الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين14%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250235 / تحميل: 14276
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الفصل الأوَّل

نشأةُ التشيّع

٢١

٢٢

تقديمٌ

لقد تناول كثير مِن الباحثين في قضايا الفكر والمذاهب والآراء الإسلامية، الكيان الشيعي بالبحث والدراسة مِن حيث النشأة والبُنية والمحتوى والأثَر السياسي والحضاري في تاريخ الإسلام، غير أنّ مِن المؤسف أنّ معظم تلك الدراسات، لا سيّما دراسات المستشرقين والمتتلمذين على أفكارهم، حملَت الدسّ والتشويه والخلْط بعيداً عن الإنصاف والموضوعية العِلمية، فكانت تعبّر في كثير مِن فصولها عن جهل الكاتب أو تعصّبه، أو تسخير فكره وقلَمِه لخدمة الأغراض الاستعمارية، التي اكتشفت جوانب القوّة والفاعلية في الفكر والموقف الشيعي، على مدى التاريخ الإسلامي.

ويهمّنا في هذا الفصل مِن الكتاب أن نعرّف بنشأة التشيّع، كمصطلحٍ وبذرةٍ في إطار الحياة الإسلامية، وتطوّر هذه البذرة إلى كيانٍ فكريٍّ وسياسيٍّ على يد أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)؛ ليصبح مِن أكثر الكيانات المذهبيّة والاتّجاهات المدرسيّة الإسلامية أثراً وفاعليةً، في حياة المسلمين وحركة تاريخهم ووضْعهم الحضاري.

٢٣

معنى الشيعة في اللغة:

قال ابن منظور: (والشيعة: القوم الذين يجتمعون على أمْرٍ، وكلّ قومٍ اجتمعوا على أمْرٍ فهُم شيعة، وكلّ قومٍ أمْرهُم واحد يتبع بعضهم رأي بعض...

قال الزجّاج: والشيعة، أتباع الرجُل وأنصاره...

قال الأزهري: والشيعة، قوم يهْوون هوى عترة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ويوالونهم.

وقد غلَب هذا الاسم على مَنْ يتولّى عليّاً وأهل بيته (رضوان الله عليهم أجمعين)، حتّى صار لهم اسماً خاصّاً، فإذا قيل: فلان مِن الشيعة عُرف أنّه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا، أي عندهم، وأصل ذلك مِن المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة) (1) .

وفي قاموس المعجم الوسيط:

(الشيعة: الفرقة والجماعة، والأتباع والأنصار، ويقال هم شيعة فلان، وشيعة كذا مِن الآراء.

والشيعة: فرقة كبيرة مِن المسلمين، اجتمعوا على حبِّ عليٍّ وآله وأحقّيتهم بالإمامة).

ولقد استعمل القرآن الكريم كلمة الشيعة بمعنى الأنصار والأتباع الفِكريّين، فقال: ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) (2) .

وهكذا نعرف أنّ معنى الشيعة في اللغة: هُم الأتباع المجتمعون على فكرٍ

____________________

(1) لسان العرب 8: 188 - 189 (مادّة شيع).

(2) سورة الصافّات: آية 83.

٢٤

واحدٍ، وموقفٍ موحّد.

وإذا كان هذا هو معنى (الشيعة في اللغة)، وأنّ علماء الأُمّة المنصفين، وأصحاب الفكر والمعرّفين الموضوعيّين للألفاظ والمصطلحات والمعاني قد عرّفوا الشيعة: بأنّهم أتباع أهل البيت وأحباؤهم، فلنتابع التشيّع وتطوّره في الحياة الإسلامية.

٢٥

البذرة الأُولى

لقد تجنّى كثير مِن الباحثين على نشأة التشيّع وبدْء ولادته، حتّى قاد البعض هذا التجنّي إلى اتّهام الشيعة: بأنّهم فِرقة أُسّست بأفكارِ عبد الله بن سَبأ اليهودي الأصل والمحتوى، بينما ذهب بعض الباحثين إلى أنّ التشيّع نشأ في خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

وذهب فريق آخَر إلى أنّ التشيّع وُلِد بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم انعقاد السقيفة، حيث اجتمع عدد بارز مِن الصحابة في بيت عليٍّ وفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، تؤيّدهم فاطمة بنت محمّد، والعبّاس بن عبد المطّلب عمّ الرسـول (صلّى الله عليه وآله)، فكان هذا الاجتماع أوّل تشيّع ظهر حَول عليٍّ وأهل بيته.

ويذهب فريق آخَر إلى أنّ التشيّع نشأ حَول عليٍّ في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) هو الذي أطلق هذا الاسم على مؤيّدي عليٍّ وأتباعه.

نذكر مِن تلك الآراء ما نقله السيّد محسن الأمين عن أبي محمّد الحسن بن موسى النوبختي في كتابه الفِرق والمقالات: (الشيعة هُم فِرقة عليّ بن أبي طالب، المسمّون بشيعة عليّ في زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وما بعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته) (1) .

أمّا أبو حاتم السجستاني، فيقول: (إنّ لفظ الشيعة كان على عهد رسول الله، لقَبٌ لأربعةٍ مِن الصحابة، سلمان وأبي ذرّ والمقـداد وعمّـار) (2) .

____________________

(1) السيّد محسن الأمين / الشيعة بين الحقائق والأَوهام: ص41.

(2) المصدر السابق.

٢٦

أمّا العالِم المفسّر السيوطي، فيقول في تفسير قوله تعالى: ( أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، يقول: (أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فأقبل عليّ، فقال النبيّ: والذي نفْسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، قال وأخرج ابن مردويه عن عليٍّ، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ألمْ تسمع قول الله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (1) ، أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأُمم للحساب تدعون غرّاً محجّلين) (2).

ونقل ابن الأثير ما نصّه: (وفي حديث عليّ (عليه السلام): ستقدم على الله أنت وشيعتُك، راضين مرضيّين، ويقدِم عليَّ عدوَّك غِضاباً مقمحين، ثمّ جمَع يده إلى عُنقه، يريهم كيف الإقماح) (3).

ونقل الشبلنجي أنّ ابن عبّاس (رضي الله عنه) قال: (لمّا نزلت هذه الآية: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لعليٍّ: هو أنت وشيعتُك تأتي يوم القيامة أنت وهُم راضين مرضيّين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمَحين) (4).

وتحدّث ابن حجر عن نُطق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بهذا المصطلح، فقال: (الآية الحادية عشرة قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .

أخرج الحافظ جمال الدِين الزرندي عن ابن عبّاس: أنّ هذه الآية لمّا نزلت،

____________________

(1) سورة البينة: آية 7.

(2) جلال الدين السيوطي / الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 6: 279.

(3) ابن الأثير / النهاية في غريب الحديث والأثَر 4: 106 (باب القاف مع الميم).

(4) الشبلنجي / نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار: ص80.

٢٧

قال (صلّى الله عليه وآله) لعليٍّ (عليه السلام): هو أنت وشيعتُك يوم القيامة، راضين مرضيّين، ويأتي عدوّك غضاباً مقمَحين) (1) .

أمّا الشهيد الصدر فيتحدّث عن نشأة التشيّع وظهور الشيعة، ككيانٍ حَول عليٍّ (عليه السلام)، فيوضّح أنّ هناك اتّجاهين نشآ في صفوف الصحابة في عهد الرسول الكريم:

الأوّل: اتّجاه يتقيّد بالنصّ في كلّ مجالٍ مِن مجالات الحياة، ولا يرى مِن حقّ أحدٍ بعد البيان النبويّ أن يجتهد مقابل النصّ، سواء في مجال العبادة أو السياسة أو شؤون الحرب... الخ.

الثاني: اتّجاه يؤمن بإمكانية الاجتهاد مقابل النصّ في بعض المجالات.

