الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين0%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد زهير الأعرجي
الناشر: المؤلف
تصنيف: الصفحات: 413
المشاهدات: 228368
تحميل: 11690

توضيحات:

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 228368 / تحميل: 11690
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

آتَاكُمْ ) )(١) . وهذا هو زهد النفس والعقل وهو يبدأ بتمرين العقل على ترك التفكير بالملذات ، ثم تدريب الجسد على الإقتصار على الضروريات ومعنى الآية عدم الإبتهاج بالدنيا ومكتسباتها ، وعدم الحزن والأسى بزوالها ؛ وهو أرقى أنواع الزهد .

الزهد في فكر الإمامعليه‌السلام

الزهد عند السجادعليه‌السلام لابد ان يحمل علامتين الأولى : ان يكون للزاهد ضوابط شرعية يسير بمقتضاها والثانية : ان الزاهد الحقيقي له مصداق رباني ، وهو حب الرحمن له .

١ ـ علامة الزاهدين : ( إن علامة الزاهدين ، الرغبين في الآخرة ، تركهم كل خليط وخليل ، ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون ألا وأن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا ، الآخذ للموت أهبته ، الحاثّ على العمل قبل فناء الأجل ، ونزول ما لابد من لقائه ، وتقديم الحذر قبل الحين(٢) فإن الله عزّ وجلّ يقول : (( حَتّى‏ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيَما تَرَكْتُ ) (٣) ، فلينزلنّ أحدكم اليوم نفسه في

ــــــــــــــــ

(١) سورة الحديد : الآية ٢٣ .

(٢) الحين : الهلاك .

(٣) سورة المؤمنون : الآية ٩٩ ـ ١٠٠ .

٢٠١

هذه الدنيا كمزلة المكرور إلى الدنيا ، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته.

واعلموا عباد الله ، أنه من خاف البيات تجاف عن الوساد ، وامتنع عن الرقاد ، وأمسك عن بعض الطعام والشراب ، من خوف سلطان أهل الدنيا فكيف ـ ويحك يا ابن آدم ـ من خوف بيات سلطان رب العزة ، وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب ، مع طوارق المنايا بالليل والنهار ، فذلك البيات الذي ليس فيه منجى ، ولا دونه ملتجأ ولا منه مهرب فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى ، فان الله يقول : (( ذلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) )(١) فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها ، وتذكروا عاقبة الميل إليها فإن زينتها فتنة ، وحبها خطيئة .

واعلم ويحك يا ابن آدم أن قسوة البطنة ، وفطرة الميلة ، وسكرة الشبع ، وعزة الملك مما يثبط ويبطئ عن العمل ، وينسي الذكر ، ويلهي عن اقتراب الأجل ، حتى كأنّ المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب وان العاقل عن الله ، الخائف منه ، ليمرّن نفسه ، ويعوّدها الجوع حتى ما تشتاق إلى الشبع ، وكذلك تضمر الخيل(٢) لسبق الرهان .

ــــــــــــــــ

(١) سورة إبراهيم : الآية ١٤ .

(٢) تضمير الخيل : حجبها عن الأكل حتى تهزل لتستطيع سبق الرهان .

٢٠٢

فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمّل ثوابه ، وخائف عقابه ، فقد اعذر الله تعالى وانذر وشوّق وخوّف ، فلا أنتم إلى ما شوّقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم مما خوّفكم من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون ، وقد نبأكم الله في كتابه أنه (( فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ ) )(١) . ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه ، وصرف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا ، فقال : (( أَنّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) )(٢) . فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا .

فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله ، وما اعلم إلا كثيراً منكم قد نهكته عواقب المعاصي فما حذرها ، واضرت بدينه فما مقتها ، أما تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال : (( اعْلَمُوا أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَراً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى‏ مَغْفِرَةٍ مِن رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدّتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ

ــــــــــــــــ

(١) سورة الأنبياء : الآية ٩٤ .

(٢) سورة التغابن : الآية ١٥ .

