الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين14%

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين مؤلف:
الناشر: المؤلف
تصنيف: الإمام علي بن الحسين عليه السلام
الصفحات: 413

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين
  • البداية
  • السابق
  • 413 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 250568 / تحميل: 14285
الحجم الحجم الحجم
الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) زين العابدين

مؤلف:
الناشر: المؤلف
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المرتشي في الحكم

و من كلام له: أيتها النفوس المختلفة و القلوب المتشتّتة، الشاهدة أبدانهم و الغائبة عنهم عقولهم أظأركم على الحق(١) و أنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد هيهات أن أطلع بكم سرار العدل(٢) أو أقيم اعوجاج الحق.

اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان و لا التماس شي‏ء من فضول الحطام، و لكن لنرد المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك.

و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي البخيل فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلّهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول(٣) فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق.

____________________

(١) أظأركم: أعطفكم.

(٢) سرار، في الأصل: آخر ليلة من الشهر، و المراد هنا: الظلمة. أي: أن اطلع بكم شارفا يكشف عمّا عرض على العدل من الظلمة.

(٣) الحائف: الجائر الظالم. و الدول، جمع دولة بالضم و هي المال. و قد سمي المال «دولة» لأنه يتداول، أي ينتقل من يد ليد.

١٦١

مع المظلوم

من كلام له: إني أريدكم للّه و أنتم تريدوني لأنفسكم أيها الناس، أعينوني على أنفسكم، و ايم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، و لأقودنّ الظالم بخزامته(١) حتى أورده منهل الحق و إن كان كارها

المال للنّاس

من كلام رائع كلّم به عبد اللّه بن زمعة، و هو من أنصاره، و ذلك انه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا. فقال: إن هذا المال ليس لي و لا لك و جناة أيديهم(٢) لا تكون لغير أفواههم

____________________

(١) الخزامة: حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير ليشدّ فيها الزمام و يسهل قياده.

(٢) أي: جناة أيدي العامة.

١٦٢

امانة

من كتاب له الى الأشعث بن قيس عامله على اذربيجان: و إنّ عملك ليس لك بطعمة(١) و لكنه في عنقك أمانة.

ليس لك أن تفتات في رعية(٢) ، و في يديك مال من مال اللّه عزّ و جلّ، و أنت من خزّانه حتى تسلّمه إليّ، و لعلّي أن لا أكون شرّ ولاتك(٣) و السلام.

لاضربنّك بسيفي

من كتاب له إلى بعض عمّاله و قد اختطف ما قدر عليه من أموال الأمة و هرب إلى الحجاز: فلمّا أمكنتك الشدّة في خيانة الأمّة أسرعت الكرّة و عاجلت الوثبة و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف

____________________

(١) عملك: ما وليت لتعمله في شؤون الأمة. طعمة: المأكلة و المكسب.

(٢) تفتات: تستبد.

(٣) يرجو أن لا يكون شر المتسلطين عليه. و لا يحقّ الرجاء إلا إذا استقام.

١٦٣

الذئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة(١) فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثّم من أخذه(٢) .

كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنك تأكل حراما و تشرب حراما؟

فاتّق اللّه و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني اللّه منك لأعذرنّ الى اللّه فيك(٣) و لأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلاّ دخل النار و اللّه لو أن الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة(٤) و لا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما

الوالى و الرّشوة

من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها: أمّا بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة

____________________

(١) الأزلّ: السريع الجري. الكسيرة: المكسورة.

(٢) التأثم: التحرّز من الإثم، و هو الذنب.

(٣) اي: لأعاقبنّك عقابا يكون لي عذرا عند اللّه من فعلتك هذه.

(٤) الهوادة: الصلح، أو الاختصاص بالميل.

١٦٤

دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان(١) ، و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ(٢) و غنيّهم مدعوّ.

ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(٣) ، و من طعمه بقرصيه ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفّة و سداد. فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا. و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص(٤) و لا عهد له بالشّبع أ و أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى(٥) ؟ أ و أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر؟ و كأني بقائلكم يقول: «إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان؟» أ لا و إنّ الشجرة البرّية أصلب عودا، و الروائع الخضرة أرقّ جلودا، و النباتات البدوية أقوى وقودا و أبطأ خمودا و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها

____________________

(١) تستطاب: يطلب لك طيّبها. الألوان: أصناف الطعام. الجفان، جمع جفنة، و هي: القصعة.

(٢) عائلهم: فقيرهم و محتاجهم. مجفو: مطرود من الجفاء.

(٣) الطمر: الثوب الخلق.

(٤) القرص: الرغيف.

(٥) غرثى: جائعة. حرّى: عطشى.

١٦٥

الوالى و الهوى

من كتاب له إلى الأسود بن قطيبة صاحب جند حلوان، و هي إيالة من إيالات فارس: أما بعد، فإنّ الوالي إذا اختلف هواه(١) منعه ذلك كثيرا عن العدل.

فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء، فإنه ليس في الجور عوض من العدل، فاجتنب ما تنكر أمثاله(٢) .

و اعلم أنه لن يغنيك عن الحقّ شي‏ء أبدا، و من الحقّ عليك حفظ نفسك، و الاحتساب على الرعية بجهدك(٣) .

اخفض جناحك

من كتاب له الى بعض عماله: و اخفض للرعية جناحك و ابسط لهم وجهك و ألن لهم جانبك،

____________________

(١) اختلف الهوى: جرى مع أغراض النفس حيث تذهب. و وحدة الهوى: توجّهه الى أمر واحد، و هو إجراء العدالة.

(٢) اي: ما لا تستحسن مثله لو صدر من غيرك.

(٣) الاحتساب على الرعية: مراقبة أعمالها و تقويم ما اعوجّ منها و إصلاح ما فسد.

١٦٦

و آس بينهم في اللحظة و النظرة و الإشارة و التحية(١) ، حتى لا يطمع العظماء في حيفك(٢) و لا ييأس الضعفاء من عدلك

علّم الجاهل

من كتاب له إلى قسم بن العباس، و هو عامله على مكة: علّم الجاهل و ذاكر العالم، و لا يكن لك إلى الناس سفير إلاّ لسانك و لا حاجب إلاّ وجهك. و لا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها فإنها إن ذيدت عن أبوابك في أول وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها(٣) .

و انظر الى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من قبلك(٤) من ذوي العيال و المجاعة مصيبا به مواضع الفاقة، و ما فضل عن ذلك فاحمله إليها لنقسمه في من قبلنا.

و مر أهل مكة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا...

____________________

(١) آس بينهم: شارك و سوّ بينهم.

(٢) الحيف: الظلم.

(٣) ذيدت: دفعت و منعت. الورد: الورود. يقول: إذا منعت الحاجة أول ورودها لا تحمد على قضائها فيما بعد، لأن حسنة القضاء لا تذكر في جانب سيئة المنع.

(٤) قبلك: عندك.