وهذان الاتّجاهان قد تجسّدا بشكل تيّارَين، عندما واجَها النصّ النبويّ على أطروحة إمامة عليٍّ (عليه السلام)، فاجتهد ذلك الفريق مقابل النصّ، والتزم الفريق الآخَر بالنصّ، وبذا وُلِد الكيان النصّي مِن حَول الإمام عليّ (عليه السلام).

ثمّ يوضّح ذلك بنصّ قوله: (وهذان الاتّجاهان اللذان بدأ الصراع بينهما في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، قد انعكسا على موقف المسلمين مِن أطروحة زعامة الإمام عليّ (عليه السلام) للدعوة بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فالممثّلون للاتّجاه التعبّدي وجدوا في النصّ النبويّ على هذه الأطروحة سبباً مُلزماً لقبولها دون توقّف أو تعديل.

وأمّا الاتّجاه الثاني، فقد رأى أنّه بإمكانه أن يتحرّر مِن الصيغة المطروحة مِن قِبَل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، إذا أدّى اجتهاده إلى صيغةٍ أُخرى أكثر انسجاماً في تصوّره مع الظروف، وهكذا نرى أنّ الشيعة وُلدوا منذ وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مباشرةً، متمثّلين في المسلمين الذين خضعوا عمليّاً

____________________

(1) ابن حجر / الصواعق المحرقة: 161.

٢٨

لأطروحة زعامة الإمام عليّ (عليه السلام) وقيادته، التي فرَض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الابتداء بتنفيذها مِن حين وفاته مباشرةً.

وقد تجسّد الاتّجاه الشيعي منذ اللحظة الأُولى، في إنكار ما اتّجهت إليه السقيفة مِن تجميدٍ لأطروحة زعامة الإمام عليّ (عليه السلام)، وإسناد السلطة إلى غيره) (1).

وبذا يرى الشهيد الصدر (قدّس سرّه) أنّ المسلمين الذين تحوّلوا عن زعامة الإمام عليّ (عليه السلام)، كان تحوّلهم يعود إلى منهج التفكير وطريقة التعامل مع النصّ، وتجويز الاجتهاد مقابل هذا النصّ الذي تواتر لدى المسلمين على هذه الأطروحة.

وهكذا نصل إلى حقيقةٍ كبرى في معرفة جذور التشّيع، ونشأة المصطلح وميلاده على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ مشاهير علماء المسلمين مِن محدّثين ومفسّرين ولُغَويّين يوضّحون: أنّ الشيعة هُم أتباع أهل البيت وأولياؤهم، وأنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى، هو الذي سمّى أتباع عليٍّ بهذا الاسم.

مِن ذلك نفْهم أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) كان يمهّد للتعريف، وإلفات النظر إلى مستقبل الأحداث والتطوّرات في حياة أُمّته مِن بعده، كجزءٍ مِن البيان والتبليغ؛ ليحدّد للمتنازعين مِن بعده أين يجب أنْ يقفوا، ولمَن يشايعون، ومَن يتّبعون.

إنّ هذه الحقائق العلميّة تلغي كلّ تفسيرٍ وتخرّصٍ وتشويهٍ لنشأة التشيّع وهويّته الحقيقية. فالبذرة الأُولى لنشأة التشيّع إذن، نشأتْ على عهد رسول الله

____________________

(1) الشهيد الفقيه السيّد محمّد باقر الصدر / بحث حَول الولاية: ص78 - 79.

٢٩

(صلّى الله عليه وآله)، غير أنّه تطوّر يوم وفاته (صلّى الله عليه وآله) إلى تكتّلٍ سياسيٍّ، وخطٍّ فكريٍّ حَول الإمام عليّ (عليه السلام) يستلهم مِن ذلك البيان النبويّ فِكرَه وموقفَه، فسمّي هذا التكتّل بالشيعة.

٣٠

ظهور التكتّل الشيعي

بدأ اسم عليٍّ يظهر خارج السقيفة كمرشّح للخلافة، وكأحقِّ شخصٍ بها، كما ظهر في داخل السقيفة، وفي وسط المتحاورين، فبعد أن خرج المهاجرون والأنصار المجتمعون في دار رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ لانتشار خبر السقيفة، قام الفضل بن العبّاس، فخطَب الناس المجتمعين هناك قائلاً: (يا معشر قريش، إنّه ما حقّت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم وصاحبنا(*) أَولى بها منكم) (1) .

وهكذا بدأ التكتّل حَول عليٍّ، والمناداة بإمامته في اليوم الأوّل مِن وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وبدأ التشيّع الفكري والسياسي يظهر ككُتلةٍ وكيانٍ، يحدّثنا اليعقوبي عن ذلك بقوله:

(وتخلّف عن بيعة أبي بكرٍ قوم مِن المهاجرين والأنصار، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب، منهم العبّاس بن عبد المطّلب، والفضل بن العبّاس، والزبير بن العوّام بن العاصّ، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأُبيّ بن كعب) (2) .

وبدأ هذا التكتّل المتشيّع لعليٍّ يواصل مساعيه السياسية واجتماعاته، ويطالب بإعادة النظر فيما جرى في السقيفة. ويحدّثنا المؤرّخون عن الاجتماع السياسي، الذي جرى في بيت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ للتباحث في موضوع الخلافة والإمامة بعد الذي جرى في سقيفة بني ساعدة، فقد نقل

____________________

(*) وصاحبنا: يعني عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 124.

(2) المصدر السابق.

٣١

اليعقوبي ذلك بقوله:

(وبلَغ أبا بكر وعُمَر أنَّ جماعة مِن المهاجرين والأنصار، قد اجتمعوا مع عليِّ ابن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتَوا في جماعةٍ، حتّى هجموا الدار..) (1).

أمّا ابن قتيبة، فقد روى خبر هذا الاجتماع السياسي بالنصّ التالي:

(وإنّ أبا بكر (رضي الله عنه) تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليٍّ (كرَّم الله وجهه)، فبعث إليهم عمَر، فجاء فناداهم، وهُم في دار علـيٍّ، فأبَوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب، وقال: والذي نفْس عمَر بيده لتخرُجُنَّ أو لأحرقَنّها على مَن فيها) (2) .

وإذن، نستطيع أن نؤرّخ لظهور التشيّع ككيانٍ سياسيٍّ وفكريٍّ متميّز منذ الساعات الأُولى، التي تلَت وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، حينما احتدم الجدَل حَول المرشّح للخلافة والإمامة، وبذا نفْهم أنّ التشيّع وُلِد في صفوف الصحابة في المدينة المنوّرة؛ وحفظاً لوحدة المسلمين وتماسكهم آثَر عليّ (عليه السلام) الانسحاب مِن المواجهة السياسية، ومال إلى العزلة أيّام الخليفتَين أبي بكرٍ وعمَر، واكتفى بإبداء النُّصح والمشورة، والمشاركة في تسديد المسيرة الإسلامية.

ولقد سجّل له التاريخ أروَع تعبيرٍ عن التضحية والإيثار، حين عَبّر عن موقفه بقوله: (والله لأسلمنّ ما سلِمت أمور المسلمين) (3) .

غير أنَّ الاتّجاه والرؤى والجماعة المُشايعة لعليٍّ بدأت بالظهور، كقوّةٍ سياسيةٍ وفكريةٍ، وكحزبٍ له وجْهات نظرٍ في سياسة الدولة وجهازها الحاكم، عندما تسلّم عثمان الخلافة، وتسلّط الحزب الأمويّ على السلطة، فاستأثر بخيرات الأُمّة

____________________

(1) المصدر السابق: ص126.

(2) ابن قتيبة الدينوري / الإمامة والسياسة 1: 19.

(3) نهج البلاغة / الخطبة 74.