٢٠٣

ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) )(١) ، وقال : (( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدّمَتْ لِغَدٍ وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) )(٢) . فاتقوا الله عباد الله ، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له ، فإن الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدى ، قد عرّفكم نفسه ، وبعث إليكم رسوله ، وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه ، وحججه وأمثاله فاتقوا الله فقد أحتجّ عليكم ربكم فقال : (( أَلَمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَيْنِ ) )(٣) . فهذه حجة عليكم ، فاتقوا الله ما استطعتم فإنه لا قوة إلا بالله ، ولا تتكلوا إلا عليه ، وصلى الله على محمد وآله )(٤)

٢ ـ مصداق الزاهدين : عندما دخلت مجموعة عبّاد البصرة وزهادها مكة للحج ، وقد اشتد بالناس العطش لقلّة الغيث ، فزع إليهم أهل مكة يسألونهم الاستسقاء .

قال الراوي : ( فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها ، فمنعنا الإجابة فبينما نحن كذلك إذا بفتىً قد أقبل ،

ــــــــــــــــ

(١) سورة الحديد : الآية ٢٠ ـ ٢١ .

(٢) سورة الحشر : الآية ١٨ ـ ١٩ .

(٣) سورة البلد : الآية ٨ ـ ١٠ .

(٤) تحف العقول ص ١٩٦ ـ ١٩٨ .

٢٠٤

وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطاً ، ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ، ويا فلان بن فلان ، ويا ...

فقلنا : لبيك وسعديك يا فتى !

فقال : أما فيكم أحدٌ يحبّه الرحمن ؟

فقلنا : يا فتى علينا الدعاء وعليه الإجابة !

فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه ! ثم أتى الكعبة ، فخرّ ساجداً ، فسمعته يقول في سجوده : ( سيدي بحبك لي إلاّ سقيتهم الغيث ( .

قال : فما استتمّ الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب ! فسئل عنه فقيل : هذا علي بن الحسينعليه‌السلام )(١)

الأفضلية في العبادة

وكان السجادعليه‌السلام أفضل العبّاد في زمانه ، ذلك أنه كان يتفانى في عبادة مولاه العظيموشكره على جميل نعمه وألطافه وكان يتسامى في وضوئه وصلاته ودعائه وتسبيحه وصيامه وعتقه وحجه وإحرامه ومناجاته في البيت الحرام ، ويقول : ( إني أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلا ثوابه ، فأكون كالعبد الطامع إن طمع عمل ،

ــــــــــــــــ

(١) الاحتجاج ص ٣١٦ ـ ٣١٧ .

٢٠٥

وإلا لم يعمل وأكره أن أعبده لخوف عذابه ، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل ) فسئل : بم تعبده ؟ قالعليه‌السلام : ( أعبده لما هو أهله بأياديه وأنعامه )(١) وهذا مرآة لما قاله أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( آلهي ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك ، وإنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) وينسب للصادقعليه‌السلام هذا القول : ( إن قوماً عبدوا الله عزّ وجلّ رهبة فتلك عبادة العبيد ، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار ، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار )(٢)

ولفظ الكراهة في قولهعليه‌السلام : ( إني أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلا ثوابه ) محمول على عدم اقتران العبادة بالإخلاص التام والكراهية لا تبطل العمل ، بل تختزل حسناته ولاشك ان الإخلاص التام في العبادة من رتب الأولياء فأرقى درجات العبادة هي الإخلاص الكامل له تعالى ومعرفة حقه على عباده ولكن العباد درجات ، فإذا قصد المتعبد الطمع بالجنّة أو إتقاء النار فلا ينافي ذلك من قبول العمل ، وقد ورد في الآيات والأحاديث ما يؤيد ذلك قال تعالى : (( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) )(٣) ، وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض أوقافه : ( هذا ما

ــــــــــــــــ

(١) تفسير العسكري ص ١٣٢ .

(٢) البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٥ .

(٣) سورة الأعراف : الآية ٥٦ .

٢٠٦

أوصى به عبد الله على ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار )(١)

وكان إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء ؟ فيقولعليه‌السلام : ( أتدرون بين يدي من أقوم ؟ )(٢) وكانعليه‌السلام يهئ الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام ، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يشرع في الوضوء ويقبل على صلاته(٣) وكانعليه‌السلام يتطيب للصلاة من قارورة عطر يضعها عند مسجد صلاته(٤) ويلبسعليه‌السلام الصوف في صلاته مبالغة في إذلال نفسه أمام الله عزّ وجلّ(٥)

وإذا قام إلى الصلاة غشي لونه لونٌ آخر ، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله ، وكان يقف في صلاته موقف العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، وكان يصلي صلاة مودّع يرى انه لا يصلي بعدها أبداً .

