) - روى ابن قولويه (ره) بسندٍ عن الإمام أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(أتى جبرئيل رسول الله فقال له: السلام عليك يا محمّد، ألا أُبشرّك بغلام تقتله أمّتك من بعدك؟

فقال: لا حاجة لي فيه.

قال: فانتهض إلى السماء، ثمّ عاد إليه الثانية فقال له مثل ذلك.

فقال: لا حاجة لي فيه.

فانعرج إلى السماء، ثمّ انقضّ إليه الثالثة فقال له مثل ذلك.

فقال: لا حاجة لي فيه.

فقال: إنّ ربّك جاعل الوصيّة في عَقِبه.

فقال: نعم.

ثمّ قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل على فاطمة، فقال لها: إنّ جبرئيل أتاني فبشّرني بغلام تقتله أمّتي من بعدي!

فقالت: لا حاجة لي فيه.

فقال لها: إنّ ربّي جاعل الوصيّة في عقِبه.

فقالت: نعم، إذاً.

قال:فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية: ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ) لموضع إعلام جبرئيل إيّاها بقتله ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ) بأنّه مقتول، و ( وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ) ؛ لأنّه مقتول) (١) .

____________________

(١) كامل الزيارات: ٥٤، باب ١٦، حديث رقم ٣ / وانظر: حديث رقم ٤.

٤٨

٢) - وروى ابن قولويه (ره) أيضاً بسندٍ عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال:(لمّا حَملت فاطمة بالحسين عليه‌السلام جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال: إنّ فاطمة ستلد ولداً تقتله أمّتك من بعدك، فلمّا حملت فاطمة الحسين كرهت حمْله، وحين وضعتهُ كرهَت وضْعه).

ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :(هل رأيتم في الدنيا أُمّاً تلد غُلاماً فتكرهه؟! ولكنّها كرهته؛ لأنّها عَلمت أنّه سيُقتل).

قال:وفيه نزلت هذه الآية: ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (١) )(٢) .

٣) - قال الشيخ ابن نما (ره): (وقد روي عن زوجة العبّاس بن عبد المطّلب وهي أمُّ الفضل (لبابة بنت الحارث)، قالت: رأيت في النوم قبل مولده كأنّ قطعة من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قُطعت ووضعت في حِجري، فقصصت الرؤيا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:(إن صَدَقت رؤياكِ فإنّ فاطمة ستلد غلاماً وأدفعه إليك لترضعيه (٣) .

فجرى الأمر على ذلك، فجئت به يوماً فوضعته في حِجره فبال، فقطرت منه قطرة على ثوبهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقرصتهُ فبكى.

فقال كالمغضَب:مهلاً يا أمّ الفضل، فهذا ثوبي يُغسل، وقد أوجعتِ ابني! قالت: فتركتهُ ومضيت لآتيه بماء، فجئت فوجدتهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي، فقلت: ممّن بكاؤك يا رسول الله؟ فقال:إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ أمّتي تقتل ولدي هذا!) (٤) .

____________________

(١) سورة الأحقاف: ١٥.

(٢) كامل الزيارات: ٥٤، باب ١٦، حديث رقم ٢.

(٣) روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله:(ولم يرضع الحسين من فاطمة ولا من أُنثى، لكنّه كان يؤتى به النبيّ فيضع إبهامه في فيه فيمصُّ منها ما يكفيه اليومين والثلاثة، فنبتَ لحم الحسين عليه‌السلام من لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودمه من دمه..) (راجع: كامل الزيارات: ٥٥، باب ١٦، حديث رقم ٤).

(٤) مثير الأحزان: ١٦ - ١٧.

٤٩

٤) - وأخرج الشيخ الطوسي (ره) بسند عن الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام قال:(حدّثتني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت: قبّلتُ جدّتك فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحسن والحسين عليهما‌السلام ، قالت: فلمّا ولدت الحسن عليه‌السلام جاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا أسماء، هاتي ابني، قالت: فدَفعته إليه في خِرقة صفراء، فرمى بها وقال: ألم أعهد إليكنّ ألاّ تلفّوا المولود في خرقة صفراء؟!

ودعا بخرقة بيضاء فلفّه فيها، ثمّ أذّن في أُذنه اليمنى، وأقام في أُذنه اليسرى، وقال لعليّعليه‌السلام : بمَ سمّيتَ ابنك هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، قال: وأنا ما كنت لأسبق ربّي عزّ وجلّ.

قال:فهبط جبرئيل فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمّد، عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدك، فسمِّ ابنك باسم ابن هارون، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل، وما اسم ابن هارون؟ قال جبرئيل: شُبّر، قال: وما شُبّر؟ قال: الحسن، قالت أسماء: فسمّاه الحسن.

قالت أسماء: فلمّا ولدت فاطمة الحسينعليهما‌السلام نفّستُها به، فجاءني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: هلمّي ابني يا أسماء، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، ففعل به كما فعل بالحسنعليه‌السلام ، قالت: وبكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال: إنّه سيكون لك حديث! اللّهمّ العن قاتله، لا تُعلمي فاطمة بذلك.

قالت: فلمّا كان يوم سابعه جاءني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: هلمّي ابني.

فأتيتهُ به، ففعل به كما فعل بالحسن عليه‌السلام ، وعقّ عنه كما عقّ عن الحسن كبشاً أملح، وأعطى القابلة رِجلاً، وحلقَ رأسه، وتصدّق بوزن الشَعر وَرِقاً (١) ،وخلّق رأسه بالخَلُوق (٢) ،

____________________

(١) الوَرِق: الفضّة.

(٢) الخَلُوق: ضرب من الطيّب، أعظم أجزائه الزعفران.

٥٠

وقال: إنّ الدّم من فعل الجاهليّة، قالت: ثمّ وضعه في حِجره، ثمّ قال: يا أبا عبد الله، عزيزٌ عليَّ، ثمّ بكى، فقلت: بأبي أنت وأمّي، فعلتَ في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل، فما هو؟ فقال: أبكي على ابني هذا، تقتله فئة باغية كافرة من بني أميّة، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم، ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريّته، اللّهمّ أَحبّهما، وأحبَّ مَن يُحبّهما، والعن مَن يبغضهما مِلء السماء والأرض) (١) .

٥) - وروى فرات الكوفي (ره) عن جعفر بن محمّد الفزاري معنعناً، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال:(كان الحسين مع أُمّه تحمله، فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين مَن أعان عليك.

قالت فاطمة الزهراء: يا أبتِ، أيّ شيء تقول؟

قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رِحالهم وتُربتهم.

قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟

قال: موضع يقال له كربلاء، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمّة (الأئمة) يخرج عليهم شرار أمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له مَن في السماوات والأرضين ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار.

قالت: يا أبه، فيُقتلُ؟!

قال: نعم يا بنتاه، وما قُتل قتْلته أحدّ كان قبله، ويبكيه السماوات والأرضون، والملائكة، والوحش، والنباتات، والبحار، والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٣٦٧ - ٣٦٨، المجلس ١٣، حديث ٧٨١ / ٣٢.

٥١

متنفّس، ويأتيه قوم من محبّينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوَم بحقّنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، أولئك مصابيح في ظلمات الجَور، وهم الشفعاء، وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم، وكلُّ أهل دين يطلبون أئمّتهم، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض، وبهم ينزل الغيث.

فقالت فاطمة الزهراءعليها‌السلام : يا أبة، إنّا لله، وبكت.

فقال لها: يا بنتاه، إنّ أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا؛ بذلوا أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقّاً، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها، قَتلة أهون من مِيتة، ومَن كُتب عليه القتل خرج إلى مضجعه، ومَن لم يُقتل فسوف يموت.

يا فاطمة بنت محمّد، أمَا تحبّين أن تأمرين غداً بأمر فتُطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حَمَلة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟

أمَا ترضين أن يكون بعلُك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض، فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه؟ أما ترضين أن يكون بعلُك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه، يُخرج منها مَن يشاء ويترك مَن يشاء.

أمَا ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليكِ وإلى ما تأمرين به، وينظرون إلى بعْلُكِ قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعْلُك إذا أفلجت حجّته على الخلائق وأُمرت النار أن تطيعه؟

أمَا ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك، ويأسف عليه كلّ شيء؟ أما ترضين أن يكون مَن أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون مَن أتاه: بمنزلة مَن حجّ إلى بيت الله واعتمر، ولم يخلُ من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وإنْ بقي لم تزَل الحَفَظة تدعوا له ما بقي،

٥٢

ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟

قالت: يا أبه، سلّمتُ، ورضيتُ، وتوكّلت على الله.

فمسحَ على قلبها ومسح عينيها، وقال: إنّي وبعلُكِ وأنتِ وابنَيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك) (١) .

٦) - وروى الشيخ ابن نما (ره) قائلاً: (وعن عبد الله بن يحيى قال: دخلنا مع عليّعليه‌السلام إلى صِفّين، فلمّا حاذى نينوى نادى:(صبراً أبا عبد الله ، فقال:دخلتُ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعيناه تفيضان!

فقلت: بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، ما لعينيك تفيضان؟ أغضَبكَ أحد؟

قال: لا، بل كان عندي جبرئيل فأخبرني أنّ الحسين يُقتل بشاطئ الفرات، فقال: هل لك أن أُشمّك من تُرتبه؟ قلت: نعم، فمدَّ يده فأخذ قبضة من تراب وأعطانيها، فلم أملك عينيَّ أن فاضتا، واسم الأرض كربلاء.

فلمّا أتت عليه سنتان خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سفر، فوقف في بعض الطريق واسترجع ودمعت عيناه، فسُئل عن ذلك.

فقال: هذا جبرئيل يخبرني عن أرضٍ بشطّ الفرات يُقال لها كربلاء يُقتل فيها وَلدي الحسين.

فقيل: ومَن يقتله؟

قال:رجل يقال له يزيد، كأنّي أنظر إليه وإلى مصرعه ومدفنه بها، وكأنّي أنظر على أقتاب المطايا وقد أُهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه الله، فو الله ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح إلاّ خالف الله بين قلبه ولسانه، وعذّبه الله عذاباً أليماً) .

____________________

(١) تفسير فرات الكوفي: ٥٥ - ٥٦، وعنه البحار: ٤٤: ٢٦٤ - ٢٦٥، رقم ٢٢ / وانظر: كامل الزيارات: ٦٧ - ٦٨، باب ٢٢، رقم ٢.

٥٣

ثمّ رجع النبيّ من سفره مغموماً مهموماً كئيباً حزيناً، فصعد المنبر وأصعد معه الحسن والحسين، وخطبَ ووعظ الناس، فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن ويده اليسرى على رأس الحسين، ورفع رأسه إلى السماء وقال:

اللّهمّ إنّ محمّداً عبدك ورسولك ونبيّك، وهذان أطائب عترتي وخيار ذرّيتي وأُرومتي، ومَن أُخلِّفهما في أمّتي، وقد أخبرني جبرئيل أنّ ولَدي هذا مقتول بالسمّ، والآخر شهيد مضرّج بالدم، اللّهمّ فبارك له في قتله، واجعله من سادات الشهداء، اللّهمّ ولا تبارك في قاتله وخاذله، واصلِهِ حرَّ نارك واحشره في أسفل درك الجحيم.

قال: فضجّ الناس بالبكاء والعويل.

فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : أتبكون ولا تنصرونه؟! اللّهمّ فكن أنت له وليّاً وناصراً.

ثمّ قال: يا قوم، إنّي مخلّف فيكم الثِقلَين: كتاب الله، وعترتي وأُرومتي ومزاج مائي، وثمرة فؤادي، ومهجتي، لن يفترقا حتّى يرِدا عليَّ الحوض، ألا وإنّي لا أسألكم في ذلك إلاّ ما أمرني ربّي أن أسألكم عنه، أسألكم عن المودّة في القُربى، واحذروا أن تلقوني غداً على الحوض وقد آذيتم عترتي وقتلتُم أهل بيتي وظلمتموهم.

ألا إنّه سيرد عليَّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمّة:

الأولى: راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة، فتقف عليَّ فأقول لهم: مَن أنتم؟ فينسون ذكري، ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب، فأقول لهم: أنا أحمد نبيّ العرب والعجم، فيقولون: نحن من أمّتك، فأقول: كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربّي؟ فيقولون: أمّا الكتاب فضيّعناه، وأمّا العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض، فلمّا أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي، فيصدرون عطاشاً مسوّدة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية أخرى أشدّ سواداً من الأولى، فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين: كتاب الله، وعترتي؟

٥٤

فيقولون: أمّا الأكبر فخالفناه، وأمّا الأصغر فمزّقناهم كل ممزّق! فأقول: إليكم عنّي، فيصدرون عطاشاً مسوّدة وجوههم.