٣٢

وكوّن طبَقةً متميّزةً، وبدأ النقْد مِن الصحابة في المدينة المنوّرة، وبقية المسلمين في الأقطار الإسلامية كمصر والعراق، فانضمّ إلى موقف النقْد والمعارضة لسياسة عثمان: كتلةُ عائشة زوج الرسول، وطلحة والزبير، فكانوا أشدّ الناس نقْداً لسياسة عثمان وتحريضاً عليه، وقد ذكَر اليعقوبي ذلك بقوله: (وكان أكثر مَن يؤلِّب عليه طلحة والزبير وعائشة) (1).

وروي أيضاً: (فإنَّ عثمان يوماً ليخطب، إذ دلّت عائشة قميص رسول الله، ونادت يا معشر المسلمين: هذا جلباب رسول الله لمْ يَبْلَ، وقد أبلى عثمان سنّته) (2) .

وكانت تقول لمروان، عندما طلب منها أن تتدخّل لإصلاح الأمْر بين عثمان وحركة المعارضة الواسعة، التي اشترك فيها أهل المدينة ومصر والعراق يقودهم طلائع الصّحابة، وفيهم الأنصار والمهاجرون، ردّت عليه قائلة: (لعلّك ترى أنّي في شكٍّ مِن صاحبك، أما والله لوَددتُ أنّه مقطّعٌ في غرارة مِن غرائري، وأنّي أُطيق حمْله، فأطرحه في البحر) (3) .

وهكذا كان الجوّ السياسي مكْفَهرّاً، والصراع محتدماً بين عثمان والحزب الأمويّ مِن جهةٍ، وبقيّة المسلمين مِن جهةٍ أُخرى، وكان طوال فترة حُكم عثمان التي ظهر فيها التراجع عن التطبيق الإسلامي، وعبَث الحزب الأمويّ بشؤون المسلمين، كان أبو ذرّ الغفاري وعمّار بن ياسر وعمرو بن الحمق الخزاعي والمقداد ابن عمرو ومحمّد بن أبي بكر ومالك الأشتر، وهُم مِن أركان المتشيّعين للإمام عليّ، كانوا مِن قادة المعارضة السياسية لعثمان والتسلّط الأمويّ على شؤون الأُمّة، فنفى

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 175.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق: 176.

٣٣

عثمان أبا ذرّ الغفاري إلى الربذة، ومات هناك وحيداً إلى جوار ابنته.

ومع اشتداد المعارضة ازداد تجمّع الصحابة وتشيُّعهم لعليٍّ (عليه السلام)، وقد وَصف اليعقوبي تلك الظاهرة بقوله: (ومالَ قوم مع عليِّ بن أبي طالب، وتحاملوا في القول على عثمان) (1) .

وصوّر ابن الأثير اجتماع المعارضة، ولجوءها إلى عليٍّ بقوله:

(فاجتمع الناس فكلّموا عليَّ بن أبي طالب، فدخَل على عثمان، فقال له: الناس ورائي، وقد كلّموني فيك) (2) .

غير أنّ الإمام عليّاً لمْ يشارك في عملية الصراع هذه، وحاول أن ينصح عثمان، ويدفع محنة الصراع الدموي، والتمزّق عن وحدة الأمّة.

إنّ دراسة وتحليل بُنية المرتكزات الأساسيّة للتشيّع والمتشيّعين لعليٍّ (عليه السلام) في تلك المرحلة، توصلنا إلى أنّ هذه المرتكزات تتلخّص في:

1 - الإيمان بأحقّية عليّ بالخلافة والإمامة، ووجوب البيعة له.

2 - الدعوة إلى العمل بكتاب الله وسنّة رسول الله، ويمثّل هذان المبدآن المرتكز الأساس للمعتقد الشيعي على امتداد التاريخ، وهما خلاصة التشيّع وجوهره.

وقد ظهر ذلك واضحاً جليّاً في تصريحات وجوه الصحابة، الذين أجمعوا على البيعة لعليٍّ بعد مقتل عثمان، وفي تصريحات عليٍّ وولَديه الحسن والحسين مِن بعده ومَن شايعهم مِن الصحابة والتابعين.

____________________

(1) المصدر السابق: ص163.

(2) ابن الأثير / الكامل في التاريخ 2: 275.

٣٤

مصطلح التشيُّع في لُغة السياسة

وبعد مقتل عثمان، واندفاع الأُمّة بالبيعة لعليٍّ، وإجماع الصحابة والأقطار الإسلامية على ذلك، عدا معاوية الذي انفرد بالشام وشقَّ عصا الطاعة على إمام المسلمين، الذي تمَّت له البيعة والخلافة. بعد ذلك تميّزَت (شيعتان)، هما: شيعة (أتباع) بني أميّة، وشيعة آل البيت، وكثُر استعمال كلمة (شيعة) لكِلا الفريقين، نذكر فيما يلي بعضاً مِن هذه الاستعمالات التاريخية:

وقع حوار بين معاوية بن أبي سفيان، وبين الإمام السبط الشهيد الحسين بن عليّ بن أبي طالب [ عليه السلام ]، وكان كلٌّ منهما يستعمل كلمة (شيعة):

(وقال معاوية للحسين بن عليّ: يا أبا عبد الله، أعلمتَ أنّا قتلنا شيعة أبيك، فحنّطناهم، وكفّنّاهم وصلّينا عليهم، ودفنّاهم؟

فقال الحسين (عليه السلام): حِجرك وربِّ الكعبة، لكنّا والله إنْ قتلنا شيعتك ما كفّنّاهم، ولا حنّطناهم، ولا صلّينا عليهـم، ولا دفنّاهم) (1) .

ومِن هذه الاستعمالات:

(وروي أنّه - أي زياد بن أبيه - كان أحضر قوماً، بَلَغَهُ أنّهم شيعة لعليٍّ؛ ليدعوهم إلى لعْن عليٍّ والبراءة منه، أو يضرب أعناقهم، وكانوا سبعين رجُلاً) (2) .

ومِن الاستعمالات التاريخية لهذا المصطلح، ما ورَد في كتاب أهل العراق سنة (50 هـ) إلى الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)، قال اليعقوبي:

____________________

(1) المصدر السابق: ص231.

(2) المصدر السابق: ص235.

٣٥

(ولمّا توفّيَ الحسن بن عليّ وبلَغ الشيعة ذلك، اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن صُرَد، وفيهم بنو جعدة بن هبيرة، فكتبوا إلى الحسين بن عليّ يعزّونه على مصابه بالحسن: بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن عليّ، مِن شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين، سلام عليك، فإنّا نحمَد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد:

فقد بلَغَنا وفاة الحسن بن عليّ، يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّاً، غفر الله ذنبه، وتقبّل حسناته، وألحقه بنبيِّه، وضاعف لك الأجْر في المُصاب به، وجبَر بك المصيبة مِن بعده، فعند الله نحتسبه، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ما أعظم ما أصيب به هذه الأُمّة عامّة، وأنت وهذه الشيعة خاصّة...) (1) .

وعندما تولّى يزيد بن معاوية الخلافة بالقوّة والوراثة خلافاً لمبدأ الحُكم في الشريعة، ورفض الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام) والشخصيّات الإسلامية البارزة آنذاك، بيعة يزيد؛ لعدم أهليته للخلافة، وانحرافه عن الخطّ الإسلامي القويم، اجتمع زعماء أتباع أهل البيت في العراق، فكتبوا للإمام الحسين (عليه السلام):

(بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن عليٍّ، مِن شيعته المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد فحيّ هلا، فإنّ الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرك، فالعجَل ثمّ العجَل والسّلام) (2) .

وتحدّث ابن الأثير عن تلك الأحداث، فقال:

(ولمّا بلَغَ أهل الكوفة موت معاوية، وامتناع الحسين وابن عُمَر وابن الزبير عن البيعة، أرجفوا بيزيد، واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فذكروا مسير الحسين إلى مكّة، وكتبوا إليه عن نفرٍ، منهم: سليمان بن صُرَد الخزاعي،

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 228.