ــــــــــــــــ

(١) مرآة العقول للمجلسي ج ٢ ص ١٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ج ٤ ص ٢٣٨ .

(٣) صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٣ .

(٤) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٥٨ .

(٥) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٨ .

٢٠٧

ومن خشوعه في صلاته أنه كان إذا سجد لا يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً(١) ، وكأنه غمس في الماء من كثرة دموعه وبكائه(٢) ولما رأى أبو حمزة الثمالي سقوط رداءهعليه‌السلام من أحد منكبيه وهو في صلاته فلم يسوه ، سأله عن ذلك ، فقالعليه‌السلام له : (ويحك أتدري بين يدي من كنت ؟ ان العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه )(٣)

ومن شدة إنشغالهعليه‌السلام بربه عزّ وجلّ ان ولداً له سقط في بئر ففزع الناس فانقذوه ، وكانعليه‌السلام يصلي في محرابه ، ولم يشعر بذلك ولما انتهى من صلاته أخبر عن ذلك ، فقال : ( ما شعرت ، إني كنت أناجي رباً عظيماً )(٤)

لم يشغله شيء عن صلاته وارتباطه بالله عزّ وجلّ يروى أن حريقاً وقع في بيته ، وكانعليه‌السلام مشغولاً بصلاته ولم يعتن به ولما فرغ من صلاته أخبر به ، فقال : ( ألهتني عنها النار الكبرى )(٥)

وكانعليه‌السلام يقضي ما فاته من نافلة النهار بالليل ، وكان يوصي أبناءه بذلك ، ويقول لهم : ( يا بني ليس هذا عليكم بواجب ،

ــــــــــــــــ

(١) تهذيب الأحكام ج ٢ ص ٢٨٦ .

(٢) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٨ .

(٣) علل الشرائع ص ٨٨ .

(٤) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٩٩ .

(٥) صفوة الصفوة ج ٢ ص ٥٢ .

٢٠٨

ولكن أحب لمن عوّد نفسه منكم عادةً من الخير أن يدوم عليها )(١) وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر(٢)

وكانعليه‌السلام كثير السجود ، فعندما يسجد سجدة الشكر ، ويقول فيها مائة مرة : ( الحمد لله شكراً ) كان يقول بعدها : ( ياذا المن الذي لا ينقطع أبداً ، ولا يصحيه غيره عدداً ، وياذا المعروف الذي لا ينفذ أبداً ، يا كريم يا كريم )(٣) وكانت للإمام السجاد خريطة ديباج صفراء ، فيها تربة قبر الحسينعليه‌السلام ، فإذا حضرت الصلاة سجد عليها )(٤)

وتحكي مولاته عن صلاته وصيامه بقولها : ( ما فرشت له فراشاً بليلٍ قط ولا أتيته بطعام في نهارٍ قط )(٥) يفهم من قولها انه كان قائماً ليله ، صائماً نهاره .

ولما شاهدت عمته فاطمة بنت علي بن أبي طالب ما ناء به من الجهد والإجتهاد في العبادة خافت عليه الهلاك ، وهو بقية السلف ومعقد الآمال فجاءت إلى الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري وهو من خواصهم وله فضل صحبة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلّه

ــــــــــــــــ

(١) صفوة الصفوة ج ٢ ص ٥٣ .

(٢) كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦٣ .

(٣) وسائل الشيعة ج ٤ ص ١٠٧٩ .

(٤) بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٧٩ ، باب ٥ ، ح ٧٥ .

(٥) علل الشرائع للصدوق ص ٨٨ .

٢٠٩

يستطيع أن يخفف العناء عن الإمامعليه‌السلام فقالت له : يا صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لنا عليكم حقوقاً ، ومن حقنّا عليكم ان إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه إجتهاداً تذّكرونه الله تعالى وتدعونه إلى البقيا على نفسه ، وهذا علي بن الحسين قد انخرم أنفه وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه إدآباً منه لنفسه في العبادة .