ثمّ ترد عليَّ راية تلمع وجوههم نوراً فأقول لهم: مَن أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمّة محمّد المصطفى، ونحن بقيّة أهل الحق، حملنا كتاب ربّنا، وحلّلنا حلاله، وحرّمنا حرامه، وأحببنا ذريّة نبيّنا محمّد، ونصرناهم من كلّ ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم مَن ناواهم، فأقول لهم: أبشروا، فأنا نبيّكم محمّد، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم، ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين، ثمّ يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين) (١) .

٧) - روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن ابن عباس قال: (إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسنعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال:(إلى أين يا بُنيّ؟ فما زال يُدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى.

ثمّ أقبل الحسينعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال:إلى أين يا بُنيّ؟ فما زال يُدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى.

ثمَّ أقبلت فاطمةعليها‌السلام ، فلمّا رآها بكى، ثمّ قال:إليَّ إليَّ يا بُنيّة، فأجلسها بين يديه، ثمّ أقبل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال:إليَّ يا أخي، فما زال يُدنيه حتّى أجلسه إلى جنبه الأيمن.

فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحداً من هؤلاء إلاّ بكيت! أَوَ ما فيهم مَن تُسَرُّ برؤيته؟!

____________________

(١) راجع: مثير الأحزان: ١٨ - ٢٠، وبحار الأنوار: ٤٤: ٢٤٧ - ٢٤٩، وروى بعضه ابن أبي شيبة في مصنّفه: ١٥: ٩٨ رقم ١٩٢١٤، وأحمد في مسنده: ١: ٨٥.

٥٥

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله :والذي بعثني بالنبوّة واصطفاني على جميع البريّة، إنّي وإيّاهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليَّ منهم، وأمّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ... وأمّا الحسين فإنّه منّي، وهو ابني وولدي وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة ربّ العالمين، وغياث المستغيثين، وكهف المستجيرين، وحجّة الله على خلقه أجمعين، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وباب نجاة الأمّة، أمْرهُ أمري، وطاعته طاعتي، مَن تبعه فإنّه منّي، ومَن عصاه فليس منّي، وإنّي لمّا رأيته تذكّرت ما يُصنع به بعدي، كأنّي به وقد استجار بحَرَمي وقُربي فلا يُجار! فأضمّه في منامه إلى صدري، وآمرهُ بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشّره بالشهادة فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء، وقتْلٍ وفَناء، تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمّتي يوم القيامة، كأنّي أنظر إليه وقد رُمي بسهمٍ فخرّ عن فرَسه صريعاً، ثمّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً.

ثمّ بكى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبكى مَن حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثمّ قامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول:اللّهمّ إنّي أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي)، ثمّ دخل منزله) (١) .

٨) - (وروي عن عبد الله بن عبّاس (رض) أنّه قال: لما اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه، وقد ضمَّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره، يسيل من عرَقه عليه، وهو يجود بنفسه ويقول:(ما لي وليزيد؟! لا بارك الله فيه، اللّهمَّ العن يزيد) .

ثمّ غشي عليه طويلاً، وأفاق وجعل يُقبّل الحسين وعيناه تذرفان، ويقول:(أمَا إنّ لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجلّ) (٢) .

____________________

(١) أمالي الشيخ الصدوق: ٩٩ - ١٠١، المجلس ٢٤، رقم ٢.

(٢) مثير الأحزان: ٢٢.

٥٦

أمير المؤمنين عليٌّعليه‌السلام ومصاب الحسينعليه‌السلام

وكما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعيش مأتماً متواصلاً، ويكابد حزناً شديداً وجزعاً عظيماً ويبكي بكاءً مُرّاً، ويُبكي مَن حوله؛ لمَا سوف يُصيب الإمام الحسينعليه‌السلام من عظيم البلاء، كذلك كان أمير المؤمنينعليه‌السلام . وإنَّ المأثور عنهعليه‌السلام في ذلك لَكثير، لكنّنا لا يسعنا هنا أيضاً إلاّ أن ننتقي منه نماذج على سبيل المثال تبرّكاً:

١) - روى الشيخ الصدوق (ره) بسند عن الأصبغ بن نباتة (ره) قال: (خرج علينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسنعليه‌السلام وهو يقول:(خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيّدهم أخي هذا، وهو إمام كلّ مسلم، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي.

ألا وإنّي أقول: خير الخلق بعدي، وسيّدهم ابني هذا، وهو إمام كلّ مؤمن، ومولى كلّ مؤمن بعد وفاتي، ألا وإنّه سيُظلَم بعدي كما ظُلمتُ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخير الخلق وسيّدهم بعد الحسن ابني أخوه الحسين المظلوم بعد أخيه، المقتول في أرض كربلاء، أمَا إنّه وأصحابه من سادة الشهداء يوم القيامة...) (١) .

٢) - وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسند عن جبلة المكيّة قالت: سمعت ميثم التمّار يقول: (والله، لتَقتِلنّ هذه الأمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشرٍ مضَين منه، وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عَهدهُ إليَّ مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولقد أخبرني أنّه:(يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار، والطير في جوّ السماء، وتبكي عليه الشمس، والقمر، والنجوم، والسماء، والأرض،

____________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة: ١: ٢٥٩، باب ٢٤، رقم ٥، وعنه الراوندي في قصص الأنبياء: ٣٦٦ - ٣٦٧، رقم ٤٣٩، والطبرسي في إعلام الورى: ٣٧٧ - ٣٧٨.

٥٧

ومؤمنو الإنس والجنّ، وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك، وحَملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً، ثمّ قال:وجَبَت لعنة الله على قَتلة الحسين عليه‌السلام كما وجبَت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبَت على اليهود والنصارى والمجوس) .

قالت جبلة: فقلت: يا ميثم، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّعليهما‌السلام يوم بركة؟!.

فبكى ميثم، ثمّ قال: سيزعمون بحديث يضعونه أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدمعليه‌السلام ، وإنّما تاب الله على آدمعليه‌السلام في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي قبِل الله فيه توبة داود، وإنّما قبِل الله توبته في ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة، ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجوديّ، وإنّما استوت على الجوديّ يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل.

ثمّ قال ميثم: يا جبلة، اعلَمي أنّ الحسين بن عليّ سيّد الشهداء يوم القيامة، ولأصحابه على سائر الشهداء درجة، يا جبلة إذا نظرتِ إلى الشمس حمراء كأنّها دم عبيط فاعلَمي أنّ سيّدك الحسين قد قُتل.