١٦٧

الوالى الخائن

من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي، و قد خان في بعض ما ولاّه من أعماله: و لئن كان ما بلغني عنك حقّا لجمل أهلك و شسع نعلك خير منك(١) . و من كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر، أو يشرك في أمانة أو يؤمن على خيانة(٢) فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء اللّه.

الاخلاق الكريمة

من كتاب له الى الحارث الهمذاني: و احذر كلّ عمل يعمل به في السرّ و يستحى منه في العلانية. و احذر كل عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. و لا تحدّث الناس

____________________

(١) الجمل يضرب به المثل في الذلة و الجهل. الشسع: سير بين الإصبع الوسطي و التي تليها في النعل، كأنه زمام

(٢) أي: على دفع خيانة.

ملاحظة: قال الشريف الرضي: و المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: إنه لنظّار في عطفيه، مختال في برديه

١٦٨

بكلّ ما سمعت به فكفى بذلك كذبا. و لا تردّ على الناس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلا. و تجاوز عند المقدرة و احلم عند الغضب و اصفح مع الدولة(١) .

و إياك و مصاحبة الفسّاق فإن الشرّ بالشرّ ملحق. و احذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود ابليس

اهل الجشع و اهل الفقر

من خطبة له في أهل الجشع و أهل الفاقة: و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، و الشرّ فيه إلاّ إقبالا، و الشيطان في هلاك الناس إلاّ طمعا.

إضرب بطرفك حيث شئت من الناس: هل تبصر إلاّ فقيرا يكابد فقرا، أو غنيّا بدّل نعمة اللّه كفرا؟ أين أخياركم و صلحاؤكم، و أحراركم و سمحاؤكم؟ و أين المتورّعون في مكاسبهم؟ و المتنزّهون في مذاهبهم؟ أ ليس قد ظعنوا جميعا عن هذه الدنيا؟ و هل خلقتم إلاّ في حثالة(٢) لا تلتقي بذمّهم الشفتان استصغارا لقدرهم و ذهابا عن ذكرهم. لعن اللّه الآمرين بالمعروف التاركين له، و الناهين عن المنكر العاملين به

____________________

(١) أي عند ما تكون لك السلطة.

(٢) الحثالة: الردي‏ء من كل شي‏ء. و المراد هنا أدنياء الناس و صغار النفوس منهم.

١٦٩

القاضى الجاهل

من كلام له في صفة من يتصدّى للحكم بين الناس و هو ليس أهلا لذلك.

حتى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل(١) جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره»(٢) . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثّا من رأيه، ثم قطع به(٣) ، فهو من لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ. و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب(٤) .

جاهل خبّاط جهالات(٥) ، يذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم(٦) .

____________________

(١) الماء الآجن: الفاسد المتغير الطعم و اللون. شبّه الإمام مجهولات القاضي التي يظنها معلومات، بالماء الآجن. اكتنز: جمع ما عده كنزا. غير طائل: دون و خسيس.

(٢) التخليص: التبيين. التبس على غيره: اشتبه عليه.

(٣) المبهمات: المشكلات. الحشو: الزائد الذي لا فائدة فيه. الرث: الخلق البالي.

(٤) الجاهل بالشي‏ء: من ليس على بيّنة منه، فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه، و إذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته. فهو في ضعف حكمه في مثل نسج العنكبوت ضعفا، و لا بصيرة له في وجوه الخطأ و الإصابة. و قد جاء الإمام في تمثيل حاله بأبلغ ما يكون من التعبير عنه، كما يقول ابن أبي الحديد.

(٥) خبّاط: صيغة مبالغة من خبط الليل، إذا سار فيه على غير هدى. و قد شبه الامام الجهالات بالظلمات التي يخبط فيها السائر.

(٦) الهشيم: ما يبس من النبت و تفتّت. تذرو الريح الهشيم: تطيره فتفرقه و تمزقه.

١٧٠

لا يحسب العلم في شي‏ء مما أنكره، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره، و إن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه(١) تصرخ من جور قضائه الدماء و تعجّ منه المواريث(٢) . الى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلاّلا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه(٣) ، و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر.

يحكم برايه

من كلام له في بعض القضاة أيضا: ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه. ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه. ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا...(٤) و إلهم واحد، و نبيّهم واحد، و كتابهم واحد

____________________

(١) اكتتم به: كتمه و ستره.

(٢) تعجّ: تصرخ. و صراخ الدماء و عج المواريث تمثيل لحدة الظلم و شدة الجور.

(٣) اذا تلي حق تلاوته: إذا أخذ على وجهه و فهم على حقيقته. و الكتاب هو القرآن الكريم.

(٤) استقضاهم: ولاّهم القضاء. يصوّب آراءهم جميعا: يفتي بأن آراءهم جميعا صائبة...

١٧١

و عالمهم منافق

من كلامه في وصف أبناء زمانه: و اعلموا أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، و اللسان عن الصدق كليل، و اللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، فتاهم عارم(١) و شائبهم آثم و عالمهم منافق، لا يعظّم صغيرهم كبيرهم و لا يعول غنيّهم فقيرهم

يعملون في الشّبهات

من خطبة له: و ما كلّ ذي قلب بلبيب، و لا كلّ ذي سمع بسميع، و لا كلّ ناظر ببصير، فيا عجبي، و ما لي لا أعجب، من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها يعملون في الشّبهات و يسيرون في الشهوات.

المعروف عندهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا(٢) .

مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المهمّات على آرائهم،

____________________

(١) شرس: سي الخلق.

(٢) أي: يستحسنون ما بدا لهم استحسانه، و يستقبحون ما خطر لهم قبحه بدون رجوع الى دليل بيّن أو شريعة واضحة.

١٧٢

كأنّ كلّ امرى‏ء منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات و أسباب محكمات(١) .

زجر النّفس

من خطبة له: عباد اللّه، زنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، و حاسبوها قبل أن تحاسبوا، و تنفّسوا قبل ضيق الخناق و انقادوا قبل عنف السياق(٢) و اعلموا أنه من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ و زاجر لم يكن له من غيرها زاجر و لا واعظ

ايّاك

من كلام له لابنه الحسن: يا بنيّ، إياك و مصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك. و إياك و مصادقة البخيل فإنه يبعد عنك أحوج(٣) ما تكون إليه. و إياك و مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه(٤) . و إياك و مصادقة الكذاب فإنه كالسراب: يقرّب عليك البعيد و يبعد عليك القريب

____________________

(١) يثق كل منهم بخواطر نفسه كأنه أخذ منها بالعروة الوثقى، على ما بها من جهل و نقص.

(٢) اي: انقادوا الى ما يطلب منكم بالحثّ الرفيق قبل أن تساقوا اليه بالعيف الشديد.

(٣) أحوج: حال من الكاف في «عنك».

(٤) التافه: القليل.

١٧٣

الرّضا و السّخط

من كلام له: أيها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير(١) و جوعها طويل أيها الناس، إنما يجمع الناس الرّضا و السخط.