فأتى جابر باب علي بن الحسين فاستأذن ودخل على السجادعليه‌السلام وهو في محرابه قد أنضته العبادة فنهض الإمامعليه‌السلام إليه وسأله عن حاله وأجلسه إلى جنبه ، فقال له جابر : يا ابن رسول الله أما علمت ان الله خلق الجنّة لكم ولمن أحبكم وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم ، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك .

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( يا صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أما علمت أن رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فلم يدع الإجتهاد له وتعبد بأبي هو وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم فقيل له : أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) فلما رأى جابر تصميم السجادعليه‌السلام على ذلك ، قال : يا ابن رسول الله البقيا على نفسك ، فإنك لمن أسرة بهم يستدفع البلاء ويستكشف الأدواء وهبم تستمطر السماء .

٢١٠

فقالعليه‌السلام : يا جابر لا أزال على منهاج أبوي متأسياً بهما صلوات الله عليهما حتى ألقاهما ) فأقبل جابر على من حضر ، وقال : ( والله ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب )(١)

وذكر الإمام الصادق أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليهما‌السلام فأطراه بما هو أهله ، وقال : ( والله ما أكل من الدنيا حراماً قط ولم يشبهه أحد من ولده ولا أهل بيته في لباسه وفقهه وعبادة إلا علي بن الحسينعليه‌السلام ، ولقد دخل عليه ابنه الباقرعليه‌السلام فلما رآه قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه غيره حتى أصفرّ لونه من السهر ورمصت عيناه(٢) من البكاء ، وجبرت جبهته ، وانخرم أنفه من السجود ، وورمت ساقاه من القيام في الصلاة ، فلم يملك نفسه حتى رآه بهذا الحال دون ان اجهش بالبكاء رحمةً له فالتفت إليه أبوه بعد هنيهة وقال : يا بني اعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة جدي علي بن أبي طالبعليه‌السلام فاعطاه وقرأ شيئاً يسيراً وتركه متضجراً ، وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب )(٣)

ــــــــــــــــ

(١) أمالي الطوسي ص ٤٧ .

(٢) رمصت العين رمصاً ( من باب تعب ) إذا جمدت الرواشح في موقها ( أي في مؤخرها ) .

(٣) الأرشاد للشيخ المفيد .

٢١١

ورآه أحد مريديه في مسجد الكوفة(١) معفراً وجهه بالتراب ويناجي ربه ، فقال له : يا ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعذب نفسك وقد فضلّك الله بما فضلّك فبكى وذكر حديثاً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ان كل عين باكية يوم القيامة إلا أربعة أعين : عين بكت من خشية الله ، وعين فقئت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله ، وعين ساهرة ساجدة يباهي بها الله ملائكته يقول انظروا إلى عبدي قد جافي بدنه عن المضاجع يدعوني خوفاً من عذابي وطمعاً في رحمتي اشهدوا اني قد غفرت له )(٢)

وكانعليه‌السلام يوصل شعبان بشهر رمضان ، ويقول : (صوم شهرين متتابعين )(٣) ولا يتكلم في شهر رمضان إلا بالدعاء والإستغفار والتسبيح والتكبير فإذا أفطر قال : ( اللهم إن شئت أن تفعل فعلت )(٤)

وكانعليه‌السلام يقول في آخر الوتر وهو قائم : ( رب أسأت وظلمت نفسي ، وبئس ما صنعت ، وهذه يداي جزاءً بما صنعت ) ثم

ــــــــــــــــ

(١) هكذا في الرواية ولم يعرف عنه انه ذهب إلى الكوفة عدا المرة التي أخذ فيها أسيراً إلى عبيدالله بن زياد ويحتمل ـ على تقدير عدم التصحيف ـ ان يكون قد مر بالكوفة بعد رجوعه من الشام ايام عبد الملك .

(٢) بحار الأنوار ج ١٧ ص ١٦٠ .

(٣) الوسائل ج ٢ ص ١٢٩ .

(٤) وهذا من سنخ الطاعة المطلقة لله ، لأنه ليس في مقام محاججة خصم أو دفع شبهة .