قالت جبلة: فخرجتُ ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة! فصحتُ حينئذٍ وبكيتُ، وقلت: قد والله قُتل سيّدنا الحسين بن عليّعليه‌السلام )(١) .

٣) - وأخرج الشيخ الصدوق (ره) أيضاً في أماليه بسندٍ عن ابن عبّاس قال:

____________________

(١) أمالي الصدوق: ١١٠ - ١١١، المجلس ٢٧، رقم ١، وعلل الشرايع: ١: ٢٢٧ - ٢٢٨.

٥٨

(كنت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام في خروجه (في خرجته) إلى صِفّين، فلمّا نزل بنينوى وهو شطّ الفرات قال بأعلى صوته:(يا بن عبّاس، أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقالعليه‌السلام :لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي، قال: فبكى طويلاً حتّى اخضلّت لحيَته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معاً، وهو يقول:أوه أوه! ما لي ولآل أبي سفيان؟! ما لي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر؟! صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقيَ أبوك مثل الذي تلقى منهم!

ثمّ دعا بماءٍ فتوضّأ وضوءه للصلاة، فصلّى ما شاء الله أن يصلّي، ثمّ ذكر نحو كلامه الأوّل، إلاّ أنّه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة، ثمّ انتبه، فقال:يا بن عبّاس، فقلت: ها أنا ذا؟

فقال:ألا أُحدّثك بما رأيت في منامي آنفاً عند رَقدَتي؟

فقلت: نامت عيناك ورأيتَ خيراً يا أمير المؤمنين.

قال:رأيت كأنّي برجال قد نزلوا من السماء، معهم أعلام بيض، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة، ثمّ رأيت كأنّ هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض تضطرب بدمٍ عبيط، وكأنّي بالحسين سُخَيلي وفرْخي ومُضغتي ومخّي قد غرق فيه يستغيث فلا يُغاث، وكأنّ الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه ويقولون: صبراً آلَ الرسول! فإنّكم تُقتلون على أيدي شرار الناس، وهذه الجنّة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة! ثمّ يعزّونني ويقولون: يا أبا الحسن، أبشِر فقد أقرّ الله به عينك يوم القيامة يوم يقوم النّاس لربّ العالمين، ثمّ انتبهتُ!

وهكذا والذي نفس عليٍّ بيده، لقد حدّثني الصادق المصدّق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا، وهذه أرض كرب وبلاء، يُدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً من وِلدي ووِلد فاطمة، وإنّها لفي السماوات معروفة تُذكر أرض كرب وبلاء، كما تُذكر بقعة الحرَمَين، وبقعة بيت المقدس.

٥٩

ثمّ قال:يا بن عبّاس، اُطلب لي حولها بعْر الظباء، فو الله ما كذبتُ ولا كُذّبت، وهي مصفرّة لونها لون الزعفران!

قال ابن عباس: فطلبتها فوجدتها مجتمعة، فناديته: يا أمير المؤمنين، قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي.

فقال عليّعليه‌السلام :صدق الله ورسوله، ثمّ قامعليه‌السلام يهرول إليها، فحملها وشمّها، وقال:هي هي بعينها! أتعلُم يا بن عبّاس ما هذا الأبعار؟

هذه قد شمّها عيسى بن مريمعليه‌السلام ، وذلك أنّه مرّ بها ومعه الحواريّون فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريّون معه فبكى وبكى الحواريّون، وهم لا يدرون لِمَ جلس ولِمَ بكى!

فقالوا: يا روح الله وكلمته، ما يبكيك؟!

قال: أتعلمون أيّ أرض هذه؟

قالوا: لا.

قال: هذه أرض يُقتل فيها فرْخ الرسول أحمد، وفرخ الحرّة الطاهرة البتول شبيهة أمّي، ويُلحد فيها، طينة أطيب من المسك؛ لأنّها طينة الفرْخ المستشهد، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء، فهذه الظباء تكلّمني وتقول: إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تُربة الفرخ المبارك.

وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض، ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران فشمّها وقال: هذه بعر الظباء على هذا الطيب؛ لمكان حشيشها، اللّهمَّ فأبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة.

قال:فبقيَت إلى يوم الناس هذا، وقد اصفرّت لطول زمنها، وهذه أرض كرب وبلاء، ثمّ قال بأعلى صوته:يا ربّ عيسى بن مريم، لا تُبارك في قَتَلَتِه، والمُعين عليه، والخاذل له.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الناصح فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى انبه الحسن الفاضل فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد )(١)

الثاني : الروايات التي وردت في إمامة علي بن الحسينعليه‌السلام خاصة ، وقد ذكرنا قسماً منها في الفصل الأول ولكن الإستدلال يحتم علينا ذكرها هنا أيضاً ، وهي :

١ ـ عن الزهري قال : ( كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسينعليه‌السلام ، فقال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل عليه الحسين بن عليعليه‌السلام فضمّه إلى صدره وقبلّه وأقعهده إلى جنبه ثم قال : يولد لإبني هذا ابن يقال له علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : ليقم سيد العابدين فيقوم هو )(٢)

٢ ـ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : ( ان الحسين بن عليعليه‌السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرةً وكان علي بن الحسين مبطوناً(٣) معهم لا يرون إلا ما ألّم به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد ! قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك ؟ قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ

ــــــــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي ص ١٠٥ ، ومختصر البصائر ص ٣٩ ط النجف .

(٢) كفاية الطالب للكنجي ص ٤٤٨ .

(٣) المبطون : عليل البطن .

١٤١

خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا والله إن فيه الحدود حتى أن فيه أرش الخدش ((١) .

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : ( ان الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية ، فلما رجع علي بن الحسينعليه‌السلام دفعتها إليه )(٢)

٤ ـ روى المجلسي بإسناده عن محمد بن مسلم قال : ( سألت الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام عن خاتم الحسين بن عليعليه‌السلام إلى من صار ، وذكرت له اني سمعت أنه أخذ من اصبعه فيما أخذ قالعليه‌السلام : ليس كما قالوا ، ان الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسينعليه‌السلام وجعل خاتمه في اصبعه وفوّض إليه أمره كما فعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفعله أمير المؤمنين بالحسينعليه‌السلام ، وفعله الحسن بالحسينعليه‌السلام ، ثم صار ذلك الخاتم إلى أبي بعد أبيه ، ومنه صار إلي فهو عندي وإني لألبسه كل جمعة وأصلي فيه ) قال محمد بن مسلم : فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلي فلما فرغ من الصلاة مدّ إلي يده ، فرأيت في إصبعه خاتماً نقشه لا إله إلاّ الله عدّة للقاء الله فقال : هذا خاتم جدي أبي عبد الله الحسين بن علي )(٣)

ــــــــــــــــ

(١) الكافي ـ باب الإشارة والنص على علي بن الحسينعليه‌السلام ج ١ ص ٢٤١ .