أيها الناس، من سلك الطريق الواضح ورد الماء، و من خالف وقع في التيه.

النّفاق و الظّلم

من خطبة له: ثم إياكم و تهزيع الأخلاق و تصريفها(٢) . و إن لسان المؤمن من وراء قلبه، و إن قلب المنافق من وراء لسانه(٣) ، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم

____________________

(١) يقصد: الدنيا.

(٢) تهزيع الشي‏ء: تكسيره. و الصادق اذا كذب فقد انكسر صدقه، و الكريم إذا لؤم فقد انثلم كرمه. و تصريف الأخلاق: تقليبها بين حال و حال:

(٣) اي ان لسان المؤمن تابع لاعتقاده لا يقول إلا ما يعتقد. و المنافق يقول ما ينال به غايته الخبيثة، فإذا قال شيئا اليوم ينقضه غدا، فيكون قلبه تابعا للسانه.

١٧٤

بكلام تدبّره في نفسه: فإن كان خيرا أبداه، و إن كان شرا واراه(١) .

و إنّ المنافق يتكلّم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له و ما ذا عليه و أمّا الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا. و إن جماعة في ما تكرهون من الحق خير من فرقة في ما تحبّون من الباطل(٢) طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، فكان من نفسه في شغل و الناس منه في راحة

العشيرة

من خطبة له: أيها الناس، إنه لا يستغني الرجل، و إن كان ذا مال، عن عشيرته و دفاعهم عنه بأيديهم و ألسنتهم، و هم أعظم الناس حيطة من ورائه و ألمّهم لشعثه(٣) و أعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به.

و من يقبض يده عن عشيرته فإنما تقبض منه عنهم يد واحدة و تقبض منهم عنه أيد كثيرة

____________________

(١) واره: أخفاه.

(٢) أي: من يحافظ على نظام الالفة و الاجتماع، و إن ثقل عليه أداء بعض حقوق الجماعة و شقّ عليه ما تكلّفه به من الحق، فذلك هو الجدير بالسعادة، دون من يسعى للشقاق و هدم نظام الجماعة، و إن نال بذلك حقا باطلا و شهوة وقتية، فقد يكون في حظه الوقتي شقاؤه الأبدي، ذلك لأنه متى كانت الفرقة أصبح كل واحد عرضه لشرور سواه، فولّت الراحة و فسدت حال المعيشة.

(٣) الحيطة: الرعاية. و الشعث: التفرق و الانتشار.

١٧٥

طبائع الإنسان

من كلام له في طبائع الانسان: و له(١) موادّ الحكمة و أضداد من خلافها: فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع. و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص. و إن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ. و إن أسعده الرضا نسي التحفّظ(٢) . و إن ناله الخوف شغله الحذر.

و إن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة(٣) و إن أفاد مالا أبطره الغنى(٤) .

و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع. و إن عضّته الفاقة شغله البلاء. و إن جهده الجوع قعد به الضعف. و إن إفرط به الشّبع كظّته البطنة(٥) .

فكلّ تقصير به مضرّ، و كلّ إفراط له مفسد

الزّمان و اهله

و من بديع قوله: إذا استولى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظنّ برجل لم تظهر

____________________

(١) أي للقلب.

(٢) التحفظ: التوقّي و التحرّز من المضرّات.

(٣) الغرة: الغفلة. سلبته: ذهبت به عن رشده.

(٤) أفاد: استفاد.

(٦) كظته: كربته و آلمته. البطنة: امتلاء البطن حتى يضيق النفس.

١٧٦

منه خزية(١) فقد ظلم و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله فأحسن رجل الظنّ برجل فقد غرّر(٢)

كم من صائم

و من كلامه في معنى الصوم و الصلاة: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و الظمأ. و كم من قائم(٣) ليس له من قيامه إلاّ السهر و العناء. حبّذا نوم الأكياس و إفطارهم

اصناف النّاس

من خطبة له في سوء طباع الناس بزمانه: أيها الناس، إنّا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن كنود(٤) يعدّ فيه المحسن مسيئا، و يزداد الظالم عتوّا، لا ننتفع بما علمنا و لا نسأل عمّا جهلنا و لا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا(٥) . فالناس على أربعة أصناف:

____________________

(١) الخزية: البلية تصيب الانسان فتذله و تفضحة

(٢) غرّر: أوقع بنفسه في الغرر، أي: الخطر.

(٣) أي: قائم للصلاة.

(٤) العنود: الجائر. الكنود: الكفور.

(٥) القارعة: الخطب.

١٧٧

منهم من لا يمنعهم الفساد إلاّ مهانة نفسه و كلالة حدّه و نضيض وفره(١) .

و منهم المصلت لسيفه و المعلن بشرّه، قد أشرط نفسه و أوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده أو منبر يفرعه(٢) . و لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا. و منهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة، و لا يطلب الآخرة بعمل الدنيا: قد طامن من شخصه و قارب من خطوه و شمّر من ثوبه و زخرف من نفسه للأمانة، و اتّخذ ستر اللّه ذريعة إلى المعصية.

و منهم من أبعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه و انقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة و بقي رجال غضّ أبصارهم ذكر المرجع و أراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد نادّ و خائف مقموع و ساكت مكعوم و داع مخلص و ثكلان موجع(٣) . قد أخملتهم التقيّة(٤) و شملتهم الذّلّة.

____________________

(١) أي: لا يقعد بهم عن طلب الإمارة و السلطان إلا حقارة نفوسهم و ضعف سلاحهم و قلة مالهم.

(٢) أصلت السيف: امتشقه. أشرط نفسه: هيأها و أعدّها للشر و الفساد في الأرض.

أوبق دينه: أهلكه. الحطام، هنا: المال. ينتهزه: يغتنمه أو يختلسه. المقنب: طائفة من الخيل، و إنما يطلب قود المقنب تعزّزا على الناس و كبرا. فرع المنبر: علاه.

(٣) نادّ: هارب من الجماعة الى الوحدة. المقموع: المقهور. المكعوم، من كعم البعير، أي: شدّ فاه لئلاّ يأكل أو يعض. الثكلان: الحزين.

(٤) أخمله: أسقط ذكره حتى لم يبق له بين الناس نباهة. التقية: اتّقاء الظلم بإخفاء الحال.

١٧٨

و قد وعظوا حتى ملّوا و قهروا حتى ذلّوا و قتلوا حتى قلّوا. فاتّعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتّعظ بكم من بعدكم، و ارفضوها ذميمة فإنها رفضت من كان أشغف بها منكم

مع كلّ ريح

و من كلامه في ناس زمانه: همج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم و لم يلجأوا إلى ركن وثيق.

ربّ صغير غلب كبيرا

من كلام له: إحذر الكلام في مجالس الخوف، فإنّ الخوف يذهل العقل الذي منه تستمدّ، و يشغله بحراسة النفس عن حراسة المذهب الذي تروم نصرته.

و احذر الغضب ممّن يحملك عليه، فإنّه مميت للخواطر مانع من التثبّت.