٢١٢

يبسطهما جميعاً أمام وجهه ، ويقول : ( وهذه رقبتي خاضعة لك لما أتت ) ثم يطأطأ رأسه ويقول : ( ها أنا ذا بين يديك فخذ لنفسك الرضى من نفسي حتى ترضى ، لك العتبى لا أعود لا أعود )(١)

وكان يسبح الله بهذه الكلمات : ( سبحان من أشرق نوره كل ظلمة ، سبحان من قدر بقدرته كل قدرة ، سبحان من احتجب عن العباد بطرائق نفوسهم ، فلا شيء يحجبه ، سبحان الله وبحمده ) .

والمعروف عند أهل العلم أن صلاته كانت تزخر بألوان التضرع والتذلل ومناجاة الله تبارك وتعالى فلا عجب أن ينقل لنا التأريخ كمّاً وافراً من أدعيتهعليه‌السلام في صلاته وصومه وحجه ونحن إذا ننقل صوراً من أدعيته البليغة ، فإننا نرمي كشف جانب من جوانب شخصيته الروحية لنستدل في النهاية على كونه أهل للإمامة الكبرى التي أوصى بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بيتهعليه‌السلام.

في صلاة الليل :

داوم السجادعليه‌السلام على صلاة الليل ، وأفنى لياليه في عبادة الله بنفس خاشعة ورقبة خاضعة مثقلة بهموم الآخرة وكانعليه‌السلام يدعو الله بعد صلاة الليل بأدعية جليلة تستمطر عفوه وفضله تبارك وتعالى وهذه جملة من أدعيته بعد انتهاء صلاة الليل :

ــــــــــــــــ

(١) من لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٣١١ .

٢١٣

١ ـ تمجيد ذو الملك والسلطان : ( ضلّت فيك الصفات ، وتفسخت فيك النعوت ، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام ، كذلك أنت الله في أوليتك ، وعلى ذلك أنت دائم لا تزول ، وأنا العبد الضعيف عملاً ، الجسيم أملاً خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصله رحمتك ، وتقطعت عني عصم الآمال إلا ما أنا معتصم به من عفوك قل عندي ما أعتدّ به من طاعتك ، وكثر عليّ ما أبوء به من معصيتك ، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك ، وإن أساء فاعف عني )(١)

٢ ـ في مقام الحياء : ( اللهم إنك أمرتني فتركت ، ونهيتني فركبت ، وسوّل لي الخطأ خاطر السوء ففرّطت ، ولا أستشهد على صيامي نهاراً ، ولا أستجير بتهجّدي ليلاً ، ولا تثني عليّ بإحيائها سنّة حاشا فروضك التي من ضيّعها هلك ، ولست أتوسل إليك بفضل نافلةٍ ، مع كثير ما أغفلت من وظايف فروضك ، وتعديت عن مقامات حدودك إلى حرمات إنتهكتها ، وكبائر ذنوبٍ إجترحتها كانت عافيتك لي من فضائحها ستراً )(٢)

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الثاني والثلاثون ص ١٤٢ .

(٢) الصحيفة السجادية ص ١٤٤ .

٢١٤

٣ ـ في مقام الستر : ( اللهم وإذ سترتني بعفوك ، وتغمدتني(١) بفضلك في دار الفناء ، بحضرة الأكفاء ، فأجرني من فضيحات دار البقاء عند مواقف الأشهاد من الملائكة المقربين ، والرسل المكرّمين ، والشهداء والصالحين ، من جار كنت أكاتمه سيئاتي(٢) ، ومن ذي رحمٍ كنت أحتشم منه(٣) في سريراتي(٤) .(٥)

٤ ـ إنكشاف السرائر : ( اللهم وقد أشرف على خفايا الأعمال علمك ، وانكشف كلّ مستورٍ دون خبرك ، ولا تنطوي عنك دقائق الأمور ، ولا تعزب عنك غيبات السرائر ، وقد استحوذ عليّ عدّوك الذي استنظرك(٦) لغوايتي فأنظرته ، واستمهلك إلى يوم الدين لإضلالي فأمهلته ، فأوقعني وقد هربت إليك من صغائر ذنوب موبقة ، وكبائر أعمالٍ مردية ، حتى إذا فارقت معصيتك ، واستوجبت بسوء سعيي سخطتك ، فتل عني عذار غدره(٧) ، وتلقّاني بكلمة كفره(٨)

ــــــــــــــــ

(١) تغمدتني : شملتني .