(2) المصدر السابق: ص 242.

٣٦

والمسيّب بن نَجَبة، ورفاعة بن شدّاد، وحبيب بن مظاهر، وغيرهم) (1) .

وفي كتاب عبد الله بن مسلم الذي كتَبه إلى يزيد بن معاوية، وهو مِن أنصار بني أُميّة، نقرأ في هذا الكتاب استعمال مصطلح (شيعة)، وهو يُطلقه على ذلك الكيان والتكتّل الذي بايع الحسين.. جاء في الكتاب:

(وأمّا بعد فإنّ مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسين بن عليّ بن أبي طالب، فإن يكُ لك في الكوفة حاجة، فابعث إليها رجُلاً قويّاً...) (2) .

وهذا معاوية بن أبي سفيان يستعمل كلمة (شيعة)، ويصف أتباع عثمان بأنّهم شيعته، عندما أوصى المغيرة بن شعبة يوم ولاّه الكوفة سنة (41هـ)، جاء في تلك الوصيّة:

(... ولست تاركاً إيصاءك بخصلةٍ: لا تتحامَ عن شتْم عليٍّ وذمّه، والتّرحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب عليّ، والإقصاء لهم، وترْك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان (رضوان الله عليه) والإدناء لهم، والاستماع منهم) (3) .

وهذا يزيد بن معاوية عندما كتب إلى عبيد الله بن زياد، وعيّنه والياً على الكوفة، نجده يستعمل كلمة (شيعة) معبّراً بها عن أتباعه وشيعته (شيعة بني أُمية)، ممّا يؤيّد استعمال هذا المصطلح في تلك الفترة، بمعنى التكتّل السياسي والأنصار العقائديّين، جاء في هذا الكتاب:

(أمّا بعد، فإنّه كتَب إليّ شيعتي مِن أهل الكوفة، يخبرونني أنّ ابن عقيل فيها يجمع الجموع...).

____________________

(1) ابن الأثير / الكامل في التاريخ 2: 533.

(2) الشيخ المفيد / الإرشاد: ص 205.

(3) تاريخ الطبري 4: 188 / حوادث سنة 51 هـ.

٣٧

وجاء في نصّ اليعقوبي: (وخلّف أهل الشام عبد الملك، فأقبل مسرعاً إلى دمشق؛ خوفاً مِن وثوب عمرو بن سعيد، واجتمع الناس عليه، فقال لهم: إنّي أخاف أن يكون في أنفسكم منّي شيء، فقام جماعة مِن شيعة مروان، فقالوا: والله لتقومَنَّ إلى المنبر، أو لنضربَنَّ عُنقك، فصعد المنبر وبايعوه) (1) .

وهكذا يتّضح لنا أنّ معنى التشيّع: هو متابعة أهل البيت (عليّ وبَنِيه)، وأنّ بذرته الأُولى قد وُلدَت على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ ظهر في المدينة المنوّرة في صفوف الصحابة الأوائل، حَول عليّ وفاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كتكتّل يدعو إلى أحقّية عليّ بالخلافة، بعد أن كان حبّاً ووَلاءً لشخصه في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ثمّ امتدّ مذهباً عقيدياً وفقهيّاً وسياسيّاً؛ نتيجةً لِما يحمِل مِن فهْمٍ ووعْيٍ متميّزٍ للإسلام، استمدّه مِن فهْم ووعي الإمام عليّ وبَنِيـه (عليهم السلام)، فتبلوَر هذا المنهج العقيدي والفقهي، على يد الإمامين محمّد الباقر وولده جعفر الصادق (عليهما السلام)، المعاصرَين لأبي حنيفة ومالك بن أنس وغيرهما مِن أصحاب المذاهب الفقهية.

وينبغي أنْ نشير هنا إلى أنّ المذهب: هو عبارة عن طريقةٍ ومنهجٍ لفَهْم الإسلام، والكشف عن محتواه في المجالات العقيدية والتشريعية والسياسية.

وعندما تبلور هذا الكيان الشيعي، واتّسع عند اشتداد الصراع بين عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية، انضمّ إلى صفوف عليٍّ البدريون والمهاجرون والأنصار، وأصحاب بيعة الرضوان، وقاتلوا معه معاوية بن أبي سفيان في معركة صِفّين... ذكَر اليعقوبي ذلك بقوله: (وكان مع عليٍّ يوم صِفّين مِن أهل بدْر سبعون رجُلاً، وممّن بايع تحت الشجرة سبعمئة رجُل، ومِن سائر المهاجرين والأنصار أربعمئة رجُل، ولمْ يكن مع

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2: 258.

٣٨

معاوية مِن الأنصار إلاّ النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلّد...) (1) .

وقد انقسم الصفّ الإسلامي آنذاك إلى أربعة أحزاب سياسية هي:

1 - الحزب الأُمَويّ، ويقوده معاوية بن أبي سفيان.

2 - حزب عائشة وطلحة والزبير بن العوّام.

3 - حزب الخوارج الذين انفصلوا عن جيش الإمام عليٍّ؛ ولذا عدّهم أصحاب الفِرق مِن الشيعة.

4 - حزب عليّ بن أبي طالب، الذي كان يمثّل الخلافة الشرعية ويقود الأُمّة.

وبعد استشهاد عليٍّ (عليه السلام) استمرّ التشيّع كحزبٍ سياسيٍّ، وخطٍّ فكريٍّ حَول الحسن بن عليّ (عليه السلام)، فبايعه المسلمون، وتجمّعوا حَوله، غير أنّ الظروف السياسية اضطرّت الإمام الحسن إلى مصالحة معاوية، والتنازل عن الخلافة له (2) ، وفْق شروطٍ ومبادئ اتّفق عليها الطرفان، فنكث معاوية عهده هذا، ونصّب ابنه يزيد خليفةً للمسلمين، خلافاً للعهد الذي أبرمه مع الإمام الحسن (عليه السلام)، وخلافاً لمبدأ الحُكم الذي نصَّت عليه الشريعة الإسلامية.

ونقرأ في كتاب الصُلح بين الحسن بن عليّ ومعاوية بن أبي سفيان شرطاً، اشترطه الحسن لحماية شيعة آل البيت، ودفْع التسلّط الأمويّ عنهم، ويكشف هذا الكتاب امتداد كتلة التشيّع، كقوّة سياسية وفكرية يحرص أهل البيت على حمايتها، والحفاظ عليها؛ لأنّها كانت قوّة المعارضة المستهدَفة مِن قِبَل الحزب الأمويّ.

غير أنّ معاوية لمْ يفِ بذلك، وعانت شيعة أهل البيت أشدّ المعاناة مِن الإهانة والقتْل والتعذيب والملاحقة والحرمان، ما ضجَّ به التاريخ... فقد قتَل معاوية عدداً

____________________

(1) المصدر السابق 2: 188.

(2) جلال الدِين السيوطي / تاريخ الخلفاء، اشترط الإمام الحسن على معاوية (على أن تكون له الخلافة مِن بعده... فأجابه معاوية إلى ما طلب): ص179.

٣٩

مِن طلائع شيعة عليّ (عليه السلام) الذين كانوا مِن أفضل الصحابة والتابعين، نذكر منهم حجْر بن عدي وستة معه مِن أصحابه، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الله بن يحيى الحضرمي، ورشيد الهجري، وجويرية بن مهر العبدي، وأوفر بن حصين، وكثير غيرهم.

وعندما بدأ الحزب الأمويّ يُسلِّط الإرهاب على شيعة آل البيت في عهد الحسن والحسين، كان الاحتجاج يصدر مِن السبطين، ولكن دون جدوى... فلمّا استشهد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) مسموماً على يد معاوية بن أبي سفيان، تجمّع الشيعة حَول الإمام الحسين، وطالبوه بالثورة على معاوية، إلاّ أنّه رفض ذلك، وطلب منهم الالتزام بعهد الصُلح، حتّى موت معاوية، غير أنّ معاوية خالف ميثاق الصلح، وعقد البيعة لابنه يزيد، وحوّل الحُكم الإسلامي إلى حُكمٍ ملَكيٍّ وراثي في الحزب الأمويّ، فرفض الحسين ووجوه الصحابة والتابعون بيعة يزيد.