و احذر المحافل التي لا إنصاف لأهلها في التسوية بينك و بين خصمك في الإقبال و الاستماع، و لا أدب لهم يمنعهم من جور الحكم لك و عليك.

و احذر كلام من لا يفهم عنك فإنه يضجرك. و احذر استصغار الخصم فإنه يمنع من التحفّظ، و ربّ صغير غلب كبيرا

١٧٩

سراجه باللّيل القمر

و من خطبة له تحتوي قولا رائعا في محمد و المسيح: و قد كان في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاف لك في الأسوة و دليل على ذمّ الدنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها إذ قبضت عنه أطرافها و وطئت لغيره أكنافها و فطم عن رضاعها و زوي عن زخارفها.

و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسّد الحجر و يلبس الخشن، و كان إدامه الجوع و سراجه بالليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. و لم تكن له زوجة تفتنه و لا مال يلفته و لا طمع يذلّه، دابّته رجلاه و خادمه يداه.

على منهاج المسيح

قال نوف البكالي: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم، فقال لي: يا نوف، أراقد

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

لم تكن تلك الحركات جميعاً منسجمة مع خط أهل البيتعليه‌السلام ولم يكن الإمامعليه‌السلام يطمح ليكون زعيم حركة إجتماعية ، أو حزب سياسي ، أو تكتل مذهبي بل كان موقعه هو قيادة الأمة الإسلامية بجميع أطيافها وطبقاتها إلى طريق مرضاة الله وموقع من هذا القبيل هو موقع الإمامة الكبرى التي شرّفها الله تعالى وألهمها المعارف الكلية ، من أجل حفظ الدين فكانعليه‌السلام يرى المصلحة الدينية العليا في عدم المشاركة بتلك الحركات .

وواقعة الحرة كانت نتيجة استنكار رجال المدينة لأفعال يزيد من شرب الخمر وعزف الطنابير ، ولم تكن لمقتل الحسينعليه‌السلام الذي هزّ كل ضمير إلا ضمائر هؤلاء الذين حركهم شرب يزيد للخمر أكثر مما حركهم شربه لدماء أهل البيتعليه‌السلام

ولم يخرج تحرك رجال المدينة عن إطار الإذن من عبد الله بن الزبير في مكة(١) فكانت تلك الحركة ـ على أقل التقادير ـ ذات دوافع سياسية غير دينية بالضرورة .

ومع ذلك ، فإن مسلم بن عقبة عندما دخل المدينة لسحق تلك الحركة ، كان لا يريد غير علي بن الحسينعليه‌السلام (٢)

ــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٧٨ .

(٢) الإرشاد للمفيد ص ٢٩٢ .

٣٠١

ولكن إرادة الله وحكمة السجادعليه‌السلام صرفاه عما كان يبغيه ذلك الظالم المسرف في القتل .

وأما حركة عبد الله بن الزبير ، فكانت واضحة المعالم فقد كانت حركة بعيدة جداً عن طموحات أهل البيتعليه‌السلام في إقامة دولة العدل الإلهي بل ان تلك الحركة كانت مناوئة لمباني الإسلام الأصيل وكان عبد الله بن الزبير لا يخفي مشاعره ضد الإمام السجادعليه‌السلام وذرية المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد صرح بأنه كتم بغض أهل البيت أربعين عاماً(١) ، وهدّد آل محمد بالإحراق عليهم في شعب أبي طالب بمكة(٢) ، وكان يقول عنهم أنهم أهيل سوء يشمخون بأنوفهم(٣) وهو وصفٌ مقابل وصف الطهارة التي وصفوا بها في القرآن الكريم :( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٤) .

وكان عبد الله بن الزبير يضع العيون على الإمام السجادعليه‌السلام يراقبونه ويحصون عليه انفاسه ، ويوصي أخيه مصعب بقتل الشيعة في العراق رجالاً ونساءً .

ــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٨٤ .

(٢) تأريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٦١ .

(٣) مروج الذهب ج ٣ ص ٨٨ .

(٤) سورة الأحزاب : الآية ٣٣ .

٣٠٢

وبكلمة ، فقد كانت تلك الحرمة مناوئة لخط الإمامة والولاية فلم يؤيدها زين العابدينعليه‌السلام ولا بكلمة واحدة .

وأما حركة التوابين الذين طلبوا بثأر الحسينعليه‌السلام ، وحركة المختار الذي تتبع قتلة الحسينعليه‌السلام فقتلهم عن بكرة أبيهم(١) ، فقد وضععليه‌السلام لهما سياسة واضحة في المؤازرة غير المباشرة وقد عبّر عن ذلك في مخاطبته لعمه محمد بن الحنفية : ( يا عمّ ، لو أن عبداً تعصّب لنا أهل البيت ، لوجب على الناس مؤازرته ، وقد وليتك هذا الأمر ، فاصنع ما شئت ) فهوعليه‌السلام أناب عمه لاتخاذ القرار ، وهوعليه‌السلام يعلم علم اليقين بأن عمه سوف لن يتوانى عن دعم تلك الحركة في سعيها من الإقتصاص من قتلة آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وهذا التوازن الحكيم في تلك الحقبة المرعبة من تأريخ الأمة الإسلامية ، حفظ الدين ورسالته السماوية العظيمة ، وبقي الإمام زين العابدينعليه‌السلام علماً في العبادة والعلم والتقوى والزهد ، وبقي منهجهعليه‌السلام لإحياء الدين حياً إلى هذا اليوم ، وسوف يبقى حياً إلى يوم الدين ، كما وعدنا الله بذلك وربك لا يخلف الميعاد .

ــــــــــــــــ

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٨٤ .

٣٠٣

الفصل الرابع : الآثار المدوّنة

من الآثار الكاملة المدوّنة للإمام السجادعليه‌السلام : الصحيفة السجادية ، ورسالة الحقوق ، ورسالة في الزهد وتلك كتب ورسائل خاطب بها الإمامعليه‌السلام ثلاث جهات فقد خاطب السجادعليه‌السلام الله تبارك وتعالى في ( الصحيفة السجادية ) ، وخاطب المجتمع في ( رسالة الحقوق ) ، وخاطب الدنيا وما فيها في ( رسالة الزهد ) والصورة الكلية لتلك الرسائل قائمة على المضمون العقائدي والإخلاقي للدين ورسالة خاتم الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والدعاء أدب ديني مبارك ، على نسقٍ رائعٍ جميلٍ ، ولغة ثرية ، ومفاهيم غنيّة ، وبلاغة عبقرية وهذا الطريق البارع من طرق البيان اختص به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيتعليه‌السلام دون غيرهم من العالمين وزمانهمعليه‌السلام كان يحفل بأهل الأدب والبيان والبلاغة والشعر ، ولكن لم يرق إلى هذا النثر الديني الرائع غير أدبهم ، ولم تسم إلى هذا المنثور المعجز سوى ألسنتهم الناطقة بالحق .