(٢) أكاتمه : أخفي عليه .

(٣) احتشم منه : استحي منه .

(٤) سريراتي : الأعمال التي أرتكبها سراً .

(٥) الصحيفة السجادية ص ١٤٥ .

(٦) يشيرعليه‌السلام إلى إبليس الذي طلب مهلة من الله عز وجل لغواية الإنسان حيث قال : (( قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِي إِلَى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ) سورة الحجر : الآية ٣٦ .

(٧) فتل : اصرف عني العذار : لجام الفرس .

(٨) اشارة الى الآية الكريمة : (( كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِي‏ءٌ مِنكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ ) ) سورة الحشر : الآية ١٦ .

٢١٥

وتولى البراءة مني ، وأدبر مولياً عني ، فأصحرني(١) لغضبك فريداً ، وأخرجني إلى فناء نقمتك طريداً لا شفيعٌ يشفع لي إليك ، ولا خفيرٌ(٢) يؤمنني عليك ، ولا حصن يحجبني عنك ولا ملاذٌ ألجأ إليه منك فهذا مقام العائذ بك ، ومحلّ المعترف لك فلا يضيقنّ عني فضلك ، ولا يقصرنّ دوني عفوك ، ولا أكن أخيف عبادك التائبين ، ولا أقنط وفودك الآملين ، واغفر لي إنك خير الغافرين )(٣)

٥ ـ في ظلمات التكوين : ( اللهم وأنت حدرتني(٤) ماءً مهيناً من صلب متضائق(٥) ، حرج المسالك(٦) إلى رحمٍ ضيقةٍ سترتها بالحجب ، تصرّفني حالاً عن حال ، حتى انتهيت بي إلى تمام الصورة ، وأثبتّ في الجوارح كما نعت في كتابك(٧) : نطفةً ، ثم علقةً ، ثم

ــــــــــــــــ

(١) أصحرني : أظهرني .

(٢) أصحرني : المجير .

(٣) الصحيفة السجادية ص ١٤٣ .

(٤) حدرتني : انزلتني .

(٥) متضايق العظام : عظام الصلب المتداخلة .

(٦) حجر المسالك : ضيق الطريق .

(٧) اشارة إلى قوله تعالى : ( ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ * ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) ) سورة المؤمنون : الآية ١٢ ـ ١٤ .

٢١٦

مضغةً ، ثم عظاماً ، ثم كسوت العظام لحماً ، ثم انشأتني خلقاً آخر كما شئت ، حتى إذا احتجت إلى رزقك ، ولم أستغن عن غياث فضلك ، جعلت لي قوتاً من فضل طعام ، وشراب أجريته لأمتك(١) التي أسكنتني جوفها ، وأودعتني قرار رحمها ، ولو تكلني يا ربّ في تلك الحالات إلى حولي ، أو تضطرّني إلى قوتي لكان الحول عني معتزلاً(٢) ، ولكانت القوة مني بعيدةً ، فغذوتني بفضلك غذاء البرّ اللطيف ، تفعل ذلك بي تطوّلاً عليّ إلى غايتي هذه ، لا أعدم برّك ، ولا يبطئ بي حسن صنيعك ، ولا تتأكد مع ذلك ثقتي ، فأتفرّغ لما هو أحظي لي عندك ، قد ملك الشيطان عناني في سوء الظنّ وضعف اليقين ، فأنا أشكو سوء مجاورته لي(٣) ، وطاعة نفسي له ، واستعصمك من ملكته ، وأتضرع إليك في صرف كيده عني وأسألك في أن تسهّل إلى رزقي سبيلاً فلك الحمد على ابتدائك بالنعم الجسام ، وإلهامك الشكر على الإحسان والإنعام ، فصلّ على محمدٍ وآله وسهّل عليّ رزقي ، وأن تقنّعني بتقديرك لي ، وأن ترضيني بحصتي

ــــــــــــــــ

(١) لأمتك : يريد بها والدته .

(٢) معتزلاً : بعيداً .

(٣) الضمير في ( مجاورته ) يعود الى الشيطان .