(٢) المصدر السابق ج ١ ص ٢٤٢ .

(٣) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٧ .

١٤٢

صفات الأئمةعليه‌السلام

وكان الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينبّه الأمة ويرشدها إلى فكرة الإمامة وصفات الإمامعليه‌السلام

١ ـ قالعليه‌السلام بخصوص وصف أئمة أهل البيتعليه‌السلام : ( نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، وبنا السماء أن تقع على الأرض إلا بأذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، ولم تخل الأرض منذ خلق الأرض من حجة لله مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله ) فقيل له : كيف ينتفع الناس بالغائب المستور ؟ فقالعليه‌السلام : ( كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب )(١)

٢ ـ وبخصوص الدعاء لهمعليه‌السلام ، قال : ( ربّ صلّ على أطايب أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين اخترتهم لأمرك ، وجعلتهم خزنة علمك ، وحفظة دينك ، وخلفاءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك ، وجعلتهم الوسيلة إليك ، والمسلك إلى جنتك ربّ صلّ على محمدٍ وآله صلاةً تجزل لهم بها من تحفك

ــــــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق ص ١١٢ .

١٤٣

وكرامتك ، وتكمل لهم الأشياء من عطاياك ونوافلك(١) ، وتوّفر عليهم الحظّ من عوائدك وفوائدك ربّ صلّ عليه وعليهم صلاةً لا أمد في أولها ، ولا غاية لأمدها ، ولا نهاية لآخرها ربّ صلّ عليهم زنة عرشك وما دونه ، وملء سمواتك وما فوقهنّ ، وعدد أراضيك وما تحتهنّ وما بينهنّ ، صلاةً تقربهم منك زلفى ، وتكون لك ولهم رضى ، ومتصلة بنظائرهن أبداً )(٢)

٣ ـ ( نحن خلفاء الأرض ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن الذين شرع الله لنا دينه ، فقال : (( شَرَعَ لَكُم مِنَ الدّينِ مَا وَصّى‏ بِهِ نُوحاً وَالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏ وَعِيسَى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ وَلَا تَتَفَرّقُوا فِيهِ ) ...)(٣) فقد علمنا ، وبلّغنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ذرية أولي العلم ، أن أقيموا الدين بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تتفرقوا فيه )(٤)

٤ ـ وبخصوص وجوب طاعة الإمام : ( اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ، ومناراً في بلادك(٥) ، بعد أن وصلت

ــــــــــــــــ

(١) الناقلة : العطية الفاضلة .

(٢) الصحيفة السجادية الدعاء السابع والأربعون ص ٢٠٨ .

(٣) سورة الشورى : الآية ١٣ .

(٤) ناسخ التواريخ ج ٢ ص ٤٩ .

(٥) المتار : موضع يوضع عليه المصباح ليلاً ليراه المار بالطريق فيعرف موضعه منه .

١٤٤

حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضت طاعته ، وحذّرت معصيته ، وأمرت بامتثال أوامره ، والانتهاء عند نهيه ، وألاّ يتقدمه متقدمٌ ، ولا يتأخر عنه متأخرٌ ، فهو عصمة اللائذين ، وكهف المؤمنين ، وعروة المستمسكين ، وبهاء العالمين .

اللهم فأوزع لوليّك(١) شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه ، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً ، وافتح له فتحاً يسيراً ، وأعنه بركنك الأعزّ ، وأشدد أزره ، وقوّ عضده ، وراعه بعينك ، واحمه بحفظك ، وانصره بملائكتك ، وأمدده بجندك الأغلب ، وأقم به كتابك ، وحدودك وشرائعك ، وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك وأجل به صدأ الجور عن طريقتك ، وأبن به الضراء من سبيلك ، وأزل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجاً ، وألن جانبه لأوليائك ، وابسط يده على أعدائك ، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه ، واجعلنا له سامعين مطيعين ، وفي رضاه ساعين ، وإلى نصرته والمدافعة

ــــــــــــــــ

(١) وهو كناية عن الإمام المهدي (عج) كما في شرح الصحيفة وقال مصنف ) مكيال المكارم ) أن المراد بالولي في ألسنتهم ودعواتهم عليهم السلام هو الإمام صاحب العصر والزمان المهدي عجل الله فرجه .

١٤٥

عنه مكنفين وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين )(١)

الأفضلية

تقتضي الإمامة المطلقة ان يكون الإمام المعصوم أفضل الناس في زمانه وأكملهم من ناحية الفضائل الإنسانية والكمالات ذلك أن الإمامة الحقة رئاسة ربانية ، ويقبح عقلاً جعلها لمن هو مفضول فكيف يكون المفضول قائداً للفاضل ؟ لا يمكن ذلك وقد قال تعالى : (( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلّا أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) (، و( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) (٣) .

وغاية الإمامة هي سوق العالم إلى الكمال المطلق والصلاح الدائم وتحصيل سعادة الدارين .

والإمام زين العابدينعليه‌السلام كان يجمع صفات الفضائل البشرية والكمالات ، فقد كانعليه‌السلام معصوماً ، أعلم الناس في زمانه بشريعة المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحرص الناس على هدايتهم ،

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية : الدعاء السابع والأربعون ص ٢٠٩ .

(٢) سورة يونس : الآية ٣٥ .

(٣) سورة الزمر : الآية ٩ .

١٤٦

وأحفظهم على رعاية شؤون الأمة ، وأرقبهم لحقوق الرعية ، وأعرفهم بالسياسة الشرعية .

يقول الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) : كان الإمام علي بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً فهو أولى بأبيه وأحق بمقامه من بعده بالفضل والنسب والأولى بالإمام الماضي أحقّ بمقامه من غيره(١)

ولو أخذنا بقول سعيد بن المسيب ، من علماء المدينة المعاصر للإمامعليه‌السلام ( ، دليلاً على أفضلية الإمام السجادعليه‌السلام كفى قال : ( ما رأيت أفضل من علي بن الحسين ، وما رأيته قط إلاّ مقت نفسي )(٣) ، و( ما رأيت أورع منه )(٤)

والزهري ، وهو فقيه بني أمية على الحجاز والشام ، يقول : ( لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من علي بن الحسين )(٥)

وزيد بن أسلم ، من مفسري القرآن ، يقول : ( ما رأيت مثل علي بن الحسين فهماً حافظاً )(٦)

ــــــــــــــــ

(١) الإرشاد للشيخ المفيد .