ومن بيان الروعة في أدب الإمام السجادعليه‌السلام في الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق ورسالة الزهد ، أنه أطنب ببلاغة معجزة في وصف الجنّة والنار ، والنعيم والعذاب ، والآخرة والدنيا ، والخير والشر ، والإيمان والفسوق ، تشويقاً وتهويلاً والإطناب في فلسفة اللغة من أرقى مراتب البلاغة ومن أروع صورها ووجوهها والهدف من كل ذلك ترغيب الناس على عمل الخير ، والبر بالناس وبأنفسهم ، وزجرهم عن ارتكاب الشر ، والابتعاد عن القبيح الحرام .

٣٠٤

الصحيفة السجادية

الصحيفة السجادية هي مجموعة من الأدعية التي أنشأها الإمام السجادعليه‌السلام أيام حكم بني أمية ، رواها عنه ولداه : الإمام محمد الباقرعليه‌السلام ( ت ١١٤ هـ ) ، وزيد بن علي ( ت ١٢٢ هـ ) وأملاها الباقرعليه‌السلام على ولده الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، بينما ورثها يحيى ( ت ١٢٥ هـ ) من أبيه زيد وأملاها الإمام الصادقعليه‌السلام على عمر بن هارون الثقفي البلخي ( ت ١٩٤ هـ ) ، حيث حافظ على الصحيفة واعتنى بها اعتناءً شديداً ، وعنه رواها الرواة .

أ ـ في سند الصحيفة ووثاقتها

وكانت تلك المجموعة من الأدعية تسمى بالدعاء الكامل كما جاء في رواية ابن الأعلم ان البلخي نقل عن يحيى قوله : ( ولأخرجن صحيفة من الدعاء الكامل ) وبعد أن أصبح تداول الصحيفة مشهوراً عند الطائفة ، عرفت بالصحيفة السجادية وسميت بالصحيفة السجادية الكاملة ، لأن للزيدية صحيفة غير تامة ناقصة عن

٣٠٥

المشهورة ، وتقرب من نصفها ، فاشتهرت هذه بالكاملة قبال تلك كما نقل ذلك السيد المرعشي ( ت ١٤١١ هـ ) عن السيد جمال الدين الكولباني ( ت ١٣٤٠ هـ ((١) .

ومن ناحية السند ، فقد حظيت الصحيفة بإهتمام واسع من قبل علماء أهل البيتعليه‌السلام فقد أسند إليها النجاشي ( ت ٤٥٠ هـ ) ، والطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) ، وابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ هـ ) .

وأشار المجلسي الأول ( ت ١٠٧٠ هـ ) ، وهو والد مصنف بحار الأنوار المجلسي الثاني ( ت ١١١١ هـ ) ، في إجازته المؤرخة سنة ١٠٦٤ هـ : ( إنه لاشك في أن الصحيفة الكاملة ، عن مولانا سيد الساجدين بذاتها وفصاحتها وبلاغتها ، واشتمالها على العلوم الإلهية التي لا يمكن لغير المعصوم الإتيان بها والحمد لله رب العالمين على هذه النعمة الجليلة العظيمة التي اختصت بنا معشر الشيعة )(٢)

قال مصنف جواهر الكلام ( ت ١٢٦٦ هـ ) في معرض حديثه عن كون إقامة الجمعة من مناصب الإمامة كالقضاء والحدود : ( وفي الصحيفة [ رقم الدعاء ٤٨ ] المعلوم أنها من السجادعليه‌السلام في دعاء يوم الجمعة وثاني العيدين : اللهم إن هذا المقام لخلفائك

ــــــــــــــــ

(١) مقدمة الصحيفة ـ طبعة المشكاة .

(٢) بحار الأنوار ج ١١٠ ص ٦٦ .

٣٠٦

وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتم بها قد ابتزوها ، وأنت المقدر لذلك ـ إلى أن قال ـ : حتى عاد صفوتك وخلفائك مغلوبين مقهورين مبتزين يرون حكمك مبدلاً وفيه مواضع للدلالة على المطلوب )(١)

وقال الشيخ الأنصاري ( ت ١٢٨١ هـ ) في كفارة الغيبة أنها من حقوق الناس ، ويتوقف رفعها على إسقاط صاحبها حقه ، وقال : ( وفي الدعاء التاسع والثلاثين من أدعية الصحيفة السجادية ودعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل على هذا المعنى )(٢)

وقال السيد الأمين ( ت ١٣٧١ هـ ) : ( وبلاغة ألفاظها وفصاحتها التي لا تبارى ، وعلو مضامينها وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه ، والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها ، وإن هذا الدرّ من ذلك البحر ، وهذا الجوهر من ذلك المعدن ، وهذا المعدن من ذلك الشجر ، مضافاً إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب ، وتعدد أسانيدها المتصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرينعليه‌السلام ، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة المتصلة إلى زين العابدينعليه‌السلام   .

ــــــــــــــــ

(١) جواهر الكلام ج ١١ ص ١٥٨ .

(٢) المكاسب ص ٤٣ الطبعة الحجرية تبريز : ١٣٧٥ هـ .

٣٠٧

وأشار السيد البروجردي ( ت ١٣٨٠ هـ ) إلى ذلك قائلاً : ( ولا يخفى أن كون الصحيفة من الإمامعليه‌السلام من البديهيات ، وهي زبور آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشهد بذلك أسلوبها ونظمها ومضامينها التي يلوح منها آثار الإعجاز ، ولها إسناد ذكرها الشيخ والنجاشي ، ولشارحها السيد علي خان رحمه الله ألفا سند عن آبائه ((١) .

وذكر الشيخ أغا بزرك الطهراني : ( الصحيفة السجادية الأولى المنتهي سندها إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وللأصحاب اهتمام بروايتها ويخصونها بالذكر في إجازاتهم وعليها شروح كثيرة ذكرت في محلها ، وهي من المتواترات عند الأصحاب ، لاختصاصها بالإجازة والرواية في كل طبقة وعصر ، ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، وزيد الشهيد ابنا علي بن الحسين عن أبيهما علي بن الحسينعليه‌السلام ، المتوفى مسموماً سنة ٩٥ للهجرة )(٢)

واستدرك جمعٌ من علماء آل البيتعليه‌السلام على ما لم يرد في الصحيفة السجادية المشهورة من أدعية السجادعليه‌السلام فجمعوا أدعية الإمامعليه‌السلام في صحف سميت بالثانية والثالثة ، وهكذا فمنها :

ــــــــــــــــ

(١) البدر الزاهر ص ٢٥ .

(٢) الذريعة ج ١٥ ص ١٨ .

٣٠٨

الصحيفة الثانية : جمعها الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ( ، واستخرجها من الأصول المعتمدة عنده ، وكتب آخرها : ( يقول العبد محمد بن الحسن بن علي بن محمد الحر العاملي ، عفا الله عنه ، هذا ما وصل إليّ مما خرج عن الصحيفة الكاملة )(١) وتحتوي الصحيفة على ثلاثةٍ وستين دعاءً طبعت بالهند عام ١٣١١ هـ(٢)

الصحيفة الثالثة : جمعها المولى عبد الله بن عيسى بن صالح الاصفهاني المعروف بالأفندي ( القرن الثاني عشر ) مصنف ( رياض العلماء ) وقد استدرك فيها ما فات الحر العاملي ، وقد طبعت على الحجر(٣) ، ثم طبعت بقم عام ١٤٠٠ هـ .