٢١٧

فيما قسمت لي ، وأن تجعل ما ذهب من جسمي وعمري في سبيل طاعتك ، إنك خير الرازقين )(١)

٦ ـ التعوذ من ظلمات العذاب : ( اللهم إني أعوذ بك من نارٍ تغلّظت بها على من عصاك ، وتوعّدت بها من صدف عن رضاك ، ومن نارٍ نورها ظلمة ، وهيّنها أليم ، وبعيدها قريب ، ومن نارٍ يأكل بعضها بعض ، ويصول(٢) بعضها على بعض ، ومن نار تذر العظام رميماً ، وتسقي أهلها حميماً(٣) ، ومن نارٍ لا تبقي على من تضرّع إليها ، ولا ترحم من استعطفها ، ولا تقدر على التخفيف عمن خشع لها واستسلم إليها ، تلقى سكانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال ، وشديد الوبال وأعوذ بك من عقاربها الفاغرة أفواهها وحيّاتها الصالقة(٤) بأنيابها ، وشرابها الذي يقطّع أمعاء وأفئدة سكانها ، وينزع قلوبهم وأستهديك لما باعد منها ، وأخرّ عنها .

اللهم صلّ على محمد وآله ، وأجرني منها بفضل رحمتك ، وأقلني عثراتي بحسن إقالتك ، ولا تخذلني يا خير المجيرين إنك تقي الكريهة ، وتعطي الحسنة ، وتفعل ما تريد ، وأنت على كل شيء

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ص ١٤٥ .

(٢) يصول : يهجم .

(٣) الحميم : المعدن الذائب .

(٤) الصالقة : الضاربة .

٢١٨

قدير اللهم صلّ على محمدٍ وآله إذا ذكر الأبرار ، وصلّ على محمدٍ وآله ما اختلف الليل والنهار صلاةً لا ينقطع مددها ، ولا يحصى عددها ، صلاةً تشحن الهواء وتملأ الأرض والسماء ، صلّى الله عليه حتى يرضى ، وصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الرضا ، صلاةً لا حدّ لها ولا منتهى ، يا أرحم الراحمين )(١)

شهر رمضان :

وكانعليه‌السلام كثير البرّ في شهر رمضان حيث كان ينوّع مبراته ويوزعها على أهل الحاجة والمسكنة فيأمر بذبح شاة كل يوم ويأمر بطبخها وتوزيعها على الفقراء والأرامل والأيتام ، ولايبقي شيئاً منه لإفطاره ، فيفطر على الخبز والتمر(٢) ، وهو أبسط طعام إذا نظرنا إلى خصوصية ذلك المكان .

وكانعليه‌السلام يعتق العبيد ، مع أنهم كانوا يعيشون معه ويعاملهم معاملة أبنائه ، وكان يقول لهم في مقام تربيتهم : ( ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كل ما عملت ، كما أحصيت علينا ما عملناه ولديه كتاب ينطق بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت إلا أحصاها ، وتجد كل نفس ما

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ص ١٤٧ .

(٢) المحاسن ص ٣٩٦ .

٢١٩

عملت لديه حاضراً(١) ، كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضراً ، فاعف واصفح كما ترجو من المليك العفو ، وكما تحب أن يعفو المليك عنك ، فاعف عنا تجده عفوّاً ، ، وبك رحيماً ولك غفوراً ، ولا يظلم ربك أحداً كما لديك كتاب ينطق بالحق علينا ، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيناها إلا أحصاها ، فاذكر يا علي بن الحسين ذل مقامك بين يدي ربك الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبة من خردل ، ويأتي بها يوم القيامة ، وكفى بالله حسيباً وشهيداً ، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح ، فإنه يقول :( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبّونَ أَن يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٢) .

ثم يقول : ( ربنا إنك أمرتنا ان نعفو عمن ظلمنا ، وقد عفونا عمن ظلمنا كما أمرت ، فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين ، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا ، وقد أتيناك سؤّالاً ومساكين ، وقد أنحنا بفنائك وببابك ، نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك ، فأمنّن بذلك علينا ولا تخيبنا ، فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين ) .

ــــــــــــــــ

(١) وهو مصداق قوله تعالى :( يَوْمَ تَجِدُ كُلّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ... ) سورة آل عمران : الآية ٣٠ .

(٢) سورة النور : الآية ٢٢ .

٢٢٠