(٢) توقف العلماء المتأخرين في قدحه أو مدحه كما سيأتي في محله .

(٣) تأريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ .

(٤) العبر في خير من غبر ج ١ ص ١١١ .

(٥) شذرات الذهب ج ١ ص ١٠٥ .

(٦) طبقات الفقهاء ج ٢ ص ٣٤ .

١٤٧

ويشير الذهبي إلى انهعليه‌السلام كان : ( أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله )(١) ويشير اليعقوبي إلى انهعليه‌السلام كان : ( أفضل الناس وأشدهم عبادة )(٢) .

وهذه النعاذج تكفي للتدليل على أفضليتهعليه‌السلام في العلم والورع والتقوى في زمانه والأفضل ـ بموجب نظرية الإمامة ـ ينبغي أن يكون قائداً وإماماً للمفضول .

وقد وصفه علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) وصفاً جامعاً مانعاً رائعاً ، فقال : ( مناقب الإمام علي بن الحسين تكثر النجوم عدداً ، ويجري واصفها إلى حيث لا مدى ، وتلوح في سماء المناقب كالنجوم لمن بها اهتدى ، وكيف لا وهو يفوق العالمين إذا عدا علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً ، وهذا تقديم لسجعٍ في الطبع فلا تكن متردداً ، ومتى أعطيت الفكر حقه وجدت ما شئت فخاراً وسؤدداً ، فإنه الإمام الرباني ، والهيكل النوراني ، بدل الأبدال ، وزاهد الزهاد ، وقطب الأقطاب ، وعابد العباد ، ونور مشكاة الرسالة ، ونقطة دايرة الإمامة ، وابن الخيرتين ، والكريم الطرفين ، قرار القلب ، وقرة العين علي بن الحسين ، وما أدراك ما علي بن الحسين ؟!! الأواه الأواب ، العامل بالسنّة والكتاب ،

ــــــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٢٤٠ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ .

١٤٨

الناطق بالصواب ، ملازم المحراب ، المؤثر على نفسه المرتفع في درجات المعارف ، فيومه يفوق على أمسه ، المتفرد بمعارفه ، الذي فضّل على الخلائق بتليده وطارفه ، وحكم في الشرف فتسنم ذروته ، وخطر في مطارفه وأعجز بما حواه من طيب المولد ، وكريم المحتد ، وذكاء الأرومة ، وطهارة الجرثومة ، عجز عنه لسان واصفه ، وتفرد في خلواته بمناجاته ، فتعجبت الملائكة من مواقفه ، وأجرى مواضعه خوف ربه ، فأربى على هامي الصوب وواكفه(١)

فانظر أيّدك الله في أخباره ، والمح بعين الاعتبار عجائب آثاره ، وفكّر في زهده وتعبده وخشوعه ، وتهجده ودؤوبة في صلاته ، وأدعيته في أوقات مناجاته ، واستمراره على ملازمة عبادته ، وإيثاره وصدقاته ، وعطاياه وصلاته ، وتوسلاته التي تدلّ على فصاحته وبلاغته على خشوعه لربه ، وضراعته ووقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته واعترافه بالذنوب على براءة ساحته ، وبكائه ونحيبه ، وخفوق قلبه من خشية الله ، ووجيبه وانتصابه وقد أرخى الليل سدوله ، وجرّ على الأرض ذيوله ، مناجياً ربه تقدست أسماؤه ، مخاطباً له تعالى ، ملازماً بابه عزّ وجلّ ، مصوّراً نفسه بين يديه ، معرضاً عن كل شيء ، مقبلاً عليه ، قد انسلخ من الدنيا الدنية ، وتعرّى من الجثة البشرية ، فجسمه ساجد في الثرى وروحه متعلقة بالملأ الأعلى ، يتململ إذا

ــــــــــــــــ

(١) الصوب : المطر والواكف : المطر الذي يسيل قليلاً قليلاً .

١٤٩

مرت به آية من آيات الوعيد حتى كأنه المقصود بها ، وهو عنها بعيد ، تجد أموراً عجيبة وأحوالاً غريبة ، ونفساً من الله سبحانه قريبة ، وتعلم يقيناً لاشك فيه ولا ارتياب ، وتعرف معرفة من قد كشف له الحجاب ، وفتحت له الأبواب ، ان هذه الثمرة من تلك الشجرة ، كما ان الواحد جزء من العشرة ، وان هذه النطفة العذبة من ذلك المعين الكريم ، وان هذا الحديث من ذلك القديم ، وان هذه الدرة من ذلك البحر الزاخر ، وان هذا النجم من ذلك القمر الباهر ، وان هذا الفرع النابت من ذلك الأصل الثابت ، وان هذه النتيجة من هذه المقدمة ، وان خليفة محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة المكرمة المعظمة هذا أصله الطاهر )(١)

وكانت له من صفات الكمال ما يمكن استقراؤها من صحائف التأريخ ، عبر الوريقات القادمة .

الأفضلية في العلم

تميّز الإمام زين العابدينعليه‌السلام بذهنٍ متقدٍ ، وعلمٍ جمّ ، وقدرة عقلية إلهامية أكثر منها إكتسابية وقد ألمحنا سابقاً إلى ان من شروط الإمامة : العلم اللدني ، أي العلم المفاض من قبل الله تبارك

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة في معرفة أحوال الأئمةعليه‌السلام ـ الأربلي ترجمة علي بن الحسينعليه‌السلام .

١٥٠

وتعالى على الإمامعليه‌السلام وقد أشار الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام إلى ذلك فقال : ( اعطاه الله علمه واستودعه سره وأحيى به مناهج سبله وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل )(١)

ولذلك اشتهر بين الناس في زمانه أنهعليه‌السلام كان أوسع الناس علماً وكان عنده من العلماء والرواة الذين رووا عنه من العلوم ما لا يحصى(٢) ومن أجل إدراك شخصيته العلمية ، لابد من عرض نماذج له في التفسير والحديث والفقه والكلام .

أ ـ القرآن الكريم :

وكان من حبه وشغفه بالقرآن الكريم أنه قال : (لو مات ما بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد ان يكون القرآن معي )(٣)

ولم يقتصر انشغاله بالقرآن على حفظه وتفسيره والتدبر في معانيه ، بل كانعليه‌السلام من أحسن الناس صوتأً في تلاوته ، وكان السقائون الذين يمرون ببابه يقفون لاستماع صوته(٤) ولا عجب ، وهو العارف بالقرآن الكريم ، ان يدعو الناس إلى التدبر في معانيه ، فيقول : ( آيات

ــــــــــــــــ

(١) غيبة النعماني ص ١٢٠ .