الصحيفة الرابعة : جمعها المحدّث حسين النوري ( ت ١٣٢٠ هـ ) وقد استدرك فيها ما فات الأفندي ، وقد جمع سبعاً وسبعين دعاءً غير مذكورة في سائر الصحائف(٤)

الصحيفة الخامسة : جمعها السيد محسن الأمين ( ت ١٣٧١ هـ ) ، طبعت بدمشق عام ١٣٣٠ هـ وقد استدرك فيها الصحائف

ــــــــــــــــ

(١) الذريعة في تصانيف الشيعة ج ١٥ ص ١٨ وروضات الجنّات ج ٧ ص ٩٧ .

(٢) الذريعة ج ١٥ ص ٢٠ .

(٣) أعيان الشيعة ج ٤ القسم الأول ص ٥٠٠ .

(٤) الذريعة ج ١٥ ص ١٩ .

٣٠٩

السابقة ، ومجموع أدعيتها مائة واثنان وثمانين دعاءً ، انفرد منها باثنين وخمسين دعاءً(١)

وهناك صحف أخرى غير مطبوعة كما ذكر مصنف الذريعةرحمه‌الله

مصادر الصحيفة :

ومصادر الصحيفة السجادية أربعة :

١ ـ رواية محمد بن أحمد بن مسلم بن مطهر ، عن أبيه ، عن عمير بن المتوكل ، عن أبيه الذي ينتهي السند إليه ذكرها النجاشي والطوسي في رجالهما(٢)

٢ ـ رواية ابن مالك عن أحمد بن عبدالله عن محمد بن صالح ، عن عمر بن المتوكل ، عن المتوكل بن هارون ، عن يحيى بن زيد ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام ذكرها الشيخ الطوسي في رجاله .

٣ ـ رواية أبو الحسن علي بن النعمان الأعلم ( المصري ) ، عن عمير بن المتوكل ، عن المتوكل(٣) وهي المشهورة ، نشرها السيد محمد المشكاة ( ت ١٤٠١ هـ ( .

ــــــــــــــــ

(١) الذريعة ج ١٥ ص ١٩ .

(٢) رجال النجاشي ص ٣٠١ ، وفهرست الشيخ الطوسي ص ١٧١ .

(٣) شرح الصحيفة للسيد علي خان ص ٣ .

٣١٠

٤ ـ رواية الحسين بن إشكيب المروزي ( الثقفة ) ، عن عمير بن هارون المتوكل البلخي ، وهذه النسخة مفقودة .

ب ـ الدلالات العلمية للصحيفة

تحتوي الصحيفة السجادية ، بالإضافة إلى بلاغتها اللغوية وروعة مضامينها العرفانية ، على جملة من المفاهيم والحقائق العلمية التي كانت غامضة زمن الإمام السجادعليه‌السلام ؛ وكانت تفهم على نحو المجاز أو التشبيه اللفظي ، وهي :

١ ـ اليد صانعة الحضارات : في دعائه في التمحيد لله عزّ وجلّ ، يقولعليه‌السلام : ( الحمد لله الذي ركب فينا آلات البسط ، وجعل لنا أدوات القبض )(١)

وأهم آلات القبض والبسط عند الإنسان اليدين اللتان تنبسطان وتنقبضان بإرادته واختياره وذلك الإنبساط والإنقباض هو الذي يساعد الإنسان على صنع الحجر واستخراج الحديد ومسك القلم وحمل الأشياء ولولا البسط والقبض في اليدين لما استطاع الإنسان ـ على مر التأريخ ـ إنشاء الحضارات وبناء القصور وتذليل الأرض لمنافعه .

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الأول ص ٣٢ .

٣١١

وإلتفاتة دقيقة في دعائهعليه‌السلام وهي : ان الله عزّ وجلّ ركّب آلة البسط ( أي أنه تعالى خلق اليد ) بصورتها التكوينية الطبيعية ، وأعطى الإنسان ( بالجعل ) القدرة على تحريكها وقبضها وبذلك جعل للإنسان خيار استثمار تلك الأداة من أجل نفعه ، فقالعليه‌السلام : ( وجعل لنا أدوات القبض ) .

٢ ـ نظرية العرض والطلب : في دعائه في الاستسقاء يقولعليه‌السلام : ( اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً تملأ منه الجباب ، وتفجر به الانهار ، وتنبت به الأشجار ، وترخص به الاسعار في جميع الأمصار )(١) ونسب إليه أيضاً : ( ان الله تعالى وكل بالأسعار ملكاً يدبرها ، فلن يغلو من قلّة ولن يرخص من كثرة ((٢) .

فإذا هطل المطر ارتوت الأرض ونمت الأشجار وأينعت الثمار ، فوفرة المطر تزيد المحصول الزراعي وإذا ازداد المحصول الزراعي انخفضت اسعاره وهذه هي جوهر فكرة العرض والطلب في الاقتصاد الحديث فتوفر المحاصيل الزراعية في السوق ـ نتيجة وفرة المطر ـ تخفض قيمتها ، فتنخفض عندها الأسعار .

وإذا صحت نسبة القول الثاني إليهعليه‌السلام ، فهي تؤدي إلى نفس النتيجة فهو وإن ينفي صحة نظرية الطلب والعرض ويربطها

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ الدعاء التاسع عشر ص ٩٠ .

(٢) لئالئ الأخبار للتسركاني ص ١٧٧ .

٣١٢

بالقضية الغيبة ، إلا ان مجرد طرح تلك النظرية يدلّ على سبق فكري عظيم ولا أخال أن أحداً سبق الإمام زين العابدينعليه‌السلام في طرح هذه الفكرة التي قامت عليها النظرية الاقتصادية الحديثة .

٣ ـ كروية الأرض : في دعائهعليه‌السلام في ولوج الليل بالنهار : ( يولج كل واحد منهما في صاحبه ، ويولج صاحبه فيه ) يستفاد بالدلالة على كروية الأرض من تكرار جملة ( يولج ) قال الشيخ بهاء الدين العاملي ( ت ١٠٣١ هـ ) : ( ان تكرار الجملة الثانية تؤدي ـ حسب الظاهر ـ المراد منها وهو حمل الواو على الحال لأمر مستغرب وهو حصول الزيادة والنقصان معاً في كل واحد من الليل والنهار في آن واحد وذلك بحسب اختلاف البقاع كالشمالية عن خط الإستواء والجنوبية عنه سواء كانت مسكونة أم لا ، فأن صيف الشمالية شتاء الجنوبية وبالعكس فزيادة النهار ونقصانه واقعان في وقت واحد لكن في بقعتين ، وكذلك زيادة الليل ونقصانه ) .