وبدأت المواجهة المسلّحة، وأعلن الحسين بن عليّ (عليهما السلام) الثورة على حكومة يزيد بعد موت معاوية، وقاد الكفاح كإمامٍ للمسلمين ومسؤولٍ عن حفظ الأُمّة والرسالة.

ونشاهد مصطلح الشيعة يتكرّر في هذه الحقبة، ويبرز التشيّع كتكتّلٍ سياسيٍّ وخطٍّ فكريٍّ معارض مِن حَول الإمام الحسين بن عليّ، كما كان يتحرّك مِن حَول أبيه عليٍّ وأخيه الحسن (عليهم السلام)، ويجسّد هذا الوجود السياسي الكتاب الذي وجّهه أهل العراق إلى الإمام الحسين بن عليّ، فقد جاء فيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن عليٍّ أمير المؤمنين، مِن شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام): فإنّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجَل يا ابن رسول الله، فقد اخضرّ الجَنَاب، وأينعت الثمار، وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار، فاقدِم علينا إذا شئت، فإنّما تقدِم على جُندٍ مجنَّدة لك، والسّلام

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الناصح فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى انبه الحسن الفاضل فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد )(١)

الثاني : الروايات التي وردت في إمامة علي بن الحسينعليه‌السلام خاصة ، وقد ذكرنا قسماً منها في الفصل الأول ولكن الإستدلال يحتم علينا ذكرها هنا أيضاً ، وهي :

١ ـ عن الزهري قال : ( كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسينعليه‌السلام ، فقال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل عليه الحسين بن عليعليه‌السلام فضمّه إلى صدره وقبلّه وأقعهده إلى جنبه ثم قال : يولد لإبني هذا ابن يقال له علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : ليقم سيد العابدين فيقوم هو )(٢)

٢ ـ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : ( ان الحسين بن عليعليه‌السلام لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرةً وكان علي بن الحسين مبطوناً(٣) معهم لا يرون إلا ما ألّم به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد ! قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك ؟ قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ

ــــــــــــــــ

(١) الغيبة للطوسي ص ١٠٥ ، ومختصر البصائر ص ٣٩ ط النجف .

(٢) كفاية الطالب للكنجي ص ٤٤٨ .

(٣) المبطون : عليل البطن .

١٤١

خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا والله إن فيه الحدود حتى أن فيه أرش الخدش ((١) .

٣ ـ عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال : ( ان الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية ، فلما رجع علي بن الحسينعليه‌السلام دفعتها إليه )(٢)

٤ ـ روى المجلسي بإسناده عن محمد بن مسلم قال : ( سألت الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام عن خاتم الحسين بن عليعليه‌السلام إلى من صار ، وذكرت له اني سمعت أنه أخذ من اصبعه فيما أخذ قالعليه‌السلام : ليس كما قالوا ، ان الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسينعليه‌السلام وجعل خاتمه في اصبعه وفوّض إليه أمره كما فعله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وفعله أمير المؤمنين بالحسينعليه‌السلام ، وفعله الحسن بالحسينعليه‌السلام ، ثم صار ذلك الخاتم إلى أبي بعد أبيه ، ومنه صار إلي فهو عندي وإني لألبسه كل جمعة وأصلي فيه ) قال محمد بن مسلم : فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلي فلما فرغ من الصلاة مدّ إلي يده ، فرأيت في إصبعه خاتماً نقشه لا إله إلاّ الله عدّة للقاء الله فقال : هذا خاتم جدي أبي عبد الله الحسين بن علي )(٣)

ــــــــــــــــ

(١) الكافي ـ باب الإشارة والنص على علي بن الحسينعليه‌السلام ج ١ ص ٢٤١ .

(٢) المصدر السابق ج ١ ص ٢٤٢ .

(٣) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٧ .

١٤٢

صفات الأئمةعليه‌السلام

وكان الإمام زين العابدينعليه‌السلام ينبّه الأمة ويرشدها إلى فكرة الإمامة وصفات الإمامعليه‌السلام

١ ـ قالعليه‌السلام بخصوص وصف أئمة أهل البيتعليه‌السلام : ( نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، وبنا السماء أن تقع على الأرض إلا بأذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، ولم تخل الأرض منذ خلق الأرض من حجة لله مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله ) فقيل له : كيف ينتفع الناس بالغائب المستور ؟ فقالعليه‌السلام : ( كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب )(١)

٢ ـ وبخصوص الدعاء لهمعليه‌السلام ، قال : ( ربّ صلّ على أطايب أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين اخترتهم لأمرك ، وجعلتهم خزنة علمك ، وحفظة دينك ، وخلفاءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيراً بإرادتك ، وجعلتهم الوسيلة إليك ، والمسلك إلى جنتك ربّ صلّ على محمدٍ وآله صلاةً تجزل لهم بها من تحفك

ــــــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق ص ١١٢ .

١٤٣

وكرامتك ، وتكمل لهم الأشياء من عطاياك ونوافلك(١) ، وتوّفر عليهم الحظّ من عوائدك وفوائدك ربّ صلّ عليه وعليهم صلاةً لا أمد في أولها ، ولا غاية لأمدها ، ولا نهاية لآخرها ربّ صلّ عليهم زنة عرشك وما دونه ، وملء سمواتك وما فوقهنّ ، وعدد أراضيك وما تحتهنّ وما بينهنّ ، صلاةً تقربهم منك زلفى ، وتكون لك ولهم رضى ، ومتصلة بنظائرهن أبداً )(٢)

٣ ـ ( نحن خلفاء الأرض ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن الذين شرع الله لنا دينه ، فقال : (( شَرَعَ لَكُم مِنَ الدّينِ مَا وَصّى‏ بِهِ نُوحاً وَالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏ وَعِيسَى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدّينَ وَلَا تَتَفَرّقُوا فِيهِ ) ...)(٣) فقد علمنا ، وبلّغنا واستودعنا علمهم ، ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ذرية أولي العلم ، أن أقيموا الدين بآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تتفرقوا فيه )(٤)

٤ ـ وبخصوص وجوب طاعة الإمام : ( اللهم إنك أيدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ، ومناراً في بلادك(٥) ، بعد أن وصلت

ــــــــــــــــ

(١) الناقلة : العطية الفاضلة .

(٢) الصحيفة السجادية الدعاء السابع والأربعون ص ٢٠٨ .

(٣) سورة الشورى : الآية ١٣ .

(٤) ناسخ التواريخ ج ٢ ص ٤٩ .

(٥) المتار : موضع يوضع عليه المصباح ليلاً ليراه المار بالطريق فيعرف موضعه منه .

١٤٤

حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة إلى رضوانك ، وافترضت طاعته ، وحذّرت معصيته ، وأمرت بامتثال أوامره ، والانتهاء عند نهيه ، وألاّ يتقدمه متقدمٌ ، ولا يتأخر عنه متأخرٌ ، فهو عصمة اللائذين ، وكهف المؤمنين ، وعروة المستمسكين ، وبهاء العالمين .