(٢) خلاصة تهذيب الكمال ص ٢٣ أقول : أحصى علماء الرجال من رواته وتلامذته أكثر من مائة وسبعين راوياً والذين فقدت اسماؤهم أكثر .

(٣) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٧ .

(٤) أصول الكافي ج ٢ ص ٦١٦ .

١٥١

القرآن خزائن كلما فتحت خزانةً ينبغي لك أن تنظر ما فيها ) وكان اهتمامهعليه‌السلام بالقرآن منصّباً على أمرين الأول : التأكيد على أهمية القرآن الكريم للمسلمين والثاني : تفسير آيات الكتاب المجيد وشرحها .

أولاً : أهمية القرآن :

تنبع أهمية القرآن الكريم من كونه كلام الله المجيد ، الذي يخاطب فيه المولى عزّ وجلّ عقل المسلم وضميره وروحه فهو مصباح هداية ، ووسيلة لمنازل الشرف في الآخرة ، وسبباً لحظّ الذنوب ، وشفيه يرتضيه الله تبارك وتعالى لغفران زلات المذنبين وعلى ضوء ذلك ، كان الإمام زين العابدينعليه‌السلام حريصاً على تبيين أهمية القرآن في حياة الإنسان ، عن طريق الدعاء والمناجاة ، أو الإرشاد والموعظة :

١ ـ يقولعليه‌السلام في فضل القرآن : ( اللهم صلّ على محمد وآله ، واجبر بالقرآن خلّتنا من عدم الاملاق(١) ، وسق إلينا به رغد العيش ، ، وخصب سعة الأرزاق ، وجّنبنا به الضرائب(٢) المذمومة ، ومداني الاخلاق(٣) ، واعصمنا به من هوّة الكفر ، ودواعي النفاق ،

ــــــــــــــــ

(١) الاملاق : الفقر .

(٢) الضرائب : جمع ضريبة بمعنى الطبيعة .

(٣) مداني الأخلاق : الأخلاق الدنيئة .

١٥٢

حتى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك وجنانك قائداً ، ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدّي حدودك ذائداً ، ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهداً .

اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، وهوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق(١) وجهد الأنين ، وترادف الحشارج(٢) إذا بلغت النفوس التراقي(٣) وقيل من راق ، وتجلّى ملك الموت ليقبضها من حجب الغيوب ، ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق ، وداف لها من ذعاف الموت(٤) كأساً مسمومة المذاق ، ودنا منّا إلى الآخرة رحيلٌ وانطلاقٌ ، وصارت الأعمال قلائد في الأعناق ، وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق .

اللهم صلّ على محمد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلى ، وطول المقامه بين أطباق الثرى ، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا ، وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا ، ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا ، وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، وثبّت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز

ــــــــــــــــ

(١) كرب السياق : حالة المحتضر عند الموت .

(٢) الحشارج : جمع حشرجة ، وهي الغرغرة عند الموت .

(٣) الترافي : جمع ترقوة وهي العظم المحيط بالرقية .

(٤) زعاف الموت : خالصه .

١٥٣

عليها زلل أقدامنا ، ونور به قبل البعث سدف قبورنا(١) ، ونجّنا به من كل كرب يوم القيامة ، وشدائد أهوال يوم الطامة ، وبيّض وجوهنا يوم تسودّ وجوه الظلمة في يوم الحسرة والندامة ، واجعل لنا في صدور المؤمنين ودّاً ، ولا تجعل الحياة علينا نكداً )(٢) .

٢ ـ ويقولعليه‌السلام في كون القرآن وسيلة إلى الشرف المنازل : ( اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، واجعلنا ممن يعتصم بحبله ، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله ، ويسكن في ظلّ جناحه ، ويهتدي بضوء صاحبه ، ويقتدي بتبلّج أسفاره ، ويستصبح بمصباحه ، ولا يلتمس الهدى في غيره اللهم وكما نصبت به محمداً علماً للدلالة عليك ، وأنهجت بآله سبل الرضا إليك ، فصلّ على محمدٍ وآله ، واجعل القرآن وسيلةً لنا إلى أشرف منازل الكرامة ، وسلّماً نعرج فيه إلى محلٌ السلامة ، وسبباً نجزى به النجاة في عرصة القيامة ، وذريعةً نقدم بها على نعيم دار المقامة .

اللهم صلّ على محمد وآله ، واحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار ، وهب لنا حسن شمائل الأبرار ، واقف بنا آثار الذين قاموا لك اناء الليل وأطراف النهار ، حتى تطهّرنا من كل دنسٍ بتطهيره ، وتقفوا بنا آثار الذين استضاؤوا بنوره ، ولم يلههم الأمل عن العمل ،

ــــــــــــــــ

(١) سدف قبورنا : ظلمة قبورنا .

(٢) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الثاني والأربعون ص ١٧٤ .

١٥٤

فيقطعهم بخدع غروره اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزغات الشيطان(١) وخطرات الوساوس حارساً ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير آفةٍ مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنا من تصفّح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه ، وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله .

اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، وادم بالقرآن صلاح ظاهرنا ، واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا ، واغسل به درن قلوبنا ، وعلائق أوزارنا ، واجمع به منتشر أمورنا ، وأرو به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا ، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا )(٢)

٣ ـ وفي دعائه بعد ختم القرآن يقولعليه‌السلام : ( اللّهم فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلّت جواسي ألسنتنا(٣) بحسن عبادته ، فاجعلنا ممن يرعاه حقّ رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه ، وموضحات بيناته اللّهم إنك أنزلته على نبيك

ــــــــــــــــ

(١) نزغات الشيطان : جمع نزغة ، وهي الوسوسة .

(٢) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الثاني والأربعون ص ١٧٣ .

(٣) جواسي : جمع جاسية وهي الغليظة والمراد غلاظ الألسنة .

١٥٥

محمدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجملاً ، وألهمته علم عجائبه مكمّلاً ، وورثتنا علمه مفسّراً ، وفضلّتنا على من جهل علمه ، وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطقّ حمله .

اللّهم فكما جعلت قلوبنا له حملةً ، وعرّفتنا برحمتك شرفه وفضله ، فصلّ على محمدٍ الخطيب به ، وعلى آله الخزّان له ، واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك حتى لا يعارضنا الشكّ في تصديقه ، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه )(١)

٤ ـ الحال المرتحل : قيل لهعليه‌السلام أي الأعمال أفضل ؟ قالعليه‌السلام : ( الحال المرتحل ) فقيل له : وما ذاك ؟ قالعليه‌السلام : ( هو فتح القرآن وختمه فانه كلما جاء بأوله أرتحل بآخره ولقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاه الله القرآ، فرأى ان رجلاً أعطي أفضل مما أعطاه الله فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً )(٢)

ثانياً : تفسير القرآن :

ولم يقتصر إهتمام الإمام السجادعليه‌السلام بالقرآن الكريم بحفظه أو تلاوته فحسب ، بل تعدى إلى فهم شامل لمعاني الكتاب السماوي ذلك لأن في آيات القرآن : المحكم والمتشابه ، والظاهر والباطن ،

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ص ١٧٢ .

(٢) الكافي على هامش مرآة العقول ج ٢ ص ٥٣٠ .

١٥٦

والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ولا يمكن ان يتجرأ أحدٌ على تفسير القرآن الكريم دون أساس علمي شرعي يخوّلة بذلك وهو القائلعليه‌السلام : ( نحن خلفاء الأرض ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ) ، ( ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ذرية أولي العلم ) ، ( فقد علمنا وبلغنا واستودعنا علمهم )(١) فلا ريب أن نأخذ بعلمهعليه‌السلام في تفسير كتاب الله المجيد :

١ ـ في تفسير الآية الكريمة :( الّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً ) (٢) ، قالعليه‌السلام : ( إنه سبحانه وتعالى جعل الأرض ملائمة لطباعكم ، موافقة لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحمأ(٣) والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم(٤) ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وابنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنه عزّ وجلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به ، وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم .

ــــــــــــــــ

(١) ناسخ التواريخ ج ٢ ص ٤٩ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٢ .

(٣) الحمأ : شدة حرارة الشمس .

(٤) تعطبكم : تهللكم .

١٥٧

ثم قال عزّ وجلّ : ( والسّماء بناءً ) أي سقفاً من فوقكم ، محفوظاً يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم .

ثم قال عزّ وجلّ : ( وأنزل من السّماء ماءً ) يعني المطر ينزله من علٍ ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم(١) ، ثم فرّقه رذاذاً ووابلاً وهطلاً(٢) لتنشفه أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلاً عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضكم وأشجاركم وزروعكم و ثماركم .

ثم قال عزّ وجلّ : ( فأخرج به من الثّمرات رزقاً لكم ) يعني مما يخرجه من الأرض رزقاً لكم ( فلا تجعلوا لله أنداداً ) أي أشباهاً وأمثالاً من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء ( وأنتم تعلمون ) أنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي انعمها علكيم ربكم تبارك وتعالى )(٣)

٢ ـ في تفسير قوله تعالى : (( وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) )(٤) قالعليه‌السلام : ( بيّنه ـ أي القرآن في تلاوته ـ تبييناً ، ولا تنثره نثر البقل ، ولا تهذه هذي الشعر قفوا عند عجائبه لتحركوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة)

ــــــــــــــــ

(١) الهضاب : الأرض المرتفعة الأوهاد : الأرض المنخفضة .

(٢) الرذاذ : المطر الضعيف الوابل : المطر الشديد الهطل : المطر الضعيف الدائم .

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ١٣٧ ـ ١٣٨ .

(٤) سورة المزمل : الآية ٤ .

١٥٨

٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِي‏ءَ بِالنّبِيّينَ وَالشّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) ((١) : ( إذا كان يوم القيامة بعث الله الناس من حفرهم عزلاً ، جرداً مرداً ، في صعيد واحد يسوقهم النور ، وتجمعهم الظلمة ، حتى يقفوا على عتبة المحشر ، فيزدحمون دونها ، ويمنعون من المضي ، فتشتد أنفاسهم ، ويكثر عرقهم ، وتضيق بهم أمورهم ، ويشتد ضجيجهم ، وترتفع أصواتهم ، وهو أول هول من أهوال القيامة .

فينادي منادٍ اسمعوا منادي الجبار فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، فتخشع قلوبهم ، وتضطرب فرائصهم ، ويرفعون رؤوسهم الى ناحية الصوت مهطعين إلى الداعي ، ويقول الكافرون : هذا يوم عسير فيأتي النداء من قبل الجبار : أنا الله لا إله إلا أنا ، أنا الحكم الذي لا يجور ، أحكم اليوم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد ، آخذ للضعيف من القوي ، ولصاحب المظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات ، وأثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة ظالم ولا أحد عنده مظلمة يهبها لصاحبها ، إلا وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأنا شاهدكم وكفى بي شهيداً )(٢)

ــــــــــــــــ

(١) سورة الزمر : الآية ٦٩ .

(٢) تفسير البرهان ج ٢ ص ٩٥ .

١٥٩

٤ ـ في تفسير قوله تعالى : )( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الْصّدَقَاتِ وَأَنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ ) )(١) : (اني ضامن عن ربي تعالى أن الصدقة لا تقع في يد العبد حتى تقع في يد الرب تعالى ) وكانعليه‌السلام يقول : ( ليس من شيء إلا و كل به ملك ، إلا الصدقة فإنها تقع في يد الله تعالى )(٢)

٥ ـ في تفسير قوله تعالى :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى )(٣) قالعليه‌السلام : ( هي قرابتنا أهل البيت )(٤)

أقول : ان الأجر المطلوب في آية المودة لم يكن من سنخ المال فالأنبياء أرقى وأجلّ من أن يطلبوا مالاً أو يأخذوا جعلاً على تبليغ رسالة السماء وقد صارح أنبياء اللهعليه‌السلام بنفي الأجرة على التبليغ ، ففي الحكاية عن هود وصالح وشعيب ويسوف عليهم السلام(٥) : (( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا عَلَى‏ رَبّ الْعَالَمِينَ ) )(٦) وعن نوح ع (:( فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا

ــــــــــــــــ

(١) سورة التوبة : الآية ١٠٤ .

(٢) تفسير البرهان ج ١ ص ٤٤١ ، وتفسير الصافي ص ٢٢٣ .

(٣) سورة الشورى : الآية ٢٣ .

(٤) أحكام القرآن للحصاص ج ٣ ص ٤٧٥ .

(٥) سورة الشعراء : الآية ١٠٩ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ ومعنى مشابه في سورة يوسف : الآية ١٠٤ .

(٦) سورة الشعراء : الآية ١٠٩ .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413