وبمعنى أوضح أنه أراد صلوات الله عليه بهذا البيان البديع التعريف بما لم تدركه العقول في تلك العصور وهو كروية الأرض ، وحيث إن هذا المعنى كان بعيداً عن أفهام الناس لانصراف العقول عن إدراك ذلك ، تلطف ـ وهو الإمام العالم بأساليب البيان ـ بالإشارة إلى ذلك على وجه بليغ ، فإنهعليه‌السلام لو كان بصدد بيان ما يشاهده عامة الناس من أن الليل ينقص تارةً فتضاف من ساعاته إلى النهار ، وينقص النهار تارةً أخرى فتضاف من ساعاته إلى الليل ، لاقتصر على الجملة الأولى : ( يولج كل واحد منهما في صاحبه ) ولما احتاج إلى ذكر الجملة الثانية : ( ويولج صاحبه فيه ) إذن فذكر الجملة الثانية إنما هو للدلالة على أن إيلاج كل من الليل والنهار في صاحبه يكون في حال إيلاج صاحبه فيه ، لأن ظاهر الكلام أن الجملة الثانية حالية ، ففي هذا دلالة على كروية الأرض ، وأن إيلاج الليل في النهار ـ مثلاً ـ عندنا يلازم إيلاج النهار في الليل عند قوم آخرين .

٣١٣

ولو لم تكن مهمة الإمامعليه‌السلام الإشارة إلى هذه النكتة العظيمة لم تكن لهذه الجملة الأخيرة فائدة ، ولكانت تكراراً معنوياً للجملة الأولى(١)

٤ ـ في دعائه لأهل الثغور ، حيث يدعو على الكافرين فيقولعليه‌السلام : ( اللهم وامزج مياههم بالوباء وأطعمتهم بالأدواء )(٢) وهو يدل على أن الماء وسط لنقل الأوبئة الفتاكة كالكوليرا والملاريا وهذا لم يكن معروفاً زمن النص ، بل ثبت ذلك بالتجارب العلمية الحديثة .

٥ ـ وزن الأشياء قالعليه‌السلام : ( سبحانك تعلم وزن السموات ، سبحانك تعلم وزن الأرضين ، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر ،

ــــــــــــــــ

(١) البيان للخوئي ص ٧٦ .

(٢) الصحيفة السجادية ـ الدعاء رقم (٢٧) ص ١٢٣ .

٣١٤

سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور ، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء )(١)

لاشك ان معرفة وزن الشيء لا تتم إلا بوجود آلة أو واسطة لقياس تلك الكتلة من المادة فقياس الوزن بمكيال هي عملية لها ضوابط آلية كالميزان وضوابط حسابية كالأرقام فإذا أردنا وزن شيء فإننا نأخذ ذلك الشيء ونضعه في الميزان ونحسب بالغرامات أو الأونسات وزنه ولا يمكن وزن الشيء إلا بوجود شيء آخر مقابل له بنفس الوزن أي لا نستطيع وزن كمية من التراب إلا بوجود كمية مقابلة من الحديد فمقدار معين من التراب يعادل كيلو واحد من الحديد مثلاً .

وإذا أراد الإنسان أن يوزن الأرض فعليه أن يحقق عملين مستحيلين لا يقدر عليهما إلا الله عزّ وجلّ ، وهما :

الأول : إيجاد أو صنع ميزان ضخم بحيث يستطيع أن يضع الأرض في الكفة الأولى .

والثاني : إيجاد كتلة حديدية ضخمة بحجم الأرض يضعها في الكفة الثانية حتى يستطيع أن يعرف وزن الأرض .

والأمر أضخم بالنسبة للسموات فمن يستطيع أن يعلم وزن الكون غير الله عزّ وجلّ ؟ ولو كان للنور والظلمة وزن لعلمها الله تعالى لأنه يعلم كل شيء فسبحانك تعلم وزن السموات ، سبحانك تعلم وزن الأرضين .

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ الدعاء الرقم (٥١) ص ٢٣٩ .

٣١٥

ج ـ قضية استغفار المعصومعليه‌السلام

ثبتت كل الدلائل التأريخية والعلمية على عصمة الأنبياء والأئمة الطاهرينعليه‌السلام عن كل ذنب ، وطهارتهم عن كل دنس أو رجس ، ونزاهتهم عن كل ما يوصم مقامهم ، ولم يصدر عنهم شيء من المعاصي الصغيرة أو الكبيرة فكيف نفسر قول السجادعليه‌السلام في دعائه : ( اللهم يحجبني عن مسألتك خلالٌ ثلاث ، ويحدوني عليها خلّة واحدة يحجبني أمرٌ أمرت به فابطأت عنه ، ونهيٌ نهيت عنه فأسرعت إليه ، ونعمةٌ أنعمت بها عليّ فقصرّت في شكرها(١) ، أو قولهعليه‌السلام : ( ربّ افحمتني ذنوبي ، وانقطعت مقالتي فلا حجة لي )(٢) ، أو قول إمام آخر : ( ربّ عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني )(٣) ؟ فهل ان السجاد المعصومعليه‌السلام قد أرتكب معصية ؟ أو انه قال ما لم يفعلهعليه‌السلام للتوجيه والإرشاد ؟

ــــــــــــــــ

(١) الصحيفة السجادية ـ دعاء ١٢ إعترافه بالتقصير ص ٦٦ .

(٢) الصحيفة السجادية ـ دعاء ٥٣ ص ٢٤٥ .

(٣) كشف الغمة للأربلي ص ٢٥٤ وهذا القول العطر هو للإمام الكاظمعليه‌السلام

٣١٦

وفي الجواب على ذلك نعرض بعضاً من الآراء التي حاولت تفسير استغفار الإمام المعصومعليه‌السلام لنفسه ، وهي :

١ ـ أورد البيضاوي في ( شرح المصابيح ) في شرح قول النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ليغان على قلبي واني لاستغفر الله في اليوم مائة مرة ) : الغين لغةً الغيم ، وغان على كذا أي غطاه عليه قال أبو عبيدة : أي يتغشى قلبي ما يلبسه وقد بلغنا عن الأصمعي انه سئل عن معنى الحديث ، فقال للسائل : عن قلب من تروي فقال : عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لو كان قلب غيره لكنت أفسره لك قال القاضي : ولله در الأصمعي في انتهاج منهج الأدب وإجلاله القلب الذي جعله الله موقع وحيه ومنزل تنزيله .