اللهم فأوزع لوليّك(١) شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه ، وآته من لدنك سلطاناً نصيراً ، وافتح له فتحاً يسيراً ، وأعنه بركنك الأعزّ ، وأشدد أزره ، وقوّ عضده ، وراعه بعينك ، واحمه بحفظك ، وانصره بملائكتك ، وأمدده بجندك الأغلب ، وأقم به كتابك ، وحدودك وشرائعك ، وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك وأجل به صدأ الجور عن طريقتك ، وأبن به الضراء من سبيلك ، وأزل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجاً ، وألن جانبه لأوليائك ، وابسط يده على أعدائك ، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه ، واجعلنا له سامعين مطيعين ، وفي رضاه ساعين ، وإلى نصرته والمدافعة

ــــــــــــــــ

(١) وهو كناية عن الإمام المهدي (عج) كما في شرح الصحيفة وقال مصنف ) مكيال المكارم ) أن المراد بالولي في ألسنتهم ودعواتهم عليهم السلام هو الإمام صاحب العصر والزمان المهدي عجل الله فرجه .

١٤٥

عنه مكنفين وإليك وإلى رسولك صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين )(١)

الأفضلية

تقتضي الإمامة المطلقة ان يكون الإمام المعصوم أفضل الناس في زمانه وأكملهم من ناحية الفضائل الإنسانية والكمالات ذلك أن الإمامة الحقة رئاسة ربانية ، ويقبح عقلاً جعلها لمن هو مفضول فكيف يكون المفضول قائداً للفاضل ؟ لا يمكن ذلك وقد قال تعالى : (( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدّي إِلّا أَن يُهْدَى‏ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٢) (، و( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ ) (٣) .

وغاية الإمامة هي سوق العالم إلى الكمال المطلق والصلاح الدائم وتحصيل سعادة الدارين .

والإمام زين العابدينعليه‌السلام كان يجمع صفات الفضائل البشرية والكمالات ، فقد كانعليه‌السلام معصوماً ، أعلم الناس في زمانه بشريعة المصطفى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحرص الناس على هدايتهم ،

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية : الدعاء السابع والأربعون ص ٢٠٩ .

(٢) سورة يونس : الآية ٣٥ .

(٣) سورة الزمر : الآية ٩ .

١٤٦

وأحفظهم على رعاية شؤون الأمة ، وأرقبهم لحقوق الرعية ، وأعرفهم بالسياسة الشرعية .

يقول الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) : كان الإمام علي بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً فهو أولى بأبيه وأحق بمقامه من بعده بالفضل والنسب والأولى بالإمام الماضي أحقّ بمقامه من غيره(١)

ولو أخذنا بقول سعيد بن المسيب ، من علماء المدينة المعاصر للإمامعليه‌السلام ( ، دليلاً على أفضلية الإمام السجادعليه‌السلام كفى قال : ( ما رأيت أفضل من علي بن الحسين ، وما رأيته قط إلاّ مقت نفسي )(٣) ، و( ما رأيت أورع منه )(٤)

والزهري ، وهو فقيه بني أمية على الحجاز والشام ، يقول : ( لم أدرك في أهل البيت رجلاً كان أفضل من علي بن الحسين )(٥)

وزيد بن أسلم ، من مفسري القرآن ، يقول : ( ما رأيت مثل علي بن الحسين فهماً حافظاً )(٦)

ــــــــــــــــ

(١) الإرشاد للشيخ المفيد .

(٢) توقف العلماء المتأخرين في قدحه أو مدحه كما سيأتي في محله .

(٣) تأريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ .

(٤) العبر في خير من غبر ج ١ ص ١١١ .

(٥) شذرات الذهب ج ١ ص ١٠٥ .

(٦) طبقات الفقهاء ج ٢ ص ٣٤ .

١٤٧

ويشير الذهبي إلى انهعليه‌السلام كان : ( أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله )(١) ويشير اليعقوبي إلى انهعليه‌السلام كان : ( أفضل الناس وأشدهم عبادة )(٢) .

وهذه النعاذج تكفي للتدليل على أفضليتهعليه‌السلام في العلم والورع والتقوى في زمانه والأفضل ـ بموجب نظرية الإمامة ـ ينبغي أن يكون قائداً وإماماً للمفضول .

وقد وصفه علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) وصفاً جامعاً مانعاً رائعاً ، فقال : ( مناقب الإمام علي بن الحسين تكثر النجوم عدداً ، ويجري واصفها إلى حيث لا مدى ، وتلوح في سماء المناقب كالنجوم لمن بها اهتدى ، وكيف لا وهو يفوق العالمين إذا عدا علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً ، وهذا تقديم لسجعٍ في الطبع فلا تكن متردداً ، ومتى أعطيت الفكر حقه وجدت ما شئت فخاراً وسؤدداً ، فإنه الإمام الرباني ، والهيكل النوراني ، بدل الأبدال ، وزاهد الزهاد ، وقطب الأقطاب ، وعابد العباد ، ونور مشكاة الرسالة ، ونقطة دايرة الإمامة ، وابن الخيرتين ، والكريم الطرفين ، قرار القلب ، وقرة العين علي بن الحسين ، وما أدراك ما علي بن الحسين ؟!! الأواه الأواب ، العامل بالسنّة والكتاب ،

ــــــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٢٤٠ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦ .

١٤٨

الناطق بالصواب ، ملازم المحراب ، المؤثر على نفسه المرتفع في درجات المعارف ، فيومه يفوق على أمسه ، المتفرد بمعارفه ، الذي فضّل على الخلائق بتليده وطارفه ، وحكم في الشرف فتسنم ذروته ، وخطر في مطارفه وأعجز بما حواه من طيب المولد ، وكريم المحتد ، وذكاء الأرومة ، وطهارة الجرثومة ، عجز عنه لسان واصفه ، وتفرد في خلواته بمناجاته ، فتعجبت الملائكة من مواقفه ، وأجرى مواضعه خوف ربه ، فأربى على هامي الصوب وواكفه(١)

فانظر أيّدك الله في أخباره ، والمح بعين الاعتبار عجائب آثاره ، وفكّر في زهده وتعبده وخشوعه ، وتهجده ودؤوبة في صلاته ، وأدعيته في أوقات مناجاته ، واستمراره على ملازمة عبادته ، وإيثاره وصدقاته ، وعطاياه وصلاته ، وتوسلاته التي تدلّ على فصاحته وبلاغته على خشوعه لربه ، وضراعته ووقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته واعترافه بالذنوب على براءة ساحته ، وبكائه ونحيبه ، وخفوق قلبه من خشية الله ، ووجيبه وانتصابه وقد أرخى الليل سدوله ، وجرّ على الأرض ذيوله ، مناجياً ربه تقدست أسماؤه ، مخاطباً له تعالى ، ملازماً بابه عزّ وجلّ ، مصوّراً نفسه بين يديه ، معرضاً عن كل شيء ، مقبلاً عليه ، قد انسلخ من الدنيا الدنية ، وتعرّى من الجثة البشرية ، فجسمه ساجد في الثرى وروحه متعلقة بالملأ الأعلى ، يتململ إذا

ــــــــــــــــ

(١) الصوب : المطر والواكف : المطر الذي يسيل قليلاً قليلاً .

١٤٩

مرت به آية من آيات الوعيد حتى كأنه المقصود بها ، وهو عنها بعيد ، تجد أموراً عجيبة وأحوالاً غريبة ، ونفساً من الله سبحانه قريبة ، وتعلم يقيناً لاشك فيه ولا ارتياب ، وتعرف معرفة من قد كشف له الحجاب ، وفتحت له الأبواب ، ان هذه الثمرة من تلك الشجرة ، كما ان الواحد جزء من العشرة ، وان هذه النطفة العذبة من ذلك المعين الكريم ، وان هذا الحديث من ذلك القديم ، وان هذه الدرة من ذلك البحر الزاخر ، وان هذا النجم من ذلك القمر الباهر ، وان هذا الفرع النابت من ذلك الأصل الثابت ، وان هذه النتيجة من هذه المقدمة ، وان خليفة محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة المكرمة المعظمة هذا أصله الطاهر )(١)

وكانت له من صفات الكمال ما يمكن استقراؤها من صحائف التأريخ ، عبر الوريقات القادمة .

الأفضلية في العلم

تميّز الإمام زين العابدينعليه‌السلام بذهنٍ متقدٍ ، وعلمٍ جمّ ، وقدرة عقلية إلهامية أكثر منها إكتسابية وقد ألمحنا سابقاً إلى ان من شروط الإمامة : العلم اللدني ، أي العلم المفاض من قبل الله تبارك

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة في معرفة أحوال الأئمةعليه‌السلام ـ الأربلي ترجمة علي بن الحسينعليه‌السلام .

١٥٠

وتعالى على الإمامعليه‌السلام وقد أشار الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام إلى ذلك فقال : ( اعطاه الله علمه واستودعه سره وأحيى به مناهج سبله وفرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل )(١)

ولذلك اشتهر بين الناس في زمانه أنهعليه‌السلام كان أوسع الناس علماً وكان عنده من العلماء والرواة الذين رووا عنه من العلوم ما لا يحصى(٢) ومن أجل إدراك شخصيته العلمية ، لابد من عرض نماذج له في التفسير والحديث والفقه والكلام .

أ ـ القرآن الكريم :

وكان من حبه وشغفه بالقرآن الكريم أنه قال : (لو مات ما بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد ان يكون القرآن معي )(٣)

ولم يقتصر انشغاله بالقرآن على حفظه وتفسيره والتدبر في معانيه ، بل كانعليه‌السلام من أحسن الناس صوتأً في تلاوته ، وكان السقائون الذين يمرون ببابه يقفون لاستماع صوته(٤) ولا عجب ، وهو العارف بالقرآن الكريم ، ان يدعو الناس إلى التدبر في معانيه ، فيقول : ( آيات

ــــــــــــــــ

(١) غيبة النعماني ص ١٢٠ .

(٢) خلاصة تهذيب الكمال ص ٢٣ أقول : أحصى علماء الرجال من رواته وتلامذته أكثر من مائة وسبعين راوياً والذين فقدت اسماؤهم أكثر .

(٣) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٧ .

(٤) أصول الكافي ج ٢ ص ٦١٦ .

١٥١

القرآن خزائن كلما فتحت خزانةً ينبغي لك أن تنظر ما فيها ) وكان اهتمامهعليه‌السلام بالقرآن منصّباً على أمرين الأول : التأكيد على أهمية القرآن الكريم للمسلمين والثاني : تفسير آيات الكتاب المجيد وشرحها .

أولاً : أهمية القرآن :

تنبع أهمية القرآن الكريم من كونه كلام الله المجيد ، الذي يخاطب فيه المولى عزّ وجلّ عقل المسلم وضميره وروحه فهو مصباح هداية ، ووسيلة لمنازل الشرف في الآخرة ، وسبباً لحظّ الذنوب ، وشفيه يرتضيه الله تبارك وتعالى لغفران زلات المذنبين وعلى ضوء ذلك ، كان الإمام زين العابدينعليه‌السلام حريصاً على تبيين أهمية القرآن في حياة الإنسان ، عن طريق الدعاء والمناجاة ، أو الإرشاد والموعظة :

١ ـ يقولعليه‌السلام في فضل القرآن : ( اللهم صلّ على محمد وآله ، واجبر بالقرآن خلّتنا من عدم الاملاق(١) ، وسق إلينا به رغد العيش ، ، وخصب سعة الأرزاق ، وجّنبنا به الضرائب(٢) المذمومة ، ومداني الاخلاق(٣) ، واعصمنا به من هوّة الكفر ، ودواعي النفاق ،

ــــــــــــــــ

(١) الاملاق : الفقر .

(٢) الضرائب : جمع ضريبة بمعنى الطبيعة .

(٣) مداني الأخلاق : الأخلاق الدنيئة .

١٥٢

حتى يكون لنا في القيامة إلى رضوانك وجنانك قائداً ، ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدّي حدودك ذائداً ، ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهداً .

اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، وهوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق(١) وجهد الأنين ، وترادف الحشارج(٢) إذا بلغت النفوس التراقي(٣) وقيل من راق ، وتجلّى ملك الموت ليقبضها من حجب الغيوب ، ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق ، وداف لها من ذعاف الموت(٤) كأساً مسمومة المذاق ، ودنا منّا إلى الآخرة رحيلٌ وانطلاقٌ ، وصارت الأعمال قلائد في الأعناق ، وكانت القبور هي المأوى إلى ميقات يوم التلاق .

اللهم صلّ على محمد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلى ، وطول المقامه بين أطباق الثرى ، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا ، وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا ، ولا تفضحنا في حاضري القيامة بموبقات آثامنا ، وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، وثبّت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز

ــــــــــــــــ

(١) كرب السياق : حالة المحتضر عند الموت .

(٢) الحشارج : جمع حشرجة ، وهي الغرغرة عند الموت .

(٣) الترافي : جمع ترقوة وهي العظم المحيط بالرقية .

(٤) زعاف الموت : خالصه .

١٥٣

عليها زلل أقدامنا ، ونور به قبل البعث سدف قبورنا(١) ، ونجّنا به من كل كرب يوم القيامة ، وشدائد أهوال يوم الطامة ، وبيّض وجوهنا يوم تسودّ وجوه الظلمة في يوم الحسرة والندامة ، واجعل لنا في صدور المؤمنين ودّاً ، ولا تجعل الحياة علينا نكداً )(٢) .

٢ ـ ويقولعليه‌السلام في كون القرآن وسيلة إلى الشرف المنازل : ( اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، واجعلنا ممن يعتصم بحبله ، ويأوي من المتشابهات إلى حرز معقله ، ويسكن في ظلّ جناحه ، ويهتدي بضوء صاحبه ، ويقتدي بتبلّج أسفاره ، ويستصبح بمصباحه ، ولا يلتمس الهدى في غيره اللهم وكما نصبت به محمداً علماً للدلالة عليك ، وأنهجت بآله سبل الرضا إليك ، فصلّ على محمدٍ وآله ، واجعل القرآن وسيلةً لنا إلى أشرف منازل الكرامة ، وسلّماً نعرج فيه إلى محلٌ السلامة ، وسبباً نجزى به النجاة في عرصة القيامة ، وذريعةً نقدم بها على نعيم دار المقامة .

اللهم صلّ على محمد وآله ، واحطط بالقرآن عنا ثقل الأوزار ، وهب لنا حسن شمائل الأبرار ، واقف بنا آثار الذين قاموا لك اناء الليل وأطراف النهار ، حتى تطهّرنا من كل دنسٍ بتطهيره ، وتقفوا بنا آثار الذين استضاؤوا بنوره ، ولم يلههم الأمل عن العمل ،

ــــــــــــــــ

(١) سدف قبورنا : ظلمة قبورنا .

(٢) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الثاني والأربعون ص ١٧٤ .

١٥٤

فيقطعهم بخدع غروره اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً ، ومن نزغات الشيطان(١) وخطرات الوساوس حارساً ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً ، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير آفةٍ مخرساً ، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً ، ولما طوت الغفلة عنا من تصفّح الاعتبار ناشراً ، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه ، وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي على صلابتها عن احتماله .

اللهم صلّ على محمدٍ وآله ، وادم بالقرآن صلاح ظاهرنا ، واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا ، واغسل به درن قلوبنا ، وعلائق أوزارنا ، واجمع به منتشر أمورنا ، وأرو به في موقف العرض عليك ظمأ هواجرنا ، واكسنا به حلل الأمان يوم الفزع الأكبر في نشورنا )(٢)

٣ ـ وفي دعائه بعد ختم القرآن يقولعليه‌السلام : ( اللّهم فإذا أفدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلّت جواسي ألسنتنا(٣) بحسن عبادته ، فاجعلنا ممن يرعاه حقّ رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته ، ويفزع إلى الإقرار بمتشابهه ، وموضحات بيناته اللّهم إنك أنزلته على نبيك

ــــــــــــــــ

(١) نزغات الشيطان : جمع نزغة ، وهي الوسوسة .

(٢) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الثاني والأربعون ص ١٧٣ .

(٣) جواسي : جمع جاسية وهي الغليظة والمراد غلاظ الألسنة .

١٥٥

محمدٍصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجملاً ، وألهمته علم عجائبه مكمّلاً ، وورثتنا علمه مفسّراً ، وفضلّتنا على من جهل علمه ، وقوّيتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطقّ حمله .

اللّهم فكما جعلت قلوبنا له حملةً ، وعرّفتنا برحمتك شرفه وفضله ، فصلّ على محمدٍ الخطيب به ، وعلى آله الخزّان له ، واجعلنا ممن يعترف بأنه من عندك حتى لا يعارضنا الشكّ في تصديقه ، ولا يختلجنا الزيغ عن قصد طريقه )(١)

٤ ـ الحال المرتحل : قيل لهعليه‌السلام أي الأعمال أفضل ؟ قالعليه‌السلام : ( الحال المرتحل ) فقيل له : وما ذاك ؟ قالعليه‌السلام : ( هو فتح القرآن وختمه فانه كلما جاء بأوله أرتحل بآخره ولقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أعطاه الله القرآ، فرأى ان رجلاً أعطي أفضل مما أعطاه الله فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً )(٢)

ثانياً : تفسير القرآن :

ولم يقتصر إهتمام الإمام السجادعليه‌السلام بالقرآن الكريم بحفظه أو تلاوته فحسب ، بل تعدى إلى فهم شامل لمعاني الكتاب السماوي ذلك لأن في آيات القرآن : المحكم والمتشابه ، والظاهر والباطن ،

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ص ١٧٢ .

(٢) الكافي على هامش مرآة العقول ج ٢ ص ٥٣٠ .

١٥٦

والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ ولا يمكن ان يتجرأ أحدٌ على تفسير القرآن الكريم دون أساس علمي شرعي يخوّلة بذلك وهو القائلعليه‌السلام : ( نحن خلفاء الأرض ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن المخصوصون في كتاب الله ) ، ( ونحن ورثة الأنبياء ، ونحن ذرية أولي العلم ) ، ( فقد علمنا وبلغنا واستودعنا علمهم )(١) فلا ريب أن نأخذ بعلمهعليه‌السلام في تفسير كتاب الله المجيد :

١ ـ في تفسير الآية الكريمة :( الّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً ) (٢) ، قالعليه‌السلام : ( إنه سبحانه وتعالى جعل الأرض ملائمة لطباعكم ، موافقة لأجسادكم ، ولم يجعلها شديدة الحمأ(٣) والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرودة فتجمدكم ، ولا شديدة الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم(٤) ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم وابنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنه عزّ وجلّ جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به ، وتتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم ، فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم .

ــــــــــــــــ

(١) ناسخ التواريخ ج ٢ ص ٤٩ .

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٢ .

(٣) الحمأ : شدة حرارة الشمس .

(٤) تعطبكم : تهللكم .

١٥٧

ثم قال عزّ وجلّ : ( والسّماء بناءً ) أي سقفاً من فوقكم ، محفوظاً يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم .

ثم قال عزّ وجلّ : ( وأنزل من السّماء ماءً ) يعني المطر ينزله من علٍ ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم(١) ، ثم فرّقه رذاذاً ووابلاً وهطلاً(٢) لتنشفه أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلاً عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضكم وأشجاركم وزروعكم و ثماركم .

ثم قال عزّ وجلّ : ( فأخرج به من الثّمرات رزقاً لكم ) يعني مما يخرجه من الأرض رزقاً لكم ( فلا تجعلوا لله أنداداً ) أي أشباهاً وأمثالاً من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء ( وأنتم تعلمون ) أنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي انعمها علكيم ربكم تبارك وتعالى )(٣)

٢ ـ في تفسير قوله تعالى : (( وَرَتّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ) )(٤) قالعليه‌السلام : ( بيّنه ـ أي القرآن في تلاوته ـ تبييناً ، ولا تنثره نثر البقل ، ولا تهذه هذي الشعر قفوا عند عجائبه لتحركوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة)

ــــــــــــــــ

(١) الهضاب : الأرض المرتفعة الأوهاد : الأرض المنخفضة .

(٢) الرذاذ : المطر الضعيف الوابل : المطر الشديد الهطل : المطر الضعيف الدائم .

(٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ١٣٧ ـ ١٣٨ .

(٤) سورة المزمل : الآية ٤ .

١٥٨

٣ ـ في تفسير قوله تعالى : (( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِي‏ءَ بِالنّبِيّينَ وَالشّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) ((١) : ( إذا كان يوم القيامة بعث الله الناس من حفرهم عزلاً ، جرداً مرداً ، في صعيد واحد يسوقهم النور ، وتجمعهم الظلمة ، حتى يقفوا على عتبة المحشر ، فيزدحمون دونها ، ويمنعون من المضي ، فتشتد أنفاسهم ، ويكثر عرقهم ، وتضيق بهم أمورهم ، ويشتد ضجيجهم ، وترتفع أصواتهم ، وهو أول هول من أهوال القيامة .

فينادي منادٍ اسمعوا منادي الجبار فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، فتخشع قلوبهم ، وتضطرب فرائصهم ، ويرفعون رؤوسهم الى ناحية الصوت مهطعين إلى الداعي ، ويقول الكافرون : هذا يوم عسير فيأتي النداء من قبل الجبار : أنا الله لا إله إلا أنا ، أنا الحكم الذي لا يجور ، أحكم اليوم بينكم بعدلي وقسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد ، آخذ للضعيف من القوي ، ولصاحب المظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات ، وأثيب على الهبات ، ولا يجوز هذه العقبة ظالم ولا أحد عنده مظلمة يهبها لصاحبها ، إلا وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب ، واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، وأنا شاهدكم وكفى بي شهيداً )(٢)

ــــــــــــــــ

(١) سورة الزمر : الآية ٦٩ .

(٢) تفسير البرهان ج ٢ ص ٩٥ .

١٥٩

٤ ـ في تفسير قوله تعالى : )( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الْصّدَقَاتِ وَأَنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ ) )(١) : (اني ضامن عن ربي تعالى أن الصدقة لا تقع في يد العبد حتى تقع في يد الرب تعالى ) وكانعليه‌السلام يقول : ( ليس من شيء إلا و كل به ملك ، إلا الصدقة فإنها تقع في يد الله تعالى )(٢)

٥ ـ في تفسير قوله تعالى :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى )(٣) قالعليه‌السلام : ( هي قرابتنا أهل البيت )(٤)

أقول : ان الأجر المطلوب في آية المودة لم يكن من سنخ المال فالأنبياء أرقى وأجلّ من أن يطلبوا مالاً أو يأخذوا جعلاً على تبليغ رسالة السماء وقد صارح أنبياء اللهعليه‌السلام بنفي الأجرة على التبليغ ، ففي الحكاية عن هود وصالح وشعيب ويسوف عليهم السلام(٥) : (( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا عَلَى‏ رَبّ الْعَالَمِينَ ) )(٦) وعن نوح ع (:( فَمَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا

ــــــــــــــــ

(١) سورة التوبة : الآية ١٠٤ .

(٢) تفسير البرهان ج ١ ص ٤٤١ ، وتفسير الصافي ص ٢٢٣ .

(٣) سورة الشورى : الآية ٢٣ .

(٤) أحكام القرآن للحصاص ج ٣ ص ٤٧٥ .

(٥) سورة الشعراء : الآية ١٠٩ ، ١٤٥ ، ١٦٤ ، ١٨٠ ومعنى مشابه في سورة يوسف : الآية ١٠٤ .

(٦) سورة الشعراء : الآية ١٠٩ .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413