قال العيني : قيل الوجه في استغفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو معصوم ان اشتغاله بالنظر في مصالح الأمة ومحاربة الأعداء وتأليف المؤلفة قلوبهم شاغل له عن عظيم مقامه من حضوره مع الله عزّ وجلّ وفراغه مما سواه فيراه ذنباً بالنسبة إليه ، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال فهو نزول عن عالي درجته فيستغفر لذلك ، وقيل كان دائماً في الترقي في الأحوال ، فإذا رأى ما قبلها دونه استغفر منه كما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين(١)

ــــــــــــــــ

(١) عمدة القاري ج ١ ص ٥٢١ ، وشرح مشارق الأزهار ج ١ ص ١٨٦ وقال في ( المصباح المنير ) في مادة ( غين ) : وفي حديث ( وانه ليغان على قلبي ( كناية عن الاشتغال عن المراقبة بالمصالح الدنيوية ، فانها وإن كانت مهمة فهي في مقابلة الأمور الأخروية ، كاللهو عند أهل المراقبة ( ج ٢ ص ١٣١ )

٣١٧

٢ ـ قال الأربلي ( ت ٦٨٧ هـ ) في رد هذا الإشكال : ان الإنبياء والأئمةعليه‌السلام أوقاتهم مشغولة بالله تعالى وقلوبهم مملوءة به ، وخواطرهم متعلقة بالمبدأ الأعلى جلّ شأنه فهم في المراقبة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( اعبد ربك كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك ) فهذه الذوات القدسية في جميع الأنات متوجهة إلى المولى تعالى ومقبلون بكلّيتهم عليه فلا يرون أحداً في الوجود إلا النور الأقدس عزّ شأنه ، فكانوا يعدّون اشتغالهم بالأكل والشرب وغيرها من المباحات حطاً عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة ويرونه ذنباً وتقصيراً عما يراد منهم ، وإلى هذا وقعت الإشارة في كلامهم عليهم السلام : ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) )(١)

ومن هذين الرأيين وغيرهما من الآراء نستنتج ان استغفار المعصومعليه‌السلام إنما هي قضية رتبة عليا ومنزلة قصوى ، تحتّم عليه دائماً الترقي في الأحوال والتسامي إلى النور المطلق عزّ شأنه فأي شاغل دنيوي مباح يشغله عن ذكر الله تعالى يعدّه سيئة من السيئات ، فيستغفر الله تعالى عن ذلك وهذا الرأي أقرب إلى الصواب من غيره من الآراء .

ــــــــــــــــ

(١) كشف الغمة ص ٢٥٥ .

٣١٨

د ـ مقاطع منتخبة من أدعية الصحيفة السجادية :

وهذه مقاطع قصيرة اقتطعناها من أدعية الصحيفة السجادية ( ٣٠٥ صفحة بالطبعة الحديثة ) ، حاولنا فيها إبراز عبودية الإمامعليه‌السلام المخلصة لله تبارك وتعالى ، وكون الصحيفة مدرسة أخلاق وعرفان وتهذيب للمؤمنين .

الدعاء الأول : التحميد لله عزّ وجلّ

أَلْحَمْدُ للهِ الاوَّلِ بِلا أَوَّل كَانَ قَبْلَهُ، وَ الاخِر بِلاَ آخِر يَكُونُ بَعْدَهُ الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ اَلْوَاصِفِينَ ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ اَبتِدَاعَاً، وَ اخْتَرَعَهُمْ عَلَى مَشِيَّتِهِ اخترَاعاً، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ. لا يَمْلِكُونَ تَأخِيراً عَمَا قَدَّمَهُمْ إليْهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ تَقَدُّماً إلَى مَا أَخَّرَهُمْ عَنْهُ ...

وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلاَتِ الْبَسْطِ، وَجَعَلَ لَنَا أدَوَاتِ الْقَبْضِ، وَمَتَّعَنا بِاَرْواحِ الْحَياةِ ، وَأثْبَتَ فِينَا جَوَارِحَ الاعْمَال ، وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ ، وَأقْنانَا بِمَنِّهِ ، ثُمّ أَمَرَنَا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنَا، وَنَهَانَا لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنَا فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ وَرَكِبْنا مُتُونَ زَجْرهِ فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ بَلْ تَانَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً...

الدعاء الثاني : الصلاة على محمد وآله

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دُونَ الاُمَمِ الْمَـاضِيَةِ وَالْقُـرُونِ السَّالِفَةِ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَيْء وَ إنْ عَظُمَ، وَ لا يَفُوتُهَا شَيءٌ وَإنْ لَطُفَ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَى جَمِيع مَنْ ذَرَأَ وَ جَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ جَحَدَ وَكَثَّرَنا بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَ صَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ، كَمَا نَصَبَ لاَِمْرِكَ نَفْسَهُ ، وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعَآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ وَ حَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ وَقَطَعَ فِىْ إحْياءِ دِينِـكَ رَحِمَهُ ...

٣١٩

الدعاء الثالث : الصلاة على حلمة العرش

اللَّهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ الَّذِينَ لا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ، وَلا يَسْـأَمُـونَ مِنْ تَقْـدِيْسِـكَ، وَلا يَسْتَحسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ، وَلاَ يُؤْثِرُونَ التَّقْصِيرَ عَلَى الْجِدِّ فِي أَمْرِكَ، وَلا يَغْفُلُونَ عَنِ الْوَلَهِ إلَيْكَ. وَإسْرافِيْلُ صَاحِبُ الصُّوْرِ، الشَّاخِصُ الَّذِي يَنْتَظِرُ مِنْكَ الاذْنَ وَحُلُولَ الامْرِ، فَيُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعى رَهَائِنِ الْقُبُورِ. وَمِيكَآئِيلُ ذُو الْجَاهِ عِنْدَكَ، وَالْمَكَانِ الرَّفِيعِ مِنْ طَاعَتِكَ. وَجِبْريلُ الامِينُ عَلَى وَحْيِكَ، الْمُطَاعُ فِي أَهْلِ سَمَاوَاتِكَ، الْمَكِينُ لَدَيْكَ، الْمُقَرَّبُ عِنْدَكَ، وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ عَلَى مَلائِكَةِ الْحُجُبِ، وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْرِكَ.

الدعاء الرابع : الصلاة على مُصدقِّي الرُسل

... اَللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّد خَاصَّةً الَّـذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ، وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاَتِهِ، وَفَارَقُوا الازْوَاجَ وَالاوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الاباءَ وَ الابناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بهِ وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ، وَالّذينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظلِّ قَرَابَتِهِ، فَلاَ تَنْسَ لَهُمُ الّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ وَبِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ ...

الدعاء الخامس : دعاؤُه لنفسه وخاصته

... اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَقِنَا مِنْكَ، وَاحْفَظْنَا بِكَ، وَاهْدِنَا إلَيْكَ، وَلاَ تُبَاعِدْنَا عَنْكَ إنّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ، وَمَنْ تُقَرِّبُهُ إلَيْكَ يَغْنَمْ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِنَا حَدَّ نَوائِبِ الزَّمَانِ، وَشَرَّ مَصَائِدِ الشّيطانِ وَمَرَارَةَ صَوْلَةِ السُّلْطَانِ. اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفِي الْمُكْتَفُونَ بِفَضْـل قُوَّتِكَ فَصَلِّ عَلَى محَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْفِنَا وَإنَّمَا يُعْطِي الْمُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأعْطِنَا ، وَإنمَا يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ فَصَلِّ عَلَى محمّد وَآلِهِ وَاهْدِنَا ...